دخلت اتفاقية التجارة الحرة الإفريقية حيِّز التنفيذ في الثلاثين من مايو الماضي، بعد أن صادقت عليها 23 دولة إفريقية، وهو ما تخطَّى النصاب القانوني المطلوب – 22 دولة -، لتصبح بذلك أكبر اتفاقية لأسواق التجارة الحرة في العالم، بعدد مستهلكين يصل إلى 1.2 مليار نسمة، وبناتج إجمالي محلي يتخطَّى 3.4 تريليون دولار، ما يمثّل (3%) من الناتج الإجمالي العالمي.
وتهدف هذه الاتفاقية إلى إزالة الحواجز التجارية والجمركية بصورة تدريجية بين دول القارة السمراء؛ من أجل تعزيز التجارة البينية، فيما تشير التقارير الأممية إلى أن "أقل من 40 بالمائة من التجارة الإفريقية بالقارة تخصّ المواد الأوليَّة، و60 بالمائة تخصّ المواد المصنَّعة".
وتسعى اتفاقية التجارة الحرة في المرحلة التشغيلية الأولى إلى إلغاء الرسوم الجمركية على 90% من منتجات كل بلد، ما سيعزز التجارة بين الدول الإفريقية التي تبلغ الآن نحو 17% من إجمالي التجارة في القارة، ثم سيُمَدَّد ذلك إلى الخدمات.
فبين الدول الأعضاء في الاتحاد الإفريقي -البالغ عددهم 55 دولة-؛ تعمل منظمة التجارة الإفريقية الحرة على إلغاء التعريفة الجمركية بين دولها تدريجيًّا، مما سيؤدِّي إلى تعزيز التجارة والاستثمارات البينية بين دول القارة في المستقبل القريب.
وكانت العاصمة الرواندية كيغالي قد احتضنت في مارس 2019م قمَّة إفريقية استثنائية، جرى خلالها توقيع 50 دولة مبدئيًّا على اتفاقية إحداث منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية، إلا أن دخولها حيِّز التنفيذ كان يتطلّب التصديق عليها من طرف 22 دولة. وفي 13 مايو الماضي، وضعت دولة غانا وثائق التصديق على الاتفاقية، لتصبح الدولة رقم 22 التي تُصدِّق على الاتفاقية القارية.
ومن التحديات التي تواجه إنشاء منطقة إفريقيا للتجارة الحرة: مسائل مرتبطة بالجمارك، والتجارة العابرة للحدود، وتباين الأسعار، وبعض المشاكل الفنية التي لا تتناسب مع بعض الدول في القارة، وهي كلها تحديات يجب على قادة القارة العمل على تجاوزها في الأيام المقبلة، من أجل تحقيق ما يمكن وصفه بـ "الحلم الإفريقي"؛ من أجل أن تصبح القارة قادرة على التصدير داخليًّا وتسويق سلعها ومنتجاتها، عن طريق خطة طموحة لإنشاء بنية تحتية مواكبة لذلك في السنوات القادمة، بإنشاء طُرُق بريَّة، ومسارات بحرية ونهرية؛ تعمل على تعزيز التجارة البينية بين الدول؛ مما سيؤدي إلى دفع عملية التصنيع المحلي بغرض التصدير داخل القارة، مما سيعود بالنفع على جميع سكان القارة البالغ عددهم 1.2 مليار نسمة.
وقد صادقت على الاتفاقية أكبر الاقتصادات في القارة، بما في ذلك إثيوبيا وكينيا ومصر وجنوب إفريقيا، بالإضافة إلى كلٍّ من زيمبابوي وبوركينافاسو، وسوف يتم إطلاق المرحلة التشيغيلية للاتفاقية في السابع من يوليو في قمة الاتحاد الإفريقي القادمة في النيجر.
وبالرغم من ذلك الإنجاز التاريخي للقارة السمراء، إلا أنه لا تزال توجد الكثير من التحديات المستقبلية، من بينها عمليات التحكيم وإجراءاته، وكذلك شهادات الجودة والمنشأ، وكذلك متابعة عمليات الفساد، وتحسين البنية التحتية للقارة بصورة عامة.
ويُتوقع أن تؤدِّي إزالة الحواجز الجمركية بين الدول الإفريقية إلى زيادة التبادل التجاري البيني بنسبة 60%، طبقًا لتقديرات الاتحاد الإفريقي، (الآن 16%)، كما أنها ستؤدي إلى تغيير شكل الاقتصاد الإفريقي الذي كان يعتمد في السابق على تصدير المواد الخام، والتي عادةً ما تُستغل مِن قِبَل القوى الكبرى خارج القارة، كما أنها ستمثل قاعدة للتفاوض الجماعي بين القارة كسوق مشترك مع الأسواق الخارجية، من أجل الحصول على أسعار تفضيلية ككتلة تجارية لها ثقلها.
ولكنَّ تحديث البنية التحتية لدول القارة لا يزال على رأس تلك التحديات، وكذلك عدم وجود التنوع الكافي بين مختلف الاقتصادات بما يجعلها تعمل بشكل تكاملي مع بعضها البعض، وهناك الكثير من المشروعات الطموحة للطرق القارية؛ مثل تلك التي تصل ما بين البحر الأبيض المتوسط من مصر إلى بحيرة فيكتوريا في وسط إفريقيا عن طريق خط نهري يسير عبر نهر النيل، وكذلك طريق بري يربط كذلك ما بين البحر المتوسط في مصر وحتى كيب تاون في جنوب إفريقيا، بأن تقوم كل دولة بعمل نصيبها من ذلك المشروع الضخم، والذي سيساعد في تطوير ذلك الخط ليتحوَّل في المستقبل إلى شبكة طرق تصل إفريقيا من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها.
إن تلك الاتفاقية تُمثّل اللبنة الأولى في الحلم الإفريقي الذي طالما راوَد سُكَّان القارة السمراء، بأن يصبحوا متحكِّمين في اقتصادهم، وألا يظلوا بمثابة مستودع للمواد الخام للعالم المتقدم، بأن يحولوا موادهم الخام إلى منتجات ذات قيمة مضافة Added Value تؤدي إلى تعظيم الثروات الإفريقية، وكذلك انتقال المعرفة التقنية Know How إلى أبناء القارة، والذي بدوره سيسهم في الإنفاق على التعليم وجودته، وإنشاء جامعات تخدم الأهداف الصناعية والتجارية الجديدة للقارة السمراء.