أ. رشا السيد عشري(*)
يدور السؤال الرئيسي حول أسباب الاحتجاجات في إثيوبيا، ولماذا تتجدد بين الحين والأخر؟ بالرغم من أن النظام الفيدرالي في إثيوبيا راعى خاصية كل جماعة عرقية، إلا أن الصراع على الأرض يظل هو السبب الرئيسي في الاحتجاجات التي تتصاعد بين الحين والأخر، وهو لا يلغى العوامل المتعددة الأخرى التي أذكت هذا الصراع دون الوصول لتسوية أو مشروطيات تراعي الحقوق الأساسية التي تضمن بقاء تلك الجماعات بما يحقق الاندماج الوطني في الدولة .
أولاً: أبعاد الأزمة
1. التركيبة العرقية
تعتبر أثيوبيا موطناً لما يقارب 80 جماعة عرقية، والتي يبلغ عدد سكانها حوالي 85 مليون نسمة عام 2012م . وتمثل كل مجموعة من المجموعات (امم وقوميات وشعوب ) التالية والبالغ عددها 15 جماعة بنسبة 1 % فأكثر من إجمالي السكان وتلك الجماعات هي أورومو ( 34,5 % ) ، ومارا 26,9 % وتيجراوي 6,1 % ، والصومالي 6،1 % وسيداما 4,0% وكوريج 2,5% ، وواليتا ( 2,3 %)، وسيلت ( 2,0 % ) والعفر 1,6 % ، وهدية 1,6 % ، وجاموة 1,5% ، وجيودو 1،2 % ، وكفاشو 1,13% ، وايجو 1,05% ، ومباتا ( 0،94 % ) وتشكل الجماعتان العرقيتان الأولى والثانية ما نسبته 61,4 % من إجمالي عدد السكان، بينما تشكل الجماعات الست الأولى نسبة 80،2% من المجموع الكلي للسكان، حيث تمثل الجماعتان الأولى والثانية الأغلبية في مقابل جماعة التيجراى التى تتولى السلطة في البلاد وتمثل أقلية .
إذن هناك حدود وتباينات فاصله علي مستويات سلاليه، ولغويه، وثقافيه، ودينيه, " فهناك القوميه الأمهريه بانتمائها إلي سلاله ساميه ولغتها امهريه ذات أصول ساميه أيضا، وديانتها مسيحيه أرثوذكسيه، وتطورها تاريخي تعد مختلفة بشكل كلي عن قوميه أوروميه مثلاً بأصول سلاليه حاميه، ولغتها أوروميه، وغالبيتها تدين بالإسلام، وهكذا تكون باقي القوميات الأخرى في الدولة" .
وينقسم البلد إلى تسعة أقاليم وذلك بناءً على اللغة والعرق اضافة إلى منطقتين حضريتين وهما أديس أبابا ودايردوا . وتلك الأقاليم التسعة هي: أوروميا ومهارا وتيجراي والأمم والشعوب والقوميات الجنوبية وعفار وصومالي وبنيش وانجال كومز وكامبلا وهرري . كما يدين سكان إثيوبيا بديانات عديدة، أهمها: الإسلام (55%)، والمسيحية (35%)، والديانات التقليدية (8%). والأمهرية هي اللغة الرسمية للدولة إلي جانب لغات عديدة أخري.
2. تطور النظام السياسي في الدولة
منذ عام 1919م قامت الحكومة الأثيوبية ممثلة بالجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية باعتماد نظام فيدرالي للحكم، لكن في عام 1935 احتلت إيطاليا إثيوبيا، إلا انه تم هزيمتها بعد الحرب العالمية الثانية أمام بريطانيا التي فرضت وصايتها على إثيوبيا عام 1945 ، إلا أنه منذ حدوث الانقلاب العسكري عام 1974 وإنهاء الحكم الإمبراطوري (الذي استمر خمسين عاماً) حتى الوقت الحالى، تعيش الدولة الاثيوبية في حالة حراك سياسي مستمر وأوضاع متأزمة للصراع على السلطة وتقاسم الثروة فى ظل تعاظم الأقلية الحاكة وهم التيجراى في مقابل الأغلبية من الأورومو والأمهرة .
وقد شهدت الدولة العديد من الانقلابات العسكرية وذلك منذ عام 1974 حيث أنهت الحكم الإمبراطوري بزعامة هيلاسلاسي، وأسست دولة شيوعية نجحت في تأميم الأراضي الزراعية وإعادة توزيع الإقطاعيات على الفلاحين، لتتجه إلى انقلاب عسكري آخر عام 1977 بقيادة منجستو هايلا ميريام، والذي قام بإعدام وقمع خصومه، فضلاً عن حربه ضد الصومال على منطقة الأوجادين، لينتهى حكم منجستو بعد إسقاطه من الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية والجبهة الشعبية لتحرير التجراي بقيادة ميليس زيناوي (قاد الجبهة عام 1989) والذي ينتمي لقبيلة التيجراي، حيث تولى الحكم في البلاد عام 1991، وهو نفس العام الذي استقلت فيه إريتريا عن اثيوبيا، حيث تم استقلالها بصورة رسمية عام 1993، ليحكم زيناوى قبضته على السلطة لمدة 20 عاما حتى عام 2012م (تولى رئاسة الوزراء في النظام البرلمانى في الفترة 1995 - 2012).
حيث قام علي أساس مبدأ فصل الدين عن الدولة وعلي إقامه نظام حكم برلماني تكون السلطه فيه بيد حكومة صاحبة أغلبية في برلمان, وتنقسم هيئه تشريعيه تسمي مجلس اتحادي برلماني الي مجلسين هما مجلس اتحادي ومجلس نواب. حيث اتجهت البلاد نحو الاستقرار السياسي والتنمية الاقتصادية مع تعاظم تحالفها مع الولايات المتحدة الأمريكية . حيث اعتمد زيناوي على نخبة من قبيلته التجراي (6%) سيطرت على السياسة والاقتصاد والجيش والمؤسسات الأمنية والاستخباراتية (57 من 61 من قيادات الجيش تنتمي للتجراي وبعضهم أعضاء في الجبهة الشعبية) وهو الأمر الذي أدى الى محاولات تمرد من قبل الأغلبية من الأورومو والجماعات الأخرى كالأمهرة والأوجادين وبعض الأقليات ، ليظل الوضع السياسي في صراع على السلطة حتى بعد تولى هايلا مريام ديسالين، والذى تولى السلطة بعد وفاة زيناوي عام 2012 حتى الأن، والذي اتخذ نظام قائم على تحالف ثنائي بين الأمهرة والتجراي .
3. الصراع السياسي وحراك المعارضة
تعتبر الأسباب الرئيسية للصراع في الدولة ممثلة في التنافس على الموارد، والثروات، وعدم المساواة المالية، والتنموية، والتنوع الديني، والثأر، وعدم وضوح معالم الحدود بين المناطق والمقاطعات، والتمييز والتهميش، فضلاً عن ارتفاع نسب الفقر، والمطالب المضادة المتعلقة بالأراضي والمياة، يليها استئثار أقلية التيجراي بالسلطة والحكم في الدولة مقابل الأغلبيات، وهو ما أدى بمواجهات عنيفة بين النظام والمعارضة ، خاصة مع سماح الدستور للجماعات القومية بالحق في تقرير المصير، مما أدي إلي تنامي مطالب الجماعات المضطهدة بالانفصال عن الدولة المركزية، وهو ما أذكى الصراع في الدولة.
حيث يشكل تحالف الوحدة من أجل الديمقراطية والعدالة المعارضة الأبرز في إثيوبيا مع وجود الحزب الديمقراطي والحزب الأزرق ومنتدي الوحدة الديمقراطية، فضلاً عن العديد من الأحزاب والجماعات، مثل الجبهة الوطنية للشعب الإثيوبي EPPF، الجبهة الوطنية لتحرير أوجادين ONLF، جبهة تحرير أورومو OLF ، بزعامة Daoud Ibsa ، و"الجبهة الوطنية المتحدة" المعارضة بزعامة توت بول شاي، والتي تضم عرقيات من قبيلتي النوير والأورومو، وأقامت تحالفاً مع فلول نظام منغستو الذي سقط عام 1991، وشكلت الجناح العسكري الذي نشط في أدغال جنوب السودان. وجميعها جماعات معارضة للنظام الحاكم، والتى تسعى دائماً إلى الوصول إلى السلطة وتقاسم الثروة، والتى قابلها النظام بالقمع والاعتقال.
قاطعت المعارضة أول انتخابات أجريت عام 1995 بسبب عدم السماح لها بالمشاركة في وضع الدستور الذي سبق الانتخابات بعام واحد بينما شاركت في انتخابات العام 2000 وحصلت على 12 مقعدًا فقط (عدد مقاعد البرلمان 547) ، وفي انتخابات عام 2005 نجحت المعارضة في الفوز بـ 172 مقعدًا في الانتخابات الأكثر حرية، والتي تمت في ظل رقابة خارجية من الاتحاد الأوروبي ومؤسسة كارتر، إلا أنها أثارت كثير من أعمال عنف واحتجاجات أدت الي مقتل أكثر من 200 شخص واعتقال أكثر من مائه من ناشطين سياسيين الذين رفضوا نتائج انتخابات, بدعوي أنها زورت لصالح رئيس الوزراء ميليس زيناوي.
كما أنه مع تزايد قمع المعارضة وانتهاك القوانين الإثيوبية لحقوقها وتصاعد عمليات القتل والتعذيب في صفوفها ، الأمر الذي أدى إلى تراجع مشاركتها بشكل كبير في انتخابات عام 2010 لتحوز على مقعد وحيد فقط، ماعزز من تراجع الديمقراطية في الدولة، وكان عاملاً لتصاعد حراك المعارضة من حين لأخر. إلا أنه في مايو 2015 شارك في الانتخابات المقررة 58 حزبًا سياسيًا من إجمالي 60، في الوقت الذي حظرت فيه الحكومة الإثيوبية كلًا من حركة "غنبوت سبات"، و"الجبهة الوطنية لتحرير أوجادين"، و"جبهة تحرير أورومو"، التي تتخذ دولة إريتريا مقرا لها، وأدرجتها كمجموعة إرهابية، في يونيو/حزيران 2011.
4. الدور الخارجي
يأتي الدور الخارجي ممثلاً في دور الولايات المتحدة الأمريكية والفاعلين الدوليين ذوي المصالح الكبرى في منطقة القرن الأفريقي والقارة بشكل عام، وعلى رأسهم إسرائيل وتركيا وروسيا وغيرها من الدول، حيث تعتبر إثيوبيا من الفاعلين الإقليميين وأحد أهم الوكلاء للدول الكبرى في القارة لاسيما الولايات المتحدة الأمريكية؛ التي تسعى الأولى على خدمة مصالحها في القارة مقابل المساعدات الأمريكية الكبرى لإثيوبيا، والسعى لوضعها كقوة إقليمية في مقابل الدول ذات النفوذ خاصة مصر ، كما تسعى إثيوبيا إلى خدمة المصالح الاسرائيلية في القارة مقابل المعونات الاقتصادية والعسكرية الاسرائيلية، وفي مجال الاستثمار الزراعي، والمشروعات المائية، والتجارة الخارجية، التي نمت أخيراً بين الدولتين بشكل غير مسبوق.
بالتالي توظف إثيوبيا السياقين الدولي والإقليمي لتحقيق أهدافها الاستراتيجية خاصة فيما يتعلق بأزمة حوض النيل، حيث تستغل اثيوبيا حالة التعارض في المصالح الاستراتيجية بين مصر والولايات المتحدة في ظل السعي الأمريكي للهيمنة على القارة، ليكون لها دوراً إقليمياً فاعلاً نتسجة المصالح المشتركة مع القوى الكبرى على حساب مصر، كما نجحت في إقامة مايمكن تسميته العلاقات الخاصة مع اسرائيل Relationship Special لتعظيم الهيمنة على الشرق الأوسط.
من ثم كانت القوى الدولية لاسيما الولايات المتحدة الأمريكية لها دوراً فاعلاً في تحجيم أزمة الاحتجاجات، والتي عملت على تسخير المعارضة الإثيوبية المحتملة منذ حكم زيناوي وتمكين جبهة تحرير شعب التيجراي في السلطة، بالتالى كان قمع الاحتجاجات وقتل المئات من تلك الجماعات المحتجة من المُسلًّم بها من قبل قوات الأمن، مع إعطاء الضوء الأخضر من قبل القوى الدولية التي لم يتعد موقفها في تلك الأزمة سوى التنديد بأعمال العنف في الدولة.
ثانياً: أزمة الاحتجاجات الإثيوبية
لم تكن التظاهرات في إثيوبيا وليدة اللحظة بل إن لها جذور، وتفاقمت مع تطور الوضع السياسي في الدولة منذ نوفمبر 2015 حتى أواخر يوليو 2016، وإلى الفترة الحالية، حيث تظاهر نحو نصف مليون إثيوبي بشوارع "جوندر" بمنطقة "أمهرة" شمال إثيوبيا وميكسل، وقُتل على أثارها قرابة 125 شخصًا، من طائفة الأورومو وإصابة المئات، يرجع ذلك إلى العديد من السياسات المتجذرة التي اتخذتها الحكومة الاثيوبية التي تمثلها أقلية التيجراي ضد قبيلتي الأمهرة والأورومو التي تمثل أغلبية الشعب الإثيوبي كما ذكرنا سابقاً على مدار عقود من الزمان تمثلت في التهميش والحرمان من الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وكان آخرها انتزاع الأراضي المملوكة لمزارعي الأورومو لدخولها في توسيع العاصمة مما أدى إلى تصاعد العنف والاحتجاجات في البلاد من قبل المعارضة. من ثم تعددت أسباب التظاهرات مابين أسباب سياسية وأخرى اقتصادية، وهي كلأتي:
1. أسباب سياسية
تجددت الاحتجاجات والتظاهرات الاثيوبية بعد فترة ليست بالبعيدة على انتهاء أكبر احتجاج شهدته الدولة في عام 2015م، قٌتل على أثاره أكثر من 500 مواطن إثيوبي لتتجدد تلك التظاهرات التي تنادي بالحرية والعدالة، عقب احتفال الألاف بمهرجان إيريشا الديني في منطقة أوروميا الأثيوبية قرب العاصمة أديس أبابا (تبعد 40 كيلومترا) ما دفع الشرطة الأثيوبية للتدخل. ما أدى إلى مقتل 52 شخصاً جراء عمليات التدافع نتيجة الأعداد الكبيرة، على صعيد أخر نفى رئيس الوزراء هايلى مريام ديسالنغ استخدام قوات الأمن للرصاص، واتهم قوات المعارضة داخل الدولة، وكذلك قوات خارجية بتأجيج العنف، وهو ما نفته المعارضة هي الأخرى، حيث صرح أحدهم إن نحو 300 شخص قتلوا وأصيب كثيرون.
تصاعد العنف وتزايد حراك المعارضة للمرة الثانية، بعد قيام رئيس الوزراء بإعلان حالة الطوارئ في البلاد نتيجة الانعدام الأمني في الدولة وأعمال العنف التي طالت مصالح أجنبية ممثلة في تدمير العديد من المصانع والمزارع المملوكة للأجانب ، وهو ما أدى إلى دخول البلاد في أوضاع أمنية متأزمة وعدم استقرار على كافة الأصعدة.
وبالرغم من التقارير الدولية التي تشير إلى أن مالا يقل عن 170 حالة وفاة في منطقة أوروميا وأخرى 120 في أمهرة منذ بدأت المظاهرات في نوفمبر 2015، إلا أن السلطات الاثيوبية رفضت إعطاء عدد حقيقي للقتلى مع إقرارها بمقتل 55 قتيل، وتوعدها بالتعامل بقوة مع العناصر التي تتدعي أنها إرهابية، فيما تقر منظمات حقوق الإنسان بأن أعداد القتلى وصلت إلى المئات.
توتر الأوضاع في الدولة وتصاعد الاحتجاجات أدى إلى اتخاذ أبعاداً إقليمية في إطار العلاقات الإثيوبية الأفريقية، واتهام إثيوبيا لأطراف إقليمية بالسعى لتهديد استقرار الدولة ودعم المعارضة، وذلك على صعيد العلاقات المصرية الإثيوبية من جهة، والعلاقات الإثيوبية الإريترية من جهة أخرى. يأتي ذلك في إطار الحرب الدبلوماسية والسياسية والإعلامية التي يخوضها الجانب الإثيوبي تجاه مصر لاستكمال مشروع سد النهضة، والتي فشلت العديد من المفاوضات في الوصول لتسوية ترضي الجانبين بما يحفظ الحقوق المصرية المكتسبة من مياه النيل، ليزداد الوضع تعثراً وتصاعدا في أزمة العلاقات على إثر توتر الأوضاع في إثيوبيا واشتعال الاحتجاجات، وهو ما ينذر بتعنت الجانب الإثيوبي في انحسار المفاوضات والشروع في تشغيل مشروع السد بشكل كامل مع نهاية العام 2017.
2. أسباب اقتصادية
تعتبر إثيوبيا دولة زراعية، حيث يسهم الإنتاج الزراعي فيها بنحو 45% من الناتح المحلي الإجمالي، وتستوعب نحو 85% من الأيدي العاملة. ويعتمد دخلها القومي بالأساس علي تصدير محصول البن. وبالرغم من النمو الاقتصادي الاثيوبي الذي وصل الأعلى على مستوى الاقتصاد الأفريقي بمعدل بين 11-12% بحسب بيان البنك الدولي، إلا أن ثلث سكان الدولة يعيشون تحت خط الفقر، خاصة إن عمليات التهميش قد طالت العديد من مواطني الدولة لاسيما أغلبية "الأمهرة" و"الأورومو" مع اقتصار هذه الطفرة على أقلية "التيجراي" الحاكمة، التي تسيطر على المناصب الحكومية والعسكرية والأعمال التجارية، والتي قد أدت لمزيد من المعاداة لسياسات الحكومة والحزب الحاكم تجاه الشعب، وأصبحت مساراً للعنف بين الجانبين، خاصة بعد عمليات القمع التي طالت العديد من المتظاهرين على أثر اعمال العنف والاحتجاجات في الفترة من 2015 إلى 2016، نتيجة الشروع في انتزاع العديد من أراضي الأورومو الزراعية وأجزاء من أقاليمها لتوسيع العاصمة، وإقامة سد النهضة؛
ماكان له الأثر في تزايد الغضب، ومن ثم الهجوم على مقدرات الدولة، حيث تعرضت حقول ومصانع تشغل أكثر من 40 ألف موظف لهجمات، خاصة بعد المطالبة بعدم مصادرة أراضي الدولة، والمطالبة بالمشاركة السياسية والحقوق المشروعة، ومحاربة الفساد، وذلك من خلال التظاهرات السلمية التي يقودها الألاف من المواطنين.
من ثم فإن إعادة تغيير سياسات الحكومة الإثيوبية تجاه المعارضة من خلال التوقف عن استخدام القوة وتغيير أسلوب تعاملها مع الأزمة، بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، ورفع سقف الحرية للصحف، يعتبر من أهم العوامل في الحد من الأزمة المتصاعدة .
ثالثاً: السيناريوهات المحتملة للأزمة
هناك العديد من الاحتمالات التي تنذر ببقاء الأزمة في الدولة مع تزايد حراك المعارضة:
1ـ احتمالية استمرار تصاعد العنف بين الحكومة وقوات المعارضة لاسيما حركة تحرير الأورومو المسلحة التي أعلنت في وقت سابق استعدادها للحراك المسلح لمواجهة الحكومة الإثيوبية لاسترداد حقوقها، وهو الأمر الذي أدى إلى رجوع الحكومة عن مشروعاتها الكبيرة والمعتمدة على أراضي الأورومو، إلا أن ممارسات الحكومة بشأن عمليات القمع والاعتقال تنذر بعودة المواجهات المسلحة في الأجل القريب.
2ـ التدخل الدولي والعلاقات الإثيوبية الغربية كان لها الدور الكبير في إعطاء شرعية لحكومة التيجراي بمواصلة قمعها لأغلبية الأورومو وحرمانها من حقوقها وهو ما دعى الحكومة الإثيوبية بعدم الاهتمام بمطالبة الأمم المتحدة بمراقبة الوضع بعد عمليات الاقتتال في الشهور الماضية.
3. بالرغم من دور السلطة وحزب الجبهة الديمقراطية الثورية في الوصول باقتصاد أثيوبيا كأفضل اقتصاديات أفريقيا إلا أن التحسن والازدهار اقتصر على أقلية التيجراي الحاكمة، ماكان له الدور في تصاعد المواجهات المسلحة واستهداف استثمارات الدولة من خلال تدمير أصولها الأجنبية وهو مايؤدي إلى تراجع اقتصادها واستثماراتها نتيجة عدم الاستقرار الأمني الذي تشهده الدولة، وهو ما يشكل تهديدًا خطيرًا للاقتصاد في إثيوبيا".
أيضاً هناك العديد من الاحتمالات التي تنذر بانتهاء الأزمة بطرق متعددة إما بقمع المعارضة أو بالاتفاق معها من خلال سير المفاوضات:
1. ربما تتجه الأزمة في طريقها للانتهاء وذلك من خلال استمرار المفاوضات بين الحكومة والمعارضة والتى أثبتت ثقلها في الحراك المسلح وقدرتها على مواجهة النظام من خلال التظاهرات الحاشدة في الدولة، ومن ثم تدخل القوى الإقليمية والدولية في الوساطة من أجل الوصول لتسوية تتيح المشاركة السياسية وتحسين الوضع الاقتصادي لجماعة الأورومو.
2. قدرة النظام على حسم التظاهرات لصالحه كان من أهم العوامل في انتهاء الأزمة نتيجة عمليات القمع والاعتقالات في صفوف المعارضة والنشطاء السياسيين والصحفيين، فضلاً عن عمليات القتل الواسعة التي وصلت إلى المئات، ماكان له الدور في إخماد الاحتجاجات، ومن ثم يعطي مؤشراً على تراجع حدة التظاهرات في إشارة للتسليم بالأمر الواقع نتيجة قوة النظام والقبضة الأمنية.
3. أما على الصعيد الدولي فإن استمرار توتر العلاقات الإثيوبية مع بعض الدول الأفريقية لاسيما مصر واريتريا التي تتهمها بدعم المعارضة المسلحة ينذر بمزيد من المواجهة المسلحة مع اريتريا من جهة، خاصة على الحدود الاثيوبية الإريترية، وذلك بعد تصريح الحكومة الإثيوبية بدعم إريتريا المباشر للعناصر الإرهابية كما تزعم، التي تنتشر في إقليمي أمهرا (شمال غرب)، وأوروميا (جنوب)"، وإرسالها عناصر إرهابية إلى مدينة غندر (شمال)، وإقليم عفار (شرق)، ومزيد من العقبات في سير المفاوضات المصرية الإثيوبية فيما يتعلق بسد النهضة من جهة أخرى.
خلاصة القول:
استمرار تصاعد الاحتجاجات في اثيوبيا خاصة في ظل أعمال القمع التي تشهدها الدولة قد أثرت على الوضع الأمني في ظل تعثر مفاوضات التسوية بين الحكومة والمعارضة. وبالرغم من تصريح الولايات المتحدة الأمريكية في بيان بقلقها حيال أعمال العنف، إلا أن المجتمع الدولي لم يحرك ساكناً تجاه الأوضاع الإنسانية وتصاعد أعمال العنف ودور الحكومة في عمليات القمع، مايوضح أن العلاقات الإثيوبية الغربية كان لها الدور الكبير في إعطاء شرعية للحكومة بمواصلة قمعها لأغلبية الأورومو والأمهرة وحرمانها من حقوقها ، خاصة مع استمرار دعم الحكومة بالمساعدات الغربية. وبالتالي فإن تقليص الدول والمنظمات الغربية لتلك المساعدات تعتبر وسيلة ضغط لتغيير نمط تعاملها مع المعارضة، ولكن في إطار سياسات محددة.
إن تعزيز الاندماج الوظيفي في الدولة والقائم على المصــلحة المشــتركة سياسيا واقتصادياً، استناداً إلى الأســس الوظيفيــة والمؤسســية ، يعتبر من أهم العوامل في تحقيق الاندامج الوطني في الدولة طالما أن المؤسسات الحكومية تـؤدي وظائفهـا بفاعلية دون التفرقة على أسس عرقية أو غيرها من أشكال التمييز.
مراجع
(*) باحثة مصرية متخصصة في الشأن الإفريقي.
1. د. بهاء الدين مكاوي محمد قيلي، تسوية النزاعات في السودان .. نيفاشا نموذج (الخرطوم: مركز الراصد للدراسات، نوفمبر 2006)
2. رشا العشري، تطورات المشهد الافريقي 16 أغسطس، المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية ( اسطنبول: المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية، أغسطس ٢٠١٦)، ص1- 13.
3. رشا العشري ، تطورات المشهد الافريقي 23 أكتوبر 2016، المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية ( اسطنبول: المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية، اكتوبر ٢٠١٦)، ص1- 13.
4. د. محمد سالمان طايع، تأثير سد النهضة الإثَيوبٌي علي الأمن القومٌي المصريً، بحث مقدم ضمن فعاليات ندوة " قضية مياه النيل" (القاهرة: قسم الجغرافيا، كلية الأداب، جامعة القاهرة، 15 مارس 2014)، ص35.
5. هبا تمو ويندمو، الفيدرالية وإدارة الصراعات في أثيوبيا : تحليل اجتماعي نفسي للفرص والتحديات، مشروع ورقة عمل للنقاش أعدت خصيصاً للمجلس الفيدرالي الأثيوبي (أديس أبابا، المجلس الفيدرالي الأثيوبي، فبراير 2013م)، ص2-14.
6. Anja Kristina Martens, "Impacts of Global Change on the Nile Basin Options for Hydropolitical Reform in Egypt and Ethiopia", International Food Policy Research Institute (IFPRI), Discussion Paper 01052, January 2011, pp. 12-17.
7. د. أيمن شبانة، الظهور الإثيوبي في جنوب الشرق الأوسط، السياسة الدولية، 29 يناير 2017
http://www.siyassa.org.eg/NewsQ/1772.aspx
8. الجزيرة نت، اتفاق سلام مع "الجبهة الوطنية" المعارضة بإثيوبيا، الجزيرة نت
9. ضياء طارق، النظام السياسي في إثيوبيا: نموذج للدولة السلطوية
http://www.noonpost.net/content/12298\
10. هاني رسلان، الانتخابات الإثيوبية: التعددية ومحاولات التعايش القومي، مركز الأهرام
http://www.ahram.org.eg/archive/Strategic-issues/News/21689.aspx
11. موقع مقاتل ، اثيوبيا
http://www.moqatel.com/openshare/Behoth/Dwal-Modn1/Ethiopia/Sec04.doc_cvt.htm
12. مركز الفكر الغربي
http://www.cwestt.com/encyc/History_of_Ethiopia
13. وكالة الأناضول
http://aa.com.tr/ar/%D8%A3%D9%81%D8%B1%D9%8A%D9%82%D9%8A%D8%A7/%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%A6%D