عمّار ياسين- باحث في دراسات السّلام والصّراع
شيماء فؤاد- باحثة اقتصاديّة
مُقدّمة:
واحدة من الإشكاليات الكُبرى التي تُعاني منها الدول الإفريقيّة هي التبعيّة للخارج، والهشاشة والحساسية المُفرطة تجاه أيّ ممّا يحدث خارج نطاقها الإقليمي؛ بحيث تنتج عادةً تأثيرات تتفاوت في بساطتها وجسامتها نوعيًّا؛ إلا أنّ القاسم المُشترك هو حتمية تأثُّر الداخل بما يحدث في الخارج.
الحرب الروسيّة-الأوكرانيّة وانعكاساتها على قضيّة الأمن الغذائي في القرن الإفريقي دالّة على ذلك، ليس فقط لأنّ أوكرانيا سلّة غذاء للعالم بصفة عامّة، وإفريقيا بصفة خاصّة؛ ولكن لأنّ استمرار حربها مع روسيا من الممكن أن يُرتِّب أثرًا يصل حدّ التسبُّب في مجاعات قد تُودي بحياة ما يزيد عن مليون إنسان في قارة إفريقيا.
منطقة القرن الإفريقي بمفهومها الضيّق والمُكوّن من 4 دول؛ هُم: إثيوبيا، إريتريا، جيبوتي والصُّومال، على الرغم من الدور الذي تلعبه باعتبارها رئة القارة الإفريقيّة ومُتنفَّس القوى الدوليّة المارّة من وإلى القارة، والرِّهان الرابح للقوى الدوليّة في تمركزاتها على حوز موقع بالغ الأهمية بذريعة تأمين وحماية المصالح الاقتصاديّة؛ إلا أنّها غارقة في الأزمات المُتتابعة؛ فلم تَكَد دول القرن الإفريقي تستفيق من تبعات جائحة كورونا حتّى لحقتها قضايا أُخرى مترتبة على التغيّرات المناخية الصّعبة مثل الفيضانات وتذبذب هطول الأمطار، والفشل المُتعاقب في المواسم الزراعية تبعًا لذلك، والذي وصل في بعض الأحيان إلى الموسم الزراعي الخامس على التوالي كما في الصومال، ثم أتت الحرب الروسيّة-الأُوكرانية لتزيد من مُعاناة دول المنطقة، وتتسبّب في تبعات بالغة الخطورة؛ متمثّلة في جسامة الضّرر الناجم عن تأثر سلاسل الإمداد الغذائية؛ بسبب استمرار الحرب، واستهداف صوامع القمح الأوكرانية في خاركيف، وغيرها من المناطق الأوكرانية مِن قِبَل القوات الروسيّة النظاميّة والوحدات غير النظامية التابعة له (فاجنر)؛ الأمر الذي شلَّ حركة الأمن الغذائي في القرن الإفريقي، وجعل معاناة المنطقة تتضاعف وتتعقّد بصورة غير مسبوقة.
يأتي ذلك على الرغم من الأهمية الاستراتيجيّة لمنطقة القرن الإفريقي؛ كونها محطّ أنظار القوى الدولية الكُبرى، ولا أدلّ على ذلك من القواعد العسكريّة المُنتشرة في جيبوتي، والبالغة ست قواعد حتى الآن قابلة للزيادة؛ فواقع القرن الإفريقي يكاد يكون الأسوأ من بين الأقاليم الخمسة الإفريقيّة؛ لاعتبارات عديدة؛ من أهمّها: شيوع الجفاف بنوعيه وصولًا إلى الجفاف المُمتد، والتأثر الشديد من تداعيات التغيرات المناخية المتمثلة في تذبذب وتيرة الأمطار والفيضانات، وفشل المواسم الزراعيّة، وصولًا إلى مستوى مخاطر انتشار المجاعات في الصّومال والدول المُحيطة بها، فضلًا عن تنامي أزمة النّزوح الداخلي؛ بسبب القلاقل وعدم الاستقرار، وكذلك اللُّجوء إلى بلدان مُجاورة تُعاني في حدّ ذاتها، وتتضاعف مُعاناتها بوصول أعداد غفيرة لها فارَّة من الموت في بلدانهم الأصلية.
لم يشفع الموقع الجغرافي الاستراتيجي للقرن الإفريقي في تحسين مُستوى معيشة مواطنيه، بل إنه تحوّل لمنطقة تَدَافُع حول تعزيز النفوذ الدولي في المنطقة، مدفوعًا بحاجات جيواقتصاديّة وكذلك جيوسياسيّة؛ من أجل حَوْز مكانة أفضل في مرحلة ما بعد النّفط، وتهيئة القوى الكُبرى لنزاعات وصراعات مُستقبلية مُحتملة ستكون محمومة بطبيعة الحال في منطقة مثل القرن الإفريقي التي يُعوَّل عليها في تأمين التجارة الدوليّة البريّة والبحريّة، ومواصلة الهيمنة الاقتصاديّة على إفريقيا وليس فقط على إقليم الشّرق الإفريقي التي هي بمثابة الرئة بالنسبة له.
إشكاليّة الدراسة:
على الرغم من تأزم وضع البلدان الأربعة المذكورة والقابعة في منطقة القرن الإفريقي (جيبوتي، الصُّومال، إثيوبيا وإريتريا) قبل الحرب الروسيّة-الأُوكرانيّة، إلا أنّ الحرب الروسيّة-الأوكرانية فاقمت من حالة التأزم تلك، وكان لها انعكاسات فاقت مستوى التأثير الاقتصادي إلى ما هو أبعد من ذلك في شكل تأثير اقتصاديّ وسياسيّ وحتى صحيّ واجتماعيّ ماسّ بقضية انعدام الأمن الغذائي (Food insecurity)، وتبعًا لذلك تأجيج الأوضاع الداخلية بتلك البلدان وُصولًا حدّ تعريضها لمخاطر انتشار المجاعات والتّهجير القسري.
لذا، تُحاول الدراسة الوقوف على التأثيرات المختلفة وغير المتوقّعة للحرب الروسية-الأوكرانية على القرن الإفريقي، وكشف أسباب تباين تلك التأثيرات على البلدان الأربعة؛ كلٌّ على حدة، واستكشاف مدى التأثير المُباشر و/أو غير المُباشر على الأمن الغذائي الذي هو وحدة أساسيّة ضمن مفهوم أهم وأشمل هو الأمن الإنساني في البلدان الأربعة المشمولة بالدراسة. وبناءً على ما تقدم تطرح الدراسة تساؤلًا رئيسًا هو: هل تسبّبت الحرب الروسيّة-الأُوكرانية في تأجيج الأوضاع الداخلية بالقرن الإفريقي؟
تساؤُلات وفرضيّات الدراسة:
جنبًا إلى جنب مع التساؤل الرئيس، تطرح الدراسة عدة تساؤلات فرعية على النّحو التّالي:
-هل تلعب هشاشة دول القرن الإفريقي وتبعيتها للخارج دورًا في الاستجابة السّريعة لأيٍّ ممَّا يطرأ على السّاحة الدولية بصفة عامة وفيما بين روسيا وأُوكرانيا بصفة خاصّة؟
-هل يُمكن عزل التأثيرات السياسيّة والمناخيّة عن التأثيرات الاقتصاديّة الناجمة عن تنامي أزمة انعدام الأمن الغذائي في منطقة القرن الإفريقي؟
-هل يُمكن النّظر إلى تفاوتات "السُّلوك التصويتي" لدول القرن الإفريقي في القرارات الأُممية المتعلّقة بالحرب الجارية منذ اندلاعها كأحد أهم روافد تلك الحرب؟
وبالتالي، تنطلق الدراسة من عدة فرضيّات على النحو التّالي:
كلّما استمرّت هشاشة وتبعية القارة الإفريقية للخارج؛ زاد حجم التأثيرات السلبية الآتية إليها من مختلف التفاعلات الدولية، حتى ولو كانت في إطار لا يعنيها منه شيء كالحرب الروسيّة-الأوكرانية، والتي هي جزء من صراع أشمل وأعقد هو الصّراع الروسي-الغربي.
لا فِكاك في دوائر التأثير والتأثر بين المضامين السياسية والاقتصادية، خاصّةً في ظل الأوضاع المُضطربة التي تشهدها إفريقيا بصفة عامة، ومنطقة القرن الإفريقي بصفة خاصّة.
أزمة انعدام الأمن الغذائي المُتنامية في بلدان القرن الإفريقي دالّة على حجم هشاشة تلك البلدان، وكونها ردة فعل على ما يحدث بالخارج، وبالتالي ستظل مُستوردة للأزمات الدولية والقلاقل غير ذات الصّلة.
انعكاسات الحرب الروسيّة-الأوكرانيّة على إفريقيا ومنطقة القرن الإفريقي لها أصداء أوسع بكثير من التأثيرات الداخلية؛ بحيث امتدَّت إلى السُّلوك التصويتي للدول الإفريقية في القرارات الأُممية المتعلّقة بالحرب منذ اندلاعها.
منهجيّة الدراسة:
تعتمد الدراسة بصفة أساسيّة على اقتراب "الاقتصاد السياسي الجديد New Economic-political Approach"؛ لفهم وتحليل وتفسير أبعاد الموضوع على الرغم من تبايناته في الكثير من المناحي؛ وذلك لحالة التّداخل الكبيرة بين التداعيات الاقتصاديّة والسياسيّة في موضوع انعكاسات الحرب الروسيّة-الأُوكرانيّة على الأمن الغذائي في القرن الإفريقي، وعدم إمكانية الفصل بين ما هو سياسي وما هو اقتصادي؛ فالحرب الروسيّة-الأوكرانيّة في حد ذاتها سياسيّة بامتياز؛ إلا أنّ أحد أهم انعكاساتها المتمثّلة في التأثير السّلبي على سلاسل الإمداد وتنامي أزمة الأمن الغذائي في بِقاع عديدة من العالم، وفي إفريقيا والقرن الإفريقي على وجه الخصوص؛ لهو أمر اقتصاديّ يؤثّر هو الآخر على ملفّات اجتماعية وصحية وحتّى سياسيّة في صورة تأجيج أوضاع داخلية وإحداث قلاقل وحالة من عدم الاستقرار؛ وكأنّ التمازج بين الاقتصاد والسياسة ههنا أمر لا مفر منه؛ وبالتالي ينبغي أن تشمل مُعالجات التحليل والتفسير ذات القدر من التمازج بين ما هو سياسي وما هو اقتصادي.
وبناءً على ما سبق، جاء منطق تقسيم الدراسة على النّحو التّالي:
محور أوّل سلّطت فيه الدراسة الضوء على طبيعة وحُدود الحرب الروسيّة-الأوكرانيّة، وذلك لتصوُّر إمكانية التأثير على الأمن الغذائي للدول الأربعة المشمولة بالدراسة في منطقة القرن الإفريقي، بداعي أنّ الحسابات حاليًا لم تعد بمدى القرب أو البعد المكاني، ولكن بما للنفوذ ودوائر التأثير والتأثر من اعتبارات وأُطُر حاكمة.
وفي المحور الثّاني تم تسليط الضّوء على العلاقات التجاريّة للدول الأربع مع كل من روسيا وأوكرانيا، ثم جاء المحور الثّالث ليكشف أوضاع الأمن الغذائي في الدول الأربعة لفهم التفاوتات بين الوضع السّابق واللّاحق على الحرب. وأخيرًا في المحور الرابع تم تسليط الضّوء على أبرز الآثار السلبيّة التي طالت الدول الأربعة نتيجة نُشُوب واستمرار الحرب الروسيّة-الأوكرانيّة التي دخلت عامها الثّاني ولا تزال جارية ومفتوحة أمام كل الاحتمالات.
وأخيرًا، أتت نتائج الدراسة لتكشف على وجه التّحديد مواضع التراجع والمخاطر التي تُهدِّد أمن واستقرار الدول المشمولة بالدراسة جرّاء استمرار الحرب، والماسَّة منها على وجه التحديد بقضيّة الأمن الغذائي وصولًا لمستوى انعدام الأمن الغذائي الذي يُمثّل المُستوى الأقصى من التأثيرات السلبيّة عليها. وكذلك، كيف يُمكن تحقيق استجابة فعّالة لأزمة مُفاقمة مرتبطة بصفة أساسيّة بأمن وسِلم الدول الأربعة ومُهدِّدة لمنطقة تكاد لا تخلو من أزمات وقلاقل هي منطقة القرن الإفريقي، سواءٌ بمفهومها الضيّق (جيبوتي، الصُّومال، إثيوبيا وإريتريا)، أو الواسع (الدول الأربعة جنبًا إلى جنب مع كينيا وأوغندا والسُّودان وجنوب السُّودان).
وفي الختام، أرفقت الدراسة مُلحقًا لنَصّ "اتفاقية الحُبوب" الموقَّعة في يوليو الماضي بين كلٍّ من روسيا وأوكرانيا برعاية أُمميّة-تُركيّة من أجل مواصلة إمدادات القمح الأوكراني للعالم، والمناطق الأشد احتياجًا منه على وجه التحديد، مُقابل امتيازات خاصّة بتصدير أسمدة روسيّة وغير ذلك.
المحور الأول:
طبيعة وحُدود الحرب الروسيّة-الأوكرانيّة
وفقًا لنظريّة المُباريات (Theory of Games) لتوماس شيلينج، ومن أجل الوصول لتحليل أكثر دقّة للحالة الصّراعية المُتشابكة التي يشهدها العالم حاليًا بسبب الحرب الروسيّة-الأُوكرانيّة([1]) بدأت المُباراة بهجوم مُباغت من قِبل روسيا في 24 فبراير من عام 2022م بداعي أنّ أُوكرانيا باتت "تُشكّل تهديدًا دائمًا، وأنّ روسيا لم تعد تستطيع الشّعور بالأمان والتطوُّر"، وهو ما صرّح به الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في السّاعات الأولى لما أسماها "العملية العسكريّة في أوكرانيا"([2])، وما بين السّطور كان تفويت الفرصة على أوكرانيا، وإجبارها على عدم السّعي للانضمام لحلف الناتو، باعتبار أنّ ذلك -جنبًا إلى جنب مع سعي موسكو الحثيث للضّغط في سبيل إعادة تشكيل نظام عالمي جديد تكون ضمن أهم القوى الفاعلة فيه-؛ هو الهدف الأسمى الذي تسعى لتحقيقه من وراء تلك "العملية العسكريّة" طويلة الأمد.
وبعد فترة وجيزة من بدء الحرب، اشتعلت المُباراة بدخول لاعبين جُدد على خط المواجهة غير المُباشر إلى أن وصلنا لمرحلة باتت بالغة التعقيد، حتّى إنها فتحت الباب أمام احتماليّة أن يمتد الصّراع الروسي-الغربي المُحتدم إلى الفضاء الخارجي، ومِن ثَم تحويل مساره من الاستكشاف العلمي والعمل لصالح البشريّة إلى عسكرة الفضاء وإمكانية استخدامه للردع واستعراض القوة.([3]) ومنذ فبراير 2022م وحتّى الآن، تحوَّلَ الصّراع الرُّوسي-الغربي من دائرة الصّراع الكامن (Latent Conflict) إلى دائرة الصّراع الظاهر (Surface Conflict) إلى حدّ الوصول لمستوى الصّراع المفتوح (Open Conflict)، والذي يمتاز بقدرته الهائلة على سلك مسارات جديدة يومًا بعد يوم.
تلك الحرب لا يمكن النظر إليها باعتبارها قضية تخص أطرافها فحسب، بالنظر للدور الاستراتيجي الذي تُمثّله كل من روسيا وأوكرانيا كسِلال غذائية لبِقاع واسعة في العالم يأتي على رأسها القارة الإفريقية، والتي لها خصيصة تُميّزها -سلبًا- كون أغلب بلدانها من الدول المُستوردة الصّافية للغذاء؛ فضلًا عن تمازج الاعتبارات السياسية بالاقتصادية ووجود دوائر شديدة التعقيد من التفاعل بين الأطراف والفاعلين وأصحاب المصلحة، مما يجعلها أقرب لـ"حرب عالميّة أكثر من باردة"، حرب مُشتعلة بين طرفيها وسائر الفاعلين المشتركين عملياتيًّا على الأرض؛ وباردة ولكن آثارها ملموسة ومُؤثِّرة بشدة تجاه سائر الفاعلين وأصحاب المصلحة في ربوع العالم.
انعكاسات تلك الحرب ليست قاصرة فقط على الدول، ولكن امتدت لتشمل شركات متعددة/متعدية الجنسيات ومنظمات إقليمية ودولية، فضلًا عن مؤسسات التمويل القارية والدولية؛ والتي أعادت تشكيل أولوياتها بحسب مدى التأثير والتأثر بما يجري على الساحة من تجاذبات في ظل اهتزاز النظام العالمي القائم، وطرح عدة تصوّرات تتخطى حتى حاجز الحاجة لثنائية قُطبية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، إلى شكل آخر يميل لتوازن القُوى (Balance of Power)، بحيث تكون هناك نسبة وتناسب بين أقطاب دولية فاعلة تستطيع تحريك دفَّة الأمن والسّلم الدوليَّين وإعادة الاعتبار مرة أُخرى للأُمم المتحدة كمنظمة جامعة، ولمجلس الأمن الذي عجز عن أداء دور فاعل منذ اندلاع الحرب بسبب حق الفيتو، بإمكانية توسيع عضويته الدائمة وعدم قصرها على 5 دول فقط كما هو عليه الحال منذ إعلان سان فرانسيسكو عام 1945م؛ وهو ما تنبّهت إليه فرنسا في الآونة الأخيرة وباتت تخرج رويدًا رويدًا عن عباءة الولايات المتحدة الأمريكيّة وتُصرّح بذلك.
وبالنظر لإفريقيا، والتحدي الكبير المُتمثّل في تبعيتها شبه التامة اقتصاديًّا وسياسيًّا لأقطاب دوليّة عديدة من بينها: الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، والصين والاتحاد الأوروبي، فضلًا عن تصديرها السلع الأولية وعدم قدرتها على إحراز تقدُّم بخصوص الصناعات التحويلية والصناعة بشكل عام، الأمر الذي جعل أوضاعها هشَّة أمام أيّ تأثيرات خارجية، وهو ما يرفع كُلفة الحرب الروسية-الأوكرانية على إفريقيا ويجعلها في مرمى النيران غير المُباشرة.
وحتى في داخل إفريقيا، وبالتحديد في منطقة القرن الإفريقي بمفهومها الضيّق بالنسبة للدول الأربعة المشمولة بالدراسة، فلا تزال تفاوتات انعكاسات الحرب الروسية-الأوكرانية على الأمن الإنساني وعلى رأس أولوياته الأمن الغذائي في القرن الإفريقي موضع حيرة؛ وذلك لوجود قواسم مشتركة عديدة بين البلدان الأربعة وفي الوقت نفسه تفاوتات ملحوظة في العديد من الملفات؛ لعلّ أهمها: ملف الأمن الغذائي، ومدى ارتباطه بعدم الاستقرار والقلاقل، وصولًا لبزوغ مستويات صراعيّة متنوّعة داخليًّا وبينيًّا وحتى خارجيًّا مع دول خارج منطقة القرن الإفريقي؛ وهو ما يجعل الأوضاع الصّراعيّة بتلك البلدان تزداد سوءًا بسبب انشغال المجتمع الدولي بالحرب الجارية باعتبارها أولويّة مُطلقة؛ خاصّةً في ظل الحرج المُتنامي لمجلس الأمن الدولي بسبب عجزه عن أداء أيّ دور فعّال منذ اندلاع الحرب بسبب الاستخدام المُفرط لحق الفيتو مِن قِبَل روسيا وحليفتها الاستراتيجيّة الصين أمام أيّ قرارات أُمميّة من شأنها وضع حدّ لحالة الاهتزاز الشديدة التي يتعرّض لها الأمن والسّلم الدَّوليَّين.
المحور الثّاني:
العلاقات التجاريّة لدول القرن الإفريقي مع روسيا وأُوكرانيا
يُسلّط هذا المحور الضّوء على أبرز سمات العلاقات التجارية للدول الأربعة المشمولة بالدراسة وحجم تبادلاتها التجارية مع كُلٍّ من روسيا وأُوكرانيا، وذلك من أجل تصوُّر مدى إمكانية التأثّر بما يجري في تلك الحرب.
أولًا: الصُّومال.. مجاعات وغياب حادّ لمفهوم الدولة
تُعد الصُّومال واحدة من أفقر دول العالم؛ حيث تُعاني من إشكاليات كُبرى سياسيّة تمس عدم القدرة على بسط النفوذ والسيادة على كافّة أراضيها، ومن ثم تتزايد مخاطر التقسيم إلى حد التفتُّت بسبب غياب مفهوم الدولة نظريًّا وعملياتيًّا على حد سواء، فضلًا عن الكوارث الطبيعية المُتكررة مثل الجفاف (بما في ذلك الجفاف المُمتد) والمجاعات؛ حيث يعيش حوالي 40% من الصّوماليين في فقر مُدقع، أكثر من نصفهم يعيشون في مناطق ريفيّة، كما أنّها تُعاني من اقتصاد هشّ للغاية وتحتل بسببه المرتبة قبل الأخيرة عالميًّا في مؤشّر هشاشة الدول لعام 2022م([4]) بفارق ضئيل عن اليمن في ذيل الترتيب.
تلك الأوضاع المُضطّربة مستمرة مُنذ بداية التسعينيات، وتفاقم إشكاليّة الدولة في الصّومال ودخولها في سلسلة مُفرغة من الصّراعات الداخليّة وحتى العابرة للحدود، فضلًا عن افتقارها للبنية التحتية وتذبذب مُستوى الأمطار، وبالتالي خفض الإنتاجية وغلّة المحاصيل بصفة عامة؛ ومنذ ذلك الحين وهي تُعاني من أزمات مُركّبة على الصّعيدين السياسي والاقتصادي.([5])
ثانيًا: إريتريا.. مطرقة الفقر وسندان أزمة الأمن الغذائي
على الرغم من النّمو الاقتصادي الذي طرأ على إريتريا في قطاع التّعدين؛ إلا إنّها لا تزال واحدة من أقل بلدان العالم نُمُوًّا؛ حيث لم تتخطَّ بعدُ آثار الحرب التي دامت زيادة على ثلاثين عامًا من أجل الاستقلال والانفصال عن إثيوبيا في عام 1993م، ممّا أدّى منذ ذلك الحين إلى ارتفاع مُعدلات البطالة وانخفاض مستوى الدخل، وكنتيجة طبيعية ارتفاع مُعدلات الفقر.
يعتمد اقتصاد إريتريا على الزراعة بصفة أساسيّة؛ حيث تُشكّل الزراعة حوالي 24% من الناتج المحلّي الإجمالي (GDP) وكل العمالة الريفيّة تقريبًا. وأصبح التّعدين (نحاس، ذهب، خام الحديد، نيكل، سيليكيا، كبريت ورخام وجرانيت وبوتاس) ذا أهميّة مُتزايدة وجاذبًا رئيسًا للمُستثمرين الأجانب. على المدى المُتوسّط تُوجد آفاق أخرى لتحسين التجارة مع بلدان الشرق الأوسط وآسيا، ونمو قطاع الأغذية وتنمية صناعة السياحة. أكثر من رُبع الأراضي الإريتريّة 26% صالحة للزراعة، ولكن لا تتم زراعة إلا 4% منها فقط؛ حيث تُشكّل الزراعة ورعي الماشية وصيد الأسماك، الدُّعامة الأساسيّة لسُبُل العيش لأكثر من ثلاثة أرباع السُّكان 75%.
بحسب الصُّندوق الدولي للتنمية الزراعية (IFAD)، يُعاني أكثر من ثُلثي سُكان الريف في إريتريا 65% من الفقر، ويُعاني 37% من انعدام الأمن الغذائي الشّديد. وفي سنوات هُطول الأمطار بصورة جيّدة؛ لا تتعدّى نسبة الأمن الغذائي في إريتريا نحو 60% فقط من إجمالي عدد السُّكان، وينخفض هذا الرقم إلى 25% عند انخفاض هطول الأمطار. وفقًا لمؤشّر التنمية البشريّة لعام 2020م، تحتل إريتريا المرتبة الأخيرة في المركز الـ180 على مستوى العالم.([6])
ثالثًا: إثيوبيا.. موجات الجفاف والاقتتال الأهلي
تُعتبر إثيوبيا من أكثر البلدان في العالم اكتظاظًا بالسُّكان؛ حيث يبلغ عدد سُكانها أكثر من 117 مليون نسمة([7])، كما أنّها كانت قبيل الحرب الأهليّة في إقليم تيجراي واحدة من أفضل الأداءات الاقتصادية في إفريقيا جنوب الصّحراء، وهي في الترتيب 173 في ترتيب مؤشّر التنمية البشريّة العالمي لعام 2020م.
الزراعة في إثيوبيا تُمثّل أساس الاقتصاد الإثيوبي، وتعتمد صادراتها بشكل شبه كامل على السّلع الأساسيّة الزراعيّة مثل: البن، البذور، البقول والماشية. ولا يزال الفقر يُشكّل تحديًا كبيرًا في إثيوبيا على الرغم من أنّ اقتصادها قد شهد نموًّا ملحوظًا في السنوات الأخيرة.
يعيش حوالي 85% من سُكان إثيوبيا في مناطق ريفية، ولا تزال إثيوبيا تتعافى من الجفاف الذي وقع في عامي 2015 و2016م؛ نتيجة حدوث واحدة من أقوى "أعاصير النينو" المُسجَّلة على الإطلاق؛ والذي ترك ما يقرب من 10 ملايين شخص في حاجة ماسَّة لمُساعدات غذائيّة، ولم تشهد العديد من المناطق الريفيّة أمطارًا طبيعيّة منذ سنوات، ممّا جعل سُكّانها عُرضة لأزمات أُخرى من نوعية انعدام الأمن الغذائي.
إثيوبيا كذلك من أكبر البلدان المُستضيفة للّاجئين في العالم؛ تستقبل سنويًّا ما يقرب من مليون لاجئ مُعظمهم من إريتريا والصّومال وجنوب السّودان والسّودان؛ وهو ما فاقَم من أزماتها منذ اندلاع الحرب الأهليّة في إقليم تيجراي. كما أنّها من أسرع البلدان في الكثافة السُّكانية في العالم بمُعدّل نمو سُكّاني بلغ 2,6% سنويًّا؛ حيث يتسبب ذلك في ضغط شديد على الموارد المحدودة بالفعل، كما يؤدّي إلى تدهور بيئي ويزيد من خطر نقص الغذاء، وهو ما حدث في أعقاب الحرب الروسيّة-الأوكرانية بسبب حساسيتها المفرطة تجاه الغذاء على وجه التحديد.([8])
رابعًا: جيبوتي.. حاضنة القواعد العسكريّة في إفريقيا
على الرغم من كونها بلدًا صغيرًا للغاية لا يتجاوز إجمالي مساحته 23 ألف كيلو متر؛ إلا أنه يُعد حاضنة للقواعد العسكريّة الغربيّة في إفريقيا، وفوّهة بركان من الممكن أن تنفجر في أيّ لحظة بالنظر لتعارض المصالح بين أصحاب تلك القواعد الستّة: الولايات المتحدة الأمريكية، فرنسا، الصين، اليابان، إسبانيا، وإيطاليا.([9])
يعيش ما يقرب من ثُلُث سُكان جيبوتي في فقر مُدقع، وهو المستوى الأعلى من مُستويات الفقر عالميًّا، وتتركّز أنشطة جيبوتي الاقتصاديّة في تقديم خدمات الموانئ بطبيعة الحال، بما في ذلك بلد الجوار غير السّاحلي إثيوبيا. تُعاني جيبوتي من عجز غذائي مُزمن، وتعتمد على الواردات لتلبية احتياجاتها الغذائيّة؛ حيث إنّ لديها أقل من ألف كم مُربع من الأراضي الصّالحة للزراعة من إجمالي مساحتها، ومُعدّل هطول الأمطار السنوي لديها 5,1 بوصة فقط، مما يجعلها شديدة الحساسية للصّدمات الخارجية بما في ذلك ارتفاع أسعار الغذاء والوقود وتأثر سلاسل الإمداد بصفة عامّة.
يبلغ مُعدّل الفقر الوطني في جيبوتي نحو 79% من إجمالي المواطنين، ويصل خارج العاصمة إلى نحو 94,2%، ويبلغ مُعدّل الفقر المُدقع في المناطق الريفيّة نحو 72,5%، وتُشير تقديرات الصندوق الدولي للتنمية الزراعيّة (IFAD) أنّ من بين 20% و40% من سُكان الريف يُعانون من انعدام الأمن الغذائي، أو مُعرّضون بشدّة لانعدام الأمن الغذائي. كما أن 30% من سُكانها يعيشون في المناطق الريفيّة ورغم ذلك فلا تزال زراعات بسيطة وغير متطوّرة؛ تُسهم فقط بنسبة 4% من الناتج المحلّي الإجمالي (GDP).
كما أنّ أراضيها الصّالحة للزراعة شحيحة، وبالتالي تعتمد الأنشطة الزراعيّة على الرّعي. ويمثّل تحسين فُرص الحصول على المياه الأولويّة الرئيسة للمجتمعات الريفيّة في جيبوتي، وكذلك لزيادة الإنتاج الحيواني. لذا يتم استغلال موارد المياه الجوفيّة على نطاق واسع، وتُركّز الحكومة على احتجاز المزيد من المياه السطحيّة لتحقيق هذا الغرض.([10])
التّبادل التّجاري بين دول القرن الإفريقي وكل من روسيا وأوكرانيا:
أولًا: حجم التّبادل التّجاري بين دول القرن الإفريقي وروسيا (القيم بالمليون دولار أمريكي)([11])
٢٠٢٢ |
٢٠٢١ |
٢٠٢٠ |
٢٠١٩ |
٢٠١٨ |
البلد |
|||||
واردات |
صادرات |
واردات |
صادرات |
واردات |
صادرات |
واردات |
صادرات |
واردات |
صادرات |
|
لم تُعلن بعد |
١٤.٧٧٤ |
- |
٦.٨٨١ |
- |
١.٧٠٢ |
- |
٥.٠٧٧ |
- |
الصُّومال |
|
غير مُتوفّر |
جيبوتي |
|||||||||
إريتريا |
||||||||||
١٩٩.٧٧ |
- |
٥٣.١ |
- |
١٠٤.٤٤ |
- |
١٤١.٢١ |
- |
إثيوبيا |
||
كما يتّضح من الجدول، تمثّلت النّسبة الأكبر من واردات الصّومال من روسيا في الحبوب الغذائية خاصّةً القمح، ففي عام 2018م كانت النسبة 80% وانخفضت لتصل 36% عام 2019م، بالنظر للانخفاض العام في حجم الواردات، ثم ارتفعت مرة أخرى عام 2020م لتُسجّل أكثر من 94%، بينما في عام 2021م بلغت واردات الصّومال من الحبوب من روسيا نحو 68%، أيّ زيادة على ثُلثي حجم الواردات الصّوماليّة بشكل عام.
وفي إثيوبيا، بلغت نسبة الحُبوب الغذائيّة نحو 63% من إجمالي الواردات الإثيوبيّة عام 2018م، و62,5% عام 2019م، ثم تناقصت بسبب جائحة كورونا عام 2020م، ومسألة الإغلاق العالمي لتصل لنسبة 51%، ثم عاودت الصّعود مرة أُخرى في 2021م لتُسجّل واردات الحبوب من إجمالي الواردات الإثيوبيّة من روسيا وحدها نحو ثلثي حجم الواردات، 64% من إجمالي الواردات الإثيوبية.
ثانيًا: حجم التبادل التجاري بين دول القرن الإفريقي وأوكرانيا (القيم بالمليون دولار أمريكي)
٢٠٢٢ |
٢٠٢١ |
٢٠٢٠ |
٢٠١٩ |
٢٠١٨ |
البلد |
|||||
واردات |
صادرات |
واردات |
صادرات |
واردات |
صادرات |
واردات |
صادرات |
واردات |
صادرات |
|
لم تُعلن بعد |
٢١.٦ |
- |
١٨.٦ |
- |
١٢.٨ |
- |
١٠.٧ |
- |
الصُّومال |
|
غير مُتوفّر |
جيبوتي |
|||||||||
إريتريا |
||||||||||
٥٧٨.٨ |
- |
٢٧٠.١ |
- |
٣١٥.٨ |
- |
١٥٨.٧ |
- |
إثيوبيا |
||
كما يتّضح من الجدول، نسبة الحُبوب الغذائيّة هي الأعلى في واردات الصّومال من أوكرانيا، خاصّةً عام 2020م حين بلغت أكثر من 50%، بينما في عام 2021م سجّلت نحو 39% من إجمالي الواردات الصُّوماليّة من أُوكرانيا.
وقد تصدّرت واردات الحُبوب خاصّةً القمح، قائمة الواردات الإثيوبيّة من أوكرانيا بنسبة 28% تقريبًا عام 2018م، ثم زادت لتبلغ 45% عام 2019م، ووصلت أكثر من 41% عام 2020م، ثم تخطّت نسبة 72% من جُملة الواردات من أوكرانيا عام 2021م.
وبسبب هذا المستوى الفائق من الاعتماد على الخارج بصفة عامّة وعلى أوكرانيا في هذا الإطار بصفة خاصّة؛ أدّت الحرب الروسيّة-الأوكرانيّة إلى ارتفاع هائل في أسعار الغذاء والوقود عالميًّا، خاصّةً الدول التي تعتمد على واردات القمح من منطقة البحر الأسود، ممّا أدّى لانقطاع تدفّق الحبوب وبالتالي رفع أسعارها لمستوًى غير مسبوق فضلًا عن زيادة صعوبة استيراد القمح. وقد بلغت أسعار القمح من منطقة البحر الأسود حاليًا أكثر من 550 دولارًا للطّن الواحد، وهو ما يُمثّل ارتفاعًا قياسيًّا بنسبة 180% مُقارنةً بالفترة ذاتها من عام 2021م.([12])
رسم بياني يُوضّح ارتفاع أسعار القمح بشكل كبير بسبب الحرب الجارية([13])
كما يتّضح من الرسم البياني، ارتفعت أسعار القمح منذ عام ٢٠٢٠م بوتيرة معقولة، ولكن بدءًا من العام الماضي، 2022م وبالتحديد منذ اندلاع الحرب الروسيّة-الأوكرانيّة، ارتفعت أسعار القمح بصورة كبيرة للغاية تخطّت حاجز الـ89% من المتوسّط السّابق، وزاد من تفاقم الأزمة ارتفاع متوسّط سعر صرف الدولار الأمريكي بنسبة تراوحت بين 10% و46% مقابل العملات الوطنيّة لدول القرن الإفريقي (الشّلنج الصُّومالي، والبير الإثيوبي، والفرانك الجيبوتي، والناكفا الإريتريّة)، والتي جميعها في حال مُتردٍّ. وبالتّالي كان التأثير مضاعفًا على دول القرن الإفريقي ذات الاقتصاد الهشّ والتي تعاني من تلقاء نفسها من مُشكلات عديدة يأتي على رأسها التغيّرات المناخيّة خاصّةً الجفاف والفيضانات، فضلًا عن عدم الاستقرار الداخلي وصولًا إلى الاقتتال الأهلي والدخول في حلقة مُفرغة من الصّراعات.
إنّ الاعتماد الكبير من دول القرن الإفريقي على الواردات من روسيا وأوكرانيا (أكثر من 50% من إجمالي الاحتياجات) وارتفاع أسعار القمح في الأسواق العالميّة، يُثير مخاوف جدية بشأن قُدرة تلك الدول على تلبية احتياجاتها من القمح، ومِن ثَمَّ سهولة تعرُّضها لأزمات مفاقمة في انعدام الأمن الغذائي، وما يستتبعه من تأثير سلبي كبير على القطاعات الصحيّة وصولًا إلى حد المجاعة.
شكل يُوضّح صادرات القمح الأوكراني بالطّن لأقلّ البلدان نموًّا في العالم قبل وأثناء الحرب (إثيوبيا وجيبوتي ثالث ورابع القائمة)([14])
يوضّح الشّكل السّابق من تقرير مؤتمر الأُمم المتحدة للتجارة والتنمية بخصوص اتفاقية الحُبوب الموقّعة في يوليو 2022م، برعاية أُممية-تُركية([15]) تفاوتات حجم صادرات القمح الأوكراني بالطّن لأقل البلدان نموًّا في العالم في 2021م عنه في 2022م طوال الحرب وحتّى يوليو 2022م وقت التوقيع على الاتفاقية من أجل الحد من المخاطر الجسيمة على الأمن الغذائي العالمي؛ ومن أقلّ البلدان نموًّا بحسب التقرير إثيوبيا وجيبوتي من القرن الإفريقي؛ حيث كانت المُعدّلات هزيلة للغاية منذ بدء الحرب ممّا ساهم في دخولها في حلقة مُفرغة من أزمات الأمن الغذائي مع ما تُعانيه من أزمات أُخرى متعلقة بعدم الاستقرار والتغيرات المناخية والاقتتال الداخلي والنزاعات العابرة للحدود.
المحور الثّالث:
أوضاع الأمن الغذائي في دول القرن الإفريقي
يُسلّط هذا المحور الضّوء على تفاوتات أوضاع الأمن الغذائي في دول القرن الإفريقي قبل وفي ظل الحرب الروسيّة-الأُوكرانية؛ وذلك لبيان مدى التأثير الذي حلّ على تلك الدول جرّاء الحرب.
أولًا: أوضاع الأمن الغذائي في دول القرن الإفريقي قبل الحرب الروسيّة-الأُوكرانيّة
تُعد منطقة القرن الإفريقي واحدة من أهم المناطق الجيوستراتيجيّة على مستوى العالم لتحكُّمها في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر عن طريق مضيق باب المندب، ومُجاورته لمناطق إنتاج النّفط العربي. وطوال فترة 30 عامًا تقريبًا منذ 1970م وحتّى 2000م شهدت منطقة القرن الإفريقي 3 مجاعات على الأقل بسبب التغيّرات المناخيّة والمُعدلات المرتفعة وغير المُخطّط لها لنموّ السُّكان؛ الأمر الذي فاق قُدرتها وترتّب عليه عجز عن مواجهة تبعات الجفاف والأزمات الغذائية المُتكررة والمُتلاحقة.
الصُّومال على سبيل المثال عانى ما يقرب من 4 ملايين من مواطنيه نقصًا حادًّا في الغذاء وصل حدّ المجاعة في سبتمبر 2011م، مات على إثره آلاف نصفهم من الأطفال. وإثيوبيا بسبب نقص الأمطار والارتفاع العالمي في أسعار الغذاء؛ الأمر الذي فاقم من أزمة انعدام الأمن الغذائي. لذا، كان عام 2012م أحد أعوام الجفاف والمجاعات بالغة السُّوء في منطقة القرن الإفريقي، والتي أثّرت بشدة على نحو 12 مليون نسمة في البلدان الأربعة.
وهنا، لا يُمكن بحال تعليق أزمات انعدام الأمن الغذائي على الحرب الروسيّة-الأُوكرانية وحدها، فتلك الأزمة سابقة على الحرب، جنبًا إلى جنب مع أزمة التَّغيُّر المناخي وما تعكسه في واقع تلك البلدان، فضلًا عن الاقتتال الأهلي والصّراعات العابرة للحدود والتي تُدمّر البنى التحتية للبلدان الأربعة وتتسبّب في هروب رؤوس الأموال للخارج وإحجام الاستثمارات الأجنبية عن الدخول؛ وكذلك المعدلات المرتفعة للنمو السّكاني ووجود ركود كبير في التنمية الاقتصادية وتناقص مُستمر في المساحات المزروعة والمراعي الطبيعية، وكذلك ارتفاع درجات الحرارة، كل تلك العوامل أثّرت سلبًا على واقع البلدان الأربعة قبل الحرب الروسيّة-الأوكرانيّة وعلى إنتاجها الزراعي، ممّا أدّى لانخفاض مستوى المعيشة وارتفاع مُعدلات الفقر، وهو ما رتَّب في ذاته أزمةً إضافية هي انتشار الأمراض والأوبئة وانخفاض مُتوسِّط العُمر المُتوقع عند الميلاد بتلك البلدان.
وقد كان لتوجُّه حكومات دول القرن الإفريقي الأربعة مردودًا سلبيًّا كذلك بسبب إنفاقهم على الدفاع والأمن والتسليح بدلًا من التنمية الاقتصادية، ومحاولة جذب الاستثمارات الأجنبية وتحسين الخِدمات الاجتماعية الأساسية مثل التعليم والصحة، أو مُعالَجة أزمات النّزوح واللجوء المفاقمة، والتي هي بالغة الأثر ليس فقط في إصابة تلك البلدان بالهشاشة والتبعية، ولكن أيضًا في حساسيتها الشديدة تجاه الصّدمات والأزمات الخارجيّة؛ سواءٌ بسبب جائحة كورونا في عام 2020م أو الحرب الروسيّة الأوكرانية بعدها بعامين في 2022م.([16])
وعلى ذلك يُمكن القول بأنّ الأوضاع العامّة لبلدان القرن الإفريقي قبل الحرب الروسيّة-الأوكرانيّة كانت سيئة في مُجملها، وهو ما يفتح الباب أمام أمرين؛ الأمر الأول سهولة تأثرها بما يحدث خارجها سواءٌ إقليميًّا أو دوليًّا، والأمر الآخر استعدادها لمُضاعفة النتائج السلبيّة الآتية إليها من الخارج، فارتدادات الأزمات الخارجيّة عليها لن تكون حتى بذات القدر الذي ستعاني منه دول أُخرى متأثرة بصورة مُباشرة من الحرب الروسيّة-الأوكرانية.
ثانيًا: أوضاع الأمن الغذائي لدول القرن الإفريقي في ظل الحرب الروسيّة-الأُوكرانيّة
واجَه الأمن الغذائي في إفريقيا بصفة عامة أزمة حقيقيّة منذ اندلاع الحرب الروسيّة-الأُوكرانية في فبراير من العام الجاري 2022م، والقرن الإفريقي بصفة خاصّة، والذي لم يكُن قد تعافَى بعد من آثار جائحة كورونا. أتت الحرب الروسيّة-الأوكرانيّة لتتزامن مع موجة جفاف هي الأسوأ منذ ما يقرب من 40 عامًا، فضلًا عن فشل ثلاثة مواسم مُتتالية للأمطار ممّا أدّى لنزوح العديد من السكان بحثًا عن الطعام والماء الصّالحين للاستخدام البشري.
الآن، وفي ظل ارتفاع أسعار الغذاء عالميًّا والتأثير الشديد على سلاسل الإمداد الآتية لقارة إفريقيا والقرن الإفريقي على وجه الخصوص، بات الحصول على القمح الكافي للبلدان الأربعة صعبًا ونادرًا في الوقت نفسه، تبعًا لتأثر حركة التجارة في أوكرانيا بسبب العمليّة العسكريّة الروسيّة المستمرة للعام الثاني على التوالي، في وقت تستورد فيه بلدان القرن الإفريقي ما نسبته 60% إلى 80% من قمحها من أوكرانيا، وهو ما أوصل لتضاعف حدّة أزمات القرن الإفريقي وتنامي مشكلة الأمن الغذائي إلى حد انعدام الأمن الغذائي في قطاعات واسعة من البلدان الأربعة بالنظر لعامل نُدرة الحصول على الغذاء جنبًا إلى جنب مع ارتفاع الأسعار ووجود قلاقل وعدم استقرار في كل دولة منهم على حدة، إمّا بسبب الاقتتال الأهلي مثل إثيوبيا أو بسبب تأزم الموقف وتفتت مفهوم الدولة وارتفاع نسبة الفقر المُدقع بين المواطنين مثل الصّومال، أو بسبب التفاوت الهائل في حسابات الربح والخسارة بين جيبوتي وشُركائها الدوليين الذين تسمح لهم ببناء قواعد عسكريّة كاملة على أراضيها ولا تأخذ مقابل هذا القدر الهائل من خرق مفهوم السيادة إلا على نزر يسير للغاية لا يُلبِّي احتياجات مواطنيها من الغذاء ولا ينعكس إيجابًا على قطاع السّلع والخِدمات الذي بات يتراجع للخلف، وبالتالي عانت دول القرن الإفريقي من ارتفاع غير مسبوق في أسعار الخبز والغذاء، وبات الغذاء سببًا لتنامي الانقسامات الداخليّة بالنظر لصعوبة الحصول عليه بدلًا من أن يكون سببًا للتّعاون والاصطفاف الداخلي.
ولتحسين هذا الوضع المُتردّي والذي فاقمت منه الحرب الروسيّة-الأوكرانيّة، بدأت المحاولات الإغاثيّة لتدارك الأزمات الطّاحنة لبلدان القرن الإفريقي؛ الصّومال على سبيل المثال أتت في المركز الثاني بعد بوروندي على مؤشّر الفقر العالمي لعام 2022م([17])، وهو انعكاس واضح وصريح للحرب الروسيّة-الأوكرانيّة التي شلَّت حركتها وأعجزتها عن توفير قدر من الكفاف لمواطنيها.
وتُواجه الحملات الإغاثيّة العديد من التحديات؛ ففي الصّومال أيضًا اضطّرت لجنة الإغاثة الإسلاميّة لتقليل توزيع المواد الغذائيّة بما يقرب من الألف أُسرة بسبب الزيادة الحادّة في أسعار المواد الغذائيّة منذ اندلاع الحرب الروسيّة-الأوكرانيّة بنسبة 30%، ارتفع على إثرها كيس الأرز سعة 25كجم من 15 دولارًا إلى 22 دولارًا.([18])
أما إثيوبيا، فقد ترك الجفاف والاقتتال الأهلي أعدادًا عائلة من السُّكان في حاجة ماسّة لمُساعدات إنسانية في صورة مواد غذائية وصحية، واضطّر ما يزيد عن مليون ونصف من شرق البلاد إلى النزوح إلى العاصمة أديس أبابا؛ هربًا من الجفاف، ممّا أدى إلى إجهاد موارد المدينة التي هي محدودة في الأساس، والآن وبعد دخول الحرب الروسيّة-الأُوكرانيّة عامها الثاني؛ زاد مُعدّل الفقر المُدقَع والجوع بين المواطنين إلى أن بلغ مُعدّل التضخُّم في إثيوبيا 35% بعد أن كان 25% عام 2021م([19])، وهو ما أدّى بدوره لارتفاع غير مسبوق في أسعار السّلع الغذائيّة؛ وبخاصّة الخبز الذي دفع بعض أصحاب المخابز لإغلاقها.
ولعلّ التأثير المُباشر للنقص الحاد الناجم عن إغلاق الموانئ الأوكرانية تم الحد من آثاره نسبيًّا عن طريق استبدال مصادر واردات الحبوب بمُنتِجين آخرين من الجنوب مثل الأرجنتين وأُستراليا والهند والبرازيل، ومع ذلك كانت آثار اضطراب سلاسل الإمداد والتوريد الزراعية بعيدة المدى.
المحور الرابع:
انعكاسات أزمة الأمن الغذائي على القرن الإفريقي
يُسلّط هذا المحور الضّوء على مختلف الانعكاسات الاقتصاديّة والسياسيّة الناجمة عن أزمة الأمن الغذائي على منطقة القرن الإفريقي، وتفاوتات تلك الانعكاسات على كل دولة على حدة.
أولًا: انعكاسات اقتصاديّة طالت منطقة القرن الإفريقي جرّاء الحرب الروسيّة-الأُوكرانيّة
أدّت الحرب الروسيّة-الأُوكرانية إلى آثار تُنذر بالخطر في منطقة لا تزال تُعاني من الآثار السلبية لجائحة كورونا؛ حيث لم تتعافَ بعدُ من تلك الجائحة حتى ألحقت الحرب الروسيّة-الأوكرانية ضررًا جسيمًا باقتصادها بسبب التبعية الاقتصاديَّة والهشاشة والحساسية الشديدة لمختلف ما يجري في الخارج على كافّة ما يجري بالداخل في البلدان الأربعة على حد سواء.
يُضاف إلى ذلك الحروب الأهليّة والنزاعات الحدودية التي تُعاني منها تلك البلدان، فضلًا عن الكوارث الطبيعيّة وتأثير التغيّرات المناخيّة مثل الجفاف والفيضانات وتذبذب مستويات الأمطار مع ضعف إمكانيات مواجهتها والاستجابة البنّاءة لكل تلك الأزمات المتتابعة والموصولة في الوقت نفسه بحيث شملت وغطّت كافّة مفاصل الدول الأربعة.
فبحسب تقديرات برلمان الاتحاد الأوروبي؛ فإنّ روسيا وأوكرانيا تُوفِّران مُجتمعتين أكثر من 50% من واردات الحبوب في شمال إفريقيا والشّرق الأوسط، بينما تستورد دول شرق إفريقيا (ومنها دول القرن الإفريقي بطبيعة الحال) ما نسبته 72% من حبوبها من روسيا و18% من حبوبها من أوكرانيا، وتُوفِّر روسيا وأوكرانيا 90% من القمح المُستورد للمنطقة، ويُمثِّل القمح الكامل ومنتجات القمح ثُلُث متوسّط استهلاك الحُبوب في إقليم شرق إفريقيا مع أعلى مُعدَّل استهلاك للفرد في جيبوتي وإريتريا والسّودان، ويتم تلبية 84% من الطّلب على القمح بهكذا طريقة.
ففي العامين الماضيين ارتفعت أسعار المواد الغذائيّة تدريجيًّا بسبب الاضطّرابات الناجمة عن جائحة كورونا، وفاقمت الحرب الروسيّة-الأوكرانية من حدّة هذه الأزمة، وتسببت في ارتفاعات مُضاعفة في أسعار المواد الغذائية، ولأجل موازنة هذا الخلل الكبير والتأثيرات بالغة السوء على البلدان النامية عمومًا وعلى إفريقيا والقرن الإفريقي منه على وجه التحديد، ظهرت مُبادرة مثل حبوب البحر الأسود التي أطلقها مؤتمر الأُمم المُتحدة للتجارة والتنمية "أونكتاد UNCTAD"، وذلك في أعقاب تنامي أزمة الغذاء في القرن الإفريقي وإفريقيا بصفة عامة. ففي عام 2021م أثّر الجوع على 278 مليون شخص في إفريقيا بنسبة أكثر من 20% من السُّكان، وبهذا اعتُبرت إفريقيا هي القارة الأعلى التي يصل فيها مُعدل انتشار الجوع لهذا المستوى غير المسبوق في العالم.([20])
وبسبب كون القرن الإفريقي شبه جزيرة كبيرة ومنطقة جيوسياسيّة مهمّة في شرق القارة الإفريقية، فقد عانى كثيرًا في المواسم الأربعة الماضية بسبب الجفاف الشّديد وعدم انتظام حركة هطول الأمطار، وتتوقّع المنظمة العالميّة للأرصاد الجويّة فشل موسم الأمطار الخامس على التوالي بسبب موجة جفاف أعلى من المتوسط في الربع الأخير من عام 2022م؛ الأمر الذي سيُفاقم -لا محالة- من الأزمة على ملايين الأشخاص. وبحسب برنامج الأغذية العالمي فإنّ 22 مليون شخص مُعرّضون لخطر المجاعة في المنطقة، مما أدَّى لزيادة الاحتياجات السنويّة لبرنامج الأغذية العالمي في المنطقة من 4,3 مليار دولار إلى 6 مليارات دولار أمريكي.
الصّومال على قمّة المتأثّرين في القرن الإفريقي
تُعد الصُّومال أكثر بلدان القرن الإفريقي تضرُّرًا من استمرار الحرب الروسيّة-الأوكرانية، وذلك لوجود عوامل أُخرى مؤجِّجة لعدم الاستقرار وتنامي مخاطر الاقتتال الأهلي، بالإضافة لمعاناتها من واحدة من أسوأ موجات الجفاف منذ عقودٍ، فضلًا عن أسعار الغذاء وارتفاعاتها غير المسبوقة بسبب الحرب ممّا يدفع الصّومال نحو خطر المجاعة. ووفقًا لشبكة أنظمة الإنذار المُبكّر؛ تزداد فرص انتشار المجاعات، حتّى إنها تتوقّع ظهورها (المرحلة الخامسة من التصنيف الدولي) في ثلاث مناطق في جنوب الصّومال بين أبريل-يونيو من العام الجاري، 2023مم.
وتأكيدًا على ذلك، صنّفت منظمة الصحة العالمية الجفاف في القرن الإفريقي باعتباره "طوارئ صحية من الدرجة الثالثة، وهو أعلى تصنيف للأزمات في الوكالة الأُممية بشكل عام"، وفي الربع الأخير من عام 2022م تم استصدار بيان مُشترك لوكالات أممية ومنظمات غير حكوميّة معنيّة في منتصف نوفمبر من العام نفسه، دعوا فيه لاتخاذ إجراءات فوريّة لمنع المجاعة في القرن الإفريقي، ووصف البيان حينئذ ما يحدث بأنه "كارثة إنسانية".
وفي تقرير النّقاط الساخنة للجوع([21]) والصّادر في سبتمبر 2022م حذّر برنامج الأغذية العالمي ومنظّمة الأغذية والزراعة "فاو" من أن انعدام الأمن الغذائي الحاد من المرجّح أن يتدهور أكثر في 19 دولة تُسمّى "مناطق الجوع" الساخنة خلال الفترة من أُكتوبر 2022م، وحتّى يناير 2023م، وتم تحديد ستّة بلدان على أنها في أعلى مستويات الاهتمام نظرًا لصعوبة وضعها، ومن بينها: إثيوبيا والصّومال ودول القرن الإفريقي. لأجل ذلك يُقدّر عدد الأشخاص المحتاجين إلى مُساعدة غذائية في شرق إفريقيا نحو 70% ممّا كان عليه خلال أزمة الغذاء السّابقة في عامي 2016 و2017م، وذلك بعدما أدّى تأخر المجتمع الدولي عن التدخّل وإنقاذ الموقف إلى وفاة أكثر من 260 ألف شخص في الصّومال وحدها بسبب المجاعة.([22])
ثانيًا: انعكاسات سياسيّة
بالنّظر لحجم تداعيات الحرب الروسيّة-الأوكرانيّة وأصدائها المتناثرة في مختلف المناحي؛ فهناك أيضًا انعكاسات سياسيّة وجدت ضالتها في منطقة القرن الإفريقي؛ نستدعي منها حالة دالّة هي السُّلوك التصويتي الإريتري تجاه مشروعات القرارات الأُمميّة ذات الصّلة بوقف الحرب.
السُّلوك التصويتي لإريتريا لصالح روسيا في الحرب الجارية أُنموذجًا
في بداية الحرب الروسيّة-الأوكرانيّة، ووسط حالة من التنديد والشّجب الدَّوليَّين ضد "العمليّة العسكريّة" الروسيّة في أوكرانيا في أيّامها الأُولى، عارضت إريتريا مشروع قرار أُممي يُطالب روسيا بوقف الحرب فورًا في أوكرانيا وسحب قواتها العسكريّة خلال جلسة طارئة عُقدت في مقر الجمعيّة العامة للأُمم المتحدة. صوّت لمصلحة القرار 141 دولة بأغلبيّة الثّلثين، وهي أغلبيّة ساحقة، وفاجئت إريتريا الجميع بأنها ضمن خمس دول فقط على مُستوى العالم رفضت إدانة روسيا وعارضت مشروع القرار لتكون الدولة الإفريقيّة الوحيدة التي تتخذ موقفًا مُثيرًا للدهشة بجانب كل من روسيا وبيلا روسيا وكوريا الشّمالية وسوريا.
وببحث أسباب الموقف الإريتري، سيكون من الواضح أنّ روسيا والصين حليفتان استراتيجيتان لإريتريا لا تُريد بحالٍ أن تتأثّر علاقتها معهما مهما جلب لها موقفها حرجًا دوليًّا؛ مُفضِّلةً هذا الحرج عن الانجرار بعيدًا عن الحماية الروسيّة-الصينيّة من العقوبات التي فُرضت في العقود السّابقة على إريتريا، فهُما يمثّلان لها غِطاءً دوليًّا كبيرًا على انتهاكاتها الواسعة في حرب تيجراي ودخولها كطرف مُباشر في مُعادلة خارج أراضيها، بل واعترافها علانيةً بأنها قد أوفدت قوات إريتريّة إلى الداخل الإثيوبي، وبالتحديد في إقليم تيجراي من أجل مُلاحقة بعض المتورّطين في أعمال عنف وقتل، على حدّ قولها.
وبالتالي انعكست الحرب الروسيّة-الأُوكرانيّة سلبًا على دولة تدفع ثمنًا غاليًا في ضريبة الجوع ونسبة الفقر وصولًا إلى مستوى الفقر المُدقع مثل إريتريا في منطقة القرن الإفريقي، غاضّةً الطّرف عن أزماتها الداخليّة في نظير الحفاظ على تحالفها مع الصين وروسيا، حتّى إنّ سفير إريتريا في موسكو صرّح في وقت سابق لوكالة سبوتنك الروسيّة أن بلاده ترحب بإنشاء روسيا مركز لوجستيّ على أراضيها.([23]) وذلك كردّة فعل على رفض الجهات المعنيّة المساعي الروسيّة الحثيثة من أجل بناء قاعدة عسكريّة في جيبوتي، جنبًا إلى جنب مع القواعد السّت التي تحتضنها جيبوتي؛ وهو مسعًى خطير بالنظر لاحتماليّة أن يُرتّب تصعيدًا في أيّ وقتٍ بين كل من روسيا والولايات المتحدة أو أيّ قوى أخرى مُتنافسة حجزت لنفسها موقعًا في جيبوتي.
ولعلّ ما يزيد من دافعيّة إريتريا للاحتماء في روسيا هو أنّ روسيا تُمثّل 49% من واردات الأسلحة إلى إفريقيا بحسب تقرير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السّلام (SIPRI)(([24]، وهو ما يضعها على رأس أولويات الحكومة الإريتريّة التي تعتمد بصورة شبه كُلية على السّلاح الروسي داخليًّا وحتى في مُغامراتها الخارجيّة، خاصّةً مع عزمها على مُواصلة مُغامراتها الخارجيّة في دول الجوار بحسب معهد الأبحاث الإريتري السياسي والاستراتيجي ERIPS([25]).
وبالتالي، تُثبت الإدارة الإريتريّة بقيادة الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، صاحب أطول حكومة مؤقتة في التاريخ، منذ انفصال إريتريا عن إثيوبيا مطلع التسعينيات؛ أنّ شبكة مصالحها مع روسيا تمنعها من تقديم أولويّة ملف الأمن الغذائي على ملف الأمن الداخلي والإقليمي، لذا لا يُتوقّع أن تُغيِّر إريتريا سياستها في ذاك الإطار مهما رتّبت الحرب الروسيّة-الأُوكرانيّة من انعكاسات بالغة السُّوء والخطر في آنٍ واحد على أمنها الغذائي.
خاتمة الدراسة:
تسرد الخاتمة أبرز نتائج الدراسة التي توصل إليها الباحثان، بالإضافة لذكر رؤية من أجل وضع حدّ للأوضاع المأزومة بالقرن الإفريقي فيما يتعلّق بملف الأمن الغذائي وما يرتبط به من ملفّات أُخرى حيويّة.
أولًا: نتائج الدراسة
خَلُصَت الدراسة إلى عدة نتائج على نحو ما يلي:
1- للحرب الروسيّة-الأُوكرانيّة انعكاسات كبيرة على إفريقيا بشكل عام، وعلى القرن الإفريقي بشكل خاص، بعضها مُباشر مثل التأثير السّلبي على سلاسل الإمداد الغذائيّة للقارة، وبعضها الآخر غير مُباشر مثل تأجيج الأوضاع الداخلية وتنامي أزمة انعدام الأمن الغذائي، فضلًا عن تفاقم أزمات النزوح واللُّجوء بسبب انشغال العالم بالحرب وغضّ الطّرف عن قضايا أُخرى مُشتعلة ومنها ما جرى في إقليم تيجراي بإثيوبيا على سبيل المثال.
2- انعكاسات تلك الحرب على إفريقيا والقرن الإفريقي ليست سياسيّة بصورة مُباشرة، ولكنّها انعكاسات اقتصاديّة في الأساس، تؤدّي بدَوْرها إلى انعكاسات سياسيّة على الأرض في صورة عدم استقرار وقلاقل وعدم سيطرة من حكومات الدول الأربع على الأوضاع الداخليّة.
3- انعكاسات الحرب الروسيّة-الأُوكرانيّة على بلدان القرن الإفريقي، ومنها أزمة انعدام الأمن الغذائي، مُتفاوتة من بلدٍ لآخر بحسب حجم تجارتها مع كُلٍّ من روسيا وأُوكرانيا؛ حيث تأتي الصُّومال في المرتبة الأُولى من حيث التأثر السّلبي، تليها إثيوبيا بسبب اعتمادهما شبه الكامل على الحبوب الأوكرانية، جنبًا إلى جنب مع تعرّضهما لموجات جفاف غير مسبوقة.
4- تُمثّل أزمة انعدام الأمن الغذائي في بلدان القرن الإفريقي واحدة من أهم انعكاسات الحرب الروسيّة-الأُوكرانيّة على تلك البلدان، والتي بدَوْرها تنعكس على حالتي الاستقرار والأمن الإنساني في كل دولة على حدة، حتى إنها توصّل بالضّرورة لفهم أبعاد السُّلوك التصويتي لأيّ من بلدان القرن الإفريقي الأربعة، خاصّةً إريتريا، تجاه أيٍّ من القرارات المتعلقة بالحرب الروسيّة-الأُوكرانيّة بسبب دائرة المصالح الاقتصادية وفكرة الاعتماديّة والهشاشة التي تجعل دول القرن الإفريقي هي الحلقة الأضعف في المُعادلة برُمّتها.
5- مثّلت أزمة الجفاف التي ضربت القرن الإفريقي عاملًا رئيسًا على زيادة حدّة الأمن الغذائي في المنطقة، جنبًا إلى جنبًا مع انعكاسات الحرب الروسيّة-الأُوكرانيّة وتأثر سلاسل الإمداد، ولأجل ذلك نادى "برنامج الغذاء العالمي World Food Programme- WFP" بضرورة التكاتف في سبيل تقديم أقصى الدعم الممكن لدول القرن الإفريقي في سبيل الحدّ من المأساة الإنسانية التي تُعاني منها المنطقة، والتي تُهدّد نحو 13 مليون إنسان في منطقة القرن الإفريقي وحدها.([26])
6- تضافرت أسباب مُتباينة فاقمت من أزمة انعدام الأمن الغذائي في القرن الإفريقي، ففي إثيوبيا على سبيل المثال كانت الحرب الأهلية الممتدة منذ عامين وأكثر في إقليم تيجراي إحدى أهم أسباب تفاقم الأزمة، فضلًا عن الجفاف الذي ضرب البلاد، وكذلك استمرار الحرب الروسيّة-الأُوكرانية، وعدم استطاعة إثيوبيا ودول القرن الإفريقي النجاح في موسم الزراعة لأكثر من ثلاثة أعوام على التوالي؛ بسبب تذبذب وتيرة الأمطار بسبب التغيرات المناخية جنبًا إلى جنب مع انعكاسات الحرب الروسيّة-الأوكرانية وارتفاع مُؤشّر الجوع.
7- تشهد منطقة القرن الإفريقي حاليًا واحدة من أسوأ فتراتها طيلة العقود الماضية، بسبب تضافر تبعات التغيّر المناخي (فيضانات وتذبذب في وتيرة الأمطار، وفشل متلاحق للمواسم الزراعيّة) مع الحرب الروسيّة-الأوكرانية التي ضربت أمنها الغذائي؛ لذا لا يمكن إبقاء آلية الإنذار المُبكّر القارّي (التابعة للاتحاد الإفريقي) والإقليمي (التابعة للهيئة الحكوميّة الدوليّة المعنيّة بالتنميّة- إيجاد) بمعزل عن تلك المُتغيّرات؛ لكيلا تزداد حدة الأوضاع المأزومة حاليًا وتُنذر بكارثة قريبة قد تتسبّب في وفاة ما يزيد عن مليون مواطن على الأقل.
8- على الرغم من تردّي الأوضاع بين دول القرن الإفريقي إلا أنّه لا يوجد ثمّة تنسيق فيما بينها في ملفّات حيوية مثل الحصول على الغذاء وإمكانية التحرُّك ككُتلة من أجل تعويض الفاقد بسبب الحرب الروسيّة-الأوكرانية، وذلك على الرغم من لعب تلك الدول لأدوار غاية في الحساسية والتعقيد في موازين القوى العالمية من خلال القواعد العسكريّة الستّة كما في جيبوتي أو من خلال سد النّهضة الإثيوبي والعلاقة التاريخيّة لإثيوبيا بإسرائيل، وكذلك علاقة إريتريا كأداة حديديّة في المنطقة تستطيع من خلالها دول مختلفة أن تتدخّل في الكثير من الشؤون الداخلية المجاورة، وأخيرًا الصّومال كحالة دالّة على نموذج تفتيت مفهوم الدولة؛ والتي هي أقرب إلى فوّهة بُركان خامل، يمكن أن ينفجر في أيّ لحظة.
9- تقوم كيانات دوليّة مثل برنامج الغذاء العالمي التابع للأُمم المُتحدة بتقديم دعم لوجيستي لمنطقة القرن الإفريقي؛ إلا إنه لا يزال غير كافٍ بالنظر لحجم التحديات الكبيرة على الأرض، وهنا تطرح الدراسة تساؤلًا مفاده: أين فعالية الاتحاد الإفريقي وأجهزته المعنيّة، فضلًا عن التجمّعات الاقتصاديّة الإقليميّة الفرعيّة ممّا يجري في منطقة القرن الإفريقي؟
10- يضع تقرير مؤتمر الأُمم المتحدة للتجارة والتنمية الصّادر في أُكتوبر 2022م، كلاً من إثيوبيا وجيبوتي ضمن البلدان الأقل نموًّا في العالم، ومن بين أكثر البلدان في العالم تضرُّرًا من تأثر سلاسل إمداد القمح الآتية من أوكرانيا، ممّا يعني أن درجة تفاقم أزمة الأمن الغذائي (Food Security) وصولًا إلى حدّها الأقصى بانعدام الأمن الغذائي (Food Insecurity) قد باتت أمرًا واقعًا وليس فقط أمرًا وشيكًا من الممكن تحققه.
11- أثبتت الدراسة أنّ العولمة وانخراطها في القضايا الدوليّة، ومنها توازنات القوى الكُبرى وسياسة بناء القواعد العسكريّة في جيبوتي لم تكُن في صالح جيبوتي ولا دول القرن الإفريقي؛ بل إنّها كبّلت جيبوتي وجعلتها على فوّهة بُركان من الممكن أن ينفجر في أيّ لحظة.
12- انعكاسات الحرب الروسيّة-الأوكرانيّة تخطّت حاجز الأمن الغذائي إلى السّلوك التصويتي للدول الإفريقيّة([27])، ومن بينها إريتريا في وقوفها في مارس 2022م، ضد إدانة روسيا أُمميًّا.
13- الإقليميّة الجديدة وحتمية تكاتف دول القرن الإفريقي معًا هو السّبيل للنّجاة من الأزمات الطّاحنة التي تمر بها تلك البلدان، وهو البديل الأكثر فعالية عن الانعزال والفردانيّة.
ثانيًا: رؤية مُستقبليّة للباحثَين للنّهوض بملف الأمن الغذائي في القرن الإفريقي
من أجل تفويت الفرصة على تلك الانعكاسات الخطيرة التي جلبتها الحرب الروسيّة-الأوكرانية، وساهمت بسببها في تأجيج الأوضاع الداخليّة في دول القرن الإفريقي، يمكن لتلك الدول أن تسير على النّحو التالي:
1- ضرورة فتح قنوات تواصل مع الصين (الشّريك التجاري الدولي الأول لإفريقيا وليس فقط دول القرن الإفريقي)، وبخاصّة شريكها المُفضّل في القرن الإفريقي، إثيوبيا، من أجل لعب دور أكثر فعالية في عدم تأثير الحرب الروسيّة-الأوكرانية على سلاسل الإمداد الآتية للقرن الإفريقي بالنظر لعلاقتها الوثيقة بروسيا، وقدرتها على التأثير وتوفير نصيب أوفر من القدر الهزيل الذي حصلت عليه منطقة القرن الإفريقي من خلال اتفاقية الحبوب الموقّعة في يوليو 2022م، والتي تم تجديد سريانها في منتصف نوفمبر من العام نفسه. وذلك عبر آليات عديدة من بينها اللّعب بورقة القاعدة العسكريّة الدفاعيّة التي أنشأتها في جيبوتي، والتي تستهدف من خلالها تأمين مصالحها الاقتصاديّة الهائلة في إفريقيا، وبخاصّة فيما يخص النّفط وحماية الرعايا الصينيين والشركات الصينية المنتشرة في إفريقيا، والتي تخطّت حاجز العشرة آلاف شركة.
2- أهميّة توفير برامج حماية اجتماعية هادفة ومُستدامة لحماية الأُسر الضعيفة في تلك البلدان النامية؛ وذلك لكونهم الحلقة الأضعف والقطاع الأوسع من حيث التعداد بين كافّة التقسيمات السُّكانية، لكون إفريقيا قارة فتيّة يحتل شبّانها وصغارها النسبة الأكبر من بين جميع السُّكان في مختلف الأقاليم الخمسة الفرعيّة.
3- أهميّة توفير التمويل اللازم لتلك البلدان المستوردة الصافية للغذاء، والتي تُواجِه تحدِّيات مُلحّة تتعلّق بالخلل الجسيم في موازين المدفوعات، وتنامي أزمات الغذاء، ودعم حلول عاجلة متعددة الأطراف من شأنها تحجيم الخسائر التي تتعرّض لها بلدان القرن الإفريقي.
4- أهميّة تسهيل الإمداد الآمِن والمُستقِر للسّلع الغذائيّة الأساسيّة في البلدان الأربعة، ومقاومة قيود التصدير غير المُبرَّرة وغير الضروريّة، وإتاحة الاحتياطيات للبلدان المُعرَّضة لخطر الجوع والمجاعة، وعلى رأسها الصُّومال.
5- أهميّة تبسيط الإجراءات الجُمركيّة واللّوائح المُتعلّقة بالتّجارة، ممّا يساعد تلك البلدان المأزومة في تعويض الأسعار المُرتفعة بشكل جُزئي، ولو من خلال مُشاركة التجارب الناجحة في الأسواق البديلة للدول النامية المُصدّرة مثل الهند والبرازيل والأرجنتين.
6- أهميّة تعزيز الإنتاج الغذائي المحلّي في البلدان الأقل نموًّا المُستورِدة الصافية للغذاء وعلى رأسها بلدان القرن الإفريقي الأربعة، ممّا سيعمل على تقليل الاعتماد الشّديد على الواردات الغذائيّة، ويمكن تحقيق ذلك من خلال الدعم المالي المُوجّه والتعاون الفنّي بين الوزارات المعنيّة بكل بلد على حدة من البلدان الأربعة من أجل زيادة وتنويع الإنتاج الزراعي.
7- أهميّة أن تُساعد إعادة دمج الأغذية الأوكرانيّة والأسمدة الروسيّة في الأسواق العالميّة على زيادة توافر الغذاء والقدرة على تحمُّل تكاليفه في جميع أنحاء العالم، ويمكن تحقيق ذلك من خلال دعم جميع الأطراف المعنيّة للاتفاقيات الموقّعة بخصوص اتفاقية الحُبوب في إسطنبول من العام الماضي 2022م، وتشمل: مُذكّرة التفاهم بين الأُمم المُتحدة وروسيا بشأن تصدير الأغذية والأسمدة إلى الأسواق العالميّة. وكذلك مُبادرة حُبوب البحر الأسود "اتفاقية الحبوب The grain agreement" التي وقّعتها روسيا وأوكرانيا بوساطة أُممية-تُركية لاستئناف تصدير الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود أثناء الحرب الجارية في مقابل حصول روسيا على بعض الامتيازات بخصوص صادراتها من الأسمدة، وغيرها.
المراجع:
أولًا: مراجع باللُّغة العربيّة
د. محمود زكريّا، "القواعد العسكريّة في جيبوتي: الواقع والأسباب"، (مركز فاروس للاستشارات والدراسات الاستراتيجيّة: 28 أُكتوبر 2020م).
د. هويدا عبد العظيم، "القرن الافريقي ومحاولات الإغاثة"، (قِراءات افريقية: عدد ١٧سبتمبر ٢٠١٣م).
عمّار ياسين، "مخاطر العسكرة: هل يتمدّد الصّراع الروسي-الغربي إلى الفضاء الخارجي؟"، (المُستقبل للأبحاث والدراسات المُتقدمة: 7 ديسمبر 2022م).
مُنظّمة الأغذية والزراعة للأُمم المُتحدة (فاو)، "حالة الأمن الغذائي والتغذية في عام 2022م: الفصل الثاني: الأمن الغذائي والتغذية في العالم" (فاو: أُكتوبر 2022م).
مُنظّمة الإغاثة الإسلاميّة عبر العالم، "الأزمة الأوكرانيّة تُنذر بالجوع في القرن الإفريقي" (منظّمة الإغاثة الإسلاميّة عبر العالم: 1 أُكتوبر 2022م).
وكالة سبوتنك، "سفير إريتريا في موسكو: لا نُعارض بناء مركز لوجسيتي روسي في بلادنا، (وكالة سبوتنك الروسيّة: 10 فبراير 2021م).
ثانيًا: مراجع باللُّغة الإنجليزيّة
Bernadette Mukonyora, "The Context of Eritrea", (IFAD).
Center for Disaster Philanthropy, "Horn of Africa Hunger Crisis" (CDP: last update December 14, 2022م).
ERIPS, "Eritrea Seeks to Evade Sanctions Through Russia, China Alliances", (Eritrean Research Institute for Policy and Strategy- ERIPS: February 22, 2022م).
Global Hunger Index scores by 2022م GHI rank.
Hunger Hotspots Report, 2022م.
IFAD, "The Context of Djibouti", (IFAD).
Mawira Chitima, "The Context of Ethiopia", ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ.
Omar Ebrima Njie, "The Context of Somalia", (International Fund for Agriculture Development- IFAD).
Pieter D. Wezeman, Alexandra Kuimova and Siemon T. Wezeman, "Trends in International Arms Transfer, 2020", (SIPRI Fact Sheet: March 2021م).
Sergio Beraldo, "What Game-Theoritic Analysis tells us about the Possibility that the Actual Conflict will escalate", (The Institute for Research in Economic and Fiscal Issues- IREF: March 9, 2022م).
The Daily Star, "Russia had ‘no choice’ against ‘constant threat’ from Ukraine: Putin", (The Daily Star: Feb 24, 2022م).
The Fund for Peace, "Fragile States Index 2022م - Annual Report".
Trade map, "The Horn of Africa Countries".
UN, "Black Sea Grain Initiative Factsheet Final", (UN: September 12, 2022م).
UNCTAD, "A trade hope: The role of black sea grain initiative in bringing Ukrainian grain to the world" (UNCTAD: October 20, 2022م)
UNCTAD, "The Black Sea Grain Initiative: What it is, and why it’s important for the world", (UNCTAD: September 23, 2022م).
WFP, "13 million people facing severe hunger as drought grips the Horn of Africa", (World Food Programme: February 8, 2022م).
World Bank, "Ethiopia Data".
مُلحق:
نَصّ اتفاقيّة الحُبوب بين روسيا وأوكرانيا برعاية أُمميّة-تُركيّة (يوليو 2022م)
تُسلّط الدراسة الضّوء من خلال هذا المُلحق على نَص اتفاقيّة الحُبوب بين روسيا وأُوكرانيا([28])، والتي جرت بوساطة أُمميّة-تُركيّة على مرحلتين؛ الأولى في يوليو 2022م، والأخرى في مُنتصف نوفمبر من العام نفسه، وذلك بسبب الآثار غير المسبوقة التي رتّبتها الحرب الروسيّة-الأُوكرانيّة على ملف الأمن الغذائي في بِقاع عديدة حول العالم؛ الأمر الذي استدعى تدخّلاً جادًّا من المجتمع الدولي مُمثّلًا في الأُمم المُتحدة والدور التّركي الذي استغل حُسْن علاقته بكلٍّ من روسيا وأُوكرانيا، من أجل وضع حد، ولو نسبي، لتلك الأزمة.
وهنا نُلاحظ أن نصيب القرن الإفريقي -ممثّلاً في جيبوتي والصُّومال- هزيل للغاية؛ يشتركان مع لُبنان واليمن في 1% فقط من أنصبة القمح؛ على الرغم من تأزم الوضع بتلك البلدان، وهو ما يُظهر فكرة التهميش وعدم الاعتداد ولا التفكير في أوضاع إفريقيا بصفة عامّة والقرن الإفريقي بصفة خاصّة؛ رغم ما فيه من أوضاع إنسانية بالغة السُّوء.
كما يظهر في الفقرة الأخيرة من إعلان الاتفاقية الرسمي أنه لولا جهود "برنامج الأغذية العالمي" لما كان لجيبوتي ولا القرن الإفريقي نصيب من الأساس في أنصبة تلك الاتفاقية، ولأجل ذلك تم تخصيص قدر مُعيَّن تحت بند "جهود الدعم والإغاثة الإنسانية" للمناطق الأكثر احتياجًا؛ وهو جهد مشكور ومُقدَّر من برنامج الأغذية العالمي، ولكنه غير كافٍ، وكان يتحتّم على المجتمع الدولي الإفريقي والعالمي أن يتحيّن الفُرصة ويُطالب بنصيب أوفَر في تلك الاتفاقية؛ بسبب الأوضاع الداخلية المُضطربة التي باتت كل دول القرن الإفريقي تُعاني منها بنِسَب متفاوتة، يأتي على رأسها الصُّومال بطبيعة الحال، ثم جيبوتي وإثيوبيا وإريتريا.
[1] -Sergio Beraldo, "What Game-Theoritic Analysis tells us about the Possibility that the Actual Conflict will Escalate", (The Institute for Research in Economic and Fiscal Issues- IREF: March 9, 2022). Available at: https://en.irefeurope.org/publications/online-articles/article/what-game-theoretic-analysis-tells-us-about-the-possibility-that-the-actual-conflict-will-escalate/
[2] - The Daily Star, "Russia had ‘no choice’ against ‘constant threat’ from Ukraine: Putin", (The Daily Star: Feb 24, 2022) Available at: https://www.thedailystar.net/news/world/news/russia-had-no-choice-against-constant-threat-ukraine-putin-2969481
[3]- عمّار ياسين، "مخاطر العسكرة: هل يتمدّد الصّراع الروسي-الغربي إلى الفضاء الخارجي؟"، (المُستقبل للأبحاث والدراسات المُتقدمة: 7 ديسمبر 2022م):
[4]- The Fund for Peace, "Fragile States Index 2022 - Annual Report", p .7, (FFD: July 13, 2022). Available at: https://fragilestatesindex.org/2022/07/13/fragile-states-index-2022-annual-report/
[5] -Omar Ebrima Njie, "The Context of Somalia", (International Fund for Agriculture Development- IFAD). Available at: https://www.ifad.org/ar/web/operations/w/country/somalia
[6] -Bernadette Mukonyora, "The Context of Eritrea", (IFAD). Available at:
[7] - World Bank, "Ethiopia Data". Available at: https://data.albankaldawli.org/country/ethiopia?view=chart
[8]- Mawira Chitima, "The Context of Ethiopia", (IFAD). Available at: https://www.ifad.org/en/web/operations/w/country/ethiopia
[9]- د. محمود زكريّا، "القواعد العسكريّة في جيبوتي: الواقع والأسباب"، (مركز فاروس للاستشارات والدراسات الاستراتيجيّة: 28 أُكتوبر 2020). مُتاح على الرابط التالي: https://pharostudies.com/?p=5636
[10]- IFAD, "The Context of Djibouti", (IFAD). Available at: https://www.ifad.org/en/web/operations/w/country/djibouti
[11] -Trade map, "The Horn of Africa Countries: Somalia, Ethiopia, Eritrea and Djibouti".
[12]- مُنظّمة الأغذية والزراعة للأُمم المُتحدة (فاو)، "حالة الأمن الغذائي والتغذية في عام 2022م: الفصل الثاني: الأمن الغذائي والتغذية في العالم". مُتاح على الرابط التالي:
https://www.fao.org/3/cc0639ar/online/sofi-2022/food-security-nutrition-indicators.html
[13] -UNCTAD, "A trade hope: The role of black sea grain initiative in bringing Ukrainian grain to the world" (UNCTAD: October 20, 2022) p. 10. Available at: https://unctad.org/a-double-burden
[14] -Idem, P. 9.
[15]- UNCTAD, "The Black Sea Grain Initiative: What it is, and why it’s important for the world", (UNCTAD: September 23, 2022). Available at: https://unctad.org/news/black-sea-grain-initiative-what-it-and-why-its-important-world
[16] - د. هويدا عبد العظيم، "القرن الإفريقي ومحاولات الإغاثة"، (قِراءات إفريقية: عدد ١٧سبتمبر ٢٠١٣م).
[17] -Global Hunger Index scores by 2022 GHI rank at: https://www.globalhungerindex.org/ranking.html
[18]- الإغاثة الإسلاميّة عبر العالم، "الأزمة الأوكرانيّة تُنذر بالجوع في القرن الإفريقي", (الإغاثة الإسلاميّة عبر العالم: 1 أُكتوبر 2022) مُتاح على الرابط التالي: https://www.islamic-relief.me/الأزمة-الأوكرانية-تنذر-بانتشار-الجوع/
[19] -The World Bank, "Ethiopia". Available at: https://data.albankaldawli.org/country/ethiopia?view=chart
-[20] مُنظّمة الأغذية والزراعة للأُمم المُتحدة (فاو)، "حالة الأمن الغذائي والتغذية..." مصدر أُشير إليه سابقًا.
[21] -Hunger Hotspots Report, September 2022.
[22] -Center for Disaster Philanthropy, "Horn of Africa Hunger Crisis" (CDP: last update December 14, 2022). Available at: https://disasterphilanthropy.org/disasters/horn-of-africa-hunger-crisis/
-[23] وكالة سبوتنك، "سفير إريتريا في موسكو: لا نُعارض بناء مركز لوجسيتي روسي في بلادنا، (وكالة سبوتنك الروسيّة: 10 فبراير 2021). مُتاح على الرابط التالي:
[24] -Pieter D. Wezeman, Alexandra Kuimova and Siemon T. Wezeman, "TRENDS IN INTERNATIONAL ARMS TRANSFERS, 2020", (SIPRI Fact Sheet: March 2021). Available at: https://sipri.org/sites/default/files/2021-03/fs_2103_at_2020_v2.pdf
[25] -ERIPS, "Eritrea Seeks to Evade Sanctions Through Russia, China Alliances", (Eritrean Research Institute for Policy and Strategy- ERIPS: February 22, 2022). Available at:
https://erips.org/eritrea-seeks-to-evade-sanctions-through-russia-china-alliances/
[26]- WFP, "13 million people facing severe hunger as drought grips the Horn of Africa", (World Food Programme: February 8, 2022). Available at: https://www.wfp.org/news/13-million-people-facing-severe-hunger-drought-grips-horn-africa
[27] -Hannah Ryder, "Why African Countries Had Different Views on the UNGA Ukraine Resolution, and Why This Matters", (Center for Strategic & International Studies- CSIS: March 15, 2022). Available at:
[28] -UN, "Black Sea Grain Initiative Factsheet Final", (UN: September 12, 2022). Available at: