مدخل:
تتبنَّى الهند مقاربةً متحفظةً نسبيًّا تجاه إفريقيا، أو دون ترجمة حقيقية لأجنداتها عمليًّا، وتعمد نيودلهي إلى التأكيد على رواية سعي إفريقيا بقوة لتعزيز علاقاتها معها من أجل تعزيز مواجهة الإرهاب، وأن العلاقات الهندية التقليدية مع شرقي إفريقيا وجنوبها تشهد دفعة قوية مع سعي دول غرب إفريقيا لتوطيد صلات وروابط عسكرية مع الهند بما فيها تدريب ضباط أفارقة والقيام بتدريبات عسكرية مشتركة، ما يعزّز تصوّر الهند "لحوار أمني شامل" مع إفريقيا، كما يقوم الاتحاد الإفريقي بمساهمة مباشرة في هذه الجهود. إضافة إلى تصوّر استراتيجية الهند بتعزيز صورتها كمقدم صافٍ للأمن في إفريقيا في مواجهة التهديدات الإرهابية.
ويُمثّل الجانب العسكري الملمح الأهم –وبفارق كبير عن بقية مجالات التعاون التي تظل في حدها الأدنى في السنوات الأخيرة- للحضور الهندي في القارة الإفريقية؛ حيث تملك الهند بالفعل شراكات دفاعية مع زامبيا ونيجيريا وغانا وإثيوبيا وبتسوانا وأوغندا وناميبيا وموزمبيق، وهي دول تنتشر في أقاليم غرب وجنوب وشرق إفريقيا. كما ساهمت الهند في إقامة أكاديمية عسكرية في إثيوبيا، وكلية دفاع وكلية حرب بحرية في نيجيريا، وفي تكوين قوة جوية في غانا، وتدريب أعداد كبير من الجنود الأفارقة بدول إفريقية عديدة.
ملامح وخريطة الحضور الهندي العسكري في إفريقيا:
لا تقتصر مساعي الهند على تصدير السلاح بكميات معقولة للقارة، لكن تستهدف أيضًا التمكّن من الاستحواذ على أسواق إفريقية لصالح تصنيع أسلحة هندية تحت لافتة مشروع "صنع في الهند"، خاصة في دول جمهورية الكونغو الديمقراطية ومدغشقر وجامبيا وليسوتو والسودان وتنزانيا والنيجر ورواندا وسيشل وأوغندا وزامبيا، وجمهورية ساوتومي وبرنسيب، وزيمبابوي، وناميبيا، وهي الدول التي حضر وزراء دفاعها اجتماعًا متخصصًا في شؤون الدفاع بالهند في فبراير 2020م ضمن مساعي نيودلهي الحثيثة لتوسيع استراتيجيتها العسكرية في إفريقيا –بشكل خاص منذ نهاية العام 2019م؛ حيث زار قائد القوات الجوية المارشال راكيش كومار سينج بهادوريا RKS Bhadauria مصر في ديسمبر لإجراء محادثات مع كبار القادة العسكريون بالبلاد؛ ثم إجراء الجيش الهندي أول مناورة تدريب ميداني في مارس 2019م شاركت فيها 18 دولة إفريقية من بينها مصر.
وكان من اللافت أن أول زيارة لوزير الدفاع الهندي الحالي Rajnath Singh للخارج (بعد تقلده منصبه في مايو 2019م) كانت إلى موزمبيق، في الوقت الذي زار فيه رئيس الأركان الدفاع Bipin Rawat الحالي كلاً من كينيا وتنزانيا، بينما كان في ذلك الوقت رئيسًا للجيش. كما تُواصل الهند عقد محادثات تطوير تعاون دفاعي مع بتسوانا والمغرب وناميبيا ونيجيريا وأوغندا.
كما تمثل إفريقيا، وخاصة أجزائها المطلة على ما يعرف بإقليم المحيط الهندي الغربي، أهمية فائقة للهند من الناحيتين الجيواستراتيجية والجيواقتصادية، ويَعتبر المحللون وصُنّاع السياسات الهنود أنه من المحتّم للهند أن تبذل نفوذًا أكبر في تقوية الجهود الأمنية البحرية الإقليمية مع إفريقيا التي تتوقع، في الوقت نفسه، التزامًا أكبر من الدول الشريكة لها، ومن بينها الهند. ومِنْ ثَمَّ فإنَّ تركيز الهند على تحسين تعاونها البحري مع إفريقيا –وبشكل محدَّد مع دول إقليم المحيط الهندي الغربي- يكتسب أهمية متزايدة بفضل الموقع الجيواستراتيجي للإقليم وثرائه بالموارد الطبيعية، مما يلبّي مصالح الهند في الاهتمام بالمنطقة؛ كما تتوجّه دول شرق إفريقيا الغنية بالموارد الطبيعية بشكل متصاعد نحو المحيط الهندي لتحقيق نمو وتنمية مستدامين([1]).
وهناك دول إفريقية مثل كينيا ومدغشقر وجزر القمر وموريشيوس وموزمبيق والصومال وسيشل وجنوب إفريقيا وتنزانيا أعضاء بالفعل في منظومة إقليمية فرعية تنشط فيها الهند بقوة في منطقة المحيط الهندي وهي "رابطة حافة المحيط الهندي للتعاون الإقليمي" Indian Ocean Rim Association for Regional Cooperation (IOR-ARC)؛ التي أُسِّسَت في مارس 1997م، وتهدف إلى تعزيز التعاون والتفاعل الوثيق فيما بين الدول الأعضاء؛ وتستند إلى مبادئ الإقليمية المفتوحة لتعزيز التعاون الاقتصادي، وخاصة في تيسير التجارة والاستثمار والترويج والتنمية الاجتماعية في المنطقة. كما ساهم المنتدى البحري بالمحيط الهندي Indian Ocean Naval Symposium (IONS) في تقريب الهند من العديد من دول الحوض الإفريقية؛ حيث يضم ست دول؛ إضافة إلى الهند، وهي موريشيوس وموزمبيق وسيشل وتنزانيا وكينيا وجنوب إفريقيا، إضافة إلى مدغشقر التي تحتل موقع دولة مراقبة([2]).
أدوات السياسة الهندية العسكرية في إفريقيا: القوات البحرية نموذجًا:
حسب الوثائق الرسمية للدبلوماسية الهندية فإن البحرية الهندية تُعدّ -منذ العام 2013- "موفرًا خالصًا للأمن" a net provider of security في منطقة المحيط الهندي، وأنها ملتزمة ببذل جهود لتحسين البيئة البحرية. كما أظهرت البحرية الهندية قدرة على القيام بهذا الدور في السنوات الأخيرة عبر فرض نفسها "كأول مستجيب" في مياه المحيط الهندي. كما تواصل البحرية الهندية، عبر إسهامها بمواردها في منع الأزمات الدولية والإقليمية أو الحدّ من آثارها السلبية، في إظهار قدرتها على استدامة انتشار أعداد كبيرة من عناصرها في مياه المحيط الهندي؛ الأمر الذي تستفيد منه دول إفريقية عديدة يبلغ طول سواحلها على المحيط الهند 30.5 ألف كم، وتواجه كوراث طبيعية من قبيل الفيضانات والزلازل والجفاف والأعاصير الاستوائية([3]).
غير أن الهند واجهت -منذ استقلالها- انتقادات داخلية مريرة لعدم تبنّيها رؤية أو استراتيجية واضحة تجاه إفريقيا ككل، حتى أعلن رئيس الوزراء ناريندرا مودي Narendra Damodardas Modi أمام البرلمان الأوغندي في يوليو 2018م عن رؤية بلاده للقارة الإفريقية تحت عنوان لا يخلو من سطحية ملحوظة: "المبادئ العشر الأساسية لتعاون الهند مع إفريقيا" 10 Guiding Principles for India- Africa Engagement، التي اعتبرت وثيقة هندية رسمية في مقاربة إفريقيا. والتي تتضمن –في إطار نظري بحت وغير مدعوم في حقيقة الأمر بنتائج سياسية ملموسة في مستوى ما تطرحه الوثيقة- وضع إفريقيا في قائمة أولويات الهند، وإرساء التعاون الاقتصادي وتصدير ما تصوره الوثيقة على أنه "ثورة الهند الرقمية"، وجاء في المبدأ السابع "أننا سنقوّي تعاوننا وقدراتنا المتبادلة في مكافحة الإرهاب والتطرف؛ والحفاظ على مجالنا السيبراني آمنًا؛ ودعم (جهود) الأمم المتحدة في حفظ السلام.
أما المبدأ الثامن فتضمن عمل الهند مع الدول الإفريقية لضمان بقاء المحيطات مفتوحة وحرة لصالح جميع الدول. وأكد المبدأ التاسع، في رؤية ضبابية للغاية وبلاغة مفرغة من أي مضمون في واقع الأمر، أنه مع زيادة الانخراط العالمي في إفريقيا فإنه على "الجميع" العمل معًا لضمان ألا تتحول إفريقيا مرة أخرى إلى مسرح لأطماع المتنافسين([4]).
وفي المقابل تتنوع الاستجابات الإقليمية في منطقة الاهتمام المشترك بين الهند وإفريقيا وهي إقليم غرب المحيط الهندي، وفق العديد من البرامج والمبادرات مثل برنامج تعزيز الأمن البحري الإقليمي Programme to Promote Regional Maritime Security (MASE) الذي تم تبنيه في أكتوبر 2010م في موريشيوس وتشترك في إدارته كل من الاتحاد الأوروبي ومكتب الأمم المتحدة للمخدرات والجريمة، ويُمولّه بالكامل الاتحاد الأوروبي وتشارك في تطبيقه الهيئة الحكومية للتنمية "إيجاد"، جماعة شرق إفريقيا، والسوق المشتركة لشرقي إفريقيا وجنوبها (كوميسا)، ومفوضية المحيط الهندي IOC([5]).
وهناك "قواعد سلوك جيبوتي" Djibouti Code of Conduct (DCoC) المتعلقة بالقضاء على القرصنة والسطو المسلح ضد السفن في المحيط الهندي الغربي وخليج عدن، ويوفر إطارًا لبناء القدرات في إقليم المحيط الهندي الغربي لمواجهة تهديد القرصنة ووقع على قواعد سلوك جيبوتي في يناير 2009م، وتشمل عضويته 20 دولة إضافة إلى 21 دولة مؤهلة للانضمام له. وأُدخل تعديل على الاتفاق فيما عرف بتعديل جدة لقواعد جيبوتي للسلوك Jeddah amendment to the Djibouti Code of Conduct (DCoC+) في يناير 2017م الذي أقر بدور "الاقتصاد الأزرق" بما في ذلك النقل البحري والمصايد والأعمال البحرية والسياحة في دعم النمو الاقتصادي المستدام والأمن الغذائي والتوظيف والاستقرار. وهناك إطار مهم آخر للأمن الإقليمي في إفريقيا يتقاطع مع الحضور الهندي وهي الاستراتيجية البحرية المتكاملة لإفريقيا 2050 (Africa Integrated Maritime Strategy (AIMS) 2050) التي أصدرها الاتحاد الإفريقي في مسعى للتركيز على القطاع المائي وزيادة ثروة إفريقيا من المحيطات والبحار والمجاري المائية الداخلية عبر تطوير اقتصاد مائي على امتداد طول سواحل إجمالي 26 ألف ميل بحري([6]).
وعوّلت الهند بقوة، حتى مطلع العام الجاري 2021م ووصول الرئيس الأمريكي جو بايدن لرئاسة الولايات المتحدة، على تبنّي كامل للخطاب الأمريكي (والفرنسي بدرجة أقل) تجاه إفريقيا، على أولوية مكافحة الإرهاب، وليس إحداث اختراق حقيقي في أزمة التنمية؛ حيث تقر بأن الإرهاب يمثّل واحدًا من أهم التهديدات على الإنسانية والتنمية، وأن كل من الهند وإفريقيا قد تعرضتا للتهديد الإرهابي والتطرف الديني من جماعات عنف متعددة مثل بوكو حرام والشباب والقاعدة. ولمواجهة هذه التهديدات ساعدت الهند في نشر قوات ومعدات لحفظ السلام ومواجهة الإرهاب في إفريقيا، وتحرص على عقد تدريبات منتظمة ودورية لعناصر من القوات المسلحة الإفريقية بمركز الأمم المتحدة لحفظ السلام Centre for UN Peacekeeping (CUNPK) في نيودلهي([7]).
رؤية في أجندة الهند "الإفريقية":
ترى أجندة مقاربة الهند لإفريقيا أن السِّلْم والأمن لا يتضمّن فقط الأفكار التقليدية عن الأمن المرتبطة بالقوة العسكرية والحماية ضد التهديدات الخارجية، لكنها تتضمن التهديدات غير التقليدية مثل الأمن الغذائي وأمن الطاقة، والهجرة. وأن السلام والأمن، بالنسبة للهند وإفريقيا، مرتبطان بالتنمية. مع ملاحظة أن الهند قد شاركت بقواتها في جميع عمليات حفظ السلام في إفريقيا تقريبًا، وهناك حاليًا أكثر من ستة آلاف جندي هندي يشاركون في خمس عمليات للسلام في إفريقيا يرتدون القبعات الزرقاء؛ ممّا يعزّز مكانة الهند تاريخيًّا في جهود حِفْظ السلام في إفريقيا. كما كان نشر وحدة شرطة من النساء بالكامل لصالح عملية الأمم المتحدة في ليبيريا في فبراير 2016م حدثًا هو الأول من نوعه في القارة([8]).
وظل جانب بناء القدرات وتدريب ضباط القوات المسلحة الأفارقة في المعاهد الهندية حجر زاوية لفترة طويلة في صلات الهند الدفاعية مع إفريقيا. وتجسّد تطوّر ذلك المنحى عمليًّا مع بدء مناورة التدريب الميداني الإفريقي الهندي 2019م Africa-India Field Training Exercise-2019م المعروفة باسم AFINDEX-19 التي استمرت عشرة أيام في مارس 2019م في محطة Aundh العسكرية، وشكل التدريب تطورًا لافتًا؛ إذ شاركت قوات من 17 دولة إفريقية –عشرة ضباط من كل منها- في مجموعة من التدريبات الهادفة إلى التخطيط والقيام بعمليات المساعدة الإنسانية في الألغام وحفظ السلام بمقتضى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. وركز التدريب على المشاركة في أفضل الممارسات وبناء الفرق وعمليات المستوى التكتيكي وفق المهام التي تشرف عليها الأمم المتحدة، بما في ذلك إنشاء بعثة جديدة، وحماية القوافل، وجوانب الحماية([9]).
وتعزّز الهند تعاونها مع جنوب إفريقيا –على سبيل المثال- في مجال الفضاء والطاقة المتجددة وتصنيع المواد المتقدمة عبر لجنة مشتركة تم وضع خطة لعملها في جنوب إفريقيا في نهاية فبراير 2020م والاتفاق على مراجعة تقدّم هذا المسار بشكل دوري([10]).
وعزّزت الهند رؤيتها الشاملة لمفهوم التعاون في مجال السلم والأمن مع إفريقيا؛ إذ تعهدت –على سبيل المثال- وَفْق التحالف الشمسي الدولي International Solar Alliance بدعم إفريقيا بقيمة تتجاوز بليون دولار لتطبيق مشروعات الطاقة الشمسية في إفريقيا، وخاصة دول غرب إفريقيا، وإن لم يشهد ذلك الجهد إنجازات حقيقية حتى العام الحالي 2021م.
غير أن هذا التعهُّد واجه –كما حالة الوجود الهندي في إفريقيا ككل- انتقادات حقيقية لعدم المضي قدمًا في خطوات حقيقية في سبيل تحقيقه؛ مما اتسق بشكل عام مع تراجع سجل الهند في تنفيذ المشروعات المعلنة فعليًّا في القارة؛ إذ يتسم الأداء الهندي بالبطء في تطبيق التزاماتها بالشراكة خاصة عند مقارنته بالصين. كما وجهت انتقادات لبعض شركات الأعمال الزراعية الهندية بسبب الاستحواذ على أراضٍ زراعية في إفريقيا، وطرد السكان المحليين منها. كما تتسم الشراكات الهندية الإفريقية بغلبة النزعة البيروقراطية من الجانبين مما يعوق وصول المخصصات الهندية للجهات المستهدفة بدقة([11])، مما يؤثّر بالطبع على نجاعة الاستراتيجيات العسكرية الهندية في القارة وقدرة نيودلهي على تعزيز مصالحها "الدفاعية" بها.
السياسة الهندية بين التعاون الدفاعي ومحاربة الإرهاب:
رأت الهند في مجال التعاون الدفاعي مع إفريقيا –بشكل عام- ضرورة أن يشمل تقوية الدفاع والقدرات المتبادلة، ودعم الأمم المتحدة في مهام حفظ السلام. لكن يمكن ملاحظة أن أولوية الهند الأولى في استراتيجيتها الدفاعية تجاه إفريقيا تكمن في أهمية تأمين البحار وتطوير الاقتصاد الأزرق (الذي يمثل عماد اقتصاد بعض الدول الجزرية بالأساس) وشراكة دولية أقوى في محاربة الإرهاب والتطرف العنيف بما في ذلك زيادة المشاركة في المعلومات والاستخبارات وتقوية آليات الأمم المتحدة لمواجهة الإرهاب وتعزيز التعاون مع إفريقيا في هذا المجال([12]).
وفي هذا السياق واصلت الهند تنمية زيارات موانئ منتظمة خاصة في شرق إفريقيا، ونقل معدات ودعم لوجيستي واستخبارات بحرية وحراسة حدود للمناطق الاقتصادية الخالصة مع دول جزرية، لا سيما سيشيل وموريشيوس. وفي هذا المسار أسست نيودلهي في ديسمبر 2018م مركز دمج المعلومات Information Fusion Center مقره جوروجرام Gurugram للمساعدة في تعقُّب ومراقبة حركة مرور السفن في المحيط الهندي وتنسيق الاستجابات للحوادث ومشاركة معلومات سلامة حركة الغواصات. كما ساعد قرار الهند "التطوير المشترك" للمرافق البحرية قبالة سواحل سيشل موريشيوس على زيادة الوجود الهندي العسكري في إقليم المحيط الهندي الغربي([13]).
كما تتناول استراتيجية الهند الدفاعية في إفريقيا وإقليم المحيط الهندي ما تعتبره تهديدات غير تقليدية مثل مواجهة الكوارث الطبيعية وحالات عدم الاستقرار الإقليمي؛ مما دفع الهند إلى تعزيز ونشر عمليات قوات البحرية الهندية للمساعدات الإنسانية والإغاثة من الكوارث Indian Navy for Humanitarian Assistance and Disaster Relief (HA/DR)([14]).
وقد شهدت أهم معارض الدفاع الهندي مثل Defence Expo (الذي ستعقد دورته المقبلة في العام 2022م)، و Aero India (فبراير 2021م)، في السنوات الأخيرة وجودًا متزايد للوفود الإفريقية سواء بدعوة من الحكومة الهندية أم بمبادرة من الجهات المعنية في هذه الدول؛ مما يشير إلى رغبة متزايدة لدى الدول الإفريقية في تنويع الشركاء البدلاء في واردات السلاح إضافة إلى روسيا والصين والولايات المتحدة الأمريكية. كما تواصل الهند سعيها القوي لتوطيد العلاقات مع دول إفريقية لديها قدرات كافية لتصنيع السلاح والذخيرة مثل جنوب إفريقيا والجزائر ومصر ونيجيريا والمغرب ليكونوا شركاء مهمّين للهند وفق مبادرة "صنع في الهند" والتصنيع في مرافق إنتاج الصناعات العسكرية بهذه الدول المهمة وفق ترتيبات يتم وضعها حاليًا. وعلى سبيل المثال فقد بدأت نيودلهي بالفعل في استكشاف فرص التعاون مع شركة Denel الجنوب إفريقية بعد رفع الحظر عنها([15])، وعودتها القوية للسوق مطلع مارس الجاري بضخ نحو 500 مليون راند جنوب إفريقي ونجاحها حتى الآن في تحجيم فقدان الوظائف بها، مما يؤشّر على فرص تعاون حقيقية قائمة ومرتقبة مستقبلًا.
كما خطت الهند خطوة مهمَّة في تعزيز استراتيجيتها الدفاعيَّة في إفريقيا في مطلع فبراير 2020م بعقد الاجتماع المغلق لوزراء دفاع الهند- إفريقيا India- Africa Defence Ministers' Conclave (على هامش معرض " Aero India" الأخير) الذي يستهدف تعميق التعاون الدفاعي بين الهند وإفريقيا، وما صاحبه من إعلان وزير الدفاع الهندي راجناث سينج استعداد بلاده تقديم إمدادات عسكرية للدول الإفريقية شاملة سفن حرس حدود بحرية، وقوارب ملاحقة سريعة ومركبات جوية بلا طيار UAVs وطائرات حربية وأسلحة وذخيرة. كما غطَّى الاجتماع مسألة التعامل بفاعلية مع تهديد الإرهاب والتطرف، وتعزيز التعاون حول مفهوم الإقليم الهندي- الباسيفيكي الآخذ في التطور من أجل السلم والاستقرار الإقليمي.
ودعا البيان الختامي للاجتماع لتحرّك حاسم لاقتلاع الإرهاب العابر للحدود، وللقضاء على الملاجئ الآمنة للإرهابيين والقضاء على قنوات تمويل الجماعات الإرهابية. وأكد البيان على "حاجة جميع الدول لضمان عدم استخدام الأراضي الخاضعة لها للقيام بهجمات إرهابية ضد دول أخرى بأيّ وسيلة كانت.
كما لفت وزير الدفاع الهندي في الاجتماع الذي حضره ممثلون لثمانية وثلاثين دولة إفريقية و12 وزير دفاع إفريقي (ويتوقع أن يتكرر في فبراير 2022م) أن شراكة الهند التنموية مع دول إفريقيا ستكون موجّهة وَفْق الأولويات والقدرات الإفريقية، وستركز أيضًا على محاربة الإرهاب والتطرف والحفاظ على سلامة وأمن الفضاء السيبراني([16]).
الخلاصة:
في سياق الاستراتيجية العسكرية الأكثر شمولًا، تسعى الهند لتعزيز التعاون مع إفريقيا للحفاظ على حرية الملاحة في المحيطات، وتغيير قواعد اللعبة في المحيط الهندي قدر الإمكان لصالح نيودلهي (في ظل منافسة شرسة من الصين، ونجاح لافت بإقامتها أول قاعدة بحرية عسكرية لها خارج أراضيها في جيبوتي) عبر دمج مخرجات وثيقة الاستراتيجية البحرية للعام 2015م (2015 Maritime Strategy) الصادرة عن البحرية الهندية، والاستراتيجية البحرية المتكاملة لإفريقيا 2050 (2050 Africa Integrated Maritime Strategy (AIMS) 2050) للاتحاد الإفريقي. إضافة إلى مبادرات هندية فرعية مثل مبادرتي رئيس الوزراء مودي المعروفة باسم الأمن والنمو للجميع في الإقليم SAGAR (Security and Growth for All in the Region) وتطوير الموانئ أو SAGARMALA، ومبادرة ممر النمو الآسيوي الإفريقي AAGC (Asia Africa Growth Corridor)([17])، والتي تدعم جميعًا أنشطة البحرية الهندية في غربي إقليم المحيط الهندي، وتضمن بالتالي استمرار هيمنة هندية في مناطق نفوذ تقليدي ودرءًا لتوسع صيني مرتقب –على الأقل في المدى المنظور- في هذه المناطق ضمن خطة الحزام والطريق، دون انخراط الهند بحضور اقتصادي وتنموي ملموس في واقع الأمر.
[1] Abhishek Mishra, “India-Africa Maritime Cooperation: The Case of Western Indian Ocean”, ORF Occasional Paper No. 221, November 2019, Observer Research Foundation, p. 8-9.
[2] Ibid. p.10.
[4] H. H. S Viswanthan and Abhishek Mishra, The Ten Guiding Principles for India-Africa Engagement: Finding Coherence in India’s Africa Policy, ORF Occasional Paper, June 2019, pp. 3-4.
[5] Abhishek Mishra, “India-Africa Maritime Cooperation: The Case of Western Indian Ocean”, ORF Occasional Paper No. 221, November 2019, Observer Research Foundation, p. 7.
[6] Abhishek Mishra, “India-Africa Maritime Cooperation: The Case of Western Indian Ocean”, ORF Occasional Paper No. 221, November 2019, Observer Research Foundation, p. 8.
[7] Ibid. p. 18.
[8] Ibid. p. 14.
[9] H. H. S Viswanthan and Abhishek Mishra, The Ten Guiding Principles for India-Africa Engagement, Op. Cit. p. 14.
[11] Abhishek Mishra, How Indian and Chinese involvement in Africa differs in intent, methods and outcomes, September 17, 2019 https://www.orfonline.org/expert-speak/how-indian-and-chinese-involvement-in-africa-differs-in-intent-methods-and-outcomes-55574/
[12] India to boost defence and military engagement with African continent, Deccan Herald, February 6, 2020 https://www.deccanherald.com/national/india-to-boost-defence-and-military-engagement-with-african-continent-802193.html
[13] H. H. S Viswanthan and Abhishek Mishra, The Ten Guiding Principles for India-Africa Engagement, Op. Cit. p. 16.
[14] Ibid.
[15] H. H. S Viswanthan and Abhishek Mishra, The Ten Guiding Principles for India-Africa Engagement, Op. Cit. p. 15.
[16] India to boost defence and military engagement with African continent, Deccan Herald, February 6, 2020 https://www.deccanherald.com/national/india-to-boost-defence-and-military-engagement-with-african-continent-802193.html
[17] H. H. S Viswanthan and Abhishek Mishra, The Ten Guiding Principles for India-Africa, Op. Cit. p. 15.