الأفكار العامة:
– توجيه الرئيس ترامب دعوة إلى قادة خمس دول إفريقية لزيارة البيت الأبيض.
– القمة المُصغَّرة الأولى بين الولايات المتحدة وإفريقيا في عهد ترامب تُركّز على الفرص الاقتصادية والأمن الإقليمي وقطاع التعدين.
– الإدارة الأمريكية الجديدة تعتمد نَهْج الشراكات التجارية “المربحة للطرفين”، بدلًا من تقديم مساعدات التنمية التقليدية.
– تُثار تساؤلات حول دوافع اختيار الدول الخمس المدعوة، والتي لا تتمتع، باستثناء السنغال، بثِقَل سياسي أو اقتصادي مُؤثِّر على الساحة الدولية.
– هيمنة الصين على مناجم النحاس والكوبالت في الكونغو الديمقراطية وزامبيا وزيمبابوي، تدفع واشنطن نحو استهداف الثروات المعدنية غير المستغلة في إفريقيا؛ لتقليل اعتمادها على الخصوم، وتعزيز أمنها الإستراتيجي.
– تأكيد الدول الأربع على ضرورة تعزيز الأمن الاقتصادي والمرونة الصناعية عبر تقليص الاعتماد على مورد عالمي واحد.
بقلم: موسى ديوب
ترجمة: سيدي.م. ويدراوغو
في مبادرة إفريقية غير مسبوقة؛ يستعدّ دونالد ترامب لاستقبال خمسة رؤساء دول إفريقية في الفترة من 9 إلى 11 يوليو. ورغم أن قائمة الدول المدعوَّة قد تبدو مفاجئة للوهلة الأولى، إلا أن تحليلًا أعمق يكشف عن منطق واضح وراء هذا الاختيار.
سيستضيف الرئيس الأمريكي كلًّا من جوزيف بواكاي (ليبيريا)، باشيرو ديوماي فاي (السنغال)، محمد ولد الشيخ الغزواني (موريتانيا)، بريس كلوتير أوليغي نغيما (الغابون)، وأومارو سيسوكو إمبالو (غينيا بيساو)، في لقاء ثنائي يختلف عن القمم متعددة الأطراف التقليدية.
وأفادت وكالتا “أفريكا إنتليجنس” و”رويترز” بأن البيت الأبيض لم يُؤكِّد بعدُ رسميًّا هذه القمة، لكنَّه من المتوقع أن يشارك القادة الأفارقة المدعوون في مأدبة غداء رسمية مع الرئيس ترامب في 9 يوليو الجاري، تتبعها جلسات نقاش تستمر لمدة ثلاثة أيام.
وتُعدّ هذه القمة “أول مبادرة إفريقية” في الولاية الثانية لترامب، ما يُشير إلى تحوُّل ملحوظ في توجُّه إدارته نحو القارة. ويبرز ذلك من خلال الدور الأمريكي في التوسط باتفاق السلام بين الكونغو الديمقراطية ورواندا، الذي تم توقيعه في واشنطن في 27 يونيو.
وتُركِّز القمة المُصغَّرة على الفرص الاقتصادية، خصوصًا في مجالات المعادن الحيوية التي تَهُمّ الصناعات الأمريكية، إضافةً إلى بحث التحديات الأمنية الإقليمية والتعاون في هذا المجال.
تعتمد إدارة ترامب الجديدة، بعد وقف مساعدات التنمية الرسمية، على شراكات تجارية تقوم على مبدأ “الربح المتبادل”.
ونقلت وكالة “رويترز” عن مسؤول في البيت الأبيض قوله: إن “الدول الإفريقية تُوفّر فرصًا تجارية واعدة تفيد كلًّا من الشعب الأمريكي وشركائنا في إفريقيا”.
وفقًا للتوجه الجديد؛ فإن القادة الأفارقة المدعوين إلى واشنطن مدعوون لفهم أن عهد المساعدات قد انتهى، وأن المرحلة القادمة تتمحور حول المصالح الاقتصادية المباشرة.
وفي مقدّمة هذه المصالح: الوصول إلى الموارد المعدنية الإستراتيجية التي تزخر بها إفريقيا، مثل الليثيوم والكوبالت والمنجنيز والمعادن الأرضية النادرة، وهي عناصر أساسية لسلاسل التوريد الأمريكية، خاصةً في قطاع التكنولوجيا والطاقة النظيفة.
يبقى السؤال مطروحًا: لماذا وقع الاختيار على هذه الدول الخمس تحديدًا؟
فباستثناء السنغال ذات الثِّقل الدبلوماسي، لا تتمتع الدول الأخرى بنفوذ اقتصادي أو سياسي بارز عالميًّا. ومع ذلك، يبدو أن هذا الاختيار لم يكن عشوائيًّا بل يبدو مدروسًا بعناية.
بشكل عام، تتقاسم الدول الخمس ميزة إستراتيجية أساسية: وفرة الموارد المعدنية الحيوية، التي أصبحت بمثابة “العصب الجديد” في الصراعات الجيوسياسية والاقتصادية.
ليبيريا: تزخر بثروات مثل الحديد، الذهب، الماس، البلاتين، اليورانيوم، النيوبيوم، النيكل، الكوبالت، القصدير، الرصاص، المنغنيز، البوكسيت، والرمال المعدنية الثقيلة (كالروتيل والليمينيت).
موريتانيا: تضم موارد إستراتيجية كبرى مثل الحديد، الذهب، اليورانيوم، النحاس، الفوسفات، الكوبالت، الجرافيت، الزنك، البلاتين، الكروم، النيكل، والفاناديوم، إلى جانب الأتربة النادرة والزركون.
السنغال: باطن أرضها غنيّ بالذهب، الحديد، الزركون، التيتانيوم، الفوسفات، النحاس، النيكل، اليورانيوم، الليثيوم، القصدير، والمعادن الثقيلة مثل الإلمينيت والروتيل.
الغابون: تُعدّ ثاني أكبر مُنتِج للمنجنيز في العالم مع 4.6 مليون طن متري في عام 2024م، وتملك خامس أكبر احتياطي عالمي. هذا إلى جانب الذهب، اليورانيوم، الحديد، الزنك، الفوسفات، النيوبيوم، البوتاس، والأتربة النادرة.
غينيا بيساو: تحتوي على احتياطات من الذهب، الفوسفات، البوكسيت، والماس.
هذه الثروات تجعل من الدول الخمس شراكة اقتصادية واعدة، وهدفًا محوريًّا في الإستراتيجية الأمريكية الجديدة تجاه القارة.
الخلاصة هي أن اختيار الدول الخمس للقمة المصغَّرة ليس عشوائيًّا، بل مرتبط بثرواتها المعدنية الكبيرة غير المستغلة بعدُ، ما يُشكِّل فرصة إستراتيجية للولايات المتحدة التي تسعى لفكّ اعتمادها على الصين في المعادن الإستراتيجية والنادرة؛ حيث تسيطر الصين على مناجم إستراتيجية في الكونغو الديمقراطية وزامبيا وزيمبابوي، ما يجعل الثروات المعدنية غير المستغلة في دول أخرى هدفًا مباشرًا للولايات المتحدة.
وفي توقيت لافت، أطلقت واشنطن إلى جانب اليابان والهند وأستراليا، ضمن إطار “الحوار الأمني الرباعي”، مبادرة “المعادن الحرجة” في 1 يوليو 2025م، بهدف تأمين وتنويع مصادر المعادن النادرة.
وشدَّدت الدول الأربع على ضرورة “تعزيز الأمن الاقتصادي الجماعي والمرونة الصناعية”، وتقليل الاعتماد على مورد عالمي وحيد –في إشارة غير مباشرة إلى الصين–؛ لتعزيز أمنها الاقتصادي والمرونة الصناعية.
أكثر من 70% من المعادن النادرة في العالم تُكرَّر حاليًّا في الصين، ما يجعل قطاعات صناعية عالمية، وخاصة الأمريكية، عُرْضَة للخطر. وقد أكَّدت بكين هذه الهيمنة عندما فَرَضت مؤخرًا حظرًا على تصدير ثلاثة معادن نادرة: الغاليوم، الجرمانيوم، والأنتيمون، وهي عناصر أساسية في تصنيع أشباه الموصلات، وتكنولوجيا الأشعة تحت الحمراء، والتجهيزات العسكرية. هذا الحَظْر كان بمثابة رسالة واضحة حول مدى سيطرة الصين الإستراتيجية على سلاسل التوريد العالمية.
لا تملك الصين الموارد المعدنية فحسب، بل تسيطر أيضًا على عدد كبير من المناجم في إفريقيا، خاصةً في الكونغو الديمقراطية وزامبيا وزيمبابوي؛ حيث تستخرج معادن حيوية مثل الكوبالت، النيكل، الكولتان، النحاس، الليثيوم، والمنجنيز. ومن هذا المنطلق، تسعى الولايات المتحدة منذ فترة إلى تنويع مصادرها وتأمين سلاسل الإمداد من خلال البحث عن شركاء جدد.
ويبدو أن الإمكانات المعدنية الكبيرة لبلدان مثل السنغال، الغابون، وموريتانيا تُفسِّر اختيار واشنطن لهذه الدول تحديدًا لعقد أول قمة مصغرة مع إفريقيا. لكنْ من الجدير بالذكر أن بعض هذه البلدان بدأت بالفعل في تطوير سياسات لتحويل مواردها محليًّا، كما هو الحال مع السنغال والغابون. وهو ما يَفرض على واشنطن تبنّي مقاربة جديدة تقوم على شراكات عادلة ومربحة للطرفين.
الهجرة غير الشرعية والأمن:
يتناول الجانب الأمني في القمة قضايا متعددة، أبرزها مكافحة الهجرة غير الشرعية، ومواجهة الإرهاب. ومن المتوقع أن تحظى مسألة الهجرة غير النظامية باهتمام خاص؛ لكونها تُمثِّل محورًا أساسيًّا في سياسة دونالد ترامب.
الدول الإفريقية الخمس المدعوة إلى البيت الأبيض تُعدّ من بين البلدان التي تضمّ أعدادًا كبيرة من المهاجرين غير الشرعيين في الولايات المتحدة، والمُهدَّدين بالترحيل. موريتانيا تأتي في المرتبة الثانية إفريقيا من حيث عدد مواطنيها غير النظاميين، بواقع 3822 شخصًا، من أصل 41886 إفريقيًّا مُهدَّدين بالترحيل، إلى جانب 1689 من السنغال، و1563 من ليبيريا، و48 من غينيا بيساو.
من المرجَّح أن تتركَّز المباحثات على حثّ الدول الخمس على قبول عودة مواطنيها المُرحَّلين، لتجنُّب إدراجها ضمن قائمة “حظر السفر”. فالغابون وموريتانيا والسنغال وليبيريا مُدْرَجَة حاليًّا في القائمة الأخيرة للبلدان المُهدَّدة بقيود على السفر، ولديها مهلة 60 يومًا للاستجابة لمطالب واشنطن.
سيتطرق النقاش أيضًا إلى الأمن البحري في خليج غينيا؛ لمواجهة القرصنة وضمان سلامة النقل البحري وتأمين سلاسل الإمداد.
أما في منطقة الساحل، فقد بدأت إدارة ترامب الثانية بإظهار رغبة في العودة للانخراط، بعد انسحابها في ولايته الأولى، وهو ما أفسح المجال للنفوذ الروسي. وقد لُوحِظ مؤخرًا بوادر تقارب مع دول تحالف الساحل (مالي، النيجر، بوركينا فاسو) التي تعاني من تهديدات إرهابية، لكنَّها غنية بموارد إستراتيجية مثل الليثيوم واليورانيوم والنفط.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رابط المقال: