الأفكار العامة:
– سوء استغلال القضاء عبر التحايل على الإجراءات القانونية لتوطيد السلطة (الديمقراطية) في إفريقيا.
– تداعيات التحايل على الدساتير على المؤسسات الديمقراطية ومصداقيتها وخَلْق عدم المساواة في المشهد السياسي الإفريقي.
– تحايل جُلّ السلطات في إفريقيا لإقصاء الأحزاب المعارضة من الانتخابات بمزاعم عدم الامتثال للقوانين الانتخابية.
– إتقان رجال القضاء استغلال الثغرات القانونية، دون خَرْق القانون، يَحُول دون إمكانية الكشف عن التحايل والانتقائية ضد المعارضة.
– تمحور جُلّ التعديلات حول حدود الفترات الرئاسية، وتعزيز صلاحيات السلطة التنفيذية، أو النظام السياسي لصالح الحكام.
– التطبيق الانتقائي وغير الحازم للمادة 23 (5) من الميثاق الإفريقي للديمقراطية والانتخابات والحكم، التي تَحْظُر التعديلات الدستورية، يُسْهم في تقويض الديمقراطية في إفريقيا.
بقلم: زنجي سيماكولويي*
ترجمة: سيدي.م. ويدراوغو
يسعى العديد من الرؤساء والأحزاب الحاكمة في إفريقيا إلى البقاء في السلطة من خلال التحايل على القوانين وإسكات المعارضة وتقويض التعددية.
يتزايد توظيف الوسائل القانونية لترسيخ السيطرة السياسية وإقصاء الخصوم في إفريقيا. ويتمثل “استغلال القانون” في التلاعب بعدد الولايات الرئاسية، وتعديل تركيبة الجهاز القضائي، واستغلال الإجراءات القضائية لضمان الاستمرارية في الحكم.
شهدت عدة دول، مثل زيمبابوي وزامبيا وتنزانيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وتوغو، هذا النمط من “التحايل القانوني”، مما أضعَف من نزاهة المؤسسات الديمقراطية، وأدّى إلى تفاقم التفاوت السياسي.
وفي الوقت الذي يسعى فيه الاتحاد الإفريقي إلى تعزيز مبادئ الحكم الرشيد، تبرز الحاجة الملحة إلى مواجهة هذا النمط من الانحراف القانوني للحدّ من تآكل الديمقراطية.
يأخذ هذا الاستغلال أشكالاً مختلفة بحسب السياق الوطني، من أبرزها: سَنّ تشريعات مُوجَّهة لتعزيز نفوذ السلطة، وتعديلات دستورية تَصُبّ في مصلحتها، واستبعاد الأحزاب المعارضة من الانتخابات عبر ذرائع قانونية.
ففي تنزانيا، على سبيل المثال، أقصت اللجنة الانتخابية الوطنية المستقلة حزب المعارضة الرئيسي “تشاما تشا ديموكراسيا” قبيل انتخابات أكتوبر 2025م، بسبب رفضه التوقيع على قانون انتخابي جديد.
استغلال القادة السياسيين للثغرات القانونية بهدف تقويض التعددية السياسية:
فعلى سبيل المثال، رغم أن قانون الانتخابات التنزاني لعام 2024م ينص على ضرورة الامتثال لقواعد محددة، فإن الدستور لا يمنح اللجنة الانتخابية سلطة قانونية لاستبعاد الأحزاب على هذا الأساس. ومع ذلك، تم استبعاد مرشح حزب “تشاديما”، مما منح الحزب الحاكم ميزة انتخابية، وخلق سابقة قانونية تُستخدم بطريقة مماثلة.
وتنعكس هذه الممارسات أيضًا في الأحكام القضائية المتناقضة ذات الخلفيات السياسية. ففي زامبيا، أثار قرار المحكمة الدستورية عام 2018م، باعتبار الولاية الأولى للرئيس إدغار لونغو غير محسوبة ضمن الحد القانوني، وسمح له بالترشح لولاية ثالثة، جدلاً واسعًا، خاصة وأن القضاة الذين أصدروا الحكم عيَّنهم لونغو نفسه. لكن في عام 2024م، وبعد تغيير تركيبة المحكمة، أُعيد النظر في القرار، وتم منع لونغو من الترشح لانتخابات 2026م، وهو ما صبَّ في مصلحة خَلَفه، الرئيس هاكايندي هيتشيليما. (توفي لونغو الذي كان ناشطًا على الساحة السياسية منذ فترة طويلة في 5 يونيو الماضي).
يسلط التناقض في أحكام المحكمة الدستورية الزامبية الضوء على مدى قابلية القانون للتأويل والتلاعب لتحقيق مكاسب سياسية. وتُظهر هذه الأمثلة كيف يَستخدم بعض القادة الثغرات القانونية، لا لخرق القانون صراحة، بل للالتفاف عليه بطرق قانونية ظاهرًا، سواء عبر تعيين قضاة موالين أو من خلال الانتقائية في تنفيذ الأحكام.
هذا النوع من الاستغلال يجعل من الصعب رَصْده ومواجهته؛ لأنه يتم تحت غطاء الشرعية القانونية، مما يُضْعِف استقلالية القضاء ويُقوِّض مبادئ الشفافية والمساءلة، ويُشكّل تهديدًا حقيقيًّا لمسار الديمقراطية في عدد من الدول الإفريقية.
ضرورة مكافحة الاتحاد الإفريقي لاستغلال القانون الذي يتسبّب في تراجع الديمقراطية في إفريقيا:
يُعتبر استخدام مراجعات الدساتير وإعادة تشكيل المؤسسات بهدف ترسيخ الحكم والبقاء في السلطة، أحد أبرز مظاهر استغلال القانون في إفريقيا. وعلى الرغم من استناد هذه الممارسات على الإجراءات القانونية، كالتصويت البرلماني أو الاستفتاءات، إلا أنه نادرًا ما يُعبِّر عن روح النص الدستوري، بل يخدم أهدافًا سياسية.
يتكرر هذا النمط من خلال تعديل حدود الولايات الرئاسية أو توسيع صلاحيات السلطة التنفيذية أو إعادة تشكيل النظام السياسي بما يخدم الحكام القائمين، كما حدث في جمهورية الكونغو الديمقراطية وزيمبابوي وتوغو. ففي الكونغو الديمقراطية، تحدَّث الرئيس فيليكس تشيسيكيدي عن “إصلاح” دستور 2006م تحت شعار “إضفاء الطابع الكونغولي” عليه، وهو ما يراه منتقدوه محاولة لفتح الباب أمام ولاية ثالثة.
وفي زيمبابوي، رغم نفي الرئيس منانغاغوا نيته الترشح مجددًا، أثارت تصريحات وزير العدل بشأن “توضيح” الدستور مخاوف من تعديل محتمل يخدم مصالح الحكم.
وفي توغو، أدَّت الإصلاحات الدستورية لعام 2024م إلى تحويل النظام السياسي الرئاسي في توغو إلى نظام برلماني دون انتخابات رئاسية مباشرة. ووفقًا للحزب الحاكم، فإن هذا الإجراء من شأنه أن يعزز الديمقراطية، لكنّ المعارضة والمجتمع المدني يعتبرونه “انقلابًا دستوريًّا يهدف إلى الالتفاف على حدود الفترة الرئاسية”.
هذه التكتيكات تُضْعِف الضوابط والتوازنات المتأصلة في المؤسسات السياسية الإفريقية. وتُستخدَم المحاكم والهيئات التشريعية لأغراض حزبية، ويصبح التمييز بين الشرعية والتلاعب غير واضح. وتُشكّل كل هذه التصرفات سابقة من شأنها أن تَضُرّ بنزاهة المؤسسات السياسية ونزاهة الانتخابات.
غياب الصرامة في التعامل مع النظام القانوني يؤدي إلى تراجع الديمقراطية:
تُفضِي هذه الممارسات في كثير من الأحيان إلى حالة من عدم الاستقرار السياسي. ففي زيمبابوي، أدَّى التوجس من احتمال ترشح الرئيس لمنصب رئاسي ثالث إلى تصدُّعات في صفوف النظام، بما في ذلك توتر العلاقات مع قدامى المحاربين وبعض عناصر الأجهزة الأمنية، التي تُعدّ أساسية للحفاظ على استقرار الحكم. أما في جمهورية الكونغو الديمقراطية، فقد تسبَّبت هذه الانشغالات السياسية في إبعاد تركيز مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي عن معالجة الأزمات الأمنية، لا سيما في شرق البلاد. وفي توغو، تُهدّد التعديلات الدستورية الأخيرة بتقويض العلاقة الهشَّة أصلًا بين المدنيين والمؤسسة العسكرية.
ويمتلك الاتحاد الإفريقي أدوات قانونية لمواجهة هذه الانحرافات، لا سيما من خلال المادة 23 (5) من الميثاق الإفريقي للديمقراطية والانتخابات والحكم، التي تَحْظُر التعديلات الدستورية التي تُقوِّض المبادئ الديمقراطية لتغيير السلطة. ومع ذلك، فإن تطبيق هذه المادة كان محدودًا وانتقائيًّا.
فعلى سبيل المثال، أبدى مجلس السلم والأمن حزمًا نسبيًّا خلال أزمة الولاية الثالثة في بوروندي بين عامي 2015 و2016م؛ حيث أصدر أربع بيانات لثَنْي الرئيس السابق نكورونزيزا عن الترشح. لكنْ عندما أصبح استغلال القانون أكثر دهاءً وتغلَّف بمظاهر الشرعية الشكلية، بقي المجلس غير نَشِط، مما أضعَف دوره الرقابي وقلل من فاعليته في حماية المسار الديمقراطي.
ونظرًا لأن أساليب التلاعب بالأحكام القانونية لا تُدرَج ضمن التقرير السنوي عن حالة السلم والأمن المقدم إلى جمعية الاتحاد الإفريقي؛ فإن دور المجلس يظل محصورًا في الرصد والإنذار المبكر. ويمكن لمجلس السلم والأمن أن يُعزّز من فعاليته من خلال توسيع نطاق تقريره نصف السنوي حول الانتخابات ليشمل مظاهر التحايل على القانون، مما سيسهم في رفع الوعي بهذه الظاهرة ووضعها على جدول أعمال الاتحاد قبل تفاقم التراجع الديمقراطي.
إن تسليط الضوء على تصاعد هذه الممارسات يُوفّر قاعدة لاستجابات وقائية واستباقية. وفي حال غياب تحرك حازم، فإن تهديد الديمقراطية في القارة لن يأتي من الانقلابات أو العنف الصريح، بل مِن تغييرات هادئة وممنهجة تُنَفَّذ عبر الأُطُر القانونية نفسها.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
* باحث متدرب، الحوكمة الإفريقية من أجل السلام والأمن.
رابط المقال: https://issafrica.org/fr/iss-today/guerre-juridique-contre-la-democratie-en-afrique