أثيوبيا أنجولا أوغندا إريتريا اسواتيني  افريقيا الوسطى الجابون الجزائر الرأس الأخضر السنغال السودان الصومال الكاميرون الكونغو الكونغو الديمقراطية المغرب النيجر بنين بوتسوانا بوركينا فاسو بوروندي تشاد تنزانيا توغو تونس جزر القمر جنوب أفريقيا جنوب السودان جيبوتي رواندا زامبيا زيمبابوي ساو تومي وبرينسيبي سيراليون غامبيا غانا غينيا غينيا الاستوائية غينيا بيساو كوت ديفوار كينيا ليبيا ليبيريا ليسوتو مالاوي مالي مدغشقر مصر موريتانيا موريشيوس موزمبيق ناميبيا نيجيريا

مصر وسد النهضة.. حدود وتحديات الخيار العسكري

دخلت العلاقات المصرية الإثيوبية منعطفًا خطيرًا بعد أن أصرّت أديس أبابا على المضي قُدُمًا في خططها لملء خزان سد النهضة، بدون الاعتبار لمناشدات الحكومة المصرية أو مطالباتها بتأجيل ملء الخزان أو إطالة أمَده؛ من أجل تخفيف آثاره المتوقعة على حصة مصر من المياه، ولم تلتفت كذلك لمطالبات مصر باللجوء إلى التحكيم الدولي، ومن ثَمَّ فإن أديس أبابا اختارت الرهان على تضاؤل خيارات مصر وصعوبة اللجوء إلى الخيار العسكري؛ حيث كان ذلك واضحًا في سلوك مفاوضيها على مدار السنوات القليلة الماضية، والتي أصرَّت فيه على إطالة أمد المفاوضات، والمماطلة من أجل كسب الوقت وحشد مؤيديها في المجتمع الدولي، وكذلك من أجل إعادة بناء قدرات دفاعها الجوي حول السد، وأظهرت سلوكًا غير مسؤول بانسحاب مفاوضيها من اجتماعات نيويورك مؤخرًا، فيما بدا أنه استهانة بقدرة مصر على اتخاذ قرار الحرب أو استخدام قوتها الصلبة، أو ربما اعتمادًا على قدرتها على القيام بمناورات الفرصة الأخيرة في حالة حدوث تضرر مصر من ملء الخزان، ومن ثم اللجوء إلى سيناريوهات أخرى.

وكما أظهرت إثيوبيا بوضوح استراتيجيتها المتجاهلة للتهديدات المصرية؛ فإن مصر كان يجب عليها هي الأخرى أن تُظهر قابليتها وقدرتها على اتخاذ قرار استخدام قوتها الصلبة، وهو ما وضح في التحركات المصرية الأخيرة التي قامت ببناء واحدة من أقوى قواعدها العسكرية، البحرية/الجوية، على البحر الأحمر، وهي قاعدة "برنيس" العسكرية، والتي يقع فيها قيادة الأسطول الجنوبي، وتدشينها بمناورة "قادر2020"، والتي استعرضت فيها مصر قواتها الجوية من مقاتلات إف16 الأمريكية، وميج 29 الروسية، والرافال الفرنسية، بالإضافة إلى حاملة المروحيات "ميسترال"، فيما مثَّل استعراضًا للقوة ومحاكاة لعملية عسكرية شاملة بضربات جوية وبإسناد بحري، وكذلك بخط إمدادات لوجستي يصل إلى قاعدة برنيس، والتي تمثل واحدة من أهم نقاط بسط القوة العسكرية في منطقة جنوب البحر الأحمر، كما تواردت أنباء عن نشر مصر لقوات ومعدات عسكرية في قاعدة "نورا" في إريتريا على مرمى حجر من سد النهضة (على بعد حوالي 750كم)؛ حيث وقَّعت مصر اتفاقية استراتيجية مع إريتريا لنشر قواتها في شبه جزيرة الداخلة،  كما شاركت في يناير 2020م بتأسيس مجلس الدول العربية والإفريقية المُطِلَّة على البحر الأحمر وخليج عدن، والذي يضم 8 دول، من أجل حماية مصالحها الوطنية.

ويبدو من تلك الخطوات أن مصر تلجأ إلى خيار استعراض القوة؛ من أجل تحقيق الردع المطلوب تجاه الدولة الإثيوبية، وذلك كورقة ضغط على أديس أبابا لتُعيد حساباتها مرة ثانية، وإظهار جدية القاهرة في مسألة المياه التي تُعدّ مسألة أمن قومي لا يمكن التهاون بشأنها، لا سيما في ظل ضغوط اقتصادية متزايدة على الدولة المصرية، وكذلك في ظل تزايد الإنفاق الحكومي من الاحتياطات الأجنبية من أجل مواجهة تداعيات فيروس كوفيد19 على الداخل المصري، والذي أدَّى إلى تغيير شكل الحياة حول العالم، وغيَّر من أنماط الاقتصاد والتجارة وأدَّى إلى حالة من الركود التجاري والاقتصادي، لا سيما في ظل احتمالات عودة الكثير من العمالة المصرية من الخارج في حالة رفع حظر الطيران، وذلك بسبب الضغوط التي سبَّبتها أزمة كورونا على الاقتصادات الخليجية.

ومن ثَمَّ فإن مصر لن تحتمل رؤية انهيار القطاع الزراعي وجفاف المجاري المائية نتيجة لملء خزان سد النهضة، وما يمكن أن يستتبعه ذلك من جفاف للأراضي الزراعية ونفوق الماشية وفساد المحاصيل، ومن ثَمَّ فإن خيار الحرب في تلك الحالة سيكون الورقة الأخيرة التي ستلجأ إليها القاهرة من أجل الدفاع عن مصالحها العليا.

ولكن وبالرغم من التفوق العسكري المصري الواضح، إلا أن حسابات استخدام القوة لا تخلو من مخاطر وتداعيات، لا سيما وأن مصر في تلك الحالة بحاجة إلى تحديد الهدف الاستراتيجي من تلك العملية، وتعريف الانتصار في تلك المهمة؛ حيث إن أيّ شيء دون التدمير الكامل والكلي للسد فإنه لن يتم تعريفه كانتصار في تلك الحرب؛ حيث يمكن في تلك الحالة استدراج مصر إلى حالة توتر طويلة الأمد بما يمكن أن يحمله ذلك من تداعيات أمنية على الداخل المصري، وكذلك بما يمكن أن يمثله من رسائل قد تعطي للأطراف الأخرى تبريرًا لاستخدام القوة ضد المصالح الحيوية المصرية، وكذلك إمكانية التعرض لضربات انتقامية للمصالح المصرية حول العالم، لا سيما وأن دولة إثيوبيا هي دولة كبرى في القرن الإفريقي وذات كثافة سكانية عالية، وتربطها بمصر علاقات تاريخية.

فمن الناحية العسكرية؛ مصر لديها عدة خيارات من بينها استخدام مجموعة قتال شاملة تحتوي على حاملة المروحيات الميسترال كقطعة إسناد مع انطلاق للعمليات العسكرية من الطائرات المقاتلة من قاعدة برنيس، مع إحباط عمل الدفاعات الجوية التي نشرتها إثيوبيا حديثًا حول السد، كما تعاقدت مصر مؤخرًا على تزويد طائرات سوخوي35 الروسية بصواريخ متطورة من طراز "Kh-59MK2"، وهو صاروخ تكتيكي للأهداف الثابتة بمدى 300كلم مزود برأس حربي يزن 700 كغم؛ حيث تصل سرعته إلى 1000كم في الساعة، وتمتلك هذه الصواريخ رأسًا حربية خارقة شديدة التدمير، ويتم إطلاقها من ارتفاع 200 – 11 ألف متر على سرعة طيران 550 – 1100 كم/س بحد أقصى.

 كما تمتلك مصر خيار استخدام قاعدة نورا الإريترية، سواء للأغراض الدفاعية في أعقاب الهجوم أو لشنّ هجوم، وذلك طبقًا لقواعد الاتفاقية الاستراتيجية بين البلدين؛ حيث من المتوقع أن ترفض أريتريا إبرام أية اتفاقات عسكرية تسمح بشن هجوم على دول أخرى، ولكن في تلك الحالة يمكن لتلك القاعدة أن تمثل خطًّا دفاعيًّا أوليًّا أمام أية ضربات انتقامية من إثيوبيا في حال نجاح الضربة الجوية المصرية.

وكما أسلفنا؛ فإن أيّ انتصار في تلك العملية يجب أن يشتمل على التدمير الكلي للسد بما يحمله من توربينات لتوليد الكهرباء، وكذلك مع تلافي التداعيات الناتجة عن اندفاع المياه باتجاه السودان في حال انهيار السد بالكامل، ومن ثَمَّ فإن عملية بتلك الدقة ستكون صعبة للغاية، وكذلك مكلّفة من الناحيتين العسكرية والسياسية، كما تتطلب غطاءً دوليًّا، وهو ما مهَّدت له مصر منذ أيام بتقديم شكوى إلى الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي تطالب فيها باستئناف المفاوضات بوساطة دولية مع وقف عمليات ملء الخزان.

وبالرغم من التكلفة العالية لذلك الخيار العسكري؛ إلا أنه من وجهة نظر مراقبين مصريين فإن السلوك الإثيوبي يتطلب إظهار الردع من جانب الدولة المصرية؛ من أجل إجبار أديس أبابا على التصرف بعقلانية وانتهاج سلوك إيجابي يهدف إلى تحقيق مصالح جميع الأطراف، وإجبارها على العودة إلى مائدة المفاوضات وإيقاف عملية ملء الخزان المقرر لها يوليو 2020م .

لقد كان من المقرَّر إجراء انتخابات برلمانية في إثيوبيا في التاسع والعشرين من أغسطس القادم، إلا أن أزمة كورونا أدَّت إلى تأجيل تلك الانتخابات إلى أجل غير مسمَّى، وقد أصرت الحكومة الإثيوبية على المُضِيّ قُدُمًا في ملء الخزان في الجدول المحدَّد سلفًا، وربما كانت تلك التصريحات تدور في إطار التنافس الانتخابي لحزب رئيس الوزراء آبي أحمد ضد منافسه الرئيس جبهة تحرير تيغراي، وأن تلك اللهجة الصقورية كانت تهدف إلى تحقيق فوز انتخابي، وكان يمكن أن تتراجع بعدها عنها، ولكن جاء تأجيل الانتخابات ليزيد الأمور تعقيدًا وضبابية حول الموقف الحقيقي لأديس أبابا، ومدى قدرتها على تحدّي مصالح دول الجوار وعلى رأسها مصر.

ولكن بالنظر إلى العلاقات التاريخية المصرية الإثيوبية؛ فإن من الحكمة والمصلحة لكلا الجانبين العمل على تلافي خيار الحرب المكلف للغاية على كلا الطرفين، والعمل على تحقيق مصالح الشعبين اللذين يطمحان إلى عيشٍ كريمٍ، وتلافي أيّ تداعيات تهدّد الأمن القومي لدول حوض النيل، والتوصل في النهاية إلى حلّ يتجنّب شبح الموت والدمار.

كتاب الموقع