كتبه: أندريه أكونو أولينغا
ترجمة: حسناء بهاء رشاد
باحثة دكتوراه، تخصص تاريخ حديث ومعاصر، قسم التاريخ والحضارة- كلية الآداب – جامعة سوهاج- مصر
مقدمة:
تُعدّ الشفافية المالية، والتنمية المستدامة؛ من القضايا الجوهرية في الحوكمة المحلية، وخاصةً في الدول الإفريقية الناطقة بالفرنسية الواقعة جنوب الصحراء، مثل الكاميرون والغابون وبوركينا فاسو وكوت ديفوار. فالعلاقة بين الشفافية والتنمية المستدامة وثيقة؛ حيث تُعدّ الشفافية أحد العناصر الأساسية لتحقيق التنمية المستدامة، وتعتمد فعالية هذه التنمية على الإدارة الشفافة للموارد المالية المخصَّصة لها.
علاوةً على ذلك، يتطلب تحقيق التنمية المستدامة حوكمة متعددة المستويات، وتُعدّ الحوكمة المحلية الإطار الأنسب لتنفيذ مشاريع التنمية المستدامة. وقد كان هذا هو الدافع وراء تنظيم حدث جانبي بعنوان “الشفافية والنزاهة ومكافحة الفساد: شرط أساسي لتحقيق التنمية المستدامة”، خلال منتدى الأمم المتحدة للخدمة العامة الذي عُقِدَ في مراكش، بالمغرب، في عام 2018م. وكان الهدف من هذا الحدث المُهِمّ هو التأكيد على أنه لا يمكن تحقيق تنمية مستدامة في إفريقيا دون وجود شفافية ونزاهة في الحوكمة المحلية.
ويركّز هذا البحث بشكل خاص على الشفافية المالية في الدول المعنية بالدراسة (الكاميرون، والغابون، وبوركينا فاسو، وكوت ديفوار). ولا يمكن للحوكمة العامة أن تتجاهل أو تُقلّل من أهمية التنمية المستدامة؛ نظرًا لما تحمله من دلالات عميقة في السياقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
عند تحليل الوضع، يتبين أن الحوكمة أصبحت من أبرز الديناميكيات في مجال السياسات العامة في القرن الحادي والعشرين، سواء على الصعيد العالمي أو في إفريقيا بشكل خاص. وقد تحقق ذلك رغم تنوع التحديات، مما يُفسِّر جزئيًّا مستوى التردد والمقاومة في الالتزام بفلسفتها. ولم تَعُد التنمية المستدامة مجرد مفهوم نظريّ، بل أصبحت اليوم المعيار الذي تُبنَى عليه السياسات العامة المحلية وتُنفَّذ.
وتُعدّ التنمية المستدامة من القضايا الأساسية في أجندة الحوكمة في العديد من الدول؛ حيث تثير مجموعة متنوعة من القضايا الثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والإستراتيجية والقانونية. ويهدف مفهوم التنمية المستدامة إلى تحقيق السلام ورفاهية البشرية في الحاضر والمستقبل، ويُعتبر نموذجًا إنسانيًّا يسعى لتحقيق توازن بين مصالح الأجيال المختلفة.
وقد اعتمدت أنظمة الحوكمة المحلية في إفريقيا، وخاصةً في الدول التي يتم دراستها، هذا النموذج الجديد سواء بشكل صريح أو ضمني. ومع ذلك، يجب التنويه إلى أن المالية المحلية، مثل المالية العامة، تواجه أزمة في المرونة؛ حيث تعاني إدارتها من مشكلات الفساد والاختلاس. هذه الاختلالات تَحُدّ من قدرتها على توفير التمويل اللازم لمشاريع التنمية المحلية، مما يُبرز أهمية الشفافية في الإدارة المالية المحلية. وبالتالي، يبدو أن تحقيق التنمية المستدامة في الحوكمة المحلية يعتمد بشكل كبير على تعزيز الشفافية المالية.
وتُعدّ الشفافية مطلبًا أخلاقيًّا وسياسيًّا وعلميًّا، وتكتسب أهمية خاصة عند تطبيقها على المالية العامة. فهي تُمثّل مبدأ حديثًا في إدارة المالية العامة، ناتجًا عن مفهوم الحوكمة المالية العامة الجديدة. كما تُعدّ الشفافية المالية أداة أساسية وضرورة مؤسسية؛ حيث تعتمد على إمكانية الوصول إلى المعلومات المالية والميزانية، بالإضافة إلى وضوحها وشرعيتها خلال عملية إعداد الميزانية. لذا، فهي ليست مجرد التزام إجرائي أو عنصرًا محددًا للحوكمة الرشيدة، بل تُشكّل أساسًا لنمط جديد من الحوكمة المالية العامة.
كما تُعدّ الشفافية المالية عاملًا حاسمًا في تنفيذ البرامج، بما في ذلك مشاريع وأنشطة التنمية المستدامة. وإن غياب الشفافية في إدارة المالية العامة قد يؤدي إلى اختفاء الأموال المخصصة لتمويل هذه المشاريع. ومن خلال التنفيذ الفعّال لهذه المشاريع، الذي يحقق رضا المواطنين، تُصبح الشفافية عاملاً يُعزّز ليس فقط الديمقراطية المحلية، بل أيضًا شرعية القادة السياسيين المحليين.
وعلى الرغم من وضوح العلاقة بين الشفافية المالية والتنمية المستدامة في سياق الحكم المحلي، إلا أنه يُطرَح سؤال آخر: هل تساهم الشفافية المالية بشكلٍ كافٍ في تحقيق التنمية المستدامة في الحكم المحلي بالدول المعنية؟ من خلال منهجية تجمع بين القانون وعلم الاجتماع، سيتناول هذا التحليل أولاً كيفية استقبال الشفافية والتنمية المستدامة في الحكم المحلي. بعد ذلك، سيوضح أن مساهمة الشفافية المالية في التنمية المستدامة في الحكم المحلي لا تزال غير كافية. وأخيرًا، سنقترح إستراتيجيات لتعزيز دور الشفافية المالية في تحقيق التنمية المستدامة في البلدان الإفريقية الناطقة بالفرنسية الواقعة جنوب الصحراء.
قبول الشفافية المالية والتنمية المستدامة في الحوكمة المحلية:
على الرغم من أن الشفافية المالية والتنمية المستدامة يُعتبران تطورين حديثين، إلا أنهما قد تم تضمينهما بالفعل في الإطار القانوني المحلي وضمن برامج التنمية المحلية. وقد تم الاعتراف بالشفافية المالية بشكل صريح، بينما تم قبول التنمية المستدامة بشكل ضمني.
الالتزام الواضح للحوكمة المحلية بالشفافية المالية:
لم تقتصر أنظمة الحوكمة المحلية الأربعة التي تم تحليلها على تبني المبادئ الديمقراطية للحوكمة العامة، بل اعتمدت أيضًا فلسفة جديدة في مجال الحوكمة المالية العامة. تشكل هذه الفلسفة الأساس الذي يستند إليه الأداء، وتعتبر المحرك الرئيسي لتعزيز الشفافية في إدارة الشؤون المحلية.
في الكاميرون والغابون وبوركينا فاسو وكوت ديفوار، يتم ترسيخ الشفافية بشكل رسمي وتطبيقها عمليًّا في الحوكمة المحلية. ويرتكز مبدأ الشفافية، في جوهره، على ضرورة الدقة في المحاسبة وموثوقية الأرقام. وهذا يتطلب من أنظمة المحاسبة في السلطات المحلية الالتزام بتقديم معلومات دقيقة تتماشى مع المعايير المحاسبية. ويُعتبر هذا الالتزام ضمانًا لتوفير التمويل الكافي والفعَّال لمشاريع التنمية المستدامة.
- في الكاميرون، بالإضافة إلى القانون رقم 2018/012 الذي صدر في 11 يوليو 2018م، والمتعلق بالنظام المالي للدولة والهيئات العامة الأخرى (المادة 4، الفقرة 9)، تخضع الإدارة المالية المحلية لمتطلبات الشفافية وفقًا للمرسوم رقم 2020/375 الصادر في 7 يوليو 2020م بشأن لوائح المحاسبة العامة (المادة 1، الفقرة 2). كما أن القانون رقم 2018/011 الصادر في 11 يوليو بشأن الشفافية والحوكمة الرشيدة في إدارة المالية العامة يوضح هذه المتطلبات بشكل جلي (المادة 18).
- في الجابون، يتم تنظيم الشفافية المالية من خلال القانون رقم 31/2010 الصادر في 27 أكتوبر 2010م، والمتعلق بقوانين المالية وتنفيذ الميزانية، والذي تم إلغاؤه بموجب القانون العضوي رقم 020-2014 الصادر في 21 مايو 2015م، والمتعلق بقوانين المالية، بالإضافة إلى القانون رقم 021/2014 الصادر في 30 يناير 2015م بشأن الشفافية والحوكمة الرشيدة في إدارة المالية العامة.
- في بوركينا فاسو، يتم تنظيم هذا الأمر وفقًا للقانون رقم 008-2013/AN المتعلق بقانون الشفافية في إدارة المالية العامة (المادة 1)، والقانون الأساسي رقم 73-2015/CNT الذي صدر في 6 نوفمبر 2015م بشأن قوانين المالية (المادة 1)، بالإضافة إلى المرسوم رقم 2016-598/PRES/PM/MINEFID الذي يتعلق بلوائح المحاسبة العامة.
- أما في كوت ديفوار، فتُنظّم القوانين الأساسية رقم 2014-336 الصادر في 5 يونيو 2014م بشأن قوانين المالية، ورقم 2014-337 الصادر في نفس التاريخ بشأن قانون الشفافية في إدارة المالية العامة (المادة 3)، والمرسوم رقم 2014-416 الصادر في 9 يوليو 2014م الذي يتناول اللوائح العامة للمحاسبة العامة (المادة 1).
يتضح بجلاء أن الحوكمة المحلية ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالمتطلب الأساسي للشفافية في البلدان الأربعة. في جميع هذه الحالات، تُعدّ الحوكمة المالية المحلية محور حركة إصلاحية شاملة تهدف إلى تحويل القطاع المحلي في إطار تعزيز الديمقراطية المحلية وتعزيز التنمية. ومع ذلك، على الرغم من تنوُّع المعايير المذكورة، من المهم الإشارة إلى أنها تتشارك جميعًا في عنصر مشترك: تقديس متطلب الشفافية المالية في الحوكمة المحلية كوسيلة لتحقيق تنمية مستدامة وفعّالة، حتى وإن كان ذلك ضمنيًّا في المعايير المحلية.
الإدماج الضمني للتنمية المستدامة في الحوكمة المحلية:
رغم أن إدماج التنمية المستدامة في الحوكمة المحلية يُعتبر موضوعًا حديثًا، إلا أن الجهود المبذولة لتفعيله لا تزال في مراحلها الأولية. ويظل هذا الإدماج ضمنيًّا، مما قد يُعيق فعالية السياسات المتعلقة بتعزيز التنمية المستدامة في الحوكمة المحلية في هذه الدول الأربعة.
في جوهره، يُعزَى هذا الإدماج الضمني إلى التأكيد غير المباشر على مفهوم التنمية المستدامة. بمعنى آخر، يمكن استنتاج إدماج التنمية المستدامة في المعايير المحلية للدول المعنية من بعض الأحكام التي تعكس، من حيث التفسير، واقع التنمية المستدامة.
علاوة على ذلك، ورغم غياب أي تأكيد مباشر أو صريح، يجب الإشارة إلى أن السلطات المحلية تعتمد على التشريعات الوطنية، ووفقًا لمبدأ التبعية بين الدولة والسلطات المحلية، فإن مفهوم التنمية المستدامة موجود بقوة في الحوكمة المحلية، رغم عدم وضوح ترسيخه. على سبيل المثال، تشير المواد 5، الفقرات 2 و34 و36 من القانون الكاميروني رقم 2019/024 الصادر في 24 ديسمبر 2019م بشأن القانون العام للسلطات المحلية اللامركزية، إلى تعزيز التنمية، وتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتخطيط استخدام الأراضي، والديمقراطية، والحوكمة الرشيدة على المستوى المحلي. وينطبق هذا أيضًا على القسم 1.2، الفصل 1 من العنوان 2، الذي يركز على البيئة وإدارة الموارد الطبيعية دون الإشارة بشكل مباشر إلى التنمية المستدامة.
تتجلى العلاقة بين الحوكمة المحلية والتنمية المستدامة بوضوح، رغم أنها غير مباشرة، من خلال تحليل الفقرة 1 من المادة 39، التي تنص على أن “السلطات المحلية يجب أن تؤدي مهامها وفقًا للدستور والقوانين واللوائح المعمول بها”. وتشمل هذه القوانين واللوائح أحكامًا تتعلق بالتنمية المستدامة، مثل القانون رقم 2011/008 الصادر في 6 مايو 2011م، الذي يُحدّد توجهات تخطيط استخدام الأراضي والتنمية المستدامة، والمرسوم رقم 2008/064 الصادر في 4 فبراير 2004م، الذي يحدد إجراءات إدارة الصندوق الوطني للبيئة والتنمية المستدامة. كما يتضمن ذلك القانون رقم 94-01 الصادر في 20 يناير 1994م، الذي يتعلق بالغابات والحياة البرية ومصايد الأسماك، والقانون رقم 96/12 الصادر في 5 أغسطس 1996م، المتعلق بالإدارة البيئية، بالإضافة إلى القانون رقم 2004-003 الصادر في 21 أبريل 2004م، الذي يتناول التخطيط العمراني.
في الجابون، تحدد المادتان 2 و219 من القانون رقم 001/2014، الذي صدر في 15 يونيو 2015م، والمتعلق باللامركزية، دور السلطات المحلية كجهات فاعلة بالتعاون مع الإدارة الوطنية في مجالات تخطيط استخدام الأراضي، والتنمية الاقتصادية والاجتماعية والصحية والثقافية والعلمية، بالإضافة إلى حماية البيئة. وعند تحليل هذه المجالات، نجد أنها جميعًا تسهم في تحقيق التنمية المستدامة. من المهم أيضًا أن نلاحظ أن الحكم المحلي يظل خاضعًا لمعايير الدولة، وهو ما ينطبق أيضًا على القانون رقم 002/2014 الذي صدر في 1 أغسطس 2014م والمتعلق بتوجه التنمية المستدامة.
الوضع في بوركينا فاسو وكوت ديفوار متشابه. في الحالة الأولى، تشير المادتان 2 و9، الفقرتان 1 و4، إلى أهمية تعزيز التنمية المحلية من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية. ويجب أن يتماشى هذا الإطار مع القانون رقم 2014-390 الصادر في 20 يونيو 2014م، الذي يحدد توجهات التنمية المستدامة. أما في الحالة الثانية، فإن المادة 1 من القانون رقم 2003-208 المؤرخ 7 يوليو 2003م، والمتعلق بنقل وتوزيع الصلاحيات إلى السلطات المحلية، تركز أيضًا على التنمية الاقتصادية والاجتماعية والصحية والتعليمية والعلمية.
وعلى الرغم من عدم وضوح مفهوم التنمية المستدامة في النصوص المختلفة، إلا أن العناصر المشار إليها هنا وهناك ترتبط بشكل ما بالتنمية المستدامة. علاوة على ذلك، يجب أن تتماشى الحوكمة المحلية مع التزاماتها بالإطار القانوني الوطني، بالإضافة إلى المعايير الدولية والإقليمية ودون الإقليمية. يتجلى ذلك في الميثاق الإفريقي لقِيَم ومبادئ اللامركزية والحوكمة المحلية والتنمية المحلية، الذي تم اعتماده في عام 2014م، والذي يُلْزِم السلطات المحلية بوضع خطط تنموية تتضمن متطلبات التنمية المستدامة (المادة 10، الفقرة 5). ومع ذلك، فإن الطبيعة الضمنية لهذه المعايير المحلية قد تُعيق تفعيلها، مما يُضْعِف فعاليتها المعيارية على المستوى المحلي. وهذا يعني أن الشفافية المالية لا تُسهم بشكلٍ كافٍ في تحقيق التنمية المستدامة.
دور الشفافية المالية غير المكتملة في تعزيز التنمية المستدامة في الحوكمة المحلية:
تُعدّ الشفافية المالية ركيزة أساسية لدعم التنمية المستدامة، لكنّ تأثيرها يظل محدودًا لعدة عوامل؛ من بين هذه العوامل، تبرز مشكلات الحوكمة، مثل انتشار الفساد، فضلاً عن الفجوة بين الوعي العام والتحديات المرتبطة بالتنمية المستدامة. ومع ذلك، من المهم فَهْم جوهر هذه المساهمة ومعناها قبل مناقشة عيوبها.
مساهمة وليدة:
تُعدّ الشفافية المالية مساهمة مباشرة في تحقيق التنمية المستدامة في الحوكمة المحلية؛ حيث تلعب دورًا أساسيًّا في هذا السياق. من منظور المساهمة المباشرة، تُعدّ الشفافية، سواء في معناها العام أو الخاص، شرطًا ضروريًّا لتحقيق أهداف التنمية المستدامة التي وضعتها الأمم المتحدة. يعود ذلك إلى أن الشفافية المالية تُعدّ قوة دافعة في مكافحة الفساد في إدارة السياسات العامة وتنفيذها، مما يعزز جهود التنمية المستدامة. كما أنها تُعدّ شرطًا أساسيًّا لتحقيق هذه التنمية، وترتبط بشكل خاص بالهدف السادس عشر من أهداف التنمية المستدامة، الذي يركز على السلام والعدل والمؤسسات الفعّالة. من الواضح أنه لا يمكن تحقيق وجود مؤسسات فعَّالة دون توفر الشفافية في الإجراءات، وخاصةً في إدارة الأموال المخصصة لها.
الشفافية هي ركيزة أساسية لتحقيق التنمية المستدامة، مما يبرز ارتباطها الوثيق بهذا المجال. يتجلى هذا الارتباط من خلال الفعالية الجانبية التي أُقيمت خلال منتدى الأمم المتحدة في مراكش عام 2018م، والتي كانت بعنوان “الشفافية والنزاهة ومكافحة الفساد: متطلب أساسي لتحقيق التنمية المستدامة”. وقد أتاح هذا الحدث للمشاركين فرصة لتأكيد التزام الدول الإفريقية، وخاصة الحكومات المحلية، بمعايير الحكم الرشيد ومكافحة الفساد وتعزيز الشفافية والنزاهة، كما هو موضح في العديد من البروتوكولات الإفريقية والدولية.
ومن بين هذه البروتوكولات، نجد أجندة الاتحاد الإفريقي 2063 ومواثيقها المتعلقة بمكافحة الفساد، بالإضافة إلى الإستراتيجيات التي وضعتها الدول الأعضاء لضمان عدم تأثير الفساد سلبًا على تحقيق أهداف التنمية المستدامة لعام 2030. ومن المهم الإشارة إلى أن السعي نحو الشفافية يسهم بشكل غير مباشر في حماية الأموال المخصصة لتمويل التنمية المستدامة، مما يضمن تنفيذ مشاريع التنمية بكفاءة.
كما أن الشفافية المالية من الجوانب الحيوية التي تستحق الاهتمام والدراسة. وفقًا لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد)، ويُعتبر التصدي للتدفقات المالية غير المشروعة وسيلة فعّالة لتعزيز التنمية المستدامة في الدول الإفريقية. وتشير تقديرات الأونكتاد إلى أن القارة الإفريقية تخسر حوالي 88.6 مليار دولار أمريكي سنويًّا بسبب التهرب الضريبي. وفي هذا السياق، يُبرز الأونكتاد أن تقليص هذه الظاهرة قد يُسهم في سدّ نصف الفجوة التمويلية المطلوبة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة في إفريقيا، والتي تُقدَّر بحوالي 200 مليار دولار أمريكي سنويًّا.
في الكاميرون والغابون وبوركينا فاسو وكوت ديفوار، لم يَعُد هناك نقاش حول أهمية الشفافية المالية في تعزيز التنمية المستدامة في مجال الحوكمة المحلية. فإلى جانب كونها معيارًا مستقلًا، تلعب الشفافية المالية دورًا مباشرًا وغير مباشر في تحقيق التنمية المستدامة. لذلك، ينبغي أن يكون التركيز الآن على جودة هذه المساهمة. ومع ذلك، تُعدّ هذه المساهمة غير كافية نظرًا للتحديات التي تواجهها في سياق التخلف.
مساهمة ضعيفة:
يعود عدم نجاح الشفافية المالية في تعزيز التنمية المستدامة في الدول المعنية إلى قيود هيكلية ودورية. وعلى المستوى الهيكلي، يرتبط نقص الشفافية المالية بضعف الإطار المؤسسي المسؤول عن مراقبة إدارة المالية العامة بشكل عام، والمالية المحلية بشكل خاص. ومن الواضح أنه لا يمكن تحقيق الشفافية المالية دون وجود رقابة فعَّالة، أي رقابة ديناميكية. بمعنى آخر، تتميز الرقابة الديناميكية بالتغير والمرونة؛ حيث تتطور مع مرور الوقت وتتكيف مع الواقع الاجتماعي للمنطقة الجغرافية التي تُمارس فيها.
على الصعيد الاقتصادي، تُعدّ الدول التي تتناولها هذه الدراسة من بين الدول التي تواجه حكوماتها مشكلة الفساد. فقد أصبح الفساد، أكثر من أيّ وقت مضى، يُشكّل عبئًا اقتصاديًّا على الحكم المحلي، مما يؤثر سلبًا على جهود التنمية المحلية بشكل عام، وعلى تلبية الاحتياجات المحلية بشكل خاص. ونتيجة لذلك، يُسهم الفساد في تآكل المالية العامة، التي تُعدّ ضرورية لتمويل السياسات العامة المحلية. وعند النظر إلى الفساد من منظور آخر، نجد أنه ليس مجرد قضية أخلاقية، بل يعكس أيضًا خللاً سياسيًّا له عواقب اقتصادية وخيمة، مما يؤدي إلى إفساد الأداء الطبيعي للديمقراطية. كما أن الحوكمة المالية المحلية لا تنجو من هذه الآفة، التي تزداد تفاقمًا في ظل الأزمات.
ترتبط أزمة المالية العامة جزئيًّا بتزايد الفساد في أنظمة الحوكمة العامة خلال القرن الحادي والعشرين. وفي هذا الإطار، يصبح من الصعب إنشاء إطار فعّال لتطبيق الشفافية والتعبير عنها. في الدول الأربع التي يتم مراجعتها، تبدو الشفافية المالية أكثر كأنها شعار سياسي بدلاً من أن تكون ممارسة إدارية حقيقية.
بغض النظر عن الظروف، يؤدي نقص الشفافية في إدارة المالية المحلية إلى تحويل مسار هذه الأموال، مما يُعيق تمويل وتنفيذ مشاريع التنمية المستدامة. لذلك، من الضروري أن تتخذ الدول المعنية خطوات فعالة لتعزيز الشفافية المالية في الحوكمة المحلية ودعم التنمية المستدامة. فلا يمكن تحقيق الديمقراطية دون وجود مالية عامة واضحة، وشفافية، وسيادة القانون. ومن الواضح أن الغموض في الأمور المالية العامة يُعدّ مصدرًا رئيسيًا للانتهاكات.
تعزيز دور الشفافية المالية في التنمية المستدامة من خلال الحوكمة المحلية:
تُعدّ الشفافية المالية مبدأً أساسيًّا في إدارة المالية العامة والحوكمة المحلية؛ حيث تُعدّ شرطًا ضروريًّا لضمان تنفيذ السياسات العامة المحلية بفعالية. كما تُمثل ركيزة أساسية لتحقيق الديمقراطية على المستوى المحلي. من أجل تحقيق أقصى تأثير ممكن في التنمية المستدامة، يجب أن تتجاوز الشفافية المالية الإطار الرسمي لتصبح أكثر واقعية وملموسة. ويمكن تحقيق ذلك من خلال تعزيز الأسس القانونية المتعلقة بالتنمية المستدامة على المستوى المحلي، بالإضافة إلى تحسين ديناميكيات الشفافية.
تعزيز الأسس القانونية للتنمية المستدامة في الحوكمة المحلية:
على الرغم من أن الشفافية المالية عامل حيويّ في تحقيق التنمية المستدامة، إلا أنها لن تكون فعّالة إلا في وجود أُسس قانونية واضحة تدعم هذه التنمية، وتعزز من قوتها المعيارية. في هذا الإطار، من الضروري التأكيد على أن تحقيق التنمية المستدامة من خلال الأهداف المحددة في الحوكمة المحلية يعتمد بشكل كبير على قوة الإطار القانوني المعتمد.
ويُعتبر الإطار المعياري المحلي امتدادًا للإطار القانوني الوطني، الذي غالبًا ما يفتقر إلى الكثافة والوضوح اللازمين لترسيخ مفهوم التنمية المستدامة. وتُظهر المعايير الدستورية للدول المعنية مثالاً واضحًا على ذلك؛ ففي دول إفريقيا جنوب الصحراء الناطقة بالفرنسية، يتم تضمين مفهوم التنمية المستدامة بشكل ضمني في الدستور، مما يبرز الحاجة الملحة لتأكيد هذا المفهوم بشكل صريح في مجالات الحوكمة الوطنية بشكل عام، والحوكمة المحلية بشكل خاص.
باختصار، إن إدماج التنمية المستدامة في دساتير الدول الإفريقية الناطقة بالفرنسية الواقعة جنوب الصحراء الكبرى، إلى جانب النصوص التي تُنظّم اللامركزية، سيُسهم في تعزيز الاهتمام بها ضمن سياسات وبرامج الحوكمة.
وبهذا، سيتم رفعها إلى مستوى المصلحة الوطنية العليا بشكل واضح. كما سيساعد ذلك في ترسيخ الطابع الإلزامي لإطارها القانوني على المستوى المحلي. علاوة على ذلك، لا يمكن لأيّ إطار قانوني أن يُحقّق الأهداف المرسومة له، ما لم يكن له طابع إلزامي وفعّال، ويكون مُؤكّدًا عليه. وتعني هذه الفعالية توافق وانتظام سياسات التنمية التي تتبناها السلطات المحلية.
من حيث المبدأ، تُعدّ القواعد القانونية ملزمة، مما يُلزم الجهات المعنية بالامتثال لشروطها. ومع ذلك، عند تحليل هذا المبدأ في سياق القانون “الصارم”، نجد أن إطار التنمية المستدامة في الحوكمة المحلية يُصنّف تحت القانون “غير الملزم”، نظرًا لطبيعة قواعده الناشئة.
ويتطلب تعزيز الأسس الدستورية للتنمية المستدامة التأكيد على أهمية أهداف التنمية المستدامة في التشريعات المحلية. وينبغي تحقيق ذلك من خلال إدراج هذه الأهداف في النصوص القانونية المحلية، مما يعزز من قيمتها ويضمن مراعاتها في برامج التنمية المحلية.
وتُعدّ أهداف التنمية المستدامة، كجزء من الحوكمة العامة، أداة فعَّالة لتقييم التقدم نحو التنمية المستدامة؛ حيث تمثل الترجمة المثلى لخطة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة لعام 2030. وقد تم اعتماد هذه الخطة، التي تُعدّ إطار عمل لتحقيق التنمية المستدامة، رسميًّا في سبتمبر 2015م في نيويورك. إنها خطة عمل تهدف إلى خدمة البشرية والكوكب، وتعزيز الرخاء والسلام، وتقدم رؤية لتحويل العالم من خلال القضاء على الفقر وتحقيق التنمية المستدامة.
إن تعزيز الإطار القانوني للتنمية المستدامة سيساعد في مواءمة تقييم برامج التنمية المحلية مع متطلبات التنمية المستدامة. ومع ذلك، فإن الشفافية المالية وحدها لا تكفي لضمان تحقيق التنمية المستدامة في الحوكمة المحلية. ويجب أن يترافق ذلك مع إنشاء معايير مؤسسية للتنمية المستدامة على المستوى المحلي لتحقيق النتائج المرجوة. ومع ذلك، يجب أن نُقِرّ بأن تعزيز آليات الشفافية المالية يظل أمرًا أساسيًّا لا يمكن الاستغناء عنه.
تعزيز آليات الشفافية المالية على المستوى المحلي:
يعتمد تحقيق التنمية المستدامة في السلطات المحلية في الكاميرون والغابون وبوركينا فاسو وكوت ديفوار بشكل كبير على تعزيز آليات الشفافية المالية. ويُعدّ هذا الأمر أساسيًّا لنجاح مشاريع التنمية المستدامة. ولتحقيق ذلك، من الضروري اتخاذ إجراءين رئيسيين: تعزيز الرقابة السياسية على المالية المحلية، وزيادة مشاركة المواطنين في الحوكمة المحلية بشكل عام.
في جوهر الأمر، على الرغم من وجود رقابة سياسية على المالية المحلية في هذه الدول، إلا أنها تفتقر إلى الحيوية نتيجة لعوامل متأصلة في عملية اللامركزية. في إطار اللامركزية الإقليمية، تتحمل الهيئات التداولية للسلطات المحلية المسؤوليةَ الرئيسيةَ، وإن لم تكن الوحيدة، عن إدارة المالية المحلية. وتعتبر الرقابة السياسية التي تمارسها هذه الجمعيات نوعًا من الرقابة الداخلية اللاحقة، تهدف إلى التأكد من أن تنفيذ الميزانية يتم وفقًا للتفويضات الممنوحة. ومع ذلك، يواجه هذا النوع من الرقابة، رغم شرعيته، عوائق تتعلق بالاعتبارات السياسية والإدارية، مثل مشكلة تضخم الرقابة على السلطات المحلية. من جهة أخرى، فإن توسيع نطاق رقابة المواطنين كإجراء تصحيحي لعمل الهيئات التداولية سيُسهم -بلا شك- في تعزيز الإدارة الشفافة.
في الختام، يُعدّ المواطنون المستفيدين الرئيسيين من المشاريع التي تهدف إلى تلبية احتياجات المجتمع المحلي. ومن هنا تبرز أهمية رقابة المواطنين على الحوكمة المحلية في إفريقيا. ويُعرّف معهد البحث والنقاش حول الحوكمة (IRG) الرقابة المواطنية بأنها “جميع الممارسات، سواء كانت فردية أو جماعية، في القطاعين العام والخاص، التي تهدف إلى ضمان مساءلة الجهات الفاعلة في إدارة الشؤون العامة من خلال تعزيز الشفافية”.
باختصار، تُعدّ هذه الرقابة وسيلة لتعزيز مشاركة المواطنين في إدارة الشؤون العامة؛ حيث لا يمكن تصوُّر المواطنة دون انخراط فعّال في الحياة العامة.
كما أن رقابة المواطن وسيلة تعبير عن الحق في الحصول على المعلومات وتطبيقه في إدارة الشؤون العامة، بما في ذلك القضايا المحلية. هذا الحق الأساسي يَخُصّ كل مواطن، وقد تم تأكيده في المعاهدات القانونية الدولية التي اعتمدتها جميع الدول المعنية. ومن بين هذه المعاهدات، يبرز الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي ينص على حق المجتمع في محاسبة أي موظف عام، مما يعكس أهمية وعي المجتمع. كما يُبرز الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان وحقوق الشعوب هذا الحقّ بشكل أكثر وضوحًا؛ حيث يُعتَبر النص الوحيد الذي يشير مباشرة إلى الحق في الحصول على المعلومات، وينص على أن “لكل فرد الحق في الحصول على المعلومات”. باختصار، تُعدّ الرقابة السياسية ورقابة المواطنين أدوات لتعزيز الشفافية في عصر الأداء والسعي نحو تحقيق التنمية المستدامة. ومن الضروري تكييف هذه الأدوات مع السياق المحلي لتعزيز الحوكمة المحلية ودعم التنمية المستدامة في إفريقيا.
الخاتمة:
تُعدّ الشفافية المالية ركيزة أساسية لتحقيق التنمية المستدامة، وهي شرط لا غِنَى عنه للوصول إلى أهداف التنمية المستدامة. ويعود ذلك إلى سببين رئيسيين؛ أولاً، تُعدّ الشفافية وسيلة لبناء دولة قائمة على سيادة القانون؛ حيث لا يمكن تصوُّر أيّ نوع من التنمية، مهما كانت مستدامة، في غياب هذه السيادة. ثانيًا، تعتمد التنمية المستدامة على مجموعة من البرامج والمشاريع والأنشطة التي لا يمكن تنفيذها دون توفر التمويل، والذي لا يمكن ضمانه إلا من خلال الشفافية. علاوة على ذلك، تُعدّ التدابير الأخرى المُكمّلة لتلك المذكورة في هذا التحليل ضرورية. ووفقًا للإعلان الذي اعتمده المشاركون في فعالية مراكش عام 2018م، ينبغي على السلطات المحلية:
– الالتزام القوي بتعزيز الشفافية والنزاهة في إدارة المدن والمناطق والمؤسسات من خلال اعتماد مواثيق تركز على خدمة المواطنين.
– العمل على ترسيخ الديمقراطية التشاركية من خلال تطوير أساليب مبتكرة لإشراك المواطنين في تحديد وتنفيذ أولويات العمل المحلي، مثل الموازنة التشاركية.
– تعزيز وتطوير نظام للرصد والمتابعة لتقييم السياسات العامة المحلية.
علاوة على ذلك، ولكي تكون هذه التدابير فعّالة وليست مجرد طموحات، يجب على الدول بذل جهود لتعزيز الاستقلال الإداري والمالي. كما أن تحقيق التنمية المستدامة من خلال الشفافية المالية يتطلب ذلك أيضًا.
في الواقع، الزخم حول هذا الأمر موجود، ولكنّ تحقيقه ليس مجرد مسألة وقت، بل يحتاج تضافر جهود الدول والمؤسسات والأفراد.
………………………………
رابط المقال:
https://doi.org/10.1007/978-3-031-60657-1