أثيوبيا أنجولا أوغندا إريتريا اسواتيني  افريقيا الوسطى الجابون الجزائر الرأس الأخضر السنغال السودان الصومال الكاميرون الكونغو الكونغو الديمقراطية المغرب النيجر بنين بوتسوانا بوركينا فاسو بوروندي تشاد تنزانيا توغو تونس جزر القمر جنوب أفريقيا جنوب السودان جيبوتي رواندا زامبيا زيمبابوي ساو تومي وبرينسيبي سيراليون غامبيا غانا غينيا غينيا الاستوائية غينيا بيساو كوت ديفوار كينيا ليبيا ليبيريا ليسوتو مالاوي مالي مدغشقر مصر موريتانيا موريشيوس موزمبيق ناميبيا نيجيريا

قراءة في الأوضاع الإثيوبية.. التطورات الأخيرة، والتوقّعات المستقبلية

عند النظر في «الأقليات» و «الأغلبيات» العِرقية؛ فإنّ غالبية الحالات تعطي صورة بأنّ الثانية دائماً ما تحكم الأولى, وأنها (أي: الأقليات العِرقية) ضحية التمييز والهيمنة السياسية التي تمارسها الأغلبيات العِرقية, خصوصاً في العصر الحديث الذي تتبنى المجتمعات فيه «الديمقراطية»، والتي بدورها– في كثيرٍ من الأحيان- تعطي السيادة واليد العليا وممارسة السلطة للأغلبيات.

ويؤدي الخوف من القمع إلى أن تسعى الأقلية إلى السلطة بأي طريقة لتحقيق مبتغاها ومواجهة الأغلبية، حتى إن كانت الأقلية في وصولها إلى السلطة ستواجه صعوبةً في كسب الشعبية والتعبئة الجماهيرية، وربما الدولية؛ فإنّ ذلك لا يعني عدم وجود حكم الأقلية العِرقية في وقتنا الحالي.

يعرّف إيريك كاوفمان Erik Kaufman و أوديد هاكلاي Oded Haklai «الأقليات السياسية» المهيمنة بأنها: «تلك المجموعات المتميزة، الحاكمة بشكلٍ جماعيٍّ، القادرة على الحكم على الأغلبيات برغم تفوّق الأغلبيات العددي ديموغرافيّاً» (1) ، وفي معظم الحالات؛ كانت هذه الأقليات المهيمنة نتاج عملية الاستعمار وما بعده.

 

الحالة الإثيوبية:

تتشكّل إثيوبيا من مجتمعٍ متعدّد الأعراق, حيث كانت السياسات العِرقية والحشد القبليّ هي الطريق الموصّل إلى السلطة، وأهمّ الأدوات للحفاظ عليها، فخلال عصر الأمراء (1769م – 1855م) مثلاً؛ كانت إثيوبيا تتوزع سياسيّاً بطريقةٍ غير منضبطة بين الأمراء المحليين، الذين جمعوا دعمهم من قاعدةٍ عِرقية أو فروعها (2).

وفي النصف الأخير من القرن الماضي؛ شهدت البلاد حكم ثلاثة أنظمة، يختلف بعضها عن البعض الآخر في الأيديولوجيا، والتكوين الداخليّ والعرقيّ والسياسيّ والاجتماعي، بالإضافة إلى اختلاف سياستها الخارجية.

وإذا كانت إثيوبيا المَلَكية والاشتراكية تميّزت بالمركزية (3) ؛ فإنها منذ عام 1991م تتميز بالوعود التي من شأنها تمهيد الطريق إلى مرحلةٍ جديدة، وفتح بابٍ أمام المساواة العِرقية والدينية، واللامركزية، حيث يكون الشعب بجميع أعراقه مشاركاً في عملية صنع القرار، وقد كانت الآمال الأوّلية وترقبات الشعب نحو تلك المرحلة كبيرة، خصوصاً أنّ البلاد أصيبت بالإرهاق بسبب الحرب الإريترية، وصراع الجماعات، مثل جبهة تحرير شعب تيغري، وجبهة تحرير شعب أورومو، وغيرها.

 

قراءة تاريخية في الأوضاع والتطورات:

يبلغ عدد سكان إثيوبيا حاليّاً حوالي 79 مليون، ويعيش أكثر من 84% منهم في المناطق الريفية, مع تقدير مساحة أراضيها بنحو 1.1 مليون كم2.

بعد أكثر من عقدَيْن من حربٍ أهليةٍ دامية، نتج عنها إسقاط النظام العسكري، لم تنجح المحاولات الأولى لتقاسم السلطة بين جميع الفصائل العِرقية المختلفة، ومنذ عام 1991م- إلى اليوم- تُمارس السلطة من قِبل نُخبٍ من مجموعة «الأقليات العِرقية»؛ من شعب تيغري (بنسبة 10% فقط من عدد السكان) (4).

ومنذ وصول ائتلاف الأحزاب المعروف باسم: «الجبهة الشعبية الثورية الديمقراطية»، والذي تمثّل «جبهة تحرير شعب تيغري» حقيقتها وجوهرها، إلى السلطة؛ وجدت البلاد نفسها في سياساتٍ عِرقيةٍ يصدرها وينفذها الحزب الحاكم.

وفقاً لدستور البلاد؛ فإنّ إثيوبيا دولة «جمهورية ديمقراطية اتحادية»، تتكون من تسع ولايات إقليمية، مقسّمة حسب العِرق واللغة, وهي: (تيغري، عفر، أمهرة, أوروميا, أوغادين - تُعرف أيضاً باسم: «الصومالي»، بني شنقول - قماز، قوميات الأمم الجنوبية (SNNPR)، غامبيلا، هراري, إضافة إلى ولايتَين: أديس أبابا و ديرة داوا) (5)، وبناءً على هذا التقسيم نجح الحزب الحاكم أيضاً في جعل أساس تشكيل حزبه السياسيّ عِرقيّاً.

هذا, وبالنظر إلى السيناريو الجيوسياسيّ لما بعد الحرب الباردة، وسقوط نظام العقيد «منغستو هايلي مريم» العسكري، كان من الضروري لقوات «الجبهة الشعبية الثورية الديمقراطية»، المنتصرة بقيادة «جبهة تحرير شعب تيغري»، أن تكسب دعم الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الأوروبيين وإسرائيل لتعزيز موقفها، وقد أعطت الولايات المتحدة دعمها للجبهة؛ بالرغم من أنها كانت، هي وغيرها من التحالف الغربيّ الديمقراطيّ الحر، تنظر إلى الجبهة خلال الحرب الباردة بوصفها منظمة إرهابية، ولكنهم جميعاً أيدوها لكونها تصعد إلى السلطة.

تابعت «جبهة تحرير شعب تيغري»، والمنظمات التابعة لها, السير وحدها في تنظيم الفترة الانتقالية وحكومتها في عام 1991م, وإيجاد دستورٍ جديد، وإصدار سياساتٍ وقوانين عِرقيةٍ مثيرةٍ للجدل.

ومن ذلك مثلاً: ما جاء في مادة من الدستور، تمنح حقّ الانفصال لأكثر من ثمانين مجموعة عِرقية موجودة في البلاد (6) ، وتوحي للوهلة الأولى بأنّ الحزب الحاكم مستعدٌّ لإعطاء كلّ الأطراف والقبائل حريتها وحقوقها, ومن ثمّ يكسب الدعم والشرعية من المجموعات العِرقية العديدة المتبقية، إلا أنّ نتيجة تلك المادة جاءت عكسية؛ إذ ساهمت في إسراع ظهور موجةٍ جديدةٍ من الصراعات العِرقية، فضلاً عن أنّ تلك المادة أدخلت الأعراق واللغات والسكان والأديان المحلية بأكملها في حالةٍ من الارتباك.

كانت إعادة هيكلة الدولة الإثيوبية تتوقف على إملاءات الحكومة الانتقالية بقيادة «الجبهة الشعبية الثورية الديمقراطية» التي تقودها «جبهة تحرير شعب تيغري»، وبالرغم من ذلك فقد تجاهل بعض الداعمين، كالولايات المتحدة وأوروبا، طبيعة هذه الحكومة وتفاصيلها، حيث كانوا يفضلون وصف تلك الحكومة الجديدة وسياساتها بأنها: «عملية التحول الديمقراطي بقيادة جيلٍ جديدٍ من القادة»!

لقد حذّر العديد من المراقبين من مخاطر تلك السلطة، وانتقدوا المسار الذي تسلكه, وأشاروا إلى أنّ «الجبهة الشعبية الثورية الديمقراطية»، خلال هذه الفترة الانتقالية، تستغلّ قيادتها لتعزيز قوتها.

سيطر الحزب على المشهد السياسيّ بحكم قوته العسكرية، وكما يقول تيرينس ليون: «إنّ اختيار الناخبين كان في الأساس: إمّا بين الجبهة الشعبية الثورية الديمقراطية وحلفائها، أو لا يكون هناك تصويت» (7) .

في أغسطس عام 1995م؛ أُعلن عن انتخاب حكومة جديدة, بالأشخاص أنفسهم، والمجموعات والتجمّع السياسيّ نفسه الذي كان يحكم منذ فترة «ما بعد منغستو», وبالعمليات السياسية نفسها، بما في ذلك تشكيل الدولة الإريترية السيادية في عام 1991م، وأدّى ذلك أيضاً إلى مواجهاتٍ خطيرةٍ بين نظام الحكم الجديد في أديس أبابا، وبين عددٍ من جماعات المعارضة من مختلف الأطياف السياسية والتيارات العقائدية.

صحيحٌ أنّ الجهد المشترك لشعوب إثيوبيا والحركات التحررية المختلفة، بالإضافة إلى الدَوْر العسكريّ الذي قامت به «جبهة تحرير شعب تيغري»، أنهى سبعة عشر عاماً من السلطة العسكرية, ورحّب معظم الإثيوبيين بالتغيير على أمل أنّ الحكومة التي ستأتي لن تكون خطيرة ورهيبة مثل سابقتها.

وفي الحقيقة؛ كان كلّ ذلك إنجازاً إيجابيّاً، إلا أنّ هناك مَن يحمل شيئاً من التحفظات ضدّ الحكومة المتمثلة في «جبهة تحرير شعب تيغري», وذلك بسبب موقفها تجاه وحدة إثيوبيا وأيديولوجيتها، والتي كانت «يسارية» جدّاً, ولكنها اليوم اعتنقت «الديمقراطية الليبرالية الغربية» و «السوق الحرة»؛ مما جعل الدول الغربية تأخذ زمام المبادرة بالاعتراف الفوري بالحكومة وحكّامها الجدُد؛ على أساس أنّ إثيوبيا بحكومتها الجديدة ستكون موالية للغرب, على عكس الحكام العسكريين الذين كانت تصفهم الدول الغربية بـ«المستبدين»؛ لأنهم كانوا موالين «للاتحاد السوفييتي»(8) .

 

القوى الغربية ودولة إثيوبيا:

يرى Aregawi Berhe أنّ سبب قلق القوى الغربية بقيادة الولايات المتحدة واضح؛ إذ أرادوا وضع حدٍّ لما يطلقون عليه: «الأصولية الإسلامية»، والتي كانوا ينظرون إليها بأنها تشكّل تحديّاً خطيراّ على قيمهم الثقافية، وتهديداً لمصلحتهم المادية في الشرق الأوسط والقرن الإفريقي.

ولأنّ السودان، حيث «الحكومة الاسلامية»، تكتسب مكانةً وتحتل موقعاّ استراتيجيّاً في منطقة القرن الإفريقي, فكان لا بد من التحرك كي لا تؤثّر في المنطقة، فوجدت الولايات المتحدة في «جبهة تحرير شعب تيغري» حركةً منظمةً بشكلٍ أفضل، وقوةً عسكريةً في إثيوبيا قابلة للإدارة, ويمكن أن تنجز المهام الاستراتيجية التي تريدها.

وعلى الرغم من خطاب الجبهة اليساري؛ دخل رئيس الجبهة- الراحل – «ملس زيناوي» الذي أصبح فيما بعد رئيس وزراء إثيوبيا- في اتفاقٍ مع الولايات المتحدة بسرعة، لتكون حليفة في تسخير المعارضة المحتملة، من القوى السياسية الإثيوبية الأخرى والشعب بأسره، ولأنّ الولايات المتحدة مستعدة لذلك؛ قامت بتسهيل الاستيلاء على السلطة وتوطيدها لـ«جبهة تحرير شعب تيغري» (9).

منحت الولايات المتحدة وحلفاؤها النظامَ الجديدَ الاعتراف السياسي, وكذلك المساعدات المالية، وبدأ خبراء الولايات المتحدة، من العسكريين والفنيين والمستشارين، يتدفقون إلى إدارة «زيناوي» في غضون أشهرٍ قليلةٍ من تولّيه منصبه، كالوزير الأول / رئيس الوزراء، وفي وقتٍ لاحقٍ من العام 1993م، في مقابلةٍ مع «إثيوبيان كومنتيتور»، صرّح «مارك باث»، سفير الولايات المتحدة في إثيوبيا, بأنّ: «السياسة العامّة للولايات المتحدة تجاه إثيوبيا هي تعزيز عملية التحوّل الديمقراطي في هذا البلد، وفتح اقتصاد السوق الحر. لقد فعلنا الكثير في العام الماضي [1992م]، لقد وقّعت اتفاقيات لأكثر من 105 مليون دولار لمواجهة الأزمة الغذائية الطارئة والمساعدة الإنسانية، بالإضافة إلى أكثر من 170 مليون دولار لمساعدات التنمية» (10) .

على مدى السنوات الماضية؛ شهدت إثيوبيا عدة تطورات، وخصوصاً تحت نظام الراحل «زيناوي», وهذه التطورات يفضّل بعض الباحثين أن يطلقوا عليها: «التطوّرات / التنمية الاستبدادية»(11)  Authoritarian Developmentalism.

من الممكن ملاحظة أهمّ إنجازات ملس زيناوي- الراحل- منذ تولّيه السلطة في عام 1991م, خصوصاً في قدرته على جذب الشركات الأجنبية إلى إثيوبيا من خلال سياسة الضرائب المنخفضة، والحرية شبه التامّة، فقد بلغ معدّل نموّ البلاد حوالي 11% أثناء حكمه, بفضل القطاع الخاص (سواء القطاع الغربي، والقطاع الشرقي), وتضاعف الاقتصاد لسنوات، قبل وفاته وبعدها، حيث قام بتطوير البلاد في أسرع وقتٍ ممكن باستخدام النموذج الصيني, ودعا المستثمرين الأجانب لتطوير الزراعة والصناعة التحويلية في البلاد.

لكن من وجهة نظر مراقبين إثيوبيين، وغير إثيوبيين، أنّ تلك التطورات ظاهرية فقط, حيث كانت البلاد مبنية على قاعدةٍ اجتماعيةٍ ضيقةٍ للغاية، وأنّ حكومة «زيناوي»- السابقة- واجهت داخليّاً معارضة من الشعب الإثيوبي، من أولئك الذين يرفضون إعطاءه التفويض لحكم البلاد، وواجهت حكومته خارجيّاً ضغطاً من الولايات المتحدة لخوض حربٍ بالوكالة عنها ضدّ «الإسلاميين» في السودان، فكان خياره على- ما يبدو- هو قمع المعارضة في بلاده، والإذعان لسياسة داعميه في أوروبا وأمريكا.

ويؤكّد آخرون- أيضاً- أنه لا يوجد فرقٌ حقيقيٌّ بين نظام «منغستو» العسكريّ وبين النظام الحالي؛ بالرغم من تقارير التطورات الإيجابية؛ لأنّ سقوط نوعٍ من أنواع «الدكتاتوريات» لا يعني بالضرورة أنّ الانتقال سيكون إلى نظامٍ ديمقراطيٍّ وسلمي، ووفقاً لآرائهم؛ كان الفرق الوحيد بينهما أنّ «منغستو» كان موالياً للاتحاد السوفييتي، وأصبح النظام الحالي موالياً للغرب، وكلٌّ منهما يفعل الشيء نفسه لشعوب بلاده (12)(13)  .

وعلى حدّ قول رئيس الوزراء الراحل «زيناوي» نفسه في عام 2012م: «كان الانتقاد الموجه إلينا في الماضي أننا ماركسيون مجانين، الآن نحن متهمون ببيع ملاعق الأسرة للأجانب.. إنه التوازن»(14).

 

إثيوبيا في واقعنا اليوم:

وفي واقعنا اليوم؛ تشهد دولة إثيوبيا موجةً غير مسبوقة من المقاومات, بعضها تطور منذ أكثر من السنوات 10 الماضية, وبعضها في قيد التكوين، فهناك «الحزب الثوري الشعبي الإثيوبي» (EPRP) في الغرب، و «جبهة تحرير شعب أورومو» في الجنوب، و «الجبهة الوطنية لتحرير أوغادين» (ONLF) في الجنوب الشرقي، و «جبهة عفر الديمقراطية الثورية» (ARDF) في الشرق، والتي كثّفت قتالها ضدّ الجبهة الشعبية الثورية الديمقراطية.

وغيرها الكثير من المنظمات السياسية؛ بما في ذلك «المؤتمر الوطني لشعب أورومو» (ONC)، و «التحالف الديمقراطي لشعوب جنوب إثيوبيا» (SEPDU)، و «منظمة جميع شعوب أمهرة»، و «الحزب الديمقراطي الإثيوبي» (EDP) الموجود داخل البلاد, و «تحالف تيغري للديمقراطية الوطنية» (TAND)، و «المجموعة الإثيوبية للديمقراطية الاجتماعية» (EGSD)، و «حزب مدهين الديمقراطي الإثيوبي» (MEDHIN)، وغيره من الأحزاب الكثيرة خارج إثيوبيا, وكلها تضغط بشدّة على الحكومة لإحداث تغييرٍ حقيقيٍّ في إثيوبيا.

وكانت كلّ هذه المنظمات تدعو علناً للسلام والمصالحة، ولكن الحزب الحاكم يتجاهل جميع النداءات الشعبية لإحداث التغيير السّلمي, وهذا التجاهل قد يدفع البلاد إلى حالةٍ من الفوضى والاضطرابات (15) .

 

الاضطرابات والمظاهرات الأخيرة:

في انتخابات عام 2005م؛ فازت المعارضة في العاصمة أديس أبابا، فقاموا بإعلان الفوز على المستوى الوطني، فألقت الحكومة القبض على قادتها، وألصقت بهم تهمة الخيانة، فهرب منهم مَن هرب إلى المنفى، وسُجن منهم آخرون.

واليوم، بنسبة 99.6% من الأصوات، صنع حزب «الجبهة الثورية الديمقراطية الشعبية الإثيوبية» في إثيوبيا دولة ذات حزبٍ واحدٍ ظاهري.

وفيما بين عامَي 2005م – 2006م؛ حدثت اضطرابات في أوغادين، وأجزاء من أوروميا، وأمهرة، وغامبيلا، وفي المناطق الحضرية، وذلك بعد أكثر من سنةٍ ونصف السنة من أزمة ما بعد الانتخابات وقمع الاحتجاجات المحلية (16).

 

1 - اضطرابات أمهرة:

اندلعت في أغسطس من هذا العام (2016م), احتجاجات مناهضة للحكومة في أمهرة، وخرج الآلاف إلى شوارع غوندار وبحر دار، للاحتجاج على إدارة المناطق المتنازع عليها، حيث يطالب أعضاء مجتمع «ويلكايت تيغيدي» (Welkait Tegede) أن تكون أراضيهم تحت إدارة منطقة أمهرة، بدلاً من تيغري (17).

كانت هذه الأراضي جزءاً من أمهرة قبل أن تصدر «الجبهة الإثيوبية الشعبية الثورية الديمقراطية» نظاماً اتحاديّاً، وإعادة هيكلة المنطقة، بما في ذلك المناطق في منطقة تيغري.

اشتبك المتظاهرون- الذين كانوا يعتبرون أنفسهم أمهرة؛ وهي ثاني أكبر مجموعات إثيوبيا العِرقية- مع الشرطة، خلال المظاهرات التي وُصفت بأنها أكبر الاضطرابات المناهضة للحكومة في تاريخ إثيوبيا الحديث، وقوبلوا بإطلاق الشرطة الغاز المسيل للدموع وأعيرة نارية في الهواء لتفريقهم، وكان المتظاهرون يرددون شعارات مثل: «احترموا الأمهريين.. وأوقفوا هيمنة الحزب الحاكم»، «كفّوا عن قتل الأمهريين»، و «أعيدوا لنا حدودنا التاريخية»، وشعارات مناهضة للحكومة (18) , واتهمتهم السلطات بمهاجمة الممتلكات العامّة, كما أنّ تقرير المنظمات- كالعفو الدولية- تدّعي وجود قتلى وجرحى من المتظاهرين (19).

 

2 - احتجاجات أورومو:

زعم نشطاء شعب أورومو، وأعضاء المعارضة، ومنظمة العفو الدولية (20)، أنّ حوالي 67 شخصاً على الأقلّ قُتلوا في أوروميا- أكبر ولايات إثيوبيا-، خلال الاحتجاجات المناهضة للحكومة، في عطلة نهاية الأسبوع (6-7 في شهر أغسطس)، وكانت هذه المظاهرات نتيجة لموجةٍ من الاضطرابات التي هزت أوروميا في الأشهر الأخيرة.

واندلعت احتجاجات دامية في نوفمبر عام 2015م ضدّ مشروع خطة الحكومة- تراجعت عنها فيما بعد-، والتي تهدف إلى توسيع حدود العاصمة أديس أبابا؛ لأنّ شعب الأورومو يخشى أن تؤدي الخطة إلى مصادرة الأراضي المملوكة من قِبل المزارعين، وقد اتهمت الحكومة الإثيوبية بفعلها مراراً؛ ما قد يصيب المزارعين بالفقر نتيجة لذلك.

وما زالت المظاهرات متواصلة إلى اليوم؛ وإن كان أعداد المشاركين فيها قليلة (21) ، وكان من مطالبهم: منح شعب أورومو الحكم الذاتي، وتحرير السجناء السياسيين، وإنهاء ما يعتبرونه «النظام العسكريّ» في المنطقة, بالإضافة إلى وقف الاعتداءات من جانب قوات الأمن على المتظاهرين السلميين وغير المسلحين، الذين كان معظمهم من الطلبة والمزارعين.

ويتهم النشطاءُ والمنظماتُ الحقوقيةُ السلطاتِ الإثيوبية بقتل نحو 400 شخصٍ منذ بدء الاحتجاجات، إلا أنّ الحكومة دائماً ما تنفي مزاعم العنف؛ بدعوى أنّ الاحتجاجات كانت مخترقةً من قِبل أناسٍ كان هدفهم زعزعة استقرار البلاد.

 

الصلة بين المظاهرتَيْن:

إنّ كلتا المجموعتَيْن من الاحتجاجات هما وسيلة لانتقاد حكومة البلاد، كما أنه لا يوجد أيّ اتصال رسميٍّ بين مظاهرات أمهرة وأوروميا, ولكن ظهرت- مؤخّراً- لافتات في احتجاج غوندار بمنطقة أمهرة؛ تعبّر عن التضامن مع شعب منطقة أوروميا، وفي المقابل؛ هناك شعارات من المتظاهرين في تجمّع أوروميا الكبرى, والتي تُظهر تضامنهم مع احتجاجات أمهرة.

 

ردّ الحكومة:

هناك تقارير ذهبت إلى أنّ الحكومة حجبت الشبكة العنكبوتية العالمية (الإنترنت) في البلاد خلال المظاهرات التي وقعت في شهر أغسطس، ولم يتم تأكيد تلك المزاعم من قِبل أي جهة حكومية إثيوبية, وقد ذكرت الإذاعة التابعة للدولة (FBC) أنّ السلطات تلوم الأعداء الأجانب، وتتهمهم بأنهم وراء الاضطرابات الأخيرة، وعليه؛ فإنّ الاحتجاجات الأخيرة– وفق الحكومة- غير قانونية (22) .

وعلى حدّ قول رئيس الوزراء الحالي «هايله مريم ديساليغنه»؛ فإنّ «الحكومة تدرك أنّ الأفكار، والشعارات المنعكسة في تلك المظاهرات، لا تمثّل شعب أورومو أو غوندار» (23) .

 

توقّعات مستقبلية:

برغم الاضطرابات، وتواصل المظاهرات، ما زال موقف الحكومة المركزية قويّاً, خصوصاً إذا ما أدركنا أنها حليفة الغرب، وما زالت السيطرة الكاملة بيد قوات أمن البلاد.

وليس هناك أيّ عضوٍ من أعضاء المعارضة في البرلمان، مما يجعلنا نفهم أنّ الحكومة لا تواجه خطراً سياسيّاً حقيقيّاً, حتى إن كانت ردّة فعلها مؤخراً– كحجب الإنترنت- تشير إلى أنها قلقة.

وللتعامل مع الصراع، والحدّ من الاشتباكات العِرقية في إثيوبيا، يجب أن يكون هناك بعض التعديلات الدستورية، وإعادة ترتيب حدود ولايات البلاد الحالية, لإنتاج وحدة متوازنة قابلة للتطبيق، لأنّ الأراضي والبيئة والهوية الوطنية هي من أساسيات البناء، وليس العِرق أو اللغة التي تبني الحكومة عليها سياساتها.

ولكن يشكك البعض في إمكانية حدوث ذلك, وفي حال حدوثه؛ فقد لا يجدي نفعاً, لأنه تمّ تشكيل هوية جديدة بين الأجيال الجديدة، وخصوصاً من مواليد عام 1991م، حيث انتشروا محليّاً وداخليّاً, واعتادوا الهويات الحالية، وممارسة الحياة اليومية في ظلّ الهيكل الحالي للدولة، المستمد من السياسة والإدارة الوطنية؛ على النحو المحدّد في دستور البلاد وقوانينها.

ومهما يكن الأمر؛ فإنّ هناك عوامل رئيسة ساهمت بشكلٍ مباشرٍ في مشكلات البلاد, والتي قد يكون لوضع حلولٍ لها آثار إيجابية، وانطلاقات إصلاحية.

ويمكن حصر تلك العوامل فيما يأتي:

1 – القيادة: التي تصفها جلّ التقارير بالاستبدادية، حيث لا توجد مساءلة قانونية، وتفتقر إلى الشفافية، فضلاً عن غرقها في الفساد.

2 – النّخبة: الذين جزّؤوا البلاد، ويحكمون على أساس الانقسامات العِرقية والانتماءات الدينية.

3 - المجتمع الضعيف: الذي يجد الصعوبة في الدفاع عن المصالح المشتركة، أو التأثير في الحكومة، وقد يكون هذا بسبب قمع الدولة، وارتباك النّخبة، والتراث الثقافي السلطويّ الذي يساهم في تجريد المجتمع من اكتساب التمكين.

4 – الولايات: التي تضع مصلحتها فوق المصالح الجماعية للدولة؛ دون تقديرٍ لحال الولايات أو المناطق الضعيفة وتمكينها.

5 - المؤسسات والجهات المانحة غير الحكومية: التي تبحث عن التحالف مع النّخب المحلية, فكانت عائقاً أمام نموّ المجتمع المدني الذي يسعى إلى تمكين نفسه (24) .

 

الإحالات والهوامش:

(1)  Kaufmann, Eric P. and Haklai, O, Dominant ethnicity: from minority to majority, Nations and Nationalism, Vol. 14, No. 4, 2008, p.3.

(2)   Shiferaw Bekele, The State in the Zamana Masafent (1786-1853), p. 25.

(3)  Marxist Modern: An Ethnographic History of the Ethiopian Revolution, By Donald Lewis Donham, P. 138.

(4)  The Politics of Ethnicity in Ethiopia: Actors, Power and Mobilisation, By Lovise Aalen P. 52.

(5)   موقع الحكومة الإثيوبية, تاريخ التصفح: 8-27-2016, الرابط:

 http://www.ethiopia.gov.et/regional-states

(6)   دستور إثيوبيا عام 1995م, المادة 39 - الرقم 1, ويمكن الاطلاع على الدستور عبر الرابط الآتي:

 http://www.africa.upenn.edu/Hornet/Ethiopian_Constitution.html

(7)  Closing the Transition: The May 1995 Elections in Ethiopia, by Terrence Lyons, The Journal of Modern African Studies, Vol. 34, No. 1 (Mar., 1996), pp. 121-142.

(8)  The EPRDF and the Crisis of the Ethiopian State, Aregawi Berhe, Leiden University, page 3.

(9)   The EPRDF and the Crisis of the Ethiopian State, Aregawi Berhe, Leiden University, page 5.

(10)  Ethiopian Commentator : 1,  مايو 1993 p. 31- 32 .

(11)  Pambazuka: Can “authoritarian developmentalism” be tested at the ballot box?, by Eyob Balcha Gebremariam.

http://www.pambazuka.org/governance/can-%E2%80%9Cauthoritarian-developmentalism%E2%80%9D-be-tested-ballot-box

(12)  The Economist: The man who tried to make dictatorship acceptable,

 تاريخ التصفح: 8-27-2016, الرابط:

 http://www.economist.com/node/21560904

(13)  Nazret.com: Ethiopia - Mengistu Haile Mariam Vs Meles Zenawi,

تاريخ التصفح: 8-27-2016, الرابط:

http://nazret.com/blog/index.php/ethiopia_unity_or_death_menge_forget_uni?blog=15

(14)  How Meles Zenawi rules Ethiopia – By Richard Dowden,

تاريخ التصفح: 8-27-2016, الرابط:

http://africanarguments.org/2012/05/21/how-meles-rules-ethiopia-by-richard-dowden

(15)   The EPRDF and the Crisis of the Ethiopian State, Aregawi Berhe, Leiden University, page 6.

(16) Wikipedia: 2005 Ethiopian police massacres,

تاريخ التصفح: 8-27-2016، الرابط:

 https://en.wikipedia.org/wiki/2005_Ethiopian_police_massacres

(17)  The boundary crisis behind Ethiopia's protest,

تاريخ التصفح 8-27-2016، الرابط:

http://www.africanews.com/2016/08/02/the-powerful-vs-the-populous-the-boundary-crisis-behind-ethiopia-s-protest/

(18)   العرقيات الإثيوبية.. اختلافات تهدد بانهيار حكومة «سد النهضة» - موقع البديل - 3 أغسطس / 2016م.

(19)  Amnesty: Ethiopia: Dozens killed as police use excessive force against peaceful protesters, تاريخ التصفح: 8-27-2018, الرابط:

https://www.amnesty.org/en/latest/news/2016/08/ethiopia-dozens-killed-as-police-use-excessive-force-against-peaceful-protesters

(20)  Aljazeera: Dozens killed in Ethiopia protest crackdown,

 تاريخ التصفح: 8-27-2016, الرابط:

http://www.aljazeera.com/news/2016/08/30-killed-ethiopia-protests-opposition-160808105428331.html

(21)  Ethiopia: Deadly Clashes Resume as more Amhara Towns Join Protest,

 تاريخ التصفح: 8-27-2016, الرابط:

http://www.geeskaafrika.com/23745/ethiopia-deadly-clashes-resume-amhara-towns-join-protest/

(22)  FANABC: Gov’t will discharge its responsibility to deter illegal activities: Premier,

 تاريخ التصفح: 8-27-2016, الرابط:

http://www.fanabc.com/english/index.php/news/item/6563-gov%E2%80%99t-will-continue-working-to-address-public%E2%80%99s-questions-through-dialogue,-says-premier

(23)  المصدر السابق.

(24)  The EPRDF and the Crisis of the Ethiopian State, Aregawi Berhe, Leiden University, page 3. ، مصدر سابق.

كتاب الموقع