موقف الاتحاد الإفريقي من 186 انقلابا عسكريا غير حاسم ويزيد من ضعف التنمية وعدم الاستقرار:
جاء تعامل الاتحاد الإفريقي في الآونة الأخيرة مع عشرات الانقلابات العسكرية وتولي عسكريين للسلطة وعزلهم للرؤساء المنتخبين بصورة غير حاسمه ، خالف فيها ميثاقه أحيانا ، ليؤكد أن خروج القارة السمراء من دائرة الانقلابات هو أمر صعب وسيظل لفترة من الوقت مرتبطا بالقارة الإفريقية ، ما يجعل تداعياته فيما يخص ضعف التنمية وعدم الاستقرار مستمران .
وكان أبرز إخفاق واضح في هذا الصدد هو التعامل مع الجنرال محمد ولد عبد العزيز رئيس المجلس العسكري في موريتانيا التي شهدت 16 انقلابا عسكريا ، برغم مخالفة هذا للميثاق الإفريقي الخاص بالحكم والديمقراطية حتي أصبح هو رئيس الاتحاد الإفريقي ، وبدروه سمح الاتحاد الإفريقي في عهده بعودة عضوية مصر المجمدة عبر مجلس السلم والأمن الإفريقي بعد تعليقها منذ 5 يوليه 2013 بما يخالف ميثاق الاتحاد الإفريقي ، الذي يمنع مكافأة من يقوم بالانقلاب العسكري من تولي الرئاسة في بلده .
186 انقلابا منذ الستينات
وفقا لبعض الإحصاءات والدراسات الخاصة بعدد الانقلابات في إفريقيا ، تبين أن 186 انقلابًا وقعت في القارة منذ حصول أغلب الدول الإفريقية على استقلالها في بداية حقبة الستينيات، وهي انقلابات أدى فيها الاستعمار وأجهزة استخبارات الدول الاستعمارية دوراً كبيراً لتأمين سيطرة نخب موالية لها ، والقسم الأخر وقع بسبب رغبة العسكريين في السيطرة علي السلطة والثروة في البلاد ، والبعض الأخر جاء مستفيدا من مظاهرات وقعت في بعض الدول ضد الحكام المنتخبين ، وامتطاء لواء الثورة ضد هؤلاء الرؤساء كمبرر لعزلهم ومن ثم الظهور بمظهر الحاكم الكاريزما الذي يسهل انتخابه في انتخابات جديدة .
الميثاق الإفريقي للديمقراطية
ينص “الميثاق الإفريقي للديمقراطية والانتخابات والحكم الرشيد” الذي أقر عام 2007 ودخل حيز التنفيذ في 15 فبراير 2012 علي أنه يحظر تولي قادة الانقلابات في إفريقيا أي مناصب سياسية لعقابهم علي ما فعلوه من قلب للحكومات الديمقراطية بقوة السلاح .
حيث نص الميثاق الإفريقي في المادة رقم 25 فقرة 4 على أنه : “لا يجوز لمرتكبي التغيير بطرق غير دستورية المشاركة في الانتخابات التي تجرى لاستعادة النظام الديمقراطي أو تولي مناصب المسؤولية في المؤسسات السياسية للدولة” ، وهو ما يعني أن القادة العسكريين الذين قاموا بانقلابات عسكرية منذ 2007 وحتي الآن غير شرعيين ، وخصوصا الذين قاموا بانقلابات بعد 2012 تاريخ بدء تنفيذ الميثاق .
وقد طالت الانقلابات أغلب الدول الإفريقية ، فمثلاً وقع الشعب الموريتاني ضحية لأكثر من 16 انقلابًا منذ استقلال موريتانيا عن فرنسا في ستينيات القرن الماضي كان أهمها الانقلاب الذي قاده الرئيس معاوية ولد سيدي أحمد الطايع على الرئيس الموريتاني المختار ولد داده عام 84 حتى وقع الانقلاب الذي قاده الجنرال علي ولد فال على ولد الطايع مستغلاً وجوده في المملكة العربية السعودية لتأدية واجب العزاء في وفاة العاهل السعودي الملك فهد بن عبد العزيز بعد إخفاق 17 انقلابًا في الإطاحة بولد الطايع .
ومهد انقلاب ولد فال لتسليم السلطة لحكومة ديمقراطية بقيادة سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله الذي وصل للرئاسة في انتخابات شفافة نادرًا ما تعقد داخل العالم العربي، لكن هذه التجربة لم يكتب لها النجاح وأطلت الانقلابات برأسها على موريتانيا من جديد إطلالة أوصلت العسكر إلى السلطة بقيادة الجنرال محمد ولد عبد العزيز رئيس المجلس العسكري، الذي أصبح رئيسا ثم اصبح رئيسا للاتحاد الإفريقي نفسه .
وحدث الأمر نفسه في نيجريا من (مسعود ايبولا) الي (الجنرال عبد السلام أبو بكر) الذي انقلب علي الرئيس المنتخب ومهد لتسليم السلطة للجنرال (محمد ساني آباتشا) الذي لقي مصرعه في ظروف غامضة، وبعدها وصل للسلطة (أوباسانجو) النصراني الأول الذي حكم البلاد لحقبتين عمل خلالهما على تكريس هيمنة النصارى على المجتمع وتهميش المسلمين رغم أن نسبتهم لعدد سكان البلاد تزيد على 70% ، ثم الرئيس المسلم (عمر يارادوا) الذي توفي بعد صراع مع مرض في القلب وتولي نائبه المسيحي – الرئيس النيجيري الحالي – “غودلاك جوناثان” السلطة بعد أدائه اليمين الدستورية وأصبح هو الرئيس رسمياً (بدون انتخابات) خلفاً للرئيس المنتخب .
صراعات علي الذهب والثروات
وهناك دول مثل سيراليون والجابون ومالي ومالاوي وبوركينافاسو ورواندا وبورندي وأوغندا لم تكن بعيدة عن الانقلابات؛ التي جرت علي خلفية السيطرة علي الذهب أو الموارد المعدنية والماس ، حيث عانت منها هذه الدول وفقد ملايين المواطنين حياتهم بسبب الصراع على السلطة كما حدث في رواندا عام 1994م عندما لقي ما يقرب من مليون شخص مصرعهم على أيدي ميليشيات الهوتو قبل أن تتدخل قوى دولية وإقليمية لتطردهم من السلطة ، وسيراليون وبورندي حيث الصراع علي الماس الدموي القاتل الذي يذهب للغرب ، وتساند حكومات ومرتزقة الحاكام هناك علي الانقلاب للسيطرة علي الثروة .
الانقلابات وبال على الشعوب
والمؤكد أن الانقلابات العسكرية كانت وبالاً على شعوبها، وأكدت مدى النفوذ الذي تتمتع به القوى الاستعمارية في البلاد، ومدي الطمع من قبل المؤسسات العسكرية في ثروات ابلاد والرغبة في الاستئثار بها ، فضلاً عن ضلوع الشركات متعددة الجنسيات في هذه الانقلابات لاسيما إذا كانت النخب الحاكمة لا تدعم مصالح هذه الدول أو تفتح لها الباب على مصراعيه لنهب ثروات هذه الشعوب مقابل عمولات ضخمة تدخل جيوب الطغاة والانقلابيين.
والانقلابات التي جرت في غالبية الدول الإفريقية أسفرت عن قتل الآلاف من المعارضين أو حتي الابرياء برصاص الانقلابيين ، واعتقال الالاف ونهب ثروات البلاد لصالح فئات فاسدة في الدول المختلفة ، فضلا عن تهجير الاف اللاجئين وتركهم لبلادهم .
وإذا كنا نتحدث عن 186 انقلابا عسكريًا و26 صراعًا كبيرًا على السلطة في إفريقيا ، فقد جاءت نتائجها كارثية أثرت علي ضعف التنمية في القارة واستمرار عدم الاستقرار ، وتسببت في مقتل ما يقرب من 10 ملايين إفريقي وتحويل ما يقرب من 40 مليونًا إلى لاجئين أغلبهم فقد الأمل في العودة لبلاده نتيجة انعدام الأمن ، فيما لا تزال دول تعاني من المذابح حتي الان وانضمت دول جديدة للقائمة عقب الانقلابات الأخيرة في إفريقيا منذ 2012 حتي الان .
ونتيجة لهذا ضربت المجاعة ما يقرب من 50 مليون إفريقي نتيجة الأوضاع الاقتصادية المعقدة وتراجع الصادرات من أغلب الدول وانهيار المؤسسات السياسية والاقتصادية والتعليمية والإعلامية؛ وأصبحت القارة الإفريقية أكبر مورد للأمية في العالم ، وزاد تكالب الغرب علي ثروات القارة المعدنية خصوصا النفط الذي ظهر مؤخرا بغزارة .
ويقدر مركز استنافورد في واشنطن معدلات النمو في إفريقيا في ظل الانقلابات بأنها لا تتجاوز 1% سنويًا وانخفض الدخل القومي لمواطني أغلب بلدان القارة إلى أقل من 350 دولارًا في العام؛ وأصبحت الدول الإفريقية على قائمة تضم 57 دولة هي الأكثر فقرًا في العالم .
وهناك سلبيات أخري وخسائر نتيجة الانقلابات تمثلت في انتشار النفوذ الغربي في الدول الإفريقية وسيطرة أقليات علي الأغلبية المسلمة وانتشار المنظمات التنصيرية وتمدد مصالحها مع الغرب وشركات استعمارية مرتزقة نهبت المزيد من ثروات البلاد ، ناهيك عن سيطرة أجهزة الاستخبارات الغربية على القارة الإفريقية وللسطو على ثرواتها والتحكم في اختيار النخب الحاكمة بها ما داموا يسيرون في الفلك الغربي .
ومع أن الاتحاد الإفريقي يحاول عبر وضع مواثيق جديدة للحكم الرشيد والديمقراطية منع هذه الانقلابات ، كما يحاول عبر محاكمة الإفريقية منع الجرائم التي تقع بواسطة الانقلابات فلا تزال الكثير من القرارات تؤخذ في القمم والمؤتمرات الإفريقية وفقا للمصالح أكثر من المبادئ .