تشهد القارة الإفريقية أكبر نسبة عمالة للأطفال حول العالم؛ حيث تشير الإحصاءات إلى أنَّ هناك 186 مليون طفل يعملون في القارات الست، منهم في إفريقيا وحدها 80 مليون طفل، يعملون في أعمال خَطِرَة، ويُجنّدون في الجيوش، ويقعون فريسة للفصائل المتقاتلة، ويكونون ضحية لغياب الأمن وسوء الأحوال الاقتصادية واندلاع الصراعات العرقية والقبلية.
وفي السادس عشر من يونيو من كل عام يحتفل العالم بيوم الطفل الإفريقي، وهي مبادرة دولية من أجل تسليط الضوء على معاناة أطفال القارة السمراء الذين يعيشون في ظروف قاسية، ويقعون ضحية لمشكلات سياسية واقتصادية عميقة الجذور في تلك القارة التي تشهد عدة نزاعات وحروبًا أهلية ومجاعات، وكذلك تشهد ثورات شعبية وانقلابات عسكرية. فقارَّة إفريقيا تُعَدُّ واحدة من القارات الأقل استقرارًا على مستوى العالم، وذلك بالوضع في الاعتبار كذلك منطقة شمال إفريقيا التي شهدت احتجاجات واسعة بدءًا من نهاية عام 2010م، من أجل تحسين أحوال الشعوب الاقتصاديَّة.
وفي هذا الإطار يقع الطفل الإفريقي بين رحى الفقر وسندان العنف المسلح، وتشير الدراسات الاجتماعية إلى أنَّ عمالة الأطفال تؤدي إلى تشوُّهات نفسية في هؤلاء الأطفال عند الكبر؛ حيث تزداد لديهم ميول العنف وارتكاب الجرائم، وهذا يفاقم المشكلات الاجتماعية والسياسية والأمنية الموجودة بالفعل في إفريقيا جنوب الصحراء، والتي كثيرًا ما تَستخدم أولئك الأطفال أيضًا كمجندين في الصراعات طويلة الأمد، وكذلك في المناطق قليلة السكان، بالإضافة إلى استغلالهم في أعمال شديدة الخطورة، مثل المناجم ومصانع الإسمنت، وغيرها، بالإضافة إلى التقارير التي تشير إلى تصاعد الاستغلال الجنسي ضدهم.
كما أن زيادة الصراعات الدينية في مناطق التوترات بين المسلمين والمسيحيين على سبيل المثال في جمهورية إفريقيا الوسطى قد أدَّت بدورها إلى زيادة تجنيد الأطفال في تلك الصراعات الدينية، التي من المتوقع أن تترك آثارًا عميقة على نفسية أولئك الأطفال وقدرتهم على العيش في تسامح في المستقبل مع أصحاب المعتقدات الأخرى، لا سِيَّما في ظلّ بشاعة عمليات التطهير العِرْقِيّ التي جرت في ذلك الصراع، مما يؤدِّي إلى تفاقم المشكلات بتصديرها إلى المستقبل محمولة في أذهان أولئك الأطفال. وبعد سقوط الحكومة في عام 2013م، تضاعف عدد الجنود الأطفال في البلاد، وارتفع إلى أكثر من 6000، ومع ما يقرب من 400 ألف شخص نزحوا بسبب النزاع، كانت هناك مخاوف من أن يزيد عدد المجندين الأطفال بشكل كبير.
كما تمثل حالة جنوب السودان كذلك صراعًا يختلط فيه الديني بالسياسي، في ظل فشل دولة جنوب السودان في توفير الحد الأدنى من مقومات الدولة التي حلم بها مواطنوها عندما صوّتوا على الانفصال عن الشمال، بما تحمله كذلك من إرث للصراع الديني، وكذلك الصراع على مناطق الرعي والمياه والنفط.
وقد أشارت دراسة أجراها مكتب منظمة العمل الدولية في 2002م إلى أن دول إفريقيا جنوب الصحراء تشهد معدلات مرتفعة لعمالة الأطفال، وأن نسبة 41 في المائة من هؤلاء الأطفال يعملون في النشاطات الاقتصادية ومعظمهم في القطاع الزراعي. وأوضحت الدراسة أن 48 مليون طفل أو نسبة 23 في المائة من العمال الأطفال في العالم يوجدون في القارة الإفريقية، وأن الأطفال العاملين دائمًا تكون أعمارهم أقل من 15عامًا، وأشارت منظمة العمل الدولية إلى أن مشكلة عمالة الأطفال مشكلة خطيرة، وأن 352 مليون طفل تتراوح أعمارهم بين 7 و17 عامًا يشتغلون في النشاطات الاقتصادية، وأن حوالي 246 مليون طفل من العدد السابق يعملون في ظروف عمل غير مقبولة، بينما يتعرض 179 مليون من هؤلاء الأطفال إلى أنواع قاسية من المعاملة التي تُعَرِّض حياتهم الجسدية والعقلية للخطر.
وفي أوغندا في السنوات العشرين الماضية، اختطف جيش الرب الأوغندي أكثر من 30 ألف طفل لاستخدامهم كأدوات للقتل والتعذيب والحرب. في البداية، تم تشكيل جيش الرب -بقيادة الجنرال جوزيف كوني- لمقاومة قوات الدفاع الشعبية الأوغندية في الحرب الأهلية، ولكنْ تحولت أعمالهم العدائية إلى حرب عرقية ضد القبائل في شمال بعض الدول الإفريقية؛ حيث انتشر مقاتلوهم في أطراف شمال شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، وفي إفريقيا الوسطى، وفي جنوب السودان منذ عام 2005م في أوغندا؛ حيث يتم اختطاف الصبية الصغار ويُجْبَرُون على القتال وعلى إرهاب السكان المدنيين، وقد ارتكب كثير من هؤلاء الأطفال أعمالهم الوحشية قبل الوصول إلى سنّ البلوغ، وقد أدانت الأمم المتحدة أيضًا قوات الدفاع الشعبية الأوغندية لتجنيدها نحو 5000 طفل.
وأوضح تقرير لمنظمة "أنقذوا الأطفال" الدولية، أنّ النرويج وسلوفينيا وفنلندا وهولندا والسويد، تصدرت قائمة الدول التي تكون الطفولة فيها أقل عرضة للخطر، في حين تربعت النيجر وأنغولا ومالي وجمهورية إفريقيا الوسطى والصومال وتشاد وجنوب السودان على قائمة الدول الأكثر خطورة على الطفولة. وبحسب معطيات التقرير، فإن واحدًا من بين كل 10 أطفال يتوفون دون الخامسة من أعمارهم في أنغولا، وجمهورية إفريقيا الوسطى، وتشاد، ومالي، ونيجيريا، وسيراليون، والصومال.
وأشارت المعطيات إلى أن 9 ملايين من الأطفال الإناث، و6 ملايين من الذكور متخلفون عن المدارس في دول جنوب الصحراء الكبرى الإفريقية. كما أظهرت أن نصف الأطفال في تشاد والصومال لم يذهبوا إلى المدارس أبدًا، فيما تشكل نسبة الأطفال المحرومين من حق التعليم في النيجر 55%، وجيبوتي 61%، وإريتريا 63%. أما في جنوب السودان فإنَّ ثلثي الأطفال محرومون من حق التعليم. كما أن الدول الإفريقية تتصدر دول العالم في نسبة معدلات عمالة الأطفال؛ حيث تبلغ نسبة الأطفال العاملين في الكاميرون 47%، وفي الصومال 49%، وغينيا بيساو 52%، ومالي 56%، بحسب التقرير.
وكل تلك الأرقام تُعَدُّ مفزعة للغاية؛ حيث إنها تقترب أو تزيد عن النصف في الكثير من الحالات، بما يشير إلى اقتران التسرب من التعليم وعمالة الأطفال وتجنيدهم في الصراعات بالنواحي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية المتدهورة، وكل تلك المشكلات ترتبط بصورة أو بأخرى بمعدلات التنمية، وكذلك بالعدالة الاجتماعية، ومدى تطبيق الديمقراطية، وكذلك التوزيع العادل للثروة في مناطق الريف والحضر.