أثيوبيا أنجولا أوغندا إريتريا اسواتيني  افريقيا الوسطى الجابون الجزائر الرأس الأخضر السنغال السودان الصومال الكاميرون الكونغو الكونغو الديمقراطية المغرب النيجر بنين بوتسوانا بوركينا فاسو بوروندي تشاد تنزانيا توغو تونس جزر القمر جنوب أفريقيا جنوب السودان جيبوتي رواندا زامبيا زيمبابوي ساو تومي وبرينسيبي سيراليون غامبيا غانا غينيا غينيا الاستوائية غينيا بيساو كوت ديفوار كينيا ليبيا ليبيريا ليسوتو مالاوي مالي مدغشقر مصر موريتانيا موريشيوس موزمبيق ناميبيا نيجيريا

تأثير الفراشة.. وإعادة اختراق إسرائيل لدول حوض النيل

 

ترتكز السياسة الخارجية الإسرائيلية- شأنها في ذلك شأن الدول الأخرى في النظام الدولي- على اعتبارات المصالح والقناعات الأيديولوجية، بيد أنّ الدولة العِبْرية لها طبيعتها وخصائصها المميزة؛ بوصفها كياناً دوليّاً مصطنعاً، يقوم على ركائز توراتية وتوسّعية، ترمي في نهاية المطاف إلى تأسيس ما يُطلقون عليه: «إسرائيل الكبرى».

وإنها لمفارقةٌ تثير التعجب؛ أنّ الدولة التي ادعت أنها قامت لحلّ المسألة اليهودية في العالم، وتخليص اليهود من مخاطر الاضطهاد العنصري، والإحساس بعدم الأمن، باتت هي نفسها تُعاني من الإحساس المزمن بانعدام الأمن (1) .

لقد أضحت القضية المحورية التي تهيمن على الحياة السياسية في الدولة العِبْرية، سواء داخليّاً أو في التعامل الخارجي، تتمثل في الحاجة إلى الأمن (2) .

وعليه؛ فإنّ إسرائيل تسعى لتحقيق هدفَيْن متلازمَيْن؛ أولهما: الهيمنة والسيطرة في إطار محيطها الشرق الأوسطي، وثانيهما: شدّ أطراف نُظُم الجوار الإقليمية الكبرى؛ بما يمكّنها من تحقيق الاختراق والسيطرة المنشودة.

 

زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي لمنطقة حوض النيل:

يمكن فَهْم زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لأربع دول في منطقة حوض النيل، في يوليو 2016م، في هذا السياق؛ بحسبانها تتويجاً لسنوات طويلة من الاختراق الإسرائيلي لإفريقيا.

تعكس هذه الزيارة توجّهات إسرائيل الخارجية الجديدة بعد الربيع العربي، والتي جعلت إفريقيا على رأس أولوياته، وعلى الرغم من رحلات السّفاري السياسية التي يقوم بها المسؤولون الإسرائيليون لإفريقيا، مثل وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان، فإنّ هذه الزيارة تعدّ الأولى على مستوى رئيس الوزراء منذ زيارة إسحاق رابين للدار البيضاء عام 1994م.

وثمّة دافعٌ شخصيٌّ لهذه الزيارة، حيث أنها تأتي في الذكرى الأربعين لمقتل شقيق نتنياهو الأكبر أثناء عملية إنقاذ الرهائن في مطار عنتيبي بأوغندا في 4 يوليو عام 1976م.

ومع ذلك؛ فإنّ دلالات هذه الزيارة تبدو مختلفة تماماً، فالطلب الإفريقي المتزايد على المساعدات الأمنية الإسرائيلية لمواجهة خطر الجماعات المتشددة، وبحث إسرائيل عن حلفاء جدد، وتجاوز تأثيرات الربيع العربي، دفع بنتنياهو إلى التركيز مجدّداً على تحسين العلاقات مع الدول الإفريقية، وخصوصاً في منطقة حوض النيل.

 

ويمكن تحديد الأهداف الأساسية للزيارة فيما يأتي:

- أهداف اقتصادية وتجارية:

تسعى إسرائيل لمواصلة تعميق العلاقات التجارية مع الدول الإفريقية الصاعدة اقتصاديّاً، حيث توجد نحو ستة اقتصادات إفريقية من بين عشر اقتصادات هي الأسرع نموّاً في العالم، وتطرح إفريقيا العديد من فرص العمل في المجالات التي تمتلك فيها إسرائيل خبرة واسعة، مثل: الزراعة، والاتصالات، والطاقة البديلة، والبنية التحتية.

- أهداف سياسية ودبلوماسية:

إسرائيل تسعى كذلك للحصول على المزيد من الدعم الدبلوماسيّ من الدول الإفريقية في مختلف هيئات الأمم المتحدة، حيث أنها تواجه انتقادات لاذعة بسبب احتلالها للضفة الغربية وحصارها لقطاع غزة، كما تحاول كذلك استعادة مقعدها بصفة مراقب في الاتحاد الإفريقي، والذي فقدته منذ عام 2002م.

وتسعى إسرائيل إلى إقامة تحالفٍ استراتيجيٍّ مع إفريقيا من خلال تقليص عدد دول الممانعة الإفريقية ضدّ إسرائيل، وهو ما تحقق بقرار غينيا استئناف علاقتها الدبلوماسية مع إسرائيل وزيارة مدير الخارجية الإسرائيلية لتشاد، وقد تقرر عقد القمّة الإسرائيلية الإفريقية الأولى في لومي عاصمة توغو عام 2017م.

- أهداف تتعلق بتحولات الصراع العربي الإسرائيلي:

فقد أدى هذا الصراع إلى الإضرار بالعلاقات الإسرائيلية الإفريقية في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، ومنذ بداية الثمانينيات عادت الحياة مرّة أخرى بين الإسرائيليين والأفارقة، وبالفعل باتت تل أبيب مقصداً للزعماء وكبار الشخصيات الإفريقية، حيث زارها هذا العام (2016م): الرئيس الكيني أوهورو كينياتا، ورئيس توغو فوري جناسينجبي، ووزير خارجية غانا، ووفد من رجال الدين المسلمين الأفارقة. ولعلّ تصريحات الرئيس الكيني في أعقاب اجتماعه بنتنياهو في نيروبي تلخّص التحولات الجيوسياسية في مثلث العلاقات بين كلٍّ من العرب والأفارقة وإسرائيل، يقول كينياتا: «إنّ علاقات إسرائيل بجيرانها العرب اليوم أفضل من أيّ وقت مضى... فلماذا ندّعى نحن في القارة الإفريقية أننا نعرف أفضل من دول المنطقة».

- أهداف أمنية واستراتيجية:

لا شك أنّ الخبرة الاستخباراتية والعسكرية الإسرائيلية تعدّ ذات قيمة مقدّرة للدول الإفريقية، ولا سيما تلك التي تواجه خطر الإرهاب والجماعات الراديكالية العنيفة، مثل القاعدة وبوكو حرام والشباب المجاهدين، وتحاول الدبلوماسية الإسرائيلية الترويج للنموذج الإسرائيلي في مكافحة الإرهاب، وخصوصاً في دول حوض النيل وشرق إفريقيا.

وقد اتضح ذلك في القمّة الإقليمية التي عُقدت في أوغندا، وجمعت رئيس الوزراء الإسرائيلي بقادة سبع دول إفريقية، هي: إثيوبيا، ورواندا، وأوغندا، وكينيا، وجنوب السودان، وزامبيا، بالإضافة إلى وزير خارجية تنزانيا.

ويعكس بيان القمّة أهمية التعاون الإسرائيلي على المستوى الإقليمي في مجال تبادل المعلومات الاستخباراتية، والتدريب من أجل محاربة الإرهاب.

- إشعال الخلاف بين دول المنبع والمصبّ لحوض النيل:

ربما يكون ذلك من بين الأهداف غير المعلنة للزيارة؛ إذ لا يخفى أنّ لإسرائيل أحلاماً قديمة في الحصول على حصّة من مياه النيل لري صحراء النقب، وهو ما عبّر عنه عمليّاً المهندس الإسرائيلي «اليشع كيلي» عام 1974م، حيث قام بتصميم ترعة لسحب مياه النيل من أسفل قناة السويس وتوصيلها إلى إسرائيل.

ويُلاحَظ أنّ السياسة الإسرائيلية قد ركزت، منذ أواخر الثمانينيات من القرن الماضي، في ترشيد توجهاتها الإفريقية بالتركيز في مناطق نفوذ محدّدة، ولعلّ أبرز تلك المناطق: القرن الإفريقيّ، وحوض النيل، حيث تحرص الدولة العِبْرية على تكثيف وجودها في كلّ دول المنبع الإفريقية، مثل: إثيوبيا، وإريتريا، وكينيا، والكونغو الديمقراطية، وتحتفظ إسرائيل بثلاث سفارات مهمّة في كلٍّ من: إثيوبيا وإريتريا وكينيا.

كما يُلاحَظ كذلك أنّ إسرائيل تحاول مواجهة الخطر الإسلامي المتصاعد في هذه المنطقة، وخصوصاً في ظلّ حالة ضعف الدولة أو انهيارها، كما هو الحال في الصومال، وتنظر إسرائيل إلى هذه المخاوف الأمنية بوصفها تهديداً مباشراً لأمنها القومي.

على أنّ الهدف الأكثر أهمية الذي تسعى إليه الدبلوماسية الإسرائيلية يتمثّل في تطويق منظومة الأمن القوميّ المصريّ؛ من خلال تأليب دول منابع النيل على مصر والسودان؛ من خلال رفع المطالب الخاصّة بإعادة النظر في توزيع حصص مياه النيل، وقد ظهر ذلك واضحاً منذ زيارة أفيغدور ليبرمان وزير الخارجية الإسرائيلي لإفريقيا في سبتمبر 2009م، حيث اصطحب معه وفداً كبيراً يضمّ خبراء في: الزراعة، والريّ، والتجارة، وممثلين عن المؤسستَيْن الصناعية والعسكرية في إسرائيل، وقد شملت زيارة ليبرمان: كينيا وأوغندا وإثيوبيا.

ويُلاحَظ أنّ وفوداً من دول حوض النيل الأخرى، مثل: الكونغو وكينشاسا وبوروندي، قد زارت إسرائيل بهدف مناقشة مشروعات التعاون المائيّ مع إسرائيل.

 

تأثير الفراشة.. وعودة إسرائيل لحوض النيل:

من المعلوم أنّ «تأثير الفراشة» the Butterfly Effect يعدّ تعبيراً مجازيّاً عن إمكانية أن تُحدث تغييراتٌ طفيفةٌ في مكانٍ ما آثاراً كبيرة في أماكن أخرى.

وقد استخدم مجموعة من الخبراء الإسرائيليين هذا المفهوم للتعبير عن ضرورة إحداث تغييرات جذرية في العقيدة الأمنية لدولة إسرائيل في أعقاب ثورات الربيع العربي من جهةٍ، ونتيجة التطورات التكنولوجية المتسارعة في منطقة الشرق الأوسط من جهةٍ أخرى.

ويرى أليكس مينتز Alex Mintz، الذي ترأّس الاجتماع الرابع عشر لمؤسسة إدموند بنجامين دو روتشيلد بهرتسيليا في يونيو 2014م، ضرورة تغيير مبدأ «ديفيد بن جوريون» الذي حدّد العقيدة الأمنية لإسرائيل منذ قيامها حتى اليوم، ويُطلق على هذا المبدأ اسم: «القانون الشفوي» الذي يستند على ثلاثة مبادئ، هي (3):

1 – الردع.

2 - الإنذار المبكر.

3 - التفوق العسكري.

فقد آمن الفكر الاستراتيجي الإسرائيلي- منذ البداية- بأنّ طبيعة العلاقات الجيواستراتيجية بين العرب وإسرائيل لن تمكّن أيّاً من الطرفَيْن من تحقيق نصرٍ حاسمٍ على الطرف الآخر، وعليه؛ يتعين على إسرائيل أن تسعى لتحقيق الشرعية الإقليمية من خلال الاعتراف التدريجيّ بوجودها في المنطقة.

وفي عام 2006م خضعت هذه العقيدة الأمنية لعملية مراجعة، حيث أضيف إلى هذا القانون الشفويّ مبدأ رابع، هو: الدفاع.

على أنّ مؤتمر هرتسيليا- السابق الإشارة إليه- قد اقترح إضافة أربعة مكونات أخرى جديدة؛ بهدف تطويع العقيدة الأمنية الإسرائيلية، وجعلها قادرة على مواجهة التحديات الإقليمية والدولية الجديدة، وتتمثل هذه المكونات الأربعة في:

1 - الوقاية.

2 - الاستباق.

3 - التحالف مع الولايات المتحدة والقوى الإقليمية.

4 - التكيّف.

ولا يخفى أنّ إسرائيل تتبنّى بالفعل أساليب الوقاية والضربات الاستباقية، وذلك باستخدام كلّ أنواع الأسلحة المملوكة لديها، ويمكن في هذا السياق الإشارة إلى ضرب المفاعل النوويّ العراقيّ عام 1981م، والغارات الجوية على سوريا، ومهاجمة قوافل في شرق السودان بزعم أنها كانت تحمل أسلحة تتجه إلى قطاع غزة.

وإذا كانت العلاقة الاستراتيجية بين إسرائيل والولايات المتحدة تمثّل أمراً مفروغاً منه في أدبيات الفكر الاستراتيجيّ لكلٍّ من البلدَيْن؛ فإنّ إسرائيل تتجه لبناء قاعدة تحالفات إقليمية جديدة، سواء بشكلٍ رسميٍّ أو غير رسميّ، عبر مستويات ثلاثة:

- المستوى الأول: يشمل دول الخليج العربية؛ من خلال دعم مبادرة السلام العربية.

- المستوى الثاني: يشمل منطقة شرق إفريقيا، ولا سيما دعم العلاقات مع دولٍ مثل: كينيا وإثيوبيا وجنوب السودان وأوغندا.

- المستوى الثالث: يشمل دول حوض المتوسط، ولا سيما اليونان وقبرص.

أما المكوّن الرابع للعقيدة الأمنية الإسرائيلية الجديدة؛ فهو الذي يرتبط بمفهوم «تأثير الفراشة»، وهو ما يعني تكيّف إسرائيل مع التحولات الكبرى التي شهدتها المنطقة العربية في أعقاب الاحتجاجات السلمية التي شهدتها كلٌّ من تونس ومصر في أواخر عام 2010م.

ولا يخفى أنّ الاختراق الإسرائيلي الناعم لدول حوض النيل، في أعقاب الربيع العربي، قد تمّ التعبير عنه في عدة أشكال، لعلّ من أبرزها:

1 - الترويج للخيار الإسرائيلي في مواجهة الحركات المسلحة في كلٍّ من شرق إفريقيا وغربها- كما ذكرنا-: فإسرائيل ترى نفسها صاحبة خبرة طويلة في تبنّي استراتيجياتٍ أمنيةٍ وعسكريةٍ لمكافحة الإرهاب، وعليه: نجد التغلغل الإسرائيلي واضحاً في دول حوض النيل، ولا سيما كينيا وجنوب السودان وإثيوبيا، ومن المعروف أنّ إسرائيل تقدّم التدريب والدعم لكينيا في مواجهة حركة الشباب الصومالية.

2 - تدشين أول لوبي إسرائيلي في الكنيست لتعزيز العلاقات بين إسرائيل والدول الإفريقية: وذلك برئاسة العضو شمعون سليمان، وفي 19 مايو 2014م حضر وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان أول اجتماع لهذا اللوبي، وأكد أنّ إسرائيل بوصفها قوة اقتصادية، وتتمتع بعضوية منظمة التعاون والتنمية، تستطيع أن تجني فوائد سياسية واقتصادية كبرى من إفريقيا.

3 - استخدام إسرائيل لقوتها الناعمة: لتقديم العون للدول الإفريقية في مجالات الزراعة والمياه والطبّ ومكافحة الإرهاب.. وغير ذلك، بيد أنّ إسرائيل في سعيها لتحقيق هذا الهدف تقوم بعقد شراكات مع الدول المانحة الكبرى، مثل: الولايات المتحدة وكندا وإيطاليا، وذلك من أجل القيام بالمشروعات الاستثمارية المختلفة.

ويمكن الإشارة في هذا السياق إلى المبادرة الإسرائيلية الألمانية التي تمّ إبرامها بين البلدَيْن في فبراير 2014م، من أجل تحقيق البرنامج الإنمائي في كلٍّ من بوركينافاسو والكاميرون وبوروندي.

 

إسرائيل وإريتريا:

يتميز الوجود الإسرائيلي في إريتريا بأنه محدود، ولكنه مؤثر وذو مغزى كبير، ففي عام 2012م كشفت وكالة ستراتفور الأمريكية أنّ إسرائيل تمتلك وحدات بحرية في أرخبيل دهلك وميناء مصوع، فضلاً عن وجود مركز للتنصت في جبال أمبا سويرا.

وتستهدف هذه القواعد جَمْع المعلومات الاستخباراتية عن أية أنشطة غير معتادة في مياه البحر الأحمر، وخصوصاً من قِبل إيران (4) .

إنّ الهاجس الأمنيّ هو الدافع الأكبر لإريتريا، والذي يجعلها ترتمي في أحضان إسرائيل، فإثيوبيا أضحت دولةً حبيسةً بعد استقلال إريتريا، وهي ما فتئت تحاول الوصول إلى مياه البحر الأحمر من خلال إعادة السيطرة على ميناء عصب، ولا يخفى أنّ هذه الفكرة تمثّل أحد الأهداف الكبرى التي تسعى إلى تحقيقها النخبة الحاكمة في أديس أبابا، كما إنها تمثّل إحدى أبرز قضايا الفكر الاستراتيجي الإثيوبي.

ثمّة سببٌ آخر يفسّر هذا التقارب الإريتري الإسرائيلي، وهو رغبة حكومة أسمرا في أن تؤدي علاقتها بإسرائيل إلى التأثير في الولايات المتحدة؛ بما يغيّر من سلوكها التصويتي المتعلّق بإريتريا في المحافل الدولية، ومع ذلك؛ فإنّ إسرائيل تبدو غير راغبةٍ في توسيع علاقتها بإريتريا؛ نظراً لأنها تحتفظ بعلاقات متميّزة مع إثيوبيا، كما إنّ لديها اهتماماً أوسع بمنطقة شرق إفريقيا؛ إذ تسعى إسرائيل إلى تطويق الحكومة الإسلامية في السودان، وذلك من خلال تعزيز علاقتها بدُول الجوار، مثل: كينيا وجنوب السودان.

ويبدو أنّ محاولة إريتريا كسر طوق العزلة الدولية عليها؛ هو الذي دفعها للتعاون مع إيران التي تسعى إلى السيطرة على باب المندب والطريق المائي المؤدي إلى قناة السويس، وعليه؛ فقد أضحت إريتريا ساحةً لتنافس القوى الشرق أوسطية المتنافسة (إسرائيل، وإيران)، وبما يهدّد المصالح العربية في المنطقة.

 

إسرائيل وسدّ النهضة:

من المثير للانتباه حقّاً أنّ معظم ما كُتب أو قيل عن آثار سدّ النهضة على الأمن القومي المصريّ لا يخلو من المبالغة أو التهوين، فالأرقام والتقديرات المعلنة هي مجرد اجتهادات قد تعكس رؤية سياسية معينة، أو عدم الفَهْم في كثيرٍ من الأحايين، واللافت للانتباه أنّ القرار الإثيوبيّ الخاصّ ببناء سدّ النهضة ليس مفاجئاً بحدّ ذاته، حيث إنّ إثيوبيا قامت بالفعل ببناء عددٍ من السدود ومحطات توليد الطاقة الكهرومائية على ضفاف بعض الروافد والأنهار في أراضيها،  ولعلّ من أبرز الأمثلة على ذلك ثلاثية سدود «جيبي» على نهر «أوما»، بيد أنّ هذه السدود لا يمكن مقارنتها بسدّ النهضة الذي من المتوقع أن يولِّد ستة آلاف ميجاوات من الكهرباء، ويعدّ هذا السدّ الإثيوبي في حال اكتماله واحداً من أكبر عشرة سدود في العالم، وهو ما يرفع من قدر إثيوبيا الإقليمي، ويجعلها في مصافّ القوى الإفريقية الصاعدة.

ولعلّ ذلك يفسّر لنا سرّ التلاحم الشعبي، والتصميم السياسيّ على المضي قُدماً في تنفيذ حزمة السدود الإثيوبية، وقد ظهرت هذه الروح الوطنية في شراء الصكوك الخاصّة بتمويل السدّ من قِبل المواطنين داخل إثيوبيا وخارجها، وهو الأمر الذي جعل عملية التمويل ممتدة مع بناء السدّ نفسه، وهي لحظات تتجلّى فيها المشاعر الوطنية الإثيوبية، وتعيد إلى الذاكرة أجواء مصر الناصرية أثناء بناء السدّ العالي.

وطبقاً لرؤية رئيس الوزراء الإثيوبي الراحل ملس زيناوي؛ فإنّ سدّ الألفية سوف يحقّق مصالح كلٍّ من السودان ومصر؛ من خلال منع الفيضانات وتوفير الأراضي للري، وهو ما يعني- من وجهة نظره- ضرورة مشاركتهما في تكاليف بناء هذا السدّ، بنسبٍ تتراوح بين 20% و 30% لكلٍّ منهما، «ومع ذلك، ونظراً لعدم وجود عدالة في النظام المائيّ لدول حوض النيل، فإنّ إثيوبيا سوف تتحمل وحدها تكاليف بناء السدّ»، وذلك على حدّ قول زيناوي.

ولعلّ الموقف الأصعب الذي سوف تواجهه مصر- بلا جدال- يتمثّل في عملية ملء خزان السدّ، وهو أمرٌ يتوقف على معدلات هطول الأمطار، وهي معدلات متفاوتة في الغالب الأعم، فإذا كانت معدلات الأمطار غزيرة؛ فقد تستغرق عملية ملء السدّ سنتَيْن على الأكثر، أما في حالة حدوث جفاف وقلّة تساقط الأمطار؛ فسوف تستغرق عملية ملء السدّ مدة أطول، ليس هذا فحسب؛ فكمية المياه في خزان السدّ سوف يكون لها تأثيرٌ بالغٌ في تدفّق مياه النيل.

النتيجة التي نخلص إليها ببساطة شديدة هي: أنّ تدفق المياه في نهر النيل سوف يتأثر بمعدلات متفاوتة؛ ما يؤدي إلى نقصان نصيب مصر من مياه النيل.

ويبدو أنّ إثيوبيا على وعيٍ بحجم المشكلات التي قد تحدث عندما يتمّ ملء السدّ، ولتجنّب ذلك ينبغي أن تتم عملية ملء خزان السدّ بطريقةٍ مسؤولةٍ ودون مَنْعٍ أو حجزٍ للمياه عن دولتَي المصبّ؛ لأنّ ذلك يُعدّ أمراً غير مقبولٍ وفقاً لقواعد التعامل الدولي، كما إنه يفتقد صفة الأخلاقية، ولعلّ المقطوع به هنا هو استحالة التنبؤ بأبعاد عملية ملء الخزان.

ليس هذا فقط؛ فهناك آثارٌ سلبيةٌ أخرى للسدّ فيما يتعلق بالبيئة، مثل: ارتفاع درجات الملوحة، والتلوث، وتآكل التربة في المنطقة المحيطة.

ولعلّ ذلك كلّه يدفع إلى ضرورة الحوار والتفاوض بين جميع الأطراف.

على أنّ مكمن الخطورة في بناء سدّ النهضة الإثيوبيّ يتمثّل في كونه ليس جزءاً من مبادرة حوض النيل أو اتفاقية التعاون الإطاري، أو أيّ اتفاقٍ ثنائيٍّ بين إثيوبيا ومصر، إنه مجردُ مشروعٍ إثيوبيٍّ، يأتي ضمن استراتيجيةٍ وطنيةٍ لبناء السدود واستخدام الموارد المائية، كما إنّ تصديق البرلمان الإثيوبيّ على «اتفاقية عنتيبي» بالإجماع يعني إصراراً إثيوبيّاً واضحاً على استبعاد مصر من الترتيبات الإقليمية الجديدة التي تقودها إثيوبيا في حوض النيل، ومن المعلوم أنّ عدم التنسيق بين دول حوض النيل، ولا سيما إثيوبيا ومصر، فيما يتعلق باستخدام المياه، سوف يُلحق ضرراً بالغاً بدولتَي المصبّ.

ولعلّ الدور الإسرائيليّ في دعم سدّ النهضة الإثيوبي يرتبط بسعي تلّ أبيب الدائم للوصول إلى منابع النيل، ويمكن أن نشير هنا إلى مشروع «اليشع كالي» عام 1974م، والذي كان يهدف إلى نقل مياه النيل إلى صحراء النقب عبر أنابيب تمرّ تحت قناة السويس.

وتشير بعض التقارير الدولية إلى محاولات إسرائيل المراجعة والتصديق على اتفاقية المجاري المائية الدولية، وهي اتفاقٌ إطاريٌّ عالميٌّ من شأنه أن يمنح البلدان في المنطقة الحقّ في تقاسم الموارد المائية، وإعادة توزيع الحصص وفقاً لذلك.

وتأمل إسرائيل أن يتمّ الاعتراف بها بوصفها دولة شرق أوسطية، وهو الأمر الذي يعطيها الحقّ في تقاسم مياه النيل، وتعمل إسرائيل بالفعل على قدمٍ وساقٍ في قطاعات المياه والزراعة الخاصّة بكثيرٍ من دول حوض النيل، مثل: كينيا وإثيوبيا، وهناك خبراء إسرائيليون يقيمون في هذه البلدن، فضلاً عن احتفاظ إسرائيل بقواعد عسكرية في إريتريا.

ومن المعلوم أنّ إسرائيل قد وقّعت اتفاقاً مع إثيوبيا، يتعلق بتوزيع الكهرباء التي سيتم إنتاجها من سدّ النهضة، وقد بدأت بإنشاء خطٍّ لنقل الكهرباء إلى كينيا، وخطٍّ آخر إلى جنوب السودان، ولا شك أنّ عقود توزيع الكهرباء تُظهر أنّ إسرائيل جزءٌ أساسيٌّ من عمليات وسياسات التشغيل بسدّ النهضة.

وتهدف إسرائيل من خلال تحالفاتها الجديدة في حوض النيل إلى استكمال خطة الحصار الإفريقيّ الذي يضمّ جنوب السودان وكينيا وإريتريا وإثيوبيا، عبر آليات عدة، منها شراء النصيب الأوفر من الصكوك في سدّ النهضة، وفرض مزيدٍ من الضغط على مصر، وإيجاد آلية للتعاون مع الصين والدول الكبرى التي تملك الكثير من الشركات والمصالح، كلّ ذلك يدفع إلى محاصرة مصر وابتزازها، وهو ما تجلّى في عرض إسرائيل التوسط بين مصر وإثيوبيا لحلّ أزمة سدّ النهضة (5) .

 

إسرائيل وجنوب السودان:

لقد كانت إسرائيل من أوائل الدول التي أعلنت اعترافها بدولة جنوب السودان؛ فور انفصالها عن الدولة الأمّ في أوائل يوليو 2011م، وقد أعرب رئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو في ذلك الوقت عن استعداد بلاده لتقديم العون لجنوب السودان في مجالات الزراعة والاتصالات والبنية الأساسية، على أنّ الاتصالات بين حركة التمرد في جنوب السودان وإسرائيل مسألة قديمة العهد، وترجع إلى أوائل الستينيات من القرن الماضي.

وهنا يُطرح التساؤل حول مغزى ودلالات هذه الهجمة الدبلوماسية الإسرائيلية الجديدة على جنوب السودان؟ وما الذي تريده إسرائيل من حكومة جوبا؟ وما انعكاسات ذلك كلّه على مصر بعد انهيار نظام مبارك؟

في أثناء زيارته لإسرائيل أواخر ديسمبر 2011م؛ أعرب رئيس جنوب السودان سلفاكير عن إعجابه ودعمه لدولة إسرائيل، حيث قال: «أنا سعيد للغاية لوجودي في إسرائيل، والسير على تراب أرض الميعاد، ولا شك أنّ شعب جنوب السودان بأسره يشعر معي بهذه السعادة»، وأضاف كير: «بدونكم (أي إسرائيل)؛ لما قامت لنا قائمة، لقد ناضلتم معنا من أجل استقلال جنوب السودان، ونحن حريصون على التعلّم من تجاربكم وخبراتكم الواسعة»، وفي المقابل؛ أشار الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز أنّ إسرائيل لديها مصالح دائمة من أجل تطوير ودعم بلدان شرق إفريقيا: «نحن نعلم أنكم ناضلتم بكلّ شجاعة وحكمة، وواجهتم جميع الصعاب من أجل إقامة بلدكم، وبالنسبة لنا: فإنّ ولادة جنوب السودان هي علامةٌ فارقةٌ في تاريخ الشرق الأوسط لتعزيز قيم الحرية والمساواة، والسعي نحو السلام والخير، وإقامة علاقات حسن جوار» (6) .

ومن المثير للانتباه: أنّ زيارة كير لإسرائيل استمرت فقط مدة 24 ساعة، حيث التقى خلالها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووزير الخارجية أفيغدور ليبرمان، ووزير الدفاع إيهود باراك، كما زار ياد فاشيم Yad Vashem، وهو متحف تاريخ المحرقة اليهودية.

 

تحديات للأمن المصري والعربي:

لعلّ ما يدعو إلى التأمل والتدبّر هو: توقيت الحملة الدبلوماسية التي تقوم بها إسرائيل لتوثيق عرى الصداقة بينها وبين حكومة جنوب السودان، فتاريخ العلاقة معروفٌ منذ بدايات حركات التمرد، وثمّة حالة من العشق تدفع دوماً بالنخبة المهيمنة في جنوب السودان للتطلع صوب الدولة الإسرائيلية، والعجيب في الأمر: أنّ النخبة الحالية التي تحكم في جوبا لا تزال تنأى بنفسها عن أي روابط قد تجمعها بالعروبة هويةً وثقافة!

يقول سلفاكير رئيس جنوب السودان في أثناء استقباله لأحد الوفود الإسرائيلية في جوبا: «إنّي أنظر فأجد سفارة لإسرائيل في الأردن، وسفارة أخرى في مصر، ومع ذلك فإنّ جنوب السودان ليست دولة عربية».

وتستفيد إسرائيل من هذا التوجّه السوداني الجنوبي لبناء تحالفٍ جديدٍ في شرق إفريقيا، يضمّ إلى جانب جنوب السودان: أوغندا وكينيا وإثيوبيا، ولا شك بأنّ قيام هذا المحور الاستراتيجيّ يمثّل خصماً استراتيجيّاً لدور مصر الإقليمي في إفريقيا.

وأحسب أنّ اختراق إسرائيل للأمن المصريّ والعربيّ عبر بوابة جنوب السودان؛ يمثّل- من النواحي النفسية والاستراتيجية- أمراً لا يمكن إنكاره أو تجاهله في التفكير الاستراتيجيّ المصريّ والعربي.

وثمّة مجموعة من المؤشرات والتحركات التي تقوم بها إسرائيل، من شأنها الضغط على الإرادة المصرية والعربية في حالة جنوب السودان، ومن ذلك ما يأتي:

- قيام إسرائيل بتوظيف أدوات قوتها الناعمة لكسب عقول شعب جنوب السودان وقلوبه: وهو ما يمهّد لتأسيس قاعدة نفوذ دائمة لإسرائيل في جنوب السودان، إذ من المتعارف عليه أنّ إسرائيل لديها خبرة واسعة في استخدام قدراتها الفنية والتكنولوجية لتوفير المساعدات التنموية اللازمة للدول الإفريقية، وقد حقّقت نجاحاً ملاحظاً في هذا المجال.

- يمكن استخدام ملف مياه النيل وتوظيفه سياسيّاً من قِبل إسرائيل: حيث إنّ جنوب السودان تتمتع بوفرةٍ مائية، ويمكن لها من خلال إقامة المشروعات المشتركة، مثل قناة جونجلي، أن تُسهم في حلّ الأزمة المائية في مصر. ولا شك في أنّ مصر لديها شكوك متزايدة في التحركات الإسرائيلية لدى دول حوض النيل، إذ ما فتئت الدبلوماسية الإسرائيلية تحرّض دول منابع النيل على المطالبة بإلغاء النظام القانوني لنهر النيل، والذي وُضع في زمن الاستعمار الأوروبي.

- تعمل إسرائيل بالتنسيق دوماً مع الولايات المتحدة والدول الغربية: وهنا يمكن الإشارة إلى المشاريع الغربية لإعادة صياغة منطقة جنوب السودان وشرق إفريقيا من الناحية الجيواستراتيحية؛ بهدف تصفية النفوذ العربيّ والإسلامي فيها، أليس تفتيت كلٍّ من السودان والصومال بمثابة تحدٍّ خطير للأمن القوميّ العربي، وإضافة مهمّة لمكانة قوى إقليمية غير عربية مثل إثيوبيا وكينيا وأوغندا؟! إنّ بعض التقارير تشير إلى سيطرة الإسرائيليين- ولو بشكلٍ غير مباشر- على بعض القطاعات الاقتصادية الناشئة في جنوب السودان، مثل قطاع الفندقة والسياحة، بالإضافة إلى تقديم مساعداتٍ مهمّة في مجالات الزراعة والاتصالات وأعمال البنية الأساسية، ألا يعني ذلك كلّه تقويضاً للدور المصري في المنطقة، ومحاولةً لاحتواء مصر في مرحلة ما بعد مبارك؟!

 

على سبيل الختام:

لعلّ ما يزيد من خطورة الاختراق الإسرائيليّ لإفريقيا أنه يرتبط بمحاولاتٍ استعماريةٍ جديدةٍ لإعادة صَوْغ حدود العالمَيْن العربيّ والإفريقي، من خلال عمليات فكٍّ وتركيبٍ جيواستراتيجية، الأمر الذي يؤدي إلى خلق كياناتٍ جديدةٍ مصطنعة، تنال من مقومات وأُسس النُّظُم الإقليمية السائدة.

ولا يخفى أنّ الإعلام الغربيّ ما فتئ يروّج لمقولة الصِّدام بين العرب والأفارقة في مناطق التماسّ الكبرى، ابتداءً من القرن الإفريقيّ الكبير، وحتى الساحل الموريتانيّ على المحيط الأطلسي، أَلَم يتمّ تصوير الصراع الدائر في دارفور بأنه محاولاتٌ للهيمنة من قِبل أقلية عربية على أغلبية إفريقية؛ تعاني ظلم التهميش والاستبعاد؟!

إنّ مدة الانقطاع التاريخية بين الشعبَيْن العربيّ والإفريقيّ، والتي امتدت منذ مجيء الاستعمار الغربي، تمثل تحديّاً خطيراً أمام دعم جهود التضامن العربيّ الإفريقيّ، كما إنّ تحديات العولمة الراهنة، وما تفرضه من مخاطر على كلٍّ من الشعبَيْن العربيّ والإفريقيّ، تقضي بأهمية عودة التلاحم والتضامن بين الجانبَيْن، وهو ما ينبغي أن ينعكس على أجندة جميع تنظيمات العمل الجماعيّ المشترك لدى الفريقَيْن، ولا سيما الاتحاد الإفريقيّ وجامعة الدول العربية، ولا بد من أن يدعم ذلك الموقف السياسيّ: الشروع في تأسيس حوارٍ استراتيجيٍّ جديدٍ بين العرب والأفارقة، تُطرح من خلاله القضايا المشتركة كافة؛ بهدف الوصول إلى رؤيةٍ واحدةٍ لمواجهة تلك القضايا.

 

الإحالات والهوامش:

(1) Michael Brecher, The Foreign Policy System of Israel: Setting, Images, Process, New Haven: Yale University Press, 1972, 216.

(2)  Alan Dowty, Israel Foreign Policy and the Jewish Question, Middle East Review of International Affairs, vol.3, No.1, March 1999. Pp.1-12.

(3)  http://www.haaretz.com/news/diplomacy-defense/.premium-1.597519

(4) انظر نصّ التقرير في:

Stratfor, Eritrea: Another Venue for the Iranian-Israeli Rivalry, December 21, 2012

(5) ذكرت وكالة الأنباء الإثيوبية: أنّ وزير الزراعة الإسرائيلي يائير شامير أعرب عن استعداد إسرائيل لمساعدة مصر وإثيوبيا فى التوصل إلى اتفاقٍ بشأن بناء سدّ النهضة الإثيوبي. انظر: الأهرام العربي، 24 أبريل 2014م. 

(6)  Israel and Africa, Jerusalem Post Editorial, 12/22/2011 23:48. At:

http://www.jpost.com/Opinion/Editorials/Article.aspx?id=250634

 

 

كتاب الموقع