نشرت مؤسسة العلوم والسياسة الألمانية (SWP) مقالاً للرأي بقلم د. جيريت كورتس/Dr. Gerrit Kurtz، باحث مشارك في قسم أبحاث إفريقيا والشرق الأوسط بالمؤسسة، سلَّط الضوء على أن الصراعات تتصاعد مجددًا في كلٍّ من إثيوبيا وجنوب السودان. ولمنع المزيد من الامتداد الإقليمي لمشهد الصراع، يتعيَّن على أوروبا دعم الدبلوماسية رفيعة المستوى للحد من العنف المتنامي في المنطقة.
بقلم: د. جيريت كورتس
ترجمة: شيرين ماهر
عمليتان للسلام في منطقة القرن الإفريقي مُعرّضتان لخطرٍ داهمٍ؛ صراعات السلطة المحلية في جنوب السودان ومنطقة تيغراي الإثيوبية تُنذر بالتصعيد، وقد تتحوّل إلى أزمات إقليمية.
وفي جنوب السودان، يحتدم صراع على السلطة حول مَن سيخلف الرئيس “سلفا كير”، البالغ من العمر 73 عامًا، كما حدث في بداية الحرب الأهلية الأخيرة عام 2013م. يُرشّح “كير” بالفعل صهره خلَفًا مُحتملًا له. في الوقت نفسه، تُثير الاشتباكات بين ميليشيا النوير، الجيش الأبيض، وجيش جنوب السودان في منطقة أعالي النيل اضطرابات بعد إسقاط مروحية تابعة للأمم المتحدة ومقتل جنرال رفيع المستوى.
قاتَل الجيش الأبيض -إلى جانب جماعة التمرد الرئيسية-، جيش تحرير شعب السودان (حركة المعارضة)، تحت قيادة نائب الرئيس الأول الحالي “ريك مشار”، خلال الحرب الأهلية من عام 2013 إلى عام 2018م. كما تتصاعد التوترات بين “كير” و”مشار” مرة أخرى، وهي تجربة خطيرة تتكرَّر في البلاد، التي بالكاد تلمست طرف السلام بعد عقود من الصراع.
إثيوبيا: الانقسام داخل جبهة تحرير شعب تيغراي والتوترات المتزايدة مع إريتريا
في إثيوبيا، يُهدّد الصراع المحلي على السلطة في منطقة تيغراي بالتصعيد إلى أزمة إقليمية بين الحكومة الفيدرالية في أديس أبابا وإريتريا. جبهة تحرير شعب تيغراي (TPLF)، التي كانت الحزب الحاكم في إثيوبيا سابقًا، وكانت مُعارِضة للحكومة الإثيوبية خلال الحرب بين عامي 2020 و2022م، منقسمة إلى: فصيل بقيادة الرئيس “ديبريتسيون جبريمايكل” يعارضه فصيل إصلاحي بقيادة رئيس الإدارة الانتقالية في تيغراي، “غيتاتشو رضا”.
يحظى فصيل “ديبريتسيون” بدعم قطاعات كبيرة من جيش تيغراي، ويسيطر منذ أشهر على الهياكل الإدارية المحلية، بالقوة أحيانًا. كما سيطر الآن على وسائل الإعلام وأجزاء من الإدارة في عاصمة الإقليم، ميكيلي. وهناك مزاعم بأن فصيل “ديبريتسيون” من جبهة تحرير شعب تيغراي يتمتع بعلاقات جيدة مع إريتريا، بينما يعتمد “غيتاتشو” على رئيس الوزراء الإثيوبي “آبي أحمد”.
وقد شهدت العلاقات الثنائية بين إثيوبيا وإريتريا فتورًا ملحوظًا منذ اتفاقية بريتوريا، التي أنهت الحرب بين جبهة تحرير شعب تيغراي والحكومة عام ٢٠٢٢م. ويُتَّهم كلا البلدين بدَعْم مُعارضي النظام في البلد الآخر.
ونظرًا لتصاعُد حدة التوترات، يُنذِر مشهد الصراع بأن يُصبح إقليميًّا. وقد نشرت أوغندا بالفعل قوات لدعم حكومة جنوب السودان، كما فعلت عام ٢٠١٣م. كما تتدخل جهات سودانية فاعلة، مثلما حدث في صراعات سابقة.
جدير بالذكر أنه خلال عطلة نهاية الأسبوع، خاضت ميليشيات قوات الدعم السريع في جنوب السودان معارك ضد وحدات من جيش تحرير شعب السودان/ حركة مشار التي كانت على ما يبدو في طريقها لاستلام أسلحة من الجيش السوداني.
فشل اتفاقيات السلام: غياب الوساطة الدولية
الأحداث الراهنة تشير إلى أن التصعيدات الحالية ليست محض مصادفة؛ إذ لم تُنفَّذ الاتفاقات المتعلقة بإنهاء الحروب الأهلية في جنوب السودان وإثيوبيا إلا على نطاق محدود. وأصبح تخلُّف الحكومتين الأحادية عن التزاماتهما أمرًا واقعًا. وقد عمد “كير” إلى استبدال أعضاء مجلس الوزراء بوتيرة متزايدة، وألقى القبض على كبار جنرالات جيش تحرير شعب السودان/ حركة مجاهدي المعارضة.
وفي إثيوبيا، فشلت إلى حد كبير التدابير الرئيسية لاتفاق بريتوريا، مثل تسريح الميليشيات وانسحاب القوات الإريترية والأمهرية من تيغراي.
هكذا يتزايد تشتُّت المشاركة الدولية في المنطقة، وكذلك دول المنطقة نفسها؛ إذ تفتقر إثيوبيا إلى ضامنين موثوقين لعملية السلام. كما لم تشارك سوى دولتين على المستوى الرئاسي في القمة الخاصة الأخيرة للهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيغاد) بشأن جنوب السودان. وبينما كانت الولايات المتحدة في السابق أهم شريك دولي للسلام في المنطقة، أصبحت دول مثل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وتركيا مؤثرة الآن، لكنها تميل إلى دعم أطراف معينة بدلاً من التوسط في النزاعات الداخلية.
في ظل تصاعُد الوضع؛ حان وقت تبنّي دبلوماسية استباقية رفيعة المستوى. ويمكن لنهج دولي مُنسَّق احتواء هذا التصعيد. ومن الممكن تقسيم المسؤوليات بشكل غير رسمي؛ إذ يمكن لدول مؤثرة مثل تركيا أو المملكة العربية السعودية تهدئة التوترات على المستوى الحكومي الدولي، بينما تدعم الجهات الأوروبية الفاعلة الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيغاد) والاتحاد الإفريقي في عمليات الوساطة المحلية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رابط التقرير: