تزخر منطقة شرق إفريقيا بموارد طبيعيَّة هائلة، وتشهد اهتمامًا مُتزايدًا في قطاع الطاقة نتيجة اكتشافات النفط والغاز في عددٍ من بلدانها، مثل أوغندا وتنزانيا وكينيا وغيرها من الدول الأخرى، وقد حفَّزت هذه الاكتشافات شركات النفط مُتعددة الجنسيات لضخّ استثماراتها في مشروعات إنتاج النفط الخام والغاز الطبيعي، ويبرُز في مقدمة تلك المشروعات خط أنابيب النفط الخام في شرق إفريقيا (EACOP)، بوصفه مشروعًا عابرًا للحدود يَرْمي إلى ربط حقول النفط في غرب أوغندا بميناء تانجا في تنزانيا المُطِلّ على ساحل المُحيط الهندي، ومِن ثَمَّ تصديره إلى الأسواق العالميَّة.
وعلى الرغم من الفوائد الاقتصاديَّة التي يُبشِّر بها خط أنابيب شرق إفريقيا ودوره في تعزيز التنمية والتكامل الإقليمي، إلا أنه قُوبِلَ بانتقاداتٍ لاذعة مِن قِبَل مُنظمات المُجتمع المدني ونشطاء المُناخ في شرق إفريقيا وحول العالم؛ لانحرافه عن مسار اتفاقية باريس لخفض الانبعاثات الكربونيَّة، ولآثاره السلبية المُحتملة على النُظم البيئيَّة، كالمحميات الطبيعيَّة ومناطق الصيد والغابات، فضلًا عن مخاطره المُستقبليَّة التي قد تُلحِق أضرارًا بالغةً بحقوق الإنسان، مما تسبَّب في تعطيل المشروع لرفض العديد من المُقرضين والمؤسسات الماليَّة تقديم الدعم في إطار الاستجابة للدعوات المُناهضة للمشروع، ومع ذلك حقَّق خط أنابيب شرق إفريقيا تقدمًا ملحوظًا خلال العامين الماضيين؛ حيث اكتمل تنفيذه بنسبة 60% بحلول يونيو 2025م.
نظرة عامة حول مشروع خط أنابيب النفط الخام لشرق إفريقيا (إيكوب):
بعد الكشف عن وجود موارد نفطيَّة كبيرة في حوض بحيرة ألبرت، على الحدود الغربيَّة لأوغندا، عام 2006م، اتجهت أنظار المُستثمرين الدوَّليين والشركات الأجنبيَّة العاملة في مجال الطاقة إلى أوغندا للإعلان عن رغبتهم في إطلاق مشروعات لإنتاج وتسويق النفط في المناطق المُكتشفة، وكانت العقبة الرئيسيَّة أمام هذه المشروعات تتعلق بكيفية نقل النفط الخام من مناطق الإنتاج إلى الأسواق العالميَّة؛ نظرًا لأن أوغندا تُعدّ دولةً حبيسة، ولا يتوافر لديها أي موانئ أو واجهات بحريَّة، من هنا بدأت الحكومة الأوغندية البحث عن أقل الطرق تكلفة وأكثرها فعالية وأمنًا لنقل مواردها النفطيَّة المُستخرَجة إلى ساحل شرق إفريقيا، فكانت كينيا هي الوجهة التي وقع عليها الاختيار أولًا؛ حيث توصَّلت معها الحكومة الأوغنديَّة إلى اتفاق عام 2014م لإنشاء خط أنابيب UKCOP لنقل النفط بين البلدين. لكن لأسبابٍ مختلفة، -منها رفض الشركات المُمولة-، تخلَّت أوغندا عن هذا المُقترَح، واتجهت بدلًا من ذلك إلى تنزانيا، وانخرطت في مُفاوضات مباشرة معها عام 2016م، لإنشاء خط أنابيب النفط الخام لشرق إفريقيا، المعروف اختصارًا بمشروع “إيكوب” EACOP.
يُعدّ خط أنابيب النفط الخام لشرق إفريقيا (إيكوب) مشروعًا عابرًا للحدود، يمتدّ من مقاطعة هويما Hoima في أوغندا إلى ميناء تانجا Tanga (أقدم الموانئ العاملة ويعود تاريخه إلى القرن السادس) الواقع على ساحل المُحيط الهندي، بهدف نقل النفط الخام المُنتج من حقول بحيرة ألبرت الأوغنديَّة إلى سواحل تنزانيا تمهيدًا لتصديره إلى الأسواق العالميَّة، ويصل طول خط الأنابيب إلى 1.443 كليو مترًا وبعرض 30 مترًا، ومن المتوقع أن يبلغ إنتاج المشروع 216.000 برميل من النفط الخام يوميًّا، مع إمكانية زيادة الكمية إلى 246.000 برميل، وفي حال الانتهاء من هذا المشروع، سيُصبح أطول خط أنابيب في العالم مسخّن كهربائيًّا، نظرًا للطبيعة اللزجة والشمعية للنفط الخام الأوغندي.
وُقِّعت الاتفاقية الحكوميَّة المُشتركة (IGA) لخط أنابيب شرق إفريقيا بين الحكومة الأوغنديَّة ونظيرتها التنزانيَّة في مايو 2017م، أعقبها تنفيذ التصميم الهندسي الأولي للمشروع واعتماده مِن قِبَل هيئة البترول الأوغنديَّة في أكتوبر 2020م، وفي أبريل 2021م تم توقيع ثلاث اتفاقيات تُؤسِّس في مُجملها إطارًا قانونيًّا وتجاريًّا لضمان تشغيل آمِن وطويل المدى، وهذه الاتفاقيات هي: اتفاقية الحكومة المُضيفة (HGA) لكلٍّ من أوغندا وتنزانيا، واتفاقية المُساهمين (SHA)، بالإضافة إلى اتفاقية التعرفة والنقل (TTA)([1])، وبحلول يونيو 2025م، أي بعد ثلاثة أعوام ونصف العام من دخول مشروع إيكوب قيد التنفيذ بشكل رسمي، تم الإعلان عن تنفيذ 60% من المشروع، على أن يتم الانتهاء منه كليًّا بنهاية العام الجاري.
تُقدّر تكلفة خط أنابيب النفط الخام لشرق إفريقيا بنحو خمسة مليارات دولار، ويتم تشغيل المشروع وتمويله من قبل كونسورتيوم يتألف من أربعة شركاء رئيسيين، وهم شركة النفط الفرنسيَّة متعددة الجنسيات توتال إنيرجيز Total Energies كمستثمر رئيسي بنسبة 62٪، وشركة النفط الوطنيَّة الصينيَّة البحريَّة (CNOOC) بنسبة 8٪، بالإضافة إلى شركة النفط الوطنيَّة الأوغنديَّة (UNOC) وشركة تنمية النفط في تنزانيا (TPDC)، بنسبة 15% لكلٍّ منهما([2]).
يبلغ طول الجزء الأوغندي من خط الأنابيب حوالي 296 كيلو مترًا، ويمر عبر عشر مقاطعات بعرض لا يزيد عن 30 مترًا، وسيؤثر على 3.648 شخصًا، وهم الأشخاص المتضررون جراء الاستحواذ الإجباري على أراضيهم وانتزاعها مِن قِبَل السُّلطات، وقد بلغ إجمالي الأشخاص الذين تم تعويضهم، حتى فبراير 2025م، نحو 3.512 شخصًا وفقًا لما أعلنت عنه الحكومة الأوغنديَّة، أمَّا تنزانيا فتضم حوالي 80% من إجمالي طول مسار خط الأنابيب، بمسافة قدرها 1.147 كيلو مترًا تقريبًا، وسيمر مشروع EACOP بـ23 مقاطعة تنزانيَّة، فيما يبلغ مجموع الأشخاص المُتضررين منه قرابة 9.500 شخص([3]).
الجدول من إعداد الباحث
شكل-1: خريطة توضح امتداد خط أنابيب النفط الخام لشرق إفريقيا (إيكوب) من مقاطعة هويما في أوغندا إلى ميناء تانجا التنزاني
Source: Erik Myxter, “East African oil pipeline would cause more emissions than Denmark”, Dialogue Earth, 16 January 2020, at: https://n9.cl/16wqbq
المكاسب والعوائد الاقتصاديَّة لمشروع إيكوب:
يُعدّ خط أنابيب شرقي إفريقيا (إيكوب) أحد أكبر استثمارات الطاقة في المنطقة، وتكمن أهميته في خفض تكاليف نقل النفط الخام المُستخرج من آبار النفط الواقعة على ضفاف بحيرة ألبرت الأوغنديَّة إلى ميناء تانجا في تنزانيا، وبدونه لا يُمكن بيع أو تصدير النفط الأوغندي إلى الأسواق العالميَّة، وتُقدّر عائدات أوغندا المتوقَّعة من مشروع إيكوب بحوالي 3 مليارات دولار سنويًّا لأكثر من 20 عامًا، مُقابل مليار دولار لتنزانيا، وبالتالي يُمكن الاستفادة من هذه العائدات النفطيَّة في تعزيز التنمية المحليَّة، وتمويل مشروعات تطوير البنية التحتيَّة، بما في ذلك إدخال التكنولوجيا الحديثة ودعم الخدمات اللوجستية التي من شأنها تحسين سُبل العيش داخل هذه المُجتمعات، كما سيُفضي المشروع إلى تطوير طرق الخدمة على طول مسار خط الأنابيب، مما يزيد من إمكانية الوصول إلى المناطق المُحيطة، ويُسهِّل حركة البضائع والأشخاص، ويُعزِّز التبادلات الاقتصاديَّة بشكلٍ عامّ.
ومن المُتوقَّع أن يُتيح مشروع إيكوب فرصًا اقتصاديَّة واعدة، من خلال زيادة عائدات النقد الأجنبي، وتوفير آلاف فرص العمل للأوغنديين والتنزانيين على حدٍّ سواء، وبالتالي الحد من مُعدلات البطالة المرتفعة، فضلًا عن جذب الاستثمارات الأجنبيَّة إلى قطاع الطاقة الأوغندي، مما يُعزِّز قدراته التنافسيَّة في السوق العالمية للطاقة([4])، ويعمل حاليًّا في المشروع أكثر من 8.000 مواطن أوغندي وتنزاني، وقد قُدِّمت حتى الآن ما يُقارب 400 ألف ساعة عمل تدريبية، بالإضافة إلى ذلك، أُنفق نحو 500 مليون دولار أمريكي محليًّا على السلع والخدمات، مما يُسهم في تعزيز التنمية الاقتصاديَّة للمنطقة([5]).
ومثلما هو الحال بالنسبة للمشروعات الاقتصاديَّة الاستراتيجيَّة الأخرى؛ يُزعم أنَّ خط أنابيب شرق إفريقيا سيُعزز بشكل كبير الإيرادات الضريبيَّة السنويَّة في تنزانيا وأوغندا. وفي هذا السياق أشارت بعض التقارير إلى أنه مع نهاية شهر مارس 2024م، بلغت حصة تنزانيا من الإيرادات الضريبيَّة الناجمة عن مشروع خط الأنابيب حوالي 11 مليون دولار، مع توقع إمكانية تحقيق مبالغ أعلى بكثير خلال السنوات الخمس والعشرين القادمة([6]).
من ناحية أخرى، يُمثل خط أنابيب شرقي إفريقيا حلّاً حاسمًا لمُعالجة مشكلة فقر الطاقة في القارة الإفريقيَّة، فبالإضافة إلى قدرة المشروع على تحسين أمن الطاقة من خلال ربط الأحواض الغنية بالهيدروكربونات في أوغندا بوجهاتها الإقليميَّة والدوليَّة، سيكون خط الأنابيب أداةً فعَّالة في خلق فرص العمل، وتمكين المُجتمعات المحليَّة، وتحقيق نمو اجتماعي واقتصادي أوسع([7])، كما سيزيد المشروع حجم الاستثمارات الأجنبيَّة المُباشرة في تنزانيا وأوغندا بنسبة تزيد عن 60% خلال مرحلة الإنشاء في ظل التنافسيَّة العالية بين المُستثمرين الدوليين، مما يؤكد أهميته في دَفْع عجلة التنمية في شرق إفريقيا([8]).
كما سيؤدي إنشاء خط أنابيب شرق إفريقيا إلى تطوير البنية التحتية الداعمة، بما في ذلك الطرق والسكك الحديديَّة والموانئ، وتشجيع الاستثمار في البرامج والمشروعات الاجتماعيَّة، كالتعليم والرعاية الصحيَّة وتنمية المهارات، ومن المُتوقع أن يُسهم خط أنابيب النفط الخام لشرق إفريقيا في أمن الطاقة من خلال توفير مصدر وقود موثوق وفعَّال من حيث التكلفة للاستهلاك المحلي، مما يُقلل الاعتماد على المُنتجات النفطيَّة المستوردة([9]).
بالإضافة إلى ذلك، يُعتبر خط أنابيب النفط الخام في شرق إفريقيا (إيكوب) خطوة إيجابية لدعم الاستقرار والتكامل الإقليميين في شرق إفريقيا على نطاق واسع؛ حيث من المُتوقَّع أن يؤدي تطوير المشروع إلى تعزيز البنية التحتيَّة والروابط الاقتصاديَّة بين البلدين والمنطقة ككل، كما سيُشجّع على بناء تحالفاتٍ قوية بين البلدين في مجالات نقل التكنولوجيا وتبادل المعرفة، علاوةً على ذلك، يُمكن أن يجتذب المشروع جهات إقليميَّة أخرى في المُستقبل، كمثال على ذلك، أعلنت جمهورية الكونغو الديمقراطيَّة، قبل عامين، عن رغبتها في استخدام خط أنابيب شرق إفريقيا لتصدير احتياطاتها النفطيَّة من منطقة ألبرتين، الواقعة على حدودها المُشتركة مع أوغندا.
المخاطر البيئيَّة والإنسانيَّة المُحتملة:
على الرغم من الفوائد الاقتصاديَّة والتوظيفية المُتوقَّعة لخط أنابيب شرقي إفريقيا (إيكوب)، والتي أشرنا إليها في المحور السابق من هذا المقال، لا يزال كثير من السُّكان وعدد من مُنظمات المُجتمع المدني في شرق إفريقيا يعلنون عن معارضتهم الشديدة لاستكمال هذا المشروع؛ نظرًا لما ينطوي عليه من مخاطر بيئيَّة وإنسانيَّة مُحتملة؛ حيث يرى هؤلاء أنَّ الآثار الضارَّة التي ستُخلّفها المشروعات النفطيَّة في المنطقة ستفوق بكثير حجم المكاسب والعوائد الاقتصاديَّة التي تروِّج لها الحكومتان الأوغنديَّة والتنزانيَّة.
فمن المُتوقع أن يُلحق خط أنابيب شرق إفريقيا، فور الانتهاء منه، أضرارًا بالغة بالتنوع البيولوجي والمحميات الطبيعيَّة في منطقةٍ تُعدّ الأكثر تنوعًا وثراءً بالحياة البريَّة في العالم؛ إذ سيُؤثر سلبًا على ما يقرب من 2.000كم2 من موائل الحياة البريَّة المحمية التي تضطلع بدور بالغ الأهمية في الحفاظ على الأنواع المُهددة بالانقراض والمُصنَّفة مِن قِبَل الاتحاد الدوَّلي لحفظ الطبيعة([10])، وتزداد المخاوف البيئيَّة المُتعلقة بمشروع إيكوب بالنظر إلى امتداده لمسافة تربو على 400 كيلو مترًا بمُحاذاة بحيرة فيكتوريا، وهي أكبر بحيرة في إفريقيا وثاني أكبر بحيرة للمياه العذبة في العالم، ما سيجعل حوض هذه البحيرة عرضةً لخطر التلوث الناجم عن إمكانية تسرب النفط([11])، وبالتالي حرمان ملايين الأفارقة من الحصول على المياه العذبة وإنتاج الغذاء وفقًا لتقارير ائتلاف المُجتمع المدني للنفط والغاز.
ومن المُرجَّح، طبقًا للبيانات الصادرة عن معهد المُساءَلة المُناخيَّة، أن يُفاقم مشروع إيكوب ظاهرة الاحترار العالمي، ويُلْحِق ضررًا واسعًا بالمستوطنات البشريَّة والحياة البريَّة على طول مسار خط الأنابيب؛ إذ سيزيد خط أنابيب شرق إفريقيا من حدة أزمة المُناخ العالميَّة بتسببه في إطلاق 34 مليون طنًّا من انبعاثات الكربون سنويًّا جراء عملية تسخين خط الأنابيب إلى 50 درجة مئوية بشكل دائم، فضلًا عن تسببه في إزالة الغابات الخضراء على نطاق واسع، وهو ما يُفسِّر وصف بعض الخبراء لمشروع إيكوب باعتباره قنبلةً مُناخيَّة، وأنه يُمثل تقويضًا للالتزامات القانونيَّة والأخلاقيَّة لحكومتي أوغندا وتنزانيا بصفتهما عضوين في اتفاقية باريس للمُناخ وتقع على عاتقهما مسؤولية المُساهمة في خفض الانبعاثات الكربونيَّة بالتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري وتوسيع نطاق الطاقة المُتجددة.
شكل-2: إجمالي الانبعاثات الكربونيَّة المتوقعة لمشروع إيكوب على مدى 25 عامًا
Source: Richard Heede, East Africa Crude Oil Pipeline: EACOP lifetime emissions from pipeline construction and operations, and crude oil shipping, refining, and end use, Climate Accountability Institute, November 2022, P. 6.
وتتجاوز المخاطر الناجمة عن مشروع خط أنابيب شرق إفريقيا التداعيات البيئيَّة، لتصل إلى مخاوف تتعلق بوقوع انتهاكات إنسانيَّة بحق الجماعات البشريَّة المُتضررة من هذا المشروع، كونه يُهدِّد بتهجير آلاف العائلات والمزارعين في كلٍّ من أوغندا وتنزانيا بعد الاستيلاء على أراضيهم عنوةً دون عِلْم أو موافقة مسبقة ودون تقديم تعويضات مُناسبة لهم، فضلًا عن اعتقال السُلطات في البلدين المذكورين لعشرات المُعارضين للمشروع والنشطاء البيئيين، الأمر الذي يُشكِّل انتهاكًا واضحًا لحقوق الإنسان، بما في ذلك حقّ التمتع بمُستوى معيشي وصحي لائق ومُمارسة حرية التعبير، التي أشارت إليها المواثيق والاتفاقيات الدوليَّة.
في هذا السياق، كشف تقريرٌ بعنوان «كابوسٌ يُدعى توتال» صدَر قبل عدة سنوات عن منظمة أصدقاء الأرض ومنظمة Survie الفرنسيتين، عن أنَّ المُتضررين جراء مشروع خط أنابيب نفط شرق إفريقيا لا يزالوا يجهلون موعد حصولهم على التعويضات أو مقدارها، كما أقرَّ بعضهم بالتوقيع على استمارات امتلاك الأراضي بعد ضغوط وترهيب مِن قِبَل شركة توتال الفرنسيَّة ومقاوليها من الباطن. كما أشار التقرير أيضًا إلى عمليات الترهيب والاضطهاد بحق النشطاء وقادة مُنظمات المُجتمع المدني الذين يجرؤون على التحدث علنًا حول هذه الانتهاكات والتداعيات السلبية لمشاريع النفط، وتتوافق هذه النتائج التي خلص إليها هذا التقرير مع نتائج تحقيقين آخرين نُشِرا في سبتمبر 2020م مِن قِبل الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان (FIDH) ومُنظمة أوكسفام أمريكا Oxfam America([12]).
وأمام هذه المخاطر البيئيَّة والإنسانيَّة، اتَّجه كثيرٌ من نشطاء المُناخ ومُنظمات المُجتمع المدني، سواءٌ في إفريقيا أو خارجها، إلى تبنّي إجراءات مختلفة نيابةً عن المُجتمعات المحليَّة ضد بناء خط أنابيب شرق إفريقيا (إيكوب) والمشاريع المُرتبطة به، وقد برز في مقدمة هذه المُنظمات مُنظمة 350Africa.org، وهي منظمةٌ تدعو إلى مُكافحة تغيُّر المُناخ، ونتيجةً للضغط الذي مارسته تلك المُنظمة، رفضت ثلاثة بنوك فرنسيَّة وأحد عشر بنكًا دوليًّا آخر تمويل خط الأنابيب([13])، وازداد الزخم المحلي والدوَّلي المُناهض لخط أنابيب شرق إفريقيا مع إطلاق حملة “أوقفوا إيكوب “Stop EACOP، وهي حملةٌ عالميَّة تضم أكثر من 250 مُنظمةً من جميع أنحاء العالم، وتستهدف مختلف الجهات الفاعلة التي تدعم إيكوب، بما في ذلك البنوك التجاريَّة والمستشارون الماليون والرؤساء التنفيذيون للشركات المعنية بتنفيذ المشروع، للضغط على هذه الجهات لوقف دعمها وتمويلها لخط أنابيب شرق إفريقيا([14])؛ لذلك عانى خط الأنابيب من سلسلة طويلة من التأخيرات.
إجمالًا، يُمكن القول: إنَّه على الرُغم مما يُتيحه مشروع خط أنابيب هويما-تانغا للنفط الخام (إيكوب) من فرصٍ واعدة لكلٍّ من أوغندا وتنزانيا، ودوره المُرتقَب في توطيد الاستقرار والتكامل الإقليميين في شرق إفريقيا، إلا أنَّه لا يُمكن إغفال آثاره السلبية المُحتملة على النُظم البيئيَّة، فقد مضت حكومتا كمبالا ودودما، وكذلك شركات النفط الأجنبيَّة المُساهمة، في خططها لإنشاء المشروع دون استشارة المُجتمعات المحليَّة، ودون ضمانات كافية لمُعالجة المخاطر البيئيَّة وانتهاكات حقوق الإنسان الناجمة عن هذه المشاريع.
ومن هنا، فإنَّ هناك حاجة ماسَّة لتقديم ضمانات قانونيَّة وصحيَّة لتوفير الحد الأدنى من الحماية للبيئة والسُّكان المحليين خلال مراحل تطوير وإنشاء خط الأنابيب أو بعد استكماله، تفاديًا لوقوع كارثة بيئيَّة أو اقتصاديَّة، كما يتطلب ذلك تعاونًا وثيقًا بين الحكومة المركزيَّة في البلدين المُضيفين والحكومات المحليَّة والقطاع الخاص والمُجتمع المدني، بالإضافة إلى تكثيف المُشاورات مع المُجتمعات المحليَّة المُتضررة في كل مرحلة من مراحل بناء خط الأنابيب وتوفير المعلومات اللازمة لطمأنتهم وإزالة مخاوفهم بشأن أيّ مخاطر مُحتمَلة على المديين القريب والبعيد.
…………………………..
([1]) “East African Crude Oil Pipeline”, Uganda National Oil Company, Available at: https://n9.cl/ao7bhg
([2]) Brian Mayanja, Simon Ngorok, and Christopher Tusiime, “Evaluating the Benefits and Costs of the East African Crude Oil Pipeline (EACOP) Project”, UAENRE, 26 September 2022, Available at: https://n9.cl/0epo4
([3]) “The East African Crude Oil Pipeline (EACOP) Project”, Petroleum Authority of Uganda, March 2025, Available at: https://n9.cl/73el89
([4]) Solomon Obi, “EACOP Implications for Uganda and the Continent”, African Leadership Magazine, 27 March 2025, available at: https://n9.cl/8wsgbq
([5]) “EACOP Secures First Financing Tranche for East African Crude Oil Pipeline Project”, Tanzaniainvest, 1 April 2025, available at: https://n9.cl/vxs5q
([6]) Mieke Thierens, “Public benefit or burden: Land acquisition for the East African Crude Oil Pipeline (EACOP) and its impact on agro-pastoral communities in Tanzania”, IPIS, 15 October 2024, available at: https://n9.cl/la3s9
([7]) “EACOP will Help Make Energy Poverty History in Africa by 2030”, African Energy Chamber, 30 June 2022, available at: https://n9.cl/s4pw39
([8]) “The East African Crude Oil Pipeline (EACOP)”, EPCM Holdings, available at: https://n9.cl/8cy2g
([9]) Why Ugandans East Africans celebrate the East African Crude Oil Pipeline”, pachodo, 22 September 2023, available at: https://n9.cl/1lvb0
([10]) “The east African crude oil pipeline: future ecocide?”, Stop Ecocide International, 23 May 2025, available at: https://n9.cl/fs4om
([11])” The East Africa Crude Oil Pipeline (EACOP): The Climate Bomb Threatening Human Rights and the Environment in Uganda and Tanzania”, Climate Rights International, August 2023, available at: https://n9.cl/2nmkyr
([12]) “A Nightmare Named Total in Uganda: new report reveals extent of violations by French oil major on the eve of the appeal court judgment in duty of vigilance case”, Les Amis de Taterre France, 3 December 2020, available at: https://n9.cl/gfujh
([13]) Abby Morenigbade, “The East African Crude Oil Pipeline: Why Are Some East Africans Opposed?”, The Georgetown Environmental, 25 March 2022, available at: https://n9.cl/70nzo
([14]) “The Stop EACOP coalition”, Fossil Banks, available at: https://n9.cl/tuoyt