د. محمد بن عبدالله الدويش (*)
حين نتحدث عن التعليم الإسلامي والعربي في إفريقيا فنحن نتحدث عن قارة بأكملها، قارة تتكوّن من دول عدة تختلف في لغاتها، وفي أوضاعها الدينية والاقتصادية، وتختلف في أنظمتها التعليمية.
كما أن التعليم الإسلامي والعربي جزء من النشاط الدعوي، وهو الآخر يتفاوت تبعاً لنسبة المسلمين في هذه الدول، وتبعاً للفرص المتاحة للمؤسسات العاملة في الميدان الدعوي.
ومن هنا؛ فإنّ هذه المقالة ستركز في القضايا العامّة والمشتركة، ولن تتناول التفاصيل إلا في إطار القضايا الكلية وما يخدمها.
تتّسم مثل هذه الموضوعات بضآلة المعلومات، وضعف الثقة في كثير من المتاح منها، وبرغم ما أجري من دراسات حول التعليم الإسلامي في إفريقيا فإنّ كثيراً منها دون المستوى المطلوب، والمتاح منها للباحثين قليل، كحال كثير من الدراسات العلمية في عالمنا الإسلامي.
سعى الكاتب في هذه المقالة إلى إعطاء لمحة عامّة وموجزة حول التعليم الإسلامي والعربي في هذه القارة، فهي ليست دراسة علمية تفصيلية، إنما هي إطار عام، يعطي إشارات وموجهات لأولئك الذين تنقصهم الخلفية الكافية عن التعليم الإسلامي في إفريقيا.
1 – مشكلات عامّة في التعليم الإفريقي:
لا ينفصل الحديث عن التعليم الإسلامي والعربي في إفريقيا عن التعليم في إفريقيا بصفة عامّة، ومن هنا فالاطلاع على هذا الواقع هو الخطوة الأولى لكلّ دارس للتعليم الإسلامي والعربي.
فالتعليم الإسلامي والعربي الذي يتم عبر جهود فردية في الغالب، أو ترعاه مؤسسات ذات إمكانات محدودة، لا يمكن أن يقارن بالتعليم الذي ترعاه دول تملك إمكانات وأجهزة متخصصة، لأنها مهما بدت متواضعة فهي أقوى من حال الأفراد أو المؤسسات الإسلامية العاملة في الساحة الإفريقية.
وما زال التعليم في إفريقيا يعاني منذ عقود التخلف والضعف، فقد جاء في تقرير منظمة اليونسكو حول التعليم الإفريقي: «الكلفة الباهظة لنظم التعليم الحالية في بعض البلدان الإفريقية، بحيث يتعذّر عليها التوسع في حالتها الحاضرة، فثمة بلدان عدة لا تستطيع أن تحقق تعميم التعليم في وقت قريب إذا ظلّ النظام التعليمي على ما هو عليه الآن، (و) عدم استجابة نظم التعليم الحالية في أحيان كثيرة للاحتياجات الاجتماعية والمهنية للأفراد والمجتمع، (و) عدم ملاءمة العديد من نظم التعليم الإفريقية – المنسوخة من نماذج مستوردة – لعادات الحياة الإفريقية وتقاليدها»(1).
وفي عام 1980م – كما يذكر «رومير» – لم تتمكن إلا دول قليلة من تحقيق تعميم التعليم الابتدائي، حيث لم يتحقق إلا في الكونغو ومدغشقر وتوغو(2).
وفي تقرير حديث أعدته الأمم المتحدة تبدو الدول الإفريقية أقلّ الدول تحقيقاً لانتشار التعليم الابتدائي كما يتضح من الإحصائية الآتية(3):
ويظهر من هذه الإحصائية أن قريباً من (40%) من الأطفال في الدول الإفريقية لا يلتحقون بالتعليم الابتدائي، وهذا يعني أنهم لا يتلقّون أدنى قدر من التعليم.
ومع ضعف هذا الانتشار في التعليم الابتدائي؛ فإنّ التعليم العالي يمثّل كلفة باهظة ستكون في الغالب على حساب التعليم الأساسي، فكلفة إعداد خريج جامعي تفوق 80 إلى 400 مرة كلفة إيصال تلميذ إلى نهاية التعليم الابتدائي(4).
والأمر ليس قاصراً على ضعف استيعاب مؤسسات التعليم وإمكاناتها، بل هو يمثل مدى انتشار ثقافة التعليم، ومدى اقتناع الأهالي بجدوى إرسال أولادهم للمدارس، وهذا الواقع لا ينفصل عنه التعليم الإسلامي.
وتعاني هذه القارة التخلف التقني الذي له أثره البالغ على تخلّف التعليم، فأكثر من (23%) من سكانها الذين يصل عددهم 841 مليون نسمة لم يحملوا سماعة هاتف طوال حياتهم، وأكثر من (76%) منهم لم يتعاملوا مع جهاز كمبيوتر ولو على سبيل المشاهدة فقط.
وتشير كلّ إحصائيات منظمة اليونسكو واليونيسيف والاتحاد الدولي للاتصالات إلى أن دولاً بأكملها في إفريقيا ليس لديها أكثر من 5 آلاف خط تليفون و 1000 جهاز(5).
ويقول أحد التقارير الإخبارية: يبدو أن مشكلة التعليم معقدة، وتحتاج إلى أن تنفق الحكومات في دول العالم الثالث حصّة أكبر من ميزانياتها على التعليم(6).
(1 – 1) التغريب:
لقد اصطبغ التعليم في إفريقيا بصبغة تغريبية، تسعى لطمس هوية الأفارقة وتحويلهم إلى إنجليز أو فرنسيين، ويسجّل أحد الرؤساء الأفارقة – وهو الرئيس أحمد سيكوتوري- هذه الشهادة بقوله: «كان التعليم الذي قدّم لنا يسعى أساساً لاستيعابنا، والقضاء على شخصيتنا، وصبغنا بالصبغة الغربية.. ذلك التعليم قدّم لنا حضارتنا وثقافتنا ومفاهيمنا الاجتماعية والفلسفية باعتبارها مظاهر لحياة همجية وبدائية لا تعي كثيراً، وذلك لكي يخلقوا فينا كثيراً من العقد التي تؤدي بنا إلى أن نصبح فرنسيين أكثر من الفرنسيين»(7).
ويقول أحد الباحثين: «وإذ الأمر كذلك؛ فإن من المؤسف اليوم أن يجد المرء النّظم التعليمية في كثير من أقطار القارة – إن لم يكن كلّ أقطارها – تتبنّى مرجعيات النّظم التعليمية الغربية أو الشرقية.. والأمرُّ من ذلك أن تجد دولاً كثيرة تؤكّد على هذه المرجعيات في دساتيرها العامة والخاصة، دونما تفكير في واقعيتها وملاءمتها لواقع القارة وظروفها الراهنة.. وقد أبعد تبنّي تلك النّظم بمرجعياتها عن العملية التعليمية، المبادئ والقيم الضرورية، التي تعتبر زاد الحضارات وغذاءها، بل لم تعد المدارس والجامعات والكليات والمعاهد العليا المنتشرة في القارة أماكن لتلقين النشء والطلاب قيمة الصدق والعدالة والاستقامة، والرحمة والسماحة والإتقان، والأمانة والوفاء وحبّ الخير والإيثار، ولذلك فلا غرو أن تغيب هذه الأخلاق والمبادئ السامية التي تهدي الضال، وترشد المحتار، وتسدَّد بها الحياة الهانئة المستقرة السعيدة»(8).
والشعور بأزمة التغريب في التعليم الإفريقي ليس قاصراً على الكتاب المسلمين، بل نطق بذلك العديد من الغربيين، يقول «كي زرب»: «غير أن البلدان النامية لم يتح لها الوقت الكافي لكي تتساءل بطريقة نقدية عن نمط التربية الأكثر مواءمة لاحتياجاتها التنموية، فقد اكتفت بمواصلة النظام الذي خلفته السلطة الاستعمارية مع تطويره، هكذا اعتمد معظمها نظاماً تربوياً استعمارياً مستورداً وضعيف التكيف مع احتياجاتها، حتى إذا بلغت الثمانينيات كانت أشبه بمعرض تجاري دولي يحوي تشكيلة منوعة من النماذج والإيديولوجيات المستوردة من أوروبا وأمريكا الشمالية، والشيء المؤكد أن إفريقيا أصبحت ما يسمّيه أحد الباحثين: مقبرة التجارب الدولية»(9).
ويصف «أيندلي» الدول الإفريقية بأنها: «تلتهم التربية الغربية بنهم لا يسهّل الهضم المناسب الكفيل بضمان الرفاه الاجتماعي والاقتصادي للمجتمع»(10).
ويرى «مزروي» أن الجامعة الإفريقية أشبه بشركة ثقافية متعددة الجنسيات، نظراً لما توحي به من تبعية فكرية، ويخشى «نيرري» أنّ يكون الهدف الرئيس للتربية في إفريقيا تحويل الأفارقة إلى سود أوروبيين أو أمريكيين، ويرى «أيندلي» أن الجامعات الإفريقية خاملة ثقافياً، تمثّل طبقة من الأفارقة ذات طلاء إنكليزي أو فرنسي أو إمريكي(11).
(2 – 1) الاعتماد على اللغات الأجنبية:
إنّ لغة التعليم في سائر أقطار القارة – ما عدا الدول العربية – لغة أجنبية وافدة، أحلّها المستغلون غداة استيلائهم على القارة محلّ اللغات التي كانت توحِّد أفراد الممالك والإمبراطوريات التي أبادوها، وقضوا عليها قضاءً مبرماً.
وما من شك أن وافدية لغة التعليم عن المتعلم وغربتها تشكّل في حدّ ذاتها عقبة كأداء في استيعاب المعلومات والمعارف، وذلك لأنّ المتعلم يصرف جزءاً من سنوات عمره الدراسي سعياً وراء إجادة اللغة، بدلاً من البدء بتلقي المعلومات والمعارف الأولية، كما أنّ ثقافة المتعلّم تظلّ موجهة ومرشدة من قبل المعلومات والمعارف التي يتلقاها من خلال المراجع والمؤلفات المكتوبة بتلك اللغة، الأمر الذي يجعله في نهاية المطاف شخصية اتكالية، غير قادرة على الفكاك عن عقدة الشعور الدائم بالنقص والإعجاب المستمر بالناطقين بتلك اللغة، وربما هالته الثقافة المضمّنة في تلك المراجع، فعندئذ يلوذ بتقمصها وابتلاعها، والدفاع عنها حتى آخر رمق من نفسه(12).
وقد أدى ذلك إلى سعي كثير من الأفارقة وراء الانسلاخ من لغاتهم وافتخارهم بالانتساب للإنجليزية والفرنسية، فهذا أحد أعضاء البرلمان الغاني يقول: «إنّي أريد القول بأنّ الإنجليز قد تركوا لنا أشياء قد لا تناسبنا اليوم، ولكن لغتهم التي تركوها ربطت كلّ القبائل بعضها ببعض، وكذلك ربطت الثقافات المتعددة لسكان غانا، بحيث جعلت من غانا أمة واحدة، وأظن أنه آن الأوان لأن ننمّي الإنجليزية ونضيف إليها، ونجعلها لغتنا لأنها الشيء الوحيد الذي يجمعنا معاً كشعب واحد»(13).
(3 – 1) ضعف ارتباط مخرجات التعليم بسوق العمل:
يعاني التعليم الإفريقي بصفة عامّة ضعف الارتباط بسوق العمل، فالتعليم القائم صنعه ووضع خطوطه المستعمرون الذين على أحسن أحوالهم جاؤوا من بيئات تختلف عن البيئات الإفريقية، ولم يكن الأمر لدى كثير منهم يتطلب بذل جهد في موءامة النّظم التعليمية مع احتياج هذه البلاد وطبيعتها.
وبالرغم من مخرجات هذا التعليم فإنه ما زال بعيد الصلة بواقع القارة وهمومها، يقول سانو: «إن نظرة متفحصة في واقع نتاج النّظم التعليمية تؤكد للمرء وافديتها وغربتها، إذ أنها فشلت حتى هذه اللحظة، عبر تلك العقول التي أنتجتها وتقمّصت مبادئها ومناهج حياتها، في إحداث أي تقدّم، بَلْهَ أيّ تطور لأيّة بقعةٍ من بقاع القارة.. فعلى الرغم من مضي عقود زمنية على تطبيقها في القارة، غير أنها لم تقدر على إنتاج أجيال قادرة على انتشال القارة من حالتها الراهنة المتخلفة، ولكنها عمَّقت جراحها، واستنزفت خيراتها، ولم تتمكن تلك الأجيال المعدَّة، حسب توجيهات ومبادئ تلك النّظم، من الانتقال بالمجتمعات الإفريقية، غرباً وشرقاً، من دركات التخلف إلى درجات التقدم والرقي والتطور. وكلّ ما يمكن قوله هو: إنّ هذه النّظم عملت على إعداد أجيال تعاني ألواناً من التضارب والتناقض والتصارع في توجهاتها وخططها وتصوراتها، مما عطل الجهود، وشلّ الكثير منها، بدلاً من مساهمتها في حلّ مشكلات المجتمع، ووقف عائقاً أو عطّل حيناً من الدهر ذلك التقدّم وحلول مشكلات المجتمع.. ولم تعد هذه النّظم قادرة على توفير القوى البشرية لحركة الحياة في المجتمع، وبالتالي فإنها تعاني في حد ذاتها مشكلات التخلف.. وتعمِّق الهوة الثقافية القائمة في القارة بين التربية والواقع»(14).
2 – مدخل حول التعليم الإسلامي:
كان الاهتمام بالتعليم الإسلامي في إفريقيا قديم قدم الإسلام فيها، إذ كان من شأن المسلمين الاعتناء بتعليم اللغة العربية والدين الإسلامي للبلاد المفتوحة أو التي يدخل أهلها طوعاً في الإسلام.
لمّا استولت سلالة «انجاي» على عرش «جلف»(15) بلغوا في أسلمة شؤون العرش أن من شروط المرشّح للعرش أن يكون حافظاً للقرآن، وكان «أنجا جان انجاي» أول ملك مسلم علا عرش «جلف»، ومن الملوك الذين أسلموا «واراجابي»، وفي السودان الغربي أسلم كثير من حكامه على يد الدعاة المسلمين ومنهم «لتجور جوب»، وحمل مَن كان باقياً في الكفر من أهل «كجور» على الإسلام، وأمر بإقامة مسجد في كلّ قرية، كما أمر بتعليم صبيانها على مقرئ هو إمام مسجد القرية.
وقد تحدّث الرحالة الغربيون عن ذلك التعليم، فأشار الرحالة «غاداموستو» في القرن الخامس عشر الميلادي إلى حضور معلمين عرب حول ملك السنغال وحاشيته يعلّمونه العلوم الشرعية، وأشار «أندريه ألوارش» في القرن السادس عشر إلى نشاط الشيوخ المعلمين، ووصف كلٌّ من «لويس مورو شابونوا» و «مونغوا بارك» أساليب التعليم وطرقه ومناهجه(16).
يقول المستشرق الإنجليزي «تريمينجهام» Trimingham في كتابه (تاريخ الإسلام في غرب إفريقيا): «إن من أبرز خصائص انتشار الإسلام وثقافته في غرب إفريقيا والعالم أجمع هي التعليم المسجدي، أو التعليم في المساجد، وذلك في الخطوات الأولى التي يقوم بها أنصار الدعوة الإسلامية، وهذا النوع من التعليم اتبعه سكان «كانم» منذ اعتناقهم لهذا الدين»(17).
وقد زار الرحالة المشهور ابن بطوطة مملكة مالي عام 752هـ / 1352م، وكتب عنها، ومما نقل عنه قوله: «لقد عجبت بشدّة عنايتهم بحفظ القرآن، وهم يجعلون لأولادهم القيود إذا ظهر في حقّهم التقصير في حفظه، فلا تُفك عنهم حتى يحفظوه، ولقد دخلت على القاضي يوم العيد وأولاده مقيدون، فقلت: ألا تسرحهم؟ فقال: لا أفعل حتى يحفظوا القرآن».
3 – جوانب مضيئة في التعليم الإسلامي:
بالرغم من كلّ مظاهر الضعف والقصور التي يتّسم بها التعليم الإسلامي في إفريقيا؛ فقد حقّق هذا التعليم منجزات عدة للمسلين في هذه القارة، ومن ذلك:
(1 – 3) نشر اللغة العربية:
اللغة العربية أساس فهم الدين الإسلامي، ومن خلالها يفهم المسلم القرآن والسنّة، ويستطيع التواصل مع مصادر العلم الشرعي والثقافة الإسلامية، كما يستطيع المسلم الذي يفهم العربية التواصل مع الدعاة الذين يفدون إلى القارة والاستماع لخطبهم وأحاديثهم ووعيها.
وتشترك مؤسسات التعليم الإسلامي بأنواعها في الاعتناء بتعليم اللغة العربية للمنتمين إليها من خلال دروس تعليم اللغة العربية، ومن خلال تعليم العلوم الشرعية باللغة العربية.
والضعف اللغوي ليس خاصاً بالمتعلمين الأفارقة في اللغة العربية، فزملاؤهم في المدارس الحكومية يعانون الضعف في اللغات الفرنسية والإنجليزية، وإن كانوا أحسن حالاً من المنتسبين للمدارس العربية والإسلامية.
وقد أدّى هذا الجهد إلى بقاء اللغة العربية لغة حية في القارة، فهي – كما يقول سعودي -: «تغطي كلّ إفريقية الشمالية وشمال الشرق، ومساحة ضخمة من الصحراء الكبرى حتى إقليم السفانا، وتصل إلى منحنى نهر النيجر، وإلى نهر السنغال، ويتكلمها ما يزيد على مائة وعشرين مليون نسمة، أو نحو ثلث سكان القارة الإفريقية»(18).
وفي السنغال – على سبيل الثمال- لا تزال ملامح اللغة العربية جلية في عدد من مجالات الحياة العامّة، فمنذ عهد قريب كانت الإرشادات تُكتب بمختلف أنواعها بالعربية، بل كانت تُخط بالحرف العربي وباستخدام اللغات المحلية(19).
وقد أكد بعض الكتاب الأوروبيين ارتباط إفريقيا بالعربية لغة وحضارة بقوله: «إننا إذا نزعنا الوثائق التاريخية المكتوبة باللغة العربية لا يبقى ثمة تاريخ يُعتد به لإفريقيا السوداء».
وتعتز فئة ممن تعلّموا العربية بدراستهم لها، فيقول الأستاذ آدم الألوري: «أشكر آباءنا الذين منعونا من دخول المدارس الإنجليزية، بل أجبرونا على تعلم العربية مع كثرة مشاكلها وعقباتها وعراقيلها، ولولا عملهم هذا لشغر اليوم المكان الذي شغلناه في المجتمع الإسلامي، وسنظل على العهد والميثاق الذي تعهدنا، وهو التزود بالإنجليزية لاستعمالها عند الضرورة غير التفاخر بها لمباهاة الناس، إننا راقون مثقفون متحضرون»(20).
(2 – 3) نشر العلوم الشرعية:
كما أسهم التعليم الإسلامي في نشر العلوم الشرعية بين أبناء القارة، وأهمّها حفظ القرآن الكريم والاعتناء به، بالإضافة إلى سائر العلوم الشرعية، وبرغم ما يعانيه تعليم العلوم الشرعية في إفريقيا من ضعف كمّي ونوعي، ومن انتشار للبدع والمخالفات، فقد حقّق هذا التعليم إنجازاً يُحسب له.
ولن نستطيع أن ندرك إسهام التعليم الإسلامي في نشر اللغة والعربية والعلوم الشرعية ما لم نتصور خلو البلاد الإفريقية منه؛ إذ هو القناة الرئيسة في تعليم المسلمين لغتهم وأمور دينهم.
(3 – 3) الحفاظ على الهوية:
أسهم التعليم الإسلامي والعربي في إفريقيا في الحفاظ على هوية المسلمين وبقائهم متمسكين بالانتساب لدينهم؛ ذلك أن التعليم الحكومي السائد في إفريقيا إمّا أن يكون علمانيا لا دينياً، وإمّا أن يكون كنسياً.
وحين يكون التعليم النظامي وحده هو مصدر تعلّم أولاد المسلمين فهذا سيقود بالتدريج إلى ذوبان هويتهم وانسلاخهم من دينهم؛ فالأبوان في الغالب غير قادرين على تعليم ما يملكانه من خلفية شرعية محدودة، ووسائل التعلّم الذاتي غير متاحة، ولو أتيحت فثقافة المجتمع وإمكانات الناس لا تسمح لهم بالإفادة منها.
(4 – 3) إعداد طائفة من أبناء المسلمين للدراسات الشرعية:
لقد أسهم التعليم العربي والإسلامي في إعداد طائفة من المسلمين الأفارقة للدراسات الشرعية والعربية، فقد تخرج في الجامعات الإسلامية العديد من الطلاب الأفارقة، ومعظمهم في الجامعة الإسلامية في المدينة، وفي جامعة الأزهر، ومعظم الذين التحقوا بالجامعات الإسلامية كانوا من مخرجات مؤسسات التعليم العربية والإسلامية في بلادهم.
وقد كان لهؤلاء ولا يزال أثر بالغ في نشر العلم الشرعي والدعوة في بلادهم، فمعظم الدعاة الميدانين وقادة الجمعيات الإسلامية المحلية، والعاملين في مكاتب المؤسسات الدعوية، ونسبة من القائمين على المدارس الإسلامية ومؤسسات التعليم الشرعي هم من خريجي الجامعات الشرعية.
وبرغم ما يعانيه هؤلاء من ضآلة فرص العمل، وانحصارها في ميادين محدودة في معظم الدول الإفريقية، فإنّ لهم الأثر البارز في إحياء الدعوة ونشرها، وفي تجديد الدين ومواجهة البدع والخرافات وتيارات التصوّف الغالية.
(5 – 3) سعة الانتشار:
لقد حقّق التعليم الإسلامي، برغم ضعف إمكاناته وقدراته، انتشاراً عظيماً في مجتمعات المسلمين الأفارقة، وعلى سبيل المثال بلغ عدد المدارس القرآنية في مالي – حسب إحصائية وزارة التربية والتعليم لعام 1983م حوالي (1673) مدرسة قرآنية، يتعلّم فيها (55877) تلميذاً وتلميذة، على يد (2409) معلّمين ومعلّمات(21).
وفي عام 2001م وصل عدد المدارس الإسلامية المسجّلة لدى السلطات التعليمية في مالي (802) مدرسة، من بينها (30) مدرسة ثانوية – 12 منها في باماكو -، ووصل عدد التلاميذ إلى (100000) تلميذ وتلميذة(22).
وتوجد في مدينة «كانو» في شمال نيجيريا، حسب الإحصائية التي قدّمت عام 1405هـ، حوالي (3024) مدرسة قرآنية، بها (168.000)، ونحو ألفي مدرسة في مدينة «صكتو»، وتقدّر نسبة المدارس التي تنشأ سنوياً بمائة وخمسين مدرسة في كلٍّ من «سوكوتو» و «كانو»(23).
وفي عام 1999م بلغ عدد المدارس الفرنسية في بوركينافاسو (266) مدرسة، وعدد المدارس العربية والإسلامية (254) مدرسة؛ أي ما يمثل (49%)(24).
وتقول بعض الإحصاءات إنه في عام 1900م كان يدرس في مملكة «سوكوتو» حوالي ربع ميلون طالب في عشرين ألف مدرسة قرآنية.
وفي منتصف الثمانينيات كان في شمال نيجيريا أكثر من 37 ألف مدرسة قرآنية، في حين كانت المدارس النظامية الابتدائية تقلّ عن خمسة آلاف مدرسة(25).
وحين أمّم التعليم في أوغندا عام 1963م كان للمسلمين (180) مدرسة ابتدائية، وثماني مدارس متوسطة، ومدرسة واحدة ثانوية عليا، وكلية لتدريب المعلمين(26).
وفي عام 1938م بلغ عدد معملي المدارس القرآنية في كويت ديفوار (829) معلماً، وعدد الطلاب (5403) طلاب(27).
وقد أسّست «جمعية العون المباشر» (لجنة مسلمي إفريقيا سابقاً) 840 مدرسة، يدرس بها أكثر من نصف مليون طالب إفريقي، كما دفعت اللجنة رسوماً دراسية عن 95 ألف طالب إفريقي، بالإضافة إلى ترجمة وطباعة 6.5 ملايين كتيّب بـ 18 لغة، كما قدّمت أكثر من 200 منحة دراسية لما بعد الجامعة للدراسات العليا في الدول الغربية، لدراسة الطب والهندسة والتكنولوجيا والعلوم، وهناك أيضاً عشرات رياض الأطفال، و 4 مراكز ثقافية اجتماعية، و 8 مراكز كمقر للجنة، و 13 سكناً للمدرسين والطلاب، و 24 مبنى آخر(28).
ويحرص كثير من الآباء المسلمين على إرسال أولادهم للكتاتيب والمدارس الإسلامية، ويمنحون المعلمين الصلاحية التامّة لفعل ما يرونه سبيلاً لتحفيظهم القرآن وتعليمهم الدين، ففي السنغال عندما يأتي الأب بابنه إلى معلّم القرآن يقول: «لا أطلب منك سوى القرآن أو جثته»(29).
4 – أنماط التعليم الإسلامي:
للتعليم الإسلامي والعربي أنماط عدة، من أهمها:
(1 – 4) الكتاتيب:
وهي من أول أنماط التعليم وأشهرها، وهي أبسط مؤسسات التعليم، ويلتحق بها العديد من أولاد المسلمين ذكوراً وإناثاً.
وتركز الكتاتيب في تعليم المتعلمين مبادئ القراءة والكتابة، بالإضافة إلى حفظ أجزاء من القرآن الكريم، والغالب أن تكون الكتاتيب في المسجد، وقد تكون تحت أحد الأشجار أو في سطوح أحد المباني.
ويتمّ التعليم فيها بصورة تقليدية، والمعلّم هو كلّ شيء في هذه الكتاتيب، ولا يفتقر في الغالب إلى إعداد وتأهيل، فيكفي إتقانه للقراءة والكتابة وقدرته على تلاوة القرآن الكريم وحفظ أجزاء منه.
ويلتحق بها المتعلّمون في سنٍّ مبكرة جداً، وفي أحيان كثيرة قبل الالتحاق بالمدرسة، ومنهم من يواصل التعليم فيها حتى يتمّ حفظ القرآن، ومنهم من يتوقف ويكمل تعليمه في المدارس النظامية.
وتشترك المجتمعات الإسلامية الإفريقية في الاهتمام بتعليم أولادها القرآن الكريم، لكنها تتفاوت في درجة هذا الاهتمام، ففي ببعض المجتمعات لا يلتحق الطالب بالمدرسة إلا بعد إتمام حفظ القرآن الكريم كاملاً، بينما ينقطع في غيرها عند وصول سنّ الدراسة.
(2 – 4) المدارس العربية والإسلامية:
وهي مدارس تعنى بتعليم اللغة العربية والعلوم الشرعية، وقد تضيف بعض المقررات اليسيرة، وبخاصة في اللغة الإنجليزية أو الفرنسية حسب اللغة السائدة في الدولة.
وتنتشر هذه المدارس في معظم دول إفريقيا، سواء ذات الأغلبية المسلمة أو التي يمثّل المسلمون فيها أقليات.
ويمثّل هذا النمط من التعليم أكثر مؤسسات التعليم انتشاراً وأوسعها تأثيراً في نشر الللغة العربية والعلم الشرعي؛ باعتبار تركيزها في هذا الجانب واعتنائها به.
ويتفاوت واقع هذه المدارس كمّاً وكيفاً باعتبارات عدة؛ من أهمها درجة الاعتراف بهذا النوع من التعليم، ففي نيجيريا – على سبيل المثال -، حيث تعترف الجامعات بالعديد من هذه المدارس، تتمتع هذه المدارس بقوة وانتشار يختلف عن الدول الأخرى التي لا تعترف بهذا النوع من التعليم، ولا يتاح لخريجيه فرصة المواصلة في الجامعات.
(3 – 4) المدارس المزدوجة:
نشأ هذا النمط من التعليم علاجاً لما يعانيه خريجو المدارس العربية والإسلامية من صعوبة مواصلة الدراسة في الجامعات، ولعدم اعتراف كثير من مؤسسات القطاع العام والخاص بشهادات هذه المدارس.
وتقوم هذه المدارس على تدريس المتعلمين المناهج التي يدرسها طلاب المدارس العامة، وتضيف لذلك تدريس اللغة العربية والعلوم الشرعية.
وتمتاز بأنها تتيح لخريجها الفرص نفسها التي تتاح لخريجي المدارس العامة، لكنها تواجه صعوبات عدة؛ أهمها التمويل، فتكاليفها أضعاف المدارس الإسلامية، كما أن الجمع فيها بين نظامي التعليم يضيف عبئاً زائداً على المتعلمين، وكثيراً ما يؤثر في تحصيله في التعليم النظامي أو في التعليم الشرعي.
(4 – 4) المدارس الجزئية:
وتقوم هذه المدارس على أساس تقديم تعليمٍ موازٍ للمدارس العامة، ولها تطبيقات عدة:
المدارس الصباحية:
حيث تستفيد هذه المدارس من تأخر بداية اليوم الدراسي للمدارس العامة، فتقوم بتقديم الدروس العربية والشرعية في أول اليوم الدراسي قبل بداية دوام المدارس العامة، ثم يواصل المتعلمون بالمدارس العامة.
المدارس المسائية:
وينتشر هذا النوع من المدارس في الدول التي يتقدّم فيها اليوم الدراسي، فتقوم بتدريس العلوم العربية والشرعية في الفترة المسائية لطلابها الذين يلتحقون في الفترة الصباحية بالمدارس العامة.
لكن هذا النوع من المدارس يعاني من أنه يتلقّى الطالب منهكاً متعباً، كما يقول أحد المعلّمين: الطالب يأتي متعباً ومصاباً بالملل من المدرسة الحكومية؛ فيكف نصنع لترغيبه في العلم الشرعي؟
مدارس نهاية الأسبوع:
وتقوم هذه المدارس على اغتنام إجازة نهاية الأسبوع، والتي تكون يومي السبت والأحد في معظم الدول الإفريقية، فتقدّم المدرسة يوماً دراسياً كاملاً يوم السبت، ونصف يوم في الأحد، بالإضافة إلى الإفادة من إجازات نهاية العام الدراسي أو منتصفه.
(5 – 4) التعليم الجامعي:
تجربة التعليم الإسلامي والعربي في إفريقيا في التعليم الجامعي محدودة وجزئية، لكنها تمثّل إنجازاً يستحق الوقوف عنده.
ومن أبرز مؤسسات التعليم الجامعي الإسلامي في إفريقيا «الجامعة الإسلامية» في النيجر، وتضم عدداً من الكليات العلمية والأدبية، و «الجامعة الإسلامية» في يوغندا، وتضمّ خمس كليات، وقد أسست هاتين الجامعتين «منظمة المؤتمر الإسلامي»، الأولى للناطقين بالفرنسية والثانية للناطقين بالعربية(30).
ومنها أيضاً «جامعة الملك فيصل» في تشاد، كما أسّس بعض المحسنين جامعة أهلية في زنجبار(31).
كما أن «لجنة مسلمي إفريقيا» أسّست كلية للتربية في زنجبار، وقد موّل «البنك الإسلامي للتنمية» كلية للمعلمين في «ممباسا» ولا تزال قائمة.
5 – فلسفة التعليم الإسلامي وإطاره العام:
يستند أي نظام تعليمي إلى فلسفة واضحة محددة، تمثّل إطاراً يضبط عناصره كافة، وما لم يتحقق ذلك فسوف تتسع دائرة تأثير التطبيقات الفردية على هذا العمل، وستتعدد أهدافه وأنماطه تبعاً لتعدد القائمين عليه وتنوع خلفياتهم الثقافية والعلمية والمذهبية.
وقد أسهمت ظروف نشأة هذا التعليم وتنوع القائمين عليه في فقدانه للرؤية الواضحة والفلسفة المحددة، ومعظم القائمين على هذا التعليم غير قادرين على الإجابة عن الأسئلة الجوهرية حول هذا المشروع الذي يرعون: ماذا يريدون؟ وماذا يتوقعون من مخرجاته؟ وما مستقبله؟.. إلخ.
لقد نشأ هذا التعليم على يد عدد ممن يلمس منهم الغيرة والصدق والرغبة في إفادة المسلمين، إلا أنهم لم يكونوا يملكون الرؤية الواضحة والفلسفة المحددة لهذا العمل.
يقول الأستاذ أبو بكر فوفانا: «لم يكن مؤسسو هذه المدارس على مستوى فهم المشاكل التربوية التي كانت تواجه المسلمين في تلك الفترة الانتقالية بين نظام الحكم الاستعماري ونظام الحكم الوطني، إضافة إلى جهلهم عن واقع بلادهم واتجاهاته السياسية والثقافة السائدة فيها»(32)، ويقول أيضاً: «تعلمون أن المدارس الإسلامية الحديثة نشأت في أواخر الخميسنيات على أيدي الجيل الأول من خريجي الدول العربية من مصر والمغرب وتونس والسعودية، فلم يكن تكوينهم العلمي على أساس إنشاء هذه المدارس وإدارتها، كما أنهم لم يكونوا على مستوى التحدي، فيؤخذ على هذه المدارس أنها: لم تكن محددة الأهداف، فهل تستقطب كل أبناء المسلمين أم بعضهم؟ لم تكن معالم منهج هذه المدارس محددة، فهي تختلف من مدرسة لأخرى، لم يكن لها نظام تربوي شامل يجمع بين الجوانب الروحية والجسمية والعقلية كما كان الحال في المدارس التقليدية (الكتاتيب)»(33).
(1 – 5) الاقتصار على العلوم الشرعية واللغة العربية:
تركز المدارس الإسلامية والعربية – وخصوصاً في النمط الأول الذي سبق الحديث عنه – في العلوم الشرعية وعلوم اللغة العربية دون غيرها من العلوم، ولا شك في أهمية هذه العلوم، وأنها من ضرورات الحياة لدى المسلمين، مما يتطلب أن تتصدى لها فئة من المسلمين وتتفرغ لها وتعتني بها.
وليس ثمة حرج في اقتصار الداعية والمصلح على مجال من مجالات العمل الدعوي يجيده وينجح فيه أكثر من غيره، لكن الأمر الذي نحن بصدده يتجاوز ذلك، إنه توجيه للطالب للمسلم، وقرار يؤثر في مستقبل حياته، وفرق بين أن يكون التعليم الشرعي مهمّاً وضرورياً، وبين أن نرى أنه هو الخيار الوحيد، وفرق بين أن يتجه فئة من أفراد المسلمين إلى التعليم الشرعي ويتخصصون فيه، وبين أن نرى أنه هو وحده الطريق المتاح للمسلم الجاد.
وكما أن المسلمين في تلك البلاد بحاجة إلى داعية وطالب علم شرعي متخصص؛ فهم بحاجة إلى قيادات إسلامية تخوض مجالات الحياة العامة، وتسهم في تحقيق مصالح المسلمين والنهوض بواقعهم، وقد أدى هذا الأمر – كما يقول الصويان – إلى أن: «أصبح الأطباء والمهندسون والإعلاميون والاقتصاديون من غير المسلمين، أو ممن تربى في المدارس العلمانية أو التنصيرية، وهذا الأمر أوجد هوة واسعة بين تلك المدارس وبين القطاعات الرسمية، مما جعل المسلمين المتميزين بعيدين تماماً عن قيادة المجتمع من الناحيتين الفكرية والإدارية»(34).
ويؤيد ما ذكره الصويان ما كشفه تقرير صادر عن «مكتب العالم الثالث للإغاثة» بمدينة «كانو» النيجيرية؛ أن نسبة الطلاب المسلمين في الجامعات النيجيرية الفيدرالية لم يتجاوز 20% من التعداد الكلّي.
وذكر التقرير أن تدنّي نسبة مستوى التعليم الأساسي والتعليم ما قبل الجامعي، في مناطق المسلمين عموماً وبالمدارس الحكومية، جعل نسبة الطلاب المسلمين في الجامعات ضعيفة.
في بوركينافاسو: فالمسلمون برغم كونهم يمثلون 70% من مجموع السكان البالغ عددهم نحو 12 مليون نسمه؛ فإنهم لا يتمتعون بأهمية الوضع السياسي نفسها التي يتمتع به النصارى(35)، فهم يتولون 4 وزارات من مجموع 26 وزارة ليست على درجة الأهمية نفسها وتأثير الوزارات التي يتولاها النصارى، كما أن عدد المسلمين في مجلس النواب لا يتجاوز 20 نائباً من مجموع 115 نائباً(36).
وفي تشاد: عدد الطلاب في المدارس الابتدائية 589768 طالباً وطالبة، نسبة المسلمين منهم فقط 10%، والبقية من النصارى والوثنيين، وعدد المدارس الثانوية 78 مدرسة، 9 مدارس منها عربية فقط، ولذا نسبة المتعلمين من النصارى حوالي 84,6%، وتقدم للامتحان للشهادة الثانوية في عام 2002م: 24239 طالب وطالبة، نجح منهم فقط 6836؛ أي ما نسبته 7% من المسلمين فقط، ولم ينجح منهم من المدارس العربية سوى 293 طالباً، ولذا لا نستغرب إذا علمنا أن نسبة الموظفين من النصارى في الوظائف الحكومية تبلغ 90%، بينما نسبة المسلمين في تشاد من حيث العدد أكثر من 80%(37).
واقتصار التعليم الإسلامي على هذا المجال وحده يكرّس نظرة سلبية لدى المسلمين تجاه قضايا الحياة المعاصرة، فيرون أن كون الفرد متديناً يقتضي بالضرورة كونه متخصصاً في العلوم الشرعية، وأنّ التدين يتنافى مع التفاعل مع معطيات الحضارة المادية.
6 – المناهج:
تُعَدّ المناهج التعليمية من أبرز مشكلات التعليم الإسلامي والعربي في إفريقيا، وتكاد هذه المشكلة تتصدر أي مقالة أو دراسة تتناول التعليم الإسلامي.
وقد توصل الباحث بامبا في دراسته حول التعليم الإسلامي في ساحل العاج إلى افتقار المحتوى للأهداف التربوية، وعدم مراعاته لميول الدارسين ورغباتهم والفروق الفردية بينهم (بنسبة 80%)، وعدم واقعيته وشموليته، وأنه لا يوافق بين الثقافة العربية والإسلامية والثقافة المحلية للدارسين مع الحفاظ على هويتهم، ولا يرتبط بالأنشطة اللاصفية.
وهذه النتائج لا تكاد تختلف في بقية الدول الإفريقية إلا في التفاصيل.
وحين يتاح لك اللقاء بفئة من المهتمين بالتعليم الإسلامي من معلّمين وإداريين فأول مايثيره لديك هؤلاء هي قضية المناهج؛ فهي شغلهم الشاغل.
وتتمثل أبرز إشكالات المناهج في المدارس العربية الإسلامية فيما يأتي:
(1 – 6) لا توجد مناهج أعدت للبيئة الإفريقية:
من أهم أسس بناء المنهج واقع المجتمع والمتعلّم، والاتفاق في بعض ما يحتاج إليه المتعلّم من محتوى في المنهج لا يسوّغ بحال استيراد مناهج وضعت لبيئة أخرى، والبيئة الإفريقية لها خصوصياتها وطبيعتها، من حيث النظام القبلي السائد فيها، وواقع المسلمين في كلّ بلد باعتبارهم أقلية أو أغلبية، ومن حيث كون اللغة العربية لغة ثانية لدى المتعلمين، ناهيك عن الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وهذه الظروف لها أثرها في بناء المنهج.
ومع تفاوت برامج التعليم ومؤسساته ومناهجه فإنه لا تكاد توجد مناهج خاصة أعدت للبيئة الإفريقية بطبيعتها وخصائصها، فضلاً عن بيئة كلّ مجتمع ودولة.
(2 – 6) غياب عناصر المنهج الأخرى:
المنهج يتكون من عناصر عدة مترابطة، ولها أثرها في تحقيق وظيفته، فيحتاج المنهج إلى إطار وفلسفة عامة، وأهداف، ومحتوى، وطرائق تدريس، وأنشطة، وتقنيات تعليمية، وهذه العناصر ضرورية ولا غنى عنها لأي منهج دراسي.
إلا أن الواقع القائم في المدارس العربية والإسلامية في البيئة الإفريقية؛ يختزل المنهج في محتوى الكتاب المدرسي الذي أعد سلفاً لبيئة أخرى غير بيئة المتعلّم.
(3 – 6) الترقيع في المناهج:
يتم اختيار محتوى المنهج المدرسي – أو بعبارة أدق الكتاب المدرسي – وفقاً للظروف المتاحة، فأحياناً يعتمد ذلك على خلفية مدير المدرسة أو المعلّم، وأحياناً على مدى توفر هذا الكتاب لدى القائمين على المدرسة.
ولا يقف الأمر عند مجرد الاختيار العشوائي لأي كتاب مدرسي؛ بل إنّ كثيراً من المدارس تعاني خليطاً غير متجانس من الكتب المدرسية، فكما يقول الصويان: «تجد في المدرسة الواحدة بل في الفصل الواحد منهجاً من وزارة المعارف السعودية، ومنهجاً آخر من مناهج المعاهد العلمية، وثالثاً من الأزهر، ورابعاً من الكويت.. وهكذا، لينتج خليطاً غير متجانس من المقررات المبعثرة التي قد لا يربطها رابط»(38).
(4 – 6) عدم توفّر الكتاب المدرسي:
بالرغم من أهمية الكتاب المدرسي ومحوريته في التعليم الإسلامي في إفريقيا، وكونه يمثّل المنهج الفعلي، فإنه في الغالب الأعم لا يُتاح للمتعلّمين، فالموجود من الكتاب المدرسي نسخة واحدة يمكلها المعلّم، وفي المدارس التي تملك إمكانات أعلى – وهي نادرة – يطالب المتعلّم بإعادة الكتاب للمدرسة، ويصرف في العام القادم لمتعلّم آخر، وهذا له أثره السلبي في تحصيل المتعلّم، كما أنه يؤدي إلى أن يصرف المعلّمون وقتاً طويلاً في الكتابة على السبورة، ويقوم المتعلّمون بالنقل منها في كراساتهم، ويتفاوت المعلمون في مقدار ما يكتبونه على السبورة تبعاً لنشاطهم وحماسهم، كما يتفاوت المتعلّمون في مقدار ما يستطيعون تدوينه.
كما أنه يقود إلى إطالة وقت الحصة الدراسية، فقد بلغت في بعض المدارس التي زارها الكاتب إلى ساعة وعشرين ودقيقة.
(5 – 6) صعوبة المناهج على المتعلّمين:
نظراً لأن المناهج التي تُدرَّس في المدارس الإسلامية الإفريقية أُعدّت لبيئات أخرى، وهي في الأغلب لدول إسلامية ناطقة بالعربية، وقد تكون أُعدت لمعاهد ومدارس شرعية متخصّصة، فقد أدّى ذلك إلى أن تكون أعلى من مستوى المتعلّم الإفريقي.
وقد دخلت أحد الفصول والمعلّم يتحدث عن تاريخ التدوين في علوم القرآن الكريم بتفصيلات يصعب على المتعلّم استيعابها، كما أنها أعلى من حاجة المتعلم.
ويحكي الصويان عن موقف مشابه فيقول: «رأيت أحد المدرسين يُعلِّم تلاميذه مسألة التعصيب في علم المواريث من كتاب مقرر في المعاهد العلمية السعودية.. مع أني أجزم بأنّ كثيراً من الطلاب لم يتعلّم في تلك المرحلة أساسيات العبادات والمعاملات»(39).
7 – الإدارة المدرسية:
إذا استثنينا المدارس التابعة لمؤسسات دعوية فإنّ الإدارة – كما يقول إمباكي – ترتبط غالباً بظروف النشأة، ومن هنا فإنّ كثيراً من المدارس الإسلامية تدار من قبل المؤسّس أو مَن يعينه من أقربائه أو أولاده أو أحد تلامذته السابقين، ويتم اختيار الموظفين الآخرين في الإطار نفسه غالباً(40).
ويشير العديد ممن تناولوا مشكلات التعليم الإسلامي الإفريقي إلى هذه المشكلة، فيقول ديابي خليل إبراهيم (مدير التعليم العربي بساحل العاج ومدرس بمدرسة بؤاكي كراموكو): «ترجع مشكلة التعليم الإسلامي إلى: فقدان التنظيم أو النظام في إدارة شؤون المدارس، حيث يتحكم فيها قانون الفوضى، فليس هناك منهج تعليمي موحّد، ولا إدارة تعليمية يقظة، فكلّ شيء يدور في محيط مدير المدرسة فقط»(41).
وبعضهم – كما يقول الأستاذ سفاتي لاسينا -: «لا يمارس العمل الإداري الفعلي إلا إذا اقترب الشهر من نهايته؛ وذلك للإشراف على جمع الاشتراكات الشهرية»(42)، ويقول سماكي قاسم: «مفهوم الإدارة المدرسية مفقود تماماً في مدارسنا الإسلامية، فهي تدار بصورة عشوائية تماماً»(43).
8 – الإشراف التربوي:
يمثّل الإشراف التربوي الفاعل عنصراً مهماً في تطوير التعليم والارتقاء به، وفي متابعة سير العملية التعليمية وتحقيقها لأهدافها، ونظراً لطبيعة التعليم الإسلامي الإفريقي واستقلالية معظم مدارسه فإن الدور الإشرافي نادر، حتى على مستوى الرقابة والتفتيش، يقول أحد الباحثين: «ولا يوجد في المدارس العربية الإسلامية النظامية في بوركينا إلى يومنا هذا مشرفون تربويون يشرفون على التعليم ويوجهونه ويخططون له، وغياب المشرفين التربويين أدى إلى اختلاف برامج المدارس وشهاداتها»(44).
والأمر ليس قاصراً على بوركينا بل هو في عامّة الدول الإفريقية، فمعظم المدارس الإسلامية تعاني ضعف القدرة على تعيين المعلّم والمدير المؤهل، فضلاً عن العاملين في ميدان الإشراف التربوي.
9 – المعلّمون:
لو أتيح بناء فلسفة واضحة للتعليم الإسلامي في إفريقيا، وإعداد مناهج تلائم تلك البيئة فنجاح ذلك كلّه يتوقف على وجود المعلم القادر على تنفيذ هذا المنهج، لكن واقع المعلّمين في المدارس الإسلامية الإفريقية لا يتلاءم مع حجم التحديات التي تواجه التعليم الإسلامي.
وتتمثل أبرز مشكلات المعلمين في التعليم الإسلامي الإفريقي فيما يأتي:
(1 – 9) ضعف الإعداد:
يعاني المعلمون في المدارس الإسلامية الإفريقية ضعف الإعداد بشقّيه التخصّصي والمهني، فهناك أعداد غير يسيرة منهم تعليمهم دون المستوى الجامعي، كما أن الجامعيين منهم لم يُعدّوا في كليات التربية أو إعداد المعلمين، إضافة إلى ضعف المستوى العلمي لدى كثير منهم.
وقد دلّت دراسة «غنمي سعيد» على أن ثلاثة أرباع المعلمين في المدراس الإسلامية في بوركينافاسو من ذوي المستويات الدنيا في التعليم(45)، وفي دراسة «بامبا» رأى (80%) من المديرين أن المعلّم المدرّب المؤهل إحدى مشكلات مدارسهم.
وصاحب القرار في تعيين المعلّم وقبول مؤهله هو مدير المدرسة، وكثيراً ما يراعي اعتبارات لا صلة لها بتأهيل المعلّم، يقول الأستاذ «سفاتي لاسينا»: «فلا تستغرب أن ترى مديراً لمدرسة ما يعين بعضاً من خريجي المدرسة الابتدائية أو الإعدادية لتولّي مهمة التدريس مقابل أجر زهيد»(46).
(2 – 9) التخصص:
نظراً لعدم لوجود معايير وأدوات لاختيار المعلمين في المدارس الإسلامية الإفريقية فكثيراً ما يتولّى المعلّم غير المتخصص التدريس، فقد يتولّى خريج اللغة العربية تدريس العلوم الشرعية، أو خريج الكليات الشرعية تدريس اللغة العربية، بل في بعض المدارس يتولّى تدريس العلوم الشرعية أو اللغة العربية خريجو القانون والزراعة والإدارة وغيرها من التخصّصات، وفي بعض المدارس التي تقدّم مقررات في الرياضيات والعلوم قد يتولّى تدريس ذلك بعض خريجي الكليات الشرعية.
(3 – 9) النمو أثناء الخدمة:
تعنى المؤسسات المعاصرة بإعداد العاملين فيها وتدريبهم، وتستثمر المؤسسات التجارية استثمارات هائلة في ميدان التدريب وتنمية العاملين، إنّ حصول الفرد على مؤهّلٍ ما ليس نهاية المطاف في ميدان الإعداد، وسيبقى بحاجة إلى مزيد من التدريب والتأهيل، ولئن كان تطور الحياة وتسارع وتيرة التغيير عاملاً يؤكد أهمية تدريب الموظف وتأهيله؛ فالأمر أكثر أهمية فيما يتعلق بالمعلّم.
لكن المعلّم في المدارس الإسلامية الإفريقية نادراً ما تُتاح له فرص التدريب أثناء الخدمة، وغاية ما يُتاح لبعضهم دورات عامّة تنظّمها بعض المؤسسات الدعوية، ويغلب عليها الطابع الإلقائي التقليدي، وقلّما تعنى بالاتجاهات الحديثة أو تطوير الأداء الفعلي للمعلّم.
(4 – 9) ضعف الإعداد اللغوي:
النسبة العظمى من المعلمين في المدارس الإسلامية الإفريقية هم من تُعَدّ اللغة العربية لغة ثانية لهم، وكثير منهم تعلّم اللغة في وقت متأخر من عمره، فضلاً عن ضعف مستوى التعليم الذي تلقّاه.
وقد ظهر أثر ذلك في عدد من المعلمين في المدارس الإسلامية الإفريقية، تقول إحدى الباحثات عن المعلم في مالي: «وكما تجد معلّم اللغة العربية في المدارس الإسلامية لا يجيد التحدث باللغة العربية أو التعبير عن نفسه بصورة مفهومة، أو ليس لديه قدرة على فهم المتحدث باللغة العربية، أو قراءة نصٍّ لم يسبق أن درسه على يد شيخ أو معلّم»(47).
وهذه نماذج من تعبيرات بعض مديري المدارس ومعلميها، وبعض الدارسين في مرحلة الماجستير، وتجاوز الباحث توثيقها دفعاً للحرج ومراعاة لمشاعر إخواننا من هؤلاء: «فتؤخذ على هذه المدارس أنها»، «لم يكن معالم منهج هذه المدارس محددة»، «أن أهداف هذه المدارس الدينية هو تعليم الناشئة»، «فالتعليم في مدارسنا الإسلامية ليست هادفة لتكوين الكوادر الموظفين»، «في الأجهزة اتخاذ القرارات الحاسمة»، «أما جدول رقم… يمكن إرجاع نتائجها إلى»، «أما جدول رقم… وقد يعزى نتائجها إلى»، «بسبب هذه المشكلات النابعة عن البعد وعن التمسك بالمباديء الإسلامية الحق».
وهذا الضعف اللغوي لدى المعلمين سيترك أثره في المتعلمين، ويزداد الأمر إذا أضيف لذلك ضعف امتلاكهم لمهارات التدريس.
(5 – 9) ضعف الاستقرار الوظيفي:
نظراً للعوائد المالية الضعيفة التي يتلقاها المعلّمون في هذه المدارس، والتي لا تتناسب مع احتياجاتهم، فكثير منهم يعاني عدم الاستقرار الوظيفي، ولا يمتلك الدافع والحافز نحو العطاء والاستمرار في هذه المهنة، بل إنّ كثيراً منهم – كما تقول رقية فوفانا -: «يرون أن التدريس وسيلة لقضاء فترة انتظار الحصول على منحة دراسية لمتابعة دراستهم في إحدى الدول العربية»(48).
وهذا يؤدي إلى كثرة خروج المعلّمين وتركهم لهذه المدارس التي لا تقدّم لهم رواتب ملائمة، فضلاً عن الضمان الاجتماعي والحقوق التقاعدية، وحالات الخروج وترك العمل ترتبط بالفرص التي تُتاح له، ومن ثمّ فهي كثيراً ما تحصل في أثناء العام الدراسي مما يربك المدارس، وقد يضطرها للاستعانة بكفاءات أقلّ تأهيلاً سداً للخلل.
أما الذين يبقون في سلك التعليم فضعف العوائد التي يتلقونها تؤدي بهم إلى غياب الطموح، وتقلّل من قدرتهم على الارتقاء بأنفسهم وتطوير خبراتهم؛ فأحدهم لا يجد ما يشتري به كتاباً أو مجلة، فضلاً عن التعامل مع شبكة الإنترنت، أو الالتحاق ببرامج تأهيلية وتدريبية.
وحين يقارن المعلّم في المدارس الإسلامية نفسه بالمعلّم الحكومي فالبون شاسع، ويصوّر لنا أحد الباحثين الأفارقة معاناة معلّم اللغة العربية في المدارس الحكومية بقوله: «أمّا معلمو العربية في المدارس الحكومية فعلى الرغم من كونهم موظفين تابعين للدولة فإنهم لا يحسدون على حالتهم المهنية، لأنهم مهمّشون إدارياً، ومحرومون من الحقوق والامتيازات التي يحظى بها زملاؤهم المفرنسون من ترقيات وحقوق الأقدمية؛ فالتعليمات الرسمية والبلاغات الإدارية والمنشورات والقرارات الوزارية فرنسية في الأوراق، ينضاف إليها ندوات ومحاضرات وأسبوعيات في التربية وعلم النفس وطرق التدريس.. فإذا ما لم يكن المعلّم متقناً الفرنسية بدرجة تمكّنه من الاستفادة من كلّ هذه والإسهام فيها بنصيب سيظلّ يعاني مشكلات اجتماعية نفسية تتلخص في الشعور القائل بأنه مهمّش، فكيف بمعلّمي المدارس الإسلامية؟!».
(6 – 9) أساليب العقاب والتعامل مع المتعلّمين:
تسود لدى العديد من المعلّمين أساليب العقاب القاسية والتعامل الصارم مع المتعلّمين، ففي زنجبار «توجد طرق كثيرة لمعاقبة التلاميذ فى هذه المدارس، أشهرها استخدام العصا في كثير من الأوقات، ووضع الحجر فوق رأس التلميذ أو تحت ذقنه؛ إذا كان مكثراً للكلام في وقت الدراسة، أو كثير الحركات والالتفات، فإذا سقط الحجر قبض على التلميذ وربطت رجلاه بحبل قوي إلى أن ينتهى اليوم الدراسي»(49).
ويقول أحد الباحثين الأفارقة: «أول ما يلاحظ الطفل في أيامه الأولى فيها هو أنّ معلّمه عبوس وصارم، وهذا يخالف ما تعوّده فى البيت، فهنا يحدث صراع نفسي، وقد يمنعه من أن يتمتع بصحة نفسية جيدة، وينمو نمواً سليماً متوازناً»(50).
وقد لاحظ الكاتب في العديد من زياراته للمدارس الإسلامية ممارسة المعلّمين وإدارة المدارس لأساليب قاسية وصارمة في عقاب المتعلّمين والتعامل معهم.
10 – الطالب:
لقد أدّى ضعف ارتباط مخرجات التعليم الإسلامي بسوق العمل، وضعف إمكانات هذا التعليم، إلى أن يقبل على المدارس الإسلامية الطلاب ذوي الدافعية المنخفضة في الإنجاز، أو ممن ينتمون في الغالب إلى أسر فقيرة أو غير متعلّمة.
يقول الأستاذ ديابي إبراهيم: «أصبحت مدارسنا الإسلامية مأوى للأولاد من الأسر الفقيرة الذين لا يستطيعون سداد تكاليف الدراسة في المدارس العمومية، وكذلك مأوى للأولاد المشاغبين العاصين لأمر أوليائهم»(51)، وجاء في دراسة «بامبا»: يرى (95%) من مديري المدارس أن هروب التلاميذ إحدى مشكلات مدارسهم.
وحين يعيش المتعلّم في أجواء المدارس الإسلامية ويقارن واقعه بزملائه في المدارس العامّة، في المناهج والمعلمين والمباني المدرسية والنظام المدرسي، فإنه يشعر في الغالب بالنظرة الدونية، ويرى أنه أقلّ حالاً وشأناً من الآخرين مما يزيد من إهماله وضعف دافعيته.
ولئن كنّا نلاحظ اليوم في المجتمعات العربية أن النظرة السائدة لدى معظم الآباء أن غير المتميزين هم الذين يتجهون للتخصّصات الشرعية، وحين يتجه إليها من يملك قدراً من التفوق والتحصيل المتميز يواجه بسيل من اللوم والتأنيب، فإذا كان هذا الواقع في البلاد العربية، مع الاعتراف بالتعليم الشرعي فيها، فكيف بتلك البلاد؟! وهذا في النهاية يترك أثره في المنتج، الذي يمثّل الثمرة العملية لهذه المدارس.
11 – الهدر التربوي:
تعاني المدارس الإسلامية ضعفاً في الكفاية الداخلية، وزيادة في الهدر التربوي، ففي الدراسة التي أجراها عبدالله سانا بعنوان (مدخل لقضايا المسلمين في غرب إفريقيا في المجتمع الإسلامي)؛ توصّل الباحث إلى أنّ (70%) من الطلاب قضوا أكثر من 17 إلى 18 سنة في التعليم المشتّت في بلادهم قبل حضورهم إلى الجامعات الإسلامية.
كما دلّت الدراسة على أن فترة إعداد هؤلاء الطلاب للالتحاق بالجامعات الإسلامية تترواح ما بين 3 إلى 6 سنوات من تاريخ وصولهم إليها، وأن متوسط السنوات التي يقضيها هؤلاء في التعليم ابتداءً من بدء تعليمهم إلى نهاية المرحلة الجامعية يبلغ (25) سنة، ومتوسط أعمارهم عند تخرجهم بالشهادة الجامعية (29 – 34) عاماً.
12 – تمويل التعليم الإسلامي:
تعاني المدارس الإسلامية الإفريقية ضعفاً في مصادر التمويل، فقليل منها يتلقّى الدعم الحكومي، وتتمثّل مصادر التمويل لهذه المدارس فيما يأتي:
1 – ما يدفعه الطلاب من رسوم، ومع ذلك فهي رسوم قليلة، ونسبة كبيرة منهم لا تلتزم بذلك، ففي دراسة «بامبا» حول التعليم الإسلامي في ساحل العاج رأى (90%) من المديرين أن عدم دفع الرسوم الدراسية من مشكلات التعليم الإسلامي.
وبرغم قلّة هذه الرسوم وضعف تحصيلها فهي تمثّل نسبة كبيرة من مصادر تمويل هذه المدارس، فقد دلت دراسة بامبا على أنّ (73%) من المدارس الإسلامية في ساحل العاج تعتمد على الرسوم الدراسية كمصدر لدخلها الرئيس.
2 – التبرعات النقدية من المحسنين، إمّا من البلاد نفسها – وهذا نادر -، وإمّا من البلاد الإسلامية الأخرى – وهو الأغلب -.
وتتسم التبرعات بالقلّة وضعف الاستمرار، فمصاريف المدارس مستمرة بصفة دورية، وكثير من المتبرعين يكتفي بمبلغ مقطوع يدفعه مرة واحدة.
3 – الكفالة من مؤسسات ومحسنين، وتعني أن يتولى المتبرع مصاريف المدرسة كافة، سواء كان فرداً أو مؤسسة، إلا أن المدارس التي تعتمد على هذا النوع من الدعم قليلة.
وقد أدت الظروف التي يعيشها العمل الخيري بعد أحداث سبتمبر إلى تقلّص كثير من أبوب الدعم الخارجي لهذه المدارس، سواء كان مقطوعاً أو كفالة دائمة.
4 – الأوقاف والاستثمارات، وهي نادرة جدّاً، يقول الأستاذ سماكي إبراهيم: «مدارسنا تعتمد على الرسوم الدراسية التي يدفعها التلاميذ كمصدر للدخل الوحيد، وليس عندها أي مشروع استثماري لتطوير بنيتها الأساسية وتحسين دخل الأساتذة العاملين فيها»(52).
وأفادت دراسة «بامبا»، حول التعليم الإسلامي في ساحل العاج، أنه لا يوجد إلا مدرستان فقط لهما استثمارات مالية، وفي دراسته أيضاً رأى (90%) من المديرين أن التمويل يُعَدّ مشكلة من مشكلات التعليم الإسلامي.
وقد ترك هذا الضعف في التمويل لدى المدارس الإسلامية آثاراً سلبية؛ أهمّها: ضعف قدرتها على توظيف العناصر المتميزة والفاعلة، وضعف قدرتها على توفير المستلزمات الدراسية للمتعلمين فيها، وضعف مبانيها المدرسية.
ويصف الشيخ محمد سعيد كمارا مدير الشؤون الدينية في غينيا حال المدارس الإسلامية في غرب إفريقيا بقوله: «إن حالتها المادية والمعنوية مزرية، لدرجة أصبحت معها أبعد ما تكون عن العصر ومتطلباته ومسايرة روحه، فهي لا تتوافر فيها المرافق الحيوية والأساسية، سواء من حيث البنايات أو التجهيزات الضرورية، أضف إلى هذا ما تتخبط فيه من مشاكل التسيير الإداري والمراقبة التربوية وانعدام التخطيط التربوي؛ فهذه المدارس ضعيفة التمويل لأنها تعتمد فقط على عطايا المحسنين والمتصدقين من أهل البلدة»(53).
كما أدّى هذا الوضع المتردي إلى اضطرار المدارس للجوء إلى حلول غير شرعية وغير مقنعة، ومن ذلك اختلاط الطلاب والطالبات حتى في المراحل العليا، وفي بعض المدارس لجأت المدرسة إلى تخصيص يوم للبنين ويوم للبنات!
كما أدّى هذا في بعض المدارس إلى اعتماد المعلّم على تلامذته، وهذا له آثاره السلبية، ففي زنجبار: «لا يحصل المعلّم على رسوم أو دخل منظّم، ولكنه يجد بعض الشيء (النقود) عند دخول التلميذ الجديد فى مدرسته، كما يجد شيئاً قليلاً إذا أتمّ التلميذ نصف المصحف، وإذا أكمل القرآن، كذلك يطبخ التلميذ «المديدة» ويوزعها لزملائه، وتوجد طرق أخرى تساعد المعلّم على رفع دخله، منها أن تعد زوجته بعض المطبوخات، كالفول السوداني والفطيرة، لتبيعها للتلاميذ الذين يشترونها إجلالاً لمعلّمهم»(54).
وأحياناً يقدّم التلاميذ خدمات عينية للمعلم، ففي زنجبار: «يعمل التلاميذ عادة كلّ الأعمال المنزلية لمعلّميهم، مثل جلب المياه، غسل ملابس المعلّم في كلّ يوم خميس، والطبخ للبنات، وتنظيف البيت كلّ صباح، وزراعة المحصولات في حقل المعلّم، وجلب الحطب»(55).
13 – مشكلات الخريجين:
يعاني خريجو المدارس الإسلامية، وبالأخص المدارس التي تقتصر على تدريس العلوم العربية والإسلامية، مشكلات ما بعد التخرج.
وتتمثل أبرز هذه المشكلات فيما يأتي:
1 – قلّة الجهات التي تتيح لهم مواصلة التعليم، فمعظم جامعات الدول الإفريقية لا تقبل هؤلاء الخريجين، وليس أمام معظم الخريجين إلا الانتظار على أمل أن تُتاح لأحدهم منحة دراسية في إحدى الدول العربية، وهذه المنح لا تستوعب إلا النزر اليسير من هؤلاء الخريجين.
2 – قلّة فرص العمل المتاحة أمامهم، فمعظم الوظائف المتاحة في المؤسسات والشركات تتطلب إتقان اللغة الفرنسية أو الإنجليزية، كما تتطلب إتقان مهارات وقدرات لا توجد في الغالب لدى هؤلاء، ومن هنا يتجه هؤلاء للعمل في المدارس الإسلامية برواتب ضئيلة، أو يعملون في أعمال حرفية يتساوون فيها مع الأميين، بل ربما فاقهم الأميّون في ذلك لطول خبرتهم في هذه الأعمال.
ويشعر الأساتذة الأفارقة والعاملون في ميدان التعليم الإسلامي بهذه المعاناة، يقول عبدالرحمن كوني: «كلّ صباح تموج الشوارع بتلاميذ المدارس القرآنية يذهبون ويعودون، ونتساءل ما مصير هؤلاء الشباب الذين يقفون على أعتاب المستقبل؟ وماذا يكون وضعهم الاجتماعي بعد بضع سنوات»(56).
ومن هنا لجأت بعض المدارس إلى النظام المزدوج الذي يدرّس المنهجين الشرعي والرسمي – وسبق الحديث عن ذلك -، لكن هذا النظام له سلبيات أخرى، تتمثّل في ضعف الخريج في أحد المجالين، وفي صعوبة تمويله، كما أن القائمين على هذه المدارس يضطرون لأوضاع كثيرة غير مقنعة لهم، ومن أبرزها الاعتماد على المعلّمين النصارى، ففي إحدى المدارس التي تتبع هذا النظام يوجد سبعة معلّمون، خمسة منهم نصارى، والسادس قادياني، والسابع مسلم سنّي، فيقول لنا مدير هذه المدرسة إني: لا أملك إلا معلّماً ونصف.
ولجأت بعض المدارس إلى إضافة اللغة الفرنسية أو الإنجليزية، وإضافة بعض المواد من المنهج الحكومي، إلا أن مستوى تدريس هذه المقررات وضعف إمكانات المدارس حال دون تحقيق ذلك لأهدافه.
14 – السلطات الرسمية والتعليم الإسلامي:
واجه التعليم الإسلامي معاناة مع السلطات الرسمية في البلاد الإفريقية، وبالأخص في فترات الاستعمار الذي لم تتخلّص منه تلك الدول إلا منذ عقود قليلة.
وقد واجه الاستعمار – على اختلاف دوله – التعليم الإسلامي، وسعى لمحاصرته ومضايقته، وتنوعت أساليب الحكومات الاستعمارية في مواجهة التعليم الإسلامي، وشملت هذه الأساليب:
(1 – 14) الامتناع عن التصريح لها:
حين تكون الظروف مواتية للمستعمرين عن الامتناع عن التصريح للمدارس القرآنية فإنهم لا يترددون في ذلك، ففي عام 1926م منع مفتش الشؤون الإدارية أحد المعلّمين في المدارس القرآنية في مدينة «دالو» من فتح مدرسته، وقال: «لن نسمح بتمكين وتطوير الجمعيات الإسلامية والمدارس القرآنية في الأماكن التي الإسلام فيها مجهول لدى أهلها»(57).
يقول «أرنور ويبر» رئيس مصلحة الشؤون الإسلامية لمدينة «دكار»: «يجب أن تكون سياسة فرنسا صارمة في إفريقيا الغربية، ويجب وضع حدٍّ لنشاط معلّمي المدارس الإسلامية والكتاتيب والمرابطين في البلاد، وتساهلنا مع هؤلاء يعني أن نهيئ بأنفسنا اعتناق الأفارقة التدريجي للإسلام، وبهذا نكون قد أخذنا بيد الإسلام ودفعنا عجلة تقدّمه إلى الأمام»(58).
(2 – 14) إصدار قوانين صارمة للتصريح لها وتنظيمها:
ومن ذلك أن الحاكم الفرنسي «في السنغال «فيدرب» أصدر بتاريخ 22 يونيو 1857م القرار رقم 96 يتضمن عدة بنود للهيمنة على الكتاتيب القرآنية والمراكز التعليمية الإسلامية، وجاء فيه:
1 – لا يسمح من الآن فصاعداً فتح مدرسة إسلامية أو التدريس فيها إلا بعد الحصول على إذن من الحاكم.
2 – على جميع الشيوخ الراغبين في فتح مدارس إسلامية تقديم طلبات بهذا الخصوص إلى الحاكم.
3 – تقوم لجنة مكوّنة من طرف الحاكم، وتتألف من رئيس البلدية ومعلّم يرشحه الحاكم، بإجراء امتحان على المعلّمين الراغبين في فتح مدارس.
4 – تقوم اللجنة المذكورة بالرقابة على المدارس الإسلامية، وعلى المدرسين في هذه المدارس أن يرفعوا كلّ ثلاثة شهور تقارير عن أسماء وأعمار تلاميذهم.
5 – على جميع المدرسين في المدارس الإسلامية أن يرسلوا تلاميذهم الذين يبلغون من العمر 12 سنة فزائداً إلى الدروس المسائية في المدارس الفرنسية التي تديرها الإرساليات المسيحية.
6 – يحال كلّ من يخالف ما ورد في هذا القرار إلى المحكمة، وعند إدانته تطبق عليه العقوبة المنصوص عليها في المرسوم الملكي الصادر في 26/4/1845م.
7 – سيوزع هذا القرار على جميع المعنيين، وسيتم نشره في الجريدة الرسمية للمستعمرة(59).
وبعد مرور أربعين سنة من تطبيق سياسة مكافحة التعليم الإسلامي دون جدوى؛ أصدرت الإدارة الاستعمارية قرارات أخرى أشد صرامة ضد المدارس القرآنية والعربية، فبتاريخ 9 مايو 1896م أصدر الحاكم الفرنسي قراراً يتضمّن ست عشرة مادة، نذكر منها:
مادة 1: إن فتح أية مدرسة إسلامية يتطلب تصريحاً من الحاكم العام.
مادة 2: يعتمد على هذا التصريح بعد اقتراح من مدير الشؤون الداخلية وبعد موافقة السلطات البلدية، وعلى الراغبين في الحصول على التصاريح توجيه طلباتهم إلى الإدارة الداخلية مرفقة بما يلي:
أ – شهادة قضائية تثبت عدم إدانته في قضية.
ب – شهادة حسن السيرة والسلوك من بلدية المدينة.
ت – شهادة ميلاد.
مادة 3: لا بد أن يجتاز المرشحون امتحاناً خاصاً أمام لجنة مكوّنة من رئيس البلدية والقاضي ومدرس للعربية أو مواطن معروف له إلمام باللغة العربية.
وجاء بعد ذلك في:
مادة 5: يتم إغلاق المدارس بقرار من الحاكم العام؛ بناءً على محضر من الشرطة العامة واقتراح من مدير الشؤون الداخلية.
مادة 10: لا يمكن للمدارس الإسلامية الخاصة من الآن فصاعداً قبول تلاميذ تتراوح أعمارهم بين 6 و 15 سنة أثناء أوقات الدراسة في المدارس العمومية.
مادة 11: كلّ مَن يفتح مدرسة خاصة بدون تصريح أو يواصل في تشغيلها بعد سحب التصريح سيعاقب بغرامة مالية تتراوح بين 1 و 15 فرنك، وسجن لمدة تتراوح بين 1 و 5 أيام.
مادة 13: ستعلن عن هذه اللائحة بالفرنسية والعربية في جميع المدارس الإسلامية.
مادة 15: يبدأ تطبيق جميع البنود الواردة في هذا القرار مع بداية العام الدراسي القادم 1896م(60).
وفي تاريخ 22 أغسطس 1910م وجّه الحاكم العام لمستعمرات فرنسا في غرب إفريقيا (وليام بونتي William ponty) رسالة خاصة إلى مفتش التعليم الرسمي والإسلامي، قال فيها: «لا ينبغي أن نضيع أية فرصة لنشر لغتنا، وتخفيض عدد التلاميذ الذين يذهبون إلى المدارس القرآنية فقط، وقد أخبرتني أنه حتى في «سين لويس» فعدد التلاميذ الذين يتابعون دراستهم في مدارس المدينة الأربع لا يزيد على 500 تلميذ، في حين أن أكثر من 1.300 تلميذ يتجمّعون حول الشيوخ في المدارس القرآنية، ولا يجوز أن ندعم المدارس القرآنية، بل علينا أن نتجنب كلّ ما يعزز نشر دين لا يؤمن معتنقوه بمبادئنا، ولا تروقهم الأفكار الجديدة التي ندعو إليها»(61).
(3 – 14) سياسة الاحتواء والمهادنة:
ومن الأساليب التي سلكها المستعمر مهادنة التعليم الإسلامي تمهيداً لاحتوائه، يقول «جورج هاردي» المفتش الفرنسي لشؤون التعليم: «لقد كانت هناك قناعة بأنه لا يوجد في غرب إفريقيا كما يوجد في الجزائر وتونس والمغرب الأقصى ثقافة إسلامية، وهذا يدفعنا إلى القيام ببعض تنازلات لهذه الحضارة التي سبقت حضارتنا، ولكي يتم تسهيل قبول تعليمنا الفرنسي لدى الأهالي فقد كان علينا أن نقبل التعليم الإسلامي العربي، حيث يكون واسطة بين المدارس القرآنية والمدارس الفرنسية، وتستهدف العمل على نسيان الأولى وقبول الثانية»(62).
ويقول خبير التربية في المخابرات المركزية في الحكومة الاستعمارية السنغال: «إن نسبة الإقبال على مدارسنا على مستوى القطر السنغالي تدعو للسخرية، وإنه لمن المؤسف أن لا يرتاد مدارسنا المنتشرة في الريف سوى بضعة تلاميذ، بينما تستقطب المدارس القرآنية مئات الطلاب… لا بد من فعل شيء بطريقة غير مباشرة؛ لأن أي تدخّل حكومي قد يأتي بنتائج وخيمة»(63).
(4 – 14) الحكومات المحلية والتعليم الإسلامي:
انتهت مرحلة الاستعمار العسكري في دول إفريقيا، وإن بقيت كثير من آثاره ونتائج قوانينه وإجراءاته، فكثير منها لا يزال معمولاً بها، والأنظمة التعليمية التي رسّخها لا يزال لها حضور وتأثير في الساحة الإفريقية.
والأمر في كثير من الدول الإفريقية كما تصفه الكاتبة «إيف ديسار»: «البيض لا يزالون في إفريقيا، ولا يزالون يقومون بدور هام، لقد تخلوا على الأقلّ في الظاهر – في السنغال مثلاً – تخلوا عن امتيازاتهم، ولكن وجودهم لا يزال عاملاً بارزاً، إن لم نقل أساسياً، في مختلف الإدارات، فهم يؤثرون على سياسة الاستيراد والتصدير، ويمتلكون ويدرون أكبر البيوتات التجارية نشاطاً، أمّا التربية والنشاطات الثقافية والاجتماعية فإنها لا تزال كما كانت في السابق مرتبطة بهم»(64).
بل ما زالت بعض الدول الاستعمارية تمارس قدراً من السلطة على مستعمراتها السابقة، فمنظمة الدول الفرنكفونية – على سبيل المثال – ترعاها فرنسا، وتمارس عليها إملاءات ومواقف عدة، وفي بعض الدول التي لا تملك سفارات في البلدان العربية ترعى الدولة الاستعمارية السابقة شؤونها، وتمنح سفارات تلك الدول تأشيرات الدخول إلى هذه الدولة، وكثيراً ما حرم بعض الدعاة الدخول إلى بعض الدول الإفريقية لامتناع الدولة الاستعمارية منح التأشيرة.
وتتفاوت مواقف الحكومات المحلية في إفريقيا من التعليم الإسلامي، لكن الغالب هو الموقف السلبي المتمثّل في عدم الاعتراف بهذه المدارس وشهاداتها، وعدم منحها أي مساعدات مالية، بل مضايقتها وإغلاقها في بعض الدول، برغم أن هذه المدارس لها أثرها في التقليل من الجريمة والبطالة، وفي محاربة الإيدز، ومظاهر الانحراف، والتفكّك الاجتماعي.
ومع ذلك فهناك فرص عديدة في بعض الدول الإفريقية، كوحدات التعليم الإسلامي والعربي الموجودة في عدد من وزارات التربية في الدول الإفريقية، كما أن بعض الحكومات تمنح تسهيلات عدة للمدارس بشرط أن تقدم حدّاً أدنى من التعليم الحكومي، وبعضها تمنح فرصاً لطلاب المدارس الإسلامية في الدخول في اختبارات الثانوية العامّة.
والمؤمّل من العاملين في ميدان التعليم الإسلامي السعي للتعرف على الفرص القائمة في بلادهم والإفادة منها، بل السعي لتغيير القوانين التي تضايق التعليم الإسلامي وتسهم في محاصرته.
15 – خاتمة:
وعلى الرغم من هذه الصعوبات والعقبات، ومن السلبيات والمشكلات التي يعانيها التعليم الإسلامي في إفريقيا، فيبقى التعليم الإسلامي منارة مضيئة من منارات العمل الإسلامي، وتبقى له آثاره الحميدة في نشر العلم الشرعي والدعوة إلى الإسلام وحفظه، في هذه القارة المستهدفة بتيار التنصير.
وتبقى كثير من مظاهر ضعفه وقصوره جزءاً من مظاهر قصور العمل الدعوي الإسلامي، وجزءاً من طبيعة الحياة الإفريقية بصعوبتها ومعاناتها.
ومع ذلك؛ نتطلع للمزيد، وأمنيتنا أن يسعى التعليم الإسلامي لمراجعة واقعه وتقويمه، وأن تنشأ اتحادات وتكتلات للمدارس الإسلامية والعربية تسعى لتبادل التجارب والخبرات، ولتوحيد كثير من الجهود المبذولة في هذا الميدان المهمّ من ميادين العمل الإسلامي.
الإحالات والهوامش:
(*) أكاديمي و باحث مناهج في إدارة تطوير الخطط والمناهج في جامعة الإمام محمد بن سعود – رئيس اللجنة التعليمية في المنتدى الإسلامي – الرياض.
(1) مجلة التربية الجديدة، ع 8 / س 3 – أبريل 1976م.
(2) مجلة مستقبليات، ص 276، المجلد الثاني والعشرون / العدد الثاني – 1992م.
(3) انظر: المصدر: http://www.un.org/arabic/millenniumgoals/goal_2.htm
(4) مجلة مستقبليات، ص 278.
(5) انظر: http://information-technologies.arabhs.com/ifrecia.html
(6) انظر: http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/news/newsid_724000/724995.stm
(7) عويس، عبدالحليم: مشكلات التعليم في إفريقيا غير العربية، مجلة البحوث الإسلامية، ج 27 / ص 249.
(8) سانو، قطب مصطفى (1419هـ): النظم التعليمية الوافدة في إفريقيا، قراءة في البديل الحضاري، ص 64.
(9) مجلة مستقبليات، ص 275.
(10) مجلة مستقبليات، ص 275.
(11) مجلة مستقبليات، ص 278.
(12) سانو، ص 77 – 78.
(13) سعودي، محمد عبدالغني (1980م): قضايا إفريقية، سلسلة عالم المعرفة، ع 34 – سنة 1980م، ص 175.
(14) سانو، ص 87 – 88.
(15) «جلف»: اسم قديم كان يُطلق على منطقة تشمل ما يُسمّى حالياً بإقليم «لوغا» وبعض مناطق إقليم «سين لوي» و «جربل» في السنغال.
(16) إمباكي، خديم محمد سعيد (1419هـ): التعليم الإسلامي في إفريقيا: الواقع والمأمول في السنغال، بحث غير منشور، ص 5.
(17) العباسي، ص 8.
(18) سعودي، ص 143.
(19) سيلا، عبدالقادر محمد (1406هـ): المسلمون في السنغال: معالم الحاضر وآفاق المستقبل، سلسلة كتاب الأمة. العدد 12، ص 146.
(20) انظر: http://www.islamonline.net/arabic/famous/2004/08/article01.SHTML
(21) فوفانا، رقية: التعليم الإسلامي في مالي، بحث غير منشور، ص 34.
(22) رقية فوفانا، ص 36.
(23) خليفة، صلاح الدين: التعليم الإسلامي في نيجيريا، بحث غير منشور.
(24) فوفانا، محمد: التعليم الإسلامي في بوركينافاسو، بحث غير منشور.
(25) محمد، الطيب زين العابدين: الأوضاع التعليمية للأقليات المسلمة في إفريقيا، مجلة دراسات إفريقية، ص 42، نقلاً عن: ندوة التعليم الإسلامي.
(26) زين العابدين، ص 46.
(27) يوسف، بامبا (2002م): مشكلات التعليم الإسلامي في كوت ديفوار، دراسة تحليلية تقويمية، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة إفريقيا العالمية، ص 39.
(28) انظر: http://www.islamonline.net/arabic/famous/2003/09/article02.SHTML
(29) بامبا.
(30) انظر: http://new.meshkat.net/contents.php?catid= 5&artid=5041.
(31) زين العابدي، ص 47.
(32) بامبا، ص 149.
(33) بامبا، ص 149.
(34) الصويان، أحمد بن عبدالرحمن (1412هـ): التعليم في إفريقيا، مجلة البيان، عدد 41.
(35) انظر:
http://www.islamonline.net/iol-arabic/dowalia/alhadath2000-may-20/alhadath15.asp
(36) انظر: http://www.islamonline.net/Arabic/news/2003-11/01/article07.shtml
(37) انظر: http://www.makkah-chad.com/aboutchad.htm
(38) الصويان.
(39) الصويان.
(40) خديم إمباكي، ص 14.
(41) بامبا، ص 136.
(42) بامبا، ص 140.
(43) بامبا، ص 146.
(44) محمد فوفانا، ص 19.
(45) دراسات إفريقية، ع 12، 1415هـ.
(46) بامبا، ص 140.
(47) رقية فوفانا، ص 54.
(48) رقية فوفانا، ص 54.
(49) زيدي، عيسى الحاج: التعليم الإسلامي في زنجبار، بحث غير منشور، ص 10.
(50) زيدي، ص 10.
(51) بامبا، ص 136.
(52) بامبا، ص 146.
(53) زين العابدين.
(54) زيدي، ص 10.
(55) زيدي، ص 11.
(56) بامبا، ص 82.
(57) بامبا، ص 27.
(58) بامبا، ص 49، نقلاً عن مجلة العربي – ربيع الأول 1402ه، ص 9.
(59) إمباكي، نقلاً عن الوثائق الإدارية للسنغال، رقم 82 أكتوبر 1857م، الفقرات 445 – 446.
(60) إمباكي، نقلاً عن الأرشيف الوطني للسنغال، مايو 1898م، الرقم 474 و 475.
(61) إمباكي، نقلاً عن الأرشيف الوطني للسنغال، 76 F / 92 J.
(62) بامبا، ص 47، نقلاً عن زيادة الكاميروني، خليل محمد: التعليم الإسلامي في الكاميرون.
(63) ساتي، مهدي (1415هـ): اللغة العربي وصراع الثقافات في السنغال، مجلة دراسات إفريقية، العدد الثاني عشر – رمضان 1415هـ، ص 174.
(64) ساتي، ص 178.