أثيوبيا أنجولا أوغندا إريتريا اسواتيني  افريقيا الوسطى الجابون الجزائر الرأس الأخضر السنغال السودان الصومال الكاميرون الكونغو الكونغو الديمقراطية المغرب النيجر بنين بوتسوانا بوركينا فاسو بوروندي تشاد تنزانيا توغو تونس جزر القمر جنوب أفريقيا جنوب السودان جيبوتي رواندا زامبيا زيمبابوي ساو تومي وبرينسيبي سيراليون غامبيا غانا غينيا غينيا الاستوائية غينيا بيساو كوت ديفوار كينيا ليبيا ليبيريا ليسوتو مالاوي مالي مدغشقر مصر موريتانيا موريشيوس موزمبيق ناميبيا نيجيريا

التعديلات الدستورية في تشاد 2020م بين التأييد والرفض

في الرابع عشر من ديسمبر 2020م قام الرئيس إدريس ديبي بإصدار التعديلات الدستورية التي أُدْخِلَتْ على دستور مايو 2018م، وقد جاءت تلك التعديلات استجابةً لتوصيات المنتدى الوطني الشامل الثاني الذي أجرَى تقييمًا للوضع السياسي في البلاد، وقدّم مجموعة من التوصيات والقرارات؛ من أهمها: مراجعة دستور البلاد, وقد لاقت هذه التعديلات رَفْضًا مِن قِبَل قطاعٍ كبيرٍ من المعارضة التي تراها تعديلات شكلية لم تتوافق مع مطالب المعارضة، ولن تؤدّي إلى حدوث تداول للسلطة في البلاد التي يهيمن عليها نظام الرئيس إدريس ديبي منذ 1990م حتى الآن.

ومن خلال هذه المقالة سوف نُلْقِي الضوء على التعديلات الدستورية في تشاد من خلال النقاط التالية:

أولاً: أسباب التعديلات الدستورية في تشاد:

عرفت تشاد في تاريخها الدستوري نحو ثمانية دساتير قبل تولّي الرئيس إدريس ديبي مقاليد السلطة في عام 1990م، وبعد 6 سنوات من سقوط نظام الرئيس حسين حبري، واستقرار الأمر لنظام إدريس ديبي تم وضع  دستور عام 1996م, وقد خضع هذا الدستور للتعديل في 2005م و2013م. وفي مارس 2018م تم عقد المنتدى الوطني الشامل الأول في العاصمة أنجمينا؛ وذلك بهدف مناقشة الأوضاع المختلفة في البلاد، والعمل على إحداث إصلاح سياسيّ وإداريّ, وقد شارك في هذا المنتدى نحو 800 مشارك رغم مقاطعة بعض تيارات المعارضة المؤثرة التي قالت: إن هدف المنتدى التمديد لنظام الرئيس ديبي)[1](.

وبعد مناقشات المنتدى التي استمرت خلال الفترة من 19 حتى 27 مارس 2018م، تم إصدار مجموعة من القرارات والتوصيات؛ من أهمها: وضع دستور جديد للبلاد. أعقب ذلك وضع مشروع الدستور؛ حيث تم اعتماد المسودة مِن قِبَل الحكومة في 10 أبريل 2018م، وتلاها موافقة الجمعية الوطنية في 30 أبريل 2018م؛ حيث وافق عليه 132 نائبًا، بينما تم رفضه مِن قِبَل نائبَيْنِ، وقاطَع نوّاب المعارضة في البرلمان جلسة التصويت على الدستور؛ حيث كانت المعارضة تريد الاستفتاء عليه وعدم تمريره من خلال الجمعية الوطنية، ووصفت ما حدث بأنه انقلاب دستوري، وفي 4 مايو 2018م قام الرئيس إدريس ديبي بإصدار الدستور الجديد للبلاد معلنًا بداية الجمهورية الرابعة في تشاد.

وقد ألغى الدستور الجديد منصب رئيس الوزراء، وجعل نظام الحكم رئاسيًّا، كما قام بزيادة مدة الرئيس إلى 6 سنوات بدلاً من خمس سنوات مع قصرها على ولايتين)[2](.

ورغم حداثة عهد الدستور الجديد؛ فقد تم إدخال تعديلات جديدة عليه, وجاءت التعديلات الجديدة على الدستور استجابةً لتوصيات المنتدى الوطني الشامل الثاني، والذي تمَّ عقده خلال الفترة من 29 أكتوبر حتى 3 نوفمبر 2020م؛ حيث كان الهدف من عقد المنتدى الثاني تقييم الإصلاحات الدستورية التي جاءت في دستور 2018م، ودراسة الأمور التي تحتاج إلى مراجعةٍ؛ استجابةً للإصلاحات السياسية في البلاد؛ حيث تم الإعداد لهذا المنتدى الثاني من خلال إصدار مرسوم في 23 سبتمبر 2020م بتشكيل لجنة تنظيمية مكونة من 13 عضوًا بقيادة نائبة الأمين العام للحكومة السيدة لوسي بيسمدا. وقد شارك في هذا المنتدى نحو 600 شخص, وفي ختام المنتدى تمت التوصية بضرورة مراجعة دستور 2018م؛ استجابةً للإصلاحات المطلوبة، كما أنه سوف يتم تقييم الإصلاحات الجديدة بعد مرور 3 سنوات على المنتدى الثاني. ويُذْكَر أنَّ غالبية  تيارات وأحزاب وحركات المعارضة لم تشارك في هذا المنتدى؛ حيث لم تُوجّه الدعوة للبعض, وقاطع البعض ورفض الحضور مشككًا في شرعية نظام الرئيس ديبي بالأساس ومتخوفًا من هذه الإصلاحات)[3](.

ثانيًا: طريقة تعديل الدستور في البلاد:

نظَّم دستور 2018م طريقة مراجعة الدستور، وذلك في المادة 226 منه؛ والتي نصَّت على أن المطالبة بمراجعة الدستور تعود إلى رئيس الجمهورية، بعد اتخاذ قرار بالموافقة على ذلك من مجلس الوزراء وأعضاء الجمعية الوطنية. كما يجب الموافقة على مسودة الدستور أو التعديل المقترح مِن قِبَل ثلاثة أخماس أعضاء الجمعية الوطنية, وتتم الموافقة على مراجعة الدستور عن طريق الاستفتاء أو بأغلبية ثلثي أعضاء الجمعية الوطنية[4].

ومن خلال هذه المادة تتضح طريقة التعديل، والتي تتمثل في النقاط التالية:

1- صاحب المبادرة في تعديل الدستور:

المادة الدستورية السابقة نصَّت على أن صاحب الحقّ في المطالبة بتعديل الدستور هو الرئيس بعد موافقة الجمعية الوطنية ومجلس الوزراء, وبالتالي لم توضّح ما الحل إذا طلبت أحزاب المعارضة في الجمعية الوطنية مراجعة الدستور, وبالتالي قصَر حقّ المراجعة والتعديل للدستور على الرئيس دون غيره طبقًا لهذه المادة السابقة, كما أن المادة 82 من الدستور لم تسمح لرئيس الجمعية الوطنية في حالة تولّي مهام رئيس الجمهورية بأن يقوم بمراجعة الدستور.

2- طريقة التعديل من خلال الجمعية الوطنية:

أجازت المادة السابقة تمرير التعديلات الدستورية، ووضع دستور جديد للبلاد أو مراجعة الدستور القائم وتعديل بعض مواده؛ من خلال الموافقة عليه مِن قِبَل أغلبية ثلاثة أخماس أعضاء الجمعية الوطنية؛ حيث إذا حدثت الموافقة على المسودة، وتمت مناقشتها والتصويت عليها بموافقة ثلاثة أخماس النواب، ثم موافقة أغلبية الثلثين في التصويت النهائي؛ يتم اعتماد الدستور أو التعديل المُدْخَل عليه.

3- طريقة التعديل من خلال الاستفتاء الشعبي:

نصت الفقرة الثالثة من المادة السابقة على طريقة أخرى لتعديل الدستوري، وهي الاستفتاء الشعبي. غير أنَّ دستور 2018م والتعديلات الجديدة في 2020م لم تأخذ هذا الطريقة رغم دعوة المعارضة إلى عرض الدستور على الاستفتاء الشعبي؛ بسبب أن الجمعية الوطنية يهيمن عليها الحزب الحاكم، وبالتالي يمكن تمرير ما يريد من قوانين أو تشريعات تبعًا لما يراه الرئيس إدريس ديبي.  

4- الطريقة التي تمَّت بها التعديلات الدستورية الجديدة 2020م:

بعد انتهاء عقد المنتدى الوطني الشامل الثاني، وإصداره توصيات بضرورة مراجعة دستور 2018م؛ قامت الحكومة بإعداد مشروع المراجعة الدستورية، ووافقت عليه في 12 نوفمبر 2020م، ثم قامت بتقديمه إلى  الجمعية الوطنية، والتي قامت بتشكيل لجنة خاصَّة مكوَّنة من 25 عضوًا لفحص مشروع المراجعة الدستورية المقدَّم من الحكومة، ويرأس هذه اللجنة الخاصة النائب ندوباد توميل)[5](.

وبعد فحص مشروع المراجعة الذي يأخذ في الاعتبار 28 توصية صادرة عن المنتدى تم التصويت عليه مِن قِبَل البرلمان في يوم 3 ديسمبر 2020م؛ حيث وافق عليه 145 نائبًا مقابل رفض 10 نواب, وبالتالي تم اعتماد المشروع من خلال الطريق البرلماني)[6](.

كما أعلنت المحكمة العليا في 9 ديسمبر 2020م أن طريقة مراجعة الدستور صحيحة ومتفقة مع نصوص الدستور الخاصة بطريقة المراجعة, وفي 14 ديسمبر 2020م قام الرئيس إدريس ديبي بالتوقيع على المراجعة الدستورية، وإصدارها في حفلٍ أقامه في القصر الرئاسي بهذه المناسبة)[7](.

ثالثا: مضمون التعديلات الدستورية الجديدة:

يمكن أن نشير إلى مضمون ما جاء في المراجعة الدستورية 2020م، والذي يتكون من 244 مادة، وينقسم إلى 16 عنوانًا أساسيًّا من خلال النقاط التالية:

1- إنشاء منصب نائب لرئيس الجمهورية:

حيث أدخلت التعديلات الجديدة منصب نائب لرئيس الجمهورية، يتم تعيينه وإقالته مِن قِبَل رئيس الجمهورية, وتكون مهامّه مساعدة الرئيس في القيام ببعض مسؤولياته ووظائفه, كما أنه يحلّ عن الرئيس في حالة غيابه عن البلاد، أو في حالة إصابته بعجزٍ مؤقتٍ, وفي حالة شغور منصب الرئيس أو إصابته بعجز دائم يكون لنائب الرئيس ممارسة صلاحيات الرئيس كاملة، ولكنها تكون بشكلٍ مؤقتٍ لحين إجراء انتخابات رئاسية جديدة خلال 45 يومًا على الأقل، و90 يومًا على الأكثر. وبالنسبة للشروط الخاصة بنائب الرئيس فإنه يجب أن لا يقل عمره عن 40 عامًا على الأقل, ولا يحمل جنسية مزدوجة، وأن يكون من أبٍ وأمٍ تشاديين)[8](.

2- إنشاء مجلس الشيوخ:

وذلك ليكون الغرفة العليا للبرلمان بجانب الجمعية الوطنية؛ والهدف منه -كما قيل- هو ضمان تمثيل المحافظات في العملية التشريعية الوطنية. ويُذْكَر أنه قبل وضع دستور 2018م كانت هناك مشاورات لإنشائه حينها، لكن تمَّ رفضها بسبب عدم كفاية الموارد المالية للمجلس.

وستكون مهام مجلس الشيوخ العمل على حماية المصالح الإقليمية والمحلية والتوفيق بين الجمعية الوطنية والسلطة التنفيذية من أجل الحفاظ على تلك المصالح. وبالنسبة لطريقة انتخاب أعضاء مجلس الشيوخ فإنها ستكون عن طريق الانتخاب غير المباشر مِن قِبَل هيئة انتخابية مكوّنة من أعضاء مجالس المقاطعات والبلديات.

وبالنسبة لمدة ولاية أعضاء مجلس الشيوخ فهي ست سنوات قابلة للتجديد بواقع الثلث كل عامين. كما يحق لكلا الجنسين الترشح لعضوية مجلس الشيوخ بمجرد استيفائهم للشروط المنصوص عليها في القانون. كما أشار الدستور إلى أنه سوف يصدر قانون خاص بمجلس الشيوخ يحدّد عدد أعضائه, وشروط الترشح والأهلية وموانعها. وبالنسبة لرئيس مجلس الشيوخ فسوف يتم انتخابه لمدة المجلس التشريعي. ولحين إنشاء مجلس الشيوخ سوف تمارس الجمعية الوطنية وظائفه وصلاحياته وفقًا للقوانين والأنظمة المعمول بها)[9](.

3- إلغاء القسم باسم الله المطلوب قبل تولّي المناصب:

نص دستور 2018م على ضرورة قيام المسؤولين بحلف القسم قبل تولّي مناصبهم بصورة رسمية, وصيغة هذا القسم كما وردت في القانون "أقسم بسم الله تعالى أن أكون مخلصًا في عملي, ولا أخون الأمة والشعب, ولا أختلس الأموال العامة, ولا أقوم بإفشاء أسرار الدولة, وأن أحترم الالتزامات الواردة في مدونة الأخلاق الحكوميةونظرًا لأن صياغة هذا القسم تبدأ بالقسم "بسم الله تعالى" حدثت بعض الاعتراضات مِن قِبَل المسيحيين في تشاد على القسم واصفين إيَّاه بأنه قَسَم طائفيّ يتناقض مع مبدأ علمانية الدولة في تشاد, وخاصة أن حلف القسم مفروض على كبار المسؤولين بدءًا من رئيس الدولة, والوزراء, ومدراء المؤسسات المالية, ورؤساء الجامعات الحكومية وغيرهم)[10](، وقد حدثت وقائع جعلت موضوع القسم محل جدال داخل البلاد؛ حيث إنه في مايو 2018م قبل تولّي الحكومة الجديدة منصبها، وأثناء أداء القسم رفضت السيدة روزين جيبيرجي أداء اليمين، وهي كانت من المفترض أن تشغل منصب وزيرة الطيران المدني والنقل؛ حيث اعترضت على حلف القسم، وقالت: إنها بوصفها مسيحية إنجيلية؛ فإن قناعتها الدينية لا تسمح لها بأداء ذلك القسم والحلف باسم الله, وهو ما أدَّى إلى إقالتها على الفور، واستبدالها بالجنرال محمد روزي، وكانت هذه الواقعة تُبَثّ مباشرةً على القنوات الرسمية أثناء حفل تنصيب الحكومة.

كما أن وزيرة التكنولوجيا والمعلومات والاتصالات السيدة مادلين ألينجوي كانت أيضًا ترفض القسم، لكنّها قررت أن تُقْسِم بعد إحداث تغيير طفيف، وافقتْ عليه المحكمة العليا)[11](، وقد أدت تلك الحادثة إلى نقاش حول مبدأ العلمانية وحرية العقيدة داخل البلاد؛ حيث قام المؤتمر الأسقفي التشادي بتوجيه رسالة إلى الرئيس إدريس ديبي يطالبونه فيها بإلغاء القسم مستنكرين طبيعته القائمة على التميز التي تجعل الإسلام هو دين الدولة، وهو ما لا يتفق مع مبدأ العلمانية الدستوري.

كما قام أسقف أنجمينا بالإعراب عن أسفه بسبب فَصْل السياسيين من الكاثوليك؛ بسبب رفض القسم متحدثًا عن اضطهاد ديني للمسيحيين في تشاد وهيمنة المسلمين على الطبقة السياسية, كما قامت الكنائس البروتستانتية بإدانة القسم. وأدت تلك الأمور إلى إعلان الرئيس ديبي في مؤتمر صحفي إلى أن الهدف من القَسَم ليس تقويض علمانية الدولة، وإنما منع الاختلاس والفساد مِن قِبَل مَن يتولَّى منصبًا عامًّا في البلاد. كما طمأن المجتمع المسيحي في البلاد، وأكَّد أن إرادة الشعب سوف تُطبَّق بكلِّ بساطة. ولذلك تم إلغاء طابع القسم، ووضع صيغة مختلفة عندما يكون القسم مطلوبًا)[12](.

4- تخفيض سنّ الترشح للرئاسة من 45 إلى 40 سنة:

كان دستور 2018م ينص على أن الحد الأدنى للسن المطلوب للترشح للرئاسة هو 45 سنة، غير أنه نظرًا إلى وجود مطالبات بتخفيض سنّ الترشح للرئاسة لوجود قيادات شبابية تريد الترشح لمنصب الرئيس؛ فقد تم تخفيض سنّ الترشح في التعديلات الدستورية إلى 40 سنة؛ وذلك استجابة لمطالب الشباب وإن كان هناك مطالب من قبل المعارضة تريد التخفيض إلى سن 35 عامًا، وترى أن سنّ الأربعين مرتفع أيضًا، ويمنع كثيرين من أصحاب الطموح السياسي من الشباب من حقهم في الترشح)[13](.

5- إنشاء وإعادة تنظيم بعض المؤسسات في البلاد:

تضمَّنت المراجعة الدستورية إنشاء بعض المؤسسات الجديدة, وكذلك إعادة هيكلة وتنظيم بعض المؤسسات بهدف محاولة الإصلاح الإداري في البلاد؛ حيث تم إعادة إنشاء محكمة المحاسبة، والعمل على جعلها أداة حقيقية لمراقبة تنفيذ قوانين المالية، وانتظام الحسابات العامة لتعزيز الحكم الرشيد بما يتفق مع الالتزامات الدولية في مجال مكافحة الفساد.

كما تم النص على إعادة تشكيل المجلس الاقتصادي والاجتماعي والثقافي لجعل هذه المؤسسة أكثر فاعلية في تنفيذ مهامها, وكذلك استبدال المجلس الأعلى للمجتمعات المتمتعة بالحكم الذاتي والمشيخات التقليدية (HCCACT) بهيئة مخصصة حصريًّا للمشيخات التقليدية، والتي تلعب دورًا في تعزيز السلام والتنمية الاجتماعية، وسوف يتم إنشاء قانون يحدّد تنظيم هذه الهيئة وطبيعة عملها. وأخيرًا بهدف تنشيط الإدارة الإقليمية وتقريبها من المواطنين تم إعادة إنشاء المحافظة الفرعية ككيان إداري)[14](.

رابعًا: موقف المعارضة من التعديلات الدستورية:

إذا أردنا أن نشير إلى موقف المعارضة من التعديلات نجد أنها كانت ترفض دستور مايو 2018م من الأساس؛ حيث إن غالبيتها قامت بمقاطعة المنتدى الوطني الشامل الأول في مارس 2018م الذي أسفر عن وضع الدستور. كما أن جبهة المعارضة الجديدة للتناوب والتغيير(Fonac) وصفت دستور 2018م بأنه انقلاب دستوريّ يهدف إلى بقاء الرئيس إدريس ديبي في السلطة حتى عام 2033م)[15](.

كما أن زعيم المعارضة صالح كبزابو وصف دستور 2018م بأنه أعطى الرئيس التحكُّم في كل السلطات في الدولة. وقد قاطَع نوّاب الأحزاب المعارضة في البرلمان جلسة التصويت على دستور 2018م، وطالبوا بعرض الدستور على الشعب للاستفتاء عليه.

وبالنسبة لموقف المعارضة من التعديلات الدستورية الجديدة في 2020م؛ نجد أن غالبيتها قاطعت المنتدى الوطني الشامل الثاني, كما لم يتم توجيه دعوة الحضور لبعض الحركات المعارضة, كما أن عددًا من الأحزاب السياسية المعارضة وجمعيات المجتمع المدني والنقابات خاصة النقابات العمالية حاولت عقد منتدًى موازٍ تحت مسمَّى "منتدى المواطن الحقيقي للتفكير معًا")[16](، لكنَّ الشرطة قامت بمنع عقد ذلك المنتدى؛ حيث قامت بتطويق مقرّات عدد من الأحزاب السياسية المعارضة, وجمعيات المجتمع المدني التي أرادت تنظيم المنتدى الموازي.

وكذلك قامت قوات الشرطة بتطويق منازل بعض السياسيين؛ مثل زعيم المعارضة صالح كبزابو, والمعارض محمد أحمد الحبو الأمين العام لحزب الحريات والديمقراطية، والمعارض الشاب الدكتور نجاح مسرة زعيم حركة (Les Transformateurs)، والتي تعني حركة التحولات أو المتحولين، والتي تسعى إلى تحويل وتغيير كل شيء في البلاد للأفضل؛ حيث تم منعهم من الخروج من منازلهم؛ للحيلولة دون مشاركتهم في إقامة المنتدى الموازي )[17](، كما كانت المعارضة تطالب بالاستفتاء على تلك التعديلات كذلك؛ لأن الجمعية الوطنية يهيمن عليها نواب الحزب الحاكم.

 ويمكن الإشارة إلى أهمّ النقاط التي تعترض عليها المعارضة في المراجعة الدستورية فيما يلي:

1- رفض منصب نائب الرئيس:

حيث إنه لم يكن هناك إجماع من القوى السياسية على استحداث منصب نائب الرئيس, فقد كانت المعارضة ترى ضرورة عودة منصب رئيس الوزراء الذي تم إلغاؤه بموجب دستور 2018م بدلاً من منصب نائب الرئيس التي ترى أنه منصبّ شكليّ، خاصة أنه سيكون تعيينه وإقالته مِن قِبَل الرئيس, كما كان البعض يرى أنه يجب أن يكون اختيار نائب الرئيس من خلال انتخابه؛ بحيث يكون مرشحًا مع الرئيس على ورقة واحدة في الانتخابات الرئاسية. بينما يرى بعض المعارضين أن منصب نائب الرئيس قد يتم استغلاله مِن قِبَل الرئيس إدريس ديبي في تولية أحد أقاربه ليحل محله في حكم البلاد في حالة تركه لمنصب الرئاسة وعدم ترشحه للانتخابات بعد انتهاء المدد المحددة له، وذلك في حالة عدم قيامه بتعديل الدستور مرة أخرى للسماح له بالترشح مجددًا، وبالتالي يضمن لنائبه حكم البلاد واستمرار النظام الحاكم)[18](.

2- عدم جدوى مجلس الشيوخ:

حيث ترى المعارضة أن مجلس الشيوخ لن يعود عليها بشيءٍ؛ خاصةً أن التعديل الدستوري لم ينصَّ على النسبة التي سيقوم الرئيس إدريس ديبي بتعيينها في مجلس الشيوخ، وبالتالي يمكن أن ينصَّ في قانون مجلس الشيوخ الذي سيتم إصداره على إعطاء الرئيس حقّ تعيين ثلث أعضاء مجلس الشيوخ؛ مما يقلّل من عدد المقاعد التي يمكن أن تحصل عليها المعارضة في هذا المجلس. كما توجد مشكلة في عدم وجود موارد مالية لإجراء انتخابات الجمعية الوطنية التي انتهت مدتها منذ 2015م، وتم تمديد عمل الجمعية الوطنية حتى الآن دون انتخابات؛ حيث يلزم توافر 70 مليار فرنك إفريقي لإجراء الانتخابات. ولذلك تم تأجيل إجرائها أكثر من مرة، وهي مؤجَّلة حاليًا إلى 24 أكتوبر 2021م, كما أن انتخابات المحليات لم تُجْرَ كذلك منذ عام 2012م، وكان من المفترض أن يتم إجراؤها في 2017م، لكنْ تمَّ تأجيلها هي الأخرى.

وبالتالي ترى بعض المعارضة أن استحداث مجلس جديد مع عدم وجود موارد مالية فيه نوع من عدم العقلانية. كما يرى البعض أن استحداث مجلس الشيوخ جاء بهدف محاباة الوزراء السابقين وأصدقاء الرئيس حتى يتم تعيينهم فيه؛ لضمان ولائهم للنظام. لذلك كان البعض يرى زيادة عدد أعضاء مجلس النواب وتطوير المحليات وانتخاب حكام المحافظات بدلا من هذا المجلس الجديد)[19](.

3- الاعتراض على الحد الأدنى لسن الترشح لانتخابات الرئاسة:

حيث إن بعض أطياف المعارضة تعترض على الحد الأدنى لسنّ الترشح، والذي حددته المراجعة الدستورية بـ40 عامًا بدلاً من 45 عامًا في دستور 2018م، لكن البعض يعترض ويرى أنه غير مناسب وكان يجب أن يتم تخفيضه ليكون 35 عامًا؛ حتى تتمكن القيادات الشبابية من الترشح للانتخابات.

ومسألة سنّ الترشح هي الأهم لدى حركة "المتحولون" بزعامة الدكتور نجاح مسرة المعارض الشابّ؛ حيث إنه يبلغ من العمر 38 عامًا، ويريد الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة في أبريل 2021م، وبالتالي فإن سنّه غير مؤهّل للترشح، وهو ما جعله يعترض على تلك المراجعة الدستورية، بل قام أنصاره بعمل مظاهرة في يوم 12 ديسمبر الجاري بالعاصمة نجامينا عُرِفَتْ بالمسيرة الثنائية؛ حيث قام أنصاره بالسير في شوارع العاصمة كل اثنين بصحبة بعضهما البعض مع إطلاق الصفير في الصباح والمساء, وهو ما جعل قوات الشرطة تنتشر بالقرب من المقر التابع لمقر الشاب نجاح مسرة, بل وتم تفريق أنصاره بالغاز المسيل للدموع حيث إنه غير مسموح بالتظاهر خلال فترة الطوارئ الصحية للوقاية من فيروس كورونا، وقد قام الشاب مسرة بتوجيه رسالة إلى الاتحاد الإفريقي وشركاء تشاد الدوليين معترضًا على سنّ الترشح، ومذكرًا لهم بأن الرئيس إدريس ديبي عندما تولَّى رئاسة البلاد كان عمره 38 عامًا)[20](.

4- المراجعة الدستورية لن تغيّر شيئًا في البلاد:

 ترى المعارضة أن المراجعة الدستورية التي تمت لن تؤدي إلى إحداث تغيرات جديدة تُذْكَر لصالح البلاد؛ حيث إنها لن تؤدي إلى حدوث تناوب حقيقي للسلطة أو تقدم مزيدًا من الديمقراطية, وكذلك لن تقدم شيئًا لمشاكل البلاد الاقتصادية والاجتماعية؛ حيث تنخفض مستويات المعيشة وترتفع معدلات الفقر في البلاد. كما أن تلك التعديلات لن تُنْهِي حالة القمع, وانتهاك حقوق الإنسان, وما يترتب عليها من احتقان شعبي.

بل ترى المعارضة بصورة عامة أن هذه التعديلات دليل على الطبيعة الاستبدادية للنظام، وتلاعبه بالوثيقة الدستورية كما يشاء لتحقيق مصالحه, كما أن البعض يرى أن تلك التعديلات صدرت بصورة غير قانونية لأنها تمَّت من خلال موافقة الجمعية الوطنية وهي منتهية المدة منذ 2015م، وكان من المفترض حدوث استفتاء على الدستور الذي وُضِعَ في 2018م أو التعديلات التي أُدْخِلَتْ عليه في 2020م)[21](.

الخاتمة:

في ختام هذه المقالة يمكن أن نقوم بتقييم هذه التعديلات الدستورية؛ حيث نرى أنها حظيتْ بتأييد الحزب الحاكم وأنصاره, بينما قاطعت المعارضة مشاركة المنتدى الوطني الشامل الثاني الذي أسفر عن إصدار توصيات بهذه التعديلات, كما أنها قامت بالاعتراض على مضمون التعديلات جملةً وتفصيلاً. وعلى المستوى الخارجي لم نجد ردود فعل إقليمية أو دولية تتعلق بهذه التعديلات.

 ونودّ أن نشير أخيرًا إلى تقييم التعديلات من خلال النقاط التالية:

1- استحداث منصب نائب الرئيس أمر غير مُوَفَّق مِن قِبَل واضعي التعديلات؛ حيث إنه مرفوض من جانب المعارضة، كما أن دوره شكليّ, وبالتالي كان يمكن إعادة منصب رئيس الوزراء استجابةً لمطالب المعارضة؛ حيث إنه سيخفّف حدة النقد للنظام, كما أنه في حالة الأخذ بالنظام شبه الرئاسي في الدستور بدلاً من النظام الرئاسي الكامل الآن كان بإمكان الرئيس تعيين وإقالة رئيس الوزراء طبقًا للنظام شبه الرئاسي. كما أنه كان يمكن إعطاء الصلاحيات الممنوحة لنائب الرئيس في إدارة الفترة الانتقالية أو الحلول محل الرئيس في حالة وجود موانع مؤقتة إلى رئيس المحكمة العليا أو رئيس الجمعية الوطنية، كما تفعل كثير من النظم السياسية دون الحاجة لمنصب نائب الرئيس المرفوض من المعارضة.

 2- بالنسبة لمجلس الشيوخ ومشكلة الموارد المالية اللازمة للانتخابات؛ فإنه يمكن اللجوء إلى إجراء انتخابات عامة كما تفعل كثير من الدول الآن توفيرًا للنفقات والوقت والإجراءات؛ بحيث يمكن إجراء الانتخابات الرئاسية وانتخابات الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ والمحليات في يومٍ واحدٍ، وفي اقتراع واحد وبالتالي تقل النفقات اللازمة لإجراء الانتخابات، وبدلاً من عمل أربع انتخابات متفرقة تكون انتخابات عامة واحدة بدلاً من التأجيل المستمر للانتخابات؛ بحجة عدم وجود الموارد المالية اللازمة للانتخابات. كما يمكن أن تتم هذه الانتخابات على عدة مراحل في حالة الاحتجاج بالجانب الأمني، وعدم كفاية التأمين اللازم لإجراء الانتخابات, كما أن هناك دولاً تُواجه عدم استقرار أمني بسبب الإرهاب مثل بوركينا فاسو، لكنَّها قامت بإجراء انتخابات عامة رئاسية وبرلمانية مؤخرًا في يومٍ واحدٍ ولم تلجأ إلى التأجيل.

 3- نرى أنه لن يكون هناك تنازلات حقيقية مقدَّمة مِن قِبَل النظام تقلّل من صلاحيات الرئيس، أو تعطي مساحةً كبيرةً للمعارضة؛ بسبب ضعف المعارضة وتفرُّقها, وكذلك وجود دعم خارجيّ قويّ للنظام خاصةً مِن قِبَل فرنسا، وأن المراجعة الدستورية ليست سوى نوع من محاولة تقديم إصلاحات جزئية وشكلية, قبل إجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة، والتي تمَّ تحديد موعدها في 11 أبريل 2021م؛ للحصول على دَعْمٍ من النُّخَب السياسية الموجودة على الساحة، واستقطاب بعض النُّخَب لدعمه مقابل تعيينها في مجلس الشيوخ.


[1] - Tchad: Idriss Déby annonce la « naissance » d’une 4e République , at , https://www.jeuneafrique.com , 20/3/2018 .

[2] -Le Tchad en route vers un « régime présidentiel  ieges n », at , https://www.jeuneafrique.com , 28/3/2018.

[3]- Narcisse Mbainadji Laldjim , "Le Forum national  ieges n  divise l’opposition" at , https://tchadinfos.com , 18/10/2020.

[4] -Constitution de la République du Tchad du 4 mai 2018, article 226 , p.54 

[5]- MALADHO DIALLO , " TCHAD: QUESTIONS  AUTOUR  DU NOUVEAU PROJET DE RÉVISION DE LA CONSTITUTION", at https://www.africaradio.com , 22/11/2020.

[6] -Samuel Benshimon , " Tchad: le Parlement adopte une  ieges n constitutionnelle " , at , https://sahel-intelligence.com , 6/12/2020 .

[7] -NOUVELLE LOI FONDAMENTALE , at , https://presidence.td/nouvelle-loi-fondamentale , 14/12/2020 .  

[8]- Le Tchad vers l’adoption d’une nouvelle Constitution , at , https://www.dw.com , 3/12/2020.

[9]- Tchad: comment devenir Sénateur ,at,  https://www.alwihdainfo.com , 15/12/2020.   

[10]- Guy Bucumi ,"Quelques paradoxes contemporains de la laïcité de l’État au Tchad" , at , https://journals.openedition.org , 25/11/2019 .  

[11] -Ngonn Lokar , " Tchad: Djibergui Rosine refuse de jurer et quitte le gouvernement " , at , https://tchadinfos.com , 10/5/2018 .

[12] -Guy Bucumi ,"Quelques paradoxes contemporains de la laïcité de l’État au Tchad" , at , https://journals.openedition.org , 25/11/2019

[13] -Sioudina Mandibaye Dominique , " Chad’s ‘Inclusive’ Constitutional Reform Process Widens Political Rifts" , at , https://constitutionnet.org , 16/12/2020

[14] "- Tchad: le gouvernement adopte un projet de  ieges n de la Constitution" , at , https://www.alwihdainfo.com , 12/11/2020.      

[15] "- Tchad: le Fonac rejette les conclusions « fantaisistes » du forum national" , at , https://www.jeuneafrique.com , 2/4/2018 .

[16]  "- Tchad: l’opposition conteste les conclusions du 2ème Forum national inclusive" , at , https://www.dw.com , 2/11/2020.

[17] -Tchad: Les  ieges de l'opposition encerclés par la police" , at , https://www.dw.com , 5/11/2020 .  

[18] -Tchad: adoption du projet de loi constitutionnelle instaurant la vice-présidence" , at , https://www.rfi.fr/fr/afrique , 13/11/2020.

[19]-Marie Toulemonde , " Tchad: ce qu’il faut retenir des conclusions du Forum national inclusive" , at , https://www.jeuneafrique.com , 5/11/2020.

[20]- " Tchad: une marche des Transformateurs disperse"  , at https://www.rfi.fr/fr/afrique , 13/12/2020 .

[21] "- Tchad: ” la nouvelle constitution est taillée sur mesure”, Djekombé François " ,at , https://tchadinfos.com , 14/12/2020.

 

كتاب الموقع