أثيوبيا أنجولا أوغندا إريتريا اسواتيني  افريقيا الوسطى الجابون الجزائر الرأس الأخضر السنغال السودان الصومال الكاميرون الكونغو الكونغو الديمقراطية المغرب النيجر بنين بوتسوانا بوركينا فاسو بوروندي تشاد تنزانيا توغو تونس جزر القمر جنوب أفريقيا جنوب السودان جيبوتي رواندا زامبيا زيمبابوي ساو تومي وبرينسيبي سيراليون غامبيا غانا غينيا غينيا الاستوائية غينيا بيساو كوت ديفوار كينيا ليبيا ليبيريا ليسوتو مالاوي مالي مدغشقر مصر موريتانيا موريشيوس موزمبيق ناميبيا نيجيريا

ديموقراطية جيل الفيسبوك في أفريقيا

 لقد أعطى جيل الشباب للقارة البِكْر -كما وصفها الراحل جمال حمدان- روحًا جديدة على طريق التحرر والانعتاق من أجل تحقيق حلم التنمية المستدامة. على الرغم من إجراءات التضييق الحكومية، وانقطاع خدمات الإنترنت؛ تدفق آلاف المحتجين إلى شوارع عدة مدن في السودان، للتنديد بالانقلاب العسكري في 25 أكتوبر2021م، والذي عرّض للخطر خطوات البلاد الهشَّة نحو الاستقرار ومحاولتها التحول الديمقراطي بعد عقود من الحكم العسكري.

وتشير الحركة الاحتجاجية على مدى الشهرين الماضيين، على الرغم من استمرار حملة القمع التي تشنها قوات الأمن، إلى مدى تضامن الشباب الذين يعتبرون أنفسهم حماة الثورة؛ حيث تدفقوا بشكل متكرر إلى الشوارع أسبوعًا بعد أسبوع للمطالبة بالعودة الكاملة إلى الحكم المدني.

لم يقتصر الأمر على السودان؛ حيث تجاهل المواطنون في زامبيا التهديدات الحكومية والرسائل التي تبثها وسائل الإعلام المنحازة، وبذلوا أقصى جهدهم من أجل التخلص من حكومة الرئيس إدغار لونجو المستبدة - على الرغم من أن الانتخابات كانت بعيدة كل البُعد عن الحرية والنزاهة.

وفي ساو تومي وبرينسيب، أدت الرغبة العامة في التغيير إلى انتصار آخر للمعارضة. وفي نيجيريا، نصب المتظاهرون نُصُبًا تذكارية، وشنّوا حملات عبر الإنترنت لإحياء ذكرى أولئك الذين لقوا حتفهم في الاحتجاجات المناهضة لعنف الشرطة في عام 2020م، وللمطالبة بالعدالة والقصاص لرفاقهم الذين بذلوا حياتهم في سبيل هذا المبدأ. حتى في ايسواتيني التي تمثل آخر معقل للملكية المطلقة في إفريقيا جنوب الصحراء، يواصل المتظاهرون المخاطرة بالاعتقال والتعذيب والموت على الرغم من الصعاب الكبيرة التي تواجههم.

هل توارى حلم الديمقراطية؟

قد يرى البعض من أصحاب نظرية التشاؤم الإفريقي أن عام 2021م كان عامًا سيئًا في مسيرة التحول الديمقراطي الإفريقي. لقد عادت موجة الانقلابات بشكلها التقليدي، كما كان عليه الحال في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي. انقلابات في تشاد والسودان وغينيا ومالي. وبدلاً من إسكات المدافع في إفريقيا عام 2020م اندلع الصراع الأهلي المدمر والمزعزع للاستقرار في كل من إثيوبيا وموزمبيق. كما تزايدت العمليات الإجرامية ومعدلات انعدام الأمن في نيجيريا.

أضف إلى ذلك فقد استمرت أزمة الساحل تؤثر على درجة العنف السياسي في النيجر وبوركينا فاسو ومالي، ولا سيما بعد عزم فرنسا تخفيض وجودها العسكري في المنطقة. وعلى صعيد العملية الانتخابية شهدنا انتخابات معيبة في تشاد وإثيوبيا وأوغندا، وحتى إحدى الدول الديمقراطية البارزة السابقة في القارة، وهي بنين.

يبدو ولو ظاهريًّا أن هناك تراجعًا ديمقراطيًّا، تسرع جائحة كوفيد-19 من وتيرته في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.

ويخلص هذا الاتجاه التشاؤمي إلى أن عددًا من الأفارقة يعيشون اليوم في ظل دول استبدادية كليًّا أو جزئيًّا أكثر مما كان عليه الحال في معظم الأوقات خلال العقدين الماضيين. حتى قبل الجائحة، تحرَّك عدد متزايد من رؤساء الدول الإفريقية لتقويض مبدأ حدود فترة الولاية الرئاسية أو تزوير الانتخابات للبقاء في السلطة.

لكن الجائحة الصحية منحتهم نفوذاً أكبر، ووفَّرت ذريعة أخرى إما لتأجيل الانتخابات كما حدث في الصومال وإثيوبيا، أو تكميم أفواه شخصيات المعارضة كما حدث في أوغندا وتنزانيا، أو فرض قيود على وسائل الإعلام، وهو ما حدث في جميع أنحاء القارة. غالبًا كان تطبيق القيود الوبائية من قبل الأجهزة الأمنية وحشيًّا، مما أثار مظاهرات في كينيا وحتى في الديمقراطيات الأكثر تقدمًا مثل جنوب إفريقيا.

في تقريرها لعام 2021م، صنَّفت منظمة فريدوم هاوس ثمانية بلدان فقط في إفريقيا جنوب الصحراء على أنها حرة. ويلاحظ أن نصف هذه الدول الثمانية عبارة عن جزر صغيرة: الرأس الأخضر وموريشيوس وساو تومي وبرينسيب وسيشيل.

تتمتع دول أخرى، مثل بوتسوانا، بمستويات عالية من التنمية الاقتصادية والاجتماعية. على أن المؤسسات الحكومية القوية هي سمة مشتركة؛ حيث تعمل بمثابة حصن ضد استبداد القادة، مثل رئيس جنوب إفريقيا السابق جاكوب زوما، الذي يُحاكم الآن بتهمة الفساد. كما أنها توفّر استقرارًا إضافيًّا حول الانتخابات. ففي انتخابات 2020م بغانا، رفض الرئيس السابق جون ماهاما، الذي ترشح كمرشح معارض، هزيمته. ولكن عندما أيدت المحكمة العليا في البلاد فوز الرئيس الحالي نانا أكوفو أدو قَبِلَ ماهاما النتائج، معترفًا بأنه "ملزم قانونًا بقرارات المحكمة العليا". ومع ذلك فإن هناك بالتأكيد ما يدعو للقلق في العديد من البلدان والمناطق. في عام 2020م، أفاد مؤشر مؤسسة محمد إبراهيم للحوكمة الإفريقية عن أول انخفاض على الإطلاق في متوسط الحوكمة منذ إنشائها. كما لاحظت منظمة فريدوم هاوس أيضًا انخفاضًا في الحرية في 22 دولة إفريقية في عام 2020م.

الشباب والصمود من أجل الديمقراطية

على العكس من ذلك، فإن للحكاية أوجهًا أخرى؛ إذ يمكن القول بأن إفريقيا أكثر ديمقراطية من المناطق الأخرى بالنسبة لمستوى التنمية فيها. يجادل جاكي سيليرز مدير برنامج الدراسات المستقبلية في معهد الدراسات الأمنية في جنوب إفريقيا بأنه نظرًا لأن الديمقراطية تتبع التنمية عمومًا، فإن البداية المبكرة لإفريقيا تعني أن القارة يجب أن تحقق الأمرين معًا في وقت واحد، وهو أمر صعب بدون قيادة رشيدة. تؤدي الديمقراطية المتعجلة في القارة إلى عدم الاستقرار؛ لأنها سوف تكون غير مصحوبة بالمؤسسات المطلوبة للانتقال من حكم الفرد أو القلة إلى حكم المؤسسات.

بعيدًا عن هذه التطورات والأحداث، سيكون من السهل وصف عام 2021م باعتباره العام الذي توارى فيه حلم الديمقراطية في إفريقيا؛ خاصةً بعد تعدد تلك الأحداث والتطورات التي تقع في موقع القلب من عملية التراجع الديمقراطي. من المؤكد أن المتشائمين الأفارقة وأولئك الذين يجادلون بأن الديمقراطية غير مناسبة تمامًا للسياق الإفريقي قد فسَّروا وقائع عدم الاستقرار السياسي والاستبداد المتزايد بهذه الطريقة.

ولكن هناك قصة أخرى يمكن أن نرويها عن إفريقيا في عام 2021م، والتي تركز بدرجة أقل على التراجع الديمقراطي، وتشير بشكل أكبر إلى الصمود والنضال الذي يقوم به الشباب الإفريقي من أجل تحقيق الوعد بالديمقراطية. ومن الملاحظ أن إفريقيا تواجه تفاوتًا متزايدًا في القيم بين كبار وصغار السن.

وقد وجد تقرير مؤسسة باروميتر لعام 2019م أن أغلبية كبيرة من الأفارقة يواصلون دعم الديمقراطية ورفض البدائل الاستبدادية. يريد "جيل فيسبوك" الشباب في إفريقيا حوكمة أفضل وأكثر خضوعًا للمساءلة ويصرون على الديمقراطية والتنمية في آنٍ واحدٍ، بدلاً من القول بأن أحدهما يعني عن الآخر.

 وفقًا لاستطلاعات مؤشر أفروباروميتر التي أجريت في 34 دولة بين عامي 1999 و2021م. فإن غالبية المواطنين "غير راضين" عن الديمقراطية في 26 (76٪) من أصل 34 دولة مشمولة في العينة. في بعض البلدان، يكون "الرضا" منخفضًا لدرجة أنه يكاد يكون معدومًا: 11٪ فقط في الغابون و17٪ في أنغولا.

وإذا كانت بعض الانقلابات التي حدثت على مدار العامين الماضيين تم الاحتفال بها في الشوارع، سيكون من السهل تفسير ذلك على أنه دليل على أن الناس قد تخلوا عن الديمقراطية، ويريدون "رجالًا أقوياء" مستبدين يمكنهم توفير النظام والانضباط. لكن إلقاء نظرة فاحصة على هذه الانقلابات ومقياس أفروباروميتر يُفْضِي إلى نتيجة مختلفة تمامًا. فكثير ممن احتفلوا في البداية بالانقلابات في غينيا ومالي فعلوا ذلك لأنهم أطاحوا بزعماء كانوا هم أنفسهم مَن قوَّضوا الديمقراطية. في غينيا، تحايل الرئيس ألفا كوندي من أجل الحصول على فترة ثالثة من أجل الاستمرار في منصبه. وفي مالي، اتُّهِمَ الرئيس إبراهيم بوبكر كيتا على نطاق واسع بتأجيل الانتخابات التشريعية في مارس 2020م والتلاعب بنتائجها.

إن التأييد الشعبي القوي للديمقراطية (77٪ في غينيا، و62٪ في مالي) يمثل أحد الأسباب التي جعلت النخب العسكرية الحاكمة اليوم تشعر بالحاجة إلى تبرير تدخلاتها، جزئيًّا على الأقل، على أساس الحاجة إلى استعادة حكومة ديمقراطية منتخبة. ومع ذلك تظهر موجة الاحتجاجات التي يقودها الشباب الأفارقة في كل مكان– بما في ذلك #الردة مستحيلة في السودان، ووضع حد لقمع الشرطة ( #endSARS ) في نيجيريا، والمظاهرات المناهضة للملكية في ايسواتيني، وإصلاح الدولة ( #Fixthecountry ) في غانا. وما لم يتم حل الانفصال بين الشباب المحبط في القارة وقادتهم الذين يتحصنون خلف أسوار السلطة المنيعة، فإن مسار التصادم أمر لا مفر منه.

وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى ان التكنولوجيا الحديثة أضافت بُعدًا جديدًا إلى ديناميكية سياسية معقدة بالفعل. ظهرت الديمقراطية الرقمية والديكتاتورية الرقمية كوجهين لعملة واحدة؛ حيث يتنافس السياسيون والمواطنون على استغلال التكنولوجيا لتعزيز أجنداتهم. سيحدد هذا الانقسام ما إذا كانت الدول تتبنى أنظمة مفتوحة وشفافة أو تتخذ طريق النظم القمعية والمراقبة. كلاهما له آثار كبيرة على التماسك الاجتماعي.

وختامًا؛ فإن المسار الديمقراطي لإفريقيا ليس خطيًّا ولا سلسًا. من المحتمل أن تؤثر تبعات جائحة كوفيد_19 على المستقبل. لقد أدت الجائحة، إلى تضخيم مشاكل الحوكمة. وسط تصاعد النزعة القومية والانعزالية والاستبداد كان ذلك توجهًا عالميًّا، وليس فقط في إفريقيا، تتراجع الثقة في الحكومات الديمقراطية واستجابتها لهذه الكارثة الصحية. وبسبب إعجابهم بالنموذج الصيني والنجاح الاقتصادي للصين؛ دعا القادة الأفارقة إلى استيراد نموذجها الاستبدادي للقارة. حجتهم المبسطة هي أن الصين أصبحت مزدهرة بدون وصفات ديمقراطية غربية، وعلى الدول الإفريقية أن تفعل الشيء نفسه. ويقترحون أن الديمقراطية، بكل ضوابطها وتوازناتها، تعرقل النمو. على أن جيل الفيسبوك له رأي آخر. ربما يكون أفضل دليل على ذلك هو حقيقة أن دعم الديمقراطية غالبًا ما يكون أعلى في البلدان التي تتعرض فيها للتهديد. طبقا لمؤشرات عام 2021م، جاء التأييد الشعبي للقيم الديمقراطية على النحو التالي بنين (81٪) وإثيوبيا (90٪) وزيمبابوي (78٪) وزامبيا (84٪) . ويبدو أن رسالة الشباب واضحة، وتتمثل في المطالبة بنموذج الحكم الرشيد الذي يلبي طموحات وآمال الجماهير العريضة.

كتاب الموقع