مقدمة:
يأتي تدشين منتدى الطاقة الأمريكي الإفريقي (USAEF)، الذي انعقد في السادس من أغسطس 2025م في هيوستن، في ظل سَعْي الإدارة الأمريكية الجديدة لتغيير نَهْجها في التعامل مع القارة “الشراكة بدلًا من المساعدات”، وأيضًا في ظلّ سعيها لإدراك ما فاتها في هذا القطاع واستحوذت عليه قوى دولية أخرى، خاصةً الصين، ولإكمال ما بدأته الولايات المتحدة من إيقاف مبادرة “باور أفريكا”. ومِن ثَم تأتي إقامة هذا المنتدى ليكون بديلًا لتلك المبادرة.
ومِن ثَم كان هذا المنتدى وسط حُمَّى من المنتديات والمؤتمرات التي شهدتها القارة في مجال الطاقة، وليس منتدى الاستثمار في الطاقة الإفريقية الذي عُقِدَ في باريس مايو الماضي، أو منتدى الطاقة الإفريقي الذي عُقِدَ في يونيو الماضي بكيب تاون، عنا ببعيد، وغيرها. ومِن ثَم هناك نشاط أمريكي كبير لتوزيع لاعبيها على رقعة شطرنج الطاقة الإفريقية.
وفي السياق التالي نُلقي الضوء على المنتدى، وما يمكن أن يُضيفه للقارة الإفريقية، من خلال المحاور التالية:
- أولًا: الولايات المتحدة وسباق الطاقة والمعادن في إفريقيا… تغيير قواعد اللعب.
- ثانيًا: أهمية المشاركة وجدول الأعمال والأسواق المستهدَفة.
- ثالثًا: جمهورية الكونغو الديمقراطية مرة أخرى.
- رابعًا: انضمام خبراء الصناعة إلى المنتدى.
- خامسًا: دور مؤسسة تمويل التنمية الدولية الأمريكية (DFC).
- سادسًا: زيادة زخم الاستكشاف بفضل التقنيات الأحدث والبيانات الأعمق.
أولًا: الولايات المتحدة وسباق الطاقة والمعادن في إفريقيا… تغيير قواعد اللعب
انعقد خلال يومَي 6 و7 أغسطس 2025م منتدى الطاقة الأمريكي الإفريقي The U.S.-Africa Energy Forum (USAEF) في نسخته الأولى في هيوستن بولاية تكساس الأمريكي. ليمثل نَهْج الإدارة الأمريكية الحالية القائم على “الشراكات بدلًا من المساعدات”، الذي طبّق في قمة إفريقية أمريكية مصغّرة انعقدت بواشنطن ضمّت قادة الجابون وغينيا بيساو وليبيريا وموريتانيا والسنغال، في يوليو الماضي. وبديلًا عن النهج القديم الذي اتخذته إدارة الرئيس أوباما والمتمثل في مبادرة “باور أفريكا” التي انتهى العمل بها في يناير 2025م. نتيجة لتجميد عمل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.
وقد كان المنتدى بعنوان “آفاق جديدة للاستثمار الأمريكي الإفريقي في مجال الطاقة”، وركَّز على ستة بلدان رئيسية في هذا المجال بالقارة؛ وهي: ليبيا وأنجولا والكونغو الديمقراطية وجمهورية الكونغو ونيجيريا وبوركينا فاسو.
يأتي المنتدى في ظل حاجة القارة إلى استثمار عاجل في البنية التحتية للشبكات، والتكامل الإقليمي، ومصادر الطاقة المتجددة؛ لسدّ فجوة الوصول إلى الطاقة التي يعاني منها 600 مليون شخص. وحاجتها أيضًا إلى ما لا يقل عن 90 مليار دولار من الاستثمارات السنوية في مجال الطاقة حتى عام 2030م.([1])
يبعث المنتدى برسالة مباشرة إلى المستثمرين وصانعي السياسات الأمريكيين، مفادها: تُمثِّل إفريقيا إحدى أهم جبهات الاستثمار في الطاقة في القرن الحادي والعشرين، والولايات المتحدة تُخاطر بفقدان مكانتها ما لم تتخذ إجراءات فورية ومنسَّقة.
وفي ظل المنافسة العالمية، وتغيُّر أولويات أمن الطاقة؛ استغل القادة الأمريكيون والأفارقة الجلسة الافتتاحية للدفع نحو تعزيز المشاركة المؤسسية، وتسريع تمويل المشاريع، وإعادة تقييم النهج التجاري الأمريكي تجاه القارة؛ حيث قالت ليزي فليتشر، عضوة الكونغرس عن الدائرة السابعة في ولاية تكساس: “لا يمكن للولايات المتحدة أن تكتفي بالوقوف مكتوفة الأيدي”، مؤكدةً على دور هيوستن كمركز تجاري إفريقي رئيسي؛ حيث بلغت قيمة التجارة المتعلقة بإفريقيا عبر ميناء هيوستن 6.8 مليار دولار في عام 2024م وحده.
وفي حين يتزايد اهتمام القطاع الخاص الأمريكي بالاستثمار في إفريقيا، أكَّد القادة أن جمود السياسات، وإدراك المخاطر، وقلة استخدام أدوات التمويل الأمريكية مثل مؤسسة تمويل التنمية (DFC)، وبنك التصدير والاستيراد، وهيئة تنمية التجارة الأمريكية (TDA) تُعيق هذا الزخم، لا سيما مع تسارع الاقتصادات الإفريقية في جهودها الرامية إلى التصنيع، والكهربة، وتطوير احتياطاتها الهائلة من الطاقة والمعادن.
يربط المنتدى السوق الأمريكية بفرص قطاع الطاقة الهائلة في إفريقيا. ويُكمِّل المنتدى المؤتمرات في لواندا، وكيب تاون، وبرازافيل، وطرابلس، وغيرها، ويمثل بوابةً للاستثمار من خلال ربط المشاريع الإفريقية ذات الإمكانات العالية بواحدة من أكثر أسواق الاستثمار تأثيرًا في العالم. ويُمكِّن المشاركين من اكتشاف الفرص الناشئة في قطاع الطاقة الإفريقي، معتبرًا جولات التراخيص والمشاريع قنواتٍ رئيسيةً للاستثمار الأمريكي. ومن خلال الجمع بين المستثمرين والحكومات ومطوّري المشاريع، يُعزِّز المنتدى شراكاتٍ هادفة، ويُوسِّع شبكات المستثمرين، ويُمهِّد الطريق لتعاونٍ فعّال عبر سلسلة قيمة الطاقة.([2])
وقد تم اختيار هيوستن للأسباب التالية:
- تعتبر عاصمة الطاقة العالمية: بها أكثر من 4700 شركة طاقة، وتُعدّ هيوستن مركزًا رئيسيًّا للتواصل مع أصحاب المصلحة العالميين في مجال الطاقة والاطلاع على الفعاليات القادمة.
- مركز ابتكار الطاقة ورابط إستراتيجي للأعمال: تتميز بريادتها في مجالات الطاقة المتجددة، وتخزين الطاقة، والحلول منخفضة الكربون، مما يَجعلها الموقع الأمثل لتسليط الضوء على مستقبل الطاقة في إفريقيا.
- رأس مال القطاع الخاص: تجذب هيوستن استثمارات كبيرة؛ حيث تُخصص شركات رأس المال الاستثماري والنفط والغاز موارد كبيرة لمشاريع الطاقة.
ثانيًا: أهمية المشاركة وجدول الأعمال والأسواق المستهدفة
1-أهمية المشاركة:
- يُعدّ منتدى الطاقة الأمريكي الإفريقي امتدادًا إستراتيجيًّا لفعاليات شركة Energy Capital & Power؛ حيث يربط السوق الأمريكي بفرص قطاع الطاقة الهائلة في إفريقيا.
- يُمثِّل المنتدى بوابةً للاستثمار من خلال ربط المشاريع الإفريقية ذات الإمكانات العالية بأحد أكثر أسواق المستثمرين تأثيرًا في العالم.
- يُمكِّن المشاركين من اكتشاف الفرص الناشئة في قطاع الطاقة الإفريقي، مُبرزًا جولات التراخيص والمشاريع الإفريقية كقنوات رئيسية للاستثمار الأمريكي.
- من خلال الجمع بين المستثمرين والحكومات ومطوري المشاريع، يُعزِّز المنتدى شراكات هادفة ويُوسّع شبكات المستثمرين، مما يُمهِّد الطريق لتعاون مُؤثِّر عبر سلسلة قيمة الطاقة.
- كما يُعزّز العلاقات مع المستثمرين الأمريكيين وشركات الخدمات وشركات الاستكشاف والإنتاج، مُرْسيًا بذلك أساسًا متينًا لشراكات مستقبلية تمتدّ إلى مؤتمراتنا المُركزة على إفريقيا.
2-أبرز النقاط في جدول الأعمال:
- مناقشات المائدة المستديرة حول أسواق الطاقة الرائدة في إفريقيا: كانت هناك نقاشات مُركَّزة مع صانعي السياسات، ورُوّاد الصناعة، والمستثمرين لاستكشاف الاتجاهات والفرص والتحديات الرئيسية في أسواق الطاقة الأكثر ديناميكية في إفريقيا. قدَّمت هذه المناقشات رؤًى قيِّمة حول الإستراتيجيات التي تُشكِّل قطاعات النفط والغاز والطاقة في القارة.
- عروض جولة التراخيص وغرفة البيانات: وصول حصريّ إلى عروض تقديمية تستعرض جولات التراخيص الإفريقية وبيانات المشاريع، مما يُمكِّن الحضور من تقييم الفرص القيِّمة. يُمثل هذا العنصر جسرًا أساسيًّا للمستثمرين الأمريكيين لاستكشاف الإمكانات الكامنة في قطاع الطاقة في إفريقيا.
- الاجتماعات الخاصة: تسهيل التفاعلات المباشرة والفردية والاجتماعات الخاصة التي تُتِيح للمشاركين فرصة التواصل مع أصحاب المصلحة الرئيسيين، وبناء الشراكات، ومناقشة إستراتيجيات الاستثمار المصمَّمة خصيصًا لمشاريع وأسواق محددة.
- ندوة مستديرة حول الاستثمار الخاص والأسهم: جلسة مُعمَّقة حول تمويل مشاريع الطاقة الإفريقية، تتضمَّن نقاشات حول هيكلة الصفقات، وتخفيف المخاطر، وتوظيف رأس المال.
- جلسة المعادن والموارد الحيوية في إفريقيا: تستكشف قطاع المعادن الحيوية في إفريقيا، وفرص الاستثمار فيه، ودوره في التحوُّل العالمي في مجال الطاقة.
3- الأسواق التي تم تسليط الضوء عليها:
-ليبيا: تشهد ليبيا انتعاشًا في قطاع المنبع مع استمرار عمليات الاستكشاف في أحواض غدامس وسرت ومرزق، إلى جانب جولة تراخيص مقبلة تشمل 22 منطقة. وتسعى المؤسسة الوطنية للنفط جاهدةً إلى تطوير 45 مشروعًا جديدًا، بهدف زيادة الإنتاج إلى مليوني برميل يوميًّا. إضافةً إلى ذلك، تُسهم مبادرات رئيسية لتسييل الغاز، بما في ذلك مشروع الهياكل (A&E) ومشروع استغلال غاز البوري، في إطلاق المزيد من الإمكانات في قطاع الطاقة في البلاد.([3])
-أنغولا: تتوقع أنغولا استثمارات تتجاوز 60 مليار دولار أمريكي على مدى السنوات الخمس المقبلة؛ حيث تتيح جولة التراخيص لعام 2025م الوصول المباشر إلى فرص التنقيب، وتخطط لزيادة الإنتاج إلى مليوني برميل يوميًّا على المدى الطويل. في الوقت نفسه، يجري العمل على توسعة مشروع أنغولا للغاز الطبيعي المُسال بتكلفة 12 مليار دولار أمريكي، ومن المقرر تشغيل سلسلة من المصافي الكبيرة، بدءًا من المرحلة الأولى من مصفاة كابيندا التي تبلغ طاقتها 60 ألف برميل يوميًّا في عام 2025م.([4])
-الكونغو الديمقراطية: من مشروع الكونغو للغاز الطبيعي المسال إلى مشروع بانجا كايو، تُطلق الدولة مشاريع كبرى للغاز الطبيعي المسال بهدف توسيع نطاق تسييل الغاز وتصديره، مع سعيها لزيادة إنتاج النفط إلى 500 ألف برميل يوميًّا من خلال تقنيات استخلاص مُحسَّنة وتطوير حقول جديدة. وتُواصل جهود الاستكشاف الجارية الكشف عن احتياطيات هيدروكربونية إضافية؛ حيث تُتيح جولة تراخيص لعام 2025م للمستثمرين الوصول إلى مساحات ذات إمكانات عالية في قطاع الطاقة المتنامي في البلاد، بالإضافة إلى الخطة الرئيسية للغاز في البلاد التي سيتم إطلاقها هذا العام.([5])
-نيجيريا: تُسرّع نيجيريا تطوير قطاع الطاقة لديها من خلال جولة تراخيص لحقول غير مُطوّرة، وطاقة تكرير جديدة، ومشاريع رئيسية للبنية التحتية للغاز. وتشمل المبادرات الرئيسية توسيع مصفاة دانغوتي، وبناء خطي أنابيب الغاز AKK ونيجيريا-المغرب، وتطوير منشأة UTM FLNG لتعزيز الصادرات والوصول إلى الطاقة. وتجذب الإصلاحات التنظيمية والحوافز الضريبية الاستثمارات في قطاع النفط والغاز. ([6])
بوركينا فاسو: تفتح بوركينا فاسو آفاقًا استثمارية وشراكات مربحة في قطاع التعدين من خلال التعاون مع شركات ومستثمرين دوليين في مجال التعدين. وتهدف الشراكات الأخيرة مع جهات فاعلة في صناعة الذهب، بما في ذلك فورتونا ماينينغ وبيرينتي، إلى تعزيز مكانة البلاد كواحدة من أبرز منتجي الذهب في إفريقيا. وتُتيح أجندة البلاد الرامية إلى الاستفادة من التعدين كأداة لخلق فرص العمل، وتحقيق النمو الاقتصادي، وتحقيق التنمية المستدامة، إلى جانب إصلاحات قانون التعدين لعام 2024م؛ آفاقًا غير مسبوقة لتحقيق عوائد استثمارية مرتفعة للشركات الأمريكية التي تسعى إلى استغلال إمكانات التعدين في البلاد.([7])
ثالثًا: جمهورية الكونغو الديمقراطية مرة أخرى
تستهدف الدولة استغلال احتياطيات النفط والغاز غير المستغلة في جميع أنحاء أحواضها، عقب اكتشاف نفطي ناجح في الحوض الساحلي عام 2024م. وتجري حاليًا مبادرات حكومية لتطوير قدرات التكرير المحلية وتحسين الوصول إلى الطاقة، مما يَخْلق فرصًا جديدة للمستثمرين ويضع البلاد كلاعب صاعد في مشهد الطاقة في وسط إفريقيا.
وإلى جانب الهيدروكربونات، تمتلك بعضًا من أكبر احتياطيات النحاس والكوبالت والليثيوم في العالم. وقد وسّع مجمع كاموا-كاكولا للنحاس، الذي طورته شركة إيفانهو ماينز، طاقته الإنتاجية إلى أكثر من 600 ألف طن سنويًّا، مما يجعله من بين أكبر عمليات تعدين النحاس في العالم. وتعمل البنية التحتية الجديدة والإنتاج المتزايد والشراكات الإستراتيجية على تعزيز مكانتها كمورد عالمي رئيسي للمعادن الحيوية. كما أنها من ثلاث دول إفريقية فقط مُنضمَّة إلى شراكة أمن المعادن”. وهي مُستفيدة من إحدى صفقتي معادن حيويتين فقط في ظل الإدارة الأمريكية الحالية، وهي جزء من ممر لوبيتو واتفاق مجموعة العشرين مع إفريقيا”. ويلعب المستثمرين الأمريكيين دورًا رئيسيًّا في هيكلة مشاريع قابلة للتمويل فيها من خلال مزيج من اتفاقيات الشراء ودراسات الجدوى والتنسيق التجاري مع الشركات المحلية.
في الوقت نفسه، بدأ قطاع الطاقة يُظهر أيضًا بوادر تحوُّل؛ حيث يسعى المسؤولون إلى سدّ العجز الهائل في الكهرباء. والمثال الأبرز مشروع إنغا. بالإضافة إلى 33 مشروعًا صغيرًا للطاقة الكهرومائية، ومشروع لاستخراج الغاز من بحيرة كيفو. كما يشهد قطاع الهيدروكربون أيضًا اهتمامًا جديدًا بعد إطلاق جولة التراخيص في عام 2022م.
وتُعدّ الدولة موطنًا لأكثر من 70% من إمدادات الكوبالت في العالم، ونسبة كبيرة من النحاس والليثيوم، وهما معدنان أساسيان للانتقال إلى الطاقة النظيفة. ومع ذلك، لا يزال الوصول إلى الشبكة محدودًا للغاية؛ 20% من السكان.
في يناير 2025م، أعادت مبادرة “المهمة 300” إشعال زخم الكهربة في جميع أنحاء إفريقيا. بما فيها الكونغو الديمقراطية. وفي يونيو وافق البنك الدولي على اعتمادٍ بقيمة 250 مليون دولار لدعم المرحلة الأولى من برنامج تطوير إنغا 3. ويهدف هذا المشروع، الذي يُشكِّل أساسًا لمبادرة طويلة الأجل بقيمة مليار دولار، إلى توسيع نطاق الكهربة من المعدل الحالي البالغ 21% إلى 62% بحلول عام 2030م، مع التركيز على الممرات الصناعية والمقاطعات التي تعاني من نقص الخدمات.
وفي الوقت نفسه، تتبلور صفقات نقل إقليمية جديدة. في مايو 2025م، وضعت الكونغو الديمقراطية وزامبيا اللمسات الأخيرة على خطط إنشاء خط كهرباء عابر للحدود بطول 200 كيلو متر لجلب المزيد من الطاقة الكهرومائية إلى حزام النحاس الكونغولي. بعد ذلك بوقت قصير، وقَّعت شركة هيدرو لينك الأمريكية ومجموعة ميتريلي اتفاقية بقيمة 1.5 مليار دولار أمريكي لبناء خط نقل بطول 1150 كيلو مترًا يربط أنغولا بجنوب الكونغو الديمقراطية، ويهدف تحديدًا إلى إمداد عمليات التعدين والصهر. ومن المتوقع أن يستمر المشروع حتى عام 2029م.
ويجدّد منتدى الطاقة الأمريكي الإفريقي مما يُجدّد الاهتمام بالدور الذي يمكن أن تلعبه الشركات الأمريكية في تحويل مستقبل الطاقة في إفريقيا، بدءًا من جمهورية الكونغو الديمقراطية.
كما انضمت وكالة الإرشاد والتنسيق ومتابعة اتفاقيات التعاون APCSC إلى المنتدى كشريك إستراتيجي، مؤكدةً التزام الدولة بتنمية شفافة قائمة على الاستثمار في قطاعي الطاقة والبنية التحتية. في أبريل 2025م، ووقّعت الوكالة بروتوكولًا مع حاكم مقاطعة أويلي العليا، مُعلنةً عن عزمها دعم الاستثمار الخاص في احتياطيات المنطقة الهائلة من الماس والنحاس والكولتان والكاسيتيريت. ومن خلال تنسيق تطوير البنية التحتية إلى جانب استخراج الموارد، تُرسي الوكالة الأساس لسلسلة قيمة متكاملة تربط الاقتصادات المحلية بأسواق الطاقة الوطنية والعابرة للحدود.
كما لعبت الوكالة دورًا محوريًّا في إتمام إعادة التفاوض على اتفاقية البنية التحتية الصينية الكونغولية التاريخية في عام 2024م؛ حيث رفعت إجمالي حزمة الاستثمار من 3.2 مليار دولار إلى 7 مليارات دولار، وأكَّدت حصة جمهورية الكونغو الديمقراطية البالغة 40% في أصول رئيسية مثل سد بوسانغا الكهرومائي. وحافظت قيادة الوكالة على تركيز قوي على الرقابة والتنفيذ؛ حيث أجرت بعثات ميدانية في مجمع SICOMINES للتعدين ومنشأة بوسانغا للطاقة لضمان الامتثال للشروط المعاد التفاوض عليها ورفع معايير الأداء والمساءلة.
وفي عام 2024م أيضًا، وقعت الوكالة اتفاقية تاريخية مع SOCOF، مشغّل الألياف الضوئية الوطني، لدمج نشر الألياف الضوئية في جميع ممرات البنية التحتية ذات الصلة التي تم تطويرها في إطار العمل الصيني الكونغولي. يهدف المشروع إلى إرساء البنية التحتية الرقمية اللازمة لدعم أنظمة الطاقة الذكية، وربط البيانات، والنمو الصناعي، لا سيما في المناطق النائية أو الغنية بالموارد. ومِن ثَم تمثل مشاركة الوكالة دعوةً مفتوحةً للمستثمرين والشركاء والمطورين الأمريكيين والعالميين للمشاركة في فصل جديد من مسيرة تقدم الطاقة في إفريقيا.
كما اتخذت الدولة خطوةً هامةً نحو إعادة تعريف علاقتها بالمستثمرين الأمريكيين، عقب توقيع اتفاقية إطارية مع شركة كوبولد ميتالز للتنقيب، المدعومة من الولايات المتحدة. تمنح هذه الاتفاقية شركة كوبولد حقوق استكشاف جزء من مشروع مانونو لليثيوم -أحد أكبر رواسب الليثيوم المعروفة عالميًّا-، إلى جانب إمكانية الوصول إلى كنز وطني من البيانات الجيولوجية الرقمية، بالإضافة إلى تفويض بإجراء عمليات استكشاف واسعة في البلاد.
وتُمثّل هذه الاتفاقية واحدةً من أكثر الشراكات طموحًا حتى الآن بين شركة أمريكية وقطاع التعدين الكونغولي. وما يميز هذه الاتفاقية ليس فقط حجمها -حيث تعتزم كوبولد استثمار أكثر من مليار دولار-، ولكن أيضًا قدرتها على إعادة صياغة كيفية تعامل الشركات الأمريكية مع المعادن المهمة في إفريقيا. بدعم من كبار روّاد وادي السيليكون، بمَن فيهم بيل جيتس وجيف بيزوس.
ومع ذلك، لا تزال هناك عقباتٌ كبيرة. فلا تزال حالة عدم اليقين التنظيمي، ومعوقات البنية التحتية، ومخاوف الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات تُلقي بظلالها على تصورات المستثمرين. ومع ذلك، تشير صفقات مثل تلك التي أُبرمت مع شركة كوبولد إلى أن المشهد آخِذ في التغيُّر. ومع وجود الضمانات المناسبة، إلى جانب التعاون المنسَّق بين القطاعين العام والخاص، هناك مجال للشركات الأمريكية للقيام بدور أكثر استباقية.([8])
رابعًا: انضمام خبراء الصناعة إلى المنتدى
حضَر المنتدى نخبة من كبار المسؤولين التنفيذيين من القطاع الخاص في نسخة هذا العام في هيوستن، مسلطًا الضوء على المشاركة المتنامية للشركات الأمريكية في المشهد الاستثماري للطاقة في إفريقيا. ومن بين المتحدثين: ريان مانيكوم، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة “فريدوم فيرست”؛ وإيليانا فيربير، الرئيسة التنفيذية ومؤسسة شركة “كوليبري” لتطوير الأعمال؛ ودوغ شيريدان، المدير الإداري لشركة “إنرجي بوينت ريسيرش”؛ ويولاندا أسومو، الرئيسة التنفيذية لشركة “آيكوب فارم”؛ وجوناثان تايلر، الرئيس التنفيذي لشركة “سيمفوني كابيتال”. يمثل هؤلاء المتحدثون شركات نَشِطَة في مجال توظيف رأس المال، وتنمية رأس المال البشري، ومعلومات السوق، والاستشارات التجارية، ممّا يعكس تنوُّع الاهتمام التجاري الأمريكي بتحوُّل الطاقة في إفريقيا وتطوير بنيتها التحتية.
تأتي مشاركتهم في الوقت الذي تسعى فيه إفريقيا إلى جذب المزيد من رأس المال الخاص إلى مشاريع النفط والغاز الأولية، والبنية التحتية المتوسطة، ومشاريع الطاقة المتجددة الناشئة. في حين تُواجه القارة فجوات تمويلية في هذه القطاعات، يُنظَر إلى الشركات الأمريكية بشكل متزايد كشركاء أساسيين، وليس فقط لرأس المال، ولكن أيضًا للخبرة الفنية والقدرات المؤسسية ونماذج الشراكة طويلة الأجل. مع تركيز “فريدوم فيرست” و”سيمفوني كابيتال” على حشد الاستثمارات في الأسواق التي تعاني من نقص الخدمات، وشركات مثل “إيكوبيفارم” و”كوليبري” التي تساعد في ربط الشركات بالعمالة الماهرة وأصحاب المصلحة المحليين، تلعب هذه الشركات دورًا رئيسيًّا في ترجمة الاهتمام إلى نتائج إنمائية ملموسة.
يُمثِّل صندوق الطاقة الأمريكي منصة لتعزيز العلاقات في مجال الطاقة والاقتصاد بين الولايات المتحدة والدول الإفريقية. سيُركّز منتدى هذا العام بشكل خاص على تمكين المشاريع القابلة للتمويل، وتحسين الوصول إلى الطاقة، وتعزيز مشاركة الولايات المتحدة في البنية التحتية التي تدعم النمو الصناعي في إفريقيا. سيقدم المشاركون من القطاع الخاص، وخاصةً أولئك الذين لديهم خبرة ميدانية، رؤًى ثاقبة حول ما يتطلبه التعامل مع التعقيدات التنظيمية، وبناء شراكات محلية، ومواءمة المشاريع مع الأهداف العالمية للطاقة والمناخ. كما يشير وجود رواد أبحاث مثل “إنرجي بوينت ريسيرش” إلى تحوُّل أوسع في السوق نحو اتخاذ القرارات القائمة على البيانات وقياس الأداء في مجال الطاقة الإفريقية. مع تنافس القارة عالميًّا على استثمارات الطاقة، تتزايد أهمية الشفافية وثقة المستثمرين. ويؤكد إشراك خبراء تحليل السوق وتطوير الأعمال في المنتدى على أن نجاح المشاريع لا يعتمد فقط على التمويل، بل أيضًا على دعم النظام البيئي، والقدرات المحلية، والالتزام طويل الأمد.
مع تنامي الزخم في قطاع الطاقة الإفريقي -من الاكتشافات الحديثة، وتطوير الغاز الطبيعي المسال، إلى ابتكارات الطاقة النظيفة-، يوفر المنتدى ملتقًى حيويًّا للشركات الأمريكية وأصحاب المصلحة الأفارقة لشقّ مسارات تجارية جديدة. ويؤكد حضور المتحدثين من القطاع الخاص دور المنتدى كمُحفّز لعقد الصفقات، والحوار الإستراتيجي، وحشد الاستثمارات بين المنطقتين.([9])
خامسًا: دور مؤسسة تمويل التنمية الدولية الأمريكية (DFC)
تُشارك مؤسسة تمويل التنمية الدولية الأمريكية في المنتدى، فعلى الرغم من غِنَى مشاريع الطاقة الإفريقية بالموارد وفعاليتها التقنية، لا تزال العديد منها تُواجه تحديات في إتمام التمويل، بسبب نقص رأس المال في المراحل المبكرة، ومحدودية ضمانات الائتمان، وارتفاع المخاطر السياسية المُتصوَّرة. لا تزال هذه الفجوة التمويلية تُعيق التقدم في قطاعات المنبع والمصب، لا سيما في الأسواق التي لا يزال فيها مستثمرو القطاع الخاص حذرين. تتَّجه مؤسسة تمويل التنمية الدولية إلى هذا المجال بهدف واضح يتمثل في تقليل مخاطر بيئات الاستثمار وجعل المشاركة الأمريكية ليس فقط مجدية، بل جذابة أيضًا.
بفضل مجموعة أدواتها المالية -بما في ذلك تأمين المخاطر السياسية، وتمويل الديون، والاستثمار في الأسهم، تتمتع مؤسسة تمويل التنمية بمكانة فريدة تُمكِّنها من توفير حُزَم تمويلية مُختلطة تُحفِّز مشاركة القطاع الخاص. صُمِّمت منتجاتها خصيصًا لامتصاص المخاطر التي لا يُقدِّمها المُقرضون التجاريون، مما يُساعد على استقطاب رأس المال لمشاريع الطاقة والبنية التحتية واسعة النطاق. ومن خلال توفير تغطية تصل إلى مليار دولار لكل مشروع، تحمي المؤسسة المستثمرين من تحديات مثل نزع الملكية، والعنف السياسي، وعدم قابلية تحويل العملات؛ وهي عوائق غالبًا ما تُؤخِّر أو تُعرقل الاستثمارات في الأسواق الإفريقية المُعقدة. من بين الخطوات الأخيرة التي اتخذتها المؤسسة قرضها البالغ 553 مليون دولار أمريكي لدعم إعادة تأهيل وتطوير خط سكة حديد لوبيتو الأطلسي.
ويشمل هذا الاستثمار البنية التحتية للسكك الحديدية ومرافق الموانئ، المُصمَّمة لتمكين النقل الفعَّال للمعادن الأساسية، مثل الكوبالت والنحاس، من جمهورية الكونغو الديمقراطية إلى الأسواق العالمية. يُمثّل الممر تحولاً كبيرًا في إستراتيجية اللوجستيات الإقليمية؛ إذ يوفر بديلًا تنافسيًّا وآمنًا للطرق الحالية، ويعكس توجهًا أمريكيًّا أوسع لبناء سلاسل توريد أكثر مرونة وشفافية للمواد الأساسية التي تُعدّ محورية في عملية التحول في مجال الطاقة.
كما تُشير مشاركة المؤسسة في المنتدى إلى أن تركيزها يتجاوز قطاع المعادن. ففي قطاع الطاقة، وسَّعت المؤسسة نطاق تأمينها ضد المخاطر السياسية ليشمل مشاريع الغاز والبنية التحتية، بما في ذلك في أسواق مثل موزمبيق؛ حيث لعبت دورًا في دعم التطوير المبكّر لمرافق الغاز الطبيعي المسال على الرغم من التحديات الأمنية والتشغيلية الكبيرة. وتُؤكّد مشاركتا دورها المتنامي في قطاعي الطاقة والمعادن الأساسية في إفريقيا. ويعكس الحضور المتنامي للوكالة إدراكًا واضحًا للدور المحوري لإفريقيا في مستقبل أنظمة الطاقة العالمية وسلاسل التوريد.
كما تُقيّم المؤسسة فرص الاستثمار في البنية التحتية للنفط والغاز في جميع أنحاء إفريقيا، مما يُشير إلى دعم أمريكي أوسع لأصول الطاقة الحيوية في القارة، بما يتجاوز تركيزها التقليدي على مصادر الطاقة المتجددة. وفي حديثها خلال المنتدى، أكدت سلام ديميسي، مديرة المؤسسة أن الوكالة “تبحث بنشاط” في مشاريع البنية التحتية للنفط والغاز في المنبع والمصبّ، لا سيما تلك التي تشارك فيها شركات أمريكية أو التي تُزوّد بالطاقة المنتجة في الولايات المتحدة. تأتي تعليقاتها في الوقت الذي يدعو فيه القادة الأفارقة والمستثمرون الأمريكيون على حدّ سواء إلى أدوات تمويل أكثر صرامة وإستراتيجيات لتخفيف المخاطر لسد فجوة الوصول إلى الطاقة في إفريقيا. وعلى الرغم من الإمكانات الهائلة للموارد في القارة، فإن العديد من المشاريع الصغيرة والمتوسطة الحجم تكافح لتجاوز مرحلة ما قبل دراسة الجدوى بسبب قيود رأس المال وعدم اليقين التنظيمي. ([10])
سادسًا: زيادة زخم الاستكشاف بفضل التقنيات الأحدث والبيانات الأعمق
سلَّط قادة قطاع الطاقة، خلال المنتدى الضوء على طفرة في فرص الاستكشاف الواعدة في جميع أنحاء إفريقيا، مسلطين الضوء على الإمكانات غير المستغلة لأحواض النفط والغاز الناشئة، والدور الحاسم لتقنيات وبيانات المسح الزلزالي الجديدة في جذب الاستثمارات.
وأكّد كريستيان جوهانسن، الرئيس التنفيذي لشركة TGS، على دور البيانات الزلزالية في الحدّ من مخاطر الاستكشاف، مشيرًا إلى أن الشركة تمتلك مكتبة بيانات زلزالية ثلاثية الأبعاد تغطي أكثر من 60% من صناعة النفط والغاز في إفريقيا، و75% من بيانات المسح الزلزالي ثنائي الأبعاد.
وأضاف أنه على الرغم من أن إمكانات إفريقيا الجوفية راسخة، إلا أن النجاح يعتمد على التعامل مع المخاطر السطحية. وأشار إلى أن دولًا مثل أنغولا وناميبيا ونيجيريا تُحدِّد مسار النمو من خلال إصلاحات السياسات وتبادل المعرفة الإقليمية. وفي نيجيريا، سلَّط المدير العام والرئيس التنفيذي لشركة “هيرز إنرجيز”، أوساياندي إيجيهون، الضوء على حقول النفط البحرية العميقة ذات الاحتياطيات الهائلة المتبقية. وقال: “لا يزال لدينا حوالي مليار برميل للاستخراج من حقل OML 17″، مشددًا على أن تحسين جودة البيانات الزلزالية كان عاملًا أساسيًّا للشركات المستقلة التي ساهمت في تحقيق مكاسب الإنتاج الأخيرة. وأشار محمد الطوخي، كبير خبراء الاستكشاف العالمي في SLB، إلى العديد من الأحواض الحدودية غير المُستكشفة بالكامل في ناميبيا وساحل العاج وأنغولا وكينيا وموزمبيق. وحثّ الشركات على النظر في تخطيط البنية التحتية إلى جانب جمع البيانات الزلزالية لتحقيق الاستفادة الكاملة من هذه الموارد. ([11])
في الختام:
تستبدل الولايات المتحدة لاعبيها في ملعب الطاقة الإفريقية، وقد جهَّزت أرضية الملعب لذلك، من خلال ملف الأمن. في ظل التكالب العالمي على معادن التقنيات الخضراء والطاقة النظيفة.
وتحت عنوان “تمكين استثمارات الطاقة من خلال الشراكة”؛ يُعتبر منتدى الطاقة الأمريكي الإفريقي ليس مجرد مؤتمر، بل هو مبادرة إستراتيجية تهدف إلى بناء شراكات مستدامة تُسرّع من تطوير الطاقة في إفريقيا. من خلال ربط المستثمرين الأمريكيين بالفرص الناشئة في دول مثل جمهورية الكونغو وليبيا وأنغولا ونيجيريا والكونغو الديمقراطية، يُعزِّز المنتدى التعاون الحيوي لتحقيق أهداف القارة في مجال الطاقة. ويمكن للقارة الاستفادة من تلك المنتديات في تشكيل إستراتيجيتها في الاستفادة من المتنافسين، دون أن تضع نفسها في موضع اصطفاف جيوسياسي، حتى تُحقّق أكبر قَدْر من الاستفادة.
………………………….
[1] ) Ahram on lion, Africa Energy Forum 2025 opens with urgent calls for united action on power access.17/6/2025.at: https://english.ahram.org.eg/NewsContent/3/16/548165/Business/Energy/Africa-Energy-Forum–opens-with-urgent-calls-for-u.aspx
[2] ) Moor Global, JOIN MOORE AT THE U.S. AFRICA ENERGY FORUM 2025 August 6 –7, 2025 .at: https://www.moore-global.com/us-africa-energy-forum-2025/#downloads
[3] ) https://usafricaenergy.com/
[4] ) Idem.
[5] ) https://usafricaenergy.com/
[6] ) Idem
[7] ) Idem
[8] ) https://usafricaenergy.com/
[9] ) https://usafricaenergy.com/
[10] ) https://usafricaenergy.com/
[11] ) https://usafricaenergy.com/