د. هارون المهدي ميغا
وجدت مفهومات خاطئة كثيرة عن تاريخ الإسلام وأثره في هذا الجزء من إفريقيا دينياً واجتماعياً وثقافياً وحضارياً، وهي مفهومات لها دوافع مختلفة وجوانب عدة، أتت من قِبل بعض المثقفين الغربيين، وأبناء المنطقة، وغيرهم من الذين تأثروا بأولئك، وبخاصة المتغربون منهم واللادينيون والمسيحيون، وكذلك دعاة الزنجية وبعض علماء الآثار الإفريقيين، والقوميين العرب.
وفي هذه العجالة سوف نقتصر على عرض الجانب التشويهي المتعمّد لتاريخ الإسلام وحضارة المسلمين في المنطقة، من خلال أهمّ مظاهره، وأبرز الدوافع إليه، من باب التمثيل لا الحصر.
إن «صورة انتشار الإسلام عامة قد شُوّهت من قِبل كثير من الدارسين، فأبرزت السلبيات (بل بولغ فيها)، وطمست الإيجابيات، ولهذا لا بد من إبراز أسباب التشويه ومعالجتها، وإعادة رسم صورته على ضوء مفاهيم وتصورات أكثر استقامة وعدلاً»(1)، خصوصاً في ضوء المستجدات العلمية والبحثية المتعلقة بتاريخ المنطقة وحضارتها، وأثر الإسلام البارز فيهما.
وكذلك؛ حاجة بعض المصادر الإفريقية التي تناولت هذا التاريخ إلى إعادة فحص ومقارنة وتحقيق علمي، بسبب كون المطبوع منها من نسخة وحيدة ليست الأصلية، كما أن النسخة الأصلية، أو الجيدة من هذه المصادر الإفريقية، ربما وقعت في أيدٍ لا تقرّ عين أصحابها بظهور الحقائق التي قد تكون – كما يرى بعض أولئك – في مصالح شعوب يكنّ لها العداوة، أو يحاول جحد جهودها، أو إخفاءها، في تاريخ الإسلام وحضارته بالمنطقة، ويبذل قصارى جهده في ذلك.
حدّثني الأخ الزميل د. فاي منصور في عام 1991م بأنه في أيام إعداده لرسالة الماجستير في التاريخ والحضارة عن مملكة مالي، سافر إلى فرنسا لزيارة مركز وطني فيه الكثير من المخطوطات باللغة العربية تتعلق بغرب إفريقيا، فكانت المسؤولة تطلعه عليها، وتترجم له بعض المعلومات إلى الفرنسية، فما أن علمت بإجادته للغة العربية حتى حالت دون اطلاعه عليها مكتفية بالترجمة له.
ويقول أحمد الشكري: «عند لقاءنا في الرباط 2 أبريل 1990م بالمؤرّخ المالي محمود الزبير – مدير معهد أحمد بابا للدراسات والبحوث، تنبكتو – عبّرنا له عن هذا الموقف (كون العديد من الروايات التي يطرحها تاريخ الفتاش ليست لصاحب التأليف الأصلي) فشاطرنا الرأي، وأكّد لي توفّر نسخة أخرى مخطوطة من تاريخ الفتاش، تختلف عن تلك المنشورة، وأنه يعمل بصحبة أحد فقهاء مالي على تحقيقها»(2)، فكم مضى على هذا العمل لو كانا – حقاً – بصدد إخراجه!
أولاً: مظاهر تشويه تاريخ الإسلام في غرب إفريقيا:
1 – الزعم بأن المنطقة لم تعرف الحضارة إلا بعد مجيء الاستعمار الغربي:
بل وصل الأمر ببعضهم إلى إنكار وجود صلة ثقافية بين إفريقيا جنوب الصحراء وبين شمالها، متجاهلاً ما تُجمع عليه المصادر العربية والإفريقية وتؤكّده من ازدهار القوافل التجارية بين شرق القارة وشمالها وغربها قبل الإسلام.
تلك المصادر القديمة التي تُعَدّ أبرز المصادر الأساس في تاريخ المنطقة، بسبب ما تحويه من معلومات؛ مصادرها زيارات شخصية للمنطقة، أو أجوبة علمائها وملوكها عن أسئلة تتعلق بها، أو لوفود الحجّ ونحوهم، أو ما تناقلته القوافل التجارية والجاليات التي عاشت فيها، يؤيدها كثير من الروايات الشفوية التي دُوّنت أخيراً، أو التي لا تزال تُروى من النّسابين الشعبيين، أو تناقلتها الأسر جيلاً عن جيل.
من أسباب ذلك التشويه ودوافعه الخلط بين قبول الناس أفراداً للإسلام وبين اعتناق الملوك له، ومن ثم عدّ ممالكهم من دار الإسلام، ثم الخلط بينهم من جهة وبين قيام الحركات الإصلاحية الداخلية والخارجية (الجهاد)، وقد يحكم أولئك على المسلمين بما يحكم به على ملوكهم الذين لم يسلموا(3)، فكان نتيجة هذا الخلط تشويه المفاهيم، حتى إن قضية انتشار الإسلام في غرب إفريقيا لا تجدها تُدرس إلا في إطار السلطة الغالبة، والقوة الظاهرة، وبها ومعها، فحسب هذه المفاهيم يبسط الإسلام سلطانه، وتذاع في الناس تعاليمه، وتنتشر بينهم راياته إذا كانت له دولة ترعاه، وفي غياب مثل هذه الدولة يغدو النكوث عن الإسلام إلى الديانات التقليدية هو البديل الماثل، وفي أحسن الفروض تكون المزاوجة بين الإسلام وتلك الديانات هي الطريق إلى تخليط يبقي من الإسلام اسمه، ويمحو معالمه وأثره(4).
فليس من الصواب ما قاله د. زبادية: «وتتفق الروايات على أن إسلام مكانٍ ما كان يتمّ حين يعلن الأمير، أو رئيس القبيلة، أو النبيل في عشيرته، إسلامه، فيتبعه أحسن الفروض جميع أفراد رعيته»(5).
فكم من ملك أسلم شعبه وهو لم يسلم، كما في حال غانا من وجود عدد كبير من المسلمين والمساجد والوزراء في عاصمتها، بل نصف المدينة كان خاصاً بالمسلمين، وكمدينة «جني» التي حشد ملكها عدداً كبيراً جداً من العلماء ليعلن إسلامه بين أيديهم(6).
وكم ملك أسلم دون شعبه، وكم ملك كان يتردد في اعتناق الإسلام خوفاً من شعبه الذي لمّا يسلم، أو لا يعلن ذلك حتى يضمن انقيادهم(7)، كل ذلك لا يتعارض أو يقلّل من أهمية إسلام الملك وما يزيده من قوة الانتشار وخوف الجانب.
لنأخذ مثالاً على ما تقدّم قصة دخول الإسلام إلى مملكة مالي:
فبعض الدارسين يرون أن الإسلام انتشر في هذه المملكة على يد الخوارج الإباضية، والتي كانت لهم دولة في فزان وغدامس وبعض واحات الجزائر منذ القرن الثامن الميلادي.
وإليك بعض الأدلة على عدم صحتها وبيان ما فيها من الخلط المذكور، فأقول:
1 – تجد بما لا يدع مجالاً للشك انتشار الإسلام في الغرب الإفريقي قبل التاريخ المذكور لهذه القصة (القرن السادس الهجري / الحادي عشر الميلادي).
2 – هذه القصة نفسها تؤيد الخلط بين بداية وصول الإسلام إلى هذه المملكة وغيرها، وإسلام شعب أو أفراد منه، وبين إسلام الملوك، ومن ثم عدّ ممالكهم إسلامية، فقد كان انتشار الإسلام بين (الماندينغ) متقدّماً على إعادة تأسيس المملكة على يد ماري جاطة (سنودياتا كيتا 628ه – 652ه / 1230م – 1255م)، وكذلك كان متقدّماً على تاريخ وصول هذا الذي يزعم إسلام ملك مالي على يديه إلى المنطقة (575هـ / 1179م).
فالبكري أبو عبيد عبد الله بن عبد العزيز بن محمد (ت 487هـ / 1094م) يذكر أن هذا الضيف كان عند الملك يقرأ القرآن ويعلّم السنّة(8)، فما السنّة التي كان يعلمها غير سنّة الرسول r، ولمن كان يعلّمها إذا لم يكونوا حاشية الملك الذين أسلموا، ولمّا يسلم هو؟! ألا يحتمل أن يكون الملك من الفئة التي تخفي إسلامها لعدم إسلام معظم الشعب، بدليل قبوله تعليم القرآن والسنّة في مجلسه وبحضوره.
3 – ليس بصحيح ما نقله بعض المؤرخين (أحمد بن سعيد بن عبد الواحد الشماخي (ت 928هـ / 1522م)، وكان من علماء الإباضية في المغرب) وغيره من أن بلاد السودان الغربي وإمبراطورية غانا كانت تدين بالإباضية قبل أن يقصدها مخالفوها لردّ أهلها عن مذهبهم الإباضي(9)، لأن الثابت أن الذين نقلوا الإسلام إلى المنطقة منذ القرن الأول الهجري لم يكونوا إباضيين، كما لم يكونوا صوفيين، فمن أين كان لهم الأسبقية المزعومة، وكيف؟!
4 – تناقض الروايات في تحديد بداية علاقة الإباضية، تجاراً وفقهاء، بغرب إفريقيا، بين القرن الثامن أو التاسع أو العاشر الميلادية(10)، وتناقضها – أيضاً – في المملكة التي أسلم ملكها في القصة؛ أهي مالي أو غانا؟ فعند البكري أنها مالي من غير أن يقول إن الضيف إباضي، بل ذكر أنه ضيف من المسلمين، فإذا انضم إلى هذا كون البكري من مصادر الشماخي الذي زعم إباضيته(11)، وتعليم هذا الشيخ للسنّة، ودعوة الملك إلى الاعتقاد بشرائع الإسلام كلّها من غير إشارة إلى الإباضية، تبيّن أن هذا الضيف على مذهب السلف لا الخوارج الإباضية، وتأكّد دخول الإسلام إليهما قبل هذا التاريخ، أو على افتراض كونه منها؛ فإنه بناء على تصرفاتهم لم يكن يدعو إليهما(12) في وسط سبقها إليه مذهب آخر نما وتقوّى.
5 – شهادات الخوارج أو الشيعة لا تدل على أن دعاتهم كانوا يمارسون دعاية لمعتقداتهم في بلاد السودان، وإنما تنوه فقط بنشر تعاليم الإسلام، ولو كان قبيل أو شعب من المنطقة قد اعتنق أحدهما لكانت مصادر هذه الطوائف أول من يهتم بتسجيل هذا الإنجاز أولا ًبأوّل، كما هو الغالب في كتابات علماء كلّ مذهب، والمصادر على اختلافها لا تحدّث عن اعتناق فئة من أبناء السودان الغربي لهذين المذهبين(13).
2 – الاستدلال ببعض التقاليد والأعراف على نفي أثر الإسلام الإصلاحي والحضاري في المنطقة:
والتقليل من شأن الإسلام بسبب تلك التقاليد، كمواسم نصب السلطان، والمثول بين يديه، ووضع التراب على الرأس إظهاراً للخضوع، واستخدام الطبول، وغيرها من الأمور التي وجدت حيناً في إمبراطوريات غانا ومالي وسنغاي، وكذلك بعض مظاهر الصوفية: كالتبرك بالأولياء، وقراءة القرآن على الأموات، وإقامة الولائم في المآتم، ووجود بعض المشعوذين، والاستدلال بها.
وتقزيم الإسلام بعبارات مجحفة: «الإسلام الأسود»، أو «النموذج الإفريقي للإسلام»، أو المزاوجة بين الإسلام والديانات الوثنية الإفريقية، أو «الإسلام السطحي»، ونحوها، وكلّها عبارات تهدف إلى الزعم بوجود إسلام لم يبق منه إلا اسمه، وسيادة الوثنيات قولا ًوعملا ًإلا ما ندر، فقد تعاطى تلك الأمور «بعض المضلين من الباحثين الذين يتعمّدون تجاهل المدّ الإسلامي الحضاري في توجيه وتقويم الأحداث التاريخية وشؤون الحياة لمنطقة السودان الغربي، ثم التشكيك في تاريخ مسلمي هذا الجزء من العالم الإسلامي»(14)، ومن تفاعلهم معه وتطبيقهم له على الوجه الصحيح في مختلف شؤون الحياة، والحقّ أن الإسلام شمل مختلف جوانب الحياة حتى لغير المسلمين من سكان المنطقة(15).
واليك أمثلة من هذه التشويه:
يقول د. محمد الغربي: «الواقع أن الإسلام، وإن كان قد طبع التاريخ الإفريقي والحضارة الإفريقية بطابعه المميز، فإنه كان مع ذلك نموذجاً إفريقياً، فسكان القرى والبوادي لم يكونوا يعرفون إلا النطق بآيات القرآن دون فقه لمعنى ما يحرّكون به ألسنتهم، وكانوا يمسكون في رمضان من الفجر إلى غروب الشمس، ويتقربون بالذبائح والقرابين والنذر، ولكنهم إلى جانب ذلك كانوا يعبدون قوى الطبيعة، ويقدّسون الأصنام والأيقونات، ويؤمنون بأقوال الكهان والسحرة»(16).
ويجعل ثان الفئة التي اعتنقت الإسلام، واحتفظت ببعض الطقوس الوثنية، هي الغالبة في أفراد المجتمع في غرب إفريقيا في القرنين السابع عشر والثامن عشر الميلاديين(17)، ويقول ثالث: «البوادي لم تتأثر كثيراً بالإسلام، وهذه الظاهرة تمثّل أول مظهر من مظاهر تعثر الدين الحنيف بالمنطقة»(18)، ويقول آخر: «المعروف أن اعتناق الإسلام في غربي إفريقيا كان سطحياً، وعلى الأقل في أول انتشاره»(19).
إن من قال بهذا إنما خلط بين المسلمين والوثنيين الذين قد يستعينون بالتعاويذ الإسلامية مع تعاويذهم الوثنية، ويلجؤون إلى شيوخ المسلمين، بالإضافة إلى كهنتهم الوثنيين، ولا يترددون في تقليد الصلوات الإسلامية، وحضور المساجد والجنائز والاحتفال بالأعياد والمناسبات الإسلامية، بل جرت عادة بعضهم بإخفاء وثنيتهم ليظهروا بمظهر الرقي والتقدّم أصلاً، لأنّ المجتمع الوثني قد تعارف على أن الإسلام صنو لهما أخلاقياً واجتماعياً ونفسياً(20)، وتلك ظواهر يلحظها قلّة من الباحثين في تاريخ انتشار الإسلام في هذه القارة، وهي أمور تحدث إلى يومنا هذا، فحسبهم أولئك الباحثون مسلمين، وما هم كذلك، بل هم وثنيون.
ولا يلزم من هذا ألا يكون في المسلمين ضعاف نفوس يذهبون إلى السحرة، لكن الخطأ والمبالغة في الحكم على الجميع، وفي إظهارهم بأنهم لم يتأثروا بالإسلام.
من أمثلة ذلك أن بعضاً من ملوك هذه الممالك والإمبراطوريات الإفريقية مَن يكون مسلماً، ثم يأتي بعده من أسرته مَن يكون على الوثنية، وذلك قبل تحوّلها كلية إلى ممالك إسلامية ملكاً وشعباً، فإذا جاء بعض الدارسين ليتحدث عن هذه المملكة كان تركيزه في تحوّلها كلية إلى إسلامية، ويصور تصرفات هؤلاء الملوك الوثنيين، أو المداهنين لشعوبهم المسلمة على أنها تصرفات من ملوك مسلمين، ثم يسم المسلمين عامّة بأن إسلامهم كان «سطحياً» أو «نموذجاً إفريقياً»، وأنهم مع إسلامهم يمارسون تقاليد وثنية(21).
ومنها ما يتعلق ببعض المعتقدات عند الأفارقة التي لا يلاحظها كثير من الدارسين، وتنبّه لها قلّة منهم، وجدوا أن للإسلام صلة وثيقة بنفسية الإفريقي، وتقارباً كبيراً إلى عقليته وفطرته(22)، وأن نظرتهم العامة إلى الحياة، وكثيراً من طقوسهم الروحية، يمكن أن تصبح شعائر إسلامية، وأن تحوّل إلى نظام الدين الجديد دون إجراء تغيير كبير(23)، وهي من عوامل سرعة تقبلهم للإسلام في العصر الحديث.
فسبب التشويه – هنا – عدم فهم بعض الظواهر التي يجدها الباحث في الساحة الإفريقية، وبرغم هذا يطلق عنان قلمه للتشويه من غير ما تثبّت ورويّة ليفصّل الإسلام بعد ذلك على مقاس يسمّيه: «نموذجاً إفريقياً»، أو «إسلاماً أسود»، أو «إسلاماً سطحياً»، بسبب تلك الظواهر التي لم يفهمها، أو بسبب بعض المخالفات والمعاصي التي لا يكاد يخلو منها مجتمع إسلامي، من غير أن نجد ذلك التصنيف نفسه في غير إفريقيا، أو ترديداً لبضاعة غربية، فالاستعمار وكتّابه لمّا أرادوا التهوين من أثر الإسلام وحضارته وثقافته في إفريقيا روّجوا لفكرة «إسلام سطحي» و «إسلام أسود»، وهم يقصدون بهما أن إيمان الإفريقي شيء ظاهر يستر وراءه وثنيته القديمة(24)، فتلقف عنهم هذه البضاعة المستغربون والمغرضون من غيرهم.
وهذه الصفة إنما تنطبق على علاقة المسيحية بالوثنية في إفريقيا، فهي التي أخذت بمبدأ تلقيح نفسها بالوثنية والعادات الإفريقية، والخلط بينهما، والتمشّي معهما، وكلّ ذلك أمر واضح في المنطقة، بل أخذت تداهن المسلمين في بعض المناطق الإسلامية بالتخفّي وراء أسماء وألقاب إسلامية قديماً وحديثاً، وذلك بأن يحتفظ مَن يتنصّر من الأسر الإسلامية بأسمائهم الإسلامية، فظهر في السنغال «محمد إنجاي»، وفي مالي «قاسم كيتا»، واستعمل النصارى في بعض المناطق لقب «الحاجّ» المنتشر بين المسلمين وله عندهم مدلولان (ديني واجتماعي) رفيعان(25).
ولو ألغينا جانب الترجمة لتعليم الإسلام، واشترطنا الفهم المباشر لما يُقرأ ويُقال بالعربية، لأخرجنا ملايين المسلمين من الإسلام في القديم والحديث!
ومن غير المعقول أن تكون تلك الأمور التي ذكرها د. الغربي وغيره ظاهرة عامّة في كلّ القرى والبوادي، وفي جميع المراحل، لأن التحوّل العظيم في المجتمع الإفريقي في هذه المنطقة نحو قبول الدين الإسلامي المتسامح في تعاليمه والواضح في مبادئه نتج عنه نمط جديد، يجمع بين القيم الإنسانية الإفريقية السليمة الراشدة وثقافات أبناء المنطقة وحضاراتهم النظيفة وبين النبع الثقافي والحضاري الأصيل للإسلام، فظهرت آثار ذلك كلّه في شتى نواحي الحياة لدى سكان المنطقة(26)، وما كانت مرونة الإسلام في الإصلاح، ولا ملاءمته لكلّ زمان ومكان، ولا تدرّجه في التغيير، استكانةً وضعفاً(27)، ولا نموذجية خاصة بجنس دون جنس، أو مكان دون آخر، وإنما تلك كلّها من وسطية الإسلام وواقعيته وعوامل انتشاره وقوّته.
ثم ألا يكون مردّ وجود ما ذكره إلى طبيعة سكان البوادي في كلّ زمان ومكان، و «الإسلام ليس ظاهرة بداوة في أصله حتى تتركز الأنظار أولا ًعلى البدو، الإسلام ظاهرة حضر واستقرار ينتقل منها إلى البدو»(28)، ألم يقل القرآن الكريم عن سكان البوادي: ﴿الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (97) وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ السَّوْءِ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ (التوبة : 97 – 98)، ثم قال تعالى عن طائفة منهم: ﴿وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ اللّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ (التوبة : 99)، أرأيت كيف شهد الله لهذه الطائفة من فرقة الأعراب بصحة ما اعتقدت، وبتصديق رجائها، وكيف استأنف النّظم القرآني بحرف التنبيه: «ألا» للاهتمام بها ليعيها السامع، وبحرف التوكيد والتحقيق: «إن»، وكلاهما يؤذن بثبات الأمر وتمكّنه، وبإزالة الشك والإنكار، وبالاحتجاج للقضية، وأكّد فوزهم ونجاتهم بـحرف «السين» الذي يفيد تحقيق الوعد، فما أدلّ هذا الكلام بذلك كلّه على رضا الله تعالى عن هذه الطائفة وعن عملها(29)! فكيف نغبنها حقها بهذا التعميم الذي يحصرهم جميعاً في فرقة واحدة؟!
وأين الباحث من المنهج الإسلامي في هذا التقسيم العدل، البعيد عن التعميمات، المراعي للواقع، في قوله تعالى عن الأعراب أيضاً: ﴿وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101) وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ (التوبة: 101 – 102)؟!
لست بحاجة إلى التذكير حول هذه الآيات بالمقولة المجمع عليها «العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب»، كما أن ظهور عادات لا تمّت إلى الإسلام بصلة في تنصيب السلطان أو غيره كان في نطاق ضيّق، وفي طور معين، أو مكان دون مكان، وربما يكون سببها الجهل، أو أنه لم يظهر للقوم رأي الدين فيها في ذلك الوقت، ولا أدلّ على صحة هذا من مسارعة العلماء والسلاطين إلى إنكار البدع والتقاليد التي يظهر لهم مخالفتها للدين الإسلامي، كما هو الحال لـ «أسكيا محمد» وغيره، وكذلك ابنه «أسكيا داود» الذي استجاب لإنكار أحد الفقهاء ظاهرة «التتريب»(30).
يقول آدم عبد الله الآلوري عن ملوك الإمبراطوريات الإسلامية في غرب إفريقيا: «إن أكثر أولئك السلاطين علماء وفقهاء، وإذا لم يكن السلطان نفسه عالماً فقيهاً اتخذ أحد العلماء المبرزين وزيراً يدير له الدولة على وفق الشريعة، ولا بد من هيئة شورية على شكل لجنة الفتوى من كبار العلماء والفقهاء»(31).
وكان السلاطين والملوك يحترمون هؤلاء العلماء والفقهاء، ويزورونهم في بيوتهم، ويستفتونهم، ويشاورنهم في شؤون الدولة وما تتعرض له من أخطار، ويأتمرون بأمرهم(32)، وذكر البكري أن سنغاي (أهل كَوْكَوْ) لا يُملّكون عليهم أحداً من غير المسلمين، وإذا ولي منهم ملك دُفع إليه: خاتم، وسيف، ومصحف(33).
ولو سلّمنا برأي هؤلاء المشوِّهين والمتجاهلين للحقائق فلن يبقى للإسلام تاريخ ناصع في العالم كلّه بعد القرون الثلاثة الأولى؛ لوجود البدع والخرافات والمخالفات الشرعية والعقدية في كلّ المجتمعات الإسلامية على تفاوت وفي أطوار مختلفة، من غير أن نجد تفصيل الإسلام على مقاسها كما يُراد في حال إفريقيا! أوَ لم يكن من عادة المماليك (648ه – 923ه / 1250م – 1517م) إجبار من يدخل على السلطان على الركوع والسجود ثم تقبيل الأرض بين يديه(34)، حتى إن ملك مالي «منسا موسى» (712ه – 737ه / 1312م – 1337م) في طريق حجّه تفادى الدخول على سلطانهم في أيامه كيلا يقوم بذلك، وكثيراً ما توترت علاقاتهم مع غيرهم بسبب هذا التقليد.
وهنا لا يريد بعض الباحثين – مع موازنته بين الأمرين – أن يحرج أحداً بالسؤال «عمّا إذا كان الإسلام قد أخفق في احتواء الذهنية المصرية بسبب هذا التقليد»؟ فيرى القفز على المسألة(35)، فأقول له: إن التنبيه على المنكر لتفاديه أو لإعطاء صورة عن بعض المظاهر والأمراض الاجتماعية المخالفة للشرع مما لا ينبغي فيه التحرّج، بشرط تناولها في إطارها الزماني والمكاني، وعدم التعميم أو التحريف، ولا تخصيص منطقة بها دون أخرى، أو تفصيلها على مقاس جنس دون غيره.
3 – المبالغة في أثر الصوفية:
ومن مظاهر ذلك الجانب التشويهي، الذي يحاول أن يقلّل من شأن الأثر الصحيح والقوي للإسلام في المنطقة، ما يزعمه كثير من الباحثين – في مبالغة – من تأثير الصوفية، كقول أحدهم: «يكاد الانتماء إلى الطريق يكون جزءاً من تديّن الرجل، والتبعية إلى شيخ أو مقدّم من أهل الطريق تعدّ صفة من صفات أي إفريقي مسلم، سواء في الغرب أو الشرق، إلى جانب صفته الرئيسية كمسلم»(36)، ويقول أيضاً: «السنّة تسود غرب إفريقيا، إذ إن جميع سكان غرب إفريقيا سنّيون على المذهب المالكي… كما أن سنّية الناس هناك لا تتعارض مع انتمائهم للطرق الصوفية المختلفة»(37).
وإذا كانت المغالاة واضحة في جعل كلّ سكان هذه المنطقة سنّيين فإن التناقض واضح أيضاً في كلامه، وما ذهب إليه من أن سنّية الناس لا تتعارض مع الطرق الصوفية إنما ينطبق على مفهومه هو لأهل السنّة، وليس المفهوم السائد عند المسلمين في المنطقة، ولا في غيرها، ويدل على ذلك بعض الشخصيات الذين مثّل بهم(38) في الإصلاح الديني والتعليمي بإنشاء مدارس غير مشوبة ببدع الصوفية – كما يقول هو -، والمعروف عنهم الثاني دون الأول.
والأغرب أن الباحث نفسه يذكر فيما بعد(39) الإصلاح العقدي والتعليمي الذي قام به بعض رواد النهضة السنّية الحديثة من قادة الاتحاد الثقافي الإسلامي، والأحداث التي تعرّض لها أهل السنّة في مالي وغيره عام 1957م، وأُحرقت فيها مساجدهم ومساكنهم وممتلكاتهم، فلِمَ وقعت تلك الأحداث إذا كان الأمر على ما وصف؟!
ولا يخفى عليك أن الدافع – هنا – المبالغة في التعميم والعجلة في الحكم من غير تصوّر حقيقي وشامل، استغلالاً لعقل القارئ الذي يجهل تاريخ الإسلام في المنطقة، أو لم يقف على هذه الأحداث، واستناداً إلى زيارة الكاتب لبعض أجزائها في دولة أو دولتين، والانبهار بقوة طائفة في هذا الجزء في طور معين، فيقيس – مع الفارق – ما لم يزره أو يشاهده على ما زاره وشهده ليحكم حكماً عاماً على الإسلام والمسلمين من منطلق دراسة ميدانية، كما سمّاها في مقدمة كتابه، وما هي كذلك، وإلا كيف وقع في المبالغة بجعل كلّ سكان المنطقة سنّيين، والتناقض والخلط في ذلك.
إن الحضور الناصع للإسلام وأثره المنير، والتغيير الكبير الذي أحدثه في الناس دينياً واجتماعياً، وكذلك مظاهر انفعال أبناء المنطقة مع العقيدة الإسلامية عبر تاريخه(40)، والصراعات بين أهل السنّة وغيرهم، وسنّة الله في التدافع، كلّ ذلك يفنّد هذه المقولة التي جاءت نتيجة تأثّر عاطفي بقوة الصوفية ونفوذها في بعض أجزاء إفريقيا في مقابل ضعف غيرها، وفي طور معين من أطوار هذا التاريخ الإسلامي بعد سقوط الممالك الإسلامية وسيطرة الاحتلال الأوروبي، «فقد كانت التربة السودانية أكثر خصوبة في التفاعل مع العقيدة الإسلامية، وأكثر تجاوباً معها، على هذا المستوى ربما يكون السودانيون قد فاقوا غيرهم من المسلمين في بقية الأقطار الإسلامية، وذلك بالنظر إلى الصعوبات والعراقيل الجمّة التي اعترضت مسيرة الإسلام في بلاد السودان»(41).
ثم كيف يكون ما تقدّم حالاً عامّة في كلّ الأطوار، وقد دخل الإسلام المنطقة من أواخر النصف الأول من القرن الأول الهجري، فقال الشيخ أحمد بابا التنبكتي (ت 1036هـ / 1627م): أنه لم يكد يمضي عاماً (60هـ / 679م) حتى كان في مدينة كومبي صالح (عاصمة إمبراطورية غانا) اثنا عشر مسجداً! وقبله ذكر البكري وجود هذا العدد في الجزء الذي يسكنه المسلمون من المدينة، ولهم فيها أئمة وفقهاء وحملة علم، كما أن في مدينة الملك مسجداً يصلي فيه مَن يفد عليه من المسلمين على مقربة من مجلس حكمه، وتولّى بعض التجار المسلمين مناصب إدارية عليا في مملكته، وكان منهم تراجمة الملك وصاحب ماله وأكثر وزرائه(42)، وذكر ابن خلدون (ت 808هـ / 1406م) أنها تتكون من جزأين على حافتي النهر، ومن أعظم مدائن العالم وأكثرها معتمراً(43).
وذكر أن عقبة بن نافع افتتح حوالي (46هـ / 666م) «كاوار» من تخوم السودان(44)، تقع قرب بحيرة تشاد، وأرسل مجموعة من جيشه إلى البربر والملثمين والسودان ليعلّموهم القرآن والفقه.
نقل آدم الآلوري عن الشيخ عبد الله بن فودي (ت 1244هـ / 1828م) أنه تواتر لديهم عن الثقات العلماء دخول الإسلام إلى غربي إفريقيا من القرن الأول الهجري على يد عقبة بن نافع(45).
وزاد أن عقبة لمّا حجزه البحر عن المواصلة غرباً دخل في طريق عودته بلاد «غانا» و «تكرور»، فأسلم على يديه بعضهم، وفي ذلك ما يسوّغ قول ابن فودي، «إذ ليس هناك ما يمنع عقبة من السير صوب الجنوب في بلاد السودان كما منعه البحر من السير صوب الغرب»(46)، وأن من الأمويين الذين هربوا بعد سقوط الدولة الأموية في الشرق مَن «تغلغلوا في بلاد السودان، واختبؤوا بها حتى الممات، وطويت أسماؤهم في سجل النسيان»(47).
فإذا قيل: أفليس من المحتمل أن يكون عقبة وجيشه على طريقة من طرق الصوفية، أو من أرسلهم إلى السودان، أو التجار وهؤلاء الأمويون؟ ونقول: كلا، ولسبب يسير، وهو أن الصوفية لم تكن ظهرت، إذ ظهرت بداياتها في العراق في القرن الثالث الهجري، ولأن الطائفة المنصورة – كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية (ت 728هـ) – هي التي فتحت سائر المغرب، كمصر والقيروان والأندلس وغير ذلك، وكانت في أيامه أقوم الطوائف بدين الإسلام علماً وعملاً وجهاداً عن شرق الأرض وغربها(48)، ومن ثم كيف يمكن القول: «ارتبط انتشار الدعوة الإسلامية في غرب إفريقيا بانتشار الطرق الصوفية»(49)!
4 – حصر فضل التاريخ الإسلامي في المنطقة على الدول العربية:
وقد يحاول كلّ واحد من هؤلاء القوميين العرب حصر فضل التاريخ الإسلامي في المنطقة على الدولة العربية التي ينتمي إليها: المغرب، ليبيا، الجزائر، مصر، تونس… إلخ(50)، يقول أحدهم في مقدمة كتابه: «وأعترف عندما كنت أطوي المرحلة تلو الأخرى في البحث والتنقيب أنني لم أستبعد وازعاً وطنياً أخشى بأن أُتهم بأنه هو الذي حركني أصلاً في عملي هذا»(51).
وصل الأمر ببعض المعاصرين من هؤلاء القوميين إلى القول بالتلازم بين قوة الإسلام وازدهاره في إفريقيا وبين التصاهر مع العرب وهجراتهم إليها وبين ضعفه فيها وعدم مصاهرتهم، ومن ثم انطلقوا لتعليل ضعف الإسلام المعاصر فيها بعدم وجود مصاهرة بين الطرفين، في حين يرى آخر أن الاتصال عن طريق المساكنة والزواج يبدو ضعيفاً(52).
ومهما يكن؛ فالسؤال المهم هو: ما حال الإسلام في العالم العربي نفسه، وقد «كان واضعو لبنات تلك الحضارة علماء أفارقة، على خلاف ما يُشاع من أن انتشار الإسلام كان بفعل عرب أو بربر»(53)، سواء أولئك العلماء الذين تعلّموا في المنطقة، أو أولئك الذين رحلوا في طلب العلم ثم عادوا، أو التجار الذين ينتقلون بين المنطقة وغيرها أو بين أسواق مدنها وقراها استقروا فيها أم لا، إذ هناك فرق بين دخول الإسلام وانتشاره، فالأول يمكن أن يقوم به أي مسلم، والثاني يحتاج إلى معرفة لغات المنطقة لإيصال تعاليم الإسلام إلى أهلها والانتشار في القرى والأرياف لا الاكتفاء بالمدن الحضرية.
يؤيد ذلك عدد العلماء الذي حشده ملك «جني» كي يُعلن إسلامه أمامهم، فقد جعل السعدي العدد 4200 عالم، ويبعد المبالغة عن هذا العدد أن «جني» كانت تتكون مع توابعها من سبعة آلاف قرية، كما ذكر السعدي نفسه(54).
وحيث إن الإسلام للناس كافة فإن تاريخه وحضارته في المنطقة وفي غيرها وسع – ولا يزال – مختلف الأجناس والشعوب، كما أنهم أدلوا فيهما بدلائهم، فذلك من طبيعة الإسلام، وشموليته، وعالميته، وواقعيته.
وتارة يعلّل أولئك القوميون لضعف الإسلام المعاصر في المنطقة بدخوله السلمي إليها، فيقال لهم: فما بال أجزاء العالم الأخرى التي فتحت بالقوة قد ضعف الإسلام فيها، وتارة بدرجة أعلى مما يتصور في إفريقيا! وتارة أخرى يجعلون الحضارة الإسلامية في المنطقة «حضارة مغربية زنجية» و «حضارة مغربية عربية» و «حضارة مغربية أندلسية»، كانت الرغبة في إيصالها إلى مجاهل القارة دافعاً جديداً وقوياً في انتقال الإسلام إلى أبعد الجهات(55).
أرأيت كيف يجعلون إيصال هذه الحضارة إلى مجاهل القارة هو الدافع لانتقال الإسلام إليها، وليس الإسلام هو الذي نقل الحضارة إليها، حتى إنهم يجعلون حلق الشعر وتناول وجبة العشاء من آثار الحضارة المغربية(56)! ونقول: ما المجاهل التي وصلتها الحضارة المغربية لنشر الإسلام، ألم تكن المراكز التجارية والمدن المشهورة هي التي سبق بعضها المغرب إلى الإسلام!
كما صار كثير من الموضوعات والبحوث، ذات الصلة بتاريخ المنطقة وحضارتها، تُرفض الكتابة فيها في الدراسات العليا في بعض الدول، كالمغرب وليبيا مثلاً، ما لم تركز في جانب تأثير هذه الدولة أو تلك – إن حقاً أو باطلاً – في الموضوع المدروس، ولو اقتضى الأمر ليّ الحقائق، بقوة القسم العلمي وكليته وجامعته وسياسة دولته على منهاج الدراسات الغربية التي لا ترتاح إلا لنفي الحضارة عن المنطقة قبل الاحتلال وجيوشه، أو نفي تأثير الإسلام فيه أو تهوينه، وإبراز أثر دول الاحتلال في تاريخها، واستحسان أفاعيله، وإيجاد مسوّغات إنسانية وحضارية وقانونية لها مهما كانت سيئة عقلاً ونقلاً.
ومن المعلوم أن نفي أولئك للحضارة عن إفريقيا قبل الاستعمار يهدف من جانب آخر، يهدف إلى نفي الحضارة الإسلامية فيها، وإلا كيف يستقيم إقرارهم بوجود الإسلام في القارة قبل الاستعمار مع القول: بأنها لم تكن تعرف الحضارة حين احتلوها؟!
ومنهم من علّل لانتشار الإسلام فيها بأنه وجد مجتمعات لا حضارة لها(57)، وعلى مذهب دي لافوس القاضي بـ «إنكار الدور الحضاري للعرب في السودان الغربي، وتفسير كلّ فعاليتهم في المنطقة على أساس استغلالي»(58)، وعلى منهاج القوميين الأفارقة «دعاة الزنجية»(59)، ومعهم بعض علماء الآثار الإفريقيين الذين لا يترددون في عدّ انتشار الإسلام وحضارته احتلالاً عربياً بحدّ السيف؛ قضى على حضارة زنجية إفريقية، أو عدّ عصور حضارته الذهبية في المنطقة امتداداً لحضارة حوض البحر المتوسط الأوروبي… إلخ على الرغم من الأثر القوي والبروز الواضح والمميز للإسلام وثقافته وتاريخه وحضارته في عصور تلك الممالك والإمبراطوريات.
5 – المبالغة في جهد المرابطين بجعلهم الرواد الأوائل في نشر الإسلام بغرب إفريقيا لدرجة طمس جهود غيرهم:
ومن مظاهر التشويه، بسبب أهداف الدارسين ومبتغاهم التي تلّون الحقائق بألوان من الرغائب والهوى، أو المبادئ الوطنية والنظريات السياسية والفلسفات الفكرية التي اعتنقوها، جهد المرابطين المغالى فيه من قِبل كثير من الدارسين، بجعلهم الرواد الأوائل في نشر الإسلام بغرب إفريقيا، لدرجة طمس جهود غيرهم ممن سبقهم أو عاصرهم أو جاء بعدهم، كما فعلت الدكتورة عصمت دندش في كتابها (دور المرابطين في نشر الإسلام في غرب إفريقيا)(60)، بل محو الوجود الإسلامي في المنطقة الذي سبق المرابطين بأربعة قرون.
والمرابطون إنما ظهروا عام 434هـ، أي في أواخر المرحلة الأولى لانتشار الإسلام في غرب إفريقيا، وهو ما بين (20ه - 443هـ) حسب تقسيمات بعض الدارسين(61)، وكان استيلاؤهم على مدينة «أودفيست» الغانية عام 447هـ(62)، «ولقد كان للثقافة الإسلامية العربية أثر واضح في حكومة غانا القديمة قبل دخول المرابطين، فالمسلمون هم الذين كانوا يعرفون القراءة والكتابة، لذلك كانوا يساعدون الملوك الوثنيين… فهذا أكبر دليل على انتشار الثقافة الإسلامية، فإذا كان هذا هو الحال قبل استيلاء المرابطين عليها؛ فمن المتوقع أن تتوسع تلك الثقافة، وتنتشر بعد أن أصبحت مملكة غانا إسلامية»(63).
وصل الغلو إلى الزعم بأن الالتزام الشديد بتعاليم الإسلام في السودان الغربي، كأداء فروض الشريعة إلى أبعد الحدود، والمواظبة على الصلوات في الجماعة، وضرب الأولاد عليها، وازدحام المساجد بالمصلين، والحرص الشديد على حفظ القرآن، واستفتاء الفقهاء، والأمان في المساجد، الالتزام بكلّ ذلك – كما ترى الدكتورة – من نتائج التزام السودان بتعاليم زعيم المرابطين عبد الله بن ياسين (ت 451هـ / 1059م)، حتى بعد قرنين من عصر المرابطين(64).
فهل هذه الأمور جديدة نزل إليهم بها الوحي، وبم كان سكان المنطقة يلتزمون من تعاليم الإسلام قبل ابن ياسين؟! ثم كيف نعلّل التزام المسلمين بهذه الأمور في أجزاء العالم الإسلامي الأخرى التي لم يصلها تأثير المرابطين؟! وكيف يصح ذلك وقد كان لبرقة والقيروان الدور الأساس في انتقال التأثيرات الإسلامية إلى هذا الجزء من بلاد السودان؟! إذ كانت تربطهما بـ «كوكيا»(65) طريق صحراوي مروراً بـ «تاد مكة»(66)، فكان الفقهاء والدعاة يرتادونها، لذلك كلّه كان طبيعيأ أن يعتنق أهل سنغاي الإسلام قبل غيرهم من السودانيين والطوارق(67)، وقال المهلبي (ت 380هـ) فيما نقله عنه ياقوت الحموي (ت 626ه / 1229م): «إن الإسلام انتشر بين أكثر أهل كَوْكَوْ (سنغاي) – وهم أمّة من السودان – وأصبح ملك البلاد يظاهر رعيته به، وجميعهم مسلمون»(68).
يقول أحد الباحثين: «ففي الوقت الذي تمّ فيه تحوّل (صنهاجة) للإسلام في القرن (3هـ / 9م) – كما أخبرنا ابن خلدون – كان دعاة إفريقيا وفقهاؤها – المالكيون وغيرهم من أصحاب المذاهب الأخرى – يمارسون نشاطهم بين بلاد كَوْكَوْ»(69).
6 – محاولة حصر معاناة المسلمين في المنطقة في قبيلة أو شعب:
ومثل ذلك الغلو: محاولة حصر معاناة المسلمين في المنطقة بمكايد أعدائهم داخلياً وخارجياً في قبيلة أو شعب، كما أراد أبو بكر عبد القادر سيسي في بحثه بمجلة البيان(70)، وفيه طمس لعدة حقائق(71)، ومبالغات لا ينبغي أن نقع فيها مهما أردنا تصوير المعاناة، عافى الله جميع المسلمين منها في كلّ مكان.
فمثلاً ما تعرّض له المسلمون في أحداث ليبيريا وسيراليون لم تطل أبناء «الماندغ» فقط، وبخاصة سيراليون – كما أراد الكاتب أن يصوّره(72) -، فأين «الفلاتة» وغيرهم من القبائل الإسلامية فيها، بخلاف ساحل العاج الذي يغلب فيه المسلمون من «الماندغ»، مع أنه قد عانى فيها – أيضاً – وثنيون، كما هو حال الكثير من جالية الموسي من بوركينافاسو، والهوسا أكبر تجمع بشري في غرب إفريقيا، وليس «الماندغ»، فهم في نيجيريا وحدها يقاربون خمسين مليوناً أو يزيدون، وهل صحيح «أن الشعب المضطهد كلّهم مسلمون»(73)؟! لا يمكن التصديق بوجود مثل هذا الشعب على وجه الأرض!!
ثم أين نسبة الوثنيين والنصارى منهم في كلّ الدول التي يوجدون فيها؟ وماذا عن أبناء هذا الشعب الذين تواطؤوا مع الآخرين في اضطهاده، وخصوصاً في ساحل العاج، وماذا عساهم أن يكونوا؟ وهل صحيح أن بين لغة «الماندغ» وبين الإسلام «التلازم الشرطي المنعكس في إفريقيا الغربية، ومن ثم معلوم بديهة أن تقليل نسبة الناطقين بهذه اللغة معناه مباشرة تقليل نسبة المسلمين في إفريقيا الغربية»، إن كان مثل هذا ممكناً – ولا يبدو كذلك – أفليست اللغة العربية أولى به، إذ بها المصادر الأولى للتعاليم الإسلامية، ولا يتم أداء بعض فروض الإسلام إلا بها؟!
أنا على يقين أنه لو تناول غيره من قبيلة أخرى – ممن ينظر هذه النظرة الضيقة -، وينطلق من هذه العاطفية، لحصر ما ذكره في غير قبيلة «الماندغ»، مثل «الفلاتة»، و «السنغاي»، و «السونينكي» (وهي مع الماندغ)، و «الهوسا»، و «صوصو»، و «الولوف»، أبرز شعوب الإسلام في المنطقة.
ثانياً: أسباب هذا التشويه ودوافعه:
1 – جهل كثير من أبناء الإسلام بالحضارة الإسلامية في المنطقة:
والجهل بدور شعوبها في الحركة الإصلاحية والعلمية والثقافية، وعلاقاتها السياسية والدينية والاقتصادية بالعالم الخارجي في القرون الوسطى الأوروبية إلى سيطرة الاحتلال الأوروبي على المنطقة
وبعض مَن يهتم بها ينظر إليها بعين العدوّ، ويتزود بمعلوماته المشوّهة على أنها مسلّمات أو بدهيات لا تحتاج إلى تمحيص وتحقيق، ذلك العدوّ الذي لا يزال ينقب في الأرض عسى أن يعثر على آثار فيها إيماءة إلى أسبقية المسيحية إلى المنطقة، أو إلى عدم التأثير الإسلامي فيها، ولا يتورع عندما تضيّق الأدلة التاريخية والنقلية عليه الخناق عن وَسْم الإسلام فيها بنحو «إسلام أسود»، أو «إسلام سطحي».
وقد يعتمد ذلك المهتم على تقارير عجلى من زيارات خاطفة لا تستند إلى سند معرفي صحيح في تاريخ الإسلام بالمنطقة، ولا مخالطة قوية للمسلمين، وقد تقتصر الزيارة فقط على جزء من مدينة أو مسجد أو مدرسة إسلامية، أو على لقاء بعض المسلمين الذين قد يقدّمون لهم صورة الإسلام في البلد من وجهة نظرهم فقط، وقد تتوافق هذه الزيارة مع مناسبة معينة لطائفة تقوم على بدع وخرافات ومخالفات دينية، ومن ثم يصدر الزائر حكماً عاماً مبرماً على الإسلام والمسلمين جميعاً.
والغريب مع هذا كله أن هذه التقارير العجلى قد يُنظر إليها على أنها بحوث علمية منقّحة، أو دراسات ميدانية، ثم تُستغل كوثائق إدانة لا تحتاج إلى تثبّت وتبيّن وتدقيق.
2 – ما يسود وسائل الإعلام من تشويه متعمّد للقارة بتصويرها – كلّها – بصورة غابة:
ومما وطّد ذلك الجهل المعاصر ما يسود وسائل الإعلام من تشويه متعمّد للقارة بتصويرها – كلّها – في صورة غابة من المرضى عقلياً وجسمياً وحضارة وثقافة ومعيشة، أو غابة للمتقاتلين لأتفه سبب، ولسان الحال يقول – في مقدّمة سهلة -: إذا كان هذا شأنهم في القرن العشرين أو الحادي والعشرين فما عسى أن تجد عنهم في القرون الأوروبية الوسطى؟! وتكون النتيجة الحتمية لهذه المقدّمة: عليك بعالم غير إفريقيا.
قريب من السبب السابق ما تجده لدى بعض القوميين العرب المعاصرين من التجاهل بمحاولة إنكار وجود أية علامة للحضارة في المنطقة قبل مجيء الإسلام وقيام إمبراطورياتها فيها شأن بعض الغربيين، إما جهلاً، أو محاولة لطمس فضل ودور أبنائها، يقول د. صالح أبو دياك: «من الواضح أن مصادر التاريخ الإفريقي لجنوب الصحراء الكبرى قليلة، نظراً لتأخر انتشار الحضارة في هذا الجزء من العالم»(74).
واذا كان أبو القاسم بن حوقل البغدادي (ت 379هـ / 988م) ذكر – كما نقل عنه د. أبو دياك – أن سكان السودان الغربي مهملون، لا يستحقون إفراد ممالكهم بما ذكر به سائر الممالك(75)، فقد قال بنقيض قوله تماماً مَن قبله، ومَن عاصره، ومَن جاء بعده، ففي العصور التاريخية المختلفة ظهرت في ربوع تلك القارة عشرات من المجتمعات الإنسانية التي كانت لها حضارات وثقافات مختلفة، ولكنها حضارات إفريقية الأصل والجذور، ويمكن دراستها دراسة تحليلية لمقارنتها بالحضارات الأخرى القديمة التي كانت تزاملها في الزمان، وان اختلفت معها في المكان(76).
واليعقوبي أبو العباس أحمد بن أبي يعقوب إسحاق بن جعفر الكاتب العباسي (ت 284هـ)(77) في حديثه عن ممالك السودان الغربي التي كوّنها الأفارقة في غرب إفريقيا، وعن عظم شأنها وقوتها(78)، يقول عن سنغاي: «ثم مملكة الكَوْكَوْ (والكوكو اسم المدينة)، ودون هذه عدة ممالك يعطونه الطاعة، ويقرّون له بالرئاسة على أنهم ملوك بلدانهم»، ولمّا أحصى ثماني ممالك – منها مملكة صنهاجة وأورور، ووصف بعضها بأنها واسعة – أضاف: «فهذه كلها تُنسب إلى مملكة الكَوْكَوْ… ثم مملكة غانا، وملكها – أيضاً – عظيم الشأن، وفي بلاده معادن الذهب، وتحت يده عدة ملوك»(79)، وأشار إلى مملكة مالي، ولم يذكر عنها شيئاً(80).
ويذكر معاصر ابن حوقل؛ المسعودي: أبو الحسن علي بن الحسين بن علي (ت 349ه / 957م) أن السودان «بعد تجاوزهم نيل مصر، وتفرقهم في الأرض، سار فريق منهم نحو المغرب (أي غرب إفريقيا) وهم أنواع كثيرة… وكَوْكَوْ، وغانا، وغير ذلك من أنواع السودان»(81).
وقد ورد مثل هذا عن الإدريسي أبو عبد الله محمد بن محمد (ت 65ه)(82)، ونقله القلقشندي أبو العباس أحمد بن علي (ت 821ه / 1418م) عن صاحب الروض المعطار(83).
وكلّ ذلك يردّ – أيضاً – على ما زعمه الحسن بن محمد الوزان (ت 957ه / 1550م) من أن المؤرخين والجغرافيين القدماء – أي الذين سبقوه، وكتبوا عن إفريقيا أمثال: البكري، والمسعودي – لا يعرفون شيئاً عن بلاد السودان ما عدا الواحات وغانا، وأن هذه البلاد اكتشفت عام 380ه – باعتناق «لمتونة» البربرية وكلّ «ليبيا» للإسلام(84).
3 – أهداف الدارسين التي كثيراً ما تصوّر التاريخ بتصورات تتوافق مع تصورات مسبقة خدمة لأهداف محدّدة معلومة:
من أسباب ذلك التشويه أهداف الدارسين ومبتغاهم التي كثيراً ما تلوّن الحقائق بألوان من الرغائب، فتصوّرها تصويراً يتوافق مع تصورات مسبقة خدمة لأهداف محدّدة معلومة، «هي عند أصحاب النوايا الخبيثة خطة مدروسة، ومناهج مرسومة، نابعة من قلوب تطفح بالبغضاء للإسلام وأهله وشعوبه وأرضه، ابتغاء تشويه الفكر الإسلامي وتطبيقه في ماضيه»(85).
أو ينطلق بعض الدارسين من مبادئ وطنية للدولة التي ينتمي إليها، ومن نظريات سياسية وفلسفات فكرية اعتنقها، ويريد تفسير أحداث التاريخ بها، وما أكثر ما تجد في هذا من الغرائب المضحكة المبكية، ومن الأحكام المسبقة، وليّ الحقائق الثابتة، قال د. زبادية عن أمثالهم: «في الواقع كثيراً ما تمكّنت في توجيههم مآرب أو مبادئ معينة، فجاءت أبحاثهم لا تقنع الباحث النزيه»(86).
هذا إن لم تشوّه التاريخ وحقائقه – مثلاً – مسوّغات الغزو المغربي لإمبراطورية «سنغاي الإسلامية» في غرب إفريقيا عام (999ه / 1590م)، فليست المسوّغات التي ذكرها د. عبد الهادي التازي عاطفية فحسب، وليست التفسيرات التي قدّمها اتباعاً للهوى وليّاً للحقائق فقط، بل وصلت إلى درجة التشكيك في الهدف الحقيقي من أداء الناس لفروض دينهم كالحج، إذ جعل الهدف الحقيقي لحجّ الملك «أسكيا محمد» سياسياً، يتمثّل في الحصول على لقب «خليفة على السودان» من الخليفة العباسي(87)!
فكأن الحجّ لا يكون خالصاً لله إلا إذا كان من شخص عادي مغمور، أو كأنّه لمّا ينزل قوله تعالى: )وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26) وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ( (الحج : 26 – 28).
وتارة يجعل د. التازي تعميق الشعور العربي في المنطقة آثاراً إيجابية لهذا الغزو، ومن مسوّغاته لذلك الغزو: تخوّف المغرب من تدخّل أجنبي أعجمي – يقصد الدولة العثمانية – في المنطقة، وتثبيت العلاقات العربية الإفريقية(88)، في حين يتغافل عن الوثائق المغربية التي أفادت التعاون بين منصور الذهبي (1578م – 1603م) وبين ملوك إسبانيا وبريطانيا والبرتغال على إسقاط إمبراطورية (سنغاي الإسلامية)، وعن الهدايا التي أغدقوه بها، ويتجاهل أن معظم قواد هذا الجيش إسبان، إما نصارى، وإما يهود متنصِّرون، ودلّت في الواقع على التوطيد لمرتزقة أوروبيين إسبان تلك حالهم(89) .
تأمل أيها القارئ! تصوير شيخ الإسلام ابن تيمية لنفوذ النصارى في المغرب قبل هذا الغزو بأكثر من قرنين ونصف ليزول عنك الاستغراب، ففي وصف أحوال العالم الإسلامي في أيامه، وبعد ذكر اليمن والحجاز وشمال إفريقيا، يقول: «وأما المغرب الأقصى؛ فمع استيلاء الإفرنج على أكثر بلادهم لا يقومون بجهاد النصارى هناك، بل في عسكرهم من النصارى الذين يحملون الصلبان خلق عظيم»(90).
ولقد أخذت إسبانيا تهتم بـ «تنبكتو» و «غاو»، وبباحثي تاريخ المنطقة، من أبنائهما خاصة، كي يُعنوا بتاريخ أولئك، بل تبنّت أحدهم، وهو «إسماعيل جاجي حيدرة» الذي يعيش فيها، ووفّرت له كلّ الوسائل ليكتب بالإسبانية بحوثاً ودراسات تتعلق بهم – إن حقاً أو باطلاً – وبتاريخهم في الأجزاء الشرقية والشمالية من مالي(91)، والتي يزورهما (أي الأجزاء الشرقية والشمالية) في السنة آلاف السياح الإسبان وغيرهم من الأوروبيين والأمريكان.
في آخر سفر لي إلى هذه المدينة الغالية «تنبكتو» صيف عام 2000م، وفي رحلة العودة بالسيارة إلى مدينة دونزا، على بعد مائتي كيلو متراً على الطريق المعبّدة التي تربط جنوب مالي بشمالها، وشرقها بغربها، وما أدراك ما في السفر بالسيارة إلى هذه المدينة التي أصبحت كأنها «جزيرة برية»! إن السفر إليها إذا لم يتمّ جواً – رحلتان في الأسبوع – فيا لها من معاناة، ومشقّة سفر مضاعفة نفسياً وبدنياً! فكلّ الطرق البرية إلى هذه المدينة العزيزة صحراوية بمعنى الكلمة، ودليلك الخبير بها آثار السيارات.
أما السفر إليها عبر نهر النيجر فلا يمكن إلا في أغسطس إلى نهاية السنة – غالباً –، ومع ذلك كلّه ترى وفود السياح الغربيين إليها بالآلاف في رحلات برية، وفي حرّ الصيف والرياح الموسمية الحارة المصحوبة بالغبار في أغلب الأوقات، وأحياناً بأمطار موسمية تسقي الزرع، وتزيد ماء النهر، وتلطف الجو والنفس وعناء استنطاق التاريخ، وقد تعفي رسوم الطريق السالكة.
كان معنا في هذه الرحلة بعض السياح الإسبان، فذكروا لنا أن إسبانيا تعدّ لأن يزور «تنبكتو» في عام 2001م ثلاثة آلاف سائح إسباني، فلما استكثرنا هذا العدد، وسألنا عن السبب، جاء الجواب: لاستعادة ذكريات أجدادهم الذين استولوا على هذه المنطقة، وكوّنوا في هذه المدينة مرتكزاً لسيادتهم قبل الاستعمار الفرنسي.
ثم أنعم النظر في التنافس الأوروبي والأمريكي – بل تعصبهما – ليكون لكلّ واحد منهما أي أثر تاريخي في هذه المنطقة الإسلامية، وبخاصة هذه المدينة التاريخية العلمية، مع التنقيب عن أثارة من علم يومئ إلى ذلك، حيث توجد في هذه المدينة بيوت كُتب على أحدها: «هنا سكن أول بريطاني وصل إلى تنبكتو عام 1242هـ / 1826م، ودفع حياته ثمناً لتنبكتو»، وفي الواقع لم يدفع حياته ثمناً لهذه المدينة بل قُتل لأنه خالف العادات والتقاليد الإسلامية، وبيت آخر كُتب عليه: «هنا كان يسكن أول فرنسي وصل إلى تنبكتو عام 1828م»، أي عام 1244هـ، دخلها عن طريق موريتانيا بعد أن تسمّى بـ «عبد الله»، ولبس لباس المسلمين كيلا يناله ما نال البريطاني قبله.
فلِمَ لا يعرف الأمريكيون المكان الذي نزل فيه أول أمريكي زار المدينة عام 1905م! وهكذا جاؤوا ووضعوا لافتة على أحد الأماكن البارزة والمهمة، وكتبوا عليها: «هنا مرّ أول أمريكي دخل تنبكتو»، وكان دخلها آتياً من الجزائر.
أرأيت كيف التعصب لمجرد ورود إشارة إلى أي أثر أو أثارة من علم عنه! أرأيت كيف أن مجرد المرور بها مدعاة إلى الاهتمام والفخر ونوع من إرضاء الغرور! فكيف بإسبانيا التي لا يخلو كتاب تاريخ عن المنطقة من ذكر جهود الإسبان في إسقاط إمبراطورية «سنغاي الإسلامية» على يد الجيش المغربي!
أما د. زبادية فقد جعل حجّ «أسيكا محمد» سياحة استطلاعية، الغرض منها: اكتساب خبرات بالاطلاع على أحوال ممالك الشرق وطرق تسييرها، وضمان الأمور المعنوية من وراء الحجّ في أعين شعبه(92)، والحق أنه «ليس بغريب على الرجل أن يستهدي بتعاليم الإسلام في نظم حكمه، فقد كان مسلماً مخلصاً، وتقياً ورعاً، وأمعن في إحاطة نفسه ببطانة من العلماء، يأكلون ويشربون معه، ويستشيرهم في كلّ الأمور عن رأي القرآن والسنّة، حتى أصبحت هذه السياسة الإسلامية سياسة مقرّرة لخلفائه»(93).
وأما د. علي القاسمي فقد ضرب بعرض الحائط الأسباب الحقيقية(94) التي تحدّث عنها نخبة – كما يقول هو – من الباحثين المتخصصين المرموقين، «قدموا من إسبانيا وأمريكا وبريطانيا وكندا ومصر، ومن البلاد الإفريقية المعنية: السنغال، وغينيا، والكاميرون، ومالي، وموريتانيا، والنيجر، ونيجيريا، إضافة إلى باحثين وأساتذة من عدد من الجامعات المغربية»، قدموا للمشاركة في ندوة دولية بمراكش، أقامها معهد الدراسات الإفريقية بجامعة محمد الخامس في 23-25 أكتوبر 1992م، لا يجمعهم سوى البحث عن الحقيقة، ولا يمكن تواطؤهم على الكذب، لكن تجاهل الحقائق، أو تلوينها بالرغائب والهوى وبالمبادئ الوطنية والقومية، يُعمي.
يقول حماه الله ولد السالم: «الممالك السودانية المسلمة في غرب إفريقيا – إمبراطورية مالي، ثم مملكة سنغاي – كانت تشرف سياسياً على الأجزاء الجنوبية الشرقية من موريتانيا الحالية وأحوازها»(95)، فما الدولة التي كانت مسؤولة عن الجوانب الدينية، والإدارية الاجتماعية، والاقتصادية، وأين مملكة غانا، وقد كانت عاصمتها وأبرز مراكز قوتها في موريتانيا الحالية؟ استمع إليه يحدّد لك «المجال الشنقيطي»: «نعني بالمجال الشنقيطي: منطقة أوسع من الحدود السياسية لموريتانيا اليوم، حيث تشمل عدة مناطق من غرب الصحراء الكبرى، يشترك سكانها ونخبها العلمية مع مختلف مناطق موريتانيا الحالية في اللغة، والتقاليد والعادات، والمؤثرات التاريخية الواحدة، وهذه المحددات تمثّل «فضاءً ثقافياً»، أصبح سكانه يعرفون بالشناقطة، نسبة إلى بلادهم التي تُعرف باسم «بلاد شنقيط»، ثم رسم خريطة وهمية لهذا المجال»(96).
لكن ماذا عن الجماعات الأخرى التي يجمعها الإسلام، ثم لكلّ جماعة لغتها والمحددات التي ذكرتها، كسنغاي، والطوارق، والفلاتة، والسونينكي (السراكولي)، علماً بأن الأخيرتين تكوّنان نسبة كبيرة في موريتانيا الحالية، والسونينكي – كما تقدّم – هي التي أسّست مملكة غانا، وكان مركزها معظم أراضي موريتانيا الحالية.
ثم إنّ الشناقطة – ويقصد بها المجموعة العربية: الحسانيين والكونتا(97) – نسبتهم قليلة في مناطق مالي والنيجر والسنغال التي جعلها ضمن «المجال الشنقيطي» قديماً وحديثاً، ففي هذه المناطق من مالي والنيجر يغلب سنغاي ثم الطوارق، وفي مناطق السنغال وجنوب موريتانيا يغلب السونينكي والفلاتة.
أما الإقليم في جنوب الصحراء الجزائرية (توات)؛ فأستغرب جعله فقط ضمن «المجال الشنقيطي»، متجاهلاً غيره من أقاليم الجنوب الجزائري على الأقل(98)، لعلّه أدرك أن غالبية سكانها من الطوارق، وهم البربر في الجزائر والمغرب.
ويقول: «خضعت عدة مدن شنقيطية، مثل: ولاتة وتنبكتو، لإمبراطورية مالي، ثم لوريثتها مملكة السنغاي، قبل أن تنهار الأخيرة أمام الزحف المغربي المظفّر على تنبكتو سنة 1591م»(99).
سأكتفي بإحالته هو والقارئ الكريم على ما تقدّم من مصادر ومراجع(100)، للتأمل في الأسباب الحقيقية لما سمّاه: «الانهيار أمام الزحف المغربي المظفّر»، وفي آثاره السيئة على المنطقة دينياً واجتماعياً وثقافياً وسياسياً واقتصادياً، ثم أقول: إذا كانت مدينة شنقيط قد تأسّست – كما يقول هو – عام (660هـ / 1261م)(101)؛ فأين كان الشناقطة قبل هذا التاريخ، وكيف تكون ولاتة وتنبكتو من مدن شنقيط، وكلتاهما أقدم منها، وقد تأسّست الأولى من القرن الأول الهجري تقريباً، والأخرى عام (480هـ / 1087م)؟!
وإمعاناً منه في الغبن يزعم أن ركب الحاج الشنقيطي كان عشوائياً في ظلّ تلك الممالك السودانية الإسلامية(102)، وأوقع نفسه في التناقض والغبن حين قال: «إن أول من حجّ من أهل مدينة شنقيط – حسب الروايات المحلية – هو جدّ الفقيه الشنقيطي أحمد بن أحمد بن الحاج العلوي، الملقّب «أكَد الحاج» (ت 1086هـ / 1675م)»(103)، أي بعد سقوط آخر تلك الممالك والإمبراطوريات!! أيعقل هذا من مدينة تأسّست في التاريخ المذكور آنفاً، وفي ظلّ ممالك إسلامية متوالية، ينطلق منها ركب الحجّ في اتجاهات مختلفة ومن جميع شعوبها، وشهد بذلك القاصي قبل الداني، والعدوّ قبل الصديق! أجزم أنك ظلمت أهلها في أحد أركان دينهم، كما ظلمت التاريخ الإسلامي في المنطقة، لكنه نتيجة السعي في الغبن، فهو يعمي عن الحق، نسأل الله العفو والعافية!
وفي الختام:
تلك نبذ مهمة من مظاهر الجانب التشويهي المختلفة لتاريخ الإسلام في غرب إفريقيا ولأثره في الإصلاح الديني والاجتماعي والثقافي والحضاري، والدوافع المتنوعة إلى هذا التشويه من قِبل مثقفين غربيين ومن تأثر بهم من أبناء المنطقة وغيرهم، ودعاة الزنجية، والقوميون العرب… إلخ.
اقترنت تلك المظاهر والدوافع بالردّ على الشبهات، وتفنيد حجج المغرضين، وكشف أباطيلهم، وتبيين الحقائق ودعمها بالأدلة، فذهب الزبد جفاء، وبقي ما ينفع الناس والدين والتاريخ والحضارة، حيث تأكّد أثر الإسلام القوي في حياة شعوب المنطقة من جميع النواحي منذ دخلها في النصف الأول من القرن الأول الهجري، وزرع بذرته في أرضها الخصبة، فنمت واستوت على سوقها، وبرز جهود شعوبها في انتشار الإسلام وترسيخ قدمه فيها، فأغاظ الكفار والمنافقين والحاقدين، فرموه عن سهم واحد، لكنّ الله سلم وثبّت.
وحيث إن مجتمعها لم يكن ملائكياً – وحاشاه -؛ فقد كان يعكّر طوائف صفوه في أطوار وأماكن مختلفة، بسبب ضعف الوازع والنازع الدينيين، فالأول يبعث على ملازمة الشرائع، والآخر يمنع من مخالفتها، وضعفهما، في أي وقت ومكان وعند أي جنس، يعني وقوع بعض أفراده في المعاصي والمخالفات الشرعية بدرجات متفاوتة، وبقاء الكثرة على الحق، فمن الإجحاف أن يصير الإسلام بذلك «نموذجاً إفريقياً» أو «إسلاماً سطحياً» لم يحدث تأثيراً أو إصلاحاً، كما يريد له أولئك القوم على اختلاف دوافعهم، فتلك سنّة الله في خلقه، ولو شاء ربّك لجعل الناس أمّة واحدة على قلب أتقى رجل، لكن لله في خلقه شؤون، وللناس في النظر إلى إفريقيا عيون، يعلو كثيراً منها غشاوة، وقلوب يرين عليها الهوى، وعقول لا تقودها البصيرة، وأقلام تسيل بالباطل.
فالحمد لله الذي بنعمته تتمّ الصالحات، وصلّى الله وسلم على نبينا محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
الإحالات والهوامش:
(1) انتشار الإسلام في غرب إفريقيا حتى القرن السادس عشر الميلادي، د. عز الدين موسى، ص 44، ضمن بحوث ندوة العلماء الأفارقة ومساهماتهم في الحضارة العربية التي نظمتها في الخرطوم المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم بالتعاون مع جامعة أم درمان الإسلامية، 28 – 30 يوليو / تموز عام 1983م.
(2) الإسلام والمجتمع السوداني إمبراطورية مالي، أحمد الشكري، ص 32 / هامش 46، المجمع الثقافي، أبو ظبي، ط 1 – عام 1420ه / 1999م.
(3) انظر: الملامح المغربية في الثقافة الإفريقية خلال القرن السادس عشر، ص 174، مجلة دعوة الحق (المغرب) – عدد 283 جمادى الأولى والآخرة، عام 1409هـ / يناير 1989م، للدكتور محمد العزبي.
(4) انتشار الإسلام في غرب إفريقيا حتى القرن السادس عشر الميلادي، ص 44 – 45 ، 48.
(5) مملكة (سنغاي) في عهد الأسقيين، ص 81.
(6) انظر: تاريخ السودان، للسعدي، ص 12.
(7) انظر: انتشار الإسلام في غرب إفريقيا، ص 49 – 50، والإسلام والمجتمع السوداني، ص 99 – 100.
(8) انظر: المغرب في ذكر بلاد إفريقيا والمغرب، ص 178، مكتبة المثنى، بغداد، دون ت، ن.
(9) انظر: دور فقهاء الإباضية في إسلام مملكة (مالي) قبل القرن الثالث عشر الميلادي، د. أحمد الياسين حسين، ص 95، من بحوث: ندوة العلماء الأفارقة ومساهماتهم في الحضارة العربية الإسلامية.
(10) انظر: دور فقهاء الإباضية، ص 91، 98، وانظر: القصة في: المغرب في ذكر ميلاد إفريقيا والمغرب، ص 178، ودور فقهاء الإباضية، ص 95، و 103 ملحق 3، والثقافة العربية الإسلامية في الغرب الإفريقي، عمر محمد باه، ص 145 – 146، مؤسسة الرسالة، ط 1 – عام 1423هـ / 1993م.
(11) ومن مصادر الدرجيني أحمد بن سعيد بن سليمان (ت 670هـ / 1217م) الذي حدّد التاريخ لسنة (575هـ / 1179م)، وفي روايته أن كلّ أهل المملكة مشركون، انظر: نصّه في: دور فقهاء الإباضية ص 102 ملحق 2، فإذا كان البكري أقدم من الدرجيني الذي جاءت روايته في القرن السابع الهجري موافقة لمذهبه الإباضي ومتناقضة مع وصول الإسلام إلى كلٍّ من غانا ومالي منذ القرن الأول الهجري، أفلا تكون هذه وغيرها مطعناً في صدق نقله؟!
(12) انظر: حركة التجارة والإسلام، ص 76 – 79.
(13) انظر: الإسلام والمجتمع السوداني، ص 226 ، 227.
(14) أسكيا الحاج محمد وإحياء الدولة الإسلامية للسنغاي، د. فاي منصور، ص 73، رسالة دكتوراه من قسم التاريخ والحضارة، كلية اللغة العربية، جامعة الأزهر، عام 1408هـ / 1988م.
(15) انظر: المرجع نفسه، ص 73 ، 179.
(16) الملامح المغربية في الثقافة الإفريقية خلال القرن السادس عشر، ص 173، مجلة دعوة الحق (المغرب)، وانظر: مملكة (سنغاي) في عهد الأسقيين، د. عبد القادر زبادية، ص 135، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر، بدون.
(17) انظر: الشيخ عثمان بن فودي والحضارة العربية الإسلامية في الإقليم الشمالي (لجمهورية نيجيريا الاتحادية)، د. محمد أحمد الحاج، ص 339 (ضمن بحوث ندوة العلماء الأفارقة)، جعل هذه الفئة في المرتبة الثانية بعد الوثنيين الأصليين الذين بقوا على الوثنية، وآخرهم الذين اعتنقوا الإسلام دون أي خلط بينه وبين غيره.
(18) الإسلام والمجتمع السوداني، ص 230، وانظر: ص 134.
(19) حركة التجارة والإسلام، ص 203.
(20) انظر: حركة التجارة والإسلام، ص 149، وإفريقيا الغربية في ظل الإسلام، نعيم قداح، ص 29.
(21) انظر: دولة مالي الإسلامية، د. إبراهيم طرخان، ص 52، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1393هـ / 1973م، وحركة التجارة والإسلام، ص 203، وقارن بين ما ذكره هنا وبين ما ورد في ص 149، 150.
(22) انظر: إفريقيا الغربية في ظل الإسلام، ص 95.
(23) حركة التجارة والإسلام، ص 149، وانظر: ص 150.
(24) انظر: إفريقيا الغربية في ظل الإسلام، ص 111.
(25) انظر: الإسلام في الدولة العلمانية مالي، الشيخ شرينو هادي عمر تيام، ص 107، 108، ط 1 عام 1414هـ / 1993م، بماكو / مالي. ولقب «الحاج» في القاموس الديني والاجتماعي بغرب إفريقيا، لكاتب هذه السطور، مجلة الحج والعمرة (جدة) سنة 58 – عدد 11 ذو القعدة 1420هـ / ديسمبر – يناير 2003م – 2004م، ص 51.
(26) أسيكا الحاج محمد، ص 176.
(27) انظر: انتشار الإسلام في غربي إفريقيا، ص 58.
(28) مجلة دراسات إفريقيا، المركز الإسلامي الإفريقي، وعدد 1 رجب 1405هـ – أبريل 1985م، ص 37، بحث: الأصالة التاريخية للعلاقات العربية الإفريقية في غرب إفريقيا، البروفيسور عثمان أحمد.
(29) انظر: تفسير الكشاف للزمخشري، (2 / 169)، مكتبة المعارف بالرياض، بدون.
(30) انظر: أسكيا الحاج محمد، ص 74، والإسلام والمجتمع السوداني، ص 232.
(31) الإسلام في نيجيريا والشيخ عثمان بن فودي الفلاني، ص 74، ط 4 عام 1398هــ / 1978م
(32) انظر: تجارة القوافل بين المغرب والسودان الغربي وآثارها الحضارية حتى القرن السادس عشر الميلادي، د. الشيخ الأمين عوض الله، ص 97، تجارة القوافل ودورها الحضاري حتى نهاية القرن التاسع عشر الميلادي (مرجع سابق)، وإفريقيا الغربية في ظل الإسلام، ص 175.
(33) انظر: المغرب في ذكر بلاد إفريقيا والمغرب، ص 183.
(34) انظر: مسالك الأبصار في ممالك الأمصار (الباب السادس)، أحمد بن يحيى العمري، دراسة وتحقيق دوروتيا كرافولسكى، ص 107، 109، المركز الإسلامي للبحوث، بيروت، عام 1986م.
(35) الإسلام والمجتمع السوداني، ص232 ، وانظر: 231.
(36) المد الإسلامي في إفريقيا، محمد جلال عباس، ص 75، المختار الإسلامي، القاهرة، ط 1 – عام 1398هـ / 1978م، أرخ تاريخ كتاب مقدمته بـ «كانو، نيجيريا، 25/8/1975م».
(37) المرجع نفسه، ص 73 – 74، وكذلك زعم انتشار الإسلام في المنطقة على يد الخوارج أو الشيعة أو الأشعرية، وقد عرضت لذلك كله بتفصيل ومناقشة أوسع في بحث آخر لما ينشر، بعنوان «مدخل إلى دراسة مذهب أهل السنة والجماعة، نهضت الحديثة والمعاصرة في غرب إفريقيا، الروافد والمعوقات والحلول».
(38) انظر: المد الإسلامي، ص 111.
(39) انظر: المرجع نفسه، ص 112 – 113.
(40) انظر: الحضارة الإسلامية العربية في غرب إفريقيا سماتها وانتشارها، د. شوقي الجمل، ص 61، مجلة الدراسات الإفريقية، معهد البحوث والدراسات الإفريقية، معهد البحوث والدراسات الإفريقية، جامعة القاهرة، عدد 8 سنة 1979م – بحث. والإسلام والمجتمع السوداني، ص 203 – 205.
(41) الإسلام والمجتمع الإسلامي.
(42) انظر: المغرب في ذكر بلاد إفريقيا والمغرب، ص 175، 187 وما بعدها.
(43) انظر: تاريخ ابن خلدون، ص 2479، دار ابن حزم، ط 1 – عام 1424هـ / 2003م.
(44) انظر: الكامل في التاريخ، ابن الأثير، (5 / 419)، دار صادر، بيروت، عام 1399هـ / 1979م، والبيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب، وابن عذاري المراكشي، (1 / 28)، تحقيق ومراجعة ج زس ز كولان و زإز ليفي ز بروفنسال، دار الثقافة بيروت، بدون، وتقع «كاوار» حالياً ضمن حدود جمهورية النيجر ناحية الشرق من حدودها مع تشاد.
(45) الإسلام في نيجيريا، آدم عبد الله الآلوري، ص 17 – 18، نقلاً من كتاب تزيين الورقات، لعبد الله بن فودي، لم أتمكن من الوقوف عليه.
(46) الإسلام في نيجيريا، آدم عبد الله الآلوري، ص 18 – 19.
(47) السابق نفسه، ص 19، وقد نقل د. عبد الفتاح الغنيمي مثل هذا عن البكري، وأن الخليفة عمر بن عبد العزيز كان قد أرسل عام 91هـ جيشاً عربياً إسلامياً لفتح تلك الأنحاء، وأن ذرية هذا الجيش قد استقرت في تلك البلاد. انظر: حركة المد الإسلامي في غربي إفريقيا، ص 225، مكتبة نهضة الشرق، مصر، بدون ت، ن.
(48) انظر: مجموع الفتاوي، لابن تيمية، (28/532)، عالم الكتب – الرياض، عام 1412هـ – 1991م.
(49) انظر: الحضارة الإسلامية العربية في غرب إفريقيا سماتها وانتشارها، د. شوقي الجمل، ص 44.
(50) اقرأ – مثلاً -: الحكم المغربي في السودان الغربي، د. محمد الغربي، وكان في الأصل رسالة دكتوراه أشرف عليه د. نقولا زيادة، ودور المرابطين في نشر الإسلام في غرب إفريقيا، د. عصمت دندش، دار الغرب الإسلامي – بيروت ط 1 – عام 1408هـ / 1988م، وبحث: المغرب في خدمة التقارب الإفريقي العربي، د. عبد الهادي التازي، وبحث: العلاقات بين المغرب وإفريقيا جنوبي الصحراء كيف نفسر أحداث التاريخ؟ د. علي القاسمي.
(51) بداية الحكم المغربي، ص 13.
(52) المرجع نفسه، ص 750.
(53) انتشار الإسلام في غربي إفريقيا، ص 44.
(54) انظر: تاريخ السودان، ص 12 ، 13.
(55) انظر: بداية الحكم المغربي، ص 13 ، 568 ، 569 ، 571.
(56) انظر: المرجع نفسه، ص 611 ، 612.
(57) انظر: إفريقيا الغربية في ظل الإسلام، ص 8.
(58) انظر: les noirs de L, afrique, dealfosse M. payte paris 1922. P 157، وانظر: مملكة سنغاي في عهد الأسقيين، ص 10.
(59) كما عند ليو بولد سنغور رئيس السنغال الأسبق ورفاقه عن الحضارة الزنجية الإفريقية، انظر: تقريره الذي قدّمه للمؤتمر الثاني للكتاب والفنانين الأفارقة في روما، 29 مارس – 1 أبريل عام 1959م، بعنوان: العناصر الأساسية المكونة لحضارة ذات أصول زنجية إفريقية، ترجمه إلى العربية ونشره مع دراسة نقدية له د. Elemenets constitufs d, une civilistaions d , inspiration africaine عبد الله أحمد بشير بولا في كتاب بعنوان: العناصر الأساسية المكونة للحضارة الزنجية الإفريقية أم للفكر الإفريقي المغترب؟ منشورات مركز البحوث والدراسات الإفريقية، سبها، عام 1988م.
(60) دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط 1 - عام 1408ه / 1988م.
(61) انظر: تاريخ المسلمين في إفريقيا ومشكلاتهم، د. شوقي الجمل، ود. عبد الله إبراهيم – 85 ، دار الثقافة للنشروالتوزيع، القاهرة، 1996م.
(62) انظر: تناقضها في أسباب الغزو، ص 112، من الكتاب نفسه.
(63) تجارة القوافل د. العراقي (مرجع سابق)، ص 156، وانظر مثل ذلك في: حركة التجارة والإسلام، ص 170 – 171.
(64) انظر: دور المرابطين في نشر الإسلام – ص 147 ، 148 ، 149، وانظر: ص 24 ، 70 ، 112 ، 294، ممن قام بتفنيد هذا الغلو د. محمد عبد الله النقيرة في كتابه: التأثير الإسلامي في غرب إفريقيا، ط 1 – عام 1408هـ / 1988م. ود. مسعود الوازني في بحثه: التواصل الإنساني وأثره في وحدة العقيدة بين شمال الصحراء وبلدان السودان الغربي حتى عصر المرابطين، د حوليات الجامعة الإسلامية بالنيجر – عدد 2 عام – 1417هـ، ص 192 ، 193 ، 194، وجبر الله الأمين ومدبولي عثمان في: حزام المواجهة حرب التنصير في إفريقيا – 23 ، 37 ، 48، دار الذخائر، الدمام، ط 1 – عام 1414هـ / 1993م، وحركة التجارة والإسلام – 170 ، 171 ، 176، 179.
(65) عاصمة سنغاي الأولى، وتقع إلى جنوب مدينة غاو، وتشتهر الآن بـاسم «بنتيا».
(66) انظر: عن هذا الطريق الصحراوي: المغرب في ذكر بلاد إفريقيا والمغرب – 181، وتقع هذه المدينة في شمال مالي ضمن الإقليم الثامن «كيدال» جنوب شرق مدينة غاو حوالي 400 كم تقريباً، إضافة إلى طريق آخر يمر بجنوب غاو إلى مدينة أغاديس في جمهورية النيجر الحالية.
(67) انظر: الإسلام والمجتمع السوداني، ص 102 ، 103 ، 105.
(68) انظر: معجم البلدان، ياقوت الحموي، (4 / 562)، مادة (كوكو) تحقيق فريد الجندي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1 – عام 1410هـ / 1990م.
(69) الإسلام والمجتمع السوداني، ص 105.
(70) السنة 18 – عدد 193 رمضان 1424هـ / نوفمبر 2003م، ص 78 ، 86 «اضطهاد القبيلة المسلمة العملاقة»، وهو يقصد بها (الماندغ)، وتسمّى أيضاً: البمباره – والجولا.
(71) انظر: البيان، ص 78.
(72) انظر: المرجع نفسه، ص 82.
(73) انظر: المرجع السابق، ص 80.
(74) مجلة: دراسات (الأردن) (العلوم الإنسانية والاجتماعية)، مجلد 23 عدد 2 ربيع الأول 1417ه / آب 1996م، ص 253، بحث: مؤثرات الحضارة الإسلامية في السودان الغربي من القرن الخامس إلى القرن العاشر الهجري.
(75) انظر: المرجع السابق، ص 253، نقلاً عن صورة الأرض، لابن حوقل، ص 19، لم يتيسر لي الوقوف عليه في هذه العجالة.
(76) الإسلام في ممالك وإمبراطوريات إفريقيا السوداء، جون جوزيف، ص 15، وانظر: ص 34، ترجمة مختار السويفي، دار الكتاب المصري، القاهرة – ط 1 عام 1404ه / 1984م.
(77) تاريخ الوفاة المذكور هو الذي عليه أكثر الباحثين، وقيل 292هـ، ورجحه الزركلي، انظر: الأعلام، (1 / 95)، وقد تجول اليعقوبي في الشمال الإفريقي، وبخاصة أيام الدولة الرستمية.
(78) جاء ذلك في حديثه عن السودان وهجرتهم قبل الميلاد بآلاف السنين من شرق إفريقيا، وأنهم بعد عبور نهر النيل توقفوا، فاتجه قوم نحو الجنوب، وآخرون نحو الغرب، وكوّنوا لهم ممالك منها ما ذكر أعلاه. وما ورد لديه يكشف حقائق كثيرة عن أقدم هذه الممالك وضرورة إعادة ترتيبها تاريخياً، وقد ناقشت الأمر في بحث آخر، أسأل الله التوفيق والسداد في إظهاره.
(79) تاريخ اليعقوبي، (1 / 193 ، 194).
(80) انظر: المصدر نفسه، (1 / 193).
(81) مروج الذهب للمسعودي، (1 / 329)، دار الكتاب اللبناني، ط 1 – عام 1982م.
(82) انظر كتابه: نزهة المشتاق في اختراق الآفاق، (1 / 28)، طبعة جامعة نابولي / إيطاليا.
(83) انظر: صبح الأعشى في صناعة الإنشا، (5 / 285)، نسخة مصور عن الطبعة الأميرية، بدون. والروض المعطار في خبر الأقطار، لأبي عبد الله محمد بن عبد المنعم الحميري (ت 776ه)ـ.
(84) انظر: وصف إفريقيا، ص 533، ترجمة د. عبد الرحمن حميدة، ط 1 – عام 1399ه – جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وتناقله عدد من الباحثين من غير تمحيص، انظر: مملكة سنغاي في عهد الأسقيين، ص 87 / هامش 1 ، و 136، نقلاً عن بوفيل Bovill E.w في كتابه: the golden trade of M، ص 56، جامعة أكسفورد 1957م.
(85) انتشار الإسلام في غربي إفريقيا، ص 45.
(86) مملكة سنغاي في عهد الأسقيين، ص 8، ولم يسلم منها، انظر: ص 25 ، 29 ، 38 ، 81 ، 101.
(87) انظر بحثه: المغرب في خدمة التقارب الإفريقي العربي، ص 106، العلاقة بين الثقافة العربية والثقافات الإفريقية، تونس، عام 1985م.
(88) انظر: المرجع السابق، ص 110 ، 111 ، 114 ، 119.
(89) انظر: بداية الحكم المغربي، ص 105 ، 106 ، 140 ، 144 ، 146، 147 ، 377 ، 569، وتاريخ إفريقيا السوداء من أمس إلى غد، ج. كي. زير بو (1 / 331)، ترجمه عن الفرنسية يوسف الشام، منشورات وزارة الثقافة السورية عام 1994م، والحضارات الإفريقية، دينينز بوليم، ص 73، ترجمه عن الفرنسية نسيم نصر، منشورات هويدات، بيروت- باريس ط 3 – عام 1988م، والمد الإسلامي في إفريقيا، ص 47. وانظر الأسباب الحقيقية وآثارها السيئة من جميع النواحي في: بداية الحكم المغربي، 117 ، 131 ، 132 ، 134 ، 157 ، 161 ، 572، وإمبراطورية سنغاي د. إبراهيم طرخان، ص 98 ، 100، مجلة كلية الآداب، جامعة الرياض (سابقاً)، مجلد 8 عام 1981م، وبحث: العلاقات السياسية بين المغرب الأقصى وإمبراطورية سنغاي بغرب إفريقيا، د. محمد النقيرة، في: مجلة جامعة الإمام، كلية الشريعة بالأحساء عدد 1 – سنة 1 – عام 1401ه ، 1402ه، ص 640 ، 642، والحركة العلمية والثقافية والإصلاحية في السودان الغربي د. أبو بكر إسماعيل ميغا، ص 230 ، 258، ط 1 – عام 1417ه / 1997م، مكتبة التوبة بالرياض.
وقد تلقبوا في المراحل الأخيرة بألقاب مشهورة في المنطقة، انظر: مقال سينان أندرياميرلدو في مجلة «إفريقيا الفتاة» (مرجع سابق)، وانظر: استعمال النصارى قديماً وحديثاً لبعض الألقاب والأسماء الإسلامية المشهورة تخفياً وراءها، في: الإسلام في الدولة العلمانية مالي، الشيخ شيرنو هادي عمر تيام، ص 107 ، 108، ط 1 عام 1414ه / 1993م، بماكو / مالي.
(90) مجموع الفتاوى، (28 / 532)، وانظر: في قوة اليهود والنصارى أيام الدولة المرينية (591 – 957ه / 1195م – 1550م)، وأيام السعديين والمنصور الذهبي: مجلة الاجتهاد عدد 34 – سنة 9، شتاء وربيع 1417ه / 1997م، ص 93 ، 94 ، 99، بحث: «دور يهود الجنوب المغربي في تجارة القوافل الصحراوية، محمد أرحو، وبداية الحكم المغربي، ص 157 ، 191.
(91) انظر عن جهوده: مقال سينان أندرياميرلدو في مجلة «إفريقيا الفتاة» (مرجع سابق، هامش 91).
(92) انظر: مملكة سنغاي في عهد الأسقيين، ص 36.
(93) حركة التجارة والإسلام، ص 239، وانظر: ما قاله عنه محمود كعت في تاريخ الفتاش، ص 59.
(94) انظر بحثه: العلاقات بين المغرب وإفريقيا جنوبي الصحراء، وكيف نفسر أحداث التاريخ؟ مجلة: التاريخي العربي، (المغرب) عدد 5 – شتاء 1418هـ / 1998 م، ص 249 – 258.
(95) أوضاع الحجاز في الرحلات الحجية الشنقيطية، الدارة – عدد 4 سنة 22 عام 1417هـ، ص 29.
(96) المرجع نفسه، ص 52 / هامش 1 ، 64.
(97) انظر: المرجع السابق، ص 56 / هامش 20.
(98) انظر: المرجع السابق، ص 55 / هامش 15، والخريطة، ص 63.
(99) المرجع نفسه، ص 53 / هامش 9، وقد تقدّم في هذه الدراسة أن ما ورد لدى اليعقوبي، في حديثه عن ممالك سنغاي وغانا ومالي، يكشف حقائق كثيرة عن أقدم هذه الممالك، وضرورة إعادة ترتيبها تاريخياً، وناقشت الأمر بتفصيل في بحث آخر، أسأل الله التوفيق والسداد في إظهاره.
(100) انظر: ص 16 / هامش 2.
(101) انظر: الدارة (مرجع سابق)، ص 54 / هامش 1.
(102) انظر: المرجع السابق، ص 29.
(103) انظر: المرجع نفسه، ص 30.