راوية توفيق(*)
تُعد مشكلة اللاجئين في إفريقيا إحدى مشكلات القارة الرئيسة، وقاسماً مشتركاً بين معظم الدول الإفريقية، وهي تضيف لأزمات الهوية والشرعية مشكلة أخرى من مشكلات النّظم السياسية الإفريقية، كما أن لها تأثيرات إقليمية تتجاوز حدود كلّ دولة إفريقية.
وقد تزايدت أعداد اللاجئين في إفريقيا بشكل سريع، فقدّر عددهم عام 2003م بحوالي 3.2 ملايين لاجئ، وبرغم أن سكان إفريقيا لا يمثّلون سوى حوالي 12% من سكان العالم؛ فإنهم يمثّلون حوالي 32% من لاجئي العالم البالغ عددهم حوالي 9.7 ملايين لاجئ(1).
وتعرض الدراسة لأبعاد مشكلة اللاجئين في إفريقيا وملامحها، بادئة بتحديد بعض القضايا النظرية، ثم بعض الأبعاد الكمية والكيفية للمشكلة في القارة، ودراسة إحدى الحالات التطبيقية، وهي مشكلة «اللاجئين» الناجمة عن أزمة «دارفور»، وتختتم تحليلها ببعض المبادئ التي يجب أخذها في الحسبان لوضع حلٍّ شامل لمشكلة اللاجئين في إفريقيا.
المطلب الأول: قضايا اللاجئين في العالم: الأبعاد النظرية:
«اللاجئ» وفقاً لتعريف اتفاقية الأمم المتحدة للاجئين عام 1951م هو: «أي شخص يوجد خارج الدولة التي يحمل جنسيتها، نتيجة لأحداث تسبّب تخوّف له ما يسوّغه من التعرض لاضطهاد، لأسباب ترجع إلى عِرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه لعضوية فئة اجتماعية معينة، أو آرائه السياسية، وغير قادر – أو لا يريد – بسبب ذلك التخوّف أن يستظل بحماية دولته»، كما تنطبق صفة «لاجئ» وفقاً لتعريف الاتفاقية على كلّ شخص لا يتمتع بجنسية، ويوجد خارج دولة إقامته المعتادة بسبب التخوّف من التعرض لاضطهاد، ولا يستطيع أو لا يرغب بسبب هذا التخوّف أن يعود إلى تلك الدولة(2).
وبذلك؛ فإن «اللاجئ» يختلف عن «النازح» الذي ينتقل في ظلّ الظروف نفسها إلى مكان آخر داخل حدود دولته، ويظلّ متمتعاً بحمايتها ورعايتها ما دام داخل حدود هذه الدولة، بينما تكون حماية اللاجئ مسؤولية دولة الملجأ والمجتمع الدولي(3)، كما أن «اللاجئ» يختلف عن «المهاجر» الذي يترك دولته بحثاً عن فرص أفضل، ويملك قرار العودة إليها، بخلاف «اللاجئ» الذي يترك دولته خوفاً على أمنه وسلامته، ولا يستطيع العودة إلى دولته ما دامت حالة عدم الاستقرار، أو مصدر الاضطهاد، بها مستمرة(4).
وقد تفاقمت أعداد اللاجئين في العالم خلال تسعينيات القرن العشرين بشكل ملاحظ، وللدلالة على ذلك تكفي الإشارة إلى أنه عند إنشاء «المفوضية العليا لشؤون اللاجئين» عام 1951م؛ كانت مهمتها رعاية مليون لاجئ، وهي الآن وفقاً لإحصاءات عام 2003م ترعى حوالي 17 مليون لاجئ ونازح(5)، ومما يزيد من حجم المشكلة أن حوالي 80% من عدد اللاجئين يكون غالباً من الأطفال والنساء(6).
ومع هذا التزايد قامت بعض الاجتهادات لتفسير ظاهرة «اللجوء»، خصوصاً في الدول النامية، فأرجعها البعض إلى عوامل داخلية في دول المنشأ، ومن أهم هذه العوامل الفقر، والذي يؤدي بدوره إلى الصراع وما ينتج عنه من حركة اللاجئين، وقد استشهد هؤلاء بأنه من بين الدول الثلاثين الأكثر تصديراً للاجئين في العالم هناك 29 دولة تحت خط الفقر.
وفي مقابل هذا الاتجاه الذي يرد «ظاهرة اللجوء» إلى عوامل داخلية ظهر اتجاه آخر يفسّرها بعوامل خارجية، ويذهب هذا الاتجاه إلى أن انتهاء الحرب الباردة قد أسفر عن تزايد الحروب الأهلية، ومن ثمّ تزايد أعداد اللاجئين في العالم، فبعد أن كان طرفا الحرب الباردة يعملان على تحقيق الاستقرار لحلفائهم؛ لم تعد هناك حاجة لمساندة الحلفاء في الدول النامية التي بدأ بعضها يموج بالصراعات(7).
كذلك فقد اتسع نطاق المناقشات حول مدى كفاية الإطار القانوني الدولي الحاكم لقضايا اللاجئين، والحاجة إلى تطوير «اتفاقية الأمم المتحدة للاجئين» لعام 1951م؛ على اعتبار أن الاتفاقية لا تتعامل مع أسباب اللجوء، أو الاحتياجات الخاصة للاجئين من الأطفال والنساء، كما أنها لا تطرح الكثير من الحلول لحماية اللاجئين، بل إن البعض ذهب إلى أن تلك الاتفاقية قد عفا عليها الزمن، ولا يمكن إعمالها على أرض الواقع، وأنها باتت غير ذات جدوى، وتفتقر إلى المرونة، وفي المقابل تدافع اتجاهات أخرى عن الاتفاقية بوصفها اتفاقاً عالمياً يضع معايير بشأن كيفية حماية اللاجئين، وأن هناك العديد من الجهود تُبذل لتطوير هذه الحماية على أرض الواقع(8).
ولوضع إطار قانوني شامل لحماية اللاجئين يجب الأخذ في الاعتبار أن قضية اللاجئين ليست قضية قانونية فقط، ولكن تتشابك فيها عوامل عدة إنسانية وسياسية واجتماعية واقتصادية، فلا شك أن حركة اللاجئين إلى دول الملجأ تؤثر في التكوين الاجتماعي والاقتصادي والسياسي لتلك الدول، وقد تمثّل في النهاية تهديداً لاستقرارها.
كما أن وجود هؤلاء اللاجئين في دول الملجأ، وبخاصة الدول النامية، يشكّل ضغطاً حاداً على تلك الدول التي تحاول بقدر الإمكان الموازنة بين الاعتبارات الاقتصادية واعتبارات أمنها القومي من ناحية، والاعتبارات الإنسانية من ناحية أخرى، فاللاجئون يشكّلون عبئاً اقتصادياً على دول الملجأ لاحتياجهم لوظائف وخدمات اجتماعية في الوقت الذي يحتاج فيه سكان دول الملجأ – أيضاً – إلى هذه الخدمات، وقد يخلق ذلك شعوراً بالرفض وعدم القبول تجاه اللاجئين، وضغوطاً على حكومات دول الملجأ للتضييق على «الهجرة» و «حق اللجوء».
ومن ناحية أخرى؛ فإن هؤلاء اللاجئين يرتبطون بالمشكلات الأمنية والصراعات العرقية في بلادهم، فهم في الغالب يعيشون بالقرب من حدود بلادهم المضطربة بالصراعات الداخلية، وتنظر إليهم حكومات بلادهم – أحياناً – على أنهم ينتمون إلى أحد أطراف الصراع، أو يدعمون هذا الطرف مادياً ضد الحكومة أو الأطراف الأخرى، في الوقت الذي قد ينظر إليهم فيه في دول الملجأ على أنهم جزء من قوات منخرطة في حرب عصابات أو مهاجرون غير شرعيين(9).
لهذه الأسباب وغيرها اتجهت العديد من الحكومات إلى وضع قيود على «حق اللجوء»، ففي بعض الأحيان أغلقت بعض الدول أبوابها أمام اللاجئين، أو عاملت كلّ مَن يحاولون عبور حدودها على أنهم مهاجرين غير شرعيين، بل إن بعضها مارس انتهاكات لحقوق بعض الأفراد في معسكرات اللاجئين على الحدود، ومنعت الصحافة ووكالات وهيئات المعونة من الوصول إلى هذه المعسكرات(10).
وقد عزّزت أحداث الحادي عشر من سبتمبر من تلك السياسات، فمنذ تلك الأحداث واجه اللاجئون صعوبات في إيجاد مأوى آمن، وأصبح يُنظر إليهم بمزيد من الشك والريبة، فقد أصبح اللجوء يُنظر إليه على أنه وسيلة قد تمكّن الإرهابيين وغيرهم من غير المرغوب فيهم من الانتقال من دولة إلى أخرى، لذا اتجهت هذه الحكومات بشكل متزايد إلى استبعاد العديد من اللاجئين من الحماية، وتوجيه التّهم إليهم، وهدّدت بطرد بعضهم أو إعادتهم قسراً إلى دول منشئهم، كما قامت بعض الدول بتنفيذ عدد من التعديلات في تشريعاتها بشكل أثّر سلباً في «حق اللجوء»، ففي الولايات المتحدة علّقت الحكومة مؤقتاً مسألة إعادة توطين حوالي 20 ألف لاجئ كانوا قد أُخطروا أنهم سيتمكّنون من دخول الولايات المتحدة، وفي المملكة المتحدة اقترح قانون جديد لمكافحة الإرهاب، يسمح لوزير الخارجية برفض طلبات اللجوء التي يشكّل أصحابها تهديداً للأمن القومي(11).
ومن ناحية أخرى؛ توسعت بعض الدول في تطبيق «مبدأ الاستبعاد»، والذي يعني استبعاد بعض الأفراد من «حق اللجوء» لأسباب؛ منها ارتكابهم لجريمة ضد الإنسانية، أو جريمة حرب، أو جريمة غير سياسية خطيرة(12).
كما وجدت بعض الدول في هذه الأحداث فرصة للهجوم على اتفاقية الأمم المتحدة للاجئين، بل وقواعد حقوق الإنسان بصفة عامّة، وفي كثير من الدول تمارس السلطات الرسمية، أو الإعلام، أو السكان المحليين، تمييزاً ضد هؤلاء اللاجئين، ولا يخفى ما أدت إليه هذه الأحداث من تعزيز مشاعر كراهية الأجانب وعلى رأسهم اللاجئين(13).
ولا توجد حلول جاهزة لمشكلة اللاجئين في العالم، فموجات اللاجئين من أفغانستان وفلسطين والسودان وبوروندي، وهي الدول الأكثر تصديراً للاجئين في العالم – تستمر لعقود، وتبقى الحلول السياسية لهذه المشكلات متعثرة في معظم الأحوال(14)، وبرغم كثرة الهيئات والمؤسسات التي تتعامل مع هذه المشكلة فإن حلولها لا بد أن تعتمد على اقتراب متعدّد الأبعاد لا يتعامل مع الآثار الإنسانية للظاهرة فقط، بل يتعامل مع جذورها السياسية والاقتصادية أيضاً.
المطلب الثاني: مشكلة اللاجئين في إفريقيا، الملامح والأبعاد:
تُعَدّ القارة الإفريقية أكبر قارات العالم من حيث عدد اللاجئين، حيث تضمّ النسبة الأكبر من اللاجئين في العالم، فهي – كما سبقت الإشارة – تحتوي على حوالي ثلث عدد اللاجئين على مستوى العالم، ومن بين الدول العشرين التي تحتل قمة الدول المصدِّرة للاجئين؛ هناك ثماني دول إفريقية يزيد عدد لاجئي كلّ دولة منها في الخارج على المائة ألف لاجئ، كما أن هناك ثلاث عشرة دولة أخرى يزيد عدد لاجئيها على عشرة آلاف لاجئ .
وترتبط مشكلة اللاجئين في إفريقيا بصراعات وحروب، معظمها ذات طبيعة ممتدة تؤدي إلى استمرارها والعجز عن الوصول إلى تسويات سياسية متكاملة ومقبولة ومستديمة لها، وسواء كانت هذه الصراعات والحروب عرقية، تنشب بين الدولة وجماعات لغوية أو عرقية أو دينية، أو غير عرقية، وهي التي تدور بسبب الاختلافات الطبقية والإقليمية والإيديولوجية أو الصراع على السلطة بين الحكومة والمعارضة، فإنها تؤدي إلى فرار الملايين من اللاجئين من الدولة، أو على الأقل إجبارهم على الانتقال إلى أماكن أخرى تخفّ فيها حدّة الصراع داخل الدولة نفسها(15)، لذلك فظاهرة اللاجئين في إفريقيا هي من وجهة نظر بعض المحلّلين ترتبط بأزمة الاندماج الوطني التي تعيشها العديد من دول القارة منذ الاستقلال، والتي أخفقت أنظمة الحكم الإفريقية في التعامل معها(16).
وتتعدد الأمثلة على ذلك، ففي رواندا أدت الحرب الأهلية والمذابح الجماعية عام 1994م، والتي تعرضت لها «التوتسي» إلى هروب أعداد ضخمة، تراوحت بين 2 – 3 ملايين لاجئ(17)، وفي الكونغو الديمقراطية، والتي ساد فيها نزاع تدخلت فيه سبعة جيوش من الدول المحيطة، اقتلعت الحرب حوالي 2.5 مليون لاجئ من وطنهم، وأُجبروا على الإقامة في معسكرات اللاجئين في الدول المحيطة، ولم يكن الأمر مختلفاً في أنجولا التي استمرت فيها الحرب الأهلية حوالي ثلاثة عقود، شردت فيها ما بين 3 – 5 ملايين لاجئ ونازح(18).
ولكن الاكتفاء بهذه الإحصاءات لا يعطي فكرة كافية عن تعقّد مشكلة اللاجئين في إفريقيا، لذلك يتناول هذا المحور بعض أبعاد مشكلة اللاجئين في القارة.
أولاً: برغم أن مشكلة اللاجئين تنتشر في العديد من الدول الإفريقية فإنه ليس كلّ الدول أو الأقاليم الفرعية في إفريقيا تتأثر بالمشكلة بالدرجة نفسها، فنتيجة لحلّ الصراعات في موزمبيق وناميبيا وجنوب إفريقيا في فترة ما بين أواخر الثمانينيات ومنتصف التسعينيات قلّت حدّة الصراعات في هذه المنطقة، وتناقصت أعداد اللاجئين .
وفي الوقت نفسه؛ فإن هناك منطقتين أساسيتين تعانيان المشكلة بشكل حاد، الأولى: هي منطقة الشرق الإفريقي، والثانية: هي منطقة الوسط الإفريقي.
وتوجد في المنطقتين دول تعدّ من أكثر دول المنشأ والملجأ في الوقت نفسه، فالكونغو الديمقراطية – على سبيل المثال – هي من أكثر دول الملجأ، حيث يوجد بها حوالي 235 ألف لاجئ ، كما يتعدّى لاجئوها في الدول الأخرى 450 ألف لاجئ، وكذلك السودان التي تستضيف حوالي 138 ألف لاجئ، ويتعدى لاجئوها في الدول الأخرى 900 ألف لاجئ.
ثانياً: إن حركة اللاجئين في إفريقيا هي حركة مزدوجة، فبينما ينتقل بعض الأفراد إلى دول أخرى غير دولهم الأصلية طلباً للأمن؛ يعود آخرين إلى مواطنهم الأصلية، فقد عاد حوالي 119 ألف لاجئ في منطقة الوسط الإفريقي إلى دولهم خلال عام 2003م، كما عاد خلال هذا العام إلى أنجولا وحدها حوالي 132 ألف لاجئ .
ثالثاً: برغم الانخفاض في عدد اللاجئين نتيجة موجات العودة؛ فإن هناك زيادة واضحة في أعداد النازحين، ففي السودان – على سبيل المثال – وصل عدد النازحين عام 2003م إلى حوالي 4 ملايين نازح، وفي أنجولا يتراوح عدد النازحين ما بين 2 مليون إلى 3.5 ملايين لاجئ . وقد يرجع ذلك إلى أحد الأسباب الآتية، أو جميعها مجتمعة، فقد يرجع إلى أن الصراعات التي تغلب على القارة الإفريقية هي صراعات داخلية، (وهي الأكثر تسبّباً لحركة النازحين)، في حين أن الصراعات بين الدول المجاورة هي الأكثر تسبّباً في انتقال الأفراد عبر الحدود، وقد تكون الجهود الدولية المركزة على النازحين قد ضخّمت من أعدادهم، أو قد يكون الأفراد قد أدركوا أنه قد أصبح من الصعب عبور الحدود إلى دول أخرى؛ فاضطروا إلى النزوح إلى مناطق أخرى داخل بلادهم(19).
وبعد التعرف على هذه الحقائق الكمية يجدر تناول بعض الأبعاد الكيفية المهمة لمشكلة اللاجئين في إفريقيا:
أولاً: تغيّر سياسات الدول الإفريقية تجاه اللاجئين:
حدّدت الدول الإفريقية في اتفاقيتها الإقليمية (اتفاقية منظمة الوحدة الإفريقية للاجئين لعام 1999م) قواعد أكثر مرونة مما وصفتها اتفاقية الأمم المتحدة، فقد جاء تعريفها لـ «اللاجئ» أكثر اتساعاً من تعريف الاتفاقية الدولية، فبالإضافة إلى عنصر «الاضطهاد» الوارد في الاتفاقية الدولية، أضافت الاتفاقية الإفريقية إلى تعريف اللاجئ: «أي شخص أُجبر على ترك مكان إقامته المعتادة للبحث عن ملجأ في مكان آخر خارج دولة إقامته أو جنسيته، وذلك بسبب عدوان أو احتلال خارجي أو سيطرة أجنبية أو أحداث تخلّ بالنظام العام؛ إمّا في جزء أو كلّ من الدولة التي ينتمي إليها بأصله أو جنسيته»(20).
وقد أكدت الاتفاقية أن تقوم الدول الإفريقية بكلّ ما بوسعها لاستقبال اللاجئين، وتوفير أماكن للإقامة الآمنة تبعد بشكل كاف عن حدود دولتهم، كما أكدت مبدأ العودة الطوعية للاجئين(21).
وقد طبقت الدول الإفريقية هذه القواعد منذ الستينيات وحتى بداية ثمانينيات القرن العشرين، فقد سمحت الدول الإفريقية لأعداد كبيرة من اللاجئين بالدخول إلى أراضيها والإقامة فيها، وتمتع اللاجئون بوضع آمن نسبياً، وبقدر من الحقوق القانونية والاجتماعية والاقتصادية، وفي بعض الدول الإفريقية كان يُسمح للاجئين أن يستقروا بشكل دائم، وأن يصبحوا مواطنين طبيعيين، وبرغم وجود حالات لطرد أو استبعاد اللاجئين فإنه بصفة عامّة كان هناك احترام لمبدأ العودة الطوعية.
ويرجع السبب في اتباع الدول الإفريقية لهذه السياسات في تلك الفترة إلى أن اللاجئين الأفارقة في تلك الفترة كانوا في الغالب نتاجاً لحروب التحرير والكفاح ضد الاستعمار، خصوصاً في دول مثل: أنجولا، وغينيا بيساو، وموزمبيق، وزيمبابوي، وجنوب إفريقيا، وناميبيا، وكانت أفكار الجامعة الإفريقية ومكافحة الاستعمار ما زالت حاضرة بوضوح في أنحاء القارة، وعُرف قادة مثل (جوليوس نيريري، وكينيث كاوندا) بسياستهم المساندة للاجئين، كذلك؛ فإن التحسّن في الأداء الاقتصادي للعديد من دول القارة في فترة ما بعد الاستقلال، وعدم ضخامة أعداد اللاجئين، مكّن هذه الدول من تحمّل العبء الاقتصادي لوجود هؤلاء اللاجئين على أراضيها(22).
وبذلك كان هناك اتفاق شبه ضمني بأن تقبل الدول الإفريقية اللاجئين على أراضيها، وأن توفّر لهم الموارد المناسبة لاستقرارهم، وفي المقابل؛ فإن الدول المانحة تحمّلت التمويل اللازم لإيواء هؤلاء اللاجئين وتقديم الخدمات التعليمية والصحية لهم، والذي كان أغلبه يأتي عن طريق «مفوضية الأمم المتحدة للاجئين»(23).
لكن هذا الواقع لم يستمر، فمنذ بداية الثمانينيات لم تعد الدول الإفريقية مستعدة لقبول اللاجئين، وبدلاً من فتح حدودها للأفراد الذين لا يشعرون بالأمان في دولهم بدأت الدول الإفريقية تفضّل أن يتمتع هؤلاء بالحماية في أي مناطق معزولة، أو آمنة داخل دولهم؟ وعليه أصبحت العديد من الدول تغلق حدودها أمام اللاجئين أو تعيدهم قسراً إلى دولهم حتى إذا كانت الظروف التي فرّوا منها ما زالت قائمة، كما أصبح من الصعب على الأفراد الذين يعبرون الحدود إلى دولة أخرى أن يكتسبوا صفة «لاجئ»، ومن ثمّ لا يصبح سلامتهم أو أمنهم مضموناً، والأمثلة على هذه السياسات عديدة، ففي مايو 2002م أصدرت السلطات الكينية أوامرها لعشرة آلاف لاجئ صومالي، هربوا من القتال الدائر جنوب غربي الصومال إلى كينيا، بالعودة إلى الصومال، وعاد منهم بالفعل خمسة آلاف لاجئ(24)، كما يتهم «اتحاد اللاجئين» في كينيا الحكومة الكينية بالتقاعس عن حماية اللاجئين، مما يؤدي إلى تعرضهم لتحرش الشرطة الكينية بهم وإساءة معاملتهم، أو القبض عليهم ظلماً(25).
كذلك فقد رصد تقرير منظمة «هيومان رايتس ووتش» عام 2002م تقاعس الحكومتين الكينية والأوغندية عن حماية اللاجئين، مما يؤدي في بعض الأحيان لتعرضهم للضرب، أو العنف الجنسي، أو الابتزاز، والاعتقال التعسفي من جانب المجرمين المحليين أو عناصر الشرطة المحلية، كما دعا التقرير حكومتي البلدين إلى منح اللاجئين المقيمين في المدن الصفة القانونية للاجئين، والارتقاء بالأنظمة للبتّ في وضع هؤلاء في كلا البلدين(26).
وتُرجع الدراسات تغيّر سياسات الدول الإفريقية سلباً تجاه اللاجئين منذ الثمانينيات للأسباب التالية(27):
1 – تزايد أعداد اللاجئين في تلك الفترة، فبينما كان عدد اللاجئين في إفريقيا في بداية السبعينيات حوالي مليون لاجئ؛ وصل العدد في أوائل التسعينيات إلى حوالي ستة ملايين، كما أن سرعة حركة اللاجئين ونطاقها تزايدت بشكل واضح منذ بداية الثمانينيات، ولم يعد اللاجئون هم ضحايا حروب التحرير، بل ضحايا الحروب الأهلية والنزاعات الداخلية، ومن ثمّ فلم يحظوا بالقدر نفسه من المساندة التي حظي بها لاجئو الستينيات والسبعينيات.
2 – أن الدول المتقدمة قد أخذت المبادرة بالتضييق على ممارسة «حق اللجوء»، والحدّ من مبادئ «حماية اللاجئين»، فمنذ بداية الثمانينيات بدأت دول غرب أوروبا وأمريكا الشمالية في تصميم إجراءات للحدّ من اللاجئين، ومن ثمّ فإذا كانت الدول المسؤولة عن إنشاء نظام دولي لحماية اللاجئين تتحدى الأسس الأخلاقية والقانونية لهذا النظام؛ فليس غريباً أن تتبعها دول أخرى، وبخاصة تلك التي تعاني مشكلات اقتصادية، ولذلك فعندما بدأت الدول الإفريقية في إغلاق حدودها أمام اللاجئين كانت تسوّغ ذلك بما سبق أن اتخذته بعض الدول المتقدمة من إجراءات مماثلة.
3 – تأثير العوامل الاقتصادية، فمنذ بداية الثمانينيات بدأت العديد من الدول الإفريقية تعاني تراجع معدلات النمو الاقتصادي، كما تراجعت المساعدات التنموية من دول الشمال إلى دول الجنوب، وبدأت توجّه إلى عدد محدود من الدول؛ في ظلّ سياسات المشروطية التي ربطت هذه المساعدات ببرامج التكيف الهيكلي والإصلاحات السياسية.
4 – النظر إلى اللاجئين بوصفهم خطراً مهدّداً للاستقرار الاجتماعي والسياسي لدول الملجأ، فقد كان قرار السلطات الكينية بشأن اللاجئين الصوماليين – السابق الإشارة إليه – مرتبطاً بما ارتكبه اللاجئون الصوماليون في كينيا من جرائم، وغالباً ما يقترن اللاجئون بمشكلات مثل الجريمة، وغيرها، وفي بعض الحالات لا يكون لدى دول الملجأ القدرة، أو الاستعداد، للحفاظ على القانون في المناطق المهمّشة، أو البعيدة التي يعيش بها اللاجئون، وهو ملمح آخر من ملامح مشكلة اللاجئين في إفريقيا ستتم مناقشته فيما بعد.
5 – إن الدول المانحة قد ساهمت في تدهور قواعد حماية اللاجئين في إفريقيا لعدم استعدادها لتمويل برامج طويلة الأجل لمساعدة اللاجئين، فقد سعت هذه الدول إلى إنهاء برامج مساعدة اللاجئين في أقرب وقت ممكن، ومحاولة إعادة اللاجئين إلى أوطانهم، ففي عام 1996م – على سبيل المثال – أبلغت الخارجية الأمريكية «مفوضية الأمم المتحدة للاجئين» برغبة الولايات المتحدة في إنهاء برنامج دعم اللاجئين الروانديين في تنزانيا والكونغو الديمقراطية (زائير آنذاك) في أقرب وقت ممكن لمحدودية الموارد، وبعد هذا القرار بشهر واحد تم طرد حوالي نصف مليون لاجئ رواندي من تنزانيا، وعادوا إلى بلادهم دون أي اعتراض من الدول الغربية أو من الأمم المتحدة، ولأهمية البعد الدولي الذي يشكّل أحد ملامح مشكلة اللاجئين في إفريقيا سوف تتم مناقشته بشيء من التفصيل.
ثانياً: ضعف الاهتمام العالمي باللاجئين في إفريقيا:
حذّرت «موفضية الأمم المتحدة للاجئين» و «برنامج الغذاء العالمي» في فبراير من العام الماضي بأن أكثر من مليون لاجئ في إفريقيا يعانون عدم توافر احتياجاتهم الغذائية، بسبب اضطرار المنظمتين لخفض المساعدات الغذائية نتيجة لنقص التمويل، مؤكدتين أن ذلك سوف يؤدي إلى مشكلات صحية لهؤلاء اللاجئين، وقد يؤدي إلى استغلاهم، وبخاصة النساء والأطفال منهم، أو حتى إعادتهم قسراً إلى دولهم(28).
وقد أعلنت المنظمتان تخوفهما من أن يؤدي الانشغال بحرب العراق ولاجئيها إلى انحسار الاهتمام بلاجئي إفريقيا، ففي الوقت الذي انشغلت فيه الأمم المتحدة بجمع حوالي 2.2 مليار دولار للمساعدات الإنسانية في العراق؛ بدأ المانحون في التراجع عن تمويل المساعدات الإنسانية في إفريقيا منتظرين ما ستسفر عنه الظروف في العراق(29).
ورصدت المنظمتان أن بعض اللاجئين في إفريقيا يحصلون على نصف احتياجاتهم الطبيعية من الغذاء شهرياً، وأن هناك تخوّف من أن تتأثر سياسات الدول المضيفة للاجئين في إفريقيا بهذا النقص، وكانت الحكومة التنزانية قد هدّدت بالفعل أنه في حالة عدم حلّ مشكلة توافر المساعدات الغذائية سوف تضطر إلى إجبار اللاجئين على أراضيها إلى العودة إلى دولهم؛ حتى تتجنب ما قد ينجم عن هذه المشكلة من عدم استقرار في مناطق اللاجئين ومعسكراتهم.
وكان «برنامج الغذاء العالمي» قد اضطر لتخفيض مساعداته الغذائية للاجئين في «كينيا» بنسبة 25% بسبب نقص التمويل، برغم أن المنظمة نفسها رصدت في إحدى دراساتها أن آلاف اللاجئين من الأطفال في «كينيا» يعانون سوء التغذية(30).
كما شهد عام 2002م إغلاق «مفوضية الأمم المتحدة للاجئين» لمكاتبها في إحدى عشرة دولة، يقع معظمها في الدول الإفريقية، منها: بنين، والكاميرون، وتشاد، وتوجو، وجامبيا، ومالي، والنيجر، وسوازيلاند، وذلك في ظلّ ما تعانيه المفوضية من عجز مالي اضطرت معه لتخفيض ميزانيتها، وتخفيض ما يقرب من ثلاثة أرباع عملياتها في القارة الإفريقية وحدها(31).
ومن ناحية أخرى؛ يعترف مسؤولو المنظمات الدولية العاملة في مجال اللاجئين أن هناك قدراً كبيراً من عدم المساواة في المساعدات المقدمة للاجئين في إفريقيا مقارنة بالمساعدات المقدمة للاجئين في غيرها من المناطق، فقد أعرب مدير «برنامج الغذاء العالمي» أنه لا يمكن الهروب من حقيقة وجود معايير مزدوجة في التعامل مع اللاجئين، وأن المعاناة في إفريقيا قد وصلت إلى مستوى لم يكن من الممكن قبوله في أي مكان آخر في العالم، كما صرح أحد مسؤولي «مفوضية الأمم المتحدة» لشؤون اللاجئين بأن المفوضية تمنح اللاجئ الواحد في دول يوغوسلافيا السابقة 120 دولاراً؛ بينما تمنح نظيره في إفريقيا 35 دولاراً، حتى مع الأخذ في الاعتبار اختلاف تكاليف المعيشة يبقى هناك حالة واضحة من عدم المساواة(32).
وفي الواقع؛ فإن قضية الاهتمام العالمي باللاجئين في إفريقيا لها أبعاد عدة، وتتصل بقضايا سياسية واقتصادية، تمثّل المصادر الأساسية لمشكلة اللاجئين، فمن الناحية السياسية انخفضت الأهمية السياسية للقارة بالنسبة للقوى الغربية منذ بداية التسعينيات، فخلال الحرب الباردة كانت دول مثل: أنجولا، والكونغو الديمقراطية، وغيرهما لها أهمية في ظلّ التنافس بين المعسكرين، ولكن بعد انتهاء هذا التنافس تراجعت الأهمية الاستراتيجية للقارة، وتركت الدول الغربية دول القارة تواجه مشكلاتها وصراعاتها، وهي المصدر الأول لمشكلة اللاجئين بمفردها.
ومن الناحية الاقتصادية انخفضت المساعدات التنموية للدول الإفريقية في الوقت الذي تواجه فيه المنتجات والسلع الإفريقية قيوداً في الوصول إلى أسواق الدول الغربية، وهذه السياسات التي تتبعها الدول الغربية كانت أحد أسباب تدهور الأداء الاقتصادي للدول الإفريقية، لتدخل هذه الدول في حلقة مفرغة من الفقر والصراع واللاجئين(33).
ثالثاً: المخاطر الأمنية وتهديد حكم القانون في معسكرات اللاجئين في إفريقية
يقوم «حق اللجوء» على منح الأفراد الحق في الانتقال من دولتهم إلى دولة أخرى إذا ما واجهتهم مخاطر تهدّد حياتهم وحريتهم، ولهم أن يتمتعوا بحماية الدولة التي تقبلهم على أراضيها، وقد كان عنصر الأمن متوافراً للعديد من اللاجئين الأفارقة، فاللاجئون الليبيريون في (كوت ديفوار) – على سبيل المثال – تمتعوا بقدر مناسب من الأمن والحماية، وكذلك اللاجئون الموزمبيقيون الذين وجدوا ملجأً آمناً في «مالاوي» منذ منتصف الثمانينيات وحتى منتصف التسعينيات؛ برغم شراسة الحرب في دولتهم ووجودهم بالقرب من حدودها، وبرغم محدودية الأراضي والموارد في دولة الملجأ(34).
ولكن هذه الأمثلة لا تعبّر عن المخاطر الحالية في معسكرات اللاجئين في القارة، فقد أجمع المحللون والمتابعون على أن معسكرات اللاجئين في إفريقيا لم تعد آمنة، ومن ثمّ فقد أصبح الأفراد بعبورهم للحدود ينتقلون إلى شكل آخر من أشكال المخاطر، كما أن هذه الأوضاع الأمنية تعوق عمل المنظمات المعنية بشؤون اللاجئين، بل إن بعض مسؤولي هذه المنظمات يرون أن الأمن هو التحدي الأول لدور هذه المنظمات في القارة، فبعض موظفي هذه المنظمات يتعرضون للقتل والمخاطر بسبب وجودهم في معسكرات اللاجئين، ففي غينيا خلال عام 2000م – على سبيل المثال – اضطر مسؤولو هذه المنظمات إلى إنهاء مهمتهم بسبب الهجوم المتكرر الذي تعرضت له معسكرات اللاجئين من أراضي ليبيريا وسيراليون، وبسبب الأوضاع الأمنية المتدهورة لم تستطع «مفوضية الأمم المتحدة للاجئين» الوصول إلى آلاف اللاجئين في الكونغو برازافيل وشمال أنجولا، واضطرت إلى سحب قوات لها في السودان(35).
وبصفة عامّة؛ هناك نوعان من مصادر تهديد الأمن في معسكرات اللاجئين في إفريقيا:
الأول: هو أن معسكرات اللاجئين قد تكون هدفاً لهجمات عسكرية، وقد أصبحت هذه الظاهرة أكثر اتساعاً بأشكال مختلفة في التسعينيات، ومن ذلك الهجمات على معسكرات اللاجئين في شمال أوغندا من قِبل القوات المناهضة للرئيس «موسيفيني» والمؤيدة لحكومة الخرطوم، وكذلك هجمات القوات المسلحة البوروندية على مناطق اللاجئين في «تنزانيا» لاعتقال المقاتلين البورونديين.
وأكثر هذه الأمثلة مأساوية الهجوم واسع النطاق على المعسكرات الرواندية في الكونغو الديمقراطية (زائير آنذاك) عام 1999م، والتي قام بها الثوار الزائيريون بمساندة القوات المسلحة الرواندية لتحقيق عدة أهداف؛ منها: منع المعسكرات في شرق زائير من أن تصبح قاعد سياسية وعسكرية للحكومة والقوات المسلحة الرواندية السابقة، والقضاء على العناصر التي كانت مسؤولة عن الإبادة الجماعية الشهيرة في عام 1994م، ودفع الروانديين إلى العودة إلى دولتهم، بحيث يصبحون تحت سيطرة الحكومة الرواندية(36).
أما النوع الثاني: من التهديدات فيتمثل في التهديدات غير العسكرية، ومنها: العنف، والاضطهاد، والأنشطة الإجرامية، ففي كينيا – على سبيل المثال – رصدت الدراسات ما يتعرض له اللاجئون من عنف جنسي وسرقة مسلحة، أو دفعهم للانضمام للميليشيات المسلحة، أو الاحتجاز والعقاب من قادة معسكرات اللاجئين، أو أعضاء الجيش الوطني، أو الصراع بين اللاجئين والسكان الأصليين، بل الصراع بين اللاجئين من الجماعات المختلفة، أو من قوميات أو دول مختلفة، وفي بعض الأحيان تصبح معسكرات اللاجئين مركزاً للجريمة وتجارة الأسلحة، وأشهر الأمثلة على ذلك «معسكر داداب» في شرق كينيا، والذي عرف بأنه مركز لتجارة الأسلحة إلى الصومال وغيرها من دول شرق إفريقيا(37).
ولا شك أن هذه المظاهر تحمل انعكاسات خطيرة على وضع اللاجئين في إفريقيا، فهي تهدّد وضع اللاجئين، كما تهدّد حياة السكان المحليين في دول الملجأ، وتعطي وزناً للرأي القائل بأن اللاجئين مصدر لعدم الاستقرار، وأنه من المشروع إبعادهم، أو دفعهم قسراً للرجوع إلى دولهم، كما أن هذه التوترات يمكن أن تؤثر سلباً في العلاقات بين الدول المتجاورة.
ومن ناحية أخرى؛ فإذا كانت «الحماية المادية»، وهي الحد الأدنى من حقوق اللاجئ تتعرض للمخاطر في معسكرات اللاجئين في إفريقيا، فلا يكون هناك مجال للحديث عن الحقوق والحريات الأخرى التي ينبغي توفيرها للاجئين، وبخاصة هؤلاء الذين تطول مدة إقامتهم في معسكرات اللاجئين في دول الملجأ، فأصحاب ما يسمّى بـ «اللجوء المطول» غالباً لا تتوافر لهم الفرص الاقتصادية والحريات السياسية والمرافق الاجتماعية بشكل مقبول، ذلك أن مخيمات اللاجئين تعمل وفقاً للحدّ الأدنى من المعايير، وهذه المعايير لا تتعامل في الغالب مع قضية الحريات، بل إن هذه المعايير في النهاية قد لا يتم الوفاء بها(38).
رابعاً: مشكلة استيعاب اللاجئين العائدين:
كما سبقت الإشارة؛ فإن هناك العديد من اللاجئين في إفريقيا عادوا إلى أوطانهم في الأعوام الأخيرة، سواء طوعاً أو قسراً، ولا شك أن هؤلاء اللاجئين العائدين يشكّلون رأس مال بشري واجتماعي، بما يمكن أن يقدموه من خبرات، ومهارات، وقدرة على التحمّل اكتسبوها من خبرتهم في دول الملجأ، هذا بالإضافة إلى الشبكات الاجتماعية الجديدة التي يستطيعون تكوينها بعودتهم، وإصرارهم على بناء مجتمعاتهم.
وهناك العديد من الأمثلة على دور اللاجئين العائدين في التنمية الاقتصادية لمجتمعاتهم، ففي منطقة الأوجادين في إثيوبيا – على سبيل المثال – ساهم العائدون في تنمية المنطقة بنشر أفكار التغيير، ولم تكن تلك هي مهمة الرجال فقط، بل أدت المرأة دوراً أساسياً في هذه التجربة(39).
ولكن على الجانب الآخر؛ هناك جوانب أقلّ إيجابية في عودة اللاجئين، خصوصاً إذا عاد هؤلاء اللاجئين قسراً، فالعائدون غالباً ما يفقدون أعمالهم وأرضهم ومنازلهم، ويحتاجون إلى استيعابهم من جديد في أوطانهم، مما يجعل عودتهم أحياناً أصعب من بقائهم في دول الملجأ، ويواجه العائدون بصفة عامة مخاطر شتّى مادية وأمنية وقانونية واجتماعية، فعلى صعيد الأمن المادي قد يتعرض اللاجئون أحياناً لتهديدات عند عودتهم إذا لم يتوافر عنصر الأمن، أو لم تختلف الظروف التي تركوا أوطانهم بسببها، ففي «بوروندي» – على سبيل المثال – تعرض «الهوتو» العائدون من تنزانيا لهجمات متعددة من «التوتسي»، أدت إلى مقتل كثيرين(40).
وفي أنجولا؛ برغم تراجع انتهاكات حقوق الإنسان المصاحبة للحرب بعد توقيع اتفاق السلام في أبريل 2002م فإن العائدين ما زالوا يعانون انتهاكات لحقوقهم، حيث يتعرض بعضهم للنهب، أو السرقة، أو الاعتقال التعسفي، وخصوصاً في المناطق التي تضعف فيها سلطة الحكومة(41)، وفي الوقت نفسه فإن اللاجئين لا يملكون في الغالب موارد مادية لدى عودتهم إلى بلادهم في الوقت الذي يتعاملون فيه مع بيئة دمرتها الحروب، وبنية تحتية مهدمة، مما يجعلهم في حاجة إلى مساعدات مالية عاجلة فور عودتهم.
وعلى صعيد الأمن الاجتماعي والنفسي يميل اللاجئون إلى الشعور بالخوف من المستقبل، خصوصاً إذا عادوا إلى بلادهم قسراً، حتى إذا عادوا طوعاً، فقد يكون لديهم توقعات غير واقعية حول الأوضاع في بلادهم؛ مما يخلق لديهم حالة من الإحباط(42).
ومن الناحية القانونية؛ قد لا يملك اللاجئون العائدون وثائق رسمية تثبت جنسيتهم وانتماءهم لدول المنشأ، وهي مشكلة منتشرة يواجهها العائدون، مما يجعلهم يفقدون حماية دولتهم، ويحول دون ممارستهم لحقوقهم السياسية، أو إيجاد فرصة عمل، كما أن العائدين – أيضاً – قد لا يملكون وثائق رسمية تثبت أحقيتهم فيما تركوا من ممتلكات، وهذه المشكلة تواجه النساء بشكل خاص، لأن بعض نظم ملكية الأراضي، كتلك التي كانت سائدة في رواندا عام 1996م، لا تعترف بأحقية النساء في ملكية الأراضي(43).
إذن فالعودة لها آثار إيجابية وسلبية على العائدين وعلى دولتهم، فالعودة لأعداد كبيرة من اللاجئين قد تمثّل عبئاً على مناطق غير مؤهلة لاستقبال هؤلاء العائدين، مما يؤدي إلى زيادة التوتر والصراع على الموارد المحدودة من أراض، وغذاء، ومياه، وفرص للعمل، وخدمات عامّة، وهو ما يحدث في الغالب عندما تكون العودة قسرية أو غير مخططة.
وبعد التعرض لملامح وأبعاد مشكلة اللاجئين في إفريقيا تطرح الدراسة أحد الأمثلة التي تتضح فيها بجلاء أبعاد مشكلة اللاجئين وملامحها في إفريقيا، وهي أزمة «دارفور» التي أجمعت التقارير والتحليلات على كونها أسوأ أزمة إنسانية في العالم خلال عام 2004م.
المطلب الثالث: أزمة دارفور: حلقة جديدة من حلقات مأساة اللاجئين في إفريقيا:
في الوقت الذي كانت تستعيد فيه إفريقيا ذكرى مأساة التطهير العرقي في «رواندا»، بمناسبة مرور عشرة أعوام عليها، كانت القارة تعيش كارثة إنسانية أخرى في «إقليم دارفور» في غرب السودان، وبغضّ النظر عن الاختلاف حول طبيعة الصراع الدائر في «دارفور»، وما إذا كان يشكّل تطهيراً عرقياً أو لا(44)، فإن الواضح هو أنه أدى إلى كارثة إنسانية، دفعت منظمات الإغاثة إلى التحرك لتعبئة الموارد، وممارسة الضغط على حكومة الخرطوم لحماية أهالي دارفور (من لاجئين ونازحين) من الآثار المدمرة للقتال، و «دارفور» منطقة يسكن بها حوالي ستة ملايين سوداني، أغلبهم قبائل عربية يعملون بالرعي، بالإضافة إلى جماعات إفريقية أخرى، منها قبائل: (الزغاوة، والفور، والمساليت).
وتختلف التفسيرات حول أسباب القتال الذي تقوده جماعتا التمرد في دارفور: «حركة تحرير السودان» و «جماعة العدالة والمساواة» ضد ميليشيات عربية يُطلق عليها «ميليشيا الجنجويد»، تُعرف بأنها مدعومة من حكومة الخرطوم، برغم إنكار حكومة الخرطوم لهذا الدعم، فقد ذكرت بعض تقارير المنظمات الدولية، ومنها «مجموعة الأزمات الدولية»، أن «حركة تحرير السودان» قد بدأت القتال المسلح في فبراير 2003م ضد هجمات القبائل العربية الرعوية مطالبة بتنمية المنطقة، ومحاربة التهميش السياسي، وفي مقابل ذلك عملت الحكومة السودانية على تعبئة ميليشيات «الجنجويد» وتجنيدها للردّ على جماعتي التمرد(45).
وفي المقابل؛ ترى تحليلات أخرى أن جذور المشكلة قديمة، فهي من ناحية ترتبط بالصراعات القبلية التاريخية حول المرعى والأرض ومصادر المياه في «دارفور»، وهي من ناحية أخرى؛ ترتبط بمحاولات الحكومة السودانية منع «الحركة الشعبية لتحرير السودان» الناشطة في الجنوب من مدّ نفوذها إلى الغرب، مما دفعها إلى تسليح ميليشيات الجنجويد(46)، وبرغم اختلاف هذه التفسيرات فمن المهم ملاحظة أن المشكلة لها أبعاد سياسية واقتصادية مهمّة.
وقد تصاعدت وتيرة القتال منذ شهر مارس 2004م، وأدى إلى تشريد حوالي مليون لاجئ ونازح، انتقل منهم أكثر من مائة ألف لاجئ إلى تشاد، وتؤكد تقارير المنظمات الدولية أن ظروف هؤلاء النازحين واللاجئين بالغة الصعوبة، ففي يونيو 2004م أصدرت «مفوضية الأمم المتحدة للاجئين» تقريراً يؤكد أنها في سباق مع الزمن للوصول إلى لاجئي «دارفور» في تشاد ومساعدتهم للبعد عن الحدود في معسكرات آمنة، وأوضح التقرير أن الظروف الجوية السيئة تحول – أحياناً – دون وصول منظمات الإغاثة إليهم، هذا بالإضافة إلى أن ظروف الجفاف تجعل من توفير المياه همّاً أساسيا لهذه المنظمات(47).
وفي آخر تقارير الأمم المتحدة حول الوضع في «دارفور»، والصادر في 20 يوليو 2004م، أوضح التقرير أن هناك مناطق لا يزال الوصول إليها صعباً بسبب الظروف الجوية، وأن القتال ما زال مستمراً في عدة مناطق، ومؤدياً إلى مزيد من الهجرة، حيث اضطر حوالي 12 ألف نازح إلى اللجوء إلى المدارس، وفي بعض المناطق تتأخر عملية توزيع الإمدادات الإنسانية نظراً لتدفق اللاجئين بأعداد ضخمة، ووجود مشكلات في إجراءات التسجيل(48).
كذلك فقد صرح أحد مسؤولي الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية أنه من المتوقّع أن يفقد حوالي 30 ألف شخصاً على الأقل حياتهم، وأن هناك انطباعاً خاطئاً بأن الأمور تتحسن في «دارفور» برغم أن الصورة ما زالت قاتمة، وأعداد الوفيات في ازدياد(49).
ويرى مسؤولو المنظمات الدولية أن التحدي الأمني هو التحدي الأكبر أمام منظمات الإغاثة، فبرغم توقيع اتفاق لوقف إطلاق النار بين الحكومة السودانية وحركتي التمرد في «دارفور» أبريل 2004م؛ فإن وقف إطلاق النار ظلّ هشاً، واستمر القتال، مما يفرض قيوداً على منظمات الإغاثة التي يتعرض موظفوها أنفسهم لمخاطر جمّة، فقد تمّ احتجاز 19 شخصاً من موظفي الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى خلال شهر يونيو 2004م، كما شكت هذه المنظمات من القيود التي تفرضها الحكومة على الوصول إلى مناطق القتال(50).
وإذا كانت الأوضاع الأمنية تؤثر في أداء المنظمات الدولية لدورها؛ فإنها أكثر تأثيراً في أوضاع اللاجئين أنفسهم، فقد رصدت المنظمات الدولية انتهاكات مارستها السلطات التشادية ضد اللاجئين من «دارفور» من اعتقال للأفراد، بل قتل بعضهم في عمليات للشرطة التشادية، استهدفت البحث عن منفذي عمليات ضد موظفي منظمات الإغاثة، وقد دعا ذلك «مفوضية الأمم المتحدة» إلى أن تبدي انزعاجها من عدم توافر الحماية الكافية للاجئين للحكومة التشادية(51).
وبرغم تعهد الحكومة السودانية بتوفير الأمن في «دارفور»، والعمل على وصول المساعدات الإنسانية، فإنها حاولت دفع النازحين في منطقة «دارفور» إلى العودة إلى ديارهم دون أن تستقر الحالة الأمنية في الإقليم، وهي في ذلك تخرق مبدأ العودة الطوعية، وتخشى منظمات الإغاثة من أن عودة اللاجئين والنازحين إلى ديارهم بشكل مفاجئ يمكن أن يخلق أزمة قد تودي بحياة الكثير منهم، فهؤلاء النازحون واللاجئون إذا عادوا إلى قراهم لن يجدوا ما يعتمدون عليه من الغذاء، ولن يتمكنوا من الحصول على المساعدات الغذائية، حيث سيكون من الصعب توزيع هذه المساعدات لمئات من القرى إذا عادوا إليها، وسيجدونها مدمّرة من أثر القتال(52).
وبذلك فإن أزمة «دارفور» هي حالة مثالية لوضع اللاجئين في إفريقيا، فهي حالة صراع داخلي، أفرز ما يزيد على مليون لاجئ ونازح، يعانون فقدان الأمن، وعدم كفاية المساعدات، وعدم قدرة دول الملجأ على استيعابهم، وإن كان الاهتمام الدولي بها قد حدّ من تحوّلها إلى كارثة أكثر سوءاً.
الخاتمة: نحو حلٍّ شامل لمشكلة اللاجئين في إفريقيا:
يتضح من أزمة «دارفور»، وغيرها من الأزمات والصراعات التي خلّفت آلاف اللاجئين والنازحين في إفريقيا، أن معالجة مشكلة اللاجئين لا يعتمد على إدارة المشكلة فقط، إنما على الأساليب الوقائية التي تقضي بمعالجة أسباب الصراعات التي تؤدي إلى موجات الهجرة القسرية.
وقد ظلّ الإطار المؤسسي لمنع الصراعات الإفريقية ضعيفاً، إلى أن جرت محاولات لتطويره في إطار تطوير منظمة الوحدة الإفريقية وبداية الاتحاد الإفريقي الجديد ومؤسساته، وعلى رأسها مجلس الأمن الإفريقي، فقد اعترفت الدول الإفريقية في البروتوكول المنشئ لهذا المجلس أن هناك علاقة تأثير متبادل بين التنمية الاقتصادية والاجتماعية والأمن، كما نصّ البروتوكول على احترام قواعد الحكم الرشيد وحكم القانون والمبادئ الديمقراطية(53)، وعلى الرغم من ذلك تبقى المعضلة الأساسية في التنفيذ وليس في النصوص.
وقد اهتمت العديد من الدراسات بأهمية منع الصراعات كوسيلة وقائية لمنع موجات الهجرة القسرية، وقدّمت في هذا السياق العديد من المقترحات، أهمها: وجود لجنة أو هيئة خاصة لشؤون الأقليات في كلّ دولة إفريقية، تقوم حكومات هذه الدول بإنشائها وضمان استقلالها، وذلك لعلاج مشكلة التهميش السياسي والاقتصادي لبعض الأقليات في الدول الإفريقية؛ باعتبار هذا التهميش أحد أهم أسباب الصراعات، وكذلك الاهتمام بدعم وسائل الاندماج الوطني، سواء عن طريق القواعد الدستورية، أو تفويض السلطة بتحقيق اللامركزية، أو عن طريق النظام الانتخابي الذي لا يكرّس الانتخاب على أساس عرقي أو إثني.
كما اقترح أيضاً الاهتمام بثقافة السلام، وتأكيد نشرها في نظم التعليم ووسائل الإعلام، والسعي إلى تحقيق الرفاهية الاجتماعية، وهو أمر يحتاج تحقيقه إلى مساهمة الدول والمؤسسات المانحة لدعم الجهود التنموية في إفريقيا والاهتمام بها(54).
وفي حالة اندلاع الصراع وتدفق اللاجئين؛ فإن هناك إجراءات يجب اتخاذها لتوفير الحماية الكافية لهم، وحماية اللاجئين تحتاج إلى اقتراب متعدد الأبعاد، يبدأ بالتمييز بين اللاجئين الذين من حقّهم التمتع بالحماية الدولية، وغيرهم من الأفراد المبعدين من مرتكبي جرائم الحرب، أو جرائم ضد الإنسانية، أو غيرهم ممن نصّت عليهم اتفاقية الأمم المتحدة، والذين لا يستحقون هذه الحماية، وهذا الفصل ليس مهماً من الناحية القانونية فقط، ولكنه أيضاً مهمّ لمواجهة المساعي العدائية التي قد يبديها السكان المحليين ضد اللاجئين.
كما تستوجب حماية اللاجئين إنشاء، أو إعادة نقل، معسكرات اللاجئين بعيداً عن الحدود، فعلى الرغم من النصّ الواضح في اتفاقية منظمة الوحدة الإفريقية على أنه على دول الملجأ أن تقيم معسكرات اللاجئين في أماكن بعيدة بشكل مناسب عن حدود دولتهم لتوفير الأمن، فإنّ ذلك لا يحدث على أرض الواقع، ومن ثمّ يصبح على دول الملجأ أن تتعاون مع «مفوضية الأمم المتحدة» لتحديد الواقع المناسب لإقامة اللاجئين.
ومن ناحية أخرى؛ لا بد من تفعيل وسائل للاتصال والتوعية، لكي تتمكن من خلالها دول الملجأ والمنظمات الدولية من تعريف اللاجئين بحقوقهم والتزاماتهم، والقواعد التي تحكم حياتهم الجديدة في دول الملجأ، وفي الوقت نفسه فإن دول الملجأ قد تحتاج إلى تشريعات تمنح لهم الحق في منع وتجريم نشر دعاية تثير الكراهية والعنف ضد اللاجئين، ومن أجل ضمان حكم القانون واستقرار الأمن في معسكرات اللاجئين يجدر بمفوضية الأمم المتحدة، وغيرها من المنظمات الدولية، أن توجه الدعم للنظام القضائي في دول الملجأ، بحيث يمكن التعامل بالقانون مع العناصر الإجرامية، وتوعية الأجهزة القضائية بألا تلتزم بتفسيرات ضيقة للاتفاقيات الدولية بشكل يؤثر في حقوق اللاجئين.
كذلك؛ فإن الأجهزة الأمنية في دول الملجأ بحاجة إلى الدعم المادي والفني للحفاظ على الاستقرار في معسكرات اللاجئين، كما أنها تحتاج إلى توعية بمبادئ حقوق الإنسان وحماية اللاجئين.
وبالإضافة إلى دور القضاء والشرطة في هذا السياق؛ يمكن إنشاء آليات لحلّ الصراع داخل معسكرات اللاجئين(55)، وإدارة مشكلة اللاجئين في إفريقيا لا يجب أن تقتصر على الحماية فقط؛ إنما تحتاج إلى إجراءات لدعمهم ومساعدتهم؛ بتوفير الاحتياجات الأساسية لهم، من خدمات صحية وتعليمية، وبرامج التشغيل التي تهدف إلى رفع مستوى معيشة اللاجئين، والأنشطة الثقافية للشباب، ومساعدتهم على الاندماج في الحياة الجديدة، ويمكن في ذلك التعلّم من بعض النماذج الناجحة في القارة، كتجربة اندماج اللاجئين الموزمبيقيين في جنوب إفريقيا، والتي رصدتها مفوضية الأمم المتحدة كمثال على الاندماج الكامل الذي أصبح من الصعب معه التمييز بين اللاجئين والسكان المحليين، والذي تمتع فيه اللاجئون بحقوقهم، حتى إن بعضهم استطاع الوصول إلى مناصب سياسية برئاسة بعض القرى في مقاطعة «ليمبوبو» التي يتركز فيها هؤلاء اللاجئون.
الخلاصة – إذن -:
أنّ التعامل مع مشكلة اللاجئين(56) في إفريقيا يحتاج إلى تعاون عدة أطراف، فعلى الدول المانحة والمنظمات الدولية أن تتحمل مسؤوليتها في دعم الجهود التنموية في القارة، والوساطة في المنازعات، ودعم آليات منع وإدارة الصراعات، كما أن عليها أن تتجنب تسييس قضية اللاجئين، وتنظر إليها باعتبارها قضية إنسانية في المقام الأول، ففي الوقت الذي استغلت فيه الدول الغربية أزمة «دارفور» ولاجئيها، للضغط على الحكومة السودانية وحصارها، كان آلاف اللاجئين يفرون من الكونغو الديمقراطية دون أن يلتفت إليهم أحد(57).
أما الدول الإفريقية؛ فتحتاج إلى نقل التزامها بمبادئ الحكم الرشيد والعدالة من النصوص القانونية إلى التنفيذ العملي، وعلى دول الملجأ منها أن تحترم القواعد القانونية الخاصة بحماية اللاجئين، وعدم إجبارهم على العودة قسراً إلى دولهم، وعليها بصفة عامة أن تتفهم أوضاع اللاجئين واحتياجاتهم.
الإحالات والهوامش:
(*) معيدة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة.
(1) انظر: 2003 GLOBAL refugee trends , United Nations High commissioner for refugees (UNHCR), June 2004, p.89
(2) انظر: the 1951 convention relation to the status of Refugees, article 1.
كان تعريف «اللاجئ» السائد قبل الاتفاقية تعريفاً واسعاً، يشمل أي فرد خارج حدود الدولة التي يتمتع بجنسيتها ما دام لم يكتسب جنسية أخرى، ولم يكن الأمر مرتبطاً بعنصر «الاضطهاد» كما ورد في اتفاقية الأمم المتحدة للاجئين عام 1951م، وتعريف «الاضطهاد» الوارد في تعريف الاتفاقية هو محلّ للخلاف، فالبعض يرى أن «الاضطهاد» الاقتصادي لا يكفي كمؤشر ليكتسب اللاجئ هذه الصفة في دولة الملجأ، بينما يعتبر آخرون أن الحرمان الاقتصادي المنظّم أو الدائم هو نوع من أنواع «الاضطهاد»، ومن ثمّ يعتبر مَن انتقل إلى دولة غير دولته هرباً من التخلف ومشكلات التنمية لاجئاً، انظر في تفصيل ذلك:
Tony Kushmer and Kathrine Knox, Refugees in the age of Genocide: Global, National and local. perspectives during the Twentieth century, (London: Frank Cass, 1999) .P. 13.
(3) انظر: Ebenezer Q.Blavo, the Problems of Refugees in Africa: Boundaries and Borders, England: ashgate Publishing LTD, 1999 P. 12.
(4) انظر: Tony Kushmer and Kthrine Knox, op.cit. p. 12 – 13.
(5) انظر: 2003 Global Refugee Trends, op.cit, P. 89.
(6) حازم حسن جمعة: مفهوم اللاجئ في المعاهدات الدولية؛ في أحمد الرشيدي (محرر)، الحماية الدولية للاجئين، (جامعة القاهرة، مركز الدراسات السياسية، 1997م)، ص 16.
(7) إبراهيم نصر الدين: اللاجئون في المنازعات الداخلية في إفريقيا؛ في: إبراهيم نصر الدين (محرر)، الموسوعة الإفريقية / المجلد الخامس، مايو 1997م.
(8) لمزيد من التفاصيل حول هذا الجدل: إريكا فيلر: اتفاقية وضع اللاجئين في عامها الخمسين: مستقبل حماية اللاجئين، نشرة الهجرة القسرية، برنامج دراسات اللاجئين بجامعة إكسفورد، العدد العاشر، يوليو 2001م، ص 6 – 10.
(9) انظر: Gil loesher, “Refugee lssues in international relations” in Gel loesher and laila Monahan (eds) Refugees and international relations (us: Oxford University Press, press, 1989 P.4.
(10) انظر: Ibid. P5
(11) ماثيوج. غيني: الأمن وأخلاقيات اللجوء بعد الحادي عشر من سبتمبر، نشرة الهجرة القسرية، العدد 13، يونيو 2002م، ص 40 – 43.
(12) لمزيد من التفاصيل انظر: مونيت زارد: الاستبعاد والإرهاب واتفاقية اللاجئين، نشرة الهجرة القسرية، العدد 13 يونيو 2002م، ص 32 – 34.
(13) انظر: Ruud lubbers “after September 11: New challenges to Refugee Protection” World Refugee survey 2003, Us committee for Refugee, PP.2-6
(14) انظر: 2003Global Refugee Trends , op cit P3
(15) انظر: في علاقة اللاجئين بالنوعين من الحروب: أحمد إبراهيم محمود، الحروب الأهلية في إفريقيا، (القاهرة: مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، 2001م)، ص 352 – 353.
(16) لمزيد من التفاصيل حول هذا الرأي انظر: إبراهيم نصر الدين، مرجع سابق، ص 27 – 28.
(17) المرجع السابق، ص 353.
(18) انظر: Ray Wilkinson “Africa on the edge” Refugees Magazine, UNHCR, no 131 2003, p. 13.
(19) انظر في هذه التفسيرات: Jeff Crisp. “Africa’s Refugees: Patterns; Problems and policy challenges” Journal of contemporary African studies, vol.18.no.2,2000.
(20) انظر: OAU convention for Refugge, Addis Ababa, September 1969, article 1.
(21) انظر: ibid, article 2,5
(22) انظر: Jeff crisp. op.cit p 160
(23) انظر: Ibid, p.161
(24) خديجة عرفة: اللاجئون في إفريقيا، آفاق إفريقية، العدد 13 ربيع 2003م، ص 102.
(25)اتحاد اللاجئين في كينيا، إدارة شؤون اللاجئين في كينيا، نشرة الهجرة القسرية، العدد 16، أبريل 2003م، ص 15.
(26) لمزيد من التفاصيل حول هذا التقرير انظر:
hidden in plain view , www.hrow.org/reports/2002/kenyugan
(27) انظر في هذه الأسباب: Jeff crisp, op.cit, pp 162-163, Ebenezer Q.Blavo, op.cit, pp. 37 – 83.
(28) انظر: “Africa’s Refugees need urgent food aid: said UN Relief Agencies” UNHCR, 14 feb 2003.
(29) انظر: Ray Wilkinson, op.cit, 16.
(30) انظر: Africa’s Refugees need urgent food aid, op. cit
(31) خديجة عرفة، مرجع سابق، ص 100 – 101.
(32) انظر: Crawley Mike, “Africa struggles to get by on just $ 35 per Refugee” Christian Science Monitor, Vol.93. no 15, 12/4/2000
(33) انظر: Ray Wikinson, op.cit
(34) انظر: Jeff Crisp, op cit,p165
(35) انظر: Crawly mike , op.cit,p2
(36) انظر: Jeff Crisp , op.cit , p166
(37) انظر: Crawley Mike , op.cit p2
(38)لمزيد من التفاصيل انظر: عرفات جمال: المخيمات والحريات: أوضاع اللجوء طويلة الأجل في إفريقيا، نشرة الهجرة القسرية، العدد 16، أبريل 2003م، ص 4 – 6.
(39) انظر: Jeff Crisp, op cit, p 171 – 172
(40) انظر: Ibid ,p. 174
(41) انظر: Andrea Lari, “Returning home to Normal life: the plight of displaced Angolans” Institute for security studies ,Iss Occasional Papers, no85, feb 2004, p 3.
(42) لمزيد من التفصيل حول الأبعاد النفسية والاجتماعية للاجئين العائدين انظر: Tanaia Ghanem
(43) انظر: Jeff crisp, op. cit, p.175
(44) كانت بعض التقارير وبعض المسؤولين قد وصف العنف في «دارفور» على أنه «تطهير عرقي»، بينما تجنّب البعض هذا الوصف، فقد صرح موكيش كبيلا، ممثل الأمم المتحدة المقيم في السودان ومنسق الشؤون الإنسانية، أن العنف في «دارفور» موجّه نحو نحو جماعة إثنية بعينها، ويتم بشكل منهجي، مما يعني أنها تقترب أن تكون حالة تطهير عرقي، كما أشار القرار الصادر عن الكونجرس الأمريكي في 22 يوليو 2004م أن ما يحدث في السودان هو «تطهير عرقي»، ودعا القرار الإدارة الأمريكي لأن تعتبره تطهيراً عرقياً وتقود حملة دولية ضده. انظر في هذا التقرير:
Excerpts: US Congress Resolution on Darfur, BBC news, 23/7/2004 ويأتي هذا القرار برغم أن وزير الخارجية الأمريكي كولين باول قد تجنب وصف ما يحدث في السودان بالتطهير العرقي، وذلك خلال الزيارة التي قام بها إلى «دارفور» في يوليو 2004م، والتي مارس فيها ضغوطاً شديدة على حكومة الخرطوم لحملها على نزع سلاح ميليشيات الجماعات التقاتلية في «دارفور»، وتسهيل وصول الإمدادات الإنسانية، حول تلك الزيارة انظر:
Pwell delivers tough message to Sudan <BBC news < 1 July 2004
وتنكر الحكومة السودانية على لسان مسؤوليها أن ما يحدث في «دارفور» يعد تطهيراً عرقياً، موضحة أن وسائل الإعلام تقدم الصراع في «دارفور» بشكل خاطئ، وأن تصوير ما يجري هناك على أنه «تطهير عرقي» هو جزء من حملة سياسية ضد حكومة السودان. انظر في ذلك:
Sudan: Darfur – old conflict takes on new dimensions, UN office for the coordination of Humanitarian Affairs, 21 July 2004. p. 3
(45) انظر: Ibid, p. 2
(46) هاني رسلان: دارفور: الأزمة، الجهات المقاتلة، والأدوار الخارجية، موقع الجزيرة 9/5/2004م.
(47) انظر: Chad Emergency. UNHCR Report, 28 June 2004
(48) للاطلاع على التقرير انظر:
Officce of the UN Resident and Humanitarian coordinator for Sudan, UN Humanitarain situation Report, Darfur crisis, July 2004, www,unsudanig / emergenicies / darfur
(49) انظر: 30.000-50.000dead in Darfur: UN, relief web, 23 July 2004.
(50) انظر: After peace: where to for the Sudanese refugees? interview with kennedy, the UN Humanitarian coordinator for Sudan, mail and guardian 23 June 2004.
(51) انظر: chad: UNHCR raising concerns about refugees protection” UNHCR, 23 July 2004.
(52) انظر: Sudan: government trying to force Darfur displaced return home” IRin news, 21 July 2004.
(53) انظر: Protocol relating to the establishment of the peace and security council of the African Union, Durban South Africa, 9 july 2002, article 3.4
(54) انظر من هذه الدراسات على سبيل المثال: Susan Olusola, “the role of Conflict prevention for preventing Refugees flows” international Journal on Minority and Group rights, no.8, 2001 pp. 51 – 55.
(55)انظر في هذه التوصيات: jeff Crisp, op cit, pp. 168 – 171 : Ebenzer q,blavo op.cit, 46 – 72
(56) انظر: “Mozambican refugees’ integration in south Africa: a real success story” UNHCR, 18 June 2004
(57)انظر في ذلك: آلاف اللاجئين يفرون من شرق الكونغو، موقع الجزيرة – 28/7/2004م.
(58) المصدر: 2003 global Refugee trends, op.cit, pp.18 – 20 ، يعتمد تقسيم الدول حسب الأقاليم الفرعية على تقسيم المفوضية العليا لشئون اللاجئين.
(59) المصدر: 2003 global Refugee trends, op.cit, pp. 8 – 9
(60) المصدر: worled Refugee survey 2003, op. cit، معظم هذه الأرقام تقريبية لصعوبة الوصول إلى الأرقام الدقيقة حول النازحين.