مقدمة:
إن الخدمات اللوجستية هي شريان الحياة للتجارة الدولية الضرورية لتحقيق النمو الاقتصادي والحد من الفقر. وقد أدَّت الرقمنة إلى التحسُّن في الخدمات اللوجستية، والتي تشمل أنظمة التتبُّع المحسَّنة، والتدفقات الرقمية للمعلومات، والذكاء الاصطناعي والأتمتة، ما أدَّى إلى دعم وتمتين التجارة العالمية.
غير أنه لا تزال اقتصادات منطقة إفريقيا جنوب الصحراء، التي تعتمد بشكل كبير على سلع التصدير، متخلِّفة عن الرَّكب، وتتصارع مع أُطُر السياسات غير الكافية، والعجز الضخم في البنية التحتية، والحواجز التجارية التي تُؤدّي إلى سلسلة توريد مكسورة تؤثر سلبًا على النمو.
وتحاول الدول قياس تيسير التجارة كجزء من تصميم سياساتها الاستراتيجية. ويكمن الهدف الأساسي لهذا القياس في مقارنة الأداء الذاتي وأساليب العمل مع أداء وأساليب عمل المنافسين، أو مع الممارسات المُثْلَى بغرض تحديد مستويات الأداء المراد تحقيقها. وتحتاج تلك العملية إلى استخدام مؤشرات تصف مستوى تيسير التجارة، وتقييم الوضع القائم بغرض التعرّف على المشكلات والعوائق الخانقة، وتحديد مواضعها وسبل تذليلها.
ويساعد مؤشر أداء الخدمات اللوجستية (الأداء اللوجستي) البلدان في إفريقيا جنوب الصحراء على تحديد المواضع التي تحتاج إلى تحسين من أجل تعزيز التنافسية.
والمؤشر هو أداة قياس مرجعية تفاعلية أنشأها البنك الدولي لمساعدة البلدان على تحديد التحديات والفرص في مجال الخدمات اللوجستية، وما يُمكنها القيام به لتحسين أدائها. والنتائج المُستخلَصة من المؤشر تُوفِّر معيارًا عامًّا عالميًّا لصناعة الخدمات اللوجستية ولمستخدميها. كما تم تبنّي نتائج المؤشر مِن قِبَل المجتمع الأكاديمي. وقد أصدر البنك مؤشر الأداء اللوجستي لعام 2023م.
وسوف نحاول من خلال هذه الدراسة التحليلية التعرف على معدلات الأداء اللوجستي في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء من خلال المباحث التالية:
المبحث الأول: التجارة الإفريقية ومؤشرات قياس الأداء اللوجستي.
المبحث الثاني: تحليل مؤشر الأداء اللوجستي في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء لعام 2023م.
المبحث الثالث: الأداء اللوجستي وعلاقته بالتجارة والنمو ودوره أثناء جائحة كورونا في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء.
المبحث الأول
التجارة الإفريقية ومؤشرات قياس الأداء اللوجستي
وسوف نركّز في هذ المبحث على الوضع الحالي للتجارة الإفريقية، ثم مؤشرات قياس الأداء اللوجستي، مع التركيز على مؤشر الأداء اللوجستي.
المطلب الأول
وضع التجارة الإفريقية
وفقًا لتقرير منظمة التجارة العالمية لعام 2018م؛ فإن إجمالي حجم التجارة الإفريقية، مقارنة بالعالم صغير نسبيًّا، حوالي 951 مليار دولار أو 2,17% في عام 2017م، وتنمو بشكل مطرد، ولا تزال التجارة البينية في إفريقيا صغيرة، ولكنّها آخِذَة في النمو. ونمت إلى 19,6% من إجمالي التجارة الإفريقية، ارتفاعًا من 15,2% في عام 2014م، و10,3% في عام 2008م. ولكي تحدث التجارة الرائجة، يُعدّ وجود نظام لوجستي متطوّر أمرًا ضروريًّا؛ لأنه يرتبط بالتوسع التجاري والتنويع والقدرة على جَذْب الاستثمارات الأجنبية. ويمكن للبنية التحتية للطرق البرية والنهرية والموانئ والسكك الحديدية والمطارات والعمليات التجارية المتقدمة أن تُخفِّف من الاختناقات في سلسلة الخدمات اللوجستية على سبيل المثال، ويمكن أن يؤدي اختناق واحد في بلد غير ساحلي إلى إحداث تأثير كبير في جميع أنحاء سلسلة التوريد، ويمكن أن يؤدي إلى نتائج تجارية أقل.
وعلى الرغم من التحديات الكثيرة؛ إلا أن التجارة الإفريقية نمت بنسبة 10,6% في عام 2017م، مقارنة بنسبة 4,7% في بقية دول العالم. وتعتبر الخدمات اللوجستية الفعَّالة أمرًا حيويًّا في دعم حركة السلع والخدمات؛ وفقًا للمراجعة الإحصائية للتجارة العالمية (2017/ 2018م) لجعل سلاسل التوريد أكثر كفاءة، وتقليل إجمالي التجارة المرتبط بها تكاليف التشغيل. في المقابل فإن عدم كفاية البنية التحتية المتعلقة بالتجارة، واختناقات سلاسل التوريد -التي تمثل الخدمات اللوجستية- تُعدّ عناصر مهمة في تثبيط حركة التجارة. كما أن خفض المحددات الرئيسة لتكاليف التجارة إلى النصف من شأنه أن يرفع التجارة العالمية بما يُقدَّر بنحو 15%، والإنتاج العالمي بنسبة 5%([1]).
ووفقًا للأونكتاد في تقريره عن التنمية الاقتصادية في إفريقيا لعام 2021م؛ تقف التجارة البينية الإفريقية منخفضة عند مستوى 14,4% فقط من إجمالي الصادرات الإفريقية. وتظهر توقُّعات الأونكتاد أن منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية يمكن أن تُعزّز التجارة البينية الإفريقية بنحو 33%، وتُخفّض العجز التجاري للقارة بنسبة 51%.
من جهة أخرى تُعدّ إفريقيا موطنًا لـ12% من سكان العالم، ولكنها تمثل أقل من 1% من سوق الخدمات الجوية العالمية، ووفقًا لدراسة أجراها البنك الدولي عام 2010م حول كيف يمكن لتحرير النقل الجوي أن يؤدي إلى تحسين السلامة الجوية، وخفض الأسعار، وزيادة حركة المرور؛ فإن الأجواء المفتوحة في إفريقيا تُعدّ جزءًا من السبب وراء حالة نقص الخدمات الجوية في إفريقيا. ووفقًا لدراسة أجراها البنك الدولي بعنوان “الأجواء المفتوحة لإفريقيا – تنفيذ قرار ياموسوكرو”، والتي تدرس التقدم الذي أحرزته إفريقيا نحو تحرير الخدمات الجوية؛ فإن العديد من البلدان الإفريقية تُقيّد أسواق خدماتها الجوية لحماية الحصة التي تملكها شركات النقل الجوي المملوكة للدولة.
وتُظهر بيانات الأونكتاد أن إمكانات التصدير الحالية غير المستغلَّة في إفريقيا تبلغ 21,9 مليار دولار، أي ما يعادل 43% من الصادرات البينية الإفريقية. ويمكن تحقيق 9,2 مليار دولار إضافية من إمكانات التصدير من خلال التحرير الجزئي للتعريفة الجمركية بموجب منطقة التجارة الحرَّة على مدى السنوات الخمس المقبلة([2]).
وتماشيًا مع تباطؤ الإنتاج العالمي؛ تباطأت أحجام التجارة بشكل حادّ بنسبة 2,7% في عام 2022م. ومع ذلك، فإن الزيادات العامة في الأسعار عوّضت الخسائر في نفس العام. مما أعطى زخمًا لقيمة التجارة العالمية التي نمت بنحو 12%. وتوسعت التجارة السلعية في إفريقيا بنسبة 20,9% في عام 2022م، على الرغم من البيئة العالمية الصعبة. وكانت التجارة في المنطقة مدعومة بارتفاع أسعار السلع الأساسية، وزيادة الطلب على الطاقة في إفريقيا من أوروبا. ويُظْهِر التقرير أيضًا أن قيمة التجارة البينية الإفريقية بلغت 193,17 مليار دولار، بنمو 18,6% في عام 2022م. والتي حصلت على دفعة من خلال تنفيذ اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية)[3](.
المطلب الثاني
الخدمات اللوجستية ومؤشرات قياسها
أولًا: الخدمات اللوجستية
كان هناك بعض الغموض في التمييز بين تعريف اللوجستيات وبين النقل والتوزيع، غير أن مفهوم اللوجستيات أشمل وأوسع؛ لأنه يربط بين جميع هذه الأنشطة في آنٍ واحدٍ، وهذا ما أدى إلى وجود عدة تعريفات منها([4]):
– الجمعية الأوروبية اللوجستية عرفتها على أساس وظائفها؛ بأنها: “تنظيم تيار المواد وتخطيطه ومراقبته وتنفيذه، بدءًا من مرحلة شراء أو تحضير المواد الخام الأولية، ثم مرحلة التصنيع والإنتاج والتسويق إلى المستهلك النهائي؛ لإشباع متطلبات السوق أو الزبائن، ولكن بأقل تكلفة وبأقل استخدام لرأس المال”.
– وعرّفها مجلس إدارة اللوجستيات بأمريكا بأنها: “اللوجستيات هي تلك العملية الخاصة بتخطيط وتنفيذ ورقابة التدفق والتخزين الكفء والفعال للمواد الخام والسلع النهائية والمعلومات ذات العلاقة، وذلك من مكان الإنتاج إلى مكان الاستهلاك بغرض تحقيق متطلبات العملاء”.
– كما تعرف اللوجستيات بأنها: “هي فن وعلم وإدارة تدفق البضائع والطاقة والمعلومات والموارد الأخرى كالمنتجات والخدمات، وحتى البشر، من منطقة الإنتاج إلى منطقة الاستهلاك، ومن الصعب أو حتى من المستحيل إنجاز أي تجارة عالمية أو عملية استيراد أو تصدير عالمية أو عملية نقل للمواد الأولية أو المنتجات وتصنيعها دون دعم لوجستي احترافي”.
وقد قدّر السوق الإجمالي العالمي اللوجستيات حسب التقرير الصادر عن منظمة Working Group on Logistics بحوالي 320 مليار دولار سنويًّا عام 2014م. وبنموّ سنوي ما بين 3% و10%. وتستحوذ الولايات المتحدة وأوروبا على أكبر حصة في السوق بامتلاكها أكبر أسواق الخدمات اللوجستية وأكثرها نضجًا([5]).
وصلت قيمتها 4,3 تريليون دولار على مستوى العالم عام 2018م. فهي العمود الفقري للتجارة، ويمكن للخدمات اللوجستية الجيدة أن تقلل من تكلفة التجارة، وتجعل البلدان تتنافس على الصعيد العالمي. إن الحصول على الخدمات اللوجستية الصحيحة يعني تحسين البنية التحتية والمهارات والعادات واللوائح والسياسات والحوكمة بالنِّسَب الصحيحة([6]).
وقد أثبتت بعض الدراسات أن زيادة تكلفة النقل بنسبة 10% تؤدي إلى خفض حجم التجارة بنسبة 20%، وزيادة الوقت بنسبة 10% يؤدي إلى خفض التجارة ما بين 5% و8%([7]).
ثانيًا: مؤشرات قياس الخدمات اللوجستية مع التركيز على مؤشر الأداء اللوجستي
يتوفر الكثير من مؤشرات ومجموعات تيسير التجارة، والاختيار بينها يعتمد على الاستخدام المراد؛ حيث يمكن التفريق بين المؤشرات المُستخدَمة لأغراض قياس الأداء، أو لتحليل الوضع، أو تقييم الأداء وقياسه([8]).
من بين تلك المؤشرات: مؤشر الأداء اللوجستي الصادر من البنك الدولي، الذي يساعد على تحديد التحديات والفرص التي تواجهها الدول في مجال اللوجستيات التجارية، وما يمكن العمل به لتحسين أدائها. ويستند على مسح عالمي يشمل الشركات العاملة في مجال الخدمات اللوجستيبة (وكلاء الشحن العالميين وشركات النقل السريعة)؛ بحيث يتم تقييم الأداء اللوجستي للبلدان التي يعملون فيها، وتلك التي يتاجرون فيها. فالتقرير يجمع بين المعرفة بالبلدان التي يتم العمل فيها وتقييمات نوعية مستنيرة للبلدان الأخرى التي يتم التجارة معها وتجربتها في بيئة اللوجستيات العالمية. فيشمل التقرير كلًّا من آراء العاملين في المجال اللوجستي والبيانات الإحصائية الخاصة بسلسلة اللوجستيات في كل بلد([9]).
ويتألف المؤشر من كلٍّ من المقاييس النوعية، والمقاييس الكمّية، ويساعد على إنشاء ملفات بيانات عن الملاءمة اللوجستية. كما يعمل على قياس الأداء على طول سلسلة الإمداد اللوجستي داخل القُطر، ويقدم ذلك من منظورين مختلفين؛ أحدهما دولي، والآخر محلي([10]).
ويعطي مؤشر الأداء اللوجستي الدولي تقييمًا نوعيًّا للبلدان في ستة مجالات عبر الشركاء التجاريين، والموظفين المهنيين الذين يعملون خارج البلاد. ومؤشر الأداء اللوجستي الدولي مؤشر موجز لأداء القطاع اللوجستي الذي يجمع بيانات لستة عناصر أداء رئيسة في مقياس وحيد، والمجالات هي: الجمارك، البنية الأساسية، الشحن الدولي، والجودة اللوجستية والكفاءة، والمتابعة والاقتفاء، والتوقيت.
ويعطي مؤشر الأداء اللوجستي المحلي تقييمًا نوعيًّا وكمِّيًّا للقُطْر يقوم به موظفون مهنيون لوجستيون يعملون فيه. ويشتمل المؤشر على معلومات تفصيلية عن البيئة اللوجستية، والعمليات اللوجستية الرئيسة، والمؤسسات، ووقت الأداء، وبيانات التكلفة.
وقد جرت العادة أن يقوم البنك الدولي مرة كل عامين بإصدار مؤشر الأداء اللوجستي، وقد صدر التقرير الأول في العام 2007م، وضم حينها 153 بلدًا، ثم صدر التقرير الثاني في العام 2010م، وضم 158 بلدًا. انتظم صدور التقرير بعد ذلك مرة كل عامين؛ حيث صدرت النسخة الثالثة منه في العام 2012م لتضم 158 بلدًا، تلا ذلك تقريرا العامين 2014م و2016م يتضمنان 163 بلدًا، فيما صدرت النسخة السادسة في العام 2018م، واقتصرت على 160 دولة.
وتوقف التقرير عن الصدور في العامين 2020م و2022م؛ وذلك بسبب انتشار جائحة كورونا. وقد صدرت النسخة السابعة قبل نهاية شهر أبريل 2023م، والتي تضمَّنت استطلاع رأي 4090 خبيرًا عالميًّا من الدول الساحلية والمغلقة، وذلك في الفترة الممتدة بين 6 سبتمبر و5 نوفمبر 2022م؛ أي في الفترة التي شهدت تعافيًا من تبعات الجائحة، وقد تمَّت عنونة التقرير بـ Connecting to Compete.
ومِن المُلاحَظ أن تقرير العام 2023م قد انحصر في 139 دولة نزولًا من 160 دولة، والتي شملها تقرير العام 2018م، وصنّفت هذه النسخة بعض الدول في ترتيبات متكررة، وهي سابقة في حد ذاتها. كما صنَّفها في 5 مجموعات بحسب الدخل.
يحتوي تقرير العام 2023م على ترتيب الدول بناء على استطلاع آراء المختصين عن طريق استبيان، وقياس العوامل المُركّبة والمتداخلة للأداء اللوجستي، من دون قياس الاضطراب أو الانحراف في سلاسل الإمداد والتوريد. وعلى الرغم من عدم ضمان حيادية من تم استطلاع آرائهم، إلا أن القائمين على إعداد التقرير يرون أن الاستبيان هو أنجع الطرق لقياس الأداء في القطاعات المركبة أو المعقدة([11]).
وللخدمات اللوجستية أبعادٌ عديدة تجعل من عملية قياس الأداء اللوجستي للبلدان وتقديمه بشكل موجز عملية معقَّدة. فمن السهل جمع البيانات، لكن من الصعب تجميعها في وحدة متَّسقة عبر البلدان. وتكمن العقبة الرئيسة في الاختلافات في هياكل سلاسل الإمداد بين البلدان، تضاف إليها عدم كفاية المعلومات المتوفرة عن الوقت والتكاليف لتقييم شفافية العملية وجودة الخدمات، والقدرة على التنبؤ والموثوقية. يبدأ المسح بأسئلة عن عمل المجيب على المسح، وعن المستوى التنظيمي، وعدد الموظفين في الشركة، وما إلى ذلك الأسئلة من (1-9)، ويُحسب المؤشر الدولي في الجزء الأول من المسح الأسئلة من (10-15)، ويُرتّب كل مجيب ثماني أسواق خارجية حسب العناصر الرئيسة الستة للأداء اللوجستي. ويستند اختيار البلدان الثمانية إلى أهم أسواق الصادرات والواردات في بلد المجيب وبشكل عشوائي. أما البلدان غير الساحلية، فيستند اختيارها إلى البلدان المجاورة لها، التي تُشكِّل جزءًا من الجسر البري الذي يربط البلدان غير الساحلية بالأسواق الدولية([12]):
ووفقًا للمؤشر يجري ترتيب البلدان حسب ملامح اللوجستيات التجارية على مقياس من (1) الأسوأ إلى (5) الأفضل، ولا يستند الترتيب إلى المؤشر المحلي، بل الدولي. ويتألف مؤشر الخدمات اللوجستية من ستة عناصر أساسية هي([13]):
)أ( الجمارك: كفاءة التخليص الجمركي على الحدود)الإجراءات الجمركية: معالجة البيانات الجمركية عبر الإنترنت، وضرورة استخدام مُخلِّص جمركي معتمد في عملية التخليص، واختيار مكان التخليص النهائي، والإفراج عن البضائع بتعهُّد بانتظار إتمام المستندات المطلوبة للتخليص، وإخضاع الواردات للمعاينة، أو لعدة معاينات(. ويشمل هذا العنصر ثلاثة أنواع من السلطات الحدودية: الإدارات الجمركية، ووكالات ضمان الجودة/ الالتزام بالمعايير، ووكالات الصحة والصحة النباتية.
)ب( البنى الأساسية: الموانئ، والطرق، والسكك الحديدية، والمطارات، ومرافق التخزين وإعادة الشحن، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
)ج (نوعية الخدمات اللوجستية: النقل البري، والنقل بالسكك الحديدية، والنقل الجوي، والنقل البحري والموانئ، والتخزين، وإعادة الشحن والتوزيع، ووكلاء الشحن، والدوائر الجمركية، ووكالات ضمان الجودة/المعايير، ووكالات الصحة والصحة النباتية، والمُخلِّصون الجمركيّون، وجمعيات التجارة والنقل، والمرسل إليهم أو الشاحنون.
)د ( التوقيت: توقيت التخليص والتسليم، تواتر وصول الشحنات إلى المرسل إليهم ضمن مواعيد التسليم المقررة أو المتوقعة، والتأخير، والتخزين الإلزامي، والمعاينة قبل الشحن، والمعاينة عند نقل البضائع من سفينة إلى أخرى، والأنشطة الإجرامية، وطلب المدفوعات غير الرسمية(.
)ه( سهولة ترتيب الشحنات الدولية: سهولة ترتيب الشحنات بأسعار تنافسية.
)و( التتبع والتعقب: القدرة على تتبع الشحنات وتعقبها.
ثالثًا: أوجه القصور في المؤشر([14])
1- الاعتماد بشكل كامل على آراء المستخدمين وليس الحقائق.
2- الاعتماد بشكل كبير على التعريف الشخصي لكل إجراء.
3- يمكن تغير تقييم البلد بحسب تغير الأشخاص المجيبين.
4- لا يؤخذ في الاعتبار آراء المحليين.
5- يمكن أن يؤدي استياء متعاملين محددين إلى تدنّي تقييم البلد.
6- لا يتم مناقشة النتائج مع البلد قبل نَشْرها.
7- لا توجد طريقة معروفة للاعتراض على النتائج.
المبحث الثاني
تحليل مؤشر الأداء اللوجستي في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء لعام 2023م
أصدر البنك الدولي في أبريل 2023م تقريره عن مؤشر الأداء اللوجستي لعام 2023م، يأتي الإصدار السابع من التقرير المعنون “إقامة روابط من أجل المنافسة”، بعد مضي ثلاث سنوات من اضطرابات سلاسل الإمداد على نحوٍ غير مسبوق في أثناء تفشّي جائحة فيروس كورونا، حينما زادت المدد الزمنية لتسليم الشحنات زيادةً كبيرة.
وخلص إلى أنه ينقضي في طرق التجارة المحتملة، في المتوسط 44 يومًا من وقت دخول الحاوية ميناء البلد المُصدِّر حتى تغادر ميناء المقصد (جهة الوصول)، بانحراف معياري قدره 10,5 أيام. وتُمثِّل تلك الفترة 60% من الوقت الذي يستغرقه تداول السلع دوليًّا.
ووفقًا للمؤشر، فإن رقمنة سلاسل الإمداد بالكامل، لا سيما في الاقتصادات الصاعدة، تتيح للبلدان إمكانية اختصار فترات التأخير في الموانئ بنسبة تصل إلى 70% مقارنة بالبلدان المتقدمة. علاوة على ذلك، يتزايد الطلب على الخدمات اللوجستية الخضراء؛ حيث يبحث 75% من شركات الشحن عن خيارات صديقة للبيئة عند التصدير إلى البلدان مرتفعة الدخل([15]).
وقد واصلت البلدان مرتفعة الدخل، وبشكل دائم، ظهورها كدول رائدة في مجال الخدمات اللوجستية. وقد تصدَّرت سنغافورة تصنيف العام 2023م بمعدل 4,3 من 5، مع العلم أنها كانت في المرتبة السابعة في مؤشر العام 2018م، تلتها في المركز الثاني فنلندا بمعدل 4,2 صعودًا من المركز العاشر في العام 2018م. أما الدانمارك فقد صعدت إلى المركز الثالث بمعدل 4,1، بعد أن كانت في المركز الثامن في 2018م، فيما هبطت إلى المركز الثالث كل من ألمانيا وهي التي كانت تتربع على قمة هرم تصنيف العام 2018م، وهولندا وسويسرا بعد أن كانتا في المركزين السادس عشر والثالث عشر على التوالي في مؤشر 2018م. بمعدل 4 من 5، وتراجعت النمسا إلى المركز السابع بعد أن كانت رابعة في تصنيف العام 2018م، وكذلك بلجيــكا بعد أن كانت ثالثة في تصنيف العام 2018م. وتقدمت كندا بعد أن كانت في المركز العشرين في تصنيف العام 2018م، وبالمثل تقدّمت هونغ كونغ والتي كانت المركز الثاني عشر في تصنيف العام 2018م، في حين هبطت السويد بعد أن كانت في المركز الثاني في تصنيف العام 2018م. من بين البلدان ذات الدخل المنخفض و/أو المتوسط، تميزت جيبوتي وإستونيا ولاتفيا وبولندا والبرتغال، بالإضافة إلى بلدان الأسواق الناشئة والكبيرة مثل الهند وروسيا وتركيا والبرازيل التي تميزت بأعلى أداء ضمن فئتها؛ حيث تحظى البلدان سالفة الذكر بفُرَص وصولها إلى البحر مباشرة، كما أنها تقع بالقرب من مراكز محورية([16]).
جدول (1)
متوسط مؤشر الأداء اللوجستي في الأعوام 2016م و2018م و2023م
في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء مقارنة بالمتوسط العالمي
المصدر: الجدول محسوب من الجدولين (3،و4) عن طريق الباحث
وكما يبين الجدول انخفاض متوسط مؤشر الأداء اللوجستي في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء في عام 2016م، والذي بلغ 2,52 عن المتوسط العالمي البالغ 2,88 في نفس العام، وقد اشتمل تقرير عام 2016م على 160 دولة حول العالم منها 45 دولة في منطقة إفريقيا جنوب الصحراء.
انخفض درجة بلدان إفريقيا جنوب الصحراء في مؤشر عام 2018م لتحقق 2,5 مقارنة بـ 2,87 درجة كمتوسط للعالم، في التقرير الذي اشتمل على 160 دولة منها 44 بلدًا إفريقيًّا في منطقة جنوب الصحراء.
ليعاود الارتفاع مرة أخرى في تقرير عام 2023م ليحقق المؤشر 2,63 درجة مقارنةً بالمتوسط العالمي البالغ 3 درجات في التقرير الذي اشتمل 139 دولة منها 31 دولة إفريقية جنوب الصحراء.
شكل رقم (1)
رسم توضيحي لتطور مؤشر الأداء اللوجستي في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء مقارنة بالمتوسط العالمي
المصدر: مرسوم من جدول (1)
ويظهر الشكل البياني التماثل في التطور بين متوسط بلدان إفريقيا جنوب الصحراء والمتوسط العالمي في مؤشر الأداء اللوجستي، ولكن مع اتساع الهُوَّة بينهما.
شكل رقم (2)
مكونات مؤشر الأداء اللوجستي لعام 2018م في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء مقارنة بالعالم
الرسم: عن طريق الباحث من:
The World Bank, Connecting to Compete 2018 Trade Logistics in the Global Economy The Logistics Performance Index and Its Indicators(Washington, DC :The World Bank2018)pp. 40-43.
حيث يُظهر الشكل أعلاه أن الفروق في المكونات الخمس لمؤشر الأداء اللوجستي كمتوسط لبلدان إفريقيا جنوب الصحراء والمتوسط العالمي، تتشابه مع الفرق بين المنطقة والعالم فهي متماثلة، ولا يبرز مؤشر محدد تتفرد فيه المنطقة.
وقد حققت كلٌّ من سوازيلاند (13)، وجنوب إفريقيا (33)، وإستونيا (36)، وساحل العاج (50)، أعلى الدرجات في مؤشر الأداء اللوجستي لعام 2018م، بدرجات 3,90، و3,38، و3,31، و3,08 على التوالي.
في حين تذيَّلت كل من سيراليون (156)، والنيجر (157)، وبورندي (159)، وأنجولا (159) ذيل ترتيب بلدان إفريقيا جنوب الصحراء التي صنَّفها تقرير عام 2018م، محققة: 1,82، 1,77، 1,69، و1,57 درجة من 5 على التوالي. كما يظهر من الجدول (2).
جدول رقم (2)
مؤشر الأداء اللوجستي في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء للعام 2018م
The World Bank, Connecting to Compete 2018 Trade Logistics in the Global Economy The Logistics Performance Index and Its Indicators(Washington, DC :The World Bank,2018)pp. 40-43.
وبتحليل تطور مؤشر الأداء اللوجستي في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء لعام 2022م وفقًا للتقرير الصادر في عام 2023م، نجد أن متوسط 31 دولة في منطقة إفريقيا جنوب الصحراء من بين 139 دولة ذكرها التقرير قد حققت في المتوسط: 2,63 مقارنة بالمتوسط العالمي البالغ 3 درجات من 5. كما يوضح الشكل البياني التالي.
شكل (3)
مؤشر الأداء اللوجستي ومكوناته في إفريقيا جنوب الصحراء والعالم لعام 2023م
الرسم عن طريق الباحث من:
The World Bank, Trade Logistics in the Global Economy 2023 Connecting to Compete(Washington, DC :The World Bank,2023)pp. 32-35.
وعند مقارنة عام 2018م بعام 2023م؛ نجد تحسن المؤشر بمقدار 0,13 نقطة، هذا التحسن الطفيف جاء بتحسينات طفيفة في أربعة مكونات من أصل خمسة، أبرزها مؤشر التتبع والتعقب الذي تحسَّن بمقدار0,17 درجة. في حين تراجَع مؤشر واحد، وهو مؤشر التوقيت بمقدار 0,34 نقطة. كما يبين الجدول التالي.
جدول رقم (3) مقارنة مؤشر الأداء اللوجستي
في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء بين عامي 2018م و2023م
الجدول محسوب عن طريق الباحث من:
The World Bank, Trade Logistics in the Global Economy 2023 Connecting to Compete(Washington, DC :The World Bank,2023)pp. 32-35.
فعلى الرغم من تحسن الأداء اللوجستي لدول العالم؛ إلا أن تقرير العام 2023م قد نوَّه إلى اتّساع الهوة بين الدول الأعلى دخلاً، وهي المتصدرة للمؤشر والدول الأقل دخلاً، وهي التي تذيلته، وتلك الهوة تزداد مع مرور الوقت.
فمنذ مؤشر لعام 2018م، شهدت الشبكات اللوجستية العالمية اضطرابات غير مسبوقة، وأصبحت البيئة التشغيلية في مجال الخدمات اللوجستية أكثر تعقيدًا. ومع ذلك، ظل الأداء اللوجستي في عام 2023م، وفقًا لنتائج مؤشر أداء الخدمات اللوجستية للدول الـ139 المشمولة، مستقرًّا أو تحسَّن قليلًا. وفي الوقت نفسه، اتسعت الفجوة بين أصحاب الأداء الأعلى والأدنى قليلًا، كما تم قياسها بمتوسط درجات المؤشر([17]).
وكما يوضح الجدول رقم (4) فقد حققت تسعة بلدان في إفريقيا جنوب الصحراء مؤشر أداء لوجستي أعلى من متوسط المنطقة، وهي: سوازيلاند التي احتلت الترتيب رقم (3) عالميًّا، وجنوب إفريقيا (19) وإستونيا (26)، وبتسوانا (57) -وهذه الدول أعلى أيضًا من المتوسط العالمي-، وبنين ونامبيا (66)، ورواند (73)، وجيبوتي (79)، وغينيا الجديدة (79). في حين تذيلت الصومال (138)، والكاميرون وأنجولا (135) عالميًّا.
جدول رقم (4)
مؤشر الأداء اللوجستي في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء للعام 2023م
The World Bank, Trade Logistics in the Global Economy 2023 Connecting to Compete(Washington, DC :The World Bank,2023)pp. 32-35.
وقد صعدت نيجيريا إلى المرتبة 88 من بين 139. على الرغم من تصنيفها بين الدول التي تعاني من قيود لوجستية، وسجلت تحسنًا مقارنة ببعض نظيراتها مثل غانا التي احتلت المركز 97، وتوغو 97، وليبيريا 115، وبوركينا فاسو 123، وغامبيا 123، بينما احتلت الكاميرون المركز 134، استنادًا إلى تصنيفها مع بلدان إفريقية أخرى، بما في ذلك جنوب إفريقيا 19؛ وجمهورية بنين (66) بين الدول ذات المؤشر المرتفع.
وحصلت نيجيريا على 88 نقطة في مؤشر الأداء اللوجستي؛ الجمارك 90؛ البنية التحتية 89؛ الشحن الدولي 102؛ الكفاءة اللوجستية والمساواة 119؛ الجداول الزمنية 76، والتتبع 87.
واحتلت غانا المرتبة 97 في المؤشر؛ الجمارك 65؛ البنية التحتية 89؛ الشحن الدولي 111؛ الكفاءة اللوجستية والمساواة 103؛ الجداول الزمنية 109 والتتبع 129.
بينما احتلت توغو المرتبة 97 في المؤشر؛ الجمارك 101؛ البنية التحتية 108؛ الشحن الدولي 57؛ الكفاءة اللوجستية والمساواة 110؛ الجداول الزمنية 101؛ التتبع 117.
واحتلت الكاميرون المرتبة 134 في المؤشر. الجمارك 120؛ البنية التحتية 125؛ الشحن الدولي 128؛ الكفاءة اللوجستية والمساواة 133؛ الجداول الزمنية 138، التتبع 136([18]).
وقد تبين أن نقل البضائع من الميناء إلى الوجهة النهائية عبر وسط إفريقيا يُعدّ أكثر تكلفة مما هو عليه في مناطق أخرى من إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وهي مكلفة بالفعل مقارنة ببقية العالم النامي. ويكلف نقل البضائع على طول الممرات البينية في منطقة وسط إفريقيا ضِعْف ما هو عليه في الجنوب الإفريقي؛ حيث المسافات أطول بكثير.
ويتكلف نقل طن متري من الشحن من الميناء إلى الوجهة النائية ما بين 230 دولارًا إلى 650 دولارًا على طول الممرات الإقليمية في وسط إفريقيا، مقارنةً بما يتراوح بين 120 إلى 270 دولارًا في الجنوب الإفريقي.
في الواقع، تظل تكاليف النقل في وسط إفريقيا من بين أعلى المعدلات في منطقة جنوب الصحراء الكبرى بإفريقيا، إذ تبلغ 0,11 إلى 0,26 دولار للطن كيلومتر، مقارنة بـ 0,06 إلى 0,08 دولار في غرب إفريقيا (لومي- واغادوغو وكوتونو- نيامي) وشرق إفريقيا (مومباسا-كيغالي). (ومومباسا- كمبالا)، و(0,05 دولار إلى 0,06 دولار في جنوب إفريقيا([19]).
المبحث الثالث
الأداء اللوجستي وعلاقته بالتجارة والنمو ودوره أثناء جائحة كورونا
في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء
لقد ثبت أن التحديات اللوجستية في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى لها تأثير مدمر على التنمية الاقتصادية، على الرغم من الإمكانات الهائلة للقارة التي تضم عددًا كبيرًا من السكان والعديد من الموارد الطبيعية والمعدنية.
وإن القضاء على الاختناقات في الخدمات اللوجستية سيُمكّن المزيد من الموردين من تقديم المزيد من المنتجات، مما سيؤدي إلى القضاء على حالات الاحتكار الموجودة في مختلف الصناعات.
ويعد تطبيق التقنيات الرقمية، خاصةً في مجال الخدمات اللوجستية، مفيدًا لتحسين السرعة والكفاءة والشفافية، وسيُمكّن من التوسع والتغلغل في المجتمعات المحرومة في المنطقة. وسيسمح للبلدان عبر إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بتحقيق قفزات تنموية، كما يدعم بشكل كبير خلق فرص العمل وتسهيل التجارة، جنبًا إلى جنب مع اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية التي تُتيح التجارة البينية الإقليمية عبر أكبر منطقة تجارة حرة في العالم([20]).
كما أن دعم نمو التجارة الإلكترونية القوي في إفريقيا يتطلب الاستثمار في البنية الأساسية. تشير تقديرات بنك التنمية الإفريقي إلى أن القارة تحتاج إلى 130 إلى 170 مليار دولار سنويًّا من الاستثمارات في البنية الأساسية -مثل الطرق والسكك الحديدية- لتلبية أهداف خط الأساس بحلول عام 2025م، وهذا يعني فجوة تمويلية تتراوح بين 68 إلى 108 مليارات دولار.
كما يُـعَـد توسع شركات الخدمات اللوجستية الثقيلة والخفيفة ضرورة أساسية. قبل اندلاع الجائحة، كان الطلب على شركات الخدمات اللوجستية في إفريقيا في صعودٍ بالفعل، وكانت كمية متزايدة من رأس المال الاستثماري تُوجَّه نحو شركات الخدمات اللوجستية المحلية البادئة. وحتى على الرغم من تسبب أزمة كوفيد-19 في ارتباك وانقطاع التجارة، يظل النقل بالشاحنات يشكل أهمية بالغة لتوفير المواد الغذائية، والأدوية، وغير ذلك من الضروريات.
وهنا ينبغي لمؤسسات تمويل التنمية أن تأخذ زمام المبادرة، فتستثمر بشكل مباشر في شركات الخدمات اللوجستية ذات الأصول الثقيلة، في حين تستمر صناديق المشاريع في التركيز على شركات الأصول الخفيفة ([21]).
أولًا: العلاقة بين مؤشر الأداء اللوجستي والتجارة والنمو الاقتصادي
وجد بورتغال وويليون في عام 2012م باستخدام مؤشر الأداء اللوجستي أن الجهات المتفوقة في الأداء اللوجستي تتمتع بتوسع أسرع في التجارة، وبنمو اقتصادي أسرع، وبصادرات أكثر تنوعًا([22]).
بتحليل بينات 19 دولة إفريقية جنوب الصحراء للفترة 2007 – 2014م. في المتوسط، لا يزال مؤشر الأداء اللوجستي في موضعه الطبيعي عند مستوى متدنٍّ، ومع ذلك، يبدو أنه مع مرور الوقت هناك تحسُّن تدريجي في مؤشر الأداء اللوجستي. الدولة ذات مؤشر الأداء الأعلى كلما ارتفعت إحصاءات الناتج المحلي الإجمالي، ومِن ثَم يمكننا القول: إن الأداء الاقتصادي للدولة جزئيًّا يحدده أداء الخدمات اللوجستية وسلاسل التوريد([23]).
وبدراسة العلاقة بين مؤشر الأداء اللوجستي ومؤشر سعر الصرف، ومؤشر الاستثمار الأجنبي المباشر، ومؤشر الإنفاق الحكومي، والناتج المحلي الإجمالي والنمو السكاني من ناحية، والانفتاح التجاري من ناحية أخرى في عينة من 22 بلدًا إفريقيًّا خلال الفترة 2007-2016م؛ فقد بلغت القوة التفسيرية لهذه المتغيرات 30,5%.
وأظهرت النتائج أن مؤشر الأداء اللوجستي غير قادر على التأثير في الانفتاح التجاري، وهو أمر طبيعي بسبب ضعفه. وهو أحد المؤشرات التي تسبّب مشكلات كثيرة في اقتصاديات دول إفريقيا. وتجدر الإشارة إلى أن أحد الأسباب الرئيسة للتأثير القوي لهذه المؤشرات هو ضعف أداء اللوجستيات ومحاورها الستة على حدة، وليس الأداء العالي لهذه المؤشرات نفسها([24]).
وعند قياس العلاقة بين مؤشر الأداء اللوجستي والمتغيرات المستقلة: (الجمارك والشحن الدولي، والكفاءة اللوجستية، والتتبع والتعقب، والبنية التحتية) في رواندا خلال الفترة 2007-2018م وجدت علاقات ذات دلالة إحصائية بين المتغيرات المستقلة والمتغير التابع؛ مؤشر الأداء اللوجستي([25]).
ثانيًا: الأداء اللوجستي وجائحة كورونا
كانت إحدى العقبات الكبرى للنجاح في نشر اللقاحات، هي: ضعف جودة التجارة والخدمات اللوجستية في المنطقة. وتوضح بيانات مستمدة من قاعدة بيانات مؤشر أداء الخدمات اللوجستية الصادر عن البنك الدولي- وهو مؤشر بديل جيد للوجستيات النقل والتوزيع- أن درجة مؤشر أداء الخدمات اللوجستية لإفريقيا تبلغ 2,5 فقط في المتوسط، وتأتي درجة المنطقة خلف درجات جميع المناطق الرئيسة في العالم.
وقد أشارت دراسات كثيرة إلى التأثير السلبي لذلك على تجارة المنطقة على مدار أكثر من عشر سنوات. فعلى سبيل المثال، تشير التقديرات إلى أن التأخيرات في الجمارك تؤدي إلى زيادة تكلفة السلع المستوردة بنسبة 10%، وهي نسبة أعلى من متوسط تأثير التعريفات الجمركية في بعض الحالات. فبعض اللقاحات تكون فترة صلاحيتها قصيرة بعد أن تتحوَّل تمامًا إلى الحالة السائلة.
ويؤدي ذلك إلى زيادة مخاطر تلف الجرعات الصالحة تمامًا عندما تؤخذ في الحسبان التحديات اللوجستية في المنطقة. ففي مالاوي على سبيل المثال، ذكرت السلطات الصحية أن الأسباب المنطقية لحرق ما يقرب من 20 ألف جرعة من لقاح أسترازينيكا هي الفترة القصيرة بين توصيل اللقاحات وانتهاء صلاحيتها، والحاجة إلى الحد من ظاهرة التردد في التطعيم.
وأظهر تقييم أجرته منظمة الصحة العالمية لقياس درجة الاستعداد العالمي للتطعيم ضد فيروس كوفيد-19 أن متوسط درجة استعداد إفريقيا لبرنامج التطعيم ضد الفيروس بلغت 33%، وهو أقل بكثير من القاعدة المعيارية المنشودة وهي 80%، ويبدو أن البيانات الحديثة تؤكد أن جودة أداء الخدمات اللوجستية ترتبط ارتباطًا موجبًا بمعدل التطعيم في إفريقيا([26]).
وفي هذا الصدد، من المثير للاهتمام مقارنة معدلات التطعيم في البلدان التي يكون مؤشر أداء الخدمات اللوجستية لديها منخفض نسبيًّا)مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية( بمعدلات التطعيم في البلدان التي يكون مؤشر أداء الخدمات اللوجستية لديها أعلى نسبيًّا)مثل جنوب إفريقيا(، حيث سنجد أن انخفاض درجة مؤشر أداء الخدمات اللوجستية في جمهورية الكونغو الديمقراطية والبالغة 2,43 يعكس مشكلتها مع شبكة النقل الضعيفة للغاية. وقد جعل ذلك توصيل اللقاحات إلى المناطق النائية أمرًا صعبًا، ويوضح جزئيًّا السبب الذي يجعل نسبة الذين تلقوا جرعات اللقاح الكاملة من السكان قريبة من الصفر.
وكذلك فإن جمهورية الكونغو الديمقراطية، وغيرها من البلدان الإفريقية غير الساحلية، تواجه بطبيعة الحال تحديات الموقع الجغرافي ووفورات الحجم عندما يتعلق الأمر بالربط مع سلاسل العرض العالمية.
وقد أدى ذلك إلى حالات تأخير ناجمة عن لوجستيات النقل والتوزيع، مما جعل مالاوي وجنوب السودان وجمهورية الكونغو الديمقراطية غير قادرة على نشر اللقاحات وإعطائها للمواطنين في وقت قصير.
وفي المقابل، تَبرز جنوب إفريقيا، التي بلغت درجة مؤشر أداء الخدمات اللوجستية لديها 3,38، باعتبارها البلد الأفضل أداءً، ومن ناحية أخرى، تكون معدلات التطعيم في زيمبابوي وغينيا الاستوائية وجزر القُمُر أفضل نسبيًّا، ولكن درجات مؤشر أداء الخدمات اللوجستية لديها أقل، مما يشير إلى أن هناك عوامل أخرى تسهم في معدل التطعيم في إفريقيا.
فعلى سبيل المثال، عندما أعلنت السلطات في زيمبابوي أن الذين يرفضون الحصول على اللقاحات المضادة لفيروس كوفيد يمكن حرمانهم من وظائف وخدمات القطاع العام، زاد معدل التطعيم زيادة كبيرة في المدن الكبرى، مما جعل زيمبابوي واحدة من البلدان الإفريقية التي تُحقّق أعلى معدلات التطعيم رغم ضعف أداء خدماتها اللوجستية([27]).
شكل رقم (4)
الأداء اللوجستي ومستوى التطعيم ضد جائحة كورونا في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء
وخلاصة القول
أنه ظهرت حاجة الدول في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء التي احتلت مرتبة أدنى أداء إلى تحسين عملياتها الجمركية وبنيتها التحتية. وتشهد العديد من البلدان في المنطقة فترات تأخير أطول بكثير من تلك التي تشهدها الاقتصادات المتقدمة والناشئة والعديد من البلدان المتوسطة الدخل.
وفي المتوسط، تكون تأخيرات التصدير بنفس حجم تأخيرات الواردات، ولكن لأسباب مختلفة، وإن تأخيرات التصدير مرتبطة بشكل أكبر بجودة الخدمة أو وفورات الحجم. وأيضًا فإن التجارة تواجه تشتُّتًا أكبر بكثير في التأخير عند عدم التحرك في الموانئ أو المطارات أو المرافق متعددة الوسائط مقارنةً بالتحرك على متن السفن، ويتم قضاء الكثير من الوقت في العبور.
ومن أهم خطوات تطوير وتحسين الخدمات اللوجستية في إفريقيا جنوب الصحراء ما يلي([28]):
– وضع سياسات تستهدف تحفيز الاستثمار في إنتاجية الموانئ أو تحديث الجمارك لتحسين موثوقية الموانئ في الدول ذات التصنيف الضعيف.
– نشر تقنيات جديدة، مثل منصات رؤية سلسلة التوريد.
– الحاجة إلى إصلاحات أساسية وتحديث، خاصة في البنية التحتية الناعمة، مثل الجمارك وإدارة الحدود والإجراءات التشغيلية في الموانئ.
– الحاجة إلى استثمارات في البنية التحتية الصلبة للنقل، ولكن يجب أن تتماشى مع الإصلاحات والاستثمارات في البنية التحتية غير المادية لتحسين الأداء اللوجستي. ويمكن تعزيز سرعة التجارة من خلال الجمع بين التدخلات السياسية في ركائز مؤشر المتعلقة بالبنية التحتية والجمارك والكفاءة اللوجستية والتتبع والتعقب.
– ينبغي أن يكون هناك مزيج من الإصلاحات لتعزيز إنتاجية الموانئ؛ ومن الممكن أن يؤدي تضمين مشاركة القطاع الخاص في العمليات النهائية إلى تحسين الوضع في البلدان النائية.
– إن تطبيق أنظمة مجتمع الموانئ الإلكترونية يعمل أيضًا على تحسين الأداء؛ من خلال تسهيل تدفق المعلومات بين العديد من المشاركين في لوجستيات الموانئ.
– العديد من البلدان ذات الأداء الضعيف لم تقم بعدُ بتحديث هيئات الجمارك والحدود مع التركيز على الأتمتة وإدارة المخاطر والنزاهة.
ولإطلاق العنان للإمكانات غير المستغلة في منطقة التجارة الحرة القارية يلزم تحقيق ما يلي([29]):
– معالجة العديد من الحواجز غير الجمركية بين البلدان الإفريقية، بما في ذلك التدابير غير الجمركية المكلفة، وفجوات البنية التحتية، وفجوات معلومات السوق.
– التعاون الطويل الأجل في سياسات الاستثمار والمنافسة، وهذا سيساعد على التحايل على هيمنة عدد قليل من اللاعبين على السوق، ودفع الحواجز الهيكلية والتنظيمية أمام دخول السوق.
من جهة أخرى، تُظهر الدراسات أن التجارة البينية الإفريقية تتكون من 61% من السلع المصنّعة وشبه المصنّعة، مما يشير إلى فوائد محتملة أعلى من زيادة التجارة الإقليمية لتحقيق نمو تحويلي وشامل.
كما يُظهر استعراض الأونكتاد للنقل البحري لعام 2021م أن منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية لديها القدرة على تعزيز التجارة البحرية في إفريقيا؛ لأنها ستزيد الطلب على وسائل النقل المختلفة، وسيؤدي هذا إلى زيادة الرغبة في الاستثمار في البنية التحتية، وهو ما يسير جنبًا إلى جنب مع تطوير الموانئ وتحديث السفن البحرية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] ) Ephrem Eyob and Mulugeta S. Kahsai, “Relationships of Selected Key Logistics Factors and Logistics Performance Index of Sub-Saharan African Countries” , Journal of Applied Business and Economics (Virginia : Virginia State University, Vol. 21(6) 2019)pp.77-78.
[2]) Douglas Okwatch, Africa’s free trade on track, more efforts needed.at: https://www.un.org/africarenewal/magazine/january-2023/africa%E2%80%99s-free-trade-track-more-efforts-needed
[3] ) African Export-Import Bank , Executive Summary of Afreximbank 2023 African Trade Report Export Manufacturing and Regional Value Chains in Africa under a New World Order( Cairo: Afreximbank,2023 )p.3.
[4] ) د. فريدة همال، “دراسة تحليلية لمؤشرات الأداء اللوجيستي في الجزائر”، مجلة الحقوق والعلوم الإنسانية (الجزائر: كلية العلوم الاقتصادية والتجارية وعلوم التسيير، جامعة الجزائر 3، العدد الاقتصادي، 2018) ص ص 297-298.
[5] ) المرجع السابق، ص299.
[6]( https://charbi.education/%D9%85%D8%A4%D8%B4%D8%B1-%D8%A3%D8%AF%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%AF%D9%85%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%88%D8%AC%D8%B3%D8%AA%D9%8A%D8%A9/
[7] ) د. فريدة همال، م.س.ذ. ص301.
[8] ) الأمم المتحدة، مرشد تنفيذ تيسير التجارة، متاح على الرابط:
https://tfig.unece.org/AR/contents/measuring_trade_facilitation.htm
[9] ) المركز الاتحادي للتنافسية والإحصاء، تقرير الأداء اللوجستي، متاح على الموقع: https://fcsc.gov.ae/ar-ae/Pages/Competitiveness/Reports/Logistics-Performance-Index-by-the-World-Bank.aspx?rid=14
[10] ) الأمم المتحدة، مرشد تنفيذ تيسير التجارة، متاح على الرابط: https://tfig.itcilo.org/AR/contents/logistic-performance-index.htm
[11] ) د. عبد الله ونيس الترهوني، قراءة لمؤشر البنك الدولي للأداء اللوجستي العالمي للعام 2023م، متاح على الربط: https://assafinaonline.com/news_details/ar/17009
[12] ) المرجع السابق، ص5.
[13] ) اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا)، مؤشر الأداء اللوجستي في المنطقة العربية: مكوناته ومنهجية إعداده ومستوياته (نيويورك، الأمم المتحدة، 2017م) ص ص3-5.
[14] ) الإسكوا، مؤشر الأداء اللوجستي :مكوناته ومنهجية إعداده ومستوياته، الدورة الثامنة عشرة للجنة النقل واللوجستيات (بيروت: الأمم المتحدة، 2017) ص17.
[15] ) البنك الدولي يطلق مؤشر أداء الخدمات اللوجستية لعام 2023م:
https://www.albankaldawli.org/ar/news/press-release/2023/04/21/world-bank-releases-logistics-performance-index-2023
[16] ) د. عبد الله ونيس الترهوني، م.س.ذ.
[17] ) https://businessday.ng/news/article/nigeria-moves-ahead-of-ghana-togo-cameroon-in-world-banks-2022-/
[18] ) Idem
[19] ) Vivien Foster, Cameroon’s Infrastructure A Continental Perspective,Paper.5822(Washington:The Eorld Bank,2011)pp.9-10.
[20] ) Damilola Kuteyi and Herwig Winkler ,Logistics Challenges in Sub-Saharan Africa and Opportunities for Digitalization,pp.16-17.at: https://www.mdpi.com/2071-1050/14/4/2399
[21] ) مايسة كامل، الاستثمار في الخدمات اللوجستية الإفريقية، متاح على الرابط: https://www.project-syndicate.org/commentary/africa-logistics-constraining-ecommerce-and-covid19-efforts-by-aubrey-hruby-and-aubrey-rugo-2020-06/arabic
[22] ) الأونكتاد، دعم وتطوير البنى التحتية لتعزيز التكامل الاقتصادي: دور القطاعين العام والخاص (جنيف: الأونكتاد، 2013م) ص8.
[23] ) Demilie BH and Meron Z, “An Empirical Investigation of Performance of Logistics and Economic Growth Nexus in Sub-Saharan Africa: Panel Data Approach”, Journal of Global Economics,p.2.at:
https://www.hilarispublisher.com/open-access/an-empirical-investigation-of-performance-of-logistics-and-economicgrowth-nexus-in-subsaharan-africa-panel-data-approach-2375-4389-1000221.pdf
[24] ) Tarek Madkour, Summer K. Mohamed, Ahmed Dabees, The Impact of Logistics Performance Index on Trade Openness in Africa.pp.1-5.at:
https://aast.edu/pheed/staffadminview/pdf_retreive.php?url=59495_153_3_The%20Impact%20of%20Logistics%20Performance%20Index%20on%20Trade%20Opening%20in%20Africa.pdf&stafftype=staffpdf
[25] ) Ephrem Eyob and Mulugeta S. Kahsai, Op.cit.p.89.
[26] ) يوجين بيمبونغ نيانتاكي، وجوناثان مونيمو، قطع الميل الأخير: تحسُّن الخدمات اللوجستية في إفريقيا جنوب الصحراء قد يكون العامل الرئيس للنجاح في توصيل اللقاحات، التمويل والتنمية (واشنطن: صندوق النقد الدولي، 2021م) ص17-18.
[27] ) يوجين بيمبونغ نيانتاكي، وجوناثان مونيمو، م.س.ذ. ص18-19.
[28] ) https://businessday.ng/news/article/nigeria-moves-ahead-of-ghana-togo-cameroon-in-world-banks-2022-/
[29] ) Douglas Okwatch, Op.cit.
