آية محسب عبد الحميد مصطفى
باحثة دكتوراه/ معهد البحوث والدراسات الإفريقية ودول حوض النيل – جامعة أسوان
تمهيد:
أقرّ البرلمان الغاني في 25 يونيو 2025م اتفاقًا رسميًّا لإعادة هيكلة ديون خارجية بقيمة 2.8 مليار دولار، في خطوةٍ وصفتها الحكومة بأنها أساسية لضمان الاستقرار المالي والاقتصادي في البلاد.
تأتي هذه الصفقة بعد أشهر من المفاوضات المكثَّفة مع لجنة الدائنين الرسميين، في إطار برنامج إنقاذ اقتصادي مدعوم من صندوق النقد الدولي. ووفقًا لما نشره موقع Africa News، فإن الاتفاق يشمل تمديد آجال السداد، وخفض معدلات الفائدة، ومنح فترات سماح تمتد حتى عام 2026م، في مقابل التزام غانا بتنفيذ إصلاحات مالية وهيكلية صارمة.
رغم أهمية هذه الخطوة في تخفيف عبء خدمة الدَّيْن، وتوفير هامش مالي للإنفاق التنموي؛ فإنها تطرح تساؤلات أعمق حول مدى قدرة غانا -وغيرها من دول إفريقيا جنوب الصحراء-، على تحقيق استقلال فِعْلي في قراراتها المالية، بعيدًا عن شروط الدائنين الخارجيين. فهل تُمثّل صفقة يونيو 2025م مخرجًا من الأزمة، أم تُعمِّق حلقة التبعية المالية؟ هذا ما تَسعى المقالة إلى تحليله عبر قراءة متعددة الأبعاد للجذور، والشروط، والتداعيات.
مقدمة:
تُمثّل أزمة المديونية السيادية في إفريقيا جنوب الصحراء أحد أبرز التحديات البنيوية التي تُقوّض جهود التنمية، وتُعزّز من هشاشة الاقتصادات الوطنية في مواجهة الصدمات الخارجية. وتُعدّ الحالة الغانية نموذجًا مُعبّرًا عن هذه الإشكالية؛ إذ شهدت البلاد خلال العقد الأخير تصاعدًا خطيرًا في مستويات الدَّيْن العام، تُوّج بإعلان التعثُّر في سداد الديون الخارجية نهاية عام 2022م، والدخول في مفاوضات مع صندوق النقد الدولي للحصول على حزمة إنقاذ مالي. وتُوِّج هذا المسار في يونيو 2025م بإقرار البرلمان الغاني صفقة لإعادة هيكلة ديون بقيمة 2.8 مليار دولار، في إطار اتفاق مشروط يتضمن إصلاحات صارمة.
وتُسلِّط هذه المقالة الضوء على التحوُّلات المالية العميقة التي شهدتها غانا بين عامي 2010 و2025م، من خلال تناول أربعة محاور رئيسية. يتناول المحور الأول الجذور الاقتصادية والمالية التي أدَّت إلى تضخم الدَّيْن العام وتفاقم العجز، بينما يُركِّز المحور الثاني على مضمون صفقة يونيو 2025م، وشروط الاتفاق، وما يمكن أن تُحققه من مكاسب. أما المحور الثالث، فيُقدّم قراءة نقدية في مدى قدرة الاتفاق على تحقيق الاستقلال المالي أو إعادة إنتاج التبعية، في ضوء الشروط المفروضة مِن قِبَل الدائنين الدوليين. ويُختتم المقال بالمحور الرابع الذي يضع الحالة الغانية في سياق قارّي أوسع، محاولًا استشراف سُبل بناء إطار إفريقي جماعي لإدارة أزمة الديون بشكل أكثر عدالة وسيادة.
إنّ غانا، بما تُمثّله من ثِقَل اقتصادي في غرب القارة، تجد نفسها اليوم أمام اختبار حاسم: إما الانخراط في مسار إصلاحي وطني يُعزّز من استقلالية القرار المالي، أو البقاء ضمن دائرة الحلول الخارجية المؤقتة. ومن هذا المنطلق، تسعى المقالة إلى تفكيك أبعاد هذه اللحظة المفصلية، وربطها بالإشكاليات الأوسع التي تواجهها القارة الإفريقية في تعاملها مع المديونية الدولية.
المحور الأول:
من الاستدانة إلى الانهيار: جذور الأزمة المالية في غانا قبل يونيو 2025م
شهدت غانا، أحد أبرز اقتصادات غرب إفريقيا، مسارًا تصاعديًّا مقلقًا في مستويات الدَّيْن العام خلال العقد الأخير؛ حيث ارتفعت نسبة الدَّيْن إلى الناتج المحلي الإجمالي من نحو 35% في عام 2010م إلى أكثر من 92% في عام 2022م، قبل أن تتراجع نسبيًّا إلى 85% في عام 2023م، وفقًا لتقديرات مؤسسات دولية مثل .TradingViewولم تكن هذه الطفرة في الاستدانة معزولة عن بنية الاقتصاد الغاني، الذي يُعاني من ضعف في تعبئة الإيرادات المحلية، وارتفاع معدل الاعتماد على تصدير السلع الأولية مثل الذهب والكاكاو والنفط الخام، دون تحقيق تنويع اقتصادي فعّال([1]).
وساهمت عوامل داخلية وخارجية عدة في تعميق الأزمة وتسريع تفاقمها، أبرزها التداعيات الاقتصادية لجائحة كوفيد-19، والضغوط الناتجة عن الحرب الروسية-الأوكرانية، فضلًا عن الارتفاع الحاد في أسعار الفائدة العالمية، والذي أسهم في زيادة كلفة خدمة الدين الخارجي. كما كشفت الأزمة عن هشاشة الهيكل المالي للدولة، ولا سيما ضعف كفاءة الإنفاق العام وتضخم فاتورة الدعم الحكومي.([2])
وفي ظل هذا المشهد المتأزم، أعلنت الحكومة الغانية في ديسمبر 2022م تعليق سداد ديونها الخارجية، في خطوة عدّها العديد من المراقبين إيذانًا بدخول البلاد في مرحلة “تعثّر غير منظم”، وهو ما دفَعها لاحقًا إلى التفاوض مع صندوق النقد الدولي بشأن برنامج إنقاذ مالي بقيمة 3 مليارات دولار، يتضمَّن حزمة إصلاحات هيكلية صارمة في المالية العامة.([3])
ولم يكن هذا التعثر وليد لحظته، بل جاء نتيجة تراكمات طويلة من السياسات الاقتصادية غير المستدامة، والاعتماد المفرط على الديون في تمويل العجز، دون إجراء إصلاح فِعْلي لمنظومة الإيرادات أو تعزيز الشفافية المالية. ومع تصاعد الضغوط الاجتماعية والاقتصادية، وجدت غانا نفسها مضطرة إلى اللجوء إلى المجتمع الدولي لإعادة هيكلة ديونها وطلب إعفاءات وتسهيلات من مجموعة الدائنين الرسميين، في مشهد يُعيد إلى الأذهان أزمات ديون الثمانينيات، ولكن في سياق عالمي أكثر تعقيدًا وتنافسًا([4]).
وفي تتبُّع تطوّري لحجم الدَّيْن العام في غانا كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، تبرز البيانات الزمنية التالية مدى التصاعد الحادّ في مستويات المديونية خلال الفترة من 2010م إلى 2023م. ويُظهر الجدول (1) هذا المسار التصاعدي الذي بلغ ذروته في عام 2022م، قبل أن يشهد تراجعًا طفيفًا في 2023م، مما يعكس الضغوط المالية المتراكمة على الاقتصاد الغاني، رغم محاولات المعالجة.
جدول (1)
تطوّر الدَّيْن العام الغاني كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي 2010 – 2023م
المصدر: الجدول من إعداد الباحثة اعتمادًا على بيانات Trading View
https://www.tradingview.com/symbols/ECONOMICS-GHGDG/
يُوضّح الجدول أعلاه أن غانا انتقلت من مستويات دَيْن منخفضة نسبيًّا (34.5% في عام 2010م) إلى مستويات مديونية مرتفعة ومقلقة تجاوزت 90% بحلول عام 2022م، وذلك في ظل تفاقم العجز المالي وتصاعد الضغوط على الإنفاق العام. ويُلاحَظ أن القفزة الكبرى في حَجْم الدين بدأت بعد عام 2020م، متأثرة بشكل مباشر بتداعيات جائحة كوفيد-19، الأمر الذي يعكس هشاشة البنية المالية للدولة، واعتمادها المفرط على الاقتراض الخارجي لتغطية التزاماتها.
وعلى الرغم من تسجيل انخفاض طفيف في عام 2023م، فإن نسبة المديونية لا تزال عند مستويات حرجة تُقوِّض قدرة الدولة على تحقيق استقرار مالي ذاتي دون اللجوء إلى دعم خارجي.
دعمًا للتحليل الكمي، يُعرض في الشكل البياني التالي تطوُّر نسبة الدَّيْن العام إلى الناتج المحلي الإجمالي في غانا خلال الفترة 2010– 2023م، استنادًا إلى بيانات الجدول (1). ويسهم هذا التمثيل البصري في توضيح الاتجاهات الزمنية للمديونية، لا سيما خلال الفترات التي شهدت تسارعًا حادًّا في نموّ الدَّيْن العام، مما يُتيح قراءة أكثر دقة وعمقًا لمسار الأزمة المالية.
شكل (1):
تطوُّر نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي في غانا خلال الفترة 2010 – 2023م
المصدر: من إعداد الباحثة بناء على بيانات الجدول السابق
المحور الثاني:
صفقة يونيو 2025م: شروط إعادة الهيكلة وحدود المكاسب المالية
توصلت الحكومة الغانية في يونيو 2025م إلى اتفاق رسمي مع لجنة الدائنين الرسميين، التي تضم 25 دولة، بشأن إعادة هيكلة ديون خارجية بقيمة 2.8 مليار دولار. وقد أقرَّ البرلمان الغانى تفاصيل الاتفاق بعد مفاوضات شاقة استمرت عدة أشهر، وسط ضغوط تمويلية خانقة وتفاقم في عجز الميزانية([5]).
تضمَّنت الشروط الأساسية لاتفاق إعادة هيكلة ديون غانا موارد مالية بقيمة 2.8 مليار دولار، وتهدف إلى تخفيف عبء خدمة الدين، وتوفير حيّز ماليّ للتركيز على الإصلاح الاقتصادي، وذلك وفق ما وصفته تقارير Reuters التي أشارت إلى البنود التالية: إعادة جدولة ديون البلاد بتمديد آجال السداد حتى ما بين عامي 2039 و2043م، مع منح فترة سماح تشمل سداد الفوائد فقط حتى عام 2026م؛ كما تم خفض معدلات الفائدة لما بين 1% و3% للقروض المعاد جدولتها؛ ورُبطت تنفيذ هذه الشروط بخطّة إنقاذ مالي من صندوق النقد الدولي بقيمة 3 مليارات دولار، ما يعكس التزام غانا بالإصلاحات ضمن برنامج مشروط.([6])
وقد رحَّب الأمين العام للأمم المتحدة بالاتفاق، واعتبره خطوة إيجابية نحو استعادة الاستقرار الاقتصادي، مُؤكّدًا أن معالجة أزمة الديون في إفريقيا تتطلب حلولًا قائمة على العدالة المالية والمساءلة الدولية([7]).
من جهتها، وصفت وكالةFitch Ratings الصفقة بأنها “خطوة متقدمة” على طريق التعافي المالي، لكنّها حذَّرت من أن نجاحها مرهون بتنفيذ فِعْلي وحازم للإصلاحات الاقتصادية، واستمرار التعاون مع صندوق النقد الدولي.([8])
ورغم الإشادة الدولية بالاتفاق، إلا أن مراقبين أشاروا إلى أن الصفقة لا تتضمن شطبًا فعليًّا للديون، وإنما تقتصر على إعادة جدولة وتعديل الشروط، ما يعني أن مستوى المديونية سيظل مرتفعًا نسبيًّا، ويجعل الاقتصاد عُرضة للصدمات المستقبلية ما لم يتم تحقيق نموّ اقتصادي مدفوع بالإيرادات الذاتية([9]).
انطلاقًا مما سبق، يمكن تلخيص أبرز مخرجات صفقة يونيو 2025م من خلال الجدول التالي، الذي يُوضّح العناصر الأساسية للاتفاق، وأهدافها، والتحديات المحتملة التي تُواجه تطبيقها:
جدول (2):
أبرز مخرجات صفقة غانا لإعادة هيكلة الدين في يونيو 2025م: الأهداف والتحديات
المصدر: من إعداد الباحثة بالاعتماد على تحليل بنود الاتفاق كما وردت في تقارير Africa News (25 يونيو 2025م) ومضمون المقال.
يُظهر هذا الجدول أن صفقة يونيو 2025م، على الرغم مما توفّره من تخفيف نِسْبي للضغوط التمويلية، لا ترقى إلى مستوى الحل البنيوي الشامل لأزمة المديونية في غانا، بل تُجسِّد نموذجًا لما يُعرَف في الأدبيات الاقتصادية بـ”الاستقرار المشروط”(Conditional Stability)؛ حيث تُمنَح الحكومات فُسحة زمنية محدودة مقابل التزامات مالية واقتصادية صارمة. ويُعيد هذا النمط إنتاج العلاقة غير المتكافئة بين الدول الإفريقية والدائنين الدوليين؛ إذ تُفرض أولويات خارجية قد لا تتّسق مع الاحتياجات التنموية الوطنية، مما يُقوِّض فرص بناء سياسات مالية مستقلة ومستدامة.
المحور الثالث:
هل تُمهِّد صفقة 2025م لاستقلال مالي أم تُعمِّق التبعية؟ قراءة نقدية لهيكل الاتفاق
رغم الترحيب الدولي النسبيّ بصفقة إعادة هيكلة الديون الغانية في يونيو 2025م، فإنّ التحليل النقدي لأبعادها يكشف أنها تُوفِّر راحة مالية مؤقتة، دون أن تُعالج الجذور البنيوية لأزمة المديونية في البلاد. وقد أشار عدد من الخبراء الاقتصاديين إلى أن هيكل الصفقة، بما يتضمّنه من فترات سماح وأسقف زمنية وربط مشروط ببرنامج صندوق النقد الدولي، من شأنه أن يُقلِّص من قدرة الحكومة على تحديد أولوياتها الاقتصادية والاجتماعية بشكل مستقل، ويُكرِّس استمرار التبعية للمانحين والدائنين الدوليين.([10])
ترتكز الصفقة في جوهرها على إعادة جدولة الديون دون شطب فِعْلي، ما يعني أن غانا تظل مُطالَبة بالوفاء بكامل التزاماتها، وإن كان ذلك في آجال أطول وبكلفة أقل. لكنْ في المقابل، فإن الالتزام بشروط صندوق النقد -خاصة ما يتعلق بإصلاحات الدعم وخفض الإنفاق العام- يعني عمليًّا إعادة ترتيب أولويات الموازنة العامة وفق شروط خارجية، قد لا تتماشى بالضرورة مع الاحتياجات التنموية الوطنية، خصوصًا في مجالات الصحة، والتعليم، والحماية الاجتماعية([11]).
وفي هذا السياق، حذّرت شبكة العدالة في الديون السيادية الإفريقية (AFSDJN) من أن هذه الصفقة، على غرار اتفاقات مماثلة في القارة، “لا تُحقِّق الاستقلال المالي، بل تُؤجِّل الانفجار المحتمل”، معتبرةً أن المديونية الإفريقية ليست مجرد مسألة مالية، بل تُعبِّر عن خلل في النظام المالي العالمي، يتطلب إعادة صياغة أكثر عدالة وشفافية، تشمل إشراك الدول المدينة في صياغة شروط الحل، وليس فقط الامتثال لها.([12]) وبالتالي، فإن ما يبدو مكسبًا ظرفيًّا في ميزان المدفوعات، قد يتحوَّل إلى إعادة إنتاج لنمط التبعية الاقتصادية، إذا لم يُقترن بإصلاحات هيكلية وطنية جذرية تُركّز على تعبئة الموارد المحلية، وتحقيق العدالة الضريبية، وتعزيز الشفافية في الإنفاق العام. وتبقى معضلة غانا نموذجًا متكررًا في القارة الإفريقية؛ حيث تُدار الأزمات بسياسات إنقاذ خارجي، بدلًا من تأسيس عقود اجتماعية واقتصادية جديدة تُعيد بناء الثقة بين الدولة والمجتمع، وتُقلّل من الحاجة المزمنة للاستدانة الخارجية.
المحور الرابع:
الحالة الغانية في ميزان إفريقيا: من التعثّر إلى البناء القاري لإدارة الدين
تُسلِّط تجربة غانا مع أزمة المديونية الضوء على إشكاليات أعمق تتقاطع فيها العديد من الدول الإفريقية، مثل زامبيا، إثيوبيا، وكينيا. وتشير هذه الحالات إلى أن المقاربات الفردية لإدارة الديون الخارجية لم تَعُد كافية، ما يُحتِّم بلورة إستراتيجية إفريقية جماعية أكثر شمولًا وسيادية، تنقل ملف الديون من كونه تحديًا قطريًّا إلى كونه مسألة ترتبط بالسيادة المالية والتنموية على مستوى القارة.
وفي هذا السياق، مثّل مؤتمر الاتحاد الإفريقي حول الديون، الذي عُقد في مدينة لومي بجمهورية توغو في مايو 2025م، تحولًا مهمًّا في إدراك القادة الأفارقة لأبعاد أزمة المديونية؛ حيث تم التوصل إلى “إعلان لومي” الذي نصّ على مبادئ جوهرية تعكس تحولًا في الخطاب الإفريقي من الاعتماد على المعالجات الظرفية إلى المطالبة بإصلاح بنيوي للنظام المالي الدولي. وقد دعت التوصيات إلى إنشاء آلية إفريقية لإعادة هيكلة الديون، وتدشين قاعدة بيانات موحدة للمديونية السيادية، إضافة إلى توجيه التمويل نحو أدوات خضراء ومستدامة وتعليق خدمة الدَّيْن أثناء التفاوض، باعتبارها خطوات عملية نحو السيادة المالية.
وفي قراءة تحليلية لمقال منشور لمخرجات المؤتمر على موقع “قراءات إفريقية”([13])، أشارت إلى أن الأزمة البنيوية للدَّين العام في إفريقيا ترتبط ارتباطًا مباشرًا بضعف تعبئة الموارد المحلية، وتآكل القاعدة الضريبية، وانخفاض كفاءة الإنفاق العام، وهيمنة المقاربات التكنوقراطية للمؤسسات الدولية.
وانطلاقًا من تحليل تجربة دول مثل غانا وزامبيا وكينيا، خلصت القراءة إلى أربع أولويات محورية لبناء نموذج إفريقي مستقل لإدارة الدَّيْن، تمثّلت في: (1) إصلاح النظام الضريبي وتوسيع الوعاء الضريبي، (2) تحسين إدارة النفقات وتوجيهها نحو التنمية، (3) تعزيز الشفافية والرقابة المؤسسية، و(4) المطالبة بآلية دولية بديلة عن الإطار الحالي لمجموعة العشرين، تُدار تحت مظلة الأمم المتحدة.
وفي هذا السياق، تُعد الحالة الغانية نموذجًا حيويًّا لاختبار جدوى هذه الرؤية القارية الجديدة. فبعد تعثّرها في 2022م، وتوصلها إلى اتفاق لإعادة الهيكلة في يونيو 2025م، تجد غانا نفسها أمام خيارين: إما الاكتفاء بتعديلات شكلية في أجندة الاقتراض، أو الانخراط في مشروع قارّي يُعزّز من استقلاليتها المالية.
خاتمة:
تُبرز تجربة غانا مع أزمة المديونية، وخاصة في سياق صفقة إعادة الهيكلة في يونيو 2025م، طبيعة المأزق المالي الذي تواجهه العديد من دول إفريقيا جنوب الصحراء.، حيث تتقاطع الضغوط الاقتصادية المحلية مع الإملاءات الدولية، ضمن بنية مالية عالمية تفتقر إلى العدالة والشفافية. فرغم ما يبدو من مكاسب قصيرة الأجل للصفقة الغانية، فإنها تظل مقيدة بشروط خارجية تعيد إنتاج التبعية ولا تُحقق الاستقلال المالي الفعلي. ومن ثم، فإن تجاوز هذا المأزق لا يمر فقط عبر إعادة التفاوض على شروط الديون، بل من خلال تبنّي رؤية إصلاحية وطنية شاملة تعزز من تعبئة الموارد المحلية، وترشيد الإنفاق، وبناء قواعد شفافية ومساءلة مالية مؤسسية. وفي السياق ذاته، تظل الحاجة ملحّة لصياغة مقاربة إفريقية جماعية لإدارة الديون، تتجاوز الحلول القُطرية المتناثرة، وتتبنى مبدأ السيادة المالية بوصفه مدخلًا استراتيجيًا لتحقيق التنمية المستدامة. ولعل دروس الحالة الغانية، بما تحمله من تعقيدات وفرص، يجب أن تكون محفّزًا لصناع القرار في القارة لإعادة التفكير في النموذج الاقتصادي القائم، والانخراط في مسار إصلاحي إقليمي يعكس أولويات الشعوب الإفريقية، ويُعزّز من حضورها التفاوضي في النظام المالي الدولي.
……………………………
[1]Africa News. (2025, June 25). Ghana’s parliament approves $2.8 billion debt restructuring deal. Africanews. https://www.africanews.com/2025/06/25/ghanas-parliament-approves-28-billion-debt-restructuring-deal/
The Africa Report. (2025a, June). Ghana’s debt deal with official creditors offers temporary relief, say analysts. https://www.theafricareport.com/351735/ghanas-debt-deal-with-official-creditors-offers-temporary-relief-say-analysts/
[2]CNBC Africa. (2025, June). Fitch expects Ghana to fully complete external debt restructuring by end 2025. https://www.cnbcafrica.com/media/7750866166464/fitch-expects-ghana-to-fully-complete-external-debt-restructuring-by-end-2025/
Reuters. (2025, June 25). Ghana approves $2.8 billion debt relief deal with creditor nations. https://www.reuters.com/world/africa/ghana-approves-28-billion-debt-relief-deal-with-creditor-nations-2025-06-25/
[3]The Africa Report. (2025b, June). What does the latest Ghana debt deal mean? https://www.theafricareport.com/386883/what-does-the-latest-ghana-debt-deal-mean/
Afronomics Law. (2025, June). Sovereign Debt News Update No. 138: Ghana’s Deal with Official Creditors. African Sovereign Debt Justice Network.https://www.afronomicslaw.org/category/african-sovereign-debt-justice-network-afsdjn/sovereign-debt-news-update-no-138-ghanas
[4]United Nations News. (2025, June). UN chief welcomes Ghana’s debt deal with creditors. https://news.un.org/en/story/2025/06/1165051
Financial Afrik. (2025, June 26). Ghana parliament approves $2.8 billion debt relief with 25 creditor countries. https://www.financialafrik.com/en/2025/06/26/ghana-parliament-approves-2-8-billion-debt-relief-with-25-creditor-countries/
[5] Financial Afrik. (2025, June 26).Op. Cit.
[6] Reuters. (2025, June 25). Op. Cit.
[7] United Nations News. (2025, June). Op. Cit.
[8] CNBC Africa. (2025, June). Op. Cit.
[9] The Africa Report. (2025b, June).Op.Cit.
[10] Ibid.
[11] Afronomics Law. (2025, June). Op. Cit.
[12] Ibid.
– [13] قراءة تحليلية لمؤتمر الاتحاد الإفريقي حول الديون – مايو 2025م: تحديات وآفاق الاستدامة المالية https://qiraatafrican.com/29300/