مقدمة:
برز اسم موريتانيا بشكل ملحوظ في الإعلام الإسرائيلي خلال شهر يوليو 2025م، في ظل شائعات كانت قد ترددت عن رغبة رئيسها، محمد ولد الشيخ الغزواني، في الانضمام للاتفاقيات الإبراهيمية، بالتزامن مع زيارته للبيت الأبيض، واجتماعه مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في التاسع من يوليو 2025م.
والمفارقة أنه قبيل الاجتماع، تناقل الإعلام العبري باهتمام منقطع النظير أنباء عن لقاء وشيك بين الغزواني وبين رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، الذي حلَّ ضيفًا على البيت الأبيض هو الآخر، واحتفى الإعلام العبري بالاجتماع الاستثنائي الذي سيُمهِّد الطريق لاستئناف العلاقات بين تل أبيب ونواكشوط، وسيضع حجر الأساس الذي سيُبنَى عليه انضمام موريتانيا للاتفاقيات الإبراهيمية.
لكن سرعان ما نفت السفارة الموريتانية في واشنطن تلك الأنباء جملةً وتفصيلًا، ومِن ثَمَّ، تبدَّلت لهجة الحديث، وأطلق الإعلام العبري سهام الانتقاد والاتهامات ضد نواكشوط، بعد ساعات قليلة فقط من حديثه عن احتمال انضمامها للاتفاقيات الإبراهيمية، بوساطة الرئيس الأمريكي.
وتبدلت لهجة الآلة الإعلامية الإسرائيلية في الداخل والخارج، لتطلق مزاعم واتهامات عن دعم موريتاني لحماس، زاعمة أن تبرعات كبرى تخرج من البلد الواقع شمال غرب إفريقيا، تذهب إلى الذراع العسكرية، كتائب عز الدين القسام، دون أن توضح آلية وصول تلك التبرعات في ظل الحصار الخانق المفروض على القطاع.
وخلال يوليو 2025م سرَّب الإعلام العبري قضية مثيرة، تتعلق بمحاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها الكونغو الديمقراطية في مايو 2024م، والدور الإسرائيلي في تلك المحاولة، وكذلك الدور الذي لعبه رجل أعمال إسرائيلي-أمريكي بعد ذلك، ضمن مهمة سرية لإطلاق سراح المتهمين الأجانب، ومنهم إسرائيلي، حُكِمَ عليهم بالإعدام في كينشاسا، وكيف حفَّزت تلك المحاولة غير الرسمية الوصول إلى اتفاق استغلال المعادن بين واشنطن وبين الكونغو الديمقراطية.
من جانب آخر، كان للمناهج التعليمية النيجيرية نصيب من الاهتمام الإعلامي الإسرائيلي، وسوف يكتشف القارئ في هذه التغطية مدى انخراط تل أبيب في رصد كل ما يتعلق باليهود وبإسرائيل في الكتب المدرسية في نيجيريا أو غيرها من دول القارة الإفريقية، وكيف أن أحد المعاهد الإسرائيلية دقَّق في أكثر من 40 كتابًا دراسيًّا نيجيريًّا، من الصف الأول إلى الصف الثاني عشر؛ بغرض فَهْم المواد الدراسية التي يتم تلقينها للأطفال والشباب هناك، ومِن ثَمَّ تشجيع بعض الاتجاهات، أو المطالبة بمحو وإزالة بعض المقررات التعليمية.
في المقال الأول المنشور بتاريخ 10 يوليو 2025م عبر معهد بحوث الإعلام في الشرق الأوسط، ثمة تركيز على الدور الذي تباشره موريتانيا على الصعيد الرسمي والشعبي لدعم القضية الفلسطينية وسكان قطاع غزة الذين تقتلهم المجاعة، ليضع هذا الدور في قالب سياسي، ويبحث عن قاعدة للادعاء بأن هذا الدعم إنما يعزز الذراع العسكرية لحماس؛ تمهيدًا لزيادة الضغوط على موريتانيا التي رفض رئيسها مقابلة نتنياهو.
وفي المقال الثاني المنشور بتاريخ 12 يوليو 2025م بصحيفة يديعوت أحرونوت، يكشف الكاتب دانيال إيدلسون تفاصيل مثيرة لعملية سرية بالكونغو الديمقراطية، ودور إسرائيلي بارز في تلك العملية، التي ترتبط بمحاولة الانقلاب الفاشلة في مايو 2024م، ويعتقد أن تلك العملية ورغم فشلها، هي التي أدت إلى إتمام الاتفاق بين واشنطن وكينشاسا، بشأن استغلال المعادن الإستراتيجية مقابل الغطاء الأمني الأمريكي.
وفي المقال الثالث المنشور بتاريخ 17 يوليو 2025م بصحيفة جيروزاليم بوست، تُركّز الكاتبة الإسرائيلية ماتيلدا هيلر على خلاصة دراسة حول صورة اليهود وإسرائيل في المناهج التعليمية النيجيرية، وتسوق العديد من الأمثلة على ما ترى أنها نقاط إيجابية في هذه المناهج التعليمية، ولا تتردد في إطلاق سهام الانتقاد صوب مواد دراسية أخرى، ترسّخ لزعمها لصورة نمطية مسيئة لإسرائيل.
برعاية رئيسها الذي يزور البيت الأبيض، تبرعات كبيرة تواصل التدفق من موريتانيا إلى الذراع العسكرية لحماس([1])
“في التاسع من يوليو 2025م، شارك رئيس موريتانيا، محمد ولد الشيخ الغزواني، إلى جوار رؤساء الغابون، وغينيا بيساو، وليبيريا، والسنغال، في لقاء قمة في واشنطن، مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بعد أن تلقوا دعوة رسمية لزيارة البيت الأبيض. وركّز الاجتماع على تعزيز المصالح الاقتصادية المشتركة، مثل الاستثمارات، وتشجيع التجارة وتنمية الموارد الطبيعية”.
تلك كانت المقدمة التي استهل بها معهد بحوث الإعلام في الشرق الأوسط، مقاله، الذي سلّط الضوء على دور موريتاني مزعوم في دعم الذراع العسكرية لحماس، كتائب القسام، وذلك في إطار الرد على بيان سفارة موريتانيا في واشنطن، الذي علّق على شائعات الانضمام للاتفاقيات الإبراهيمية بالنفي القاطع. ونوَّه المعهد إلى أنه قبيل القمة، تردد أن الرئيس الغزواني سيلتقي على هامش الاجتماعات مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في إطار جهود إدارة ترامب لتوسيع الاتفاقيات الإبراهيمية؛ إلا أن السفارة الموريتانية في واشنطن نفت تلك الأنباء. وأردف أن الاجتماع مع ترامب عُقِد على الرغم من حقيقة أن موريتانيا بقيادة الغزواني، تدعم حماس، سياسيًّا واقتصاديًّا.
المعهد الإسرائيلي، الذي يتَّخذ من واشنطن العاصمة مقرًّا له، رصد عمليات جمع تبرعات موريتانية واسعة النطاق لصالح الشعب الفلسطيني في غزة، ووضعها في إطار آخر تمامًا، ليزعم أنها تُستغَلّ لدعم الذراع العسكرية لحماس.
ويزعم المعهد أن موريتانيا أقامت علاقات مباشرة مع حماس، وهو ما تجلَّى في زيارة رسمية أجراها وفد من الحركة في عام 2021م، برئاسة رئيس المكتب السياسي وقتها، إسماعيل هنية، وزيارة عديدة لوفود كبرى من الحركة خلال السنوات الماضية.
المعهد الإسرائيلي ذهب إلى أن موريتانيا مكَّنت حماس من تشغيل مفوضية رسمية للحركة من العاصمة نواكشوط، عملت على جمع تبرعات مالية للذراع العسكرية لحماس، وادَّعت أن نشاط تلك المفوضية تزايد منذ الهجوم الذي نفَّذته الحركة على إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023م؛ حيث جمعت ملايين الدولارات لصالح حماس، تحت غطاء التبرعات الإنسانية لسكان قطاع غزة.
ووفق المعهد، فقد أقر ممثل حماس في نواكشوط، محمد أبو صقر، أخيرًا بأن الأموال التي يتبرع بها الموريتانيون تُستخدم لشراء السلاح ولتعزيز قوة الذراع العسكرية لحماس، كما أثنى على المساعدات الموريتانية التي أسهمت في دفع مشتريات حماس من الأسلحة ولبناء الأنفاق.
وذهب إلى أن قبائل وتنظيمات موريتانية مختلفة تباشر عمليات جمع التبرعات، مثل “المنتدى الإسلامي الموريتاني”، و”الرباط الوطني لنصرة الشعب الفلسطيني”، وأشار إلى أن “المنتدى الإسلامي الموريتاني” جمع 25 مليون دولار لصالح حماس.
وشكَّلت موريتانيا ساحة عمل ملائمة لحماس طوال سنوات، كما أن سامي أبو زهري، مسؤول حماس، يحمل جواز سفر موريتاني، وطالما أجرى زيارات إلى هذا البلد، وعقد اجتماعات مع شخصيات رفيعة، وشارك في نشاطات جماهيرية. كما يحظى الرئيس الموريتاني بتقدير كبير لدى الحركة.
وفي فبراير الماضي نظَّم مكتب حماس في نواكشوط فعالية لشُكر الرئيس الموريتاني على دعمه للمقاومة، بمشاركة ممثل الحركة في موريتانيا، وممثلي منظمات “المنتدى الإسلامي الموريتاني”، و”الرباط الوطني لدعم الشعب الفلسطيني”، وهما منظمتان تعملان على جمع التبرعات للفلسطينيين، وظهرت لافتات تحمل صورة الرئيس الموريتاني وعبارة “شكرًا موريتانيا”. كما رُفعت لافتة تُشيد بكبار قادة حماس الذين استشهدوا خلال الحرب، مثل: يحيى السنوار، وإسماعيل هنية، وصالح العاروري.
ورصد المعهد العديد من أوجه الدعم الموريتاني لحماس، والفعاليات التي تُنظَّم هناك لدعم الفلسطينيين في قطاع غزة، ودور المنظمات والقبائل الموريتانية في حشد ملايين الدولارات لصالح الحركة.
قبيلة “إجمان” على سبيل المثال، قدَّمت 1.25 مليون دولار لمنظمة “الرباط الوطني لدعم الشعب الفلسطيني”، في يناير 2025م؛ لدعم غزة ومساعدة الشعب الفلسطيني، وفي الشهر ذاته، قدَّمت قبيلة “تندغة الواتسبية” مبلغ 2.2 مليون دولار لصالح الشعب الفلسطيني. وتعهَّدت منظمة “الرباط الوطني لدعم الشعب الفلسطيني” في فبراير 2024م، بإعادة بناء 100 وحدة سكنية في غزة بقيمة 400 ألف دولار.
الدور الإسرائيلي في محاولة إنقاذ محكومين بالإعدام في الكونغو: “أكثر الفترات رعبًا في حياتي”([2])
يكشف الكاتب الإسرائيلي دانيال إيدلسون جانبًا من تفاصيل عملية سرية جرى تنفيذها في مارس 2025م في جمهورية الكونغو الديمقراطية، بمباركة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، استهدفت تحرير 3 محكومين بالإعدام يحملون الجنسية الأمريكية؛ كانوا قد تورَّطوا في محاولة انقلاب في مايو 2024م، وحُكِمَ عليهم بالإعدام.
تلك العملية السرية كانت تستهدف إطلاق سراح الثلاثة، ومن بينهم شخص يدعى بنيامين رؤوفين زلمان بولون، وهو يهودي أمريكي-إسرائيلي، ولديه عائلة في إسرائيل، وكانت السلطات في الكونغو الديمقراطية قد تشككت بأنه عميل للاستخبارات الإسرائيلية “الموساد”، فيما كان من بين الشخصيات التي حاولت التدخل لإطلاق سراحه لأسباب إنسانية، رجل أعمال إسرائيلي-أمريكي يدعى موتي كاهانا.
أراد الكاتب بتلك المقدمة إثبات مدى العلاقة الإسرائيلية بتلك القضية الغامضة، فأحد المتهمين يهودي إسرائيلي-أمريكي، وكذلك أحد الشخصيات المحورية التي حاولت التدخل لدى السلطات لإطلاق سراح المتهمين، مشيرًا إلى أنه رغم فشل العملية، إلا أن السلطات المحلية خفَّفت الحكم من الإعدام إلى السجن المؤبد، وسلَّمت المتهمين للولايات المتحدة الأمريكية. ويقبع المتهمون الثلاثة حاليًا في سجن فيدرالي أمريكي؛ في انتظار محاكمتهم بتهمة التآمر لتنفيذ انقلاب في دولة أجنبية.
وقد جاء إطلاق سراحهم ضمن اتفاق دبلوماسي-أمني بين الولايات المتحدة الأمريكية والكونغو الديمقراطية، بموجبه تعهدت واشنطن بمساعدة البلد الإفريقي في العمليات الدفاعية ضد قوات الجيش الرواندي التي تعمل شرقي البلاد، فيما تعهدت الكونغو الديمقراطية بالسماح للولايات المتحدة باستغلال المعادن الإستراتيجية في البلاد.
من هو موتي كاهانا؟
رجل الأعمال الإسرائيلي-الأمريكي موتي كاهانا، وفق الكاتب، طالما تدخَّل في عمليات إطلاق سراح رهائن لأسباب إنسانية في دول مثل أفغانستان وأوكرانيا، وأشار إلى أنه المدير التنفيذي لشركة الدعم اللوجيستي (GDC)، التي كان اسمها قد ظهر مؤخرًا كوكيل محتمل لنقل المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة.
لم تنجح تلك الشركة في النهاية في تولّي مهمات إدخال المساعدات لقطاع غزة؛ نظرًا لانتقادات مِن قِبَل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وبسبب رفضها دفع عمولات لرجل اتصال يعمل لصالح أحد الساسة الإسرائيليين، حسبما أشار الكاتب.
الشركة التي يترأسها كاهانا، بدورها شركة غامضة، وكما يقول الكاتب، تعمل تارة في مجال اللوجستيات، وتارة أخرى في مجال الإغاثة وعمليات الإنقاذ، وأحيانًا تظهر في آسيا، وأحيانًا أخرى تنشط في إفريقيا، وتقبع دائمًا في نقطة ما بين العمليات الإنسانية والدبلوماسية الارتجالية. وأوضح الكاتب أن أعمال تلك الشركة طالما انتهت إمّا بقصة صحفية، أو بتوقيع عقد، أو بمغامرة خطيرة.
ماذا حدث في كينشاسا؟
قبيل محاولة التدخل لدى الكونغو الديمقراطية؛ لتحرير المتهمين، أعدَّ كاهانا في الربيع الماضي، وفدًا غير رسميّ، شمل رجلي أعمال هما: غاستين ساب، وهو جندي سابق بالقوات الخاصة الأمريكية، وستيورات سالفوديتش، الدبلوماسي الأسبق في إدارة باراك أوباما، وكان قد اتُّهِمَ في الماضي بجرائم كراهية، عقب تصويره بينما يَسُبّ بائعَ طعام مسلمًا في نيويورك.
وصل كلّ من كاهانا وغاستين وستيورات في مارس الماضي إلى العاصمة كينشاسا، واستخدموا سيارات تحمل لوحات دبلوماسية، وكان غرضهم لقاء الرئيس فيليكس تشيسكيدي، والذي كان “كاهانا” قد التقى به بالفعل في الماضي، خلال منتدى دافوس، وحذَّره من مؤامرة للانقلاب عليه تورَّط بها أجانب، منهم إسرائيليون.
وسلّم كاهانا لرئيس الكونغو الديمقراطية وقتها قائمة بأسماء أشخاص يقودون المؤامرة، من بينهم اسم رئيس الحرس الرئاسي بالكونغو الديمقراطية، الجنرال فرانك نتومبا، والأخير اكتشف بعد ذلك أن كاهانا هو الذي سرّب اسمه للرئيس.
وفشل الوفد في مقابلة الرئيس تشيسكيدي، وفي المقابل، دعاهم رجل أعمال إسرائيلي يعمل في الكونغو الديمقراطية كمقاول مشروعات عسكرية، لوليمة عشاء داخل قاعدة عسكرية، كما دعي إلى الوليمة تاجر سلاح إسرائيلي-فرنسي مقرب من السلطة المحلية، ويعمل في الكونغو الديمقراطية منذ عقود، ودُعيت شخصيات عسكرية وأمنية أخرى.
الأمور تتعقد والسفارة الأمريكية تتدخل:
ويشير الكاتب إلى أن الوفد الأمريكي توجَّه بعدها إلى ميدان رماية داخل القاعدة، للترفيه، لكنَّ شائعات ترددت بأن الاستخبارات الكونغولية قدّرت بعد ذلك، أن الجولة كانت غطاء لعملية اغتيال، وأنه عقب عودتهم إلى الفندق، توجَّه إليه الجنرال نتومبا (الذي لفَّق له كاهانا الاتهام بالانقلاب امام الرئيس)، وطلب منهم جوازات سفرهم، فاتصل أحدهم بالسفيرة الأمريكية في العاصمة كينشاسا، لوسي تاميلين، والتي أرسلت عناصر مسلحة على الفور؛ لمرافقتهم إلى المطار في سيارة دبلوماسية.
وبعد أن تمكن الثلاثة من صعود طائرة الخطوط الجوية الفرنسية، أجبروا على النزول وجرى اقتيادهم للاستجواب، ولم يُفرَج عنهم سوى بعد تدخل متكرّر من السفارة الأمريكية، وكذلك بطلب من المبعوث الأمريكي الخاص للبيت الأبيض لشؤون الرهائن، داستن ستيوارت، والذي خاطب السلطات الكونغولية لإثبات أنهم ليسوا منتحلي شخصية. وعقب عودتهم إلى الطائرة التي تحركت بالفعل، هرعت قوات عسكرية كونغولية إلى المدرج، بيد أنها لم تلحق بالطائرة التي توجهت إلى باريس، ومِن ثَمَّ وصف كاهانا الأيام التي قضاها في كنشاسا بأنها الأكثر رعبًا.
ورغم فشل العملية، يقول الكاتب -نقلًا عن كاهانا-: أثبتت إدارة ترامب أن المهمة نفسها كانت ناجحة؛ لأنها عُدّت بمثابة رسالة واضحة إلى الكونغو الديمقراطية بأن الإدارة في واشنطن جادة، وأن ثمة ما يَستحق النقاش بشأنه. وبالفعل، بعد فترة وجيزة، وقَّعت الولايات المتحدة والرئيس تشيسكيدي الاتفاق، الذي كان في جوهره حماية عسكرية مقابل الوصول إلى المعادن الإستراتيجية.
ماذا عن المتهمين بمحاولة الانقلاب؟
المتهم بنيامين رؤوفين زلمان بولون، وهو يهودي أمريكي-إسرائيلي، ولديه عائلة في إسرائيل، وفق الكاتب، كان يعمل في التنقيب عن الذهب وتجارة السجائر الإلكترونية في موزمبيق، بالشراكة مع كريستيان مالانغا، زعيم انقلاب مايو 2024م بالكونغو الديمقراطية، الذي قتله الجيش الكونغولي بعد ذلك.
وأكد الكاتب أن صورًا نُشرت أظهرت رؤوفين ومالانغا في متجر للمعدات العسكرية في تل أبيب وفي قاعدة للجيش الإسرائيلي، ومِن ثَمَّ حامت الشكوك بأن رؤوفين عميل للموساد. أما المتهمان الآخران فهما مارسيل مالانغا، نجل زعيم الانقلاب، والذي ادعى خلال التحقيقات أن والده أجبره على المشاركة، وتايلور تومبسون، وهو شاب من ولاية يوتا الأمريكية، زعم أنه تلقَّى دعوة مجانية لزيارة إفريقيا.
وختم الكاتب بأن المصلحة الأمريكية في محاولة إنقاذ الثلاثة واضحة، وهي أنه الكونغو الديمقراطية أصبحت في السنوات الأخيرة ساحة مهمة في الصراع العالمي على الموارد الطبيعية مثل الليثيوم والكوبالت والنحاس، وأن إدارة ترامب طالبت بمنحها أفضلية لاستغلال هذه الموارد، وبعد فشل محاولة كاهانا وصل إلى كينشاسا مبعوث ترامب الكبير مسعد بولس، وأتم الصفقة.
وفق دراسة “IMPACT-se“: المناهج الدراسية في نيجيريا تعزّز السلام، ولكنّها تُرسّخ الصورة النمطية المسيئة لليهود([3])
رصدت الكاتبة الإسرائيلية ماتيلدا هيلر، في مقالها المنشور بتاريخ 17 يوليو 2025م بصحيفة جيروساليم بوست ما رأت أنها تناقضات في مناهج التعليم النيجيرية، ما بين الدعوة للتسامح والاحترام وبين الترويج لصورة نمطية سلبية إزاء اليهود، وهو ما خلصت إليه الدراسة التي نشرها مؤخرًا معهد ” “IMPACT-se الإسرائيلي، المَعْنيّ برصد السلام والتسامح الثقافي في التعليم المدرسي؛ كما يدعي.
الدراسة دققت في 40 كتابًا مدرسيًّا معتمدًا ضمن المقررات التعليمية في نيجيريا، من الصف الأول إلى الصف الثاني عشر، اشتملت على دراسات مدنية، واجتماعية، وتاريخية، وإسلامية، ودراسات دينية مسيحية، وكتب في الرياضيات واللغة الإنجليزية. بعض هذه الكتب تناولت إسرائيل واليهود، وتطرقت للسلام والديمقراطية، ونظرة المواطن النيجيري للآخر، وللنساء وللجنس، وقارنت كل ذلك بالمعايير التي حددتها منظمة “اليونسكو”.
حقائق عن نيجيريا:
الكاتبة الإسرائيلية أوضحت أن نيجيريا هي أكثر البلدان الإفريقية من حيث الكثافة السكانية، بعد أن بلغ تعداد السكان أكثر من 236 مليون نسمة، كما أنها تتسم بالتنوع العرقي الواسع، وتضمّ أكثر من 250 مجموعة عرقية، أكبرها الهوسا والفولاني واليوروبا والإيغبو. وإلى جوار اللغة الرسمية المستخدمة، أي الإنجليزية كلغة رسمية، تنتشر لغات محلية على نطاق واسع؛ إذ تُستخدم قرابة 500 لغة في نيجيريا. ويتركز الدين الإسلامي في نيجيريا في المناطق الشمالية، بينما تتركز المسيحية في الجنوب، ويشتمل نظام التعليم النيجيري على مدارس إسلامية وأخرى إرسالية مسيحية، تجمع بين التعليم الديني والعلماني.
التعليم يُشكّل مكانة نيجيريا الدولية:
الكاتبة الإسرائيلية اقتبست عن المدير التنفيذي لمعهد ” “IMPACT-seماركوس شيف Marcus Sheff، أن “إفريقيا هي أسرع القارات نموًّا، وأن نيجيريا هي الأكبر من حيث الكثافة السكانية، وأن التعليم الذي يحظى به الأطفال النيجيريون لن يُشكّل مستقبلًا خصبًا لبلدهم فحسب، وإنما للقارة الإفريقية برُمّتها”.
ويرى “شيف” أن ما يتلقاه الأطفال في نيجيريا من مناهج تعليمية سيُعدّ الأساس الذي تُبنَى عليه مكانة نيجيريا الدولية، بما في ذلك علاقاتها بإسرائيل وبالشعب اليهودي، مضيفًا أن إسرائيل تبني شراكات جديدة حول العالم، وأنه من الضرورة أن تفهم بشكل جيد الطريقة التي تباشر بها نيجيريا ودول إفريقية أخرى تثقيف الأجيال القادمة، فيما يتعلق بالتاريخ والهوية اليهودية والإسرائيلية.
ما الذي خلصت إليه الدراسة؟
الدراسة المشار إليها خلصت إلى أن الكتب الدراسية النيجيرية بوجه عام، تُشدّد بقوة على أهمية السلام والمشاركة الديمقراطية والمسؤولية المدنية، وتضعها كمبادئ عامة، بيد أنها حين تتطرق للشعب اليهودي وللتاريخ الإسرائيلي تشذ عن هذا السياق وتُغيِّر لهجتها.
وهناك أطروحات إيجابية واسعة وفق الدراسة، ترد في المناهج الدراسية النيجيرية، وعلى سبيل المثال، ثمة كتب دراسية نيجيرية مختصة بالدراسات الإسلامية، تصف اليهود على أنهم “أهل الكتاب”، وتُسلّط الضوء على صلة النسب المشترك بين الإسلام واليهودية، متجسدًا في النبيين إسحاق وإسماعيل، وهو أمر رأت الدراسة أنه إيجابي ويدعم إمكانية التعايش المشترك.
“كتاب آخر في الدراسات المسيحية يصف التاريخ اليهودي من زاوية خروج بني إسرائيل من مصر، ويتطرق إلى المسيح على أنه كان يهوديًّا. وهناك كتاب مخصّص للصف الحادي عشر، يتحدث عن الأنظمة البرلمانية، ويعترف بالشرعية السياسية لإسرائيل”، وفق الدراسة العبرية.
وتضيف الدراسة أنها دقَّقت في كتاب آخر، يربط بين اليهودية الأصلية والقدس وإسرائيل، ويدعم حق اليهود في العودة إلى القدس، مقتبسًا عن “سفر عزرا” ما يلي: “احتفل اليهود العائدون من السبي بتكريس الهيكل الجديد في القدس بعد إعادته إلى سابق عهده“، وهو ما قدّرت الدراسة أنه يُقِرّ بالعلاقة التاريخية والدينية بين الشعب اليهودي وبين أرض إسرائيل.
وهناك كتاب دراسي حول التاريخ يخص قبلية الإيغبو، يُدرِّس التراث الإسرائيلي للأطفال، وتقول دراسة “”IMPACT-se: إن يهود الإيغبو في نيجيريا هم مجتمع صغير، يتراوح عدد أفراده بين 12 إلى 15 ألف نسمة، وهناك اعتقاد بأنهم ينحدرون من قبيلة “جاد” المفقودة (إحدى قبائل بني إسرائيل الاثني عشر). وفي هذا الكتاب ثمة مقاربة بين الثقافتين العبرية القديمة والإيغبو، وإشارة إلى أن شعب الإيغبو يعد فرعًا للقبائل العبرية الجنوبية.
صورة نمطية مسيئة:
لكن من جانب آخر، تعتقد الدراسة أن ثمة نقاط سلبية، وتناقضات بين ما سبق وبين محتوى آخر مسيء أو غير دقيق. فالعديد من كتب الدراسات الإسلامية تُصوِّر اليهود والمسيحيين والوثنيين كأعداء للإسلام، ومِن ثَم ترى أن الأمر يُقوِّض إمكانية التصالح بين اليهود والمسلمين؛ كما تزعم الدراسة.
وذهبت الدراسة إلى أن كتبًا دراسية في التعاليم المسيحية تُركّز على خطيئة اليهود ورفضهم تعليم المسيح، والانحطاط الأخلاقي والدونية الروحية عند اليهود، وتُبرز الذنب الجماعي لليهود في إشكالية صلب المسيح. كما أن أحد أنبياء بني إسرائيل، أُشير إليه باسم “عاموس”، -كما يرد في كتاب دراسي نيجيري في الدراسات المسيحية-، وبَّخ بني إسرائيل بشدة لانتهاكهم شرع الله.
الدراسة الإسرائيلية استنتجت أن بعض المقررات الدراسية النيجيرية تعترف بالعودة اليهودية إلى القدس واستمرار الهوية والقومية اليهودية، إلا أنها تصطدم بمقررات أخرى تُرسّخ الصور النمطية والأحكام اللاهوتية المُسيئة، وبذلك تقدم المناهج الدراسية صورة غير متَّسقة تمسّ باحترام اليهود.
—————————————–
الهوامش:
([1]) “برعاية رئيسها الذي يزور البيت الأبيض، تبرعات كبيرة تواصل التدفق من موريتانيا إلى الذراع العسكرية لحماس”، معهد بحوث الإعلام في الشرق الأوسط (واشنطن)، 10 يوليو 2025م، على الرابط (بالعبرية): https://www.memri.org.il/cgi-webaxy/item?6475
([2]) دانيال إيدلسون، “الدور الإسرائيلي في محاولة إنقاذ محكومين بالإعدام في الكونغو: أكثر الفترات رعبًا في حياتي”، صحيفة يديعوت أحرونوت (الأراضي المحتلة)، 12 يوليو 2025م، على الرابط (بالعبرية): https://www.ynet.co.il/news/article/bjwxmoyiex#google_vignette
([3]) انظر:
Mathilda Heller, “Nigerian curriculum fosters peace but perpetuates harmful Jewish stereotypes, IMPACT-se finds”, The Jerusalem Post (Occupied Jerusalem), July 17, 2025: https://www.jpost.com/diaspora/antisemitism/article-861302