د. جيهان عبدالرحمن جاد
متخصصة في الشؤون الإفريقية
مقدمة:
بينما كان العديد من المسؤولين الغربيين والقادة الأمنيين والعسكريين من جميع أنحاء العالم مجتمعين في مؤتمر ميونخ الأمني لمناقشة القضايا المُلحَّة والعاجلة؛ اختار الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا القيام بجولةٍ في كلٍّ من مصر وإثيوبيا؛ المنضمّتين حديثًا إلى مجموعة البريكس في يناير 2024م.
وتأتي زيارة لولا دا سيلفا لإفريقيا بعد مرور شهرين ونصف فقط على رئاسة البرازيل لمجموعة العشرين -والتي تمثل حوالي 85% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وأكثر من 75% من التجارة العالمية، وحوالي ثلثي سكان العالم-، والتي تستمر لمدة عام تنتهي في نوفمبر 2024م، مع انعقاد القمة الرئاسية لمجموعة العشرين في ريو دي جانيرو.
وتكتسب هذه الجولة أهميةً خاصةً؛ حيث إنها أول زيارة لرئيس برازيلي إلى مصر منذ عشرين عامًا، كما أنها ثاني جولة يقوم بها الرئيس البرازيلي إلى القارة الإفريقية خلال ولايته الثالثة؛ حيث زار جنوب إفريقيا وأنجولا وساو تومي وبرينسيبي في أغسطس 2023م.
زيارة لولا دا سيلفا لمصر وإثيوبيا:
وصل لولا دا سيلفا إلى مصر في 14 فبراير 2024م، واستمرت زيارته لمدة يومين، وقَّع خلالها العديد من مذكرات التفاهم، وشارك في الدورة الاستثنائية لجامعة الدول العربية. ثم واصَل طريقه إلى أديس أبابا بإثيوبيا، وحضر القمة السنوية لزعماء الاتحاد الإفريقي، والتي انعقدت في الفترة من 17 إلى 18 فبراير. ورافقه وفد من الوزراء البرازيليين، من بينهم وزير الخارجية ماورو فييرا، ووزير التنمية والمساعدة الاجتماعية لينجتون دياس، ووزير العلوم والتكنولوجيا والابتكار لوسيانا سانتوس، وغيرهم.
أكد “لولا” على أن البرازيل ستتعاون بشكل أكبر مع إفريقيا، وأنه من الضروري بناء مشاريع اجتماعية شاملة من أجل مجتمع مزدهر حرّ وديمقراطي وسيادي، فالقارة جزء مهم من العالم، وخاصة بالنسبة للجنوب العالمي([1])، ولدينا فرص أكبر للتجارة مع الدول النامية الإفريقية مقارنةً بالدول الأوروبية.
وخلال زيارته لإثيوبيا، شارك “لولا” في حفل افتتاح القمة السابعة والثلاثين لرؤساء دول وحكومات الاتحاد الإفريقي، وأكد “لولا” أيضًا أن قمة الاتحاد الإفريقي منحته الفرصة للقاء زعماء من جميع أنحاء القارة في رحلة واحدة؛ وقال: “إذا قمت بزيارة كل دولة إفريقية، فسوف يستغرق الأمر 54 رحلة، وسيكون من المستحيل القيام بذلك”. لذا اعتبر أن زيارته لإثيوبيا واحدة من أهم الرحلات التي قام بها.
وعقد الرئيس البرازيلي اجتماعات ثنائية مع بعض الرؤساء الأفارقة؛ منهم الرئيس الكيني وليام روتو الذي أعرب عن اهتمام بلاده بالآلات الزراعية البرازيلية. وناقش في اجتماع آخر، مع رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي، إعادة فتح السفارة البرازيلية في ليبيا والمغلقة منذ عام 2014م. كما انتقد “لولا” عدم وجود رحلات جوية مباشرة بين البرازيل ونيجيريا خلال لقائه بالرئيس بولا تينوبو([2]).
وحول استئناف التعاون السياسي بين البرازيل والقارة الإفريقية، قال الرئيس البرازيلي: “أودّ أن أوضّح أننا بحاجة إلى علاقة مركزية مع القارة الإفريقية”. ليس فقط لأن إفريقيا جزء من ثقافتنا وجذورنا، ولكن أيضًا لأنها مساحة استثنائية لمستقبل العالم. وأضاف: “أنا مقتنع بأن دعم ومساندة الفقراء يمثل حلًا لبعض المشكلات العالمية المعاصرة، ونحن بحاجة إلى منح الناس الفرص ليكونوا قادرين على فهم مجتمع الطبقة الوسطى الذي يمكننا بناؤه معًا”([3]).
دوافع لولا دا سيلفا من الزيارة:
هناك عدة دوافع كانت وراء زيارة لولا دا سيلفا لإفريقيا؛ من أهمها، أن البرازيل العضو المؤسِّس لمجموعة البريكس، ورئيسة مجموعة العشرين خلال العام الحالي، ترى أن التعددية القطبية الجديدة هي أفضل نهج للقرن الحادي والعشرين، وقد سلط الرئيس لولا الضوء على أهمية مجموعة البريكس باعتبارها فرصة لتعزيز نفوذ الجنوب العالمي، وأنها تلعب دورًا رئيسيًّا في مساعدة الدول الناشئة على الازدهار. كما يعتقد أنه من الممكن ضمّ دول إفريقية أخرى إلى مجموعة البريكس، وكذلك إلى مجموعة العشرين. وذكر أن الأفارقة والبرازيليين بحاجة إلى صياغة طريقهم الخاص في النظام الدولي الناشئ، وإنشاء نظام حوكمة عالمي جديد لمواجهة التحديات المعاصرة.
تطمح البرازيل إلى تعميق مكانتها على الصعيد الدولي من خلال الاعتماد على تعزيز العلاقات مع إفريقيا، خاصةً بعد انضمام مصر وإثيوبيا إلى مجموعة بريكس؛ حيث تشكل الدولتان سوقًا استهلاكيًّا مهمًّا، فضلًا عن أنهما تُمثلان أحد أعمدة القارة السمراء، وبالتالي من المهم جدًّا تعزيز الشراكة معهما. ويتطلع “لولا” إلى توثيق التعاون بين بلدان النصف الجنوبي من الكرة الأرضية من أجل مستقبل الاقتصاد العالمي، وأن يأخذ مكانته في الاقتصاد والسياسة والثقافة العالمية، بالإضافة إلى تعزيز التعاون بين إفريقيا والبرازيل في مختلف المجالات لتحقيق التقدم المتبادل ومواجهة التحديات العالمية([4]).
وقال “لولا” في خطابه أمام قمة الاتحاد الإفريقي: “إن الجنوب العالمي أصبح جزءًا أساسيًّا من الحل للأزمات الرئيسية التي يعاني منها الكوكب، مثل: عدم المساواة، والحرب، وتغير المناخ”. ودعا إلى إقامة علاقة تفضيلية مع القارة الإفريقية، وإلى تطوير شراكات إستراتيجية تشمل تحوُّل الطاقة والزراعة منخفضة الكربون وقضايا أخرى تتعلق بمسألة المناخ؛ لأن القارة الإفريقية هي مساحة مستقبلية استثنائية لأولئك الذين يعتقدون أن الجنوب العالمي سيكون حداثة في القرن الحادي والعشرين في الاقتصاد العالمي”([5]).
تضع البرازيل على قائمة أولوياتها خلال رئاستها الحالية لمجموعة العشرين، مكافحة الجوع في العالم، وإصلاح المنظمات العالمية، بما في ذلك صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وإعطاء معاملة أكثر عدالة للديون السيادية للمقترضين المتعثرين. ويعتمد تحقيق هذه الأهداف على بناء تحالفات قوية([6]).
علاوةً على ذلك؛ رفض الرئيس البرازيلي فكرة أن الحل للتحديات العالمية يكمن في الأيديولوجيات اليمينية المتطرفة، وشدّد على الحاجة إلى مشاريع اجتماعية شاملة تضمن الرخاء والحرية والديمقراطية والسيادة للجميع. وأعرب الرئيس عن الحاجة إلى تعزيز الأمم المتحدة ومجلس الأمن التابع لها؛ لأن تشكيلتها الحالية “ليست قوية بما يكفي لمنع الحروب”. واقترح أن تقوم الجمعية العامة للأمم المتحدة بإلغاء حق النقض (الفيتو)، وأن تضم دولًا من إفريقيا وأمريكا اللاتينية كأعضاء دائمين([7]).
من الواضح أن طموحات البرازيل الجيوسياسية تمر عبر إفريقيا، ولكنّ الأمر سوف يتطلب بذل جهود متضافرة لتحقيق النتائج. ولا تزال المراكز الدبلوماسية البرازيلية في القارة تعاني من قلة عدد الموظفين مقارنةً بمثيلاتها في أماكن أخرى، مثل أوروبا. وأدَّت موجة الانقلابات في منطقة الساحل إلى إجهاد الدبلوماسية والتواصل التجاري([8]).
ماذا ستجني إفريقيا من زيارة رئيس البرازيل؟
تمتلك البرازيل نموذجًا تنمويًّا مهمًّا؛ فهي عضو في مجموعة من الأسواق الكبيرة في أمريكا الجنوبية وأمريكا اللاتينية، وعضو في مجموعة البريكس، وعضو في مجموعة العشرين. هذا بالإضافة إلى أن لديها تصورًا فيما يتعلق بإصلاح الحوكمة المالية والاقتصادية، ودفعت تلك المقومات البرازيل إلى البحث عن شركاء جدد في القارة السمراء.
وتدرس البرازيل خططًا لإعادة هيكلة وإعفاء جزء من قروضها البالغة 280 مليون دولار للحكومات الإفريقية، بما في ذلك حكومات غانا وموزمبيق والسنغال. ويهدف “لولا” إلى الضغط على الدائنين الأثرياء ليفعلوا الشيء نفسه. كما يتخذ بنك التنمية التابع لمجموعة البريكس خطوات لبناء بدائل لهيمنة الدولار.
خلال أول إدارتين للرئيس “لولا” في الفترة من 2003 إلى 2010م، فتحت البرازيل أو أعادت تنشيط أكثر من 15 سفارة في البلدان الإفريقية، كما أنها أطلقت برامج متعددة للتعاون الثنائي. وبحلول عام 2009م، وصلت الصادرات البرازيلية إلى إفريقيا إلى مستوى قياسي بلغ 5.7% من صادراتها العالمية. وانخفض هذا الرقم إلى 3.9% بحلول عام 2023م، عندما تولى “لولا” منصبه مرة أخرى. والآن، وفي محاولة لإعادة تنشيط العلاقات التجارية في القارة، تطرح إدارة “لولا” خطوط ائتمان جديدة للصادرات إلى البلدان الإفريقية، وتخطط لبرامج تعاون ثنائي مع وكالات الأبحاث الحكومية البرازيلية في قطاعي الرعاية الصحية والزراعة([9]).
كما أعرب الرئيس عن استعداده للتعاون مع إفريقيا في مجالات، مثل: إنتاج الغذاء، والطاقة المتجددة، والرعاية الصحية، وحماية البيئة، وخاصة في حماية الغابات الاستوائية في الأمازون والكونغو. ولتعزيز هذه المبادرات، اقترح الرئيس إنشاء مركز تعاون متقدم مع الاتحاد الإفريقي([10]). وأشار إلى إمكانية توسيع برنامج “المزيد من الغذاء” (Mais Alimentos) الفيدرالي البرازيلي، الذي يعزز إنتاج الغذاء، ويزيد إنتاجية الزراعة من خلال التمويل والمساعدة الفنية للمنتجين الصغار والمتوسطين، ليشمل قارة إفريقيا([11]).
تبرعت وكالة التعاون البرازيلية خلال الزيارة بمرشحات المياه والأغذية التي تنتجها حركة “العمال الريفيين” في البرازيل Movimento dos Trabalhadores Rurais Sem Terra (MST) إلى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في إثيوبيا، وتم إرسال 65 مرشحًا للمياه، و10 أطنان من المواد الغذائية، و4 أطنان من الأرز، و4 أطنان من الحليب المجفّف، وستذهب التبرعات إلى مخيمات اللاجئين في منطقة جامبيلا بإثيوبيا، والتي تدعم 385000 لاجئ([12]).
وأكد لولا دا سيلفا خلال اجتماعه مع تينوبو رئيس نيجيريا على تعزيز العلاقات الثنائية، خاصةً بعد انخفاض حجم التجارة بينهما من 10 مليارات دولار إلى 1.6 مليار دولار، هذا بالإضافة إلى تطوير مجال الطيران، وإزالة جميع العقبات التي تَحُول دون إقامة المزيد من الشراكات في جميع مجالات العمل؛ حيث تنظر نيجيريا إلى النمو الهائل الذي حققته البرازيل في مجال الزراعة بعين الاهتمام، والتعاون معها في ميكنة أنظمة إنتاجنا الغذائي لتحسين جودة وكمية الإنتاج([13]).
وعقب عودة “لولا” تم عقد أول اجتماع لوزراء الخارجية مجموعة العشرين تحت رئاسة البرازيل في ريو دي جانيرو خلال يومي 21 و22 فبراير 2024م، وتم دعوة وزير خارجية مصر، لمناقشة تداعيات الفقر وأزمة المناخ والتوترات العالمية المتصاعدة. وتركز رئاسة البرازيل لمجموعة العشرين على ثلاث أولويات رئيسية: مكافحة الجوع والفقر وعدم المساواة؛ والتنمية المستدامة بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية؛ وإصلاح الحوكمة العالمية([14]).
الخاتمة:
تنظر البرازيل إلى التعاون بين بلدان الجنوب على أنه المفتاح الحقيقي لتسريع أجندة التنمية في إفريقيا، ومن خلال التبادلات ونقل المعرفة بين البرازيل وإفريقيا في مجالات مثل الزراعة توفّر رؤى حول كيفية تحقيق القارة للأمن الغذائي في القارة. لكنّ الرئيس “لولا” أمامه العديد من التحديات في معركته من أجل التعددية، لكنّ رحلته إلى إفريقيا واجتماعاته مع القادة الأفارقة والعرب توضّح منهج لولا الواضح، وتوسيع كتلة البريكس للاقتصادات النامية خلال العام الجاري يُعدّ عنصرًا مناسبًا لإقامة شراكات جديدة مع القارة، وهو السبيل لذلك.
وما يزيد من أهمية هذه الزيارة؛ هو أن البرازيل حريصة على التوجه أكثر نحو إفريقيا، التي تسجل العديد من دولها معدلات عالية من النمو الاقتصادي، مما يُتيح العديد من الفرص للشركات البرازيلية. كما أن أهمية القارة الجيوسياسية آخِذة في الازدياد. ولهذا السبب من المهم بالنسبة للبرازيل أن تعمّق علاقاتها مع إفريقيا، وعلى الدول الإفريقية اقتناص الفرص المتاحة للاستثمار والتنمية.
……………………………………………
([1]) يشير مصطلح الجنوب العالمي إلى مجموعة من الدول التي تشترك في خصائص سياسية وجيوسياسية واقتصادية؛ مسؤولة عن نصف الناتج المحلي الإجمالي في العالم؛ وهي أحد المحركات الرئيسية للنمو الاقتصادي العالمي.
([2]) Lula speaks about a strong “global south” before African leaders, February 19th 2024.
https://en.mercopress.com/2024/02/19/lula-speaks-about-a-strong-global-south-before-african-leaders
([3]) Osborn, Catherine, Why Lula Visited Africa Brazil views south-south cooperation as key to overcoming global challenges, February 23, 2024.
https://foreignpolicy.com/2024/02/23/brazil-lula-g-20-african-union-gaza-israel-ukraine/
([4]) Brazil to Strengthen Ties with Africa for a Fairer World, 19 February 2024.
([5]) Lula speaks about a strong “global south” before African leaders, Op.cit.
([6]) Osborn, Catherine, Op.cit.
([7]) G20: the first meeting of foreign ministers from Wednesday in Brazil, international crises on the table, February 20 2024.
([8]) Osborn, Catherine, Op.cit.
([9]) Ibid.
([10]) Brazilian President Calls for Enhanced Cooperation between Africa, Brazil, February 17/2024.
([11]) Lula commends unity between Brazil and Africa during press conference in Ethiopia, Feb 18, 2024.
([12]) Setz, Raquel, Brazil donates water filters and food produced by the MST to refugees in Africa, February 23/2024.
([13]) Tinubu, Brazilian president meet, discuss bilateral interests, February 18, 2024.
([14]) Brazil pushes for stronger representation of developing nations as G20 FM meeting opens, February 22, 2024.