الأفكار العامة:
– اندلاع مظاهرات شعبية في دولة توغو؛ احتجاجًا على دخول البلاد في جمهورية خامسة بنظام برلماني وفقًا للدستور الجديد.
– مواجهة قوات الأمن، بدعم من مسلحين بملابس مدنية، للمتظاهرين بالقمع واعتقال العشرات.
– اعتقال الفنان التوغولي “عمرون” واحتجازه في مركز للجوء أثار موجة غضب عارمة داخل البلاد.
– عودة هدوء حذر في العاصمة بعد ثلاثة أيام من المواجهات، فيما أكد مُنظِّمو الحراك استمرارهم حتى رحيل الرئيس فور غناسينغبي.
– نددت منظمات حقوق الإنسان بـ”القمع العشوائي” الذي أدَّى إلى سقوط ضحايا وجرحى.
– وصفت الحكومة الاحتجاجات بأنها غير قانونية، وهدَّدت بتطبيق القانون بـ”صرامة” ضد المشاركين.
– وصفت المعارضة المسلحين بملابس مدنية بـ”الميليشيات”، بينما تعتبرهم السلطات بمثابة “قوات دفاع ذاتي” لحماية الأحياء من أعمال الشغب.
المصدر: بي بي سي أفريك
ترجمة: سيدي.م. ويدراوغو
سيدة مُسنَّة في السبعينيات من عُمرها وقفت باكيةً أمام إذاعة محلية في “لومي”، تناشد السلطات والمجتمع لإنقاذ حفيدها، الذي اختطفه رجال يرتدون الزي العسكري في حي “ديكون” الشعبي بالعاصمة التوغولية.
بدا عليها اليأس والانهيار، وهي تروي تفاصيل المأساة التي عاشتها في منزلها؛ حيث كانت تقضي وقتًا هادئًا مع ابنتها وحفيدها، قبل أن تُعكّر صفو اللحظة أصوات انفجارات الغاز المسيل للدموع في الحي.
قالت -والدموع لا تزال تنهمر من عينيها-: “دخلوا إلى المنزل، دفعوني، وسقطت على الأرض. ضربوني وضربوا ابنتي، ثم خطفوا حفيدي، وغادروا”.
وتابعت “رموني في سيارتهم الجيب. حاولت اللحاق بهم لمعرفة إلى أين يأخذونه، لكنهم أوصلوني إلى مركز الدرك في ديكون، وهناك طلبوا مني العودة في الساعة الثالثة مساءً. كنا فقط في المنزل، لا نشارك في أيّ مظاهرات”.
المأساة لم تكن فردية؛ إذ شهدت أحياء عديدة في لومي احتجاجات في 26 و27 و28 يونيو، خلَّفت مشاهد وصفها سكانها بـ”المروعة”.
سيلفان (اسم مستعار حفاظًا على هويته)، ربّ أسرة من نفس المنطقة، قال: إنه كاد يفقد ابنه البالغ من العمر 6 سنوات حين اقتحم رجال بزي عسكري منزله، وأطلقوا قنابل غاز مسيل للدموع داخل غرفة نوم الطفل.
وأضاف “لحُسن الحظ أنهم غادروا فورًا بعد إطلاق الغاز. كان ابني يختنق، أخرجناه بسرعة. أنا شخصيًّا بدأت أتقيأ دمًا وفقدت الوعي. زوجتي هي مَن روت لي ما حدث بعد ذلك”.
ثلاثة أيام من مشاهد حرب العصابات الحضرية في لومي:
ثلاثة أيام من مشاهد أشبه بحرب عصابات حضرية شهدتها العاصمة التوغولية لومي، قبل أن يعود إليها الهدوء تدريجيًّا. فبين 26 و28 يونيو 2025م، واجهت المدينة احتجاجات عنيفة قُمِعَتْ بقوةٍ مِن قِبَل قوات الأمن، بمساندة رجال بملابس مدنية كانوا على متن مركبات دون لوحات.
الشرارة انطلقت من دعوات أطلقها فنانون ومُدوّنون توغوليون في الشتات، بعد تظاهرات شهدتها البلاد مطلع يونيو الماضي. أبرز هذه الشخصيات كان الفنان “عمرون” (تشالا إيسوي نارسيس)، الذي دعا إلى التظاهر يوم 6 يونيو. لكن في 26 مايو، اقتحم حوالي 50 من رجال الدرك منزله واعتقلوه بتهمة “إهانة رئيس الجمهورية فور غناسينغبي”، الذي انتقده عمرون بسبب بقائه في السلطة لأكثر من 20 عامًا.
السلطات برّرت اعتقاله بأنه نتيجة “نوبة جنون”، وهو ما رفضته والدته قائلة عبر تيك توك: “ابني سليم ولا يعاني من أي مرض”. وقد تم نقله إلى مركز احتجاز في أنهيو شرق لومي، ما أثار موجة غضب عارمة ودفع فنانين آخرين إلى الحشد والتعبئة.
ورغم قمع مظاهرات 6 يونيو واعتقال عدد من المشاركين؛ إلا أنه لم تخمد الاحتجاجات. وبعد أسبوع من اعتقاله، ظهر عمرون في فيديو يعتذر فيه من الرئيس، ويتحدث عن “اكتئاب حاد” كان وراء سلوكه. وقد أُفرج عنه يوم 21 يونيو 2025م.
لكنّ الحراك الشعبي استمر؛ حيث أكَّد الفنان زاغا بامبو، أحد مُنظِّمي التظاهرات على وسائل التواصل الاجتماعي، بالقول: “سنواصل الاحتجاجات حتى استقالة فور غناسينغبي”.
حصيلة مرتفعة وفقًا لمنظمات حقوق الإنسان:
ندَّدت منظمات حقوق الإنسان بما وصفته بـ”القمع العشوائي” الذي طال المحتجين وحتى المواطنين الذين كانوا في منازلهم. واعتبرت حركة “لا تلمس دستوري”، أن هذا القمع “مُنظّم بهدف بثّ الرعب في نفوس الشعب التوغولي”.
وأفادت منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان بمقتل سبعة أشخاص، بينهم خمس جثث عُثر عليها في بحيرات لومي. وأصدرت جبهة الدفاع عن دستور 1992م بيانًا تحدثت فيه عن “عشرات الجرحى، بينهم اثنان في حالة حرجة، وأكثر من عشرين حالة اعتقال يوم الخميس 26 يونيو، واستخدام مدرعات ضد متظاهرين سلميين، بالإضافة إلى وجود ميليشيات مسلحة، بعضها مكشوف الوجه والبعض الآخر مُلثّم، تعمل إلى جانب قوات الأمن”.
من جانبه، طالب البروفيسور ديفيد دوسيه، المتحدث باسم جبهة المواطن التوغولي، الحكومة بـ”تحمُّل مسؤولياتها ووضع حدّ لهذا العنف”، مؤكدًا “كان هناك قتلى وجرحى. على الحكومة أن تُدرك خطورة الوضع”.
كما دعت جهات قانونية إلى فتح تحقيقات جدية في الوفيات، مشيرة إلى أن “عددًا من الجثث تم دفنها دون إجراء تشريح”.
ووجَّهت حركة “لا تلمس دستوري”، اتهامات مباشرة إلى السلطة، قائلة: إن “نشر ميليشيات مسلحة على متن مركبات “بيك آب” جديدة بلا لوحات تسجيل، إلى جانب قوات الأمن، يُظهر نية السلطة في التهرب من مسؤوليتها المباشرة عن هذه الجرائم. بل جرى استثمار أموال عامة لتجهيز هؤلاء، ودفع أجورهم من أجل تنفيذ هذا القمع”.
في المقابل، تعتبر الحكومة هذه المجموعات “قوات دفاع ذاتي”، تسعى إلى حماية أحيائها من أعمال الشغب والاحتجاجات.
في بيانٍ صدر مساء الأحد الماضي، أكَّدت السلطات التوغولية أنها تمكَّنت من “احتواء الاحتجاجات بسرعة”، مشيرة إلى أن قوات الأمن “سيطرت على الوضع بكفاءة ومهنية”.
وأعلنت الحكومة توقيف عدد من الأشخاص، بينهم أجانب دخلوا البلاد “بشكل غير شرعي”، واتهمتهم بالولاء لجهات معارضة، مضيفةً أن النيابة العامة بدأت إجراءات قضائية بحقهم.
كما نفت السلطات أن تكون الوفيات المسجَّلة ناتجة عن قمع المظاهرات ضد نظام الرئيس فور غناسينغبي، وقالت في بيانها: “في هذا السياق، فإن العثور على جثث وانتشالها من البحيرة الرابعة في أكوديسيوا ومن بحيرة بيلي يومي 26 و28 يونيو، أدى إلى محاولات تضليل للرأي العام، لكنّ نتائج التحاليل الطبية الشرعية أكدت أن الوفيات نجمت عن الغرق”.
احتجاجات غير قانونية وفقًا للحكومة:
قبل أيام من انطلاق التظاهرات التي استمرت ثلاثة أيام، ذكَّرت الحكومة التوغولية بالقانون رقم 2011-010 الصادر في 16 مايو 2011م، والذي يُنظّم التجمعات العامة في البلاد، معتبرةً أن هذه التحركات تُشكّل “انتهاكًا صارخًا للنصوص القانونية المعمول بها”، وأن المشاركين والمنظمين والداعمين “سيخضعون للعقوبات الجنائية المنصوص عليها، والتي سيتم تنفيذها بحزم”.
وفي مداخلة عبر قناة تلفزيونية خاصة في لومي، جدَّد وزير الخدمة المدنية، جيلبير باوارا، تحذيرات الحكومة، داعيًا منظمي الاحتجاجات إلى التراجع.
وقال باوارا: “من الأفضل تجنُّب ذلك؛ لأنكم ستواجهون دولة لا تسعى إلى القمع، ولكنها تتحمل مسؤولية فرض احترام القانون”.
تغيير الدستور: زاد الوضع أكثر من اللازم
منذ 3 مايو الماضي، أصبحت توغو رسميًّا جمهورية خامسة بنظام برلماني، إثر اعتماد دستور جديد مِن قِبَل الجمعية الوطنية في 2024م.
هذا الدستور ألغى انتخاب رئيس الجمهورية بالاقتراع العام المباشر، وجعل منصبه شرفيًّا، فيما منح رئيس مجلس الوزراء جميع سلطات الدولة.
يُنتَخَب رئيس الوزراء مِن قِبَل النواب وأعضاء مجلس الشيوخ المجتمعين في الكونغرس، ويُشترط أن يكون زعيم حزب الأغلبية، وهو حاليًّا “فور غناسينغبي”، الذي يحكم البلاد منذ 20 عامًا.
المعارضة، وعلى رأسها حركة “لا تلمس دستوري”، اعتبرت هذا التغيير محاولة من غناسينغبي لتمديد حكمه. وقال ناثانيل أولمبيو، المتحدث باسم الحركة “الدستور صِيغَ لخدمة غناسينغبي، وتم تمريره دون استشارة الشعب. لن نقبل به وسنقاومه”.
فور غناسينغبي أدَّى اليمين الدستورية كرئيس لمجلس الوزراء في 2 مايو، ما يُتيح له الاستمرار في قيادة البلاد طالما ظل يتمتع بالأغلبية البرلمانية. وقد حكمت عائلته توغو منذ 58 عامًا.
إلى جانب رفض الدستور، يحتج المواطنون أيضًا على غلاء المعيشة وارتفاع أسعار الكهرباء.
احتجاجات رغم 8 سنوات من تقييد المجال المدني:
الاحتجاجات الأخيرة التي شهدتها توغو تُعيد إلى الأذهان موجة التظاهرات الكبرى التي اندلعت في عام 2017م، حين أطلق حزب الشعب الإفريقي بقيادة تيكبي أتشادام حملة معارضة ضد تعديل جديد لدستور 1992م.
تحت شعار “العودة إلى C92″، خرج آلاف المتظاهرين في 19 أغسطس 2017م في مختلف مدن البلاد، مطالبين بإعادة العمل بدستور 1992م، ورحيل الرئيس فور غناسينغبي. وقد أسفرت تلك التحركات عن تشكيل ائتلاف الأحزاب الـ14 المعروف بـ”اللجنة 14″، الذي قاد التظاهرات لاحقًا.
منذ ذلك الحين، شدَّدت السلطات التشريعات المُنظِّمة للاحتجاجات. أبرزها “القانون رقم 2011-010” المُؤرّخ في 16 مايو 2011م، الذي عُدِّل لاحقًا ليشمل المادة 9، التي تفرض قيودًا صارمة على التجمعات العامة، بما في ذلك ضرورة الحصول على إذن مسبق من وزير الإدارة الإقليمية أو المحافظ، وتحديد توقيت التظاهرات بين الساعة 11:00 صباحًا و6:00 مساءً.
وبعد مرور ثماني سنوات على احتجاجات 2017م، تعود توغو اليوم لتتصدر العناوين، مع اندلاع تظاهرات شعبية استغرقت ثلاثة أيام، لتؤكد أن الغضب الشعبي لا يزال حاضرًا، وأن المطالب بالتغيير لم تُطوَ بعد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رابط المقال: