في يوم الأحد (الموافق 5 ديسمبر 2021م), أعلنت اللجنة الانتخابية في غامبيا فوز الرئيس "أداما بارو" في الانتخابات الرئاسية التي ترشَّح فيها تحت مظلة "حزب الشعب الوطني" (National People's Party = NPP).
وقد تغلب على خمسة مرشحين آخرين في 40 دائرة انتخابية من أصل 53 دائرة، وحصل على 53 في المئة من الأصوات متفوّقًا على أقرب منافسيه، وهو مرشد "بارو" السابق والسياسي المخضرم "أوسينو داربو" الذي فاز بنحو 28 في المئة من الأصوات.
وقد تأخرت عملية إعلان نتائج الانتخابات نتيجة للإقبال الكبير مِن قِبَل الناخبين رغم محاولات مطوري التطبيقات في متابعة فرز الأصوات وتسريعها من خلال تطبيق هاتف ذكي. بالإضافة إلى الإجراءات التقنية الفريدة التي تتبنّاها غامبيا والمتمثّلة في استخدام الكرات الرخامية؛ حيث ينتخب الناخبون سياسيِّيهم المفضلين عن طريق إلقاء قطعة من الكرات الرخامية داخل أحد الصناديق. وقد وُضِعَتِ هذه التقنية في عام 1947م لتجنب الاقتراع الفاسد ولارتفاع معدلات الأمية وقتذاك.
على أن مرشحي المعارضة قد أعلنوا رفضهم لنتائج الانتخابات مساء الأحد؛ إذ قال كل من "أوسينو داربو" من الحزب الديمقراطي المتحد (UDP) و"ماما كانده" من حزب المؤتمر الديمقراطي في غامبيا والمرشح المستقل "عيسى فال" للصحفيين: إنهم قلقون من "التأخير المفرط" في إعلان النتائج النهائية, وإن وكلائهم وممثليهم أثاروا عددًا من قضايا المخالفات في مراكز الاقتراع ولم يتحققوا من بعض النتائج. ومع ذلك شجع "داربو" مؤيديه على الحفاظ على الهدوء والسلام, كما وعد بمتابعة الخيارات القانونية للطعن في نتائج الانتخابات.
أهمية الانتخابات:
تكمن أهمية هذه الرئاسيات في أنها أولى الانتخابات التي أجرتها غامبيا منذ عام 2016م عندما هزم "أداما بارو" الرئيسَ السابقَ "يحيى جامي" الذي وصل إلى السلطة في عام 1994م. وقد كان "بارو" قبل انتخابات 2016م عضوا في الحزب الديمقراطي المتحد (UDP) وخاض الانتخابات كمرشح رئاسي لـ "تحالف 2016م"، وهو مجموعة معارضة تشكلت بهدف الإطاحة بـ "جامي".
وإذ اعترف "جامي" في البداية بنتائج انتخابات 2016م وهزيمته فيها, إلا أنه رفض التنحي عن السلطة بعد ذلك الاعتراف، مما أدى إلى أزمة دستورية بين "بارو" (الرئيس المنتخب) و"يحيى جامي" (الرئيس منتهي الولاية وقنذاك). وفي النهاية تولّى "بارو" رئاسة البلاد بعد تدخّل "الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا" (إيكواس)، بينما اضطرّ "جامي" لمغارة غامبيا والتوجه نحو غينيا الاستوائية التي يقيم فيها منذ عام 2017م.
وقد حكم "جامي" بقبضة من حديد واتُّهِمت إدارته بالاعتقالات التعسفية والاختفاء القسري والإعدام وفق شهادات الضحايا وأقربائهم خلال جلسات استماع لجنة الحقيقة والمصالحة والتعويضات التي وضعتها حكومة "بارو" بعد وصوله إلى السلطة في عام 2017م.
جدير بالذكر أن غامبيا أصغر دولة في البر الرئيسى القاري لإفريقيا, وهذه الانتخابات الأخيرة (رئاسيات 2021م) شهدت تسجيل ما يقرب من مليون غامبي من أصل 2.5 مليون نسمة لعدد السكان. وقبل الانتخابات الأخيرة بأسبوع قدّمت لجنة الحقيقة والمصالحة والتعويضات تقريرها المكون من 17 مجلدًا إلى الرئيس "بارو" وحثَّتْه على ضمان محاكمة مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان تحت حكومة الرئيس السابق "جامي".
تقييم أداء الرئيس "بارو":
بالرغم من مغادرة الرئيس السابق "جامي" من السلطة منذ عام 2017م, إلا أن الكثيرين من الغامبيين قد أبدوا مؤخرًا استياءهم حيال طبيعة حكم الرئيس الحالي "بارو"، وأنهم غير راضين بشأن التقدم الذي أحرزته غامبيا؛ إذ كانت النقطة الرئيسية في شكاوى المواطنين قبيل انتخابات (2021م) أن أسعار السلع الغذائية مستمرة في الارتفاع منذ وصول "بارو" إلى السلطة, وأنهم يريدون انتخاب مرشح يمكنه خَلْق فُرَص عمل للشباب وقادر على معالجة مشكلة الفقر الذي يعيشه البسطاء الغامبيين.
وأشار غامبيون آخرون على أنهم سجّلوا للتصويت في انتخابات الأسبوع الماضي بسبب ضعف أداء "بارو"، والحاجة إلى التغيير ومكافحة الفساد, وتعزيز أواصر السلام والعدالة بين الغامبيين. ويلاحظ اهتمام "بارو" بالفوز بإعادة انتخابه من خلال تحالفه مع حزب الرئيس السابق "جامي"، وبعض الموالين له لدفع أجندته, كما أن التقرير النهائي للجنة الحقيقة والمصالحة والتعويضات قُدِّم إلى الحكومة في 25 نوفمبر الماضي مما أثار تساؤلات حول التوقيت؛ حيث لم يتمكن معظم الغامبيين من الاطلاع على ما في التقرير قبل الانتخابات.
بل كانت أولى التعهدات التي قام بها الرئيس "بارو" في أول مؤتمر صحفي بعد إعلان فوزه في الانتخابات في الأسبوع الماضي أنه سيعمل على وضع دستور جديد يتضمن وضع حد للمدة الرئاسية, وأنه "ستكون هناك عدالة"، و"ستكون هناك مصالحة، وستكون هناك تعويضات". ولكنه لم يكشف عن حقيقة العدالة وطبيعتها أو الإطار الذي سيأخذه تحديد الفترة الدستورية.
وقد لُوحظ أن تعهدات الرئيس "بارو" لم تُثِر بعدُ إعجاب منتقدي حكومته. وقد كشف استطلاع Afrobarometer أن أكثر من نصف جميع الغامبيين لا يثقون في لجنة الحقيقة والمصالحة والتعويضات التي شكلتها حكومة "بارو", خاصة بعدما خاض "عيسى فال" -المدعي العام للجنة الحقيقة والمصالحة والتعويضات- الانتخابات الرئاسية الأخيرة كمرشح مستقل, مما أثار استياء الذين اعتبروا "فال" انتهازيًّا طموحًا. ويعني أداء "فال" السيئ في الانتخابات (بالحصول على حوالي 2 في المئة فقط من الأصوات) أن الطريق ممهّد أمام الرئيس "بارو" لتجاهل توصيات لجنة المصالحة أو اعتبارها أداة سياسية في يد المعارضة ومنتقدي حكومته.
عامل الرئيس السابق "جامي" في الانتخابات:
تردّد ذكر الرئيس السابق "يحيى جامي" في الرئاسيات الغامبية وقضايا سياسية متعلقة بالرئيس الحالي "بارو" وغيره من المرشحين؛ إذ اتُّهِم "جامي" بالتأثير في الانتخابات من منفاه في غينيا الاستوائية, وبُثّتْ رسائله المسجلة في تجمعات أنصاره داخل غامبيا. وقد انقسم حزب "جامي" السابق (التحالف من أجل إعادة التوجيه الوطني والبناء) إلى فصيلين؛ أحدهما شكّله "جامي" من المنفى ودعم مرشح المعارضة "ماما كانده" الذي أشّارت جميع التوقعات قبل الانتخابات أنه يفضّل هو وحلفاؤه عودة "جامي" من المنفى في حال انتصاره في الانتخابات.
وزادت شكوك الكثيرين قبل الانتخابات تجاه الرئيس "بارو" عندما شكّل تحالفًا مع حزب "يحيى جامي" (التحالف من أجل إعادة التوجيه الوطني والبناء) وأحزابٍ سياسية صغيرة أخرى. ولكن "جامي" نفسه رفض هذا التحالف، وطلب من فصيله في الحزب دعمَ حزب "كانده" (مؤتمر غامبيا للديمقراطية) في الانتخابات. بل وأثارت خطوة "بارو" انتقادات شرسة من قبل الذين اعتبروا تحالف "بارو" مع حزب "جامي" خيانةً لضحايا عهد "جامي".
ما الذي تعنيه إعادة انتخاب "بارو"؟
يستنتج من نتائج انتخابات 2021 أن الرئيس "بارو" سيكون الشخصية المهيمنة في المشهد السياسي الغامبي في السنوات القادمة؛ إذ كشف أداء المعارض "كانده" في عام 2021م والذي كان أسوأ من أدائه في انتخابات عام 2016م أن الرئيس السابق "جامي" فشل في طموحاته ليكون المؤثر الأساسي في السياسة الغامبية.
ومن غير المستبعد أن تأتي السنوات القادمة بتحالفات جديدة بين مختلف الأطراف, كما أن مستقبل توصيات لجنة الحقيقة والمصالحة والتعويضات غير واضح؛ إذ يرى أنصار "جامي"، بمن فيهم بعض المتحالفين مع الرئيس "بارو"، أن إجراءات اللجنة "مطاردة ساحرة" ضد "جامي" وأنه يجب حذف توصياتها.
بل كانت حقيقة اهتمام الرئيس "بارو" بمشروع الدستور الجديد لا تزال محل الشك؛ إذ بالرغم من كونه داعمًا رسميًّا لعمل لجنة مراجعة الدستور في السنوات القادمة، إلا أن المشرعين الموالين له هم أول من نسفوا محاولات مراجعة الدستور في سبتمبر 2020م بسبب قضية تحديد المدة الرئاسية حيث كانوا يسعون إلى إبقاء "بارو" في منصبه بأي ثمن.
ويؤكد على النقطة السابقة كون الرئيس "بارو" يبلغ من العمر 56 عامًا, بينما يبلغ منافسيه أمثال "داربو" – مرشد "بارو" السابق وزعيم "الحزب الديمقراطي المتحد" - 73 عامًا, الأمر الذي يرجح عدم خوضه للانتخابات الرئاسية لعام 2026. والمعارض "كانده" الذي يبلغ من العمر 56 عامًا قد يخوض انتخابات الرئاسة القادمة, ولكن سجلّه في الانتخابات لا يبشّر بنجاح في عام 2026.
وأخيرًا, يمكن القول من خلال استطلاع Afrobarometer أن أمام الرئيس "بارو" الكثير من التحديات, مثل البطالة، وتوفير الطاقة الكهربائية، وبناء مراكز صحية جديدة، واستدامة السلام الوطني. كما أن سياساته الاقتصادية القائمة على البنية التحتية بحاجة إلى المراجعة وإيلاء الأولوية لما يمسّ المواطنين البسطاء؛ حيث تعرض الاقتصاد الغامبي القائم على السياحة لضربة قاسية بسبب وباء كوفيد -19، ولا يزال ارتفاع الأسعار يشكل مصدر قلق للكثيرين.
_______________
للمزيد:
- Gambia's President-Elect Adama Barrow makes new constitution a priority: https://bit.ly/3dJ3seK
- Gambian opposition parties reject election results: https://bit.ly/3dL237v
- Adama Barrow’s re-election and The Gambia’s long walk to justice: https://bit.ly/3ygVX8h
- Freshly re-elected president of The Gambia lays out plans for second mandate: https://bit.ly/3s22jar
- Gambia: President Barrow wins election amid cries of foul play: https://bit.ly/3EZbZpG
- What Barrow’s re-election means for The Gambia: https://bit.ly/3rYtoLQ