الأفكار العامة:
– تتعرض كلٌّ من إسواتيني وجنوب السودان لضغوط أمريكية لقبول استقبال مجرمين خطرين تم ترحيلهم من الولايات المتحدة.
– تثير سياسة الترحيل التي ينتهجها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قلقًا واسعًا بشأن التهديدات الأمنية، وانتهاكات حقوق الإنسان، وتقويض المبادئ الأساسية للقانون الإنساني الدولي.
– قدَّمت الولايات المتحدة مبلغ خمسة ملايين دولار إلى السلفادور مقابل احتجاز أكثر من 250 مواطنًا فنزويليًّا مُرحَّلًا في سجن مشدَّد الحراسة، سيئ السمعة بسِجِلّه في انتهاك حقوق الإنسان.
– أقرت المحكمة العليا الأمريكية في يونيو الماضي قرارًا يسمح بترحيل المهاجرين إلى دول ثالثة دون إخطارهم مسبقًا أو مَنْحهم حق الطعن القضائي.
– كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” أن دبلوماسيًّا أمريكيًّا شجَّع السلطات الإستونية في مارس الماضي على استقبال المرحّلين، رغم أن تقريرًا لوزارة الخارجية الأمريكية أشار سابقًا إلى وجود انتهاكات لحقوق الإنسان في إستونيا.
– لطالما تبنت كلٌّ من أستراليا والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي نَهْج الترحيل القسري وإعادة اللاجئين إلى دول إفريقية ضمن سياسة outsourcing لمعالجة طلبات اللجوء.
بقلم: كيلي إي ستون*
ترجمة: سيدي.م. ويدراوغو
تُجسّد كلٌّ من إسواتيني وجنوب السودان نموذجًا للضغوط الأمريكية التي تُمارَس على بعض الدول الإفريقية لاستقبال مدانين بجرائم عنف خطيرة.
وقد أثارت سياسة الترحيل التي اعتمدها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب موجة انتقادات دولية؛ لما تنطوي عليه من اختلال فاضح في موازين القوة بين الولايات المتحدة والدول النامية، إلى جانب ما تَطرحه من مخاوف حقيقية بشأن الأمن وحقوق الإنسان واحترام القانون الدولي الإنساني.
أحد أبرز الأمثلة على ذلك ظهر في شهر مارس الماضي، حين دفعت واشنطن خمسة ملايين دولار للسلفادور مقابل احتجاز أكثر من 250 فنزويليًّا تم ترحيلهم، في سجن يخضع لحراسة مشددة وتلاحقه اتهامات بانتهاك حقوق الإنسان. وقد وُجِّهت لهؤلاء اتهامات بالانتماء لعصابات إجرامية.
ورغم غياب تفاصيل الاتفاق، إلا أن المؤشرات تفيد بأن السلفادور حصلت، مقابل هذا التعاون، على دعم سياسي من واشنطن ودعوة إلى البيت الأبيض، بالرغم من الانتقادات الموجَّهة إلى حكومة الرئيس ناييب بوكيلي بشأن تراجع الحريات العامة.
منذ ذلك الحين، عمدت إدارة ترامب إلى توسيع نطاق سياسة الترحيل، لتشمل دولًا إفريقية؛ حيث تم مؤخرًا ترحيل أفراد من دول كفيتنام وجامايكا واليمن إلى جنوب السودان وإسواتيني، مبرّرة ذلك برفض بلدانهم الأصلية “استعادتهم”.
وفي يونيو، أصدرت المحكمة العليا الأمريكية حكمًا يسمح بترحيل المهاجرين إلى دول ثالثة دون إشعار مسبق أو منحهم حق الطعن القانوني، وهو ما يُعدّ تراجعًا خطيرًا عن الالتزامات التي تفرضها اتفاقية مناهضة التعذيب، والتي تمنع ترحيل الأفراد إلى بلدان يُحتمل أن يتعرضوا فيها للتعذيب أو المعاملة اللاإنسانية.
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة من الدول المُوقِّعة على الاتفاقية، تجاهلت الأغلبية المحافظة في المحكمة هذه الحماية، ووسَّعت صلاحيات الحكومة الفيدرالية في تسريع إجراءات الترحيل، دون تقديم تبريرات قانونية وافية. في المقابل، أكدت الأقلية المعارضة أن مثل هذه القرارات التي تمسّ مصير الأفراد تتطلب عناية فائقة واحترامًا صارمًا لسيادة القانون.
الولايات المتحدة تستخدم المساعدات والتجارة للضغط على جنوب السودان وإسواتيني:
أشارت تقارير إلى أن الولايات المتحدة استخدمت أدوات مثل المساعدات الاقتصادية والتجارة؛ للضغط على دول إفريقية مثل جنوب السودان وإسواتيني لقبول المُرحَّلين على أراضيها. ويُعزّز هذا التوجُّه المخاوف بشأن مدى التزام واشنطن بالقانون الدولي، خاصةً في ضوء قرار المحكمة العليا الأخير الذي تجاهل القواعد الدولية، مما يُلقي بظلالٍ من الشك على استعدادها لاحترام التزاماتها بموجب اتفاقية عام 1951م الخاصة بوضع اللاجئين وبروتوكول 1967م، واللذين يمنعان إعادة اللاجئين إلى بلدانٍ يُواجهون فيها تهديدًا حقيقيًّا لحياتهم أو حريتهم.
وفي أبريل، أفادت تقارير بأن الولايات المتحدة دفعت مبلغ 100 ألف دولار لرواندا مقابل استضافة لاجئ عراقي تتهمه بغداد بارتباطه بــــ”تنظيم الدولة”، رغم أن تقرير الخارجية الأمريكية لعام 2023م وثَّق ظروف احتجاز قاسية قد تُعرِّض حياته للخطر في رواندا.
كما كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” أن دبلوماسيًّا أمريكيًّا شجَّع السلطات الإستونية في مارس على استقبال مرحّلين، رغم أن تقريرًا رسميًّا أمريكيًّا أشار إلى ممارسات مقلقة في البلاد، كحالات إعدام خارج نطاق القضاء وتعذيب.
وتتزايد الشكوك بشأن احترام الحقوق الأساسية للمرحلين، لا سيما بعد أن قدَّم مركز التقاضي للجنوب الإفريقي التماسًا عاجلًا إلى المحكمة العليا في 31 يوليو ضد مصلحة السجون في إسواتيني، بسبب حرمان المحامين من التواصل مع المُرحَّلين المحتجزين.
إلى جانب التداعيات الحقوقية، ساهمت عمليات الترحيل في تعميق حالة عدم الثقة بين السكان المحليين والسلطات في الدول المضيفة. فالسرية التي تحيط بهذه الاتفاقيات تُغذِّي الشكوك وتزيد من حالة التوتر وعدم الاستقرار، خاصةً في دول مثل جنوب السودان وإسواتيني التي تعاني أصلًا من العنف السياسي وقمع الحركات الديمقراطية.
ويرى العديد من المواطنين أن الولايات المتحدة لجأت إلى استخدام المساعدات والتبادل التجاري كأدوات ضغط لدفع هذه الدول إلى القبول بالمرحلين، في محاولة لاسترضاء إدارة ترامب والحصول على امتيازات سياسية أو اقتصادية. هذا الأمر يثير تساؤلات حقيقية حول طبيعة التنازلات التي تم تقديمها في المقابل.
وبينما تنتهج أستراليا والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي سياسة الاستعانة بمصادر خارجية لمعالجة الهجرة. يعكس النهج الأمريكي تجاه الترحيل تصورًا مقلقًا عن القارة الإفريقية، يُختزل في اعتبارها “مكبّ النفايات” لترحيل الأجانب المدانين بجرائم عنف، بدلًا من النظر إليها كشريك إستراتيجي في قضايا الأمن والتنمية العالمية. ورغم ذلك، فإن الاعتماد على الاستعانة بمصادر خارجية لإدارة شؤون الهجرة ليس نهجًا أمريكيًّا حصريًّا.
فقد اعتمدت دول مثل أستراليا والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي منذ سنوات على إرسال طلبات اللجوء وعمليات الإعادة إلى دول إفريقية، غالبًا ذات إمكانات محدودة وحماية قانونية ضعيفة. ورغم ما يُروَّج له من أهداف تتعلق بضبط تدفقات الهجرة، فإن هذا الأسلوب يُحمِّل دولًا هشَّة عبئًا إداريًّا وإنسانيًّا يفوق طاقتها، ويثير تساؤلات قانونية وأخلاقية بشأن مدى احترام الدول الغربية لحقوق طالبي اللجوء، مما يعكس تفضيلًا واضحًا لمصالحها على حساب كرامة وحقوق الآخرين.
في السياق ذاته، جسَّد شعار ترامب “إعادة العظمة لأمريكا” سياسة ترحيل قاسية، ركَّزت على إبعاد الأجانب المدانين وتعزيز مصالح أمريكا أولًا. ففي أول ستة أشهر من حكمه، بدأ بتقليص المساعدات الخارجية، في إشارة إلى رغبة واشنطن في تقليص التزاماتها الدولية؛ بزعم أن بلاده كانت تُستغَل من شركائها حول العالم.
سلّط وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو الضوء على هذا التحوّل خلال اجتماع لمجلس الوزراء في أبريل الماضي، مؤكدًا أن كل قرار دبلوماسي يجب أن يُبنَى اليوم على مبدأ “هل هذا مفيد لأمريكا؟”، بدلًا من التساؤل عن “ما هو مفيد للعالم”. وأوضح أن السياسة الخارجية للولايات المتحدة باتت تُقاس بمدى مساهمتها في تعزيز قوة أمريكا، أو أمنها، أو ازدهارها الاقتصادي.
وأشار روبيو إلى أن إدارة ترامب “تسعى بجدّ للعثور على دول تَقبل استقبال مواطنين من بلدان ثالثة”، مضيفًا “نحن نُجْرِي اتصالات مع عدد من الدول ونسألها: هل أنتم مستعدون لاستضافة أفراد يُعدّون من بين أكثر من يُضْمِرون العداء لنا، من أجل تقديم خدمة لنا؟ وكلما ابتعد أولئك عن الأراضي الأمريكية، كان ذلك أفضل من وجهة نظرنا”.
سياسات ترامب تُنذر بتقويض العلاقات بين الولايات المتحدة وإفريقيا:
في مايو، أفادت شبكة “سي بي إس نيوز” بأن الولايات المتحدة طلبت من دول مثل أنغولا وبنين وغينيا الاستوائية وليبيا التعاون في استقبال المرحّلين. وفي السياق ذاته كشفت “نيويورك تايمز”، في يونيو، أن إدارة ترامب مارست ضغوطًا على 58 دولة، من بينها العديد من الدول الإفريقية، لقبول مُبعَدين من أراضيها. وقد استهدفت هذه “الحملة الدبلوماسية الواسعة” بلدانًا سبق أن فرضت عليها واشنطن قيودًا على التأشيرات أو رسومًا جمركية أو حظرًا على السفر، ما يثير الشكوك حول احتمال رضوخ بعض القادة لهذه الضغوط على حساب مصالح شعوبهم.
وفي يوليو الماضي، استضاف ترامب اجتماعًا مصغّرًا في البيت الأبيض مع رؤساء كلّ من السنغال وموريتانيا وغينيا بيساو وليبيريا والغابون. وعلى الرغم من أن اللقاء عُرِضَ رسميًّا كمناقشة حول الثروات المعدنية الحيوية في هذه الدول، إلا أن بعض المراقبين رجَّحوا أن موضوع استقبال المُرحَّلين كان من الأهداف غير المعلنة لهذا اللقاء.
من جانبه، صرّح وزير الخارجية النيجيري يوسف توغار بأن الولايات المتحدة “مارست ضغوطًا كبيرة” على الدول الإفريقية لقبول مُبعَدين قسريًّا من أراضيها، مؤكدًا رفض بلاده لهذا الطرح قائلًا: “لدينا من المشاكل ما يكفي”.
من المرجّح أن تساهم هذه السياسات في تقويض سنوات من التقدم الدبلوماسي بين الولايات المتحدة وإفريقيا، لا سيما في مجالات التعاون الاستخباراتي، ومكافحة الإرهاب، والاتجار بالبشر، وهي مجالات شهدت أصلًا تراجعًا ملحوظًا خلال الولاية الثانية لترامب. إذ تعكس توجهات الإدارة استخدام الدبلوماسية كأداة لتحقيق مكاسب أمريكية آنية، دون اعتبار لحقوق الإنسان أو الاستقرار الإقليمي في القارة.
وفي الوقت الذي تُعيد فيه الدول الإفريقية تقييم علاقاتها مع إدارة تتعامل معها كأطراف هامشية أو أدوات للاستغلال، تبدو سياسات الترحيل هذه، المتأثرة بقرارات أحادية واعتبارات ضيّقة، بعيدة كل البعد عن خدمة مصالح الطرفين، بل حتى مصالح الولايات المتحدة ذاتها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهامش:
* كيلي إي ستون، مستشارة رئيسية، العدالة ومنع العنف، مركز الدراسات الأمنية، بريتوريا.
رابط المقال: