حاوره أحمد عمرو
التقت قراءات الأستاذ الدكتور السيد إبراهيم جابر، بمكتبه بمقر معهد البحوث والدراسات الإفريقية بجامعة القاهرة؛ لتعرض عليه جملة من أهم القضايا الخاصة بالشأن الإفريقي، في ضوء ما تعانيه إفريقيا من آثار مرحلة الاستعمار، على المستوى الثقافي والسياسي والاقتصادي، وناقشت معه دور معاهد ومراكز البحوث والدراسات المتخصصة في الشؤون الإفريقية، ومشكلة العلاقات المصرية والعربية – الإفريقية، وسدّ النهضة، واضطهاد المسلمين في بعض دول إفريقيا، فكان معه هذا الحوار
تعريف بضيف قراءات إفريقية:
الأستاذ الدكتور السيد إبراهيم جابر أستاذ بقسم الموارد الطبيعية، وعميد معهد البحوث والدراسات الإفريقية بجامعة القاهرة، من مواليد محافظة الإسكندرية، حصل على بكالوريوس العلوم الزراعية كلية الزراعة جامعة الإسكندرية سنة 1978م، ثم ماجستير في الدراسات الإفريقية من قسم الموارد الطبيعية – معهد البحوث والدراسات إلإفريقية سنة 1985م، ثم دكتوراه في الدراسات الإفريقية معهد البحوث والدراسات الإفريقية بجامعة القاهرة مع مرتبة الشرف الأولى سنة 1989م.
عمل الدكتور السيد إبراهيم جابر معيداً بقسم الموارد الطبيعية في معهد البحوث والدراسات الإفريقية عقب تخرجه، ثم مدرّساً مساعداً، ثم مدرّس أراضي بقسم الموارد الطبيعية بالمعهد، وصولاً إلى عمادة معهد البحوث والدراسات الإفريقية منذ عام 2011م، وله العديد من الأبحاث والدراسات في مجال صيانة التربة من الانجراف، سواء كان بالماء أو بالرياح.
وفيما يلي نص الحوار:
في البداية؛ نود منكم تقديم معهد البحوث والدراسات الإفريقية؛ من خلال رسالته وأهدافه نحو القارة الإفريقية!
المعهد له اهتمام خاص بإفريقيا منذ نشأته، وهو معهد متميز ليس له مثيل، سواء في مصر أو في العالم العربي، وهو معني بالأساس بدراسة القارة الإفريقية من جميع التخصصات، لدينا 6 أقسام في المعهد، القسم العلمي هو قسم الموارد الطبيعية، والأقسام الخمسة الباقية إنسانية واجتماعية، وهي:
1 – قسم العلوم السياسية والاقتصادية.
2 – قسم الأنثروبولجي.
3 – قسم الجغرافيا.
4 – قسم التاريخ.
5 – قسم اللغات الإفريقية.
وهذه التخصصات جميعاً بينها نوع من التكامل دائماً، فعند عمل مؤتمر أو ندوة أو ورشة عمل يتم تناول الموضوع من جميع جوانبه.
والتميز هو رسالة المعهد، التميز في تقديم خدمات تعليمية، وبرامج وأنشطة متنوعة، والتميز في تخريج كوادر متخصّصة في الدراسات الإفريقية، من حملة الدبلوم والماجستير والدكتوراه، للوفاء باحتياجات المجتمع المحلي والإقليمي، والإسهام بشكل فعّال ودائم لتحقيق التواصل بين مصر وإفريقيا، وفي القلب منها حوض النيل، ودعم سياسات مصر تجاه إفريقيا.
وتتحقق رسالتنا من خلال الالتزام بالمعايير العالمية للتميز في مجالات البحوث والدراسات الإفريقية وخدمة المجتمع وتنمية البيئة، مثل أزمة سدّ النهضة وحوض النيل، هذه جميعاً نقوم بعمل دراسات تكاملية، يدخل بها التخصصات المختلفة، كالسياسة والاقتصاد والموارد الطبيعة؛ لأنّ قضية المياه ليست قضية فنية أو هندسية، بل قضية لها أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية، وأبعاد بيئية وجغرافية؛ لذا كان لا بد من إحداث هذا النوع من التكامل، وهذا ما يتميز به المعهد، وربما لا يوجد مثل هذا التكامل في مكان آخر، مثل هذه التخصصات التي ذكرنا توجد منفردة في المعاهد والجامعات الأخرى، لا تجتمع في مكانٍ واحد، وهذا يعطينا فرصة للنظر في كلّ القضايا الإفريقية نظرةً تكامليةً شاملةً.
وتتلخص رؤية المعهد في السعي أن يكون (معهد البحوث والدراسات الإفريقية) من أفضل المؤسسات العلمية والعالمية في الدراسات الإفريقية.
أما عن أهداف المعهد؛ فتتلخص في تعميق المعرفة بالشؤون الإفريقية، وإعداد أفضل البرامج العلمية، والتدريبية والبحثية في مجال البحوث والدراسات الإفريقية، وتطويرها بشكلٍ دائم؛ بما يجعلها تواكب التقدّم العلمي على مستوى العالم، وتكوين خريجين متخصّصين في الشؤون الإفريقية، وإعدادهم في التخصصات الأكاديمية التي يقدّمها المعهد، بحيث يصبحون على قدر كبير من التنافسية العالمية، وتقديم الخدمات البحثية والاستشارية والعلمية والتدريبية التي يتوافر عليها الطلب من جانب المستفيدين من أنشطة المعهد، وخصوصاً من جانب مصر وفئات المجتمع المدني والقطاع الخاص، وتعميق الوعي المصري بأهمية الانتماء الإفريقي، وتحسين الصورة المتبادلة بين المصريين وأشقائهم الأفارقة، وتدعيم العلاقات المصرية والعربية بالقارة الإفريقية.
ما أبرز معالم مسيرة المعهد التاريخية، ومراحل تطوره؟
أنشئ (معهد البحوث والدراسات الإفريقية) عام 1947م، وكان يُطلق عليه (معهد الدراسات السودانية)، حيث كان يتبع كلية الآداب جامعة القاهرة، وكان حين ذاك يضمّ قسمين فقط، هما التاريخ والجغرافيا، وكانت مدة الدراسة فيه سنتين، ثم أصبح معهداً مستقلاً تابعاً للجامعة مباشرةً عام 1950م، تحت اسم (معهد الدراسات الإفريقية)، وفي عام 1970م صدر قرار جمهوري بإنشاء معهد مستقل للبحوث والدراسات الإفريقية، وعندها تّم إضافة أقسام جديدة، حيث تّم إنشاء أربعة أقسام، هي قسم النظم السياسية والاقتصادية، قسم الأنثروبولوجيا، قسم اللغات الإفريقية، قسم الموارد الطبيعية، بالإضافة إلى قسمي التاريخ والجغرافيا.
وقد تطورت الدراسة بالمعهد تطوراً جذرياً في مراحل الدبلوم والماجستير والدكتوراه، ففي عام 2004م صدر القرار الوزاري رقم 1947 بإصدار لائحة للمعهد، وهي اللائحة الحالية، حيث تطبق نظام الساعات المعتمدة، وفي ضوئها يتم منح دبلومين؛ الأول الدبلوم العام، وهو دبلوم تطبيقي غير مؤهّل للماجستير والدكتوراه، والثاني الدبلوم الخاص، وهو دبلوم تخصّصي مؤهّل لدرجتي الماجستير والدكتوراه؛ بشرط حصول الطالب على تقدير جيد في الدبلوم الخاص.
يعاني البحث العلمي ومؤسساته في إفريقيا مشكلات عديدة، في التخطيط، والتمويل، والتنسيق، وعدم الاهتمام بدور البحوث ومخرجاتها، فما الأسباب من وجهة نظركم، وما مقترحاتكم في ذلك؟
لا بد أن نعترف أنّ نقص الإمكانيات والتمويل له تأثير كبير في المخرجات البحثية والجهد العلمي بشكل عام، فجامعة القاهرة هي مَن تدعم البحث العلمي في المعهد، وخطة البحوث المدرجة بشأن الدول الإفريقية.
إنما لا بد من أجل الوجود في إفريقيا، بشكل علمي وبحثي جاد، من استجلاب المشاريع البحثية، بمعنى أنّ هناك العديد من المشكلات في إفريقيا، هناك أيضاً العديد من الدول المناحة للمشاريع البحثية، كلّ المطلوب أن نتقدم بمقترحات بحثية جيدة تلقى قبولاً لدى جهات التمويل.
أي بحث علمي يحتاج إلى تمويل، ويحتاج إلى ميزانية، بدون هذا التمويل لا تستطيع إجراء بحث علمي رزين.
فمن الحلول المقترحة لحلّ مشكلة التمويل عمل مقترحات بحثية جيدة، والتقدّم بها إلى الجهات المناحة، وهو أمر يعتريه القصور بشدة، لكن في الآونة الأخيرة بدأ المعهد في سعيه الحثيث لتجاوز هذا القصور، وهناك تعليمات لجميع الباحثين بهذا الشأن.
ما الدور الذي يقوم به معهد البحوث والدراسات الإفريقية في تعريف القضايا الإفريقية؛ من خلال ما يقدّمه من دراسات وأبحاث؟
لدينا الكثير من القضايا يهتم بها المعهد، على رأسها قضايا المياه وحوض النيل، وفي القلب من هذه القضايا قضية سدّ النهضة في إثيوبيا، وتأثيراته وتداعياته على مصر، نقوم بعمل ورش عمل مغلقة لهذا الموضوع، ونتناوله بالتحليل الدقيق، وندعو كافة المتخصصين في هذا المجال من مهندسين معنيين بالسدود، وجيولوجيين، وأساتذة علوم سياسية، وأساتذة قانون دولي، حتى نستطيع أن ننظر لهذه المشكلة نظرة تكاملية، نظرة شاملة.
وقد قمنا بعمل العديد من الندوات، ربما أكثر من عشر ندوات حول هذا الموضوع، وأصبح لدينا خبراء يُستعان بهم في الوزارات المعنية في هذا المجال، فوزارة الموارد المائية والري تستعين ببعض الخبراء لدينا لتناول هذه القضية.
الاستلاب وتشويه التاريخ وطمس الهوية، وبخاصة الإسلامية، بفرض اللغات والثقافات الاستعمارية؛ كيف يسهم المعهد في معالجة ذلك من خلال خططه الدراسية وبرامجه البحثية؟
كان لدينا في المعهد مركز لتعليم اللغة العربية للأجانب، وكان على رأس مَن يتعلم اللغة العربية الأفارقة، وكان يقوم بدور جيد جدّاً، لكن للأسف الشديد تمّ إلغاء هذا المركز نظراً لوجود نظير له تابع لجامعة القاهرة، وهو (مركز تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها)، فتمّ إلغاء المركز التابع للمعهد.
ويمكنني أن أشير هنا إلى اهتمام كبير من الأفارقة؛ من الناطقين باللغة السواحلية باللغة العربية، فاللغة السواحلية منذ ما يقرب من خمسين عاماً كانت تُكتب بالأبجدية العربية، وحالياً تُكتب بحروف لاتينية، وهناك رغبة من الأفارقة، خاصة من الدول الناطقة باللغة السواحلية، أن يعيدوا كتابة هذه اللغة بالحروف العربية مرة أخرى، وهذا له علاقة كبيرة بالثقافة الإفريقية وتأثرها بالثقافة العربية.
وقد تقدّمت لقسم اللغات بالمعهد؛ لتبنّي مشروع إعادة كتابة اللغة السواحلية بالحروف العربية، وهذا المشروع من المشاريع المهمّة جدّاً في المجالات الثقافية، وهذا يحتاج لأمور فنية كثيرة معقدة، وهذا المشروع لو تمّ سيصبح نقلة كبيرة جدّاً، وقد تلقينا طلباً من سفير مصر في بوروندي بأنّ هناك اهتماماً كبيراً من البورونديين بإعادة كتابة اللغة السواحلية بالحروف العربية، وطلب تولّي المعهد هذا المشروع، وهناك اهتمام كبير في قسم اللغات لدينا بهذا الموضوع.
يتحدث البعض عن غياب الثقافة الإفريقية، العربية، وهيمنة الثقافة الغربية على الواقع الإفريقي، ما مدى صحة ذلك، وكيف يعالج المعهد هذه القضية؟
هذا موضوع مهمٌّ جدّاً، وهذه نقطة في غاية الأهمية، لأنّ إفريقيا ما زالت تعاني الفترة الاستعمارية، لأنّ الاستعمار، سواء الفرنسي أو الإنجليزي أو البلجيكي أو الإيطالي أو غيره، ترك آثاراً كبيرة جدّاً، سواء الثقافية أو الاقتصادية أو السياسية، وما زالت توابعها موجودة في القارة الإفريقية، إلى يومنا هذا، إلا أنّ هذا لم يمنع الأفارقة من أن يكون لهم كيانهم واستقلاليتهم.
وهذا بدا واضحاً في دة أمور حدثت في إفريقيا، على رأسها إنشاء منظمة الوحدة الإفريقية، وهي حالياً الاتحاد الإفريقي، وهناك العديد من المؤسسات الإفريقية الخاصة بدأت تتكون الآن، بحيث أصبح هناك اعتزاز من الدول الإفريقية بانتمائهم للقارة، وأصبح موضوع التراث الإفريقي من الموضوعات ذات الاهتمام الكبير في الوقت الحاضر، ويكفي أننا أنشأنا هنا في المعهد ماجستير مهني اسمه (ماجستير إدارة مواقع التراث العالمي الإفريقي)، سواء الطبيعي أو الثقافي؛ لأنه لوحظ أنّ عدد المواقع العالمية المدرجة على سجل التراث العالمي في إفريقيا قليل جدّاً إذا ما قورنت بغيرها من المواقع في العالم، فإفريقيا تمثّل فقط حوالي 8% من مواقع التراث العالمي المسجّلة، مع غنى إفريقيا بتلك المواقع، إلا أنّ تسجيل موقعٍ ما، سواء كان تراثاً ثقافياً أو طبيعياً، لا بد له من إجراءات، ويعدّ له ملف، وله هيئة مسؤولة عنه، ولا بد للملف أن يعدّ بإتقان وعناية؛ حتى يدرج عالمياً ضمن مواقع التراث العالمي، وهذا الماجستير الذي أنشأناه في المعهد ستبدأ الدراسة فيه ابتداءً من أكتوبر 2014م، وسيفتح الماجستير أبوابه لكلّ الدارسين من الخارج، وعلى رأسهم الأفارقة، ويدعم اليونسكو هذا المشروع بالتمويل والمنح.
وعلى غرار هذا المشروع؛ قدّم المركز ملفاً لجامعة القاهرة لإنشاء مركز للتراث العالمي، وإنشاء كرسي للتراث العالمي الإفريقي في جامعة القاهرة، وقد أعددنا البرنامج نفسه، والمقررات الدراسية التي ستُعطى في هذا البرنامج، ويشرف على هذا البرنامج الأستاذ الدكتور سمير غبور، وهو أستاذ موارد طبيعية، وهو من الأستاذة القلائل المهتمين بقضية التراث العالمي.
التراث العالمي داخل في قضية الثقافة، ولدينا قسمان في المعهد يهتمان بهذا الجانب الثقافي الإفريقي، وهما قسم الأنثروبولوجي وقسم اللغات الإفريقية، لأنّ اللغة هي وعاء الثقافة، ولدى المعهد اهتمام باللغات الإفريقية المحلية، مثل لغة الهوسا والسواحلية والأمهرية والفولانية، وغيرها من اللغات الإفريقية التي تتيح لدارسيها الاطلاع على الموروث الثقافي الموجود في إفريقيا.
الصورة الذهنية المشوّهة لدى كلٍّ من: (الإفريقي الزنجي، والعربي) عن الآخر؛ هل من أسباب موضوعية لذلك؟ وما السبيل لمعالجاتها؟
قضية نظرة الأفارقة للعرب، والعكس، هذا الإحساس موجود عند الأفارقة، وجود نظرة استعلائية لدى العرب تجاههم، وهناك أحداث تبيّن هذا الأمر في مجال ممارسة دورٍ في إفريقيا، هذا الأمر لم يعد بالقوة كما كان من قبل، صحيح هناك بعض الرواسب.
لكن الوقت – أظنه – قد حان لاعتبار المصالح المتبادلة هي الحَكَم في العلاقات، هناك منافع متبادلة، فعلى سبيل المثال: هل نستطيع النظر للإثيوبي الذي يتحكّم في مياه النيل نظرة استعلائية؟! هذا سيكون في منتهى الخطورة على مستقبل مصر، وقس على ذلك بقية العلاقات.
فالعلاقة بين الدول العربية والإفريقية الواقع لم يعد يسمح فيها بمثل تلك النظرة؛ في ظلّ الاحتياج المتبادل بين جميع الأطراف، وأرى أنّ هذه الصورة النمطية بدأت تتغير من خلال الأبحاث والاحتكاكات، ومن خلال الزيارات.
هنالك العديد من مراكز ومعاهد البحوث والدراسات المتخصصة في الشأن الإفريقي، في مصر وفي السودان، وغيرهما، لها رسالة وأهداف مشتركة، فهل من شراكات بينها تنسّق جهودها العلمية والبحثية، وتسهم في تبادل الخبرات؟
يقوم المعهد – على صعيد التقارب العلمي – بعمل رحلة علمية سنوية لإحدى الدول الإفريقية، منذ أن توليت العمادة بدأنا في هذا البرنامج، فقد زرنا العام قبل الماضي السودان، والعام الماضي زرنا أوغندا، وهذا العام – إن شاء الله – سنزور تنزانيا.
يخرج وفد من المعهد في حدود 25 أو 30 أستاذاً، وهذه الزيارات مهمّة جدّاً؛ لأننا معهد متخصص في الدراسات الإفريقية، وبعد كلّ زيارة تتغير نظرتنا للدول الإفريقية، ونقوم خلال تلك الزيارات بعمل بروتوكولات تعاون علمي بيننا وبين الجامعات الإفريقية، وهي تتيح فرصة من الاحتكاك طيبة جدّاً، وهو جهد أعتبره جيداً؛ لأنه يُترجم بعد ذلك إلى منظومة بحثية.
فعلى سبيل المثال: بعد العودة من أوغندا بدأنا في التفكير في المشاريع المشتركة بين معهدنا وبعض الجامعات في أوغندا، بحيث نُحدث نوعاً من التواصل العلمي الجيد، وفي نفس الوقت نقوم بوضع حلول للمشكلات على أرض الواقع، لأنّ الزيارة تتيح التعرف على المشكلات على أرض الواقع، نقوم بوضع الحلول ونقدّمها لهم من خلال مشاريع بحثية، أو من خلال رسائل ماجستير ودكتوراه تُسجّل عن بعض المشكلات والقضايا التي تعانيها بعض الدول الإفريقية، فهذا يقدّم طفرة وإنجازاً كبيراً في هذا الاتجاه.
ما دور معهد الدراسات والبحوث الإفريقية في احتواء القدرات البحثية الإفريقية وتطويرها، والاستفادة منها؟
يساهم المعهد، بالتعاون مع جامعة القاهرة، في جلب المنح الدراسية للباحثين الأفارقة، فقد قدّمت جامعة القاهرة بالتعاون مع المعهد 50 منحة دراسية للأفارقة في دول حوض النيل، وقد تمّ عقد لقاء مع سفراء هذه الدول لتحديد احتياجاتهم، وتّم تحديد هذه المنح فعلياً في جميع المجالات المطلوبة.
ويقوم المعهد باقتراح الدول التي تستحق هذه المنح، والمجالات التي تحتاج إليها تلك الدول، فمن خلال خبرتنا الإفريقية نعلم ما هي احتياجاتهم، وندرس تلك الاحتياجات، ونقدّمها للجامعة، بحيث يصبح هذا البرنامج فعّالاً وتأثيراته جيدة.
كما يقوم المعهد بعمل بعض المؤتمرات، يدعو إليها الباحثين الأفارقة للاستفادة من تلك المؤتمرات، على سبيل المثال: عقد المعهد مؤتمراً عن (المياه والطاقة في إفريقيا)، وأعقبه بمؤتمر آخر عن (التأثيرات المناخية في إفريقيا)، وهو مؤتمر دولي يشارك فيه العديد من الأستاذة والعلماء من إفريقيا، من المغرب ونيجيريا والسودان.
لمصر – بحكم تاريخها وموقعها الاستراتيجي – دور فاعل وعلاقات متميزة، على مستوى القارة ومنظماتها شبه الإقليمية وحكوماتها المختلفة، كيف يسهم المعهد في تدعيمها وتطويرها نحو الأفضل، وخصوصاً بعد ما أصابها من فتور بعد ستينيات القرن الماضي؟
لدى المعهد بعض المشروعات البحثية الاقتصادية والسياسية، فلدينا مشروع بحثي ممول من المصرف العربي للشؤون الاقتصادية الإفريقية، لدراسة التأثيرات الاقتصادية في إفريقيا، وبعض الجوانب التنموية في إفريقيا، المعهد لديه العديد من الدراسات السياسية والاقتصادية، لدينا أكثر من ألف رسالة ماجستير ودكتوراه في الشأن الإفريقي في كافة المجالات.
ولدينا العديد من ورش العمل والندوات التي تناقش كيفية تدعيم دور مصر في المنظمات العاملة في إفريقيا، مثل الكوميسا والنيباد، ومبادرة حوض النيل، وغيرها من المبادرات، والمعهد لديه نشاط واسع في هذا المجال، من خلال الرسائل العلمية المسجلة، والتي نوقشت في المعهد بشأن قضية تدعيم الدور المصري، لكن لا بد من الإشارة إلى أنّ للمعهد عمل البحوث والدراسات، وتقديم الاستشارة لصانع القرار، وليس أبعد من ذلك.
ولدينا (سنمار) أسبوعي يوم الاثنين، من الساعة 5 إلى 7، اسمه (الملتقى الإفريقي)، نستضيف فيه المعنيين بالشأن الإفريقي، سواء من داخل المعهد أو من خارج المعهد، لعمل محاضرات حول القضايا الإفريقية ذات الاهتمام أو ذات الأولوية.
فقد قام المعهد بعمل العديد من الورش وندوات العمل أثناء أزمة دارفور، وكذلك قضية انفصال جنوب السودان، قام المعهد بجهد كبير على الصعيد العلمي، من خلال البحوث والرسائل والمؤتمرات العلمية، وكذلك مشكلة مالي والصومال، والعديد من القضايا والمشكلات الإفريقية.
ربما تلامس العلاقات المصرية بغيرها من بلدان الدائرتين العربية والإسلامية الأمن القومي المصري، لكنها في الحالة الإفريقية تعدّ من صلب الأمن القومي نفسه، كون إفريقيا هي منبع نهر النيل، لماذا – بنظركم – هذا التقصير بالرغم من كلّ هذه الأهمية؟
حقيقةً في السنوات الأخيرة من حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك، تقريباً الثلاث عشرة سنة الأخيرة من حكمه، شهدت تراجعاً كبيراً وإهمالاً للشأن الإفريقي، وتقريباً كان دور مصر منعدماً خلال تلك الحقبة، إنّ ما نراه الآن أنّ هناك اهتماماً من الدولة بالشأن الإفريقي، خصوصاً مع ظهور مشكلات المياه، ومشاريع البناء على منابع نهر النيل، فأصبح لا مفرّ من أن نولي الملف الإفريقي اهتماماً.
ونستطيع أن نجمل أسباب هذا التردي في العلاقات الإفريقية إلى اطمئنان السلطات المصرية وقتها إلى قضية المياه، ولم تكن تنظر وقتها الدولة المصرية إلى الدول الإفريقية إلا بمنظار تأمين منابع نهر النيل.
ولكن بعد التقدّم الإفريقي، وبداية إنشاء المشروعات المائية على منابع النيل، انتبهت القيادة المصرية لتلك القضية، خاصة أنّ إفريقيا تعدّ أرضاً خصبة، ونستطيع أن نسوّق من خلالها المنتجات المصرية، ونستطيع أن نقول: إنّ هناك العديد من الدول التي سبقتنا إلى التعامل مع الدول الإفريقية، مثل الصين وكوريا وإيران، والعديد من الدول والقوى الدولية الأخرى، وأستطيع أن أقول: إنّ التبادل التجاري بين مصر والدول الإفريقية شيء مخزٍ.
قدّمت القوى والأحزاب السياسية العديد من الأطروحات لطريقة التعاطي مع أزمة سدّ النهضة الإثيوبي؛ فما الذي قدّمه معهد البحوث والدراسات الإفريقية في هذه القضية؟
المعهد لديه باحثون في هذا المجال في كافة التخصصات، الجغرافيا والتاريخ والموارد الطبيعية، فقسم العلوم السياسية تناول بالتحليل هذه المشكلة، فالمعهد قام في الآونة الأخيرة بالدعوة إلى ورشة عمل، دُعي فيها القانونيون فقط؛ لأجل بحث الدور القانوني الذي من الممكن أن تستخدمه مصر، لأننا تأخرنا كثيراً في هذا الجانب، فكان من المهم أن تتقدم مصر بملف قانوني؛ لضمان حقوقها التاريخية، وما يتضمنه من التزامات دولية في مجال الأنهار المشتركة، فهناك مبدأ قانوني دولي بـ (عدم الضرر، والإخطار المسبق قبل أي مشاريع مائية) خاصة في حوض النيل، فلا يصح أن تُنشئ أي دولة – مثل إثيوبيا على سبيل المثال أو غيرها – مشاريع على حوض النيل دون إخطار الدول الأخرى، والتشاور معها، هذا التزام دولي، لأنّ له تأثيراً بالغاً على بقية الدول، خاصة أنّ 85% من إيراد النيل من إثيوبيا، والمرجح بالفعل أنّ سدّ النهضة – في حال إقامته على النحو الذي تقوم به إثيوبيا – سيكون له ضرر مباشر على مصر.
لا شك أنّ هناك تقصيراً سياسياً – خلال الفترات السابقة – تجاه منطقة حوض النيل بوجه خاص، وإفريقيا بوجه عام، والمعهد لديه الكثير من الدراسات على الصعيد الأكاديمي، وهي دراسات متكاملة في كلّ المجالات.
يُرجع البعض ما يحدث في منابع نهر النيل إلى التوغل الإسرائيلي، وبعض البلدان العربية التي تهدف إلى ممارسة ضغوط على الحكومة المصرية، كيف تنظرون إلى هذه المسألة؟
بالتأكيد الدور الإسرائيلي لا يخفى على أحد، سواء في إفريقيا، أو دول حوض النيل، ونستطيع أن نقول: إنّ قوة الدور الإسرائيلي في إفريقيا وتوغله؛ تعود بالأساس إلى ضعف الدور المصري، والعربي بشكل عام، في الاهتمام بإفريقيا؛ فأتت إسرائيل لتملأ هذا الفراغ، فتراجع الدور المصري؛ مما أعطى لإسرائيل وغيرها الفرصة للوجود المكثف سياسياً واقتصادياً في إفريقيا ودول حوض النيل.
فإسرائيل تدعم مثل تلك المشاريع على منابع النيل؛ لعلمها أنّ تأثيرات نقص المياه ستكون شديدة على مصر، فجميع خطط التنمية في مصر سوف تتأثر بنقص المياه.
ما مستقبل ملف مياه نهر النيل، وما توقعاتكم الخاصة بالتعاون بين مصر ودول حوض النيل؟
أعتقد أنه سيحدث تفاهمات، لكن لا بد من التحرك السريع؛ لأنّ المصريين لن يسمحوا أبداً أن تنهار خطط التنمية؛ لأن المياه هي أساس التنمية، فمصر لن تقف ساكنة أمام التهديدات.
فهناك جهود دبلوماسية الآن في هذا الاتجاه، واستخدام القوة الناعمة للتأثير على القرار في إفريقيا، ودفع عجلة التعاون بين مصر والدول الإفريقية، ولا سبيل للارتقاء بالجانب المصري أو الإفريقي إلا بالتعاون والتنمية، ونحن نساعد في دفع خطط التنمية في إفريقيا، ولا بديل في كلّ ذلك عن الحوار الجاد والواضح بين جميع الأطراف، ودمج المشروعات التنموية المتبادلة التي تعود بالنفع على الجميع؛ بعيداً عن الأيديولوجيات والتحيزات السياسية.
هل ترون أنّ مصر تحتاج إلى وزارة خاصة بشؤون النيل والعلاقات الإفريقية؟
يوصي المعهد في معظم المؤتمرات بضرورة وجود وزارة معنية بالشأن الإفريقي؛ لأنّ العمل في إفريقيا أصبح مبعثراً بين العديد من الوزارات والهيئات المختلفة، فهناك وزارة الزراعة، ووزارة الري، ووزارة التعاون الدولي، ووزارة الخارجية، فكلّ جهود تلك الوزرات مبعثرة، وتحتاج إلى توجيه استراتيجي بعيد المدى، وقصير المدى أيضاً، في إفريقيا، فوزارة الخارجية لديها إدارة كاملة تسمّى (إدارة الشؤون الإفريقية)، ولديها نائب وزير لإدارة الشؤون الإفريقية، ومع ذلك يظلّ الاهتمام بالشأن الإفريقي مبعثراً.
فهناك حاجة في الوقت الحالي لإيجاد صيغة واضحة في التعامل مع هذا الكيان المسؤول، فهناك غياب للمسؤولية عن هذا الملف، أقصد الملف الإفريقي وملف النيل، ففي حالات الإخفاق مَن يُحاسب.. مسؤول الري أم مسؤول الخارجية؟ وكل وزارة أو هيئة لديها رؤية ونظرة خاصة وأبعاد أخرى، فوجود كيان يهتم بإفريقيا هذا من الأشياء الهامّة جدّاً.
فالمعهد لا يطالب فقط بوزارة للشؤون الإفريقية، أو نهر النيل، بل نطالب بأكثر من ذلك، بوزارة خاصة بالمشاريع المائية في إفريقيا، سواء على نهر النيل أو غيره.
لماذا غابت الدول العربية عن منافسة القوى الدولية والإقليمية في الاستثمار في القارة الإفريقية؟
بدأت بعض الدول العربية، مثل السعودية، ببعض الاستثمارات في إفريقيا، كما في إثيوبيا وغيرها، لكن الغياب العربي راجع لضعف التعاون والتنسيق بين الدول العربية، ولا بد من وجود استراتيجية لدعم التنسيق العربي في إفريقيا، وهذا الأمر سيكون له تأثير قوي، فدول الخليج لديها الأموال، ودول الشمال الإفريقي لديها الخبرات الفنية والعلمية، ما المانع أن يتم التنسيق بين الدول العربية لدعم مشروعات مع الدول الإفريقية، مثل المشروعات الزراعية والصناعية وغيرها، ما يعود بالنفع على الكافة؟! فلو تم إيجاد نظرة استراتيجية عربية واحدة تجاه إفريقيا؛ بالتأكيد هذا الأمر سيغيّر من الوضع الحالي الذي يشير إلى ضعف الدور العربي في إفريقيا؛ في الوقت الذي توجد فيه الكثير من القوى الدولية والإقليمية بشكل واضح وكبير، ولا شك أنّ هناك وجوداً وحضوراً إيرانياً بارزاً في إفريقيا، وهذا ما يستدعي بالضرورة إيجاد توازن من جانب الدول العربية السنّية.
تطفو بين الحين والآخر إحدى القضايا العرقية والطائفية في أحد البلدان الإفريقية، وغالباً يكون المسلمون فيها ضحية انتهاكات تدعمها البلدان الأوروبية، أين مصر من هذه القضايا؛ إفريقيا الوسطى نموذجاً؟
من الأسف القول: إنّ الدور المصري، بل والعربي، في هذا المجال ضعيف جدّاً، وعند وجودي في وسط إفريقيا – أثناء عمل بعض الدراسات والأبحاث – لاحظت غياباً تامّاً عن مشاكل المسلمين داخل القارة الإفريقية، حتى مبعوثو الأزهر الذين ترسلهم الدولة المصرية، ليقوموا بدورهم في تعليم مسلمي الدول الإفريقية تعاليم وشعائر الدين الإسلامي، لا يقومون بواجبهم على الوجه الأمثل في معظم الأحيان، وليست لديهم أهداف واضحة، فهناك غيابٌ تامٌّ للدور، أو الخطة، أو الهدف، المفترض أن يقوم به مبعوثو الأزهر.
في المقابل؛ هناك عمليات تبشير داخل إفريقيا، تسير على قدمٍ وساق، وتتغلغل داخل المدن والقرى الإفريقية، وتقيم المراكز والكنائس، وتقوم بدورٍ كبيرٍ وضخمٍ داخل إفريقيا، وتتحرك في كلّ التجمعات السكانية؛ بما فيها القرى والنجوع.
والمسلمون في إفريقيا في أمسّ الحاجة للدول العربية والإسلامية من الناحية الدينية أو الاقتصادية؛ ليدعموا مواقفهم وقضاياهم.
في هذا الصدد ما الذي يقوم به المعهد على مستوى الاهتمام والتعريف بقضايا الأقليات المسلمة في إفريقيا، وما يتعرضون له من اضطهاد وتضييق؟
يوجد في قسم الجغرافيا التابع للمعهد دراسات عن السكان في إفريقيا، والتي تتناول – بالطبع -أوضاع السكان في البلدان الإفريقية، ومن تلك الأوضاع محلّ الدراسة التركيبة الدينية لهؤلاء السكان، كما يتمّ تناول تلك المشكلة في بعض أبحاث قسم السياسة.
فعند دراسة بعض القبائل الإفريقية – على سبيل المثال – يتم تناول أوضاعهم الدينية، لكن لا تكون تلك هي المشكلة البحثية، بل يتمّ تناولها أثناء الحديث عن المشكلة البحثية، ولا يوجد تركيز واضح داخل المركز على قضية المسلمين أو الأقليات المسلمة في إفريقيا، وهذا الأمر نسعى لعلاجه.
لكن يوجد اهتمام كبير بقضية اللاجئين أخيراً، ولدينا العديد من الباحثين والأستاذة يعملون في هذا المجال: النزوح القسري الناتج عن الصراعات الموجودة في إفريقيا.
كلمة أخيرة توجهونها لمجلة قراءات إفريقية وقرائها؟
المعهد يعتز جدّاً بمجلة (قراءات إفريقية)، ويرى أنّ دورها مكمّلاً لدور المعهد في التعريف بالقضايا الإفريقية، ونسعى لتبادل الخبرات مع كافة العاملين في مجال القضايا الإفريقية، ومنها مجلتكم الموقرة، ولدينا في المعهد التقرير الاستراتيجي الإفريقي السنوي، ومجلة شؤون إفريقيا، ونأمل في زيادة التعاون بين مختلف الجهات المعنية بالشأن الإفريقي.