الأفكار العامة:
– تم تسليم معسكر “غايل دي واكام” في داكار رسميًّا، يوم 17 يوليو 2025م، إلى السلطات السنغالية، في إطار مَطالب شعبية متزايدة بطرد الوجود العسكري الفرنسي من القارة.
– نفَّذت فرنسا أكثر من 30 تدخلًا عسكريًّا مباشرًا في إفريقيا بين عامَي 1964 و1995م.
– استمرار الوجود العسكري الفرنسي الدائم في عدة دول إفريقية بموجب اتفاقيات تعاون مع مستعمراتها السابقة، تحت ذريعة دعم الأمن الإقليمي.
– موجة الاحتجاجات الشعبية المتصاعدة ضد الوجود العسكري الفرنسي، في ظل التوترات السياسية والأمنية، أدَّت إلى إخلاء معظم القواعد الفرنسية في إفريقيا باستثناء قاعدة جيبوتي.
– أسهم صعود الحركات السيادية في دول غرب إفريقيا في تقليص النفوذ العسكري الفرنسي بالقارة.
– ارتباط الوجود العسكري الفرنسي، خلال فترة ما بعد الاستقلال، بالحفاظ على استقرار الأنظمة الحليفة لباريس.
– الطابع العابر للحدود للتهديدات الإرهابية يَفْرض على الدول الإفريقية اعتماد تنسيق جماعي وتعزيز التضامن الأمني المشترك.
بقلم: مامدو فاي
ترجمة: سيدي.م. ويدراوغو
منذ سنوات، تشهد إفريقيا تصاعد موجة احتجاجات شعبية ضد الوجود العسكري الفرنسي، مدفوعة بتوترات سياسية وأمنية متزايدة. ويبدو أن هذه التحركات قد أثمرت؛ إذ لم يتبقَّ من القواعد الفرنسية في القارة سوى تلك الموجودة في جيبوتي.
في يوم 17 يوليو 2025م، سُلِّم رسميًّا معسكر “غايل دي واكام” في داكار، الذي يمتد على خمسة هكتارات، إلى السلطات السنغالية، بعد تسليم أحياء مارشال وسانت إكزوبيري المتاخمة لحديقة هان الجيولوجية في 7 مارس الماضي.
وخلال حفل رمزي، سَلَّم الجنرال باسكال إياني، قائد القوات الفرنسية في إفريقيا، مفتاح المعسكر إلى الجنرال مباي سيسي، رئيس أركان الجيش السنغالي؛ ليكون هذا الحدث إيذانًا بإغلاق آخر قاعدة فرنسية في غرب إفريقيا، إلى جانب المحطة العسكرية في مطار ليوبولد سيدار سنغور.
ومنذ يناير 2025م، تولَّت لجنة مشتركة بين فرنسا والسنغال الإشراف على عملية الانسحاب، وتحديد جدول زمني لذلك. وكانت فرنسا، ضمن اتفاقيات التعاون مع مستعمراتها السابقة، قد حافظت لسنوات على وجود عسكري دائم في عدة بلدان إفريقية، تحت ذريعة دعم الأمن الإقليمي.
اليوم، طرأت تحوّلات كبيرة بفعل صعود الحركات السيادية في العديد من دول غرب إفريقيا، ما أدَّى إلى تراجع النفوذ العسكري الفرنسي في القارة.
ففي النيجر، التي شهدت انقلابًا عسكريًّا، بدأت السلطات محادثات رسمية مع باريس، أفضت إلى انسحاب كامل للقوات الفرنسية بحلول ديسمبر 2023م. وشهدت تشاد وساحل العاج مسارًا مشابهًا، فيما اختارت الغابون نموذج “المعسكر المشترك” لتأهيل وتدريب العسكريين بدلًا من الوجود العسكري الفرنسي المباشر.
لكن يبقى السؤال الجوهري مطروحًا: ما الذي يُبرّر أصلًا استمرار الوجود العسكري الفرنسي في مستعمراتها السابقة طوال العقود الماضية؟
أصل القواعد العسكرية الفرنسية في إفريقيا:
يُقدِّم توني شافر، أستاذ الدراسات الإفريقية والفرنسية في مركز أبحاث الدراسات الأوروبية والدولية في جامعة بورتسموث في المملكة المتحدة، لمحة تاريخية موجزة عن الوجود العسكري الفرنسي في إفريقيا.
مؤكدًا أن “فرنسا وقَّعت اتفاقات تعاون ثقافي وتقني وعسكري واتفاقات دفاع مشترك مع معظم مستعمراتها السابقة عند الاستقلال في 1960م.
وأشار إلى أنه بالإضافة إلى ذلك، تم إرسال مستشارين عسكريين إلى إفريقيا للعمل مع الحكومات المستقلة حديثًا. لقد حددت اتفاقيات الدفاع الإطار الذي جرت فيه التدخلات العسكرية الفرنسية في إفريقيا خلال فترة ما بعد الاستعمار.
وفقًا للبروفيسور توني شافر، فقد وقَّعت فرنسا سلسلة من الاتفاقيات الثنائية للدفاع والمساعدة العسكرية مع معظم مستعمراتها السابقة، ونشرت نحو 10.000 جندي في تلك الدول خلال السنوات الأولى بعد الاستقلال. ونتيجة لذلك، نفَّذت فرنسا ما لا يقل عن 30 تدخلًا عسكريًّا مباشرًا في إفريقيا بين عامي 1964 و1995م.
ويضيف “شافر” أن باريس اعتمدت نهج “الاستبدال” بدل الشراكة؛ حيث سعت إلى الحفاظ على نفوذها من خلال السيطرة غير المباشرة على الجيوش الإفريقية في مناطق نفوذها، والتي كانت تُعرف في الخطاب الفرنسي بـ”الساحة”.
وهنا يُطرح التساؤل: ما هي الدول التي لا تزال تحتضن قواعد عسكرية فرنسية؟ ولماذا يستمر هذا الوجود؟
ما أبرز القواعد العسكرية في إفريقيا جنوب الصحراء؟
فرنسا تحتفظ بنحو 10.000 جندي في إفريقيا جنوب الصحراء، موزعين على قواعد عسكرية في جيبوتي، كوت ديفوار، السنغال، الغابون، وتشاد.
جيبوتي:
تُعدّ القاعدة الفرنسية في جيبوتي هي الأضخم، وتضم نحو 1500 جندي منذ استقلال البلاد. يُنظِّم وجود هذه القوات اتفاق دفاع جديد دخل حيّز التنفيذ في 2014م، مستندًا إلى بروتوكول سابق مُوقَّع عام 1977م.
ساحل العاج:
عقب علاقات تاريخية وثيقة، وُقِّع اتفاق شراكة دفاعية بين فرنسا وكوت ديفوار عام 2012م، وأسَّست باريس هناك قاعدة عمليات متقدّمة بداية من يناير 2015م بعد انتهاء مهمة “قوة ليكورن”. بلغ عدد الجنود 950، وتمركزوا لضمان جاهزية التدخل في منطقة تعتبرها فرنسا إستراتيجية.
لكنّ هذا الوجود لم يكن بمنأى عن المعارضة الشعبية، وقد أُنْجِز انسحاب القوات الفرنسية بالكامل في 20 فبراير 2025م، مع تسليم قاعدة بورت بويت للسلطات الإيفوارية، وإعادة تسمية كتيبة “بيما 43” باسم “معسكر توما داكوين واتارا”، تكريمًا لأول رئيس أركان للجيش الإيفواري.
الغابون:
تم نشر القوات الفرنسية في الغابون منذ استقلالها عام 1960م بموجب اتفاقيات دفاع مُوقَّعة في أغسطس من نفس العام. في 1 سبتمبر 2014م، أُعيد تنظيم هذه القوات تحت مسمى “العناصر الفرنسية في الغابون”، وتضم نحو 350 جنديًّا. وتُعدّ الغابون، إلى جانب السنغال، مركزًا إقليميًّا للتعاون العسكري الفرنسي في غرب إفريقيا.
وتشمل القوات الفرنسية هناك قيادة عامة، ووحدة برية (كتيبة المشاة البحرية السادسة)، متمركزة في معسكر شارل ديغول في ليبرفيل، ووحدة جوية في قاعدة غاي بيدو.
كما أُنشئت مدرسة ليبرفيل لإدارة قوات الدفاع في يوليو 2024م، وستليها قريبًا أكاديمية لحماية البيئة والموارد الطبيعية، مخصَّصة لتكوين كوادر في مكافحة الصيد الجائر والتنقيب غير المشروع عن الذهب.
السنغال:
تمركزت القوات الفرنسية في السنغال منذ عام 2011م ويبلغ عدد عناصرها نحو 400. تتمثل مهمتها الأساسية في تدريب الجنود من دول المنطقة.
انتشرت هذه القوات في معسكر العقيد فريدريك غيلي في واكام، ومعسكر الأدميرال بروتي في الميناء العسكري بداكار، بالإضافة إلى محطة جوية في مطار ليوبولد سيدار سنغور العسكري.
كما تشغل القوات الفرنسية محطة بثّ عالية التردد تابعة للمديرية المشتركة للبنى التحتية وأنظمة المعلومات (DIRISI) في مدينة روفيسك.
في 28 نوفمبر 2024م، وقبيل أيام من إحياء الذكرى الـ80 لمجزرة القناصة السنغاليين في تياروي (1 ديسمبر 1944م)، أدلى الرئيس السنغالي باسيرو ديوماي فاي بتصريح لافت خلال مقابلة مع قناة تلفزيونية فرنسية، حيث شكَّك في مدى توافق الوجود العسكري الفرنسي في إفريقيا مع مبدأ السيادة الوطنية.
وتساءل قائلًا: “هل تتصور، كفرنسي، أن نكون في بلدكم مع دبابات وجنود سنغاليين؟ إذا عكست الصورة قليلًا، ستدرك كم هو غير مقبول وجود جيش أجنبي –سواء من الصين أو روسيا أو السنغال أو غيرها– على أراضيكم”.
ورغم هذا الموقف المبدئي، أكد “فاي” أنه لا يوجد في الوقت الراهن موعد محدد لانسحاب القوات الفرنسية من السنغال، مضيفًا: “لا يوجد سقف زمني، وإذا تقرر ذلك، فسيُبَلَّغ به الجانب الفرنسي وفقًا لجدول زمني محدد”.
ويُذكر أنه ضمن مسار الانسحاب التدريجي، سلّمت العناصر الفرنسية في السنغال يوم الخميس 17 يوليو 2025م رسميًّا مفتاح أكبر قاعدة عسكرية لها في البلاد، في إطار اتفاق مشترك بين البلدين.
تشاد:
في 28 نوفمبر 2024م، عقب زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو إلى إنجامينا، أعلنت تشاد رسميًّا قرارها إنهاء اتفاق التعاون الدفاعي مع فرنسا، المعدل في 5 سبتمبر 2019م، والذي كان يهدف إلى تعزيز التعاون الأمني والدفاعي بين البلدين.
يتمركز في تشاد نحو ألف جندي فرنسي، تحت مسمى العناصر الفرنسية في تشاد (EFT)، وتتمثل مهمتهم في حماية المصالح الفرنسية ومواطنيها في البلاد، بالإضافة إلى تقديم الدعم اللوجستي والاستخباراتي للقوات المسلحة التشادية، وفقًا لاتفاق التعاون المُبرَم بين الطرفين.
في عام 2013م، كان حوالي 950 جنديًّا يعملون في قاعدتين رئيسيتين: القاعدة الجوية 172 في إنجامينا وقاعدة الكابتن كروتشي في أبيشي شرق تشاد. كما توجد وحدة صغيرة تضم نحو 50 جنديًّا في فايا شمال البلاد.
في 2014م، حلَّت عملية برخان رسميًّا محل عمليتي بيرفييه وسرفال لدعم دول الساحل الشريكة.
ورغم ذلك، في 28 نوفمبر 2024م، أعلن الجنرال محمد إدريس ديبي بشكل مفاجئ فسخ اتفاقات الدفاع مع فرنسا، مما أدى إلى تسريع انسحاب القوات الفرنسية من تشاد.
وفي 30 يناير 2025م، سلمت فرنسا قاعدة “آجي كوسي” الجوية، التي كانت آخر قاعدة عسكرية فرنسية في منطقة الساحل، إلى السلطات التشادية.
مهمة الجنود الفرنسيين المنتشرين في إفريقيا:
قال الدكتور باكاري سامبي، مدير معهد تيمبوكتو: “في بداية الاستقلال، كان الوجود العسكري الفرنسي في إفريقيا يهدف للحفاظ على استقرار واستمرارية بعض الأنظمة”.
لكن اليوم، وفي الغابون مثلًا، تتركز مهمة العناصر الفرنسية هناك (EFG) على إكمال تدريب العسكريين من دول المجموعة الاقتصادية لدول وسط إفريقيا، استعدادًا لانخراطهم في عمليات داخلية أو خارجية، بحسب وزارة الدفاع الفرنسية.
توفر هذه القوات تدريبات لتعزيز قدرات الدول الشريكة، تشمل مكافحة الجماعات المسلحة، مراقبة الحدود البرية والممرات البحرية، عمليات حفظ السلام، والإعداد للقيادات التشغيلية والتكتيكية، بالإضافة إلى الاستخبارات واللوجستيات.
يتناغم هذا التعاون مع برنامج تعزيز القدرات الإفريقية لحفظ السلام (RECAMP)، الذي يهدف إلى تمكين الاتحاد الإفريقي والجماعات الإقليمية من الحصول على قوات مُؤهَّلة ومُدرَّبة جيدًا.
في السنغال، تتابع قيادة العناصر الفرنسية، بالتنسيق مع البعثة الدبلوماسية الفرنسية، تنفيذ اتفاقيات الشراكة، وتقوم بأعمال التعاون العملياتي من خلال التدريب والتعليم، وتشمل مسؤوليتها 15 دولة من دول المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا إضافة إلى موريتانيا.
قال الدكتور باكاري سامبي، مدير معهد تيمبوكتو في داكار: إن “الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل وغرب إفريقيا كان استجابة لحاجة القوة الاستعمارية السابقة للوجود في مجال نفوذها الطبيعي، مستندًا إلى الروابط التاريخية التي تربط (العاصمة ومستعمراتها)”.
وأوضح برونو شاربونو، أستاذ في الكلية العسكرية الملكية في سان جان ومدير مركز فرانكو للسلام، أن النفوذ الفرنسي في إفريقيا استند دائمًا إلى ثلاثة أعمدة رئيسية: العلاقات الأخوية بين النخب، فرنك CFA، والوجود العسكري. وقد سمح الوجود العسكري بدعم الأنظمة الصديقة، وحماية مصالح فرنسا، والقدرة على التدخل العسكري السريع من خلال قوة الإسقاط.
وأضاف شاربونو أن “الوجود العسكري الفرنسي في إفريقيا مَكَّن فرنسا أيضًا من أن تلعب دورًا محوريًّا في آليات تسوية النزاعات وإدارتها في إفريقيا الناطقة بالفرنسية، وخاصةً من خلال تأثيرها في مجلس الأمن الدولي”.
مظاهرات تطالب برحيل القوات الفرنسية:
في التسعينيات، شكَّلت أغنية “الجيش الفرنسي… اخرج من هنا” للمغني الإيفواري ألفا بلوندي صوتًا احتجاجيًّا بارزًا ضد الوجود العسكري الفرنسي في إفريقيا. وفي ألبومه الصادر عام 1998م، وجّه دعوة صريحة لخروج القوات الفرنسية من القارة، مُعبِّرًا بذلك عن بداية مرحلة جديدة في الوعي السيادي الإفريقي.
قال الدكتور باكاري سامبي، مدير معهد تيمبوكتو –المركز الإفريقي لدراسات السلام في داكار-: “إن العمليات العسكرية مثل “سيرفال” و”برخان”، التي أُطلقت بطلب من الدول الإفريقية، كانت تهدف إلى مكافحة الإرهاب”.
وأضاف: “لسوء الحظ أثبت الواقع عكس تلك المبادرات التي خُصصت لمحاربة الجماعات الإرهابية؛ إذ تضاعف عدد هذه الجماعات بدلاً من التراجع. لذلك، يرى أن هذا النموذج فشل في تحقيق أهدافه، وفقًا لتقييمه كباحث في مركز دراسة الأديان (CER) بجامعة غاستون بيرجر في سانت لويس، السنغال.
أوضح الدكتور باكاري سامبي أن “النهج العسكري أثبت محدوديته، ما دفَع العديد من الدول إلى إعادة النظر في جدوى الوجود العسكري الإستراتيجي الفرنسي. وفي الوقت ذاته، انتشرت خطابات ونظريات مؤامرة رأت في هذا الوجود سببًا في جلب التهديد الإرهابي أو على الأقل تفاقمه في القارة”.
وأضاف أن “بروز نخب فكرية جديدة وقيادات شابة واعية، إلى جانب احتجاجات الشباب، ساهم في ترسيخ قناعة بأن هذا الوجود العسكري لم يَعُد يتماشى مع متطلبات السيادة الوطنية، بل أصبح من مُخلَّفات الماضي”.
وأشار سامبي إلى أن “هذا التوجُّه بدأ يتجسَّد تدريجيًّا في مالي، ثم بوركينا فاسو، وصولًا إلى النيجر؛ حيث أصبح الوجود العسكري الفرنسي مهددًا بالانسحاب أو التراجع أكثر من أيّ وقت مضى”.
هل ستتمكن إفريقيا من إدارة القضايا الأمنية بعد رحيل الفرنسيين؟
أشار شافر إلى أن انسحاب القوات الفرنسية من دول الساحل لم يكن الحدث الوحيد، بل تبعته أيضًا مغادرة بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في مالي (مينوسما)، في وقتٍ طلبت فيه الحكومة المالية دعم مجموعة “فاغنر” الروسية لمواجهة التدهور الأمني المتصاعد.
وأضاف أن “غياب القوات الفرنسية والأممية أدَّى إلى غياب الرقابة على تحرُّكات القوات المسلحة المالية وشركائها من مجموعة فاغنر”.
وأوضح شافر أن “الوضع الإنساني في البلاد ازداد سوءًا منذ انسحاب قوة برخان، وتقليص وجود بعثة الأمم المتحدة؛ حيث تصاعدت انتهاكات حقوق الإنسان وتراجع مستوى الأمن البشري بشكل واضح”.
وأضاف أن “الدور الرئيسي لفاغنر في البلاد لا يتمثل في تحسين أمن السكان بل في دعم النظام العسكري في مالي، أي أنه موجود بشكل أساسي لتعزيز أمن النظام، وليس لتحسين الأمن الإنساني للسكان”.
وأضاف: “إذا كان صحيحًا أن عشر سنوات من عملية سرفال (2013- 2023م)، ثم برخان (2014-2022م)، لم تُحسِّن الوضع الأمني في البلاد، بل ساهمت في تفاقمه، نعم يمكن القول: إن وجود برخان وقوات الأمم المتحدة كان له تأثير رادع على الجماعات المسلحة إلى حد ما”.
قال تشافر: “لم يَعُد هذا الردع موجودًا، وهناك أدلة كثيرة على أن الوضع الأمني في مالي والمنطقة بأكملها تدهور نتيجة لذلك”.
اعتبر شافر أنه مع رحيل القوات الفرنسية والأمم المتحدة “فإن النزاع بين الجيش المالي والمتمردين يمكن أن يزيد من حدة التمرد الإرهابي في البلاد؛ حيث تسيطر مجموعات مرتبطة بتنظيم القاعدة وتنظيم الدولة على مناطق واسعة”.
أضاف “من جهة أخرى، لم تتوقف التوترات منذ أشهر بين تنسيقية حركات أزواد (CMA) في شمال البلاد والمجلس العسكري، مما يثير مخاوف من انتهاء ما يسمى اتفاق الجزائر للسلام واستئناف الأعمال العدائية التي بدأت في عام 2012م”.
ما هي البدائل المتاحة أمام البلدان الإفريقية؟
في ظل التحولات الجيوسياسية الحالية، وما تشهده القارة من توترات أمنية، يرى الدكتور باكاري سامبي أن على الدول الإفريقية مراجعة جذريّة لمقاربتها في مجال الأمن. ويؤكد أن تجربة الاستعانة بالقوى الأجنبية لحماية الأمن لم تحقق النتائج المرجوة، بل أدَّت إلى احتجاجات شعبية وإخفاقات، خاصة في منطقة الساحل الأوسط.
ويشير إلى أن التعاقد الخارجي في مجال الأمن، سواء مع دول أو مجموعات شبه عسكرية كـ”فاغنر”، لم يَحُدّ من تصاعد التهديدات الإرهابية، بل على العكس، فقد شهدت مالي في عام 2022م أسوأ موجة هجمات.
وقال الدكتور سامبي: “إذا تبيّن لنا أن الاعتماد على القوى الغربية في المجال الأمني لم يُثمر، وأن ميليشيات الدفاع الذاتي، خصوصًا الجماعات شبه العسكرية مثل فاغنر، لم تُحْدِث الفارق، فإنه من الضروري التوجُّه نحو توحيد الجهود وتفعيل الهياكل الأمنية التي طالما تم الحديث عنها، سواء على مستوى الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا أو الاتحاد الإفريقي، بما في ذلك ترتيبات القوات الاحتياطية، وغيرها”.
وأضاف أن “الوقت قد حان لتقاسم الكفاءات والموارد الدفاعية بين الدول، مع التركيز على أفْرَقة هذه القدرات العسكرية، وتعزيز التنسيق على الصعيدين الإقليمي وشبه الإقليمي، من أجل بناء قوة إفريقية حقيقية طال انتظارها”.
من جهته، قال الدكتور باكاري سامبي: “لقد آنَ الأوان لتجميع المهارات وتوحيد الوسائل. كما أن التعاون بين الأقاليم أصبح ضرورة مُلِحَّة؛ لأن تهديدات مثل جماعة بوكو حرام لا يمكن التصدّي لها من طرف دول غرب إفريقيا أو وسطها بشكل منفرد. فالطبيعة العابرة للحدود لهذه الظواهر تفرض علينا تنسيقًا جماعيًّا وتضامنًا فعليًّا في المجال الأمني”.
وأضاف: “مع تصاعد وعي الشباب واحتجاجاتهم، وتأكيد مبدأ السيادة، وفي ظل امتلاك إفريقيا اليوم لخيارات متعددة من الشراكات، تجد فرنسا نفسها أمام تحدٍّ حقيقي. ولن يكون بإمكانها تجاوزه، في رأيي، إلا عبر إعادة تشكيل حضورها في القارة. فالنموذج القديم لم يَعُد مُجديًا، وأصبح من الضروري إعادة تأهيل هذا الوجود ضمن رؤية جديدة تتماشى مع تطلعات الشعوب الإفريقية”.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رابط المقال: https://www.bbc.com/afrique/articles/cpdm7jg0yd2o