مقدمة:
تأتي القمة البريكس السابعة عشر التي انعقدت في البرازيل في الفترة من 7 إلى 9 يوليو وسط توترات جيوسياسية وحروبا إقليمية، وأخرى تجارية، كانت إحدى دول أعضائه أو جلها طرفا فيها. وقد جاء شعار القمة فضفاضًا وطموحًا. يرى البعض أنه لا يعبر عن وضع التكتل الحالي، بينما تنخرط أعضائه في تلك النزاعات. كما ركزت التغطية الإعلامية حول غياب الرئيسين الروسي والصيني، مما أثار تكهنات حول تماسك ومستقبل صيغة البريكس.
بل إن موعد انعقاد القمة ينتهي قبل يوم واحد مع انتهاء فترة تعليق الرسوم الجمركية من قبل الرئيس ترامب، وهو ما استغله قادة المجموعة، حينما عبروا عن قلقهم البالغ إزائها. فضلا عن حضور ملفات ساخنة كملف تهديد المناخ، وإعلان دعمهم لاتفاقية باريس للمناخ، التي تخلى عنها ترامب، إضافة إلى احتمالية دعوتهم إلى حوكمة عالمية للذكاء الاصطناعي للتخفيف من المخاطر المحتملة.
ويرى النقاد أن إفريقيا لعبت دور المراقب في قمة هذا العام وخرجت خالية الوفاض، بينما يرى آخرون، أن الكتل يوفر فرصا عظيمة للاستفادة إذا وضعت القارة استراتيجية موحدة لانتزاعها
وفي السياق التالي، نتعرف على أبرز نتائج قمة البريكس في البرازيل، وما الجديد لبلدان إفريقيا من خلال المحاور التالية:
المحور الأول: قراءة عامة في نتائج قمة البريكس 2025.
المحور الثاني: ملف التجارة وتهديدات الرسوم الجمركية.
المحور الثالث: إفريقيا والبريكس 2025.. المكاسب والفرص والانتقادات الموجهة.
المحور الرابع: البريكس .. كشف حساب حتى قمة 2025.
المحور الخامس: البريكس بعد قمة 2025 المكاسب المحتملة ونقاط الضعف على المدى الطويل.
المحور الأول
قراءة عامة في نتائج قمة البريكس 2025
وقّع قادة أكبر 11 اقتصادًا ناشئًا الإعلان المشترك لقمة بريكس السابعة عشرة في ريو دي جانيرو. حيث أكدت الوثيقة، المعنونة “تعزيز التعاون بين بلدان الجنوب من أجل حوكمة أكثر شمولًا واستدامة”، التزام المجموعة بتعزيز التعددية، والدفاع عن القانون الدولي، والسعي إلى نظام عالمي أكثر إنصافًا. لتعكس شهورًا من التنسيق المكثف، مع عقد أكثر من 200 اجتماع، وإنشاء أو تعزيز 200 آلية تعاون جديدة في مجالات مثل القضاء على الجوع، ومعالجة تغير المناخ، وتطوير التقنيات الناشئة. وقد اعتمد قادة التكتل 126 التزامًا تغطي الحوكمة العالمية، والمالية، والصحة، والذكاء الاصطناعي، وتغير المناخ، ومجالات استراتيجية أخرى. مجددين التزامهم بالتعددية والدفاع عن القانون الدولي، بما في ذلك مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة. كما دعا الإعلان إلى زيادة مشاركة الدول النامية، في عمليات وهياكل صنع القرار العالمي. وفي ضوء واقع التعددية القطبية الراهن، اتفقوا على ضرورة تعزيز جهود الدول النامية لتعزيز الحوار والتشاور سعياً إلى حوكمة عالمية أكثر عدلاً وإنصافاً، وعلاقات متبادلة المنفعة بين الدول([1]).
وكان من أبرز هذه الأولويات الدعوات لإصلاح المؤسسات متعددة الأطراف، بما في ذلك الدعوة المعتادة إلى أن تصبح البرازيل والهند عضوين دائمين في مجلس الأمن. كما كانت هناك دعوة متوقعة لإعادة ضبط القوة التصويتية في البنك الدولي وصندوق النقد الدولي لتعكس النظام العالمي المتغير. وفيما يتعلق بالمناخ، قدمت المجموعة إطارًا جديدًا للعمل المشترك، وهو مؤشر مهم على موقف المجموعة المنسق قبل مؤتمر الأمم المتحدة المقبل لتغير المناخ، المعروف باسم COP30، والذي سيعقد في بيليم، البرازيل، في نوفمبر. وتطرق الإعلان إلى الصراعات الدائرة، داعيًا إلى السلام في غزة، ومُدينًا التفجيرات والهجمات في دول التكتل.
ومن أبرز النتائج اقتراح إنشاء مؤسسة مستوحاة من وكالة ضمان الاستثمار متعدد الأطراف التابعة للبنك الدولي. تهدف إلى تسهيل الاستثمار في البنية التحتية والتنمية في جميع أنحاء الجنوب من خلال توفير ضمانات استثمارية للحد من المخاطر السياسية. وتشير الخطة، التي لا تزال في مراحلها الأولى، إلى استمرار اهتمام مجموعة البريكس ببناء مؤسسات موازية أو مُكملة للأطر القائمة التي يهيمن عليها الغرب. كما تُشير إلى اهتمام بتوفير أدوات للدول النامية الأكثر عرضة للمخاطر لجذب الاستثمارات اللازمة، ولا يوجد ما يشير إلى أن هذه الضمانات ستقتصر على استثمارات الدول الأعضاء في البريكس. وقد عُرضت هذه الضمانات على أنها مبادرة ضمانات البريكس متعددة الأطراف، والتي من المرجح أن تستمر في تطويرها حتى عامي 2025 و2026([2]).
وفي السياق التالي نفند أبرز نتائج القمة، مع تناول ملف التجارة في محور منفصل.
أولًا: عشر سنوات على تأسيس بنك البريكس
عقد الرئيس لولا دا سيلفا اجتماعًا مع رئيسة بنك التنمية الجديد (NDB)، ديلما روسيف، لاحتفال بالتقدم الذي أحرزه البنك. والتأكيد على أهميته في تسهيل إصلاح المؤسسات المالية الدولية، وكان البنك قد تأسس في البرازيل خلال قمة فورتاليزا عام 2014، ليمثل مبادرةً بارزةً في التعاون الجماعي للاقتصادات الناشئة. ويعكس إنشائه التزامًا مشتركًا بمعالجة النقص الكبير في تمويل التنمية المستدامة([3]).
ومن الناحية المالية دعت الدول على ضرورة زيادة حصص صندوق النقد الدولي وحصص الدول الناشئة والنامية في البنك الدولي([4]).
ثانيًا: تمويل المناخ والطاقة النظيفة
منذ إنشاء البنك تمت الموافقة على أكثر من 120 مشروعًا استثماريًا بقيمة إجمالية 40 مليار دولار في مجالات مثل الطاقة النظيفة، وكفاءة الطاقة، والنقل، وحماية البيئة، وإمدادات المياه، والبنية التحتية. في البرازيل وحدها، تم تمويل أكثر من 20 مشروعًا، بقيمة تجاوزت 3.5 مليار دولار. ويتوافق التزام البنك بتخصيص 40% من تمويله لمشاريع التنمية المستدامة مع إعلان تمويل المناخ المعتمد في قمة البريكس. وأكد الرئيس البرازيلي، على التحدي الذي تواجهه البرازيل في الوصول إلى 1.3 تريليون دولار لتمويل المناخ العالمي في مؤتمر الأطراف الثلاثين.
كما أكّدت رئيسة البنك ديلما روسيف، على أهمية تمويل المناخ، ويجب أن يكون البنك في طليعة هذا الجهد، ([5])كما أقرّت الدول بصندوق الغابات الاستوائية للأبد (TFFF) كآلية مبتكرة لتعبئة التمويل طويل الأجل للحفاظ على الغابات الاستوائية. ([6])
ثالثًا: منتدى البريكس الأكاديمي
كشف منتدى البريكس الأكاديمي عن خريطة غير مسبوقة لـ 180 آلية تعاون داخل الكتلة. تضم أهم المبادرات التي طُوّرت على مر السنين لتعزيز حوكمة البريكس وتوجيه الدول التي انضمت مؤخرًا إلى المجموعة أو تخطط للانضمام إليها. جمع المنتدى تسع دول لاستكشاف حلول مشتركة للتحديات العالمية الأكثر إلحاحًا. وقد مثّل هذا الحدث، بداية دورة جديدة من النقاشات التي ركّزت على ستة مجالات ذات أولوية: الصحة العالمية، والذكاء الاصطناعي، وتغير المناخ، والتجارة والتمويل، وإصلاح الحوكمة الدولية، والتطوير المؤسسي. ومن أهم نتائجه الموافقة على “محفظة آليات تعاون البريكس”، وتهدف هذه المبادرة إلى تعزيز الحوكمة متعددة الأطراف والعمل المشترك للمجموعة، لا سيما بعد توسعها الأخير. وتتضمن تجميعًا للمعلومات الرئيسية حول الاجتماعات، والاختصاصات، ونتائج المنتديات، مثل الزراعة، والمالية، والثقافة، والشباب، والأمن، بهدف تعزيز التماسك المؤسسي للمجموعة وفعاليتها. كما أولى المنتدى اهتمامًا خاصًا لتغير المناخ وإصلاح منظومة السلام والأمن العالمية([7]).
رابعًا: الصحة العالمية: تعاون يُنقذ الأرواح
ركز اليوم الأول من المناقشات على الصحة العالمية كمجال ذي أولوية، مُقدمًا أمثلة ملموسة على كيفية مساهمة التعاون داخل دول البريكس خلال الجائحة. وتم الإشارة إلى أن ثلاث دول من دول المجموعة – الصين وروسيا والهند – لعبت دورًا رئيسيًا في إنتاج لقاحات كوفيد-19([8]). وأقرت الدول بالطبيعة المترابطة للتحديات الصحية العالمية وتداعياتها العابرة للحدود. وأكدت التزامها بتعزيز حوكمة الصحة العالمية من خلال تعزيز التعاون والتضامن الدوليين([9]).
خامسًا: الذكاء الاصطناعي والتجارة الرقمية
كشفت المناقشات حول الذكاء الاصطناعي والتجارة الرقمية عن مجالات رئيسية للتوافق بين أعضاء البريكس. وتمت الإشارة إلى أوجه التشابه بين نظام بيكس البرازيلي ونظام يو بي آي الهندي كمثالين على الابتكار التكنولوجي الشامل. صُممت كلتا المنصتين لخدمة ملايين الأشخاص. كما أن البرازيل لديها برنامج بولسا فاميليا، الذي 200 مليون شخص من براثن الفقر في العقود الأخيرة ([10]).
ولأول مرة، تلعب حوكمة الذكاء الاصطناعي دورًا بارزًا في أجندة البريكس، حيث تُقدم منظورًا مشتركًا لدول الجنوب العالمي حول هذه التكنولوجيا المبتكرة، وتُبرز الجوانب الاقتصادية والتنموية في صدارة النقاش([11]).
سادسًا: تعزيز السلام والأمن والاستقرار الدولي
من ركائز الإعلان التزامه بمعالجة الصراعات المستمرة في مختلف أنحاء العالم، والاستقطاب والتشرذم الحاليين في النظام الدولي. وأعرب القادة عن قلقهم إزاء الاتجاه الحالي المتمثل في الارتفاع الحاد في الإنفاق العسكري العالمي على حساب التمويل الكافي لتنمية الدول الناشئة. داعين إلى نهج متعدد الأطراف يحترم وجهات النظر والمواقف الوطنية المتنوعة بشأن القضايا العالمية الحاسمة، كما أعربوا عن قلقهم العميق إزاء محاولات ربط الأمن بأجندة المناخ([12]).
المحور الثاني
ملف التجارة وتهديدات الرسوم الجمركية
مع توسع التكتل أصبح يُمثل الآن 40% من الناتج العالمي وأكثر من نصف سكان العالم. ومع ذلك، وبينما اكتسبت القمة زخمًا، أعلن الرئيس الأمريكي عن تهديدات تجارية جديدة شاملة: فرض تعريفة جمركية أساسية بنسبة 10% على جميع واردات البريكس، والتي قد ترتفع بناءً على توافق السياسات، ورسوم إضافية خاصة بقطاعات محددة، مثل 50% على النحاس و200% على الأدوية. كما حددت واشنطن موعدًا نهائيًا (كان في البداية 9 يوليو، ثم أُجّل إلى 1 أغسطس) للدول للتفاوض على صفقات تجارية ثنائية جديدة، وإلا ستواجه رسومًا جمركية تتراوح بين 25% و40%، مما قد يؤثر بشدة على بيانات التجارة العالمية. مع التركيز على تهديدات التعريفات الجمركية والاتفاقيات التجارية. ([13])
ويلقي الجدول التالي الضوء على ما تُشير إليه القمة بالنسبة لتدفقات التجارة العالمية، وتهديدات التعريفات الجمركية.
جدول (1) نقاط كمية قبل وبعد القمة
Source: https://www.tradeimex.in/blogs/brics-summit-2025-global-trade-flows-tariff-threats-agreements
وقد أدان البيان الحمائية، ودعا إلى التوسع والتكامل الاقتصادي وأكدت المحادثات على الالتزامات الآتية:
- تجارة العملات المحلية ومنصات الدفع الرقمية مثل BRICS Bridge وBRICS PAY.
- تعهدت الهند والبرازيل بمضاعفة التجارة الثنائية ثلاث مرات ومراجعة اتفاقية التجارة الحرة بين رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) والهند.
- اتفقت الصين وفيتنام على تعزيز التعاون في مجال السكك الحديدية؛ وعززت الهند اتفاقية التجارة الحرة بين رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)؛ وتدرس دول مجموعة البريكس مشاريع البنية الأساسية في إفريقيا وأميركا اللاتينية.
وكان من الجوانب المهمة في البيان إغفال اسم الولايات المتحدة. ومن المرجح أن يعكس هذا الإغفال المفاوضات الجارية بشأن التجارة وخفض الرسوم الجمركية بين الولايات المتحدة وأعضاء البريكس. ورغم بعض التصريحات السياسية التي تُشير إلى عكس ذلك، لا يزال العديد من أعضاء البريكس مندمجين بشكل وثيق مع السوق الأمريكية. ولنأخذ التجارة كمثال: تُمثل صادرات أعضاء البريكس إلى الولايات المتحدة حصةً كبيرةً من إجمالي صادرات كل عضو، وفي كثير من الحالات، تُمثل جزءًا كبيرًا من ناتجهم المحلي الإجمالي. وهذا يُؤكد نقطةً مهمة: فبينما يُنظر إلى دول البريكس غالبًا على أنها قوة موازنة للقوة الغربية، إلا أن اقتصاداتها لا تزال مرتبطةً بالولايات المتحدة بطرقٍ حاسمة. ([14])
شكل (1) تجارة دول البريكس (صادرات) مع الولايات المتحدة لعام 2024 بالأسعار الجارية
المصدر: رسم الباحث من بينات (تقرير آفاق الاقتصاد العالمي، أبريل ٢٠٢٥، وقاعدة بيانات التجارة الدولية في السلع حسب الدول الشريكة). جميع دول البريكس تُمثل مجموع الدول الأعضاء العشرة. الصين تُستثنى من ذلك هونغ كونغ وماكاو.
المحور الثالث
إفريقيا والبريكس 2025.. المكاسب والفرص والانتقادات الموجهة
أولًا: المكاسب والفرص
من جانب يُعد الإمكانات الاقتصادية الهائلة التي توفرها هذه الدول أحد الأسباب الرئيسية التي تدفع الدول الإفريقية إلى تعميق علاقاتها مع دول البريكس. فقد أصبحت دول البريكس، وخاصة الصين، من كبار المستثمرين في أفريقيا، وتُجسّد مبادرة الحزام والطريق هذا الالتزام، حيث تُحدث مشاريع مثل خط سكة حديد مومباسا-نيروبي في كينيا وخط سكة حديد أديس أبابا-جيبوتي نقلة نوعية في قطاع النقل والتجارة عبر شرق أفريقيا. تُحسّن هذه المبادرات الربط الشبكي، وتخلق فرص عمل، وتعزز الاقتصادات المحلية، مما يُحقق فوائد ملموسة للسكان الأفارقة. كما وسّعت روسيا حضورها في قطاعي الطاقة والأمن في أفريقيا، حيث تعاونت في مشاريع الطاقة النووية في مصر وجنوب أفريقيا، وزوّدت دولًا مُختلفة بالأسلحة. أما الهند فقد عززت علاقاتها التجارية، بالتركيز على الزراعة والأدوية وتكنولوجيا المعلومات، مع تقديم مساعدات إنمائية من خلال منصات مثل قمة منتدى الهند وأفريقيا. وتشارك البرازيل بخبرتها في الزراعة الاستوائية، مما يساعد الدول الإفريقية على تعزيز الأمن الغذائي والإنتاجية. وتلعب جنوب أفريقيا، بصفتها عضوًا في مجموعة البريكس ودولة أفريقية، دورًا فريدًا في تسهيل التعاون بين المجموعة والقارة.
بالإضافة إلى ذلك، يدعم بنك التنمية الجديد مشاريع البنية التحتية، والتي يعود بعضها بالنفع على الدول الأفريقية. وتميل استثمارات البريكس إلى إعطاء الأولوية للمنفعة المتبادلة على التدخل. يجذب هذا النهج التبادلي القادة الأفارقة الساعين إلى الحفاظ على استقلاليتهم مع تأمين موارد النمو. ومن خلال التعاون مع مجموعة البريكس، يمكن للدول الإفريقية الاستفادة من مصادر تمويل بديلة، كما تقدم البريكس للدول الإفريقية شراكة تتماشى مع تطلعاتها إلى السيادة والاستقلال. وتدعم المجموعة نظامًا عالميًا متعدد الأقطاب، متحديةً بذلك هيمنة القوى الغربية. كما توفر حليفًا في الدعوة إلى نظام دولي أكثر عدالة يعزز مطالبها بتمثيل عادل وسلطة صنع القرار.
ويُسلّط موقف ترامب المُعادي تجاه دول البريكس، بما في ذلك تهديدات فرض الرسوم الجمركية والعقوبات الاقتصادية، الضوء على مخاطر الاعتماد المُفرط على الولايات المتحدة. بالنسبة للدول الأفريقية، يُعدّ تنويع الشراكات ضرورةً استراتيجية. تُعدّ برامج مثل قانون النمو والفرص في إفريقيا (AGOA)، الذي يمنح وصولاً مُعفىً من الرسوم الجمركية إلى السوق الأمريكية، قيّمةً، لكنها تأتي مُشروطةً وقد تتعطّل بسبب التحوّلات في السياسة الأمريكية. يُوفّر التعاون مع دول البريكس حمايةً من هذه الشكوك. ويمكن من توسيع خياراتها التجارية والاستثمارية والتنموية([15]).
ثانيًا: الانتقادات الموجهة للبريكس حتى قمة البرازيل بخصوص إفريقيا
بينما يرى البعض بأن الكتلة تفتقر إلى التماسك، حيث تتصادم دول أعضاء مثل الهند والصين حول قضايا إقليمية، أو تعاني البرازيل وجنوب إفريقيا من عدم استقرار داخلي. ويحذر آخرون من الاعتماد المفرط على الصين، التي تهيمن اقتصاديًا على المجموعة، مما يثير مخاوف بشأن فخاخ الديون أو استغلال الموارد. كما تعرضت بعض استثمارات البريكس لانتقادات لإعطائها الأولوية للمصالح الاستراتيجية على التنمية الأفريقية. ([16])
ومنذ إنشائه عام ٢٠١٥، يدّعي بنك التنمية الجديد أنه استثمر ٤٠ مليار دولار في أكثر من ١٢٠ مشروعًا. ولكن لم يمول أي بنك في أفريقيا، حيث ذهبت الأموال في الغالب إلى الأعضاء الخمسة الأصليين. برغم انضمام الجزائر المساهم التاسع في البنك بمساهمة قدرها 1.5 مليار دولار. وقررت أوغندا الانضمام. والوضع الراهن – مع ارتفاع مستويات الديون الإفريقية والتخفيضات الحادة في مساعدات التنمية – من المفترض أن يُسرّع هذا التحول. مع توقع أن ينخفض تمويل الدول المانحة، ومعظمه من الغرب، بنسبة تتراوح بين 9% و17% في عام 2025، بعد انخفاضه بنسبة 9% العام الماضي.
من ناحية أخرى تبرز هيمنة الصين التي تشكل وحدها ما يقرب من نصف الناتج المحلي الإجمالي لدول البريكس، وهي أكبر شريك تجاري لأفريقيا منذ حوالي 15 عامًا. وصادرات الصين سلع مصنعة ومعدات، بينما تتكون صادرات إفريقيا من المعادن الخام والمنتجات الزراعية. من ثم تتبع التجارة مع أعضاء البريكس الأصليين الآخرين نفس النمط غير المتكافئ إلى حد كبير.
في الوقت نفسه، انخفضت قروض الصين للدول الإفريقية بشكل حاد. في منتدى التعاون الصيني الإفريقي (FOCAC) لعام 2024، تعهدت بتقديم 50 مليار دولار بحلول عام 2027، بما في ذلك 29 مليار من القروض، و11 مليار من المساعدات، و10 مليارات من الاستثمارات. هذا يزيد بمقدار 10 مليارات عن المبلغ المُسجل في منتدى 2021، ولكنه أقل بكثير من المبالغ التي سُجِّلت في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين. والأسوأ من ذلك، أن التدفقات المالية قد تحوّلت إلى السلبية منذ عام 2025 – إذ تُسدد إفريقيا ككل للصين أكثر مما تتلقاه من قروض جديدة([17]).
على الجانب الآخر؛ أعلنت الصين عن سياسة إعفاء من الرسوم الجمركية، ما يمنح جميع الدول الإفريقية الـ 53 التي تربطها بها علاقات دبلوماسية إمكانية الوصول المعفى من الرسوم الجمركية. تهدف هذه الخطوة المهمة، التي أُعلن عنها في منتصف عام 2025، إلى تعميق العلاقات التجارية وفتح السوق الصينية أمام مجموعة أوسع من المنتجات الأفريقية. ([18]) ويعتبر هذا تصرفًا أحاديًا، وليس على مستوى التكتل.
وقد كانت المفاجئة السارة الوحيدة لأفريقيا من قمة 2025 معالجة قضايا، مثل معالجة المعادن الأساسية – التي يُستخرج الكثير منها من دول إفريقية. وكان هناك إجماع على ضرورة عدم تصدير هذه المعادن خامًا فحسب، بل ينبغي إثراء القارة الإفريقية وإضافة القيمة إليها لضمان استفادة إفريقيا استفادة كاملة من مواردها الطبيعية. يتماشى هذا الموقف مع المطالب الراسخة للدول الإفريقية بشروط تجارية أكثر عدالة، وتصنيع الاقتصادات المحلية، والابتعاد عن نماذج الاستخراج التي لطالما فضلت المصالح الأجنبية.
مع إمكانية استفادة القارة، التي تتحمل عبئًا غير متناسب من الأمراض التي يُمكن الوقاية منها، مثل السل وفيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز وأمراض المناطق المدارية المهملة، من الجهود المبذولة لتوسيع نطاق تطوير اللقاحات، وتحسين تقديم الرعاية الصحية وتعزيز البنية التحتية للصرف الصحي. ([19])
ومع ذلك، يمكن للدول الإفريقية مواجهة هذه التحديات من خلال المشاركة الاستراتيجية. والتفاوض على شروط تحمي سيادتها وتضمن شراكات عادلة، ويكمن السر في التعامل مع البريكس كشريك، وليس كمنقذ، والاستفادة من هذه العلاقات لتعزيز المصالح. ومع مضاعفة إدارة الرئيس ترامب معارضتها للبريكس، تقف الدول الإفريقية عند مفترق طرق. ويُتيح التوجه نحو البريكس مسارًا لتنويع الشراكات الاقتصادية والسياسية، وتأكيد السيادة، وإصلاح الحوكمة العالمية، والسعي لتحقيق أهداف التنمية المشتركة. ورغم وجود تحديات مثل التبعية وتماسك الكتلة، إلا أنه يُمكن إدارتها من خلال استراتيجية دقيقة ([20]).
المحور الرابع
البريكس .. كشف حساب حتى قمة 2025
بعد سنوات من الأهمية المتزايدة، يبدو أن المجموعة تكافح للحفاظ على زخمها المستقبلي. وبينما تواجه عضويتها تناقضاتها الداخلية ونظامًا دوليًا متزايد التقلب، قد تكون هناك حاجة إلى إعادة ضبط جذرية للعودة إلى الأساسيات. في السنوات الأخيرة، شهدت البريكس انتعاشًا. في عام 2022، عززت حرب أوكرانيا والشكوى من الحوكمة العالمية ومؤسسات التمويل الاهتمام بمراكز قوى بديلة.
وقد تمحورت فائدة المجموعة لأعضائها الخمسة الأساسيين حول المصالح المشتركة والتعاون فيما بين بلدان الجنوب والأممية التقدمية. عززت الأحداث العالمية جاذبية النادي، حيث تكافح الدول حول العالم لتطبيق استراتيجياتها التحوطية الجيوسياسية، والتي تجلّت، من خلال سلوكيات التعددية وعدم الانحياز النشطة. وتجلى ذلك في قمة جوهانسبرغ عام ٢٠٢٣، التي أدت بشكل غير متوقع إلى توسع المجموعة. وفي قمة قازان ٢٠٢٤، سمح نموذج “الدولة الشريكة” الجديد لعشر دول أخرى بالمشاركة في القمم السنوية، مع تأثير محدود على الإعلانات والنتائج.
أصبحت المجموعة منصة حيوية لإعادة التوازن الجيوسياسي. فمثلا أدت قمة قازان إلى انفراج استراتيجي كبير في العلاقات الهندية الصينية عقب أول اجتماع ثنائي رسمي بينهما منذ أكثر من خمس سنوات.
وعلى الرغم من هذا الزخم، تزايدت المخاوف بشأن استمرار أهمية البريكس في تشكيل النظام الدولي. ويعود ذلك أساسًا إلى تضخم جدول أعمالها، والتناقضات الداخلية، وافتقارها إلى أساس معياري متين. يبدو أن قمة هذا العام قد قلصت من فرص المجموعة بشكل أكبر. فقد غاب اثنان من رؤساء دول الأعضاء الخمسة الأساسيين شخصيًا. ويُعتقد أن غياب الرئيس الصيني بسبب “تضارب في المواعيد” يشير إلى انشغال بكين بالأولويات المحلية، في ظل مواجهتها ضغوطًا اقتصادية متزايدة. وكانت هذه هي المرة الأولى التي يغيب فيها (سواءً افتراضيًا أو شخصيًا) منذ توليه منصبه قبل أكثر من عقد.وشارك الرئيس الروسي عبر الإنترنت، بسبب مذكرة التوقيف الصادرة بحقه من المحكمة الجنائية الدولية.
كما غاب رؤساء مصر وإيران والإمارات، الذين أرسلوا ممثلين. وبدا عضوان أساسيان آخران، وهما جنوب إفريقيا والبرازيل، منشغلين بالتحضيرات لاستضافة قمم متعددة الأطراف أخرى قادمة: قمة قادة مجموعة العشرين في جوهانسبرغ ومؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ في بيليم. فضلا عن عدم انضمام المملكة السعودية.
وتُفاقم الضغوط الخارجية هذه التحديات. فقد حذرت إدارة ترامب المجموعة من أي مبادرات تهدف إلى إزاحة الولايات المتحدة عن هيمنتها. وكان ترامب قد هدد سابقًا بأن أي تحركات لاستبدال الدولار بعملة احتياطية ستُصاحبها رسوم جمركية بنسبة 100%، مما أجبر أعضاء البريكس على اتباع نهج أكثر حذرًا. وكان دعم البريكس لإلغاء الدولرة، على رأس جدول أعمال المجموعة، إلا أن الخلاف الداخلي حول تحقيق ذلك يكشف عن تصدعات داخلية.
ونظرًا للعلاقات المتوترة بين اثنين من أعضائها المؤسسين الرئيسيين، الهند والصين، يبدو من غير المرجح أن تتمكن المجموعة من التحدث بصوت واحد أو تقديم نقد موثوق لنظام الحوكمة العالمية الحالي. إضافةً إلى ذلك، تسعى الصين إلى الترويج لنموذجها الخاص والذي لا يُعدّ أكثر ديمقراطية من النظام المعمول به حاليًا.
وعلى الرغم من كل عيوبها، تظل البريكس في وضع فريد لتمثيل الحقائق العالمية. إن تنوعها، وتعاونها غير الأيديولوجي، وثقلها الاقتصادي المتنامي، يسمح بالتنسيق بين دول لا تتفق دائمًا، لكنها تشترك في مصالح مشتركة (وليس قيم). تُقدم البريكس منصةً عمليةً واستراتيجيةً، لا تخضع لقيود البيروقراطية التي تفرضها هيئات متعددة الأطراف أخرى. في حين أن إضفاء الطابع المؤسسي التدريجي عليها يُعدّ إيجابيًا في المجمل، إلا أنه لن يُحدث فرقًا في البيئة العالمية السائدة([21]).
المحور الخامس
البريكس بعد قمة 2025 المكاسب المحتملة ونقاط الضعف على المدى الطويل
أولًا: المكاسب المحتملة
1-مكاسب التجارة بين دول البريكس: في ظل الضغوط الغربية، من المرجح أن تُكثّف دول البريكس التجارة بين دول الكتلة. ويُبرز هذا الزخم تعهد الهند والبرازيل الثلاثي بمضاعفة التجارة ثلاث مرات، وعلاقات إندونيسيا في مجالات السكك الحديدية والزراعة والصناعة.
2- تخفيف مخاطر الدولار وأنظمة الدفع: تُقلل الجهود المبذولة في إطار جسر البريكس وتسويات العملات المحلية من الاعتماد على الدولار، مما يُنشئ مراكز مقاصة إقليمية ويتجاوز مسارات الأنظمة المالية الغربية.
3- تنويع سلسلة التوريد: قد تُحوّل الاقتصادات الناشئة سلاسل التوريد بعيدًا عن الولايات المتحدة نحو شركاء داخل الكتلة. وقد تُسرّع الرسوم الجمركية الأمريكية الاستثمار في:
- جنوب آسيا وجنوب شرق آسيا (فيتنام، إندونيسيا).
- أفريقيا والشرق الأوسط (جنوب أفريقيا، مصر، الامارات).
- أمريكا اللاتينية (البرازيل).
ثانيًا: نقاط الضعف على المدى الطويل
- قد تواجه دول البريكس ارتفاعًا في تكاليف المدخلات (المعادن والأدوية)، مما يؤدي إلى تباطؤ الاستثمار.
- في حال عدم إبرام أي اتفاقيات ثنائية، تُطبق تعريفات جمركية أساسية بنسبة 10% على جميع دول البريكس. وفي حال عدم وجود اتفاقيات فعّالة بين الولايات المتحدة والبريكس/الشركاء، فقد يؤدي ذلك إلى تحولات في سلاسل التوريد وتسييس التجارة.
- قد يعتمد التكتل على بروتوكولات تجارية أكثر تفضيلية.
- سلاسل التوريد المزدوجة: تتحوط الشركات بين شبكات الإنتاج المتحالفة مع الولايات المتحدة وشبكات الإنتاج المتحالفة مع بريكس.
- تحول العملة: استبدال تدريجي للدولار بالرنمينبي، والروبية، والريال، والراند، والريال في التجارة الثنائية. ([22])
خاتمة:
مع استعداد الهند لتولي رئاسة مجموعة البريكس عام ٢٠٢٦، سيعتمد توجه الكتلة جزئيًا على أولويات نيودلهي. أما بالنسبة للبرازيل، فقد أتاحت قمة ٢٠٢٥ منصةً لرفع صوتها الدبلوماسي، وتعزيز مساعيها لإصلاح الحوكمة العالمية، ومواصلة ترسيخ مكانتها كقائدة براغماتية بين القوى الناشئة.
ومن غير المرجح أن تُحدث مجموعة البريكس تغييرًا جيوسياسيًا جذريًا بين عشية وضحاها، لكنها تظل منصةً تُجرى فيها مفاوضاتٌ هادئة حول مستقبل الدبلوماسية العالمية. سيكون اختبار البريكس هو مدى قدرتها على الانتقال من التصريحات إلى العمل الملموس، ومدى قدرة المجموعة على إدارة تناقضاتها الداخلية لبناء كيانٍ أكبر من مجموع أجزائها.
ولا يُقدّم الانضمام إلى نادي الاقتصادات الناشئة سوى فائدة اقتصادية محدودة لأفريقيا. لكنه يسمح لها بتنويع تحالفاتها، وقد يُساعدها، بجرعة من الواقعية، على استغلال الكتلتين المتنافستين الكبيرتين للحصول على شروط أفضل.
وبخصوص التجارة من المتوقع بيئة تجارية عالمية تتسم بطبقات مزدوجة، وسياسة حافة الهاوية الجمركية على المستوى الوطني، وتكامل طويل الأمد بين الكتل من خلال أدوات دول الجنوب العالمي.
……………………………….
[1] ) https://brics.br/en/news/brics-summit-signs-historic-commitment-in-rio-for-more-inclusive-and-sustainable-governance
[2] ) Valentina Sader and Ignacio Albe, what really came out of this year’s BRICS summit?.at: https://www.atlanticcouncil.org/blogs/new-atlanticist/what-really-came-out-of-this-years-brics-summit/
[3] ) https://brics.br/en
[4] ) https://brics.br/en/news/brics-summit-signs-historic-commitment-in-rio-for-more-inclusive-and-sustainable-governance
[5] ) https://brics.br/en
[6] ) https://brics.br/en/news/brics-summit-signs-historic-commitment-in-rio-for-more-inclusive-and-sustainable-governance
[7] ) https://brics.br/en
[8] ) Idem.
[9] ) https://brics.br/en/news/brics-summit-signs-historic-commitment-in-rio-for-more-inclusive-and-sustainable-governance
[10] ) https://brics.br/en
[11] ) https://brics.br/en/news/brics-summit-signs-historic-commitment-in-rio-for-more-inclusive-and-sustainable-governance
[12] ) https://brics.br/en/news/brics-summit-signs-historic-commitment-in-rio-for-more-inclusive-and-sustainable-governance
[13] ) https://www.tradeimex.in/blogs/brics-summit-2025-global-trade-flows-tariff-threats-agreements
[14] ) https://brics.br/en
[15] ) Kungu Al-Mahadi Adam, Why African Nations Should Lean Towards BRICS. April 18, 2025.at: https://infobrics.org/en/post/43957/
[16] ) Kungu Al-Mahadi Adam, Op.cit.
[17] ) Thaïs Brouck, what does Africa really stand to gain by joining BRICS? July 5, 2025.at: https://www.theafricareport.com/387305/what-does-africa-really-stand-to-gain-by-joining-brics/
[18] ) agoa, China announces zero-tariff access for African countries, boosting trade opportunities. 17 June 2025. at: https://agoa.info/news/article/16578-china-announces-zero-tariff-access-for-african-countries-boosting-trade-opportunities.html
[19] (Nicholas Mwangi, BRICS Summit 2025: Big opportunities for Africa on reform and Global South solidarity. July 11, 2025.at: https://peoplesdispatch.org/2025/07/11/brics-summit-2025-big-opportunities-for-africa-on-reform-and-global-south-solidarity/
[20] ) Kungu Al-Mahadi Adam, Op.cit.
[21] ) Ronak Gopaldas and Priyal Singh. BRICS Summit 2025: will slow and steady actually win the race?. 9 July 2025.at: https://issafrica.org/iss-today/brics-summit-2025-will-slow-and-steady-actually-win-the-race
[22] ) https://www.tradeimex.in/blogs/brics-summit-2025-global-trade-flows-tariff-threats-agreements