نقل سقوط نظام القذافي إفريقيا وسط الصحراء لمرحلة جديدة حيث كان لملك ملوك إفريقيا اهتماما خاصة بإفريقيا وهو صاحب دعوة الولايات المتحدة الإفريقية لذى سعى إلى احتواء كثير من حركة التمرد في إفريقيا، ورغم كل مثالب النظام الغاشم إلا أنه كانت له تغلغلاته في إفريقيا، وبسقوط هذا النظام انكشف كثيرًا من البؤر الصديدية التاريخية التي كانت نشأتها مرتبطة بالاستعمار وعمل نظام القذافي على تسكينها مؤقتا.
ونستطيع القول إن معظم مجتمعات الطوارق في إفريقيا عانت لفترة طويلة من الكثير من التهميش والتخلف وضعف القدرة عل الاندماج والانسجام مع نظم الدولة المعاصرة. وتتحمل الدول الإفريقية التي يوجد فيها هذه المجموعات الطوارقية على شكل أقليات جزءاً كبيراً من مأساة الطوارق، إذ يحرمون من البني التحتية التعليمية والصحية ويفتقدون إلى أدنى متطلبات الحياة الكريمة. إضافة إلى أن تمسك الطوارق بعادتهم وتقالديهم ساهم أيضا في زيادة حالة العزلة التي يعانون منها (1).
كما يُفسر سر النقمة التي يعاني منها الطوارق بأنهم مجتمع لم يكن من تلك الأقليات التي استفاد منها الاستعمار وجندها لصالحه ومصالحه، فكان سنداً لها بعد رحيله كما كانت سنداً له أثناء تواجده في مستعمراته. ويعتبر أن الطوارق هم وحدهم من حمل سلاح المقاومة في وجه المستعمر الفرنسي في مالي والنيجر من بين المجموعات الإفريقية التي كانت تتعايش معهم لحظتها.
عندما استقلت جمهورية مالي عن فرنسا على عهد الرئيس القوي مديبوكيتا 1960 ضمت ولايتي كيدال وتنبكتو اللتين تشكلان أكثر من ثلث أراضي البلاد، غير أن انحيازا ثقافيا معاديا للحواضر الإسلامية، المناهضة للاستعمار الفرنسي شكل أرضية سياسية وفكرية، أسست لتهميش هذه المناطق، من قبل الحكومة المالية، التي ينحدر جل أعضائها من الجنوب، المنخرط في الأجندة الاستعمارية منذ عقود، هذه الظروف الصعبة دفعت الطوارق في جمهورية مالي إلى حمل السلاح الدخول في مواجهة عسكرية ضد النظام الذي يتهمه الطوارق بإهمال منطقة الشمال، وممارسة الغبن والحيف السياسي ضد أبناء جلدتهم.
ويأتي هذا الفصل الجديد من الصراع بين الطوارق والحكومة المالية ليكون الرابع في سلسلة حروب بعضها طاحن نشبت بين الطرفين كانت أولاها سنة 1963 ضد نظام موديبو كيتا الشيوعي، وهو أول رئيس لدولة مالي المستقلة، بينما كانت الثانية ما بين (1990-1996) وانتهت باتفاقية بين المتمردين الطوارق وحكومة موسى تراوري في تمنراست بالجزائر في يناير 1991، والتي استكملت بملحقات سميت بالميثاق الوطني بعد أن تجدد الصراع بين الطرفين بعد الاتفاقية الأولى.
ثم في 23 مايو 2006 اندلع الفصل الثالث من الصراع بعد أن أعلن كل من الزعيمين المتمردين إبراهيم أغ باهانغا والحسن فاغاغا الحرب من جديد ضد الحكومة المالية بعد فشل وساطة غير معلنة قام بها زعيم طارقي آخر هو إياد أغ غالي، وفشل فيها بإقناع الرئيس الحالي آمادو توماني تورى بالمطالب التي قدمها زعيما التمرد في لقاء جمع الاثنين في 22 مايو/أيار 2006 في قصر كولوبا الرئاسي.
انتهى هذا الفصل من الصراع بعد توقيع اتفاقية للسلام في الجزائر في يوليو 2006 التي أنهت رسميا تمرد الطوارق ولكن وكما في المرات السابقة اضطر الطرفان أيضا لقبول وساطة ليبية أسفرت عن ما سمي بـ”بروتوكول تفاهم” وقع عليه الطرفان في 20 مارس 2008 في طرابلس بليبيا، وهو ما وضع حدا للأعمال العدائية التي سببها هجوم قام به المتمردون الطوارق على مركز عسكري للجيش المالي وقع على بعد 150 كلم شمال كيدال، كبرى مدن الشمال المالي وهو ما شكل خرقا لاتفاقية الجزائر(2).
التيارات والجماعات الطوارقية
أدى عدم وفاء الحكومة المالية بالتزاماتها تجاه الشراكة التي أقامتها مع الطوارق إلى ظهور عدد من التنظيمات الطوارقية أهمها:
الحركة الشعبية لتحرير أزواد: