الأفكار العامة:
– استضاف الرئيس الأمريكي قمة مصغَّرة ضمَّت خمسة رؤساء أفارقة في واشنطن، تناولت ملفات شائكة تتعلّق باتفاقيات التعدين، وضبط الهجرة، ومواجهة النفوذ الصيني المتنامي في القارة.
– تعكس هذه القمة تحوّلًا في المقاربة الأمريكية تجاه إفريقيا، من منطق تقديم المساعدات إلى منطق الشراكة التجارية وإعادة التموضع الجيوسياسي.
– رفض القادة الأفارقة الرواية النمطية التي تُصوِّر إفريقيا كقارة فقيرة، مؤكدين أنها تزخر بالمعادن النادرة والثروات الطبيعية الحيوية.
– تعليق أحد الخبراء الأمريكيين “يبدو أن امتلاك ميناء واحتياطات من البوكسيت يسمح ببعض التجاوزات الديمقراطية” بما يعني أن اختيار الدول المُشارِكة يعتمد على اعتبارات مصلحية بامتياز.
– رغم تغيير الخطاب الرسمي، إلا أن القمة وُصِفَت بأنها اتسمت بالإذلال والإهانة، في ضوء مواقف سابقة لترامب، أبرزها وصفه في عام 2018م بعض الدول الإفريقية وهايتي بـ”الدول القذرة”.
– القمة المصغّرة عبارة عن اختبار مدى استعداد العواصم الإفريقية للقبول بسياسة “دبلوماسية الصفقات”.
بقلم: فيفيان فورسون
ترجمة: سيدي.م. ويدراوغو
استضاف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ما بين 9 و11 يوليو الجاري، خمسة رؤساء أفارقة في البيت الأبيض في قمة مصغّرة تحمل طابعًا اقتصاديًّا وأمنيًّا، وسط أجواء توتُّر دولي وتنافس مع الصين. ويُنظَر إلى هذا اللقاء باعتباره لحظة مفصلية في السياسة الأمريكية تجاه القارة: “نحن ننتقل من منطق المساعدات إلى منطق التجارة”، كما صرَّح ترامب، مؤكدًا أن إفريقيا تملك “إمكانات اقتصادية هائلة”، يجب الاستفادة منها بشكل مستدام وفعّال.
وفي إطار إستراتيجيته الدولية الجديدة، يسعى ترامب إلى إعادة تموضع بلاده عبر ما يُعْرَف بسياسة القوة الصلبة، مع التركيز بشكل خاص على احتواء النفوذ الصيني. ومن أبرز مؤشرات هذا التوجه: نجاح اتفاق أولي بين رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية بشأن استغلال مناطق التعدين، وهو ما وصَفه البيت الأبيض بـ”الدبلوماسية المفيدة”، حتى وإن تم تهميش دور الاتحاد الإفريقي.
القادة الخمسة المشاركون -من السنغال، الغابون، غينيا بيساو، ليبيريا، وموريتانيا-، تم اختيارهم بعناية؛ نظرًا لما تتمتع به بلدانهم من استقرار نسبي وموقع إستراتيجي على المحيط الأطلسي، إضافةً إلى ثرواتهم الطبيعية. وكما قال رئيس الغابون بريس كلوتير أوليغوي نغيما: “لسنا دولًا فقيرة، نحن أغنياء بالموارد. ما نحتاجه هو شركاء لاستثمارها. وإذا لم تأتوا، فسيفعل آخرون ذلك”.
منذ يناير، اتخذت إدارة ترامب خطوات حاسمة قلّصت بشكل كبير المساعدات الأمريكية لإفريقيا، فقامت بتفكيك الوكالة الأمريكية للتنمية (USAID)، وفرضت قيودًا على السفر شملت أكثر من 20 دولة إفريقية، كما دخلت في مواجهات تجارية مع عدد من شركائها. ورغم أن ترامب لم يُخْفِ خلال ولايته الأولى نظرته الدونية تجاه القارة؛ حيث وصف في عام 2018م بعض الدول الإفريقية وهايتي بـ”الدول القذرة”، فإن أسلوبه لم يتغيَّر كثيرًا بعد مرور سبع سنوات، رغم تغيُّر النبرة.
في مايو الماضي، وخلال لقاء متوتر في البيت الأبيض، اتهم الرئيس الأمريكي نظيره الجنوب إفريقي سيريل رامافوزا بارتكاب “إبادة جماعية للبيض”، والاستيلاء على الأراضي. وفي مشهد محرج آخر، هنّأ ترامب الرئيس الليبيري جوزيف بواكاي على لغته الإنجليزية الجيدة، متسائلًا من أين تعلّمها، ما دفَع بواكاي لتذكيره بأن ليبيريا تأسست أصلًا مِن قِبَل عبيد مُحرَّرين من الولايات المتحدة.
ورغم هذه التصرفات التي تعكس جهلًا أو تجاهلًا للسياق التاريخي والسياسي، أصرَّ ترامب على أن إدارته تتعامل مع إفريقيا “بأفضل مما تفعل الصين أو أيّ جهة أخرى في العالم”، مُكرِّسًا بذلك نهجًا متعاليًا يطبع علاقته بالقارة.
مواجهة الصين على ساحل المحيط الأطلسي في إفريقيا:
مواجهة الصين على ساحل المحيط الأطلسي في إفريقيا تنطوي على رهانات إستراتيجية واضحة خلف الخطاب المعلن: تأمين المجال الأطلسي الإفريقي، الحيلولة دون إنشاء قواعد بحرية صينية، ضمان حرية الملاحة، وتأمين الوصول إلى الموارد المعدنية الإستراتيجية. كما يشير خبير الأمن الدولي جوست كودجو، فإن ترامب يعتمد “دبلوماسية الصفقات” لكَبْح النفوذ الصيني المتصاعد في القارة.
وقد عبَّر الجنرال مايكل لانغلي، قائد القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا (أفريكوم)، عن القلق الأمريكي إزاء التحركات الصينية في هذه المنطقة، موضحًا أن واشنطن تُراقب بقلق محاولات بكين توسيع وجودها العسكري. ولا يبدو اختيار الدول الخمس المدعوة إلى القمة اعتباطيًّا، فجميعها تقع في مناطق حساسة جيوسياسيًّا. يقول كودجو: “ترامب يستقطب الدول الهشَّة لتتماهى مع المصالح الأمريكية، في لعبة صفرية النتائج، حيث ما تربحه واشنطن تخسره الصين”. ويؤكد أن إقامة قاعدة بحرية صينية على الساحل الأطلسي سيكون بمثابة تحوُّل إستراتيجي مقلق للولايات المتحدة.
في هذا السياق، يبرز خليج غينيا بوصفه مركز الثقل الجديد في الجغرافيا السياسية الإفريقية. تمتد هذه المنطقة البحرية، التي تُغطّي أكثر من مليوني كيلو متر مربع من ليبيريا إلى أنغولا، كمفصل حيوي لتجارة الطاقة في القارة.
وقد سبقت الصين بخطوات واسعة؛ حيث إن أكثر من 70٪ من الموانئ الحديثة هناك بُنِيَت أو مُوِّلت مِن قِبَل بكين، التي استثمرت ما يزيد عن 20 مليار دولار خلال عقد، وباتت تسيطر على مرافئ إستراتيجية كبرى، من ليكي في نيجيريا إلى كريبي في الكاميرون. السيطرة على هذه المنطقة، بالنسبة للولايات المتحدة، تعني أيضًا كبح طموحات روسيا المتنامية في إفريقيا.
ضيوف إستراتيجيون… ومثيرون للجدل:
يثير الشكل المصغّر الذي اختاره ترامب للقمة تساؤلات داخل القارة الإفريقية، خاصةً بالمقارنة مع القمة الواسعة التي عقدها جو بايدن عام 2022م، والتي جمعت 45 رئيس دولة. أما ترامب، فقد فضَّل اختيارًا انتقائيًّا يقوم على منطق نفعي بَحْت. ويبرز في هذا السياق أومارو سيسوكو إمبالو، رئيس غينيا بيساو، كمثال دالّ على ذلك؛ فمنذ حلّه للبرلمان في أواخر عام 2023م، ظل يحكم البلاد بمرسوم، وقد مُدِّدت ولايته التي انتهت رسميًّا في فبراير الماضي دون تحديد موعد لانتخابات قبل نهاية 2025م. يعلّق أحد الخبراء الأمريكيين بسخرية: “يبدو أن امتلاك ميناء واحتياطات من البوكسيت يسمح ببعض التجاوزات الديمقراطية”.
الأمر ذاته ينطبق على الغابون؛ حيث تولّى “بريس كلوتير أوليغوي نغيما” الحكم بعد الإطاحة بـ”علي بونغو”، في انتقال سريع وموضع جدل. ورغم أن محامي نجل “بونغو” قدّموا شكاوى في باريس تتهم النظام الجديد بالعزل وسوء المعاملة، فإن واشنطن تَعتبر الغابون شريكًا إستراتيجيًّا بفضل ثرواته من المنجنيز والهيدروكربونات.
وتشير “ميلودي جينييفر سامبات”، المستشارة الخاصة للرئيس الغابوني، إلى أن بلادها “تدرس فرض حظر على تصدير المنجنيز الخام بحلول 2029م”، بهدف تشجيع المعالجة المحلية، “وتعزيز القيمة المضافة داخل البلاد”. وتشمل هذه الإستراتيجية التوسعية موارد أخرى مثل البوتاس، الذي يُعدّ مكونًا أساسيًّا في صناعة الأسمدة، في إطار توجُّه أوسع نحو السيادة على الثروات التعدينية.
أعلنت مؤسسة تمويل التنمية الدولية الأمريكية (DFC) في وقت سابق عن عزمها تمويل تطوير مشروع منجم بانيو للبوتاس في مايومبا في الجابون، مما يساعد على تقليل اعتماد البلاد على الواردات. مصلحة الولايات المتحدة واضحة. “تتطلع الولايات المتحدة إلى تأمين وصولها إلى الموارد الحيوية. وبالنسبة لنا، إنها فرصة لهيكلة مجموعة صناعية متكاملة حقًّا في نيانغا”. يتم تقديم هذه الشراكة كنموذج يُحتَذى به. وتُلخِّص ذلك بقولها: “تُسلّط الغابون الضوء على مواردها ذات الإمكانات العالية، بينما تُقدّم الولايات المتحدة التمويل والخبرة والتكنولوجيا”.
لكنّ الرهانات لا تقتصر فقط على التعدين فـ”الأمن البحري في خليج غينيا هو أيضًا أحد أهم أولوياتنا. وتعتزم رئيسة الدولة الغابونية تعزيز رؤية للتعاون الأمني الإقليمي والمستدام والمتضافر”، كما تؤكد المستشارة في إشارة إلى مكافحة الاتجار بالبشر والقرصنة وعدم الاستقرار المزمن.
وأخيرًا، سيتم أيضًا معالجة قضية الهجرة “إن الاستجابة المتضافرة ضرورية. يجب أن تحترم كرامة الإنسان وأن تستند إلى اتفاقات واضحة بين دول المنطقة دون الإقليمية، ولكن أيضًا إلى نوع جديد من الشراكة مع الولايات المتحدة”.
قارة تعاني من الانقسام:
يُعلِّق أحد الخبراء الأمريكيين في العلاقات الإفريقية-الأمريكية قائلًا: “ما يحدث ليس دعوةً للحوار، بل استدعاء بمضمون محدد سلفًا”، مضيفًا “في ظل غياب موقف إفريقي مُوحَّد، سيتفاوض القادة المدعوون بشكل فردي، وفق أجندة مغلقة تم إعدادها في واشنطن، مما يُعرِّض القارة لاتفاقيات ثنائية غير متوازنة تَصُبّ في مصلحة الطرف الأقوى”.
تُعدّ هذه القمة المُصغَّرة، التي لا تستند إلى أيّ إطار تعاهدي رسمي، بمثابة اختبار تمهيدي للنيات. وتشير تقارير من “سيمَفور” و”أفريكا إنتليجنس” إلى التحضير لاجتماع مُوسَّع في سبتمبر المقبل، في سياق الإستراتيجية الأمريكية الجديدة تجاه المحيط الأطلسي. الهدف الأمريكي واضح: اختبار مدى استعداد العواصم الإفريقية للقبول بسياسة “دبلوماسية الصفقات”، في مقابل وعود عملية ومحدودة المدى، لكن بدون أوهام حول شراكة متكافئة.
أما بالنسبة للرؤساء الخمسة المدعوين، فالمعادلة أكثر تعقيدًا؛ عليهم التوفيق بين أولوياتهم الوطنية، وضغوط واشنطن، والتحديات السياسية الداخلية التي قد تضعهم موضع المساءلة. وتبقى خلف الابتسامات الرسمية علامات استفهام عميقة: هل يمكن لإفريقيا أن تفرض كلمتها كطرف سيادي متكافئ، أم أن دور “المعاون الإستراتيجي” مقابل بعض العقود هو قَدَر لا مفرّ منه؟ سؤال مفتوح على رهانات المستقبل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رابط المقال: https://www.lepoint.fr/afrique/trump-l-afrique-et-les-deals-10-07-2025-2594082_3826.php