أثيوبيا أنجولا أوغندا إريتريا اسواتيني  افريقيا الوسطى الجابون الجزائر الرأس الأخضر السنغال السودان الصومال الكاميرون الكونغو الكونغو الديمقراطية المغرب النيجر بنين بوتسوانا بوركينا فاسو بوروندي تشاد تنزانيا توغو تونس جزر القمر جنوب أفريقيا جنوب السودان جيبوتي رواندا زامبيا زيمبابوي ساو تومي وبرينسيبي سيراليون غامبيا غانا غينيا غينيا الاستوائية غينيا بيساو كوت ديفوار كينيا ليبيا ليبيريا ليسوتو مالاوي مالي مدغشقر مصر موريتانيا موريشيوس موزمبيق ناميبيا نيجيريا

التطورات السياسية وتحديات تنفيذ اتفاق السلام الجديد في جنوب السودان

 

       تيكواج فيتر

باحث في العلوم السياسية – جنوب السودان.

في إطار الجهود والضغوطات الداخلية والخارجية الحثيثة منذ اندلاع الصراع في جنوب السودان في أواخر عام ٢٠١٣م؛ من أجل تحقيق التسوية السياسية بين الأطراف المتصارعة، وبعد فشل الأطراف في تنفيذ الاتفاق الذي وُقِّعَ في أغسطس ٢٠١٥م، وإنهاء الأزمة، تمكَّن الأطراف مجددًا من التوصل إلى اتفاق آخر في الخرطوم يعمل على تنشيط ذات الاتفاق مع وضع العديد من التعديلات عُرِفَ بـ"اتفاقية السلام الجديد لتسوية النزاع في جنوب السودان"؛ إلا أن هذا الاتفاق وَاجَه أيضًا العديد من التحديات ترجع إلى غياب الإرادة السياسية، خصوصًا من "جانب حكومة جوبا"؛ أي: الحركة الشعبية – جناح الحكومة (SPLM-IG)، كما يتضح من تمسكها المستمر بما يتعارض مع ما نصَّ عليه الاتفاق. ولا سيما في قضيتي الترتيبات الأمنية، وعدد الولايات، وحدود القبائل قبل بدء المرحلة الانتقالية، والتمسك بالسيطرة على عدد من الوزارات المهمة لاحقًا.

لذا تسعى هذه الورقة أولاً: إلى تناول التطورات السياسية الأخيرة إثر قبول رئيس الجمهورية بالتخلي والتراجع عن التقسيم الذي تعرضت له الدولة مؤخرًا؛ قبل إصداره قرار العودة إلى عشر ولايات، وتكوين ثلاث إداريات في كلّ من منطقة أبيي وروينق وبيبور، بجانب توصل الأطراف إلى تسوية في توزيع الحقائب الوزارية.

ثانيًا: المواقف الداخلية والخارجية من تلك التطورات.

 ثالثًا وأخيرًا محاولة استعراض التحديات التي تواجه التنفيذ الكامل لاتفاق السلام الجديد بما يُحقّق سلامًا مستدامًا في جنوب السودان.

على الرغم من قبول الأطراف تشكيل حكومة الوحدة الوطنية في موعدها بعد تمديد الفترة المحددة للمرحلة ما قبل الانتقالية في الاتفاق الجديد لمرتين؛ إلا أن بداية المرحلة الانتقالية واجَه تحديًا تمثَّل في عدم توصل الأطراف إلى توافق حول تشكيل حكومة الوحدة الوطنية؛ ففي المرة الأولى تمَّ التمديد لمدة ستة أشهر، والثانية كان التمديد مائة يوم، على إثر تمسك الطرف الحكومي بما يخالف هذا الاتفاق؛ إلا أن هذا التطور الذي شهد تقدمًا بطيئًا في مسار تنفيذ الاتفاق عقبه ظهور تحديات جديدة؛ بالإضافة إلى التحديات المستمرة والمرتبطة بقضايا الترتيبات الأمنية، وتحديد عدد وحدود القبائل.

وبالتالي سوف نتناول هذا الموضوع من خلال النقاط التالية:

أولاً: التطورات السياسية في مسار تنفيذ اتفاقية السلام الجديد:

لقد شهدت دولة جنوب السودان تطورًا سياسيًّا أسهم في تحقيق التقدم في مسار تنفيذ اتفاق السلام الجديد في ١٥ فبراير ٢٠٢٠م بعد شدّ وجذب بين أطراف النزاع وعلى المستوى الداخلي للحكومة في قضية عدد الولايات(1)، ولقد أظهر هذا الأمر وجود خلل وعدم توافق على المستوى الداخلي لحكومة جوبا، ومدى نجاح الضغوطات الخارجية في التأثير وتغيير موقف رأس الدولة؛ بالرغم من وجود رفض وسط القيادات المحسوبة للحكومة والمتحالفة معها، كما اتضح من خلال التصريحات الصادرة من بعض المسؤولين في الحكومة أشاروا فيها إلى عدم إمكانية قيام الحكومة بتغيير موقفها قط(2).

وفي ذات السياق تعرَّض عددٌ من المواطنين لممارسات تعسفية إزاء مواقفهم تجاه مسألة تقسيم عدد ولايات جنوب السودان إلى ٣٢ ولايات، فلقد تمَّ وقف عمل محاضر في جامعة جوبا مع تحويله إلى التحقيقات من قبل مجلس إدارة الجامعة، وتم اعتقال عشرة أشخاص في ولاية رومبيك السابقة كان من بينهم صحفيون بسبب موقفهم الرافض لـ٣٢ ولاية (3).

  بيد أن القصر الجمهوري عقَد اجتماعًا مشتركًا في ١٤ فبراير ٢٠٢٠م ضم كلاً من رئيس الجمهورية ونائبيه الأول والثاني اتفقوا فيها على العودة إلى عشر ولايات، بالإضافة إلى إنشاء ثلاث إداريات (أبيي ورووينق وبيبور الكبرى)، بالرغم من مخرجات اللقاء الذي دعا إليه الرئيس مختلف القوى السياسية والمدنية بما فيهم الحركة الشعبية في المعارضة، وهو ما يعكس مدى تأثير الأوضاع الداخلية المتدهورة والقوى الخارجية بالرغم من التوافق الذي تحقق بين الحكومة وحلفائها على أن الـ٣٢ ولاية يعتبر مطلبًا شعبيًّا لا يمكن التنازل عنها في ذلك اللقاء (4).

أدت تلك الخطوة إلى دفع عجلة الانتقال إلى المرحلة الانتقالية من الاتفاق، وتعيين النواب الخمسة لرئيس الجمهورية؛ كما ينص الاتفاق، والتشاور حول تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، المتمثل في توزيع الحقائب الوزارية بين الأطراف الموقعة على الاتفاق وقيام كل طرف باختيار ممثليها في تلك الوزارات، بالإضافة إلى الولايات، كل ذلك بحسب النسب التي أشارت لها الاتفاقية في عملية التقسيم السلطة(5).

ثانيًا: المواقف الداخلية والخارجية من التطورات السياسية:

رحَّب معظم الأطراف الداخلية والخارجية بقرار رئيس الجمهورية الرامي للعودة إلى عشر ولايات، وإنشاء ثلاث إداريات، باعتباره خطوة نحو تحقيق التقدم وتنفيذ اتفاق السلام الجديد، وعبَّرت الحركة الشعبية عن موقفها الإيجابي حول هذا القرار مع وضع بعض التحفظات على الثلاث إداريات غير المنصوص عليها في الاتفاق الموقَّع بين أطراف النزاع، مؤكدة أن هذا الأمر لن يعرقل المُضِيّ نحو تشكيل الحكومة في موعدها بعد بيان الهيئة الحكومة للتنمية "IGAD" الذي حثَّ فيه الحركة الشعبية في المعارَضَة على ضرورة تشكيل الحكومة في موعدها؛ حيث يمكن حلّ هذه المسألة خلال المرحلة الانتقالية

أ- موقف الأطراف الداخلية:

الحركة الشعبية لتحرير السودان – جناح الحكومة (SPLM- IG): وتعتبر الحكومة هي المعرقلة لتنفيذ الاتفاقية؛ باعتبارها تعمل على تنفيذ ما لم يتم الإشارة إليه في الاتفاق، بما يدفع الأطراف إلى الحاجة للتفاوض من جديد، وبالتالي عرقلة عملية التنفيذ بحسب الفترة المحددة لكل خطوة من خطوات الاتفاقية؛ كما حدث في مسألة الترتيبات الأمنية، تحديد عدد الولايات، حدود القبائل، وحاليًا تشكيل الحكومة الانتقالية.

-الحركة الشعبية لتحرير السودان – المعارضة (SPLM - IO): تتسمك الحركة الشعبية في المعارضة بتنفيذ اتفاق السلام الجديد، وفي ذات الوقت تقبل الدخول في عملية التفاوض في التعديلات، التي تفرضها الحركة الشعبية-جناح الحكومة، مع قبول الأمر الواقع الناتج عن الضغوطات الداخلية والخارجية.

- الحركة الشعبية لتحرير السودان – المعتقلين السابقين (SPLM - FD): يتمثل موقف المعتقلين من تشكيل الحكومة بأنها أضحت شبه هيئة تابعة للحركة الشعبية جناح الحكومة بعد خروج بعض القيادات بقيادة فاقان اموم الأمين العام السابق للحركة الشعبية لتحرير السودان، حيث كان يحمل رؤية سياسية واضحة حول القضايا المطروحة حاليًا (الترتيبات الأمنية، عدد وحدود الولايات، والعدالة الانتقالية، وغيرها).

- تحالف سوا (SSOA): رحَّب تحالف سوا بالتطورات الأخيرة، إلا أن التحالف يواجه تحديًا يتمثل في غياب التوافق والصراع بين أطرافه، وهو ما اتضح أثناء اختيار التحالف لمن يمثلهم ضمن أحد نواب الرئيس الخمسة، فقد ظهر الاختلاف والصراع داخل التحالف وأدَّى إلى لجوئهم لرئيس الجمهورية لاختيار من يمثلهم في المنصب المخصص للتحالف(6)؛ وهو ما اعتبره الدكتور لام أكول -زعيم الجبهة الوطنية الديمقراطية وهي أحد الأحزاب المؤثرة داخل هذا التحالف- انتهاكًا للاتفاقية، مؤكدًا أن حزبه ليس جزءًا من تلك الخطوة بما لا يمنع أو يعرقل تنفيذ الاتفاقية والتقدُّم نحو تشكيل الحكومة الانتقالية(7).

- الأحزاب السياسية المعارضة الأخرى (Opposition Political Parties ): لا يوجد موقف مستقل لتلك الأحزاب سوى أن موقفها تتسم بالتبعية لما تُقِرّ به الحكومة، ويرجع ذلك إلى طبيعة العمل السياسي في جنوب السودان.

- تحالف سوما (SSOMA): لقد وقَّع تحالف سوما على وثيقة وقف إطلاق النار في جنوب السودان، ولكنه لا يعترف باتفاقية السلام الجديدة لتسوية النزاع في جمهورية جنوب السودان، ويطالب بضرورة مخاطبة جذور الأزمة. والجدير بالذكر أن هذا التحالف يُجْرِي مفاوضات في روما مع الحكومة حول موقفه من الاتفاق، بالإضافة إلى البحث عن الحلول ليكون جزءًا من التسوية في جنوب السودان.

- المجتمع المدني: موقف المجتمع -الذي يتم استغلاله في صراع النخب السياسية وأمراء الحرب على السلطة والثروة- بالكاد ينحصر في صراع المجتمعات حول الأراضي والحدود، وتطور إلى حدّ المطالبة بالحكم الذاتي للمجتمعات؛ مثلما اتضح جليًّا في قضية عدد الولايات، ففي اللقاء الذي جمع رئيس الجمهورية وحلفاءه من القوى السياسية والمجتمع المدني، تمسَّك حُكّام الولايات وممثلو المجتمع المدني الموالون للحركة الشعبية جناح الحكومة بالـ32 ولاية الذي يعطي الحكم الذاتي لكل مجتمع. ومن المتوقع أن تُثار تلك المطالب في المؤتمر الدستوري خلال المرحلة الانتقالية في حال عدم نشوب ما قد يعوق إقامته؛ سواء بمد الفترة الانتقالية أو بانهيار الاتفاقية.

ب- موقف الأطراف الخارجية:

- الأطراف الدولية:

كان للولايات المتحدة موقف متشدد بضرورة الإسراع بتنفيذ اتفاق تشكيل الحكومة الانتقالية؛ حيث قامت بفرض عقوبات مالية على عدد من المسؤولين في حكومة جنوب السودان (منهم وزيرا الإعلام والدفاع السابقان) في أواخر 2019م، وشملت أيضًا تعبان دينق نائب الأول لرئيس الجمهورية سابقًا في أوائل 2020م؛ مهددةً بأن العقوبات سوف تطال أيّ شخص أو جهة تتورط في عرقلة تنفيذ اتفاق السلام الجديد(8).

 كذلك رحبت دول الترويكا بقرار العودة لعشرة ولايات، وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية الانتقالية، والتقدم المتحقق في تنفيذ اتفاق السلام(9)، بينما شدَّد الاتحاد الأوربي على ضرورة حلّ المسائل العالقة قبل وبعد تشكيل الحكومة، بالإضافة إلى الترحيب بالتقدم المتحقق واعتبره خطوة مهمة، ودعا أطراف النزاع إلى ضرورة تنفيذ الترتيبات الأمنية (10).

-الأطراف الإقليمية

رحَّبت الأطراف الإقليمية (السودان، إثيوبيا، مصر، والإيجاد IGAD) بقرار العودة لعشر ولايات وثلاث إداريات في ظل غياب الرئيس الأوغندي في مراسيم تعيين النواب، بما يعكس عدم رضائه بالتقدم المتحقق في تنفيذ اتفاقية السلام.

ثالثًا- تحديات المرحلة الانتقالية:

أ- حكومة الوحدة الوطنية

تُعتبر معضلة تشكيل حكومة الوحدة الوطنية تحديًا معقدًا يُواجِه الأطراف المُوقِّعة على اتفاق السلام الجديد (الحركة الشعبية لتحرير السودان – جناح الحكومة (SPLM-IG) بقيادة سلفاكير ميارديت رئيس الجمهورية – الحركة الشعبية في المعارضة (SPLM-IO) بقيادة الدكتور ريك مشار النائب الأول لرئيس الجمهورية بحسب الاتفاق – تحالف الأحزاب المعارضة المعروف بتحالف سوا SSOA– مجموعة المعتقلين السابقين – الأحزاب السياسية المعارضة OPP). بحسب الاتفاق الجديد كان من المفترض أن يتم تشكيل الحكومة في ٢٢ فبراير ٢٠٢٠م.

لقد اتخذ تحدِّي تشكيل الحكومة الانتقالية شكلين؛ الأول كيفية اختيار الأطراف لممثليهم في المناصب المخصَّصة لهم، وهو اختلافٌ على المستوى الداخلي لكلّ طرفٍ، وهو ما بدا واضحًا في عجز تحالف الأحزاب السياسية المعارضة عن اختيار ممثلهم لتولّي منصب النائب الثالث لرئيس الجمهورية، ممَّا دفع الأطراف للجوء إلى وسيط يساعد في التوصل الى حلّ لهذه المسألة، ومن المفارقة قيام تحالف سوا بتفويض سلفاكير رئيس الجمهورية باختيار مَن يمثلهم كما سبقت الإشارة!

لا يمكن القول: إن هذا التحدّي مقتصِرٌ على تحالف سوا، بينما يبدو أن جميع الأطراف عدا المعتقلين السابقين يواجهون ذات المشكلة. أما التحدي الآخر فهو صعوبة الاتفاق حول كيفية توزيع الحقائب الوزارية بين الأطراف الرئيسية في الاتفاق (الحركة الشعبية – جناح الحكومة والحركة الشعبية في المعارضة)، على إثر تمسك الطرف الأول بالسيطرة على أهم الوزرات السيادية؛ أهمها الدفاع والداخلية والمالية وغيرها، وهو ما ترفضه المعارضة المسلحة (الحركة الشعبية في المعارضة).

ب- الترتيبات الأمنية

كان عدم تنفيذ واكتمال الترتيبات الأمنية -كما نصَّ الاتفاق على الخطوات المطلوبة خلال المرحلة الانتقالية-، من ضمن أهم الأسباب التي دفعت الأطراف إلى تأجيل وتمديد فترة تشكيل الحكومة مرَّتين، بجانب قضية تحديد عدد الولايات وحدود القبائل، لكن نتيجة للضغوطات الخارجية اضطرت المعارضة إلى الموافقة على تشكيل الحكومة إلى أن تُحلّ هذه القضية لاحقًا مِن قِبَل حكومة الوحدة الوطنية الانتقالية؛ كما صرح رئيس الجمهورية بأنَّ أمن الشخصيات المهمة، ولا سيما أمن النائب الأول سوف يكون من ضمن اختصاص ومسؤولية قواته؛ حتى يتم تكوين الجيش الوطني بحسب إجراءات الترتيبات الأمنية في اتفاق السلام الجديد(11).

  كما أن هناك عدة مؤشرات تشير إلى أن الترتيبات الأمنية تسير ببطء، وهو ما يُشكّل تحديًا في كيفية نجاح الأطراف في تكوين جيش وطني في دولةٍ تتحكم فيها مليشيات وقوات خاصة ولاؤها للقيادات السياسية والعسكرية، ومن خلالها يحصلون على نسبة عند تقسيم السلطة والثروة في إطار عملية التسوية السياسية الحالية أو مستقبلاً.

ت- عدد الولايات وحدود القبائل

أشار اتفاق السلام الموقَّع في أغسطس ٢٠١٥م إلى أن ولايات جنوب السودان تتكون من عشر ولايات(12)، لكن قام رئيس الجمهورية بإصدار قرار جمهوري رقم ٣٦ لعام ٢٠١٥م أعاد فيه تقسيم البلاد إلى ٢٨ ولاية، ومن ثَم إلى ٣٢ ولاية، بما زاد من تعقيد نقاط الخلاف بين الأطراف، بل شكَّل مُعوّقًا لتنفيذ الاتفاق حينها، لولا الضغوطات الخارجية بأن يتم حلّ هذه المشكلة لاحقًا بعد تشكيل الحكومة، وهو ذات الأمر في تنفيذ الترتيبات الأمنية حاليًا.

قُوبِلَ هذا القرار الجمهوري برفض مِن جهة المعارضة وبعض الأطراف المحلية بينما أيَّده بعضها الآخر، بما دفع رئيس الجمهورية إلى إعادة تقسيم الولايات بزيادة عددها إلى ٣٢ ولاية. وهو ما شكَّل معضلة معقَّدة؛ حيث كان جزء أساسي من القضايا المطروحة في مفاوضات الخرطوم التي نتج عنها اتفاق السلام الحالي، قد نصَّ على تشكيل لجنة تتولى مهام تحديد عدد الولايات وحدود القبائل، وفي حال عجز تلك اللجنة في حسمها تُطرح المقترحات في استفتاء شعبي يحدد الشَّعب عدد الولايات، ويُلاحَظ أن حدود القبائل ترتبط بحدود ١/١/١٩٥٦م، بالإضافة إلى الوثائق التي يمكن الاستعانة والرجوع إليها عند النظر لهذه المسألة، ولا يمكن طرحها عبر استفتاء. وهو ما يشكّل تحديًا يتّسم بتعقيد شديد سوف يواجه أطراف الاتفاق خلال المرحلة الانتقالية والدولة عامة.

جدير بالذكر أن هناك ارتباطًا شديدًا لهذه المسألة بوجود قوات مؤثرة تابعة للقبائل، والتي يمكن أن تُشكل عقبةً في تحقيق الاستقرار وتكوين الدولة الوطنية في حال فشل الحكومة الانتقالية في تكوين جيش وطني ينقل الولاء للدولة بدلاً عن نموذج المليشيات التابعة لشخصيات سياسية وعسكرية.

 بالإضافة لتلك التحديات يواجه اتفاق السلام عامة تحدي المحافظة عليها بما يؤدي إلى انتخاب حكومة ديمقراطية عبر صناديق الاقتراع، ومن أهم تلك التحديات تحقيق العدالة الانتقالية، وصياغة الدستور الدائم، بالإضافة إلى مكافحة الفساد، وإعادة الإعمار، وتعويض المتضررين منذ اندلاع الحرب، وإلخ.

خاتمة

ممَّا سبق يمكن القول: إنه بالرغم من التطورات التي أعادت توقّع فرضية حدوث تقدُّم في تنفيذ اتفاق السلام الجديد، إلا أن الواقع السياسي في جنوب السودان أثبت أن عملية التسوية السياسية تُواجه العديد من الصعوبات والتحديات. وتسير بـ"نصف خطوة إلى الأمام وخطوتين أو أكثر إلى الخلف"؛ كما ينعكس في الفشل العام والمستمر في تنفيذ بنود الاتفاق بشكل كامل، فحتى الآن لم يحظَ هذا الاتفاق سوى بقدر ضئيل من تنفيذ ما ورد فيه دون أن يخضع لعملية الشدّ والجذب، ومن ثَم التوافق على قبول الأمر الواقع، الذي دائمًا ما يفرض على الأطراف. وهذا يرجع إلى غياب الإرادة السياسية، وخصوصًا من جانب الحركة الشعبية لتحرير السودان- جناح الحكومة (SPLM-IG)؛ كما يتضح من خلال الممارسات التي تنتهجها إزاء تنفيذ اتفاق السلام الجديد. بالإضافة إلى الصراعات الداخلية حول تقسيم السلطة على المستوى الداخلي في صفوف الأحزاب والقوى المعارضة، وتحديدًا في صفوف الأطراف الرئيسية في النزاع (SPLM-IG و SPLM-IO)، مما قد يدفع كل طرف إلى محاولة الاستفادة من تلك الصراعات لصالحه، بما قد يؤدي إلى انهيار اتفاق السلام الجديد خلال المرحلة الانتقالية، والتي قد يتم تمديدها أيضًا؛ كما أن الاتفاق الأساسي قد شهد تعديلات جمَّة في معظم ما ورد فيه.

المراجع:

(1)Republic of South Sudan، The President: Final Resolution of the Meeting of the Presidency on the Number of States and their Boundaries، (Juba (J1): 14 February 2020)، PP 1،2

(2) راديو تمازج: "كير يعرض مقترحات لحل مسألة الولايات، ومكوي يؤكد ثبات موقف الحكومة"، جوبا: راديو التمازج، 14 فبراير 2020م)، متاح على https://radiotamazuj.org/ar/all-news/article/%D9%83%D9%8A%D8%B1-%D9%8A%D8%B9%D8%B1%D8%B6-%D9% ، تاريخ الدخول 6 /3/2020م.

(3)راديو تمازج: "إطلاق سراح (10) أشخاص بينهم صحفيون بعد اعتقالهم بسبب عدم مشاركتهم في المسيرة المؤيدة لـ32 ولاية في رومبيك "راديو تمازج، متاح على https://radiotamazuj.org/ar/all-news/article/%D8%A5%D8%B7 ، تاريخ الدخول 4/3/2020م.

(4) Republic of South Sudan، The President: Final Resolution of the Meeting of the Presidency on the Number of States and their Boundaries، Ipdi

(5) اتفاقية السلام الجديدة لتسوية النزاع في جمهورية جنوب السودان: الفصل الأول، حكومة الوحدة الوطنية الانتقالية الجديدة، (الخرطوم: موقع باج نيوز الإخباري، سبتمبر 2018م).

لقد قام تحالف المعارضة (سوا) بتفويض رئيس الجمهورية ليختار مَن يمثلهم كنائب للرئيس خلال المرحلة الانتقالية، بعد فشل التحالف في الوصول إلى توافق سياسي حول الاختيار بين ست مرشحين لهذا المنصب.

(6) South Sudan Opposition Alliance (SSOA): SSOA Nominees for Vice President (VP) position per R-ARCSS، 20 February 2020

(7)  الحركة الوطنية الديمقراطية (NDM): بيان يوضح موقف الحركة من مستقبل تنفيذ الاتفاقية، 29/2/2020م.

(8)  راديو التمازج: "الولايات المتحدة تفرض عقوبات على النائب الأول لرئيس جنوب السودان"، 9 يناير 2020م، متاح على https://radiotamazuj.org/ar/all-news/article/%D8%A7%D9%84%D ، تاريخ الدخول 6/3/2020م.

(9) راديو التمازج: "ترويكا ترحب بخطوة تشكيل حكومة انتقالية في جنوب السودان"، 25/2/2020م، متاح على https://radiotamazuj.org/ar/all-news/article/%D8%AA%D8%B1%D9%88%D9%8A%D9%83%D8%A7-%D8%AA%D8%B1%D8%AD%D8%A8-%D8%AE%D8%B7%D9 ، تاريخ الدخول 6/3/2020م.

(10)راديو التمازج: "الاتحاد الأوروبي: الإداريات الثلاث بحاجة للمناقشة بين أطراف اتفاق السلام"، 19/2/2020م، متاح على https://radiotamazuj.org/ar/all-news/article/%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%AA%D8%AD%D8%A7%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%8، تاريخ الدخول 6/3/2020م.

(11) اتفاقية السلام الجديدة لتسوية النزاع في جمهورية جنوب السودان، الفصل الثاني: الوقف الدائم لإطلاق النار والترتيبات الأمنية الانتقالية، مرجع سبق ذكره.

(12) اتفاقية حل النزاع في جمهورية جنوب السودان، الفصل الأول، المادة 106، (أديس أبابا: 17 أغسطس 2015م).

كتاب الموقع