يتوقع -بشكل كبير- أن تتسارع في الشهور المقبلة من العام 2022م تداعيات المقاربات الدولية والمحلية تجاه ظاهرة الإرهاب على عدة مستويات؛ فبعد الانسحاب الأمريكي نهاية عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، وفي بداية عهد الرئيس الحالي جو بايدن من الصومال، والانسحابات الفرنسية والأوروبية المرتقبة في أكثر من جبهة بإقليم الساحل الإفريقي، وتسارع أحداث العنف والإرهاب غير المسبوق في نيجيريا منذ نهاية العام 2021م، يبدو أن "الإرهاب" سيظل على قمة أجندة المخاوف الإفريقية في العام الحالي لا سيما بعد فشل قمة الاتحاد الإفريقي الأخيرة (فبراير 2022) في تقديم حلول عملية لمأزق عدم وجود آليات إفريقية ناجعة لمواجهة هذه الظاهرة الخطيرة، رغم إقرار القمة خطة لجذب مخصَّصات دولية (من الشركاء الدوليين للاتحاد) لتمويل "عمليات السِّلم والأمن لمساعدة القارة في مواجهة الإرهاب والتطرف والانقلابات على نحو أكثر فعالية"؛ فيما يُعدّ مطلبًا هلاميًّا وغير واقعي تمامًا لكون "الانقلابات" أزمة في سياق مغاير تمامًا من جهة الأسباب والدوافع وأبنية الدولة ومؤسساتها، وبالنظر إلى انسحاب عدد من شركاء الاتحاد بالفعل من العمليات المشابهة؛ كما في حالتي الولايات المتحدة وفرنسا، وتجاهل طبيعة تدخل الأطراف الدولية في الأزمة، سواء عبر العلاقات الثنائية مع الدول المتضررة من الظاهرة (بمشروطيات بالغة التعقيد والتكلفة لمح لها رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي موسى فقي في قمة بروكسل بمطالبته بدعم أوروبي "دون إملاءات")، أم عبر الترتيبات مع المنظمات الإقليمية المعنية.
الفساد و"صناعة الإرهاب": جدل مستمر
طرح كتاب "الإرهاب في إفريقيا- اتجاهات وحدود جديدة" (صدر نهاية العام 2021م عن دور نشر روسية وإسرائيلية، وتضمن عدة دراسات ركَّزت بالأساس على انتقادات مباشرة لسياسة جنوب إفريقيا في مواجهة التهديد الإرهابي شمالي موزمبيق) رؤى متنوعة حول ظاهرة الإرهاب في إفريقيا، وإن تضمن خطأ لافتًا إلى جانب "المقاربة الأمنية" التقليدية؛ منها طرحه فكرة أن مكانة إفريقيا الجيوسياسية في العالم فاقمت من خطورة الظاهرة مع استغلال القوى الكبرى في نصف الكرة الأرضية الشمالي للقارة الإفريقية، ونهب مواردها وثروتها الطبيعية، مع ترقب الفرص التي يوفرها سوقها الناشئ مستقبلًا وتوطيد علاقاتهم مع النُّخب الإفريقية الحاكمة التي تستفيد بمفردها من "الصفقات التجارية" في موارد القارة الطبيعية "تاركة أغلب سكان القارة" في حالة بائسة. كما أن "القيادة الإفريقية فشلت تاريخيًّا في الوفاء بالوعود التي قدّمتها عند تحرير القارة من الاستعمار"، وأنهم خانوا عهد النضال من أجل التحرر([1]).
ويمكن تلمُّس ارتباط الفساد بالتمدُّد الإرهابي في إفريقيا -على سبيل المثال- في حالتي نيجيريا والكاميرون؛ فالأخيرة -التي لا يتجاوز عدد سكانها 27 مليون- تخضع لحكم الرئيس بول بيا (88 عامًا) منذ نحو 40 عامًا، ويقيم بشكل شبه دائم في فندق فخم في سويسرا، وتُعزّزه بالأساس حسب تقارير صحفية تداولتها وسائل الإعلام الجنوب إفريقية قوات بريطانية تدعم نظامه منذ سنوات، كما أنها انخرطت بشكل كامل منذ العام الماضي في ست عمليات سرية لمواجهة الإرهاب في الكاميرون.
واللافت –حسب التقارير المذكورة- أن قوات المملكة المتحدة تعمل بشكل مباشر في الثكنات العسكرية للجيش الكاميرون لا سيما في المناطق الشمالية (حيث تنتشر أنشطة جماعة بوكو حرام)، كما أقام البريطانيون قرى لتدريب القوات الكاميرونية (لا سيما في إقليم سلك Salak الشمالي الممتد في شكل مثلث وسط نيجيريا وتشاد) اتهمتها منظمة العفو الدولية بارتكاب انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان (خاصة ضد الناطقين بالإنجليزية في حركة أمبازونيا Ambazonian Movement)؛ مما يسهم في تغذية الجماعات الإرهابية بعناصر جديدة على المدى البعيد([2]).
بينما تبنَّى الرئيس النيجيري محمد بخاري في قمة الاتحاد الأوروبي- الاتحاد الإفريقي (بروكسل، 17-18 فبراير الجاري) خطابًا "ملتبسًا" إلى حد كبير، فقد أكد في مائدة مستديرة حول السلم والأمن والحوكمة على الحاجة إلى "اجتثاث الأسباب الجذرية للتطرف والصراعات والتوترات في إفريقيا في مهدها... فقد ظلت القارة تشهد موجات مختلفة من التطرف العنيف والصراعات المجتمعية والتوترات الإثنية، لا سيما في المناطق الريفية. ولعقود عديدة، حرمت قارتنا من الاستقرار السياسي والتنمية الاجتماعية بسبب الإرهاب والتطرف العنيف"([3]).
ويكشف تبرير الرئيس بخاري حالة عدم الاستقرار في القارة طوال عقود بظاهرة الإرهاب عن قصور متعمد في معالجة التهديدات الإرهابية بشكل جادّ وجذري والتذرع بها في مشكلات تتجاوز تهديداتها تاريخيًّا وجغرافيًّا بشكل واضح، وتجاهل الأسباب العميقة لأزمات الدولة الإفريقية ومن بينها نيجيريا منذ نهاية القرن التاسع عشر.
ويعيد هذا الطرح النقدي، إلى جانب ما أعلن في نفس السياق بين حين وآخر من قادة سياسيين وفاعلين في سياسات مواجهة الإرهاب إفريقيا أو دوليًّا، جدل ارتباط الفساد المؤسساتي في الدول الإفريقية (وربما في عدد من المنظمات القارية) بعدم نجاعة مواجهة التهديدات الإرهابية وتحجيم انتشارها على الأقل، الأمر الذي لم يكن بمنأى عن مداولات المنظمات القارية في إفريقيا وأوروبا.
جهود مواجهة الإرهاب: مقاربة الاتحاد الإفريقي وقمة بروكسل
بعد أيام قليلة من قمة الاتحاد الإفريقي (التي عُقِدَت في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا مطلع فبراير الجاري)؛ حثَّ الاتحاد منتصف الشهر، عبر مفوّضه للسلم والأمن بانكولي أديوي Bankole Adeoye، شركاءه الدوليين على "إصلاح وسيلة تمويلهم لعمليات السلم والأمن بالقارة"، ولفت إلى حاجتها إلى "تمويل كافٍ وقابل للتوقع ومستدام" للعب دور أكثر استباقًا في حفظ الأمن، والحصول على مدفوعات إلزامية من الدول لتمويل موازنة الأمم المتحدة وعمليات حفظ السلام"، والذي أكد في حوار لافت قبيل ساعات من قمة الاتحاد الأوروبي- الاتحاد الإفريقي (بروكسل 17-18 فبراير الجاري) أن القارة ليست بحاجة إلى حفظ السلام "بل إلى فرض السلام". وكان مجلس السلم والأمن قد وافق قبيل منتصف فبراير الجاري على خطوة الاتحاد الأوروبي بتقديم دعم ثنائي مباشر للدول الأعضاء بالاتحاد "لمواجهة الإرهاب والتطرف العنيف"([4]).
وبينما طغت مسألة "النفوذ الصيني" في إفريقيا على هواجس الاتحاد الأوروبي خلال قمة بروكسل الأخيرة، فإن سيناريوهات التعاون الأوروبي الصيني في إفريقيا ظلت قائمة حسب عدد من المحللين، لا سيما في ملف مبادرة إعفاء الدول الإفريقية من الديون؛ كما يتوقع أن يمتد هذا التنسيق في عدد من "المناطق الساخنة" التي تعاني من الإرهاب لا سيما إقليم الساحل (حيث تتقارب السياسات الأوروبية والصينية بشكل كبير في مواجهة النفوذ الروسي)؛ مع تخوف الاتحاد الأوروبي البالغ من "تصدير إفريقيا جنوب الصحراء لحالة عدم الاستقرار نحو البحر المتوسط، مما سيفرض مشكلات خطيرة بما فيها الإرهاب".
كما تتسق سيناريوهات التعاون الأوروبي الصيني مع سعي أوروبا لمنع أي موجات جديدة من اللاجئين، والتزايد المرتقب في حاجة أوروبا لتنفيذ مشروعات استيراد مزيد من الغاز الطبيعي المسال من الدول الإفريقية([5])، مثل نيجيريا حيث تعمل شركات صينية كبيرة في قطاع الطاقة بها، وفازت إحداها منتصف فبراير الجاري بعقود كبيرة ذات دلالة ربما على آفاق التعاون الأوروبي الصيني([6]).
ويعزز هذا التقارب الأوروبي- الصيني المرتقب مستقبلًا في ملف مواجهة الإرهاب، وعلى خلفية تعاون أو "تكامل" اقتصادي حتميّ لا سيما في قطاع الطاقة في إفريقيا، نظرة الاتحاد الأوروبي لقضية الإرهاب في إفريقيا من زاوية تهديداته على دوله، ومصالحه الاقتصادية، وتهميشًا متزايدًا لمخاوف الدول الإفريقية الحقيقية.
وفيما تأتي جهود فرنسا في إقليم الساحل في قلب المقاربة الأوروبية، فإنها كشفت بعمق الرؤية السطحية التي يوليها الأوروبيون لمسألة الإرهاب في إفريقيا، فقد حرص الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على انتهاز القمة الأوروبية الإفريقية، واستضاف عددًا من القادة الأوروبيين والأفارقة (16 فبراير الجاري) أبرزهم قادة تشاد والنيجر وموريتانيا "فيما لم توجه الدعوة لرئيسي مالي وبوركينا فاسو".
ودعا ماكرون خلال القمة لإحياء "أنشطة مواجهة الإرهاب في الساحل"، مؤكدًا أن إعادة انتشار القوات الفرنسية في الإقليم أصبح وشيكًا؛ بينما أكدت الرئاسة الفرنسية قبيل القمة بساعات، في تصريحات متناقضة وبالغة الغرابة وعدم الحسم في واقع الأمر، نظرها في مسألة إمكانية استمرار العمل بفاعلية وجماعية في مالي (التي لم تُدْعَ للاجتماع)، ومراجعة نموذج المشاركة العسكرية من أجل إظهار أفضل للرأي العام الإفريقي"، ولفت جابريال أتال، الناطق باسم الإليزيه، إلى أن الوضع القائم (في مالي) بالغ التدهور مع استيلاء مجلس عسكري على السلطة، ورفضه تطبيق جدول زمني "لعودة النظام الديمقراطي" واستخدامه ميليشيات روسية خاصة([7]).
وتبرز هذه القراءة –بشكل عام- هشاشة أي مقاربة أوروبية (أو فرنسية تحديدًا) مقبلة لمواجهة الإرهاب في إفريقيا، بالنظر إلى عدة اعتبارات؛ منها: أن هذه المقاربة ستكون تكرارًا لنفس السياسات الأوروبية طوال العقود الفائتة لا سيما قيامها على مجرد ضربات استباقية لمنع امتداد تداعيات الإرهاب إلى سواحل أوروبا، بغضّ النظر عن تكرار الديناميات المستخدمة أو نجاعتها في اقتلاع ظاهرة الإرهاب، وليس تسكينها، رغم ما تمثله من تهديد لبناء الدول الإفريقية المتضررة؛ وارتباط المقاربة بالأساس "بالتوقيتات" الأوروبية (مثل الانتخابات الفرنسية المقبلة ربيع 2022م).
الدولة والإرهاب في إفريقيا 2022م: الحالة النيجيرية
تجدد، مطلع العام الجاري، الجدل في نيجيريا، التي تواجه واحدة من أعقد مشكلات ظاهرة الإرهاب في العالم وحلت ثالثة بعد أفغانستان والعراق في قائمة مؤشر الإرهاب العالمي 2020م، إزاء نجاعة مقاربة نظام الرئيس محمد بخاري لمواجهة التهديدات الإرهابية مع مقتل ما لا يقل عن مائتي مواطن في قرى بولاية زامفرا شمالي غرب البلاد على يد عناصر مسلحة فارَّة من ضربات جوية شنَّتها القوات النيجيرية في الإقليم بالتقاطع مع عمليات تقوم بها حكومة النيجر في المنطقة الحدودية، وهي العمليات التي أضحت تُعرَف "بمذابح زامفرا" (4-6 يناير 2022م). بينما رجَّح خبراء أمنيون في نيجيريا كون هذه "المذابح" بالأساس ردًّا على العمليات العسكرية التي شرعت بها القوات المسلحة النيجيرية منذ أواخر العام 2021م، وأن العناصر الإجرامية- الإرهابية عملت على الانتقال لمواقع أخرى، وأقدموا خلال عملية الانتقال على جرائمهم في زامفرا، وهو التفسير الذي أكدته شهادات سكان بالمنطقة.
وبادرت الحكومة عقب "المذبحة" بتصنيف أنشطة العصابات "بالأنشطة الإرهابية" في إقرار أو توصيف "سليم" لواقعٍ حذَّر منه محللون كثر قبل سنوات من تماهي أنشطة العصابات مع أنشطة العناصر الإرهابية، لا سيما في شمال غرب البلاد؛ حيث حدود نيجيريا مع تشاد والنيجر والكاميرون. وقد وصل عدد العصابات الإجرامية (العاملة بشكل رئيس في زامفرا) إلى أكثر من 120 عصابة في العام 2021م.
وسبق أن حذر محللون نيجيريون منتصف العام الفائت من التحوّل المستمر في أنشطة هذه العصابات من حالة منعزلة إلى أنشطة عابرة للحدود الوطنية ومنتشرة بسرعة بالغة كتهديد أمني.
ورغم رصد "استراتيجية الأمن القومي النيجيرية" عن العام 2021م تمثل 40% من تهديدات الأمن القومي النيجيري في أنشطة هذه العصابات في مناطق محددة؛ فإن الحكومة الفيدرالية لم تقدم على جهود حقيقية لرفع حضور "الدولة" في هذه المناطق طوال الشهور الفائتة، الأمر الذي كان ليجنّب البلاد "مذابح زامفرا" الأخيرة.
مع ملاحظة خطورة المرحلة المقبلة؛ حيث تلعب الجغرافيا دورًا كبيرًا في تعزيز الصلة بين العصابات الإجرامية والجماعات الإرهابية([8])؛ إذ تحيط بمنطقة شمال غرب نيجيريا أراضٍ غابية شاسعة، وتتجاوز امتداداتها الحدود النيجيرية مع ثلاث دول، وتمثل في مجملها أراضي خارج السيطرة الحكومية التقليدية؛ حيث يتضاءل وجود السلطات الحكومية أو ينعدم تمامًا.
وعزز من هذا التحليل وجود شواهد ملموسة على الاستخدام المتبادل للوجستيات والأسلحة بين هذه المجموعات المختلطة، وكذلك عمليات مبادلة الأسلحة، كما انتهجت العصابات عمليات خطف أطفال المدارس والمدنيين للحصول على تمويل لعملياتهم المختلفة في تقليد للمرحلة المبكرة من عمل بوكو حرام.
وجددت "مذابح زامفرا" جدل الفساد والإرهاب في نيجيريا؛ الأمر الذي ثار بشكل واضح بمطالبة "صني أونوسوكي" S. Onuesoke من الحزب الديمقراطي الشعبي بدلتا النيجر، بالتشاور مع علي ندومي A. Ndume رئيس اللجنة العسكرية بمجلس الشيوخumeي س اللجنة العسكرية بمجلس الشيوخ علي ون الإرهاب ومحاكمتهم إرهابية مع مقتل ما لا يقل عن مائتي مواطن ، الحكومة بإعلان أسماء من يمولون الإرهاب ومحاكمتهم، باعتبار أن هذه الخطوة "ستمثل خطوة كبيرة للغاية في حفظ أرواح الأبرياء وخفض أنشطة الإرهابيين وتعزيز أسلوب الحياة الاجتماعي والاقتصادي لبقية النيجيريين"، ولفت بيان "أونوسوكي" أن للتأخير في كشف أسماء المتورطين ومحاكمتهم أثرًا خطيرًا على أمن الدولة وخسارة مزيد من الأرواح، وجاءت المطالب على خلفية تأكيد الحكومة الفيدرالية في وقت سابق نجاحها في تحديد واعتقال "أفراد رفيعي المستوى" مسؤولين عن تمويل أنشطة الإرهابيين في البلاد، دون تجاوز هذه المرحلة للكشف عن هوياتهم([9]).
ويُلاحظ أن الجهود الحالية تراكم دعوة وسائل إعلام ونُخَب سياسية نيجيرية -نهاية العام 2021م- لحملة تحت لافتة "وقف الإرهاب-2022م"، والفساد المرتبط بهذه الظاهرة (حيث تحلّ نيجيريا منذ سنوات على قمة لائحة الدول الأكثر فسادًا على مستوى العالم، أحدثها المركز 149 بين 179 دولة في مؤشر الفساد-2021م، الذي تصدره الشفافية الدولية) التي تهدد حسب معنيين نيجيريين "بفشل الدولة النيجيرية"؛ وحظيت الحملة بزخم كبير بعد الأحداث الإرهابية الأخيرة.
وفي نفس السياق أصدر مركز الديمقراطية والتنمية (CDD) تقريرًا قرب منتصف يناير الفائت رصد فيه فقد الدولة النيجيرية نحو 15 بليون دولار في صفقات سلاح عقدها الجيش النيجيري طوال 20 عامًا ماضية"، وتوصل التقرير إلى "قيام النخبة السياسية والأمنية "بتحويل نقدي" monetized للصراعات والأزمات الإنسانية الناجمة عنها.
ولفت التقرير إلى فشل الرؤساء السابقين في كبح "الفساد في القطاع الأمني الذي أضعف قدرة نيجيريا على مواجهة الإرهاب"، والسماح لجماعات مثل بوكو حرام بالاستمرار (والتمدد) منذ العام 2009م حتى الآن. وكذلك عدم التزام الإدارة الحالية بتعهدها السابق بكشف "المجرمين، أو الأفراد، أو الهيئات، أو المؤسسات" الممولة للإرهاب في نيجيريا منذ أكثر من عقد.
وجاء الكشف عن هذه المعضلة بينما شهد الاقتصاد النيجيري منذ العام 2020م تراجعًا ملحوظًا (بعد ثلاثة أعوام من التعافي)؛ بسبب تراجع أسعار البترول الخام، وتأثيرات متزايدة لجائحة كوفيد-19 على قطاعات مهمة أخرى مثل الطيران والسياحة والتصنيع والتجارة. وتوقعات بوصول نمو الاقتصاد في العام 2022م بنسبة 2.5% حسب البنك الدولي (اعتمادًا على توقُّعات تعافي أسعار البترول وإنتاجه) من 1.5% في العام 2021م.
وفي واقع الأمر فقد جاءت الانتقادات الموجهة ضد القوات العسكرية والأمنية فيما أكد رئيس أركان الجيش النيجيري قبل أسابيع رُجحان تزايد تحديات عدم الأمن في البلاد مثل الأنشطة الإرهابية وأنشطة العصابات المسلحة في العام 2022، وتأكيده على اتساع الساحات التي سيتوجب على القوات المسلحة النيجيرية العمل بها لمواجهة هذه التهديدات فيما اعتبر اعترافًا ضمنيًّا بفشل الخطط العسكرية والأمنية التي تنتهجها أبوجا منذ سنوات.
وعكست "المذبحة" قصور أداء مؤسسات الدولة النيجيرية الأمر الذي حاول الجيش تداركه في الأيام الأخيرة بإعلانه عن قتل قوات "عملية هادين كاي" Operation Handin Kai (OPHK) نحو ألف عنصر إرهابي([10]).
وكذا تأكيد "مقر قوات الدفاع النيجيري" DHQ استسلام نحو 25 ألف إرهابي في الفترة من 20 مايو 2021م حتى 6 يناير 2022م، مع ملاحظة أن تفنيد الرقم كان على النحو التالي: 5326 رجلاً، و7550 أنثى، ونحو 12 ألف طفل، في إشارة ربما لتضخيم غير مقصود في عدد المستسلمين من الإرهابيين الفاعلين.
كما أعلنت قوات الدفاع القبض على 79 إرهابيًّا، وإنقاذ 113 مدنيًّا مختطفًا خلال نفس الفترة، مع ملاحظة شمول قائمة الأسلحة التي استولت عليها القوات النظامية النيجرية من الإرهابيين بنادق AK-47، وبنادق آلية متعددة الأغراض GPMGs، وبنادق PKT وبنادق محلية الصنع؛ الأمر الذي يدل على تنوع تسليح العناصر الإرهابية.
ماذا بعد؟
في ظل فشل الدولة المزمن في مواجهة شاملة للتهديدات الإرهابية تتزايد الدعوة حاليًا لوضع الحكومة الوطنية والحكومات الإقليمية في نيجيريا أولويات تستهدف تدخلات سوسيو-اقتصادية من أجل خفض الفقر ونقص الفرص. مع ملاحظة أن عددًا من الولايات المتأثرة بالإرهاب تملك أسوأ مؤشرات في الحوكمة في نيجيريا، مما يبرز دور البطالة والفقر والتغُّير المناخي في تزايد حدة الأزمة.
وبشكل عام، ربما تؤثر هذه الأحداث بقوة على مكانة الرئيس محمد بخاري، الذي أصدر بيانًا هزيلًا ومرتبكًا للغاية اختتمه بعبارات تشير إلى عجز حكومته أكثر من امتلاكها رؤية مستقبلية لمواجهة الأزمة: "دعونا أطمئن تلك المجتمعات المحاصرة وغيرهم من النيجيريين أن الحكومة لن تتركهم يواجهون مصيرهم؛ لأننا الآن وأكثر من أي وقت مضى مصمّمون على اقتلاع أولئك الخارجين عن القانون".
وبعد أقل من أسبوع من هذا البيان "المفكك" تعهد بخاري (12 يناير) "باقتلاع وحش الإرهاب في ولاية زامفارا"، في سياق تواصله (عبر وفد حكومي كبير برئاسة وزير الدفاع بشير ماجاشي) مع حكومة الولاية و"سكانها"، ربما في إدراك لخطورة الموقف الحقيقية سواء من جهة التهديدات الإرهابية وارتباطاتها بالفساد والجريمة المنظمة، أو تأثير كل ذلك على مستقبل نظام بخاري نفسه.
[1] David Brock Katz, Book review: Terrorism in Africa – New Trends and Frontiers, Defence Web, February 9, 2022 https://www.defenceweb.co.za/resources/book-reviews/book-review-terrorism-in-africa-new-trends-and-frontiers/
[3] Chiamaka Okafor, Buhari to EU: Support AU sanctions on coup plotters, The Premium Times, February 18, 2022 https://www.premiumtimesng.com/news/headlines/512238-buhari-to-eu-support-au-sanctions-on-coup-plotters.html
[4] Simon Marks, African Union Seeks Funding Overhaul to Tackle Terrorism, Coups, BNN Bloomberg, February 14, 2022 https://www.bnnbloomberg.ca/african-union-seeks-funding-overhaul-to-tackle-terrorism-coups-1.1723091
[5] George N. Tzogopoulos, China-EU business competition does not exclude possibility of cooperation in Africa, Global Times, February 17, 2022 https://www.globaltimes.cn/page/202202/1252508.shtml
[6] Chinese contractor wins EPC work on Nigerian LNG terminal, Upstream, February 15, 2022 https://www.upstreamonline.com/lng/chinese-contractor-wins-epc-work-on-nigerian-lng-terminal/2-1-1168275
[7] Mathieu Pollet, Macron hosts European and African leaders in preparation of Sahel redeployment, EURACTIV, February 17, 2022 https://www.euractiv.com/section/defence-and-security/news/macron-hosts-european-and-african-leaders-in-preparation-of-sahel-redeployment/
[8] راجع في تفاصيل العلاقات والتشابكات المختلفة بين ظاهرة الإرهاب وطبيعة الدولة النيجيرية لاسيما في مسائل الفيدرالية وسياسات الحكومات المتعاقبة:
[9] Epraim Oseji, Onuesoke tells FG to name, prosecute terrorism sponsors, Vanguard, January 9, 2022 https://www.vanguardngr.com/2022/01/onuesoke-tells-fg-to-name-prosecute-terrorism-sponsors-2/
[10] It’s Time to Use Force to Tackle Terrorists, Buhari Tells Military, This Day, January 17, 2022 https://www.thisdaylive.com/index.php/2022/01/17/its-time-to-use-force-to-tackle-terrorists-buhari-tells-military/