تمهيد:
شهدت النسخة (31) من مؤشر الحرية الاقتصادية لعام 2025م في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء بعض التحسينات الملحوظة في عددٍ من الدول مقارنةً بعام 2024م. متخذةً نفس السلوك العالمي الذي كسر أَسْر التراجعات المتتالية منذ جائحة كورونا وسنوات تأثيراتها التالية. غير أن استمرار الصراع في الشرق الأوسط، والحرب الروسية الأوكرانية، وبعض الصرعات الجيوسياسية الأخرى قد كبحت إلى حد كبير، تحسنًا أكبر كان يمكن تحقيقه.
ومن هنا تتناول المقالة استعراضًا تحليليًّا لأداء منطقة إفريقيا جنوب الصحراء في مؤشر الحرية الاقتصادية لعام 2025م، من خلال المحاور التالية:
- المحور الأول: مؤشر الحرية الاقتصادية لعام 2025م… نظرة عالمية.
- المحور الثاني: مؤشر الحرية الاقتصادية في إفريقيا جنوب الصحراء لعام 2025م مقارنةً بباقي مناطق العالم.
- المحور الثالث: تحليل تطوُّر الركائز الأربعة لمؤشر الحرية الاقتصادية في إفريقيا جنوب الصحراء لعام 2025م.
- المحور الرابع: خارطة مؤشر الحرية الاقتصادية لعام 2025م على المستوى القُطْري.
- المحور الخامس: تقييم مؤشر الحرية الاقتصادية لعام 2025م.
- خاتمة.
المحور الأول
مؤشر الحرية الاقتصادية لعام 2025م… نظرة عالمية
يكشف مؤشر الحرية الاقتصادية لعام 2025م([1]) عن مدى هشاشة الاقتصاد العالمي؛ حيث اتسم الضغط الهبوطي التراكمي على الاقتصاد العالمي بالتأثير المستمر لخيارات السياسات الاقتصادية غير المدروسة خلال فترة جائحة فيروس كورونا، وارتفاع التضخم، والغزو الروسي المستمر لأوكرانيا، والصراع الأوسع في الشرق الأوسط، من بين توترات اقتصادية وجيوسياسية أخرى.
وأدَّى التخلي المفاجئ وقصير النظر عن مبادئ الحرية الاقتصادية في العديد من البلدان إلى زيادة المخاطر التي تُهدِّد بتقوية الانتعاش الاقتصادي، وتحقيق المرونة والازدهار الاقتصاديين على المدى الطويل، وهما أمران في أمس الحاجة إليهما. على سبيل المثال، تعاني العديد من البلدان حول العالم بالفعل من ديون مرتفعة تُطيل أمد الركود الاقتصادي.
لن تكفي العودة إلى العمل والإنتاج كالمعتاد. فبالإضافة إلى تأثير الجائحة على المالية العامة؛ تواجه البلدان العديد من التحديات الهيكلية طويلة الأجل في مجالات سياسات الشفافية والكفاءة والانفتاح وفعالية الحكومة.
وتقف العديد من البلدان الآن عند مفترق طرق؛ حيث إن قدرة أيّ أُمّة على تحقيق نموّ وازدهار مستدامين تتوقف على جودة مؤسساتها ونظامها الاقتصادي.
وقد كانت أبرز النتائج الرئيسية لمؤشر 2025م:
- يكشف مؤشر 2025م، الذي يدرس السياسات والظروف الاقتصادية في 184 دولة ذات سيادة، في الفترة من 1 يوليو 2023م إلى 30 يونيو 2024م، عن اقتصاد عالَمي لا يزال، في مُجْمَله، “غير حرّ في معظمه”. وقد ارتفع متوسط درجة الحرية الاقتصادية العالمية بمقدار 1.1 نقطة ليصل إلى 59.7 نقطة، مقارنةً بـ58.6 نقطة في العام السابق.
- على الصعيد العالمي، تدهورت السلامة المالية بشكل ملحوظ. فقد أدَّى ارتفاع العجز وتراكم الدَّيْن العام في العديد من الدول إلى تقويض نموّ إنتاجيتها الإجمالي، ومن المرجّح أن يؤدي إلى مزيد من التراجع، مما يؤدي في النهاية إلى تباطؤ اقتصادي بدلاً من نموّ مزدهر.
- لا تزال هناك علاقة واضحة بين تحسين الحرية الاقتصادية وتحقيق ديناميكية اقتصادية أعلى ورفاهية عامة أفضل. بغضّ النظر عن مستوى التنمية الحالي، يمكن للدول تعزيز نموّها الاقتصادي وحريتها الاقتصادية بشكلٍ ملموس من خلال تبنّي سياسات تُخفِّض الضرائب، وتُحسِّن البيئة التنظيمية، وتفتح الاقتصاد أمام منافسة أكبر، وتكافح الفساد.
- يرتفع مستوى المعيشة، المُقاس بدخل الفرد، بشكل ملحوظ في الدول الأكثر حرية اقتصاديًّا. فالدول المُصنّفة ضمن فئة “حرة”، أو “حرة في الغالب”، أو “حرة إلى حد ما” في مؤشر 2025م تُولّد دخلًا يزيد عن ضعف متوسط الدخل في الدول الأخرى، وأكثر من ثلاثة أمثال دخل سكان الدول ذات “الحرية المعدومة” اقتصاديًّا.
- ترتبط الحرية الاقتصادية ارتباطًا وثيقًا بالرفاهية العامة، والتي تشمل عوامل مثل الصحة والتعليم والبيئة والابتكار والتقدُّم المجتمعي والحوكمة الديمقراطية.
- حصلت ثلاث دول فقط (بانخفاض عن أربع دول في العام السابق) على تصنيف “حرة” اقتصاديًّا بتسجيلها درجات 80 أو أكثر؛ وحصلت 26 دولة على تصنيف “حرة في الغالب” بتسجيلها درجات تتراوح بين 70.0 و79.9؛ كما اعتُبرت 58 دولة إضافية “حرة إلى حد ما” على الأقل بدرجات تتراوح بين 60.0 و69.9. وبالتالي، فإن 87 دولة، أو أقل بقليل من نصف الدول الـ176 المصنَّفة، تتمتع ببيئات مؤسسية يستفيد فيها الأفراد والمؤسسات الخاصة من درجة معتدلة على الأقل من الحرية الاقتصادية في سعيهم لتحقيق تنمية اقتصادية وازدهار أكبر. على الجانب الآخر، سجّلت حوالي 50% من الدول المُصنَّفة في مؤشر 2025م (89 اقتصادًا) درجات حرية اقتصادية أقل من 60. ومن بين هذه الدول، تُعتبر 60 اقتصادًا “غير حرة في الغالب” (درجات تتراوح بين 50.0 و59.9)، بينما تقع 29 دولة، بما في ذلك الصين وإيران، في فئة “القمع الاقتصادي”.
- شهدت المراكز العشرة الأولى إعادة ترتيب ملحوظة. ولا تزال سنغافورة الاقتصاد الأكثر حرية في العالم، مُظهرةً مستوى عاليًا باستمرار من المرونة الاقتصادية والازدهار. وتُعدّ سويسرا ثاني أكثر اقتصاد حرية في العالم، تليها إيرلندا. وحافظت تايوان على رابع أعلى تصنيف لها، وهو أعلى تصنيف حققته البلاد على الإطلاق في مؤشر الحرية الاقتصادية.
- تجدر الإشارة بشكل خاص إلى الانخفاض المستمر في تصنيف الولايات المتحدة ضمن فئة “الحرة في الغالب”؛ حيث انخفضت درجتها إلى 70.2، وهو أحد أدنى المستويات في تاريخ المؤشر. وتحتل الولايات المتحدة الآن المرتبة السادسة والعشرين بين أكثر الاقتصادات حرية في العالم. ويُعزَى السبب الرئيسي لتآكل الحرية الاقتصادية الأمريكية إلى الإنفاق الحكومي المفرط، الذي أدَّى إلى تفاقم أعباء العجز والديون على مدى السنوات الأربع الماضية. من ناحية أخرى، سجَّلت الأرجنتين أحد أكبر التحسينات في تصنيفها؛ حيث خرجت من أدنى مرتبة في مؤشر الحرية الاقتصادية لعام 2025م. وقد وفَّرت التدابير المالية والتنظيمية المختلفة، زخمًا ملموسًا لإنعاش اقتصاد الأرجنتين، وقد حققت بالفعل تقدمًا ملحوظًا.
إجمالاً، لا يزال التعافي الاقتصادي الجاري متفاوتًا وغير مُؤكّد، مع تباين ملحوظ في النتائج بين البلدان والقطاعات والفئات الديموغرافية. ولا تزال هناك فجوات في الإنتاج والتوظيف في العديد من البلدان، لا سيما في الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية، مما يشير إلى أن البلدان تُواجه تحديات سياساتية متباينة للغاية في مرحلة التعافي وما بعدها.
وعلى مستوى المؤشرات الفرعية الاثنتا عشرة؛ في المتوسط، تُسجّل درجات سيادة القانون أدنى مستوياتها على مقياس من ٠ إلى ١٠٠. وهذا يعكس فساد المؤسسات الحكومية في العديد من البلدان. فبدون سيادة قانون راسخة، يجد أصحاب الأعمال ورواد الأعمال صعوبة في معرفة ما يمكن توقعه، وتكون قراراتهم الاقتصادية أشبه بمخاطرة أكثر منها قرارات مبنية على معلومات موثوقة.
وبلغ متوسط أعلى معدلات ضريبة الدخل الفردي وضريبة الشركات، على التوالي، حوالي ٣٠٪ وحوالي ٢٥٪. ويبلغ متوسط العبء الضريبي الإجمالي كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي الآن ١٩.٨٪. ولا يزال متوسط مستوى الإنفاق الحكومي حوالي ٣١٪ من الناتج المحلي الإجمالي، لكن متوسط مستوى الدَّيْن العام الإجمالي الآن أعلى من ٦٥٪.
من بين العوامل الفرعية الثلاثة للكفاءة التنظيمية للحرية الاقتصادية، تُسجِّل الحرية النقدية أعلى الدرجات، تليها حرية الأعمال، ثم حرية العمل. وتشمل الدول البارزة من حيث متوسط درجة الكفاءة التنظيمية: سنغافورة، وسويسرا، وتايوان، والدنمارك، وفنلندا. بينما أسوأ الدول من حيث انتهاك حقوق الملكية الفكرية، مرتبةً تنازليًّا، هي سيراليون، وكوبا، وزيمبابوي، والسودان، وفنزويلا، وكوريا الشمالية.
ويبلغ متوسط معدل التعريفة الجمركية المطبقة عالميًّا، والمرجح تجاريًّا، 7.7%. ونظرًا لأن إجراءات سياسات الاستثمار في العديد من الدول مُوجّهة نحو الاستثمار القطاعي بدلًا من الانفتاح العام للسوق، فإن درجة حرية الاستثمار العالمية تبلغ 53.7 فقط. وتُعدّ الدرجة العالمية للحرية المالية (47.9) الأدنى بين مؤشرات السوق المفتوحة الثلاثة. وينتشر التدخل الحكومي في القطاع المالي في العديد من الدول.
المحور الثاني:
مؤشر الحرية الاقتصادية في إفريقيا جنوب الصحراء لعام 2025م مقارنةً بمناطق العالم
على عكس تقرير عام 2024م؛ حيث تراجعت مناطق العالم الخمس مقارنة بعام 2023م؛ فقد حققت تلك المناطق تقدُّمًا في المؤشر لعام 2025م، أبرزها أوروبا التي تقدَّمت (1.3) درجة عن عام 2024م. وكان التحسُّن في منطقة إفريقيا جنوب الصحراء بنحو (0.8) درجة محققة (53.2) درجة عام 2025م مقارنةً بنحو (52.4) درجة في عام 2024م. ومقارنةً بتحسُّن عالمي بقدر (1.1) عن عام 2024م. ومتوسط عالمي (59.7) درجة لعام 2025م. ويبين ذلك الشكل التالي.
شكل (1) درجات مؤشر الحرية الاقتصادية لعام 2025م في إفريقيا جنوب الصحراء مقارنة بمناطق العالم
مصدر الشكل: من رسم وحساب الباحث اعتمادًا على بيانات تقرير مؤشر الحرية الاقتصادية لعام 2025م، والقراءة التحليلية للمؤشر لعام 2024م، على موقع مجلة قراءات إفريقية.
وقد كسرت منطقة إفريقيا جنوب الصحراء حالة التراجع التدريجي الذي وقعت فيه منذ عام 2022م، ليكون التحسن المُحقّق عام 2025م استثناءً لذلك؛ كما يبين الشكل التالي.
شكل (2) سلوك مؤشر الحرية الاقتصادية في إفريقيا جنوب الصحراء منذ عام 2021م
مصدر الشكل: من رسم وحساب الباحث اعتمادًا على بيانات تقرير مؤشر الحرية الاقتصادية لعام 2025م، والقراء ة التحليلية للمؤشر لعام 2024م على موقع مجلة قراءات إفريقية.
وهي في المتوسط (حرية ضعيفة) في إفريقيا جنوب الصحراء مقابل عالم (غير حرّ في الغالب) كما يبينه الشكل (3)؛ حيث حققت (1) دولة (حرة في الغالب). بينما حقَّقت غالبية بلدان درجات (حرية ضعيفة) (30 دولة). في حين جاءت (4) بلدان في تصنيف (حرية معتدلة). و(12) دولة في تصنيف (حرية معدومة). و(1) بلد غير متاح عنها بيانات من أصل 48 ذكرها التقرير واحدة منها غير متاح عنها بيانات. وقد كان الاختلاف بين عامي 2024م وعام 2025م هو خروج دولة من البلدان ذات الحرية المعدومة إلى البلدان ذات الحرية الضعيفة.
شكل (3) تصنيف الحريات الاقتصادية في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء وتطورها بين عامي 2024 و2025م
مصدر الشكل: حسابات الباحث من تقريري الحرية الاقتصادية لعامي 2024 و2025م.
المحور الثالث:
تحليل تطور الركائز الأربعة لمؤشر الحرية الاقتصادية في إفريقيا جنوب الصحراء لعام 2025م
على مستوى المؤشرات الفرعية الاثنتا عشرة، كانت درجات المنطقة بعيدة كل البُعْد عن المتوسطات العالمية باستثناء مؤشري العبء الضريبي والحرية النقدية اللذين اقتربا من المتوسط العالمي. وكان الاستثناء الوحيد الذي تفوَّقت فيه المنطقة هو مؤشر الإنفاق الحكومي. كما يظهر من الشكل التالي.
شكل (4) درجات المؤشرات الفرعية الاثنتا عشرة في إفريقيا جنوب الصحراء مقارنة بالمتوسط العالمي لعام 2025م
مصدر الشكل: حسابات الباحث من تقريري الحرية الاقتصادية لعامي 2024 و2025م.
وبالتركيز على أداء الركائز الأربع المكونة للمؤشر في منطقة إفريقيا جنوب الصحراء كما يبينها الجدول (1)؛ فقد كان مؤشر حجم الحكومة الأفضل أداء بين الركائز الأربع؛ حيث شهدت مكوناته الفرعية تغيُّرات إيجابية في اثنتين منها؛ أبرزها الصحة المالية بتقدُّم بنحو (7.62) نقطة على مستوى المؤشر. وبالمثل حقَّق ذلك مؤشر الكفاءة التنظيمية مقارنةً بعام 2025م.
وعلى العكس، وكما يُظهر الجدول؛ فقد حقّق مُؤشِّرا سيادة القانون والأسواق المفتوحة تراجعات في اثنين من مكوناتهما الفرعية.
جدول (1)
تطور الركائز الأربع لمؤشر الحرية الاقتصادية لبلدان إفريقيا جنوب الصحراء بين عامي 2024 و2025م
مصدر الجدول: حسابات الباحث من تقريري الحرية الاقتصادية لعامي 2024 و2025م.
وفي المجمل، فقد شهدت المنطقة تحسينات في نصف المؤشرات الفرعية، وتراجعات في النصف الآخر.
ففي مؤشر سيادة القانون استوعبت التحسينات الحاصلة في مؤشر النزاهة الحكومية التراجعات الحاصلة في مؤشري حقوق الملكية، والفعالية القضائية وفاقتهما.
أما مؤشر حجم الحكومة فقد كانت نقاط التحسن البالغة 1.3 في الإنفاق الحكومي، و7.62 في الصحة المالية متجاوزة التراجع الضئيل في العبء الضريبي.
وأيضًا في مؤشر الكفاءة التنظيمية فقد لعبت التحسينات في حرية الأعمال بنحو 1.96 نقطة، وحرية العمل 1.09 نقطة، في استيعاب التراجع في الحرية النقدية بمقدار 0.15، ومِن ثَم كان المؤشر الأكثر مساهمة في التحسُّن الحاصل في المؤشر العام.
هذا التحسُّن المحقّق في مؤشر الحرية التنظيمية، قد خفّف من تأثير التراجعات المحقّقة في ركيزة الأسواق المفتوحة التي تراجعت في مكونين من مكوناتها الفرعية، وبالأخص التراجعات في حرية الاستثمار البالغة (3.61). والتي أثَّرت بصورة ملحوظة في النتيجة النهائية للمؤشر العام. كما يظهر ذلك الشكل التالي.
شكل (5)
التغير في المؤشرات الفرعية الاثني عشر المكوّنة لمؤشر الحرية الاقتصادية
في إفريقيا جنوب الصحراء والتغير فيها بين عامي 2024 و2025م
مصدر الشكل: حسابات الباحث من تقريري الحرية الاقتصادية لعامي 2024 و2025م.
المحور الرابع
خارطة مؤشر الحرية الاقتصادية لعام 2025م على المستوى القُطْري
جاءت موريشيوس في المرتبة الأول محافظةً على مكانتها في عام 2024م التي حققت فيها (71.5) على مستوى المنطقة لتحقق (75) درجة عام 2025م، أي متقدمة نحو (3.5) درجة. لتتقدم أربعة مراكز عن عام 2024م من المركز (19) عالميًّا إلى المركز (15) عالميًّا. وهي الدولة الوحيدة الواقعة في تصنيف (الحرية شبه الكاملة في المنطقة). مدفوعةً بأداء متميز في المؤشرات الفرعية؛ الفعالية القضائية (81)، والعبء الضريبي (89.8)، وحرية الأعمال (82.9)، وحرية التجارة (87.4).
أما بتسوانا (69.9) فقد حققت المركز الثاني إقليميًّا و(31) عالميًّا في عام 2025م. متقدمة خمسة مراكز عن عام 2024م (36). والرأس الأخضر (68.7)، فقد احتلت المركز الثالث إقليميًّا و(41) عالميًّا متقدمة (16) مركزًا عن عام 2024م؛ حيث كان ترتيبها العالمي (57). أما سيشل (66.4) فقد تقدمت إلى المركز الرابع إقليميًّا؛ حيث كانت في المرتبة الخامسة في عام 2024م. وبينما كان ترتيبها العالمي (78) عام 2024م تقدَّمت إلى المركز (52) عالميًّا في عام 2025م. بينما تراجعت ساوتومي وبرنسيب (60.4) من المركز الرابع إلى المركز الخامس إقليميًّا وتراجعت أيضًا من المركز (77) عالميًّا إلى المركز (85) عام 2025م. وتقع جميعًا في تصنيف (حرية معتدلة).
هذه الدول تُمثّل نماذج إيجابية للتحسين المستمر في البيئة الاقتصادية والسياسية، مما يعكس قدرة الحكومات على تنفيذ إصلاحات فعَّالة تُعزّز من مستوى الحرية الاقتصادية، وتُسهم في النمو والتنمية المستدامة.
شكل (6) أعلى خمسة بلدان وأدنى خمسة بلدان في مؤشر الحرية الاقتصادية لعام 2025م في إفريقيا جنوب الصحراء
مصدر الشكل: حسابات الباحث من تقريري الحرية الاقتصادية لعامي 2024 و2025م.
بينما تذيلت زيمبابوي (35.1)، والسودان (35.3) وإريتريا (38.6)، وبورندي (39.7)، وإفريقيا الوسطى (42.7) المراكز الخمسة الأخيرة في تصنيف المؤشر للمنطقة عام 2025م.
المحور الخامس
تقييم مؤشر الحرية الاقتصادية لعام 2025م
يُقدِّم مؤشر الحرية الاقتصادية، كتقرير مرجعي سنوي يُغطّي مختلف البلدان، أدلةً عمليةً ودامغةً على أن السياسات غير المُجْدِيَة التي تُطبِّقها الحكومات في كثيرٍ من الأحيان، هي التي تُعِيق الديناميكية والنمو الاقتصادي، وليس السياسات القائمة على الحرية التي نفشل في تطبيقها.
فهو يُقدّم رؤية شاملة للحرية الاقتصادية. بعض جوانب هذه الحرية التي تُقيِّم (مثل مدى انفتاح الاقتصاد على الاستثمار أو التجارة العالمية) تُعنَى بتفاعلات الدولة مع بقية العالم. ومع ذلك، يُركّز معظمها على السياسات داخل الدولة، مُقيِّمًا حرية الأفراد في استخدام عملهم أو مواردهم المالية دون قيود مُفرطة أو تدخُّل حكومي.
ولأكثر من ثلاثة عقود؛ استكشف المؤشر العددي على نطاق شامل، مجالات السياسات التي عادةً ما تتصرف فيها الحكومات، سواءٌ أكان ذلك خيرًا أم شرًّا. ومع ذلك، فبحكم طبيعته، يقاوم مفهوم الحرية التعريف الضَّيِّق، ويبدو أن كل عام يطرح تحديات جديدة مِن قِبَل أولئك الذين يسعون إلى فرض آرائهم على الآخرين أو التحكم في سلوكهم الاقتصادي.
غير أن الانتقادات المُوجَّهة للمؤشر ما زالت قائمة سواء من ناحية بناء المؤشر وركائزه، أو تركيزها بشكل رئيسي على فكرة الحرية الاقتصادية السلبية والمطلقة والفردية والموضوعية؛ وهو فهم غير مكتمل للحرية الاقتصادية.
مع بقاء العديد من الأسباب التي تجعل العلاقة بين الحرية الاقتصادية والأداء الاقتصادي قد تكون في بعض الأحيان أضعف وأقل أهمية مما تتوقعه النظرية الاقتصادية. فهي تعاني من بعض أوجه القصور فيما يتعلق بالمنهجية، والاستخدام غير السليم، والسبب الرئيسي يكمن في أن المؤشرات المُقدَّمة تُقلِّل إلى حد كبير من دور الثقافة والقِيَم والأنظمة السياسية في البلدان المختلفة مما قد يؤدي إلى استنتاجات غير كافية أو حتى خاطئة.
وقد فقدت النسخة (31) جانبًا من أحد مزايا النسخة (30)، وهي توفير إمكانيات المقارنة والتطور؛ حيث لم يدرج أداء البلدان ودرجاتها عام 2024م بجانب مؤشرات عام 2025م. والذي كان يُسهّل المقارنة والتعرف على تطوُّر الدولة من حيث المؤشر العام أو المؤشرات الفرعية، سواء على نسخة الإكسيل من الجداول أو النسخة (pdf)؛ مما يُرهق الباحثين في إجراء المقارنات اللازمة في مختلف الجوانب.
ختامًا:
لم تتخلص منطقة إفريقيا جنوب الصحراء من كلّ التداعيات الخارجية التي كانت سببًا في تراجع المؤشر في عامي 2023 و2024م؛ كالحرب الروسية الأوكرانية، مع تراجع آثار تفشي وباء كورونا، وبقاء التوتر في منطقة الشرق الأوسط وخليج عدن، فضلاً عن التحديات الداخلية. وظلت العديد من بلدان الإقليم غارقة في عبء الديون الذي يُطيل أمد الركود الاقتصادي.
غير أن المنطقة على الرغم من ذلك، قد حقَّقت تقدمًا على درجات المؤشر لعام 2025م، بنحو (0.8) درجة. وكسرت سلسلة التراجعات المحققة منذ عام 2022م. وهو نفس السلوك العالمي. وذلك بفضل التحسينات في نصف المؤشرات الفرعية، والتي كان أبرزها المؤشرات الفرعية؛ الصحة المالية، والحرية العمل، وحرية الأعمال. مع تسبُّب نصف المؤشرات الفرعية الأخرى وأبرزها التراجع اللافت في مؤشر حرية الاستثمار في التقدُّم المحقّق على مستوى المؤشر العام. مع بقائها في تصنيف (الحرية الضعيفة) في عالم (حر في الغالب). وظلت البلدان الخمسة الأولى في ذات مواقعها تقريبًا في عام 2024م.
ومع ذلك، وبغضّ النظر عن مستوى تنميتها الحالي، يمكن لبلدان المنطقة زيادة نموّها الاقتصادي وحريتها الاقتصادية بشكل ملحوظ من خلال تبنّي سياسات تُخفّض الضرائب، وتُحسّن البيئة التنظيمية، وتفتح الاقتصاد أمام منافسة أكبر، وتكافح الفساد.
……………………………………
[1] ) Anthony B. Kim, 2024 Index of Economic Freedom (Washington D.C: The Heritage Foundation,2025).at: https://www.heritage.org/index/pages/report