الناشر: المجلس الروسي للشؤون الدولية
الكاتب: رسلان بوخوف
مدير مركز تحليل الإستراتيجيات والتقنيات، عضو المجلس الروسي للشؤون الدولية
ترجمة: مروة أحمد عبد العليم
باحثة في الشأن الروسي
يظل القطاع الإفريقي هو الأقل استثمارًا بين كافة قطاعات سوق الأسلحة العالمية، على الرغم من حقيقة أن القارة السوداء هي صاحبة العدد الأكبر من الصراعات المسلحة في العالم؛ فمن بين أكثر من خمسين (52 على وجه التحديد) صراعًا متفاوت الشدة في العالم؛ يبلغ عدد الصراعات في لإفريقيا 19 صراعًا؛ أي أكثر من الثلث. وهنا في إفريقيا، يتم تنفيذ أكبر عدد من عمليات حفظ السلام من خلال المنظمات الدولية العالمية والإقليمية (24 من أصل 63 جارية حاليًّا)، وفي إفريقيا يتم نشر أكبر قوة لحفظ السلام (76.4 ألف شخص).
وعلى ما يبدو فإن القارة غارقة في الحرب، ومبيعات الأسلحة هنا في إفريقيا الاستوائية (أو إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، كما تسمى هذه المنطقة عادة في الغرب) هي الأصغر في العالم؛ ففي أحدث فترة تغطيها البيانات الإحصائية وخلال الخمس سنوات الأخيرة (2019- 2023م)، بلغت هذه المبيعات 4.3٪ من الإجمالي العالمي، والرقم في الأمريكتين أعلى قليلًا 5.7%؛ وتتمثل الأسواق الرئيسية لتجارة الأسلحة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ (37%)، والشرق الأوسط (30%)، وأوروبا (21%)، أما الباقي فيعود إلى المنظمات الدولية والمستفيدين غير المذكورين.
سلعة – مال – سلعة:
هذه الصيغة الاقتصادية الكلاسيكية، التي وصفها كارل ماركس، تنطبق تمامًا على موضوعنا؛ فمن أجل شراء شيء ما تحتاجه، يجب عليك أولًا أن تبيع شيئًا تحتاجه للآخرين، ولكن هنا تكمن المشكلات الكبيرة التي تواجهها إفريقيا؛ إذ لا تزال محفظة الصادرات لدول القارة تعتمد في المقام الأول على المواد الخام، كما تعتمد عائدات التصدير على التقلبات في أسعار السلع الأساسية، وكان التحول الهيكلي محدودًا؛ حيث تعتمد الاقتصادات الإفريقية بشكل كبير على القطاعات الأولية التقليدية ذات الإنتاجية المنخفضة، مثل الزراعة والتعدين، ويتفاقم الوضع بسبب بطء وتيرة التصنيع وعدم كفاية إمدادات الطاقة للإنتاج.
هذا، وتؤدي كل العوامل المذكورة أعلاه إلى انخفاض الطلب على الأسلحة الحديثة والمعدات العسكرية والخاصة في منطقة إفريقيا الكبرى ككل. ففي الفترة 2019 -2023م، اشترت بلدان إفريقيا الاستوائية أسلحة بقيمة تقريبية تبلغ 6.1 مليار دولار، وبلغ حجم المبيعات العالمية ما يقرب من 140 مليار دولار من حيث الأسعار الإرشادية. ومع ذلك، فإن طريقة المؤشرات الإرشادية غير المباشرة، التي ينتقدها الخبراء بحق، لا تعطي إلا فكرة عامة عن الوضع في مجال مغلق مثل تجارة الأسلحة.
في حين تعتبر الدول الرائدة في شراء الأسلحة في القارة الإفريقية هي الدول الأكثر نجاحًا اقتصاديًّا؛ فخلال الفترة قيد الدراسة، كانت هذه الدول هي نيجيريا وأنجولا وإثيوبيا وأوغندا ومالي والسنغال، ولكن حصتها خلال الفترة قيد الدراسة لا تمثل سوى ما يزيد قليلًا على 1% من إجمالي حجم المشتريات التي قامت بها أكبر مائة دولة مستوردة للأسلحة في العالم.
وتعتبر اثنتان من البلدان المُدْرَجَة -نيجيريا وإثيوبيا- من بين أكبر خمسة اقتصادات في القارة الإفريقية من حيث الناتج المحلي الإجمالي الاسمي، وتحتل جنوب إفريقيا المراكز الثلاثة الأولى، وهي دولة مكتفية ذاتيًّا من حيث شراء الأسلحة والمعدات العسكرية والخاصة، بالإضافة إلى مصر والجزائر، اللتين تعتبران تقليديًّا جزءًا من المنطقة الناطقة بالعربية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وتحتل أربع دول أخرى في منطقة إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى المراكز الأولى في تصنيف صندوق النقد الدولي لاقتصادات القارة البالغ عددها 53 اقتصادًا، وتمثل هذه الدول الست مجتمعةً ما يقرب من نصف الناتج المحلي الإجمالي لإفريقيا (48%)؛ أي: 663 مليار دولار من إجمالي 1372 مليار دولار. والواقع أن هذه الدول تُشكِّل أكبر مُصدِّر للأسلحة.
ومن بين البلدان الستة المذكورة أعلاه، شهدت ثلاثة بلدان (نيجيريا وإثيوبيا ومالي) صراعات مسلحة داخلية عالية الكثافة في السنوات الأخيرة؛ (حيث تتراوح الخسائر بين ألف إلى عشرة آلاف شخص سنويا). أما أنجولا والسنغال، فعلى الرغم من استقرارهما السياسي الداخلي النسبي، إلا أنهما يقعان مباشرة على حدود مناطق الصراعات من هذا القبيل.
ومن الجدير بالذكر أيضًا: وجود مشاركة فعَّالة للقوات المسلحة لإثيوبيا والسنغال وأوغندا ونيجيريا في عمليات حفظ السلام تحت رعاية الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، وتشكل الصراعات الداخلية والنزاعات الحدودية وحفظ السلام الركائز الثلاث التي يرتكز عليها سوق الأسلحة الإفريقية.
الطلب يخلق العرض:
تلبِّي جميع الدول تقريبًا في إفريقيا الاستوائية احتياجاتها من الأسلحة والمعدات العسكرية والخاصة من خلال عمليات النقل عبر الحدود، كما أن الموردين الرئيسيين للأسلحة إلى هذه المنطقة الكبرى هم 11 دولة، يمكن تقسيمها إلى ثلاث فئات على أساس حجم الإمدادات من حيث السعر؛ فاللاعبون من الفئة الرئيسية (روسيا والولايات المتحدة والصين وفرنسا)، واللاعبون من الدرجة الأولى (تركيا وألمانيا وإيطاليا وإسرائيل)، واللاعبون من الدرجة الثانية (الإمارات العربية المتحدة وبيلاروسيا وهولندا) من بين 6,081 مليون دولار من الأسلحة المباعة للدول الإفريقية في الفترة 2019- 2023م، استحوذ هؤلاء الموردون الـ11 على 5,376 مليون دولار، أو أكثر من 87% من إجمالي حجم الإمدادات في المنطقة الكلية من حيث القيمة، بما في ذلك ما يقرب من ثلثيها (64%) للاعبين الرئيسيين.
ما أنواع الأسلحة التي تشتريها الدول الإفريقية؟
إن تسمية الإمدادات التي تم تتبعها للمستوردين الرئيسيين الستة المذكورين أعلاه خلال الفترة قيد الدراسة؛ تعكس بشكل عام صورة المنطقة الكلية، ففي البلدان التي تشهد صراعات مسلحة عالية ومتوسطة الشدة، فإن حصة الأسلحة والمعدات العسكرية والخاصة للقوات البرية (وخاصة المركبات المدرعة القتالية، فضلًا عن أنظمة المدفعية البرميلية والصاروخية) كبيرة للغاية، وهذا أمر مفهوم، فكل شيء يتم تحديده على الأرض. بالإضافة إلى ذلك، تتكون حصة كبيرة من المشتريات من الطائرات المُزوَّدة بأسلحة جوية (خاصة طائرات الهجوم الخفيفة، والمروحيات القتالية ومتعددة الأغراض، وطائرات الاستطلاع والهجوم بدون طيار)، ويلعب الطيران دورًا مهمًّا في استكشاف والإبلاغ عن الوضع على الأرض، وتدمير التشكيلات المتمردة عالية القدرة على المناورة بالنيران في الوقت المناسب.
ويُعدّ شراء الأسلحة والمعدات البحرية أمرًا مهمًّا بالنسبة للدول الساحلية في غرب إفريقيا، التي تكافح القرصنة والصيد غير المشروع للموارد البحرية في منطقتها الاقتصادية الخالصة؛ وتعتبر قوارب الدورية الأكثر طلبًا بينهم.
كما تزداد الحاجة إلى أنظمة الدفاع الجوي مِن قِبَل الدول التي تُواجه عسكريًا منافسين سياسيين من نفس القوة. ومن أبرز الأمثلة على ذلك: إثيوبيا وعلاقاتها المعقدة مع الدول الواقعة على مجرى النيل (مصر والسودان) فيما يتصل ببناء محطة الطاقة الكهرومائية “النهضة” بالقرب من الحدود الإثيوبية السودانية.
وفي حالات أخرى، يكون الدافع وراء قيام الدول المستوردة للأسلحة هو الحاجة إلى مراقبة الوضع في المجال الجوي للمناطق غير المستقرة المجاورة لحدودها، ومن بين هذه الأسلحة: أنظمة الدفاع الجوي، وهي الأكثر طلبًا، ثم محطات رادار المراقبة، وأنظمة الصواريخ والمدافع المضادة للطائرات، وأنظمة الصواريخ المضادة للطائرات المحمولة.
ومن المثير للاهتمام أيضًا تفصيل تفضيلات المشترين الأفارقة للأسلحة، وفي ثلاثة من البلدان الستة قيد الدراسة -مالي وأوغندا وإثيوبيا- كان للمنتجين الروس مكانة قوية تقليديًّا. ففي السنغال، تتولى الدول الغربية القيادة تقليديًّا، بينما في نيجيريا، فإن الجنوب العالمي هو الذي يتولى القيادة. وفي الوقت نفسه، تشكَّلت تحالفات غير رسمية بين الموردين في سوق الأسلحة في إفريقيا الاستوائية: الروسية – البيلاروسية، والصينية – الباكستانية، والفرنسية – الإسبانية.
الملاحظات والاستنتاجات:
إذا أخذنا في الاعتبار الملاءة المالية المحدودة للأغلبية الساحقة من الدول في إفريقيا الاستوائية والمخاطر والتهديدات العسكرية المحددة في هذه المنطقة الكبرى؛ فإن عمليات الشراء واسعة النطاق للأسلحة الحديثة والمعدات العسكرية والخاصة تبدو غير محتملة، فى حين يركز التعاون العسكري التقني الإفريقي مع الدول الأجنبية بشكل رئيسي على صيانة وإصلاح الترسانات القائمة، بما في ذلك توريد المكونات.
إلى جانب ذلك، تعمل عدد من بلدان القارة بشكل نشط على تطوير القاعدة التكنولوجية وإمكانات الموارد البشرية لصناعة الدفاع الوطني.
وفي هذا الصدد، أصبحت أشكال التعاون، مثل الإنتاج والتجميع، والمشاركة في التعاون الإنتاجي، ونقل التكنولوجيا، ذات أهمية كبرى. ويتطور الجزء الإفريقي من سوق الأسلحة العالمية بشكل ديناميكي للغاية، ويتطلب الكفاءة والقدرة على التكيُّف من جميع المشاركين فيه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لينك التقرير: