الأفكار العامة:
– مطالبة إفريقية بإصلاح نظام الديون غير العادل ولا المناسب لمتطلبات التنمية الحالية.
– كابوس سداد الديون يُؤرّق وزراء المالية في العديد من الدول في القارة السمراء.
– الدعوة إلى إرساء الأُسس الحديثة للحيلولة دون وقوع إفريقيا مجددًا في دوّامة الديون الخارجة عن السيطرة.
– دعوة الزعماء الأفارقة إلى إصلاح شامل لآليات مراقبة الميزانية منتهية الصلاحية والمفروضة من المانحين.
– ينبغي أن تحرص الدول المثقلة بالديون على إيجاد التوازن بين سداد القروض والاستثمارات الأساسية في القطاعات ذات الأولوية.
– عدم أخذ وكالات التصنيف الحقائق الإفريقية في الاعتبار بشكل كافٍ قد يجعل الدَّيْن العام الإفريقي مستدامًا.
– ضرورة اتخاذ إجراءات جماعية للتأثير على النظام المالي العالمي وتفادي الفشل.
بقلم: فولي-جاه ديلاتو،
ترجمة: سيدي.م. ويدراوغو
تحت الضغط المالي، تطالب القارة الإفريقية بإصلاح نظام الديون الذي تعتبره غير عادل وموروثًا من نظام عالمي عفا عليه الزمن، وغير مناسب لاحتياجاتها التنموية.
في العديد من العواصم الإفريقية، يعترف وزراء المالية بمعاناتهم من الأرق والسهر بسبب عواقب الديون وارتفاع كلفة خدماتها فضلاً عن سدادها. وفي لوساكا، قال وزير المالية الزامبي: إنه ينام أقل من أربع ساعات في الليلة بسبب مخاوفه من مواعيد السداد النهائية.
والسؤال هنا: كيف يمكن الحفاظ على النمو الاقتصادي مع تمويل البنية التحتية الأساسية في سياق من المديونية المفرطة على نطاق واسع؟
ورغم الإصلاحات التي تم تنفيذها تحت قيادة المانحين الدوليين، فإن العديد من البلدان الإفريقية لا تزال تواجه تحديات. ففي الفترة ما بين عامي 1980 و2023م، ارتفع الدَّيْن العام للقارة ستة أضعاف، من 112 مليار دولار إلى 650 مليار دولار. اليوم، تعاني 25 دولة من أصل 54 دولة من ضائقة مالية أو تعتبر مُعرَّضة لمخاطر عالية.
وأمام هذا المأزق، يدعو الزعماء الأفارقة إلى إصلاح شامل لآليات مراقبة الميزانية التي فرضها المانحون، والتي يعتبرونها غير مطابقة بالوقت الراهن في عالم متغير. تحت هذه الضغوط، بدأت الاقتصادات الإفريقية تدقّ ناقوس الخطر.
في الفترة من 12 إلى 14 مايو الماضي، وفي لومي، جمع المؤتمر الأول للاتحاد الإفريقي بشأن الديون؛ الوزراء ومحافظي البنوك المركزية، وخبراء من القارة. والجميع موقفهم واضح؛ لم تَعُد البنية المالية العالمية تُلبِّي متطلبات التنمية. ويهدف “إعلان لومي” إلى إرساء الأُسس لإطار عمل جديد لمنع إفريقيا من الوقوع مرة أخرى في دوامة الديون التي لا يمكن السيطرة عليها.
لا يمكن أن تكون استدامة الديون قيدًا ماليًّا مفروضًا من الخارج. وقد صرَّح فور غناسينغبي، رئيس مجلس الوزراء، بقوله: “أعتقد أن أُطُر تحليل الديون المعمول بها حاليًّا قد عفا عليها الزمن إلى حد كبير، بل إنها غير مجدية”، مضيفًا “في الواقع، المؤشرات غير مناسبة، والنماذج متحفظة للغاية، ومعايير الاستدامة أقرب إلى الأتمتة التقنية منها إلى المنطق السياسي السليم”، مضيفًا: “إن المنهجيات الحالية مصمَّمة للتقييد، وليس للدعم.” وتمثل ذلك دعوة صريحة لإعادة النظر في نظام يَعتبره المستفيدون منه عتيقًا. وللحفاظ على نموّهم المستدام وتمويل المشاريع الهيكلية ذات الأولوية، يدرس الخبراء الآن عدة خيارات لمواجهة هذه التحديات.\
منعطف إستراتيجي صعب:
إن تعقيد إدارة الدين العام الإفريقي والضغوط المالية الناجمة عنه يجعلان البلدان الإفريقية مضطرة إلى اتباع نهج أكثر تنظيمًا. ويتعين على هذه الدول المثقلة بالديون أن توازن بين سداد ديونها والاستثمارات الأساسية في القطاعات ذات الأولوية مثل التعليم والصحة والطاقة والنقل.
وقد أجبرت هذه العملية الخطيرة البعض على إعادة النظر في مواقفهم الأيديولوجية. وعلى العديد من الحكومات التي كانت ترغب في إظهار استقلالها المالي أن تُعيد النظر في طموحاتها، وغانا مثال بارز على ذلك. ففي عام 2017م، أطلقت البلاد برنامج “غانا ما بعد المعونة” الذي كان من المفترض أن يُجسِّد حقبة جديدة من السيادة الاقتصادية؛ إلا أنها، بعد خمس سنوات (يوليو 2022م) اضطرت إلى طلب مساعدة جديدة من صندوق النقد الدولي، وهي المرة السابعة عشرة منذ استقلال غانا في عام 1958م. ويأتي ذلك في وقت بلغ فيه الدَّيْن العام 78% من الناتج المحلي الإجمالي.
على غرار غانا، التي شارك رئيسها جون دراماني ماهاما في المناقشات خلال “ورشة عمل تعاونية” حول الدين العام في إفريقيا، فإن العديد من بلدان القارة تواجه اليوم اختناقًا ماليًّا. ولمواجهة هذا الوضع، دعا الخبراء المجتمعون في هذا الاجتماع إلى عمل جماعي كشرط أساسي للتأثير على النظام المالي العالمي.
وأضاف أنه على الرغم من لَعِب الاقتصاديين دورهم إلا أن ذلك لا يزال غير كافٍ. لكن في حال تمكنّا نحن الأفارقة من توحيد الصفّ، وأخذ القرار بصوت واحد، فإن الدَّيْن العام الإفريقي يمكن تحمُّله. ومن أجل البدء، سيتعين علينا المطالبة بإصلاحات هيكلية للنظام المالي الدولي، كما تقول هانا وانجي رايدر، المديرة التنفيذية لشركة (Development Reimagined) “إعادة تصوّر التنمية”، وهي شركة استشارية دولية في مجال التنمية.
شارك في هذا النداء جان كلود كاسي برو، محافظ البنك المركزي لدول غرب إفريقيا، الذي يدعو إلى اتباع آليات السيولة الأكثر تكيّفًا مع الواقع الإفريقي، كما يجب زيادة الموارد التساهلية. نحن بحاجة إلى إصلاحات تأخذ في الاعتبار احتياجاتنا الخاصة.
وكالات التصنيف على المحك:
تُشكّل وكالات التصنيف الائتماني نقطة خلاف أخرى. ويُعتقَد أن سياساتها تفتقر إلى الموضوعية، ويقال: إنها تُشكّل إحدى العقبات الرئيسية أمام حصول البلدان الإفريقية على قروض منخفضة التكلفة. ويقول الدكتور سمبين داودا، الرئيس التنفيذي لشركة أفريكاتاليست والمحافظ السابق لصندوق النقد الدولي: “إن دورهم هو تقييم قدرة الدولة على السداد، ولكنّ معاييرهم لا تأخذ في الاعتبار بشكل كافٍ الحقائق الإفريقية”.
ونتيجة لهذا فإن البلدان الإفريقية مثقلة بالديون بمعدلات تتراوح بين 7% و12%، وهو ما يفوق المتوسط العالمي إلى حد كبير .
يؤكد سيرج إيكوي، رئيس بنك التنمية لغرب إفريقيا، أن الديون في حد ذاتها ليست سيئة، وأضاف: “إن تكلفة الديون هي التي تشكل المشكلة”، وبحسب قوله، فهناك تقنيات موجودة لإعادة هيكلة هذا الدين، شريطة أن تكون هناك إرادة سياسية مشتركة.
وإزاء هذه الملاحظة، تدعو بعض الدول الإفريقية إلى إنشاء وكالة تصنيف إفريقية خاصة بها، على أساس معايير”أكثر موضوعية ومرونة” تعكس التحديات التي تواجه القارة.
نحو بنية جديدة للديون:
الإشكالية ليست وليدة اليوم. ففي عام 1996، تمكنت مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون التي أطلقها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي من تخفيف جزء من الديون عن نحو ثلاثين بلدًا. لكن على مدى العشرين عامًا الماضية، بدأ مستوى الديون في الارتفاع مرة أخرى، بسبب انعدام الأمن، والإنفاق المرتبط بتغيُّر المناخ، وضعف النظم الضريبية الوطنية.
على عكس العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، لقد انتهى وقت إلغاء الديون، ولكن هناك حاجة إلى مراجعة شروط الدفع والحصول على القروض. نحن بحاجة إلى حلول إفريقية لمشكلة إفريقية. الديون هي السبب الجذري للعديد من الأزمات. يُصرّ تشيكووري أدريان، مستشار في المالية العامة الدولية، على أن” هذا النقاش فرصة سانحة”.
دعوة للتضامن الإقليمي:
كما أن المؤسسات الإقليمية مدعوة أيضًا إلى القيام بدور أكثر حيوية؛ إذ” يتعين أن يدعم الدَّين القطاعات ذات القيمة المضافة العالية. ويجب على المؤسسات الإقليمية تكثيف تدخلاتها”؛ على حد تأكيد جان كلود كاسي برو مجددًا.
ويدعو البيان الختامي، المعروف باسم” بيان لومي” الاتحاد الإفريقي إلى القيام بحملة من أجل إصلاح شامل لهيكل الديون العالمية. والهدف إنشاء اتفاقية إطارية للأمم المتحدة بشأن الديون السيادية، من أجل آلية متعددة الأطراف أكثر عدالة وفعالية تركز على التنمية.
علاوة على ذلك، يشجع الخبراء على إعادة توجيه (حقوق السحب الخاصة) من صندوق النقد الدولي إلى بنوك التنمية الإفريقية من أجل إعادة تمويل القروض الأكثر تكلفة في المحفظة الإفريقية.
ويأمل المشاركون ألا يسفر هذا الاجتماع الألف عن مجرد” إعلانات نوايا”، بحلول عام 2030م، ستحتاج إفريقيا إلى ما يقرب من 30 مليار دولار سنويًّا لتمويل أولوياتها. إن التحدي يكمن في تحويل الديون إلى رافعة للتنمية، وليس إلى فخّ التبعية.
وفي “لومي”، يثير هذا الضغط المالي أيضًا أسئلة داخلية. وعلى هامش المؤتمر، ارتفعت أصوات من المعارضة التوغولية للمطالبة بالمحاسبة على استخدام الديون. “ماذا فعلت حكومة فور غناسينغبي في توغو بالديون؟”، هذا ما يتساءل عنه نشطاء على جبهة “لا تلمس دستوري”، أين تذهب الأموال المُقتَرَضة؟ «على مدى العشرين عامًا الماضية، أصبحت البلاد مُثقَلة بالديون، لكنّ البنية التحتية لم تواكب هذا الوضع»، هذا ما يُندّد به هؤلاء.
كما أعرب ناثانيال أولمبيو، المتحدث باسم المنظمة، عن قلقه قائلًا: “إن توغو تتجه نحو الإفلاس. الديون تتزايد بشكل كبير، وليس هناك مقابل من حيث التنفيذ؛ لا طرق جديدة، ولا جامعات جديدة، ولا مستشفيات”. بحسب الجبهة، فإن الدَّيْن العام الحالي يبلغ حوالي 70% من الناتج المحلي الإجمالي. وتظل السلطات صامتة بشأن الاستخدام الفعلي للأموال المقترضة. إن هذا الوضع المؤلم الذي تعيشه توغو يُوضِّح مشكلة أوسع نطاقًا: الفجوة بين مبالغ القروض التي تم أخذها والنتائج المرئية على أرض الواقع.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رابط المقال:
https://www.lepoint.fr/afrique/dette-l-afrique-dit-non-aux-regles-d-hier-15-05-2025-2589663_3826.php