تمهيد:
شهدت العاصمة الإسبانية مدريد، في السادس من يوليو 2025م، انطلاق أعمال القمة الإسبانية-الإفريقية الثالثة التي امتدت حتى الثامن من الشهر نفسه، تحت شعار: “إسبانيا وإفريقيا: شراكة عالمية ومستدامة وشاملة”، وذلك بمشاركة وامكيلي ميني، الأمين العام الأول لأمانة منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية (AfCFTA)، وممثلين حكوميين من عدة دول، من بينها كوت ديفوار وتوجو والصومال، إلى جانب عدد من كبار المسؤولين الإسبان.
وقد نظّمت “منتديات إفريقيا الواحدة” (One Africa Forums) هذه القمة، بالشراكة مع وزارة الشؤون الخارجية والاتحاد الأوروبي والتعاون الإسبانية، وجمعت ممثلين عن حكومات إفريقية، ومسؤولين كبارًا في الإدارات الاقتصادية والسياسية والمنظمات الدولية؛ بهدف ترسيخ الشراكة الإستراتيجية بين إسبانيا والقارة الإفريقية على أُسس من التوازن والاستدامة والمصالح المتبادلة. كما جمعت هذه القمة ما يقارب (200) من صنّاع القرار رفيعي المستوى، وأكثر من (30) وزيرًا إفريقيًّا للخارجية والاقتصاد والمالية والصناعة والتجارة، بالإضافة إلى ممثلي المنظمات الإقليمية والشركات الرائدة والمؤسسات الدولية.
ارتكزت هذه القمة على خمسة محاور رئيسية تمثل أركان إستراتيجية “إسبانيا–إفريقيا 2025– 2028م”، وهي: التعاون الاقتصادي، وتعزيز الاستثمار، والتعاون الأمني، والتكامل الإقليمي، والتحوُّل المستدام. ويأتي تنظيم هذه القمة في ظل تطوُّر ملموس في العلاقات الاقتصادية بين الطرفين؛ حيث بلغت صادرات إفريقيا إلى إسبانيا (35.7) مليار دولار عام 2024م، بينما بلغت وارداتها من المنتجات الإسبانية (20.7) مليار دولار.
وتطرح هذه القمة جملة من التساؤلات حول طبيعة العلاقات بين إسبانيا والقارة الإفريقية، ومدى قدرة القمة على ترجمة محاور إستراتيجية “إسبانيا–إفريقيا 2025 –2028م” إلى واقع عملي ملموس في مجالات الاستثمار والتعاون الاقتصادي والتكامل الإقليمي، دون أن تصطدم بعقبات البيروقراطية وتفاوت الإرادات السياسية أو تشابك المصالح الإقليمية والدولية؛ إذ لا يمكن فَهْم هذه القمة بمعزل عن السياق الجيوسياسي الأوسع؛ حيث تتزايد حدة التنافس الدولي في إفريقيا، الأمر الذي يجعل من القمة الإسبانية محطة ضرورية لقراءة موقع إسبانيا داخل هذا السباق المحموم على النفوذ والموارد والأسواق الإفريقية.
أولًا: السياق التاريخي للقِمم الإسبانية الإفريقية: من بيت إفريقيا إلى قمة مدريد 2025م
منذ أواخر القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين، سعت إسبانيا إلى تعزيز حضورها الاقتصادي في إفريقيا، معتبرةً القارة فرصة إستراتيجية بفضل نموّها السكاني ومواردها الطبيعية وإمكاناتها السوقية.
وفي هذا السياق، استندت إلى دبلوماسية القمم والمؤتمرات لتعزيز التعاون الاقتصادي مع دول القارة؛ ففي عام 2006م، أطلقت الحكومة الإسبانية أول خطة شاملة لإفريقيا، تلتها تحديثات في عامي 2009 و2019م. وقد شكَّلت هذه الخطط تحولًا إستراتيجيًّا ركَّز على التعاون الاقتصادي والسياسي والثقافي، ورغم عدم إنشاء منتدى اقتصادي محدد، فقد شجَّعت على تنظيم فعاليات ثنائية ومتعددة الأطراف.
وفي الفترة من عام 2006م وحتى عام 2008م، أعلنت إسبانيا عن تأسيس منظمة “Casa África” في جزر الكناري، لتكون بمثابة شبكة من الهيئات الاقتصادية ومؤسسات العلاقات العامة لتعزيز الحضور الإسباني في القارة. وقد نظّمت المنظمة أول مؤتمر لها في يونيو 2007م بحضور قادة أفارقة؛ حيث تم الاتفاق على تعزيز التبادل الدبلوماسي والاقتصادي، وخاصةً الثقافي. وفي عام 2018م، نظَّمت المؤسسة منتدًى اقتصاديًّا دوليًّا حول غرب إفريقيا، جمع وزراء ورجال أعمال لمناقشة الفرص الاستثمارية في منطقة “الإيكواس”، مؤكدًا دور جزر الكناري كجسر بين أوروبا وإفريقيا.
ومن أبرز الفعاليات الأخرى التي رسَّخت التوجُّه الإسباني نحو إفريقيا: “المنتدى الاقتصادي الدولي التاسع عشر حول إفريقيا” (2019م) في مدريد، الذي عُقدَ بمبادرة مشتركة من “بيت إفريقيا” (Casa África)، و”البيت العربي” (Casa Árabe) ووزارة الشؤون الخارجية والاتحاد الأوروبي والتعاون الإسبانية، لمناقشة آفاق التنمية بمشاركة سياسيين ومستثمرين وأكاديميين. وكذلك، بادرت مؤسسات مثل “ICEX” وغرفة التجارة الإسبانية إلى تنظيم منتديات أعمال مع دول إفريقية لدعم حضور الشركات الإسبانية في مجالات البنية التحتية والطاقة والتكنولوجيا. ومع تصاعد توجُّه إسبانيا نحو القمم، انطلقت في عام 2023م “قمة إسبانيا-إفريقيا” عبر “منتديات إفريقيا الواحدة”، بالتعاون مع وزارة الخارجية([1]).
وفي عام 2024م، نُظِّمت القمة الثانية مِن قِبَل الاتحاد الإسباني لمنظمات الأعمال (CEOE) والمنتدى الإيبيرو-الإفريقي للأعمال في جزر الكناري، بمشاركة وفود من أمريكا اللاتينية ودول إفريقية، وقد مثّلت خطوة مهمة نحو ترسيخ نموذج التعاون الثلاثي.([2]) أما قمة مدريد، فتُعدّ الثالثة التي تُنظّمها إسبانيا، وتأتي بعد إعلانها عن “خطة عمل إسبانيا-إفريقيا 2025 -2028م”، التي أُقِرَّت في ديسمبر 2024م، واشتملت على خمسة محاور إستراتيجية، تُرجمت إلى (100) مجال عمل. ويُستنتَج مما سبق أن نَهْج القمم الإسبانية-الإفريقية قد شهد تطورًا ملحوظًا؛ إذ انتقل من مجرد خطة شاملة في عام 2006م، إلى تأسيس بنية ثقافية متمثلة في “بيت إفريقيا” (Casa África)، وصولًا إلى عقد مؤتمرات إستراتيجية وتجارية رفيعة المستوى تُؤسِّس لشراكة متوازنة ومستدامة مع إفريقيا حتى عام 2028م.
ثانيًا: السياقات المُحفّزة: إسبانيا شريك إستراتيجي
يقف خلف هذا التقارب الإسباني-الإفريقي مجموعة من الدوافع والسياقات المُحفّزة التي دفعت مدريد إلى وضع إستراتيجيات وخطط عمل متوسطة وطويلة المدى، وأبرزها ما يلي:
-التحولات الجيوسياسية: تشهد إفريقيا إعادة تشكيل للتحالفات الدولية، لا سيما في منطقة الساحل؛ فبينما تتعزز علاقات دول مثل المغرب مع إسبانيا، تبتعد دول أخرى مثل مالي وبوركينا فاسو والنيجر عن شركائها الغربيين التقليديين مثل فرنسا، مما يخلق فراغًا وفرصًا جديدة لدول مثل إسبانيا. كما أدَّت الحرب الروسية-الأوكرانية وما نتج عنها من نقص في إمدادات الغاز إلى أوروبا، إلى دفع إسبانيا للبحث عن بدائل للطاقة في شمال وغرب القارة الإفريقية. ونتيجة لذلك، عزَّزت علاقاتها مع نيجيريا، ووقَّعت عقود تزويد بالغاز مع الجزائر لتأمين احتياجاتها.
-الروابط التاريخية والثقافية: تسعى مدريد إلى استثمار روابطها التاريخية والثقافية، خصوصًا مع شمال ووسط وغرب إفريقيا، لتعزيز نفوذها. ويُعدّ وجود جالية إفريقية كبيرة في إسبانيا، تُقدَّر بنحو مليوني شخص، جسرًا بشريًّا وثقافيًّا يُسهِّل الحوار ويُعزِّز التواصل بين الطرفين([3]).
-الفُرَص الاقتصادية: تمثل منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية (AfCFTA) سوقًا ضخمة تضمّ أكثر من (1.3) مليار نسمة، مما يَفتح آفاقًا واسعة للتجارة والتصنيع. وفي هذا الإطار، تسعى إسبانيا إلى تمكين شركاتها من الاندماج في هذه السوق الواعدة، مدعومةً بمبادرات مثل “تحالف إفريقيا المتقدمة” لتعزيز الاستثمار. كما يُعزّز هذا التوجُّه موقع إسبانيا الإستراتيجي كبوابة رئيسية للاتحاد الأوروبي نحو إفريقيا، بفضل قربها الجغرافي.
التحديات المناخية والأمنية: تُواجه القارة الإفريقية تحديات جسيمة، مثل التأثيرات الحادة لتغيُّر المناخ التي تُهدِّد أمنها الغذائي، إضافةً إلى التهديدات الأمنية كالنشاط الإرهابي والصراعات المسلحة، خاصةً في منطقتي الساحل والقرن الإفريقي. تُمثّل هذه التحديات دافعًا لإسبانيا لتقديم نفسها كشريك إستراتيجي في مجالي الأمن والتنمية المستدامة. وتستفيد مدريد من التوجُّه العالمي نحو الاقتصاد الأخضر؛ حيث تُقدّم، بوصفها عضوًا في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، برامج لدعم التحوُّل البيئي في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء.([4])
ثالثًا: أهداف القمة: ما الجديد؟
في ضوء هذه السياقات، تتحدَّد أهداف القمة الإسبانية-الإفريقية من خلال رؤية مدريد لدورها المستقبلي في القارة، وسعيها لتحقيق المصالح المشتركة في ظلّ التنافس الدولي المتزايد. تتمثل هذه الأهداف في تعزيز حضورها كلاعب رئيسي في القطاعات الإستراتيجية، والتعاون في الملفات المشتركة كالهجرة غير النظامية، وتأمين إمدادات الطاقة، وتسهيل وصول شركاتها إلى الأسواق الإفريقية.
ويمكن تفصيل أهداف القمة على النحو التالي:
1– التعاون السياسي:
عكست القمة التزامًا بالحوار رفيع المستوى من خلال تنظيم موائد مستديرة مع وزراء ومسؤولين كبار من دول مثل المغرب والصومال وغينيا بيساو والسنغال. وقد ركَّزت القمة في هذا الإطار على عدة محاور:
-تعزيز التعاون الثنائي المباشر مع الدول الإفريقية: إبراز التوجُّه الإسباني الجديد نحو توسيع الحضور الدبلوماسي والتعاوني، والذي يتضمن إطلاق “تحالف إفريقيا إلى الأمام” (Africa Forward Alliance) لتعزيز الاستثمار، وزيادة المِنَح التعليمية وفرص التدريب المهني للشباب الإفريقي.
-الترويج للإستراتيجية الإسبانية وربطها بالتكتلات الإقليمية: مثل منطقة التجارة الحرة القارية (AfCFTA)، وتنسيق الجهود لمواجهة التحديات العابرة للحدود كالتغير المناخي والهجرة والإرهاب. إلى جانب دعم التعاون متعدد الأطراف بين الاتحادين الإفريقي والأوروبي لتعزيز الشراكة القارية إشراك الاتحاد الأوروبي في التنظيم، بهدف تعزيز التعاون في المجالات السياسية والقانونية، وتوطيد العلاقات المؤسسية مع الدول الإفريقية([5]).
2-التعاون الاقتصادي:
على الصعيد الاقتصادي، لا يزال حجم التبادل التجاري بين إسبانيا وإفريقيا محدودًا؛ إذ لا تتجاوز الصادرات الإفريقية إلى إسبانيا 6%، بينما تبلغ حصة الأسواق الإفريقية من الصادرات الإسبانية 7%، وهي أرقام متواضعة مقارنةً بقوى دولية وإقليمية أخرى. ولذلك، ركَّزت القمة على تعزيز التعاون الاقتصادي في قطاعات حيوية مثل البنية التحتية، والطاقة المتجددة، والصيد البحري. وقد تمثلت أبرز التوجهات الاقتصادية التي طرحتها القمة فيما يلي:
-تفعيل دور القطاع الخاص: ليكون مُحرِّكًا رئيسيًّا لتنفيذ الرؤية الإسبانية في إفريقيا، عبر تشجيعه على الدخول في مشاريع إستراتيجية طويلة الأمد، خاصةً في قطاع الطاقة بدول مثل الصومال ونيجيريا([6]). بالإضافة لفتح الباب أمام منتدى أعمال غرفة التجارة الإسبانية؛ لتقديم مزيد من التحفيز للقطاع الخاص من أجل الدخول إلى الأسواق الصومالية والإفريقية، مدعومًا بتشجيع الشركات الإسبانية على الاستثمار في القطاعات الإستراتيجية، بناءً على العقود الـ(59) التي منحها بنك التنمية الإفريقي للشركات الإسبانية([7]).
-دعم مشروعات البنى التحتية: وذلك من خلال برامج الوكالة الإسبانية للتعاون الدولي والتنمية (AECID)؛ إذ أطلقت خططًا وطنية في مجالات البنى التحتية، مثل خطة الصومال (2025– 2029م) لقطاعات البنية التحتية والمياه والطاقة، وتعزيز الروابط الاقتصادية والاجتماعية من خلال الاستفادة من الخبرات الإسبانية في مجالات البنية التحتية، والطاقة المتجددة، والتجارة.
-تعزيز الاستثمارات ودعم التكامل الاقتصادي: أعلنت إسبانيا عن استعدادها لتوفير القروض المالية التي تحتاج إليها الدول الإفريقية. في سياق متصل، تبرز إمكانية أن تلعب إسبانيا دور الوسيط لتحسين الميزان التجاري بين القارة (ممثلةً بمنطقة التجارة الحرة القارية) وبقية دول العالم، وذلك عبر دعم الهيئات الإقليمية، مثل المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (ECOWAS)؛ بهدف زيادة الترويج للفرص الاستثمارية في القارة([8]).
3- الاستفادة من التحول الديمغرافي في إفريقيا:
روَّجت إسبانيا -خلال القمة- رغبتها في الاستفادة من التحول الديموغرافي للقارة؛ حيث يتوقع أن يتضاعف عدد سكان إفريقيا إلى أكثر من (2) مليار نسمة خلال عام 2050م، مما قد يزيد من مساهمة القارة في الناتج المحلي الإجمالي العالمي ستة أضعاف. وفي ذات السياق، عملت على الترويج لقدراتها في تدعيم الشباب الإفريقي ببرامج تكاملية على النحو التالي:
-تمكين الشباب الإفريقي من خلال التعليم وريادة الأعمال: وذلك عبر تبنّي إستراتيجية متكاملة لتعزيز التعليم وريادة الأعمال، تعتمد على تقديم البرامج والمِنَح الدراسية والدورات التدريبية، ودعم التعاون التقني والاقتصادي؛ مما يُتيح للشباب الأفارقة اكتساب المهارات اللازمة للمساهمة في تنمية قارتهم([9]).
لذلك وجَّهت القمة نحو تعزيز ريادة الأعمال بين الشباب كوسيلة لخلق فرص عمل مستدامة؛ حيث تم الإعلان مبادرة إيبرو-إفريقية ((AFRICO، وهي شبكة جديدة لغرف التجارة تهدف إلى تعزيز الشراكات التجارية والتدريبية في مجالات ريادة الأعمال.([10])
-دعم التنمية الاقتصادية والهجرة المنظّمة: أكَّدت إسبانيا التزامها بنَهْج “إيجابي ومنظّم للهجرة” يرتكز على حقوق الإنسان وتوفير السبل القانونية، ويتجلى هذا الالتزام في دعمها لتمكين الشباب الإفريقي اقتصاديًّا عبر توفير التمويل للمشاريع الناشئة، وتوسيع برامج التدريب المهني، ومواصلة تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة، والمشاركة في تطوير البنية التحتية الخضراء.
ثالثًا: السيناريوهات المستقبلية لنتائج القمة: شراكة إستراتيجية أم تفاهم عابر؟
يمكن أن تتخذ إستراتيجية إسبانيا تجاه إفريقيا (2025 -2028م) أحد السيناريوهات المحتملة التالية:
1- التفعيل التدريجي للخطة الإستراتيجية (2025 -2028م):
يُظهر ما تناولته القمة رغبةً إسبانيةً في التوسع والانتشار في إفريقيا؛ حيث يبدو أن العلاقات تسير نحو تفعيل تدريجي لإستراتيجية (إسبانيا-إفريقيا 2025 -2028م). وعليه، يُتوقَّع أن تدعم هذه الإستراتيجية مشروعات إسبانيا في البنية التحتية وبرامج التعليم الفني، بالإضافة إلى تعزيز أدوات التعاون مع إفريقيا، وعلى رأسها الوكالة الإسبانية للتعاون الدولي والتنمية (AECID) التي ستتولى تمويل هذه المشاريع وتنسيقها. كما ستعمل إسبانيا على تعزيز الشراكات الثنائية لتنفيذ خطط تنموية مستوحاة من إطار التعاون الجديد، مثل “خطة الصومال للبنية التحتية 2025 –2029م”، التي تُمثّل نموذجًا لترجمة الرؤية الإستراتيجية إلى مشروعات ملموسة.
2– ترسيخ دور إسبانيا كجسر تجاري بين إفريقيا والاتحاد الأوروبي:
يُستدل على هذا التوجه من خلال إعلان إسبانيا عن قدرتها على لعب دور الوسيط والمُيَسِّر للاتفاقيات الإفريقية مع الاتحاد الأوروبي، ودعواتها لتوسيع استخدام العملة الأوروبية الموحدة (اليورو) في المعاملات الإفريقية، فضلًا عن توقيع اتفاقيات جديدة تُسهّل عمليات التخليص الجمركي وتُعزز الربط التجاري. إلى جانب ذلك، قد تُروّج إسبانيا لمشروعات ثلاثية الأطراف (تجمعها مع دول إفريقية والاتحاد الأوروبي)، وتأتي هذه المبادرات لتؤكد التزام إسبانيا بتبنّي نهج تشاركي وشامل في التعامل مع التحديات التنموية الإفريقية، وتحقيق منفعة متبادلة لجميع الشركاء.
ومما يُعزّز هذا السيناريو سَعْي إسبانيا للاستفادة من منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية وشبكتها الدبلوماسية لتعزيز التجارة والاستثمار. وفي حال استقطبت مبادرة “تحالف إفريقيا المتقدمة” اهتمامًا دوليًّا كبيرًا، فإن ذلك سيُعزّز دور إسبانيا كجسر بين أوروبا وإفريقيا. وبحلول عام 2028م، قد يتضاعف حجم التجارة الثنائية، وتصبح إسبانيا من أبرز المستثمرين الأوروبيين في قطاعَي الطاقة المتجددة والبنية التحتية في القارة.
3- التركيز على تنمية الشباب الإفريقي للحدّ من الهجرة:
في ظل معاناتها من تحديات الهجرة غير الشرعية؛ قد تتجه إسبانيا إلى تعزيز المشروعات التي تستثمر في الشباب الإفريقي وتنمية مهاراتهم؛ بهدف الحدّ من هذه الظاهرة. ويُستدل على هذا التوجه بمبادرات مثل “AFRICO” التي تحظى بدعم مؤسسي متزايد، في ظل السعي لتأسيس كيان دائم يُعنى بتنسيق العلاقات الإسبانية-الإفريقية. وسيكون هذا الكيان مرجعًا لمتابعة تنفيذ المشاريع المشتركة وتطوير السياسات والخطط على المدى الطويل، بما يضمن استدامة الشراكة وتوسيع آثارها الاقتصادية والاجتماعية.
رابعًا: تحديات في طريق الشراكة
ثمة مجموعة من التحديات التي قد تعرقل نجاح القمة الإسبانية-الإفريقية لعام 2025م، أبرزها ما يلي:
1- التنافس الدولي في إفريقيا:
تواجه إسبانيا منافسة حادة من قوى دولية كبرى، مثل روسيا وفرنسا والولايات المتحدة والصين، التي تمتلك مصالح إستراتيجية متجذرة في القارة. لذلك، يعتمد نجاح السياسة الإسبانية في إفريقيا على قدرتها على بناء شراكات إستراتيجية قوية، على غرار النموذج الصيني.
2- التوترات الأمنية والجيوسياسية:
تُشكل قضايا الأمن والهجرة غير الشرعية تحديات ملحة، خاصةً في منطقة الساحل الإفريقي التي تشهد عدم استقرار وانتشارًا للجماعات الإرهابية. ونظرًا لكون إسبانيا من أكثر الدول تضررًا من هذه الظاهرة، فقد تضطر إلى تقديم مشروعات اجتماعية لمعالجة الأسباب الجذرية للهجرة، وهي مبادرات قد لا تحقق عائدًا استثماريًّا مباشرًا. بالإضافة إلى ذلك، يُعدّ انتشار الإرهاب في مناطق الساحل والصحراء والقرن الإفريقي عائقًا كبيرًا أمام الاستثمارات الإسبانية، وهو ما أكَّدته شركات إسبانية مثل “إليكنور” (Elecnor). فهذه الشركة، التي تمتلك مشاريع في (14) دولة إفريقية، تعتبر هذه العوامل عوائق رئيسية تهدّد أعمالها في القارة.([11])
كذلك، قد تدفع التهديدات الإرهابية المتصاعدة في منطقة الساحل والقرن الإفريقي الإستراتيجية الإسبانية نحو التركيز على التعاون الأمني؛ وهو ما قد يأتي على حساب الأهداف الاقتصادية والاجتماعية، ويؤدي إلى توتر العلاقات مع شركاء أفارقة يسعون إلى شراكات أكثر توازنًا.
3- أزمة التمويل والديون:
تسعى إسبانيا إلى طرح حلول تمويلية مبتكَرة، مثل إعادة توجيه حقوق السحب الخاصة لصالح صندوق الاستدامة والصمود التابع لصندوق النقد الدولي. ومع ذلك، فإن العديد من الدول الإفريقية تُواجه أزمة مديونية متزايدة؛ وهو ما قد يَدفعها إلى طلب تمويل يفوق قدرات إسبانيا الإقراضية، مما يُهدِّد استقرارها المالي، ويَحُدّ من إمكانيات الاستثمار.
إجمالًا، يمكن القول: إن قمة (إسبانيا-إفريقيا 2025م) تُشكّل مسارًا إستراتيجيًّا طويل الأمد يعكس تحولًا نوعيًّا في العلاقات بين الطرفين. فقد أَرْسَت القمة أُسُس شراكة متعددة الأبعاد، تستند إلى رؤية إستراتيجية طموحة قوامها التمكين الاقتصادي، والتكامل الإقليمي، والتنمية المستدامة. ومن خلال التفاعل النشط مع الأُطُر القارية، وتوسيع الحضور الدبلوماسي، وتكثيف التعاون في قطاعات الطاقة والتعليم والبنية التحتية، تبدو إسبانيا عازمة على ترسيخ دورها كلاعب محوري في دعم مسار التحول الإفريقي، وبناء نموذج جديد للتعاون بين الجنوب والشمال قائم على المصالح المتبادلة.
إن نجاح هذا المسار يعتمد بشكل أساسي على عاملين؛ أولهما، قدرة إسبانيا على ترجمة التعهُّدات إلى مشاريع ملموسة، مدعومة بآليات تنفيذ ومتابعة فعَّالة. وثانيهما، قدرتها على تجاوز التصورات السلبية المرتبطة بالأجندات الغربية وبناء الثقة من خلال شراكات حقيقية. وإذا ما تحقّق ذلك وفقًا لهذه الرؤية وبشفافية واستمرارية، فإن القمة ستمثل بالفعل نقطة انعطاف حقيقية نحو شراكة أوروبية–إفريقية جديدة تقودها مدريد.
……………………………………..
المصادر:
[1] Spanish government unveils 3-year strategy to boost ties with Africa, Spain English, 6th December 2024, at: https://shorturl.at/AKqny
[2] CEOE presenta el primer Foro Empresarial Ibero Africano para reforzar las relaciones empresariales entre África y España, Confederación Española de Organizaciones Empresariales, Madrid, 12 de julio de 2024,p.5
[3] Raúl Redondo, Africa and Spain: a global, sustainable, and inclusive partnership, Atalayar, 07/07/25,at: https://shorturl.at/owMnR
[4] Samantha Borkhoche, Eman Abdulla, Edward R Gemayel, Vidhi Maheshwari, Aten Saliba, Strategies for Africa’s Climate Resilience: Trade and Practices, International Monetary Fund, July 4, 2025, p12.
[5] Emmanuel Chilamphuma, Spain Unveils New Africa Strategy for 2025-2028, Further Africa, January 8, 2025, at: https://shorturl.at/Gp7Ub
[6] José Angel Pedraza, Spanish-African relations and the role of young people, topics of debate at the first session of the Africa-Spain Summit in Madrid, Atalayar, 07/07/25,at: https://shorturl.at/2W5Nu
[7] Cristina Gallardo, Spain seeks to increase diplomatic and economic ties in Africa, politico, March 29, 2021, at: https://shorturl.at/2VdiZ
[8] Enrique Fernández, Africa-Spain Summit: Investing in Africa is a safe bet, Atalayar, 08/07/25, at: https://shorturl.at/Z1GUl
[9] Madrid Hosts New Africa-Spain Summit to Bolster Emerging Partnership, Ecofin Agency, 07 July 2025, at: https://shorturl.at/nQj9T
[10] Enrique Fernández, Africa Spain Summit: a unique opportunity for dialogue between Europe and Africa, Atalayar, 06/07/25, at: https://shorturl.at/1r766
[11] Cristina Gallardo, op.cit.