قراءات إفريقية
Eng  |  Fr
لا توجد نتيجة
مشاهدة جميع النتائج
دعاية مجلة قراءات إفريقية
  • المجلة
    • العدد الحالي
    • الأعداد السابقة
    • إرشيف المجلة (إنجليزي)
  • الموسوعة الإفريقية
  • تحليلات
    • جميع المواد
    • اجتماعية
    • اقتصادية
    • سياسية
    قراءة تحليلية لمسودة الدستور الجديد لجمهورية غينيا 2025م

    قراءة تحليلية لمسودة الدستور الجديد لجمهورية غينيا 2025م

    إفريقيا وقمة البريكس 2025 … المكاسب والفرص والانتقادات الموجهة

    إفريقيا وقمة البريكس 2025 … المكاسب والفرص والانتقادات الموجهة

    التعدين غير القانوني في إفريقيا جنوب الصحراء… الأسباب والمخاطر

    خيارات الرئيس الكيني الصعبة في مواجهة جيل Z مع (سابا سابا)

    الذكاء الاصطناعي والامن السيبراني

    الذكاء الاصطناعي في القارة الإفريقية

    الدبلوماسيَّة الموازية في إفريقيا:أداة لتعزيز التنمية ومُعالَجة التحديات السياسيَّة والاقتصاديَّة

    الدبلوماسيَّة الموازية في إفريقيا:أداة لتعزيز التنمية ومُعالَجة التحديات السياسيَّة والاقتصاديَّة

    المنتدى الاقتصادي العالمي: مستقبل واعد ينتظر إفريقيا في صناعة أشباه الموصلات

    المساعي الفرنسية للسيطرة على المعادن النادرة في مدغشقر… بين الدوافع والمآلات

    افتتاح الدورة السابعة عشرة من قمة الأعمال الأمريكية الإفريقية في لواندا

    قراءة تحليلية لقمة الأعمال الأمريكية–الإفريقية: من المساعدات إلى شراكات المصالح

    تقارب اقتصادي بين جنوب إفريقيا ونيجيريا في ظل ضبابية المشهد الاقتصادي العالمي

    تقارب اقتصادي بين جنوب إفريقيا ونيجيريا في ظل ضبابية المشهد الاقتصادي العالمي

    • سياسية
    • اقتصادية
    • اجتماعية
  • تقدير موقف
    • جميع المواد
    • اجتماعي
    • اقتصادي
    • سياسي
    أسطول بحري للجيش الصيني يقوم بزيارة نادرة لـ نيجيريا

    هل تتَّجه الصين إلى توسيع نفوذها العسكري في إريتريا؟

    تحالف معارض جديد بالسنغال يسعى لكسر هيمنة الحكومة

    تصفير الخلافات: دوافع الزيارات السنغالية إلى دول الجوار

    الصراع الإيراني الإسرائيلي: كيف يهدد الاقتصادات الإفريقية؟

    الصراع الإيراني الإسرائيلي: كيف يهدد الاقتصادات الإفريقية؟

    نشر وحدة عسكرية إيفوارية قريبا في إفريقيا الوسطى

    هشاشة متوارثة: معضلات اتفاقات السلام في جمهورية إفريقيا الوسطى

    دوافع انسحاب رواندا من الجماعة الاقتصاديَّة لدول وسط إفريقيا (إيكاس) وتداعياته المُحتمَلة

    دوافع انسحاب رواندا من الجماعة الاقتصاديَّة لدول وسط إفريقيا (إيكاس) وتداعياته المُحتمَلة

    الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا “إيكواس” تحذر من التفكك بعد انفصال مالي والنيجر وبوركينا فاسو

    إلى أيّ مدى تُمثّل التفاهمات بين “الإيكواس” وتحالف دول الساحل مدخلًا فعّالًا لإعادة تشكيل الأمن الجماعي في غرب إفريقيا؟

    تعزيز الشراكات: دوافع مناورة “أيكييمي” الهندية في شرق إفريقيا

    تعزيز الشراكات: دوافع مناورة “أيكييمي” الهندية في شرق إفريقيا

    أمر تنفيذي بوقف المساعدات المالية الأمريكية لجنوب إفريقيا

    ترحيل جماعي نحو إفريقيا: هل ينجح ترامب في تنفيذ أكبر خطة ترحيل للمهاجرين؟

    بين المبادئ والتحديات: ما ملامح مستقبل السياسة الخارجية الجابونية في عهد بريس أوليجي نجيما؟

    بين المبادئ والتحديات: ما ملامح مستقبل السياسة الخارجية الجابونية في عهد بريس أوليجي نجيما؟

  • دراسات
    • جميع المواد
    • دراسة اجتماعية
    • دراسة اقتصادية
    • دراسة سياسية
    دراسة تحليلية لاتفاق السلام بين الكونغو الديمقراطية ورواندا

    دراسة تحليلية لاتفاق السلام بين الكونغو الديمقراطية ورواندا

    السياسات المائية لدول حوض بحيرة تشاد

    السياسات المائية لدول حوض بحيرة تشاد

    اقتصاديات الحج وعيد الأضحى: صور من إفريقيا جنوب الصحراء

     دراسة تحليلية لاتفاقية جزر تشاغوس المُوقَّعة بين بريطانيا وموريشيوس 2025م

     دراسة تحليلية لاتفاقية جزر تشاغوس المُوقَّعة بين بريطانيا وموريشيوس 2025م

    مشروع سيماندو الضخم…  عقود ضائعة وإمكانات تنموية هائلة

    مشروع سيماندو الضخم… عقود ضائعة وإمكانات تنموية هائلة

    دراسة تحليلية للقضايا الخلافية في دستور الجابون الجديد 2024م

     دراسة تحليلية للانتخابات الرئاسية في الجابون 2025م

    الخريطة الإعلامية في جمهورية إثيوبيا..النشأة والتطور وتأثير العوامل السياسية والعرقية

    الخريطة الإعلامية في جمهورية إثيوبيا..النشأة والتطور وتأثير العوامل السياسية والعرقية

    عين على إفريقيا (8-16 مارس 2025م)..الكونغو على أعتاب نهب اقتصادي جديد

    “المعادن مقابل الأمن” ومتوالية المقايضات… النسخة الإفريقية

    قراءة تحليلية في التداعيات المحتملة لرفع الرسوم الجمركية الأمريكية على بلدان إفريقيا جنوب الصحراء

    قراءة تحليلية في التداعيات المحتملة لرفع الرسوم الجمركية الأمريكية على بلدان إفريقيا جنوب الصحراء

    • دراسة سياسية
    • دراسة اجتماعية
    • دراسة اقتصادية
  • ترجمات
    • جميع المواد
    • اجتماعية
    • اقتصادية
    • سياسية
    القرن الإفريقي : حان وقت الدبلوماسية الاستباقية

    القرن الإفريقي : حان وقت الدبلوماسية الاستباقية

    عين على إفريقيا (22- 27 نوفمبر 2024): تداعيات سياسة “أميركا أولًا” في إفريقيا

    الزيارة المُرتَقَبة لخمسة رؤساء أفارقة إلى البيت الأبيض: دوافع اختيار ترامب لهم

    الجمهورية الخامسة وأسباب الاحتجاجات العنيفة في توغو

    الجمهورية الخامسة وأسباب الاحتجاجات العنيفة في توغو

    التساؤلات العالقة في اتفاق السلام بين رواندا والكونغو الديمقراطية

    التساؤلات العالقة في اتفاق السلام بين رواندا والكونغو الديمقراطية

    (إيكواس) تنظر في انسحاب مالي وبوركينا فاسو والنيجر

    هل ستصمد المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) حتى عام 2030م؟

    أمر تنفيذي بوقف المساعدات المالية الأمريكية لجنوب إفريقيا

    التساؤلات التي يطرحها الأفارقة حول قرار حظر السفر الذي أصدره الرئيس الأمريكي ترامب

    الجيش المالي يعتقل قياديًا بارزًا في تنظيم الدولة عقب عملية استخباراتية

    الصراع في مالي… ومخاطر اندلاع اضطرابات اجتماعية حرجة

    انتخابات كوت ديفوار الرئاسية 2025م: واستبعاد زعماء المعارضة الأربعة

    انتخابات كوت ديفوار الرئاسية 2025م: واستبعاد زعماء المعارضة الأربعة

     عنصرية قواعد التأشيرات الأوروبية وتعقيدات هجرة العمالة الإفريقية

     عنصرية قواعد التأشيرات الأوروبية وتعقيدات هجرة العمالة الإفريقية

  • المزيد
    • إفريقيا في المؤشرات
    • الحالة الدينية
    • الملف الإفريقي
    • الصحافة الإفريقية
    • المجتمع الإفريقي
    • ثقافة وأدب
    • حوارات وتحقيقات
    • شخصيات
    • قراءات تاريخية
    • متابعات
    • منظمات وهيئات
    • كتاب قراءات إفريقية
  • المجلة
    • العدد الحالي
    • الأعداد السابقة
    • إرشيف المجلة (إنجليزي)
  • الموسوعة الإفريقية
  • تحليلات
    • جميع المواد
    • اجتماعية
    • اقتصادية
    • سياسية
    قراءة تحليلية لمسودة الدستور الجديد لجمهورية غينيا 2025م

    قراءة تحليلية لمسودة الدستور الجديد لجمهورية غينيا 2025م

    إفريقيا وقمة البريكس 2025 … المكاسب والفرص والانتقادات الموجهة

    إفريقيا وقمة البريكس 2025 … المكاسب والفرص والانتقادات الموجهة

    التعدين غير القانوني في إفريقيا جنوب الصحراء… الأسباب والمخاطر

    خيارات الرئيس الكيني الصعبة في مواجهة جيل Z مع (سابا سابا)

    الذكاء الاصطناعي والامن السيبراني

    الذكاء الاصطناعي في القارة الإفريقية

    الدبلوماسيَّة الموازية في إفريقيا:أداة لتعزيز التنمية ومُعالَجة التحديات السياسيَّة والاقتصاديَّة

    الدبلوماسيَّة الموازية في إفريقيا:أداة لتعزيز التنمية ومُعالَجة التحديات السياسيَّة والاقتصاديَّة

    المنتدى الاقتصادي العالمي: مستقبل واعد ينتظر إفريقيا في صناعة أشباه الموصلات

    المساعي الفرنسية للسيطرة على المعادن النادرة في مدغشقر… بين الدوافع والمآلات

    افتتاح الدورة السابعة عشرة من قمة الأعمال الأمريكية الإفريقية في لواندا

    قراءة تحليلية لقمة الأعمال الأمريكية–الإفريقية: من المساعدات إلى شراكات المصالح

    تقارب اقتصادي بين جنوب إفريقيا ونيجيريا في ظل ضبابية المشهد الاقتصادي العالمي

    تقارب اقتصادي بين جنوب إفريقيا ونيجيريا في ظل ضبابية المشهد الاقتصادي العالمي

    • سياسية
    • اقتصادية
    • اجتماعية
  • تقدير موقف
    • جميع المواد
    • اجتماعي
    • اقتصادي
    • سياسي
    أسطول بحري للجيش الصيني يقوم بزيارة نادرة لـ نيجيريا

    هل تتَّجه الصين إلى توسيع نفوذها العسكري في إريتريا؟

    تحالف معارض جديد بالسنغال يسعى لكسر هيمنة الحكومة

    تصفير الخلافات: دوافع الزيارات السنغالية إلى دول الجوار

    الصراع الإيراني الإسرائيلي: كيف يهدد الاقتصادات الإفريقية؟

    الصراع الإيراني الإسرائيلي: كيف يهدد الاقتصادات الإفريقية؟

    نشر وحدة عسكرية إيفوارية قريبا في إفريقيا الوسطى

    هشاشة متوارثة: معضلات اتفاقات السلام في جمهورية إفريقيا الوسطى

    دوافع انسحاب رواندا من الجماعة الاقتصاديَّة لدول وسط إفريقيا (إيكاس) وتداعياته المُحتمَلة

    دوافع انسحاب رواندا من الجماعة الاقتصاديَّة لدول وسط إفريقيا (إيكاس) وتداعياته المُحتمَلة

    الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا “إيكواس” تحذر من التفكك بعد انفصال مالي والنيجر وبوركينا فاسو

    إلى أيّ مدى تُمثّل التفاهمات بين “الإيكواس” وتحالف دول الساحل مدخلًا فعّالًا لإعادة تشكيل الأمن الجماعي في غرب إفريقيا؟

    تعزيز الشراكات: دوافع مناورة “أيكييمي” الهندية في شرق إفريقيا

    تعزيز الشراكات: دوافع مناورة “أيكييمي” الهندية في شرق إفريقيا

    أمر تنفيذي بوقف المساعدات المالية الأمريكية لجنوب إفريقيا

    ترحيل جماعي نحو إفريقيا: هل ينجح ترامب في تنفيذ أكبر خطة ترحيل للمهاجرين؟

    بين المبادئ والتحديات: ما ملامح مستقبل السياسة الخارجية الجابونية في عهد بريس أوليجي نجيما؟

    بين المبادئ والتحديات: ما ملامح مستقبل السياسة الخارجية الجابونية في عهد بريس أوليجي نجيما؟

  • دراسات
    • جميع المواد
    • دراسة اجتماعية
    • دراسة اقتصادية
    • دراسة سياسية
    دراسة تحليلية لاتفاق السلام بين الكونغو الديمقراطية ورواندا

    دراسة تحليلية لاتفاق السلام بين الكونغو الديمقراطية ورواندا

    السياسات المائية لدول حوض بحيرة تشاد

    السياسات المائية لدول حوض بحيرة تشاد

    اقتصاديات الحج وعيد الأضحى: صور من إفريقيا جنوب الصحراء

     دراسة تحليلية لاتفاقية جزر تشاغوس المُوقَّعة بين بريطانيا وموريشيوس 2025م

     دراسة تحليلية لاتفاقية جزر تشاغوس المُوقَّعة بين بريطانيا وموريشيوس 2025م

    مشروع سيماندو الضخم…  عقود ضائعة وإمكانات تنموية هائلة

    مشروع سيماندو الضخم… عقود ضائعة وإمكانات تنموية هائلة

    دراسة تحليلية للقضايا الخلافية في دستور الجابون الجديد 2024م

     دراسة تحليلية للانتخابات الرئاسية في الجابون 2025م

    الخريطة الإعلامية في جمهورية إثيوبيا..النشأة والتطور وتأثير العوامل السياسية والعرقية

    الخريطة الإعلامية في جمهورية إثيوبيا..النشأة والتطور وتأثير العوامل السياسية والعرقية

    عين على إفريقيا (8-16 مارس 2025م)..الكونغو على أعتاب نهب اقتصادي جديد

    “المعادن مقابل الأمن” ومتوالية المقايضات… النسخة الإفريقية

    قراءة تحليلية في التداعيات المحتملة لرفع الرسوم الجمركية الأمريكية على بلدان إفريقيا جنوب الصحراء

    قراءة تحليلية في التداعيات المحتملة لرفع الرسوم الجمركية الأمريكية على بلدان إفريقيا جنوب الصحراء

    • دراسة سياسية
    • دراسة اجتماعية
    • دراسة اقتصادية
  • ترجمات
    • جميع المواد
    • اجتماعية
    • اقتصادية
    • سياسية
    القرن الإفريقي : حان وقت الدبلوماسية الاستباقية

    القرن الإفريقي : حان وقت الدبلوماسية الاستباقية

    عين على إفريقيا (22- 27 نوفمبر 2024): تداعيات سياسة “أميركا أولًا” في إفريقيا

    الزيارة المُرتَقَبة لخمسة رؤساء أفارقة إلى البيت الأبيض: دوافع اختيار ترامب لهم

    الجمهورية الخامسة وأسباب الاحتجاجات العنيفة في توغو

    الجمهورية الخامسة وأسباب الاحتجاجات العنيفة في توغو

    التساؤلات العالقة في اتفاق السلام بين رواندا والكونغو الديمقراطية

    التساؤلات العالقة في اتفاق السلام بين رواندا والكونغو الديمقراطية

    (إيكواس) تنظر في انسحاب مالي وبوركينا فاسو والنيجر

    هل ستصمد المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) حتى عام 2030م؟

    أمر تنفيذي بوقف المساعدات المالية الأمريكية لجنوب إفريقيا

    التساؤلات التي يطرحها الأفارقة حول قرار حظر السفر الذي أصدره الرئيس الأمريكي ترامب

    الجيش المالي يعتقل قياديًا بارزًا في تنظيم الدولة عقب عملية استخباراتية

    الصراع في مالي… ومخاطر اندلاع اضطرابات اجتماعية حرجة

    انتخابات كوت ديفوار الرئاسية 2025م: واستبعاد زعماء المعارضة الأربعة

    انتخابات كوت ديفوار الرئاسية 2025م: واستبعاد زعماء المعارضة الأربعة

     عنصرية قواعد التأشيرات الأوروبية وتعقيدات هجرة العمالة الإفريقية

     عنصرية قواعد التأشيرات الأوروبية وتعقيدات هجرة العمالة الإفريقية

  • المزيد
    • إفريقيا في المؤشرات
    • الحالة الدينية
    • الملف الإفريقي
    • الصحافة الإفريقية
    • المجتمع الإفريقي
    • ثقافة وأدب
    • حوارات وتحقيقات
    • شخصيات
    • قراءات تاريخية
    • متابعات
    • منظمات وهيئات
    • كتاب قراءات إفريقية
لا توجد نتيجة
مشاهدة جميع النتائج
قراءات إفريقية
Eng  |  Fr
لا توجد نتيجة
مشاهدة جميع النتائج

كارتر وودسون: وأهمية تدوين التاريخ “الزنجي”

أ.ناصر كرم رمضانبقلم أ.ناصر كرم رمضان
ديسمبر 1, 2021
في شخصيات
A A
كارتر وودسون: وأهمية تدوين التاريخ “الزنجي”
0
مشاركات
35
مشاهدات
انشره على الفيسبوكانشره على تويترانشره على الواتساب

لَم يَكن للفكر السياسي الإفريقي المعاصر أنْ يَكتملَ هيكله وبنيانه دونَ تطوُّرِ تاريخ هذا الفكر؛ خاصةً في ظل السعي المتواصل لتدوين هذا التاريخ بأيادٍ إفريقية سواء من داخل إفريقيا أو في الشتات. ويُعتبر “كارتر وودسون” (1875-1950م) Carter Godwin Woodson -المولود في العبودية الباقية بعد انتهاء الحرب الأهلية بعشر سنوات فقط- أهم شخصية في هذا المجال؛ حيث أدرك “وودسون” أن تاريخ السود لم يتم تدريسه في أيّ مكان داخل الولايات المتحدة أو غيرها. الشيء الذي جعله يكرّس حياته لاكتشاف قصة شعبه، والقيام على تنقيحها وكتابتها. وبذلك فتح حقلاً جديدًا لتدوين التاريخ الزنجي داخل الولايات المتحدة.

واليوم، بسبب الجهود الفردية الدؤوبة لهذا الرجل، يتم الاحتفال بشهر تاريخ السود سنويًّا، بالإضافة إلى دوره في جعل التاريخ الإفريقي الأمريكي مجالًا للدراسة؛ حيث يحظى باحترام كبير. وخلال حياة “وودسون”، استطاع تأسيس مجلة وجمعية وشركة للنشر؛ ومن خلال هذه المؤسسات منح الأمريكيين الأفارقة صوتًا استطاعوا من خلاله العمل على تدوين التاريخ، بعد أن بات بين النسيان والتناسي والتجاهل والتحريف والتحوير والتزوير والتزييف المتعمد على مدار عقود.

أولًا: النشأة والسمات والخبرات الشخصية لـ”وودسون”:

وُلد “كارتر جودوين وودسون” الخلاسي ذو الملامح الأوروبية في 19 ديسمبر 1875م بمدينة “نيو كانتون” New Canton، بولاية “فيرجينيا” Virginia. كلا والديه “جيمس” James و”إليزا ريدل وودسون” Eliza Riddle Woodson كانوا من العبيد السابقين.

قام والد “وودسون” بنقل العائلة إلى “فرجينيا الغربية” في نهاية الحرب الأهلية. وهناك علم أن مدرسة للأطفال السود ستُبْنَى في “هنتنجتون” داخل الولاية. الشيء الذي شجَّع “وودسون” على التعليم والتدريب الذاتي، وسرعان ما أتقن عدة لغات في سنّ السابعة عشرة إلى جانب المواد الدراسية العامة. ومن ثَم واصل تعليمه في مقاطعة “فاييت” بالولاية، في الوقت الذي كان يقوم بالعمل لكسب لقمة العيش بأحد مناجم الفحم ولدفع تكاليف تعليمه.

وفي عام 1895م، حين بلغ سن العشرين، التحق “وودسون” بمدرسة “دوجلاس الثانوية” في “هنتنجتون”. وهناك حصل على شهادته في أقل من عامين. ليلتحق بكلية “بيريا” Berea College عام 1897م، ويتخرج منها بدرجة البكالوريوس في الآداب عام 1903م. وأثناء دراسته في الكلية، قام “وودسون” بالتدريس في “وينونا”، بمقاطعة “فايت” في مدرسة أنشأها العمال السود بمناجم الفحم لأطفالهم.

وفيما بعد حظي “وودسون” بتكليف من الحكومة الأمريكية للعمل كمشرف تعليمي بدولة “الفلبين” Philippines. وقد وفَّر له عمله في الخارج الفرصة للقيام برحلات إلى آسيا وإفريقيا وأوروبا قبل أن يعود مرة أخرى إلى “الولايات المتحدة” سنة 1907م لمواصلة دراسته، وليحصل على درجتي البكالوريوس والماجستير من “جامعة شيكاغو” University of Chicago متخصصًا في التاريخ الأوروبي عام 1908م.

لم يكتفِ “وودسون” بما حققه من تعليم، بل واصل دراسته في جامعة “السوربون” في “باريس” وجامعة “هارفارد”، حيث حصل على درجة الدكتوراه في التاريخ عام 1912م. ليكون “وودسون” ثاني أمريكي من أصل إفريقي يحصل على درجة الدكتوراه من جامعة “هارفارد”، بعد الأكاديمي الدكتور “وليم ديبوا” في عام 1907م.

وفي عام 1915م، ساعد “وودسون” في تأسيس “رابطة دراسة حياة وتاريخ الزنجي” Association for the Study of Negro Life and History (سميت فيما بعد بـ”جمعية دراسة حياة وتاريخ الأمريكيين الأفارقة” Association for the Study of African American Life and History)، والتي كان هدفها وضع المساهمات التاريخية للأمريكيين من أصل إفريقي في المقدمة والمركز.

وفي عام 1916م قام بتأسيس “مجلة التاريخ الزنجي” The Journal Of Negro History، ولمساعدة المعلمين في الدراسات الأمريكية الإفريقية أنشأ “نشرة التاريخ الزنجي” Negro History Bulletin في عام 1937م. إلى جانب دار نشر صحفية ذات صلة، والتي كانت مملوكة بالكامل لأمريكيين من أصل إفريقي في عام 1921م.

وبعيدًا عن مساعيه الكتابية، شغل “وودسون” عدة مناصب في الأوساط الأكاديمية. من بينها منصب مدير “مدرسة أرمستورنج للتدريب اليدوي” Armstrong Manual Training في “واشنطن” العاصمة، قبل أن يصبح عميدًا في “جامعة هوارد” Howard University و”معهد غرب فرجينيا كوليجت” West Virginia Collegiate Institute.

كتب “وودسون” أكثر من اثني عشر كتابًا على مدار حياته المهنية، وأبرزها سوء تعليم الزنجي” (1933م). وهي أطروحة قدَّم من خلالها مقارنة بين نظام التلقين الغربي والتمكين الذاتي للأمريكيين من أصل إفريقي، وأصبح الكتاب أحد أهم المراجع المقترحة للقراءة في العديد من الكليات والجامعات.

وقام بالضغط كذلك على المدارس والمنظمات للمشاركة في برنامج خاص لتشجيع دراسة تاريخ الأمريكيين من أصل إفريقي، والذي بدأه في فبراير سنة 1926م مع “أسبوع التاريخ الزنجي” Negro History Week. تم توسيع البرنامج لاحقًا وأُعيد تسميته بـ”شهر تاريخ السود” Black History Month. وقد اختار “وودسون” شهر فبراير للاحتفال؛ حيث يصادف ميلاد أشهر المطالبين لإلغاء الرق؛ مثل “فريدريك دوجلاس” Frederick Douglass و”الرئيس “أبراهام لنكولن” President Abraham Lincoln.

وتوفي “وودسون” في 3 أبريل 1950م عن عمر يناهز 74 عامًا، ودُفن في مقبرة “لنكولن” التذكارية في “سوتلاند” بولاية “ماريلاند”. تاركًا إرثًا ممتدًّا حتى اليوم، مع “شهر تاريخ السود” باعتباره قوة ثقافية وطنية معترفًا بها مِن قِبَل مجموعة متنوعة من وسائل الإعلام والمنظمات والمؤسسات التعليمية.

ويتم تذكر إنجازات “وودسون” أيضًا من خلال “معهد كارتر وودسون للدراسات الأمريكية والإفريقية” Carter G. Woodson Institute for African American and African Studies الموجود حاليًا بـ”جامعة فيرجينيا” University of Virginia’s، و”متحف الدكتور كارتر وودسون للأمريكيين الأفارقة” Dr. Carter G. Woodson African American Museum في مدينة “سان بطرسبرج” St. Petersburg، بولاية “فلوريدا” Florida.

ثانيًا: السياق التاريخي المعاصر لـ”وودسون”:

كانت ولادة “كارتر وودسون” بعد عشر سنوات فقط من انتهاء الحرب الأهلية، إلى جانب نشأته في ظل العبودية الباقية. وحظي “وودسون” بالاستماع إلى العديد من القصص عن العبودية من والديه وأجداده. وهو ما جعله يهتم بهذه القصص بشدة، الأمر الذي ساعده في إثارة شَغَفه بالتاريخ الإفريقي الأمريكي.

وبعد انتهاء الحرب الأهلية سنة 1865م، وصلت الحرية أخيرًا إلى أربعة ملايين أمريكي من أصل إفريقي أو نحو ذلك كانوا عبيدًا في الجزء الجنوبي من الولايات المتحدة. ومع مرور السنين، نسي الأمريكيون البيض أو تجاهلوا تدريجيًّا حقيقة أن الأمريكيين من أصل إفريقي قد ساعدوا بطريقة كبيرة على تحقيق النصر في الحرب من خلال القتال في صفوف الشماليين لإنهاء العبودية. وهو ما استثار حفيظة السود ومنهم “كارتر وودسون”، وسعوا بجد للحصول على الحقيقة حول دور الأمريكيين من أصل إفريقي في الحرب الأهلية. لقد أرادوا التأكيد على أن القصة الحقيقية الكاملة ستُعرَف يومًا ما.

ومع مطلع الألفية الجديدة أصبح لدى السود مؤسسات تهدف إلى الارتقاء بالملونين ودورهم، على غرار “الجمعيَّة الوطنيَّة للنهوض بالملوّنين” The National Association for the Advancement of Colored People (NAACP)، التي تأسست عام 1909م، والتي قام على تأسيسها رجال من البيض والسود؛ حيث كانت تهدف مِن قِبَل مؤسسيها إلى النهوض بالملونين حاضرًا ومستقبلًا. حيث كان الأمريكيون الأفارقة محرومين من العدالة وحقوقهم القانونية بموجب دستور الولايات المتحدة United States Constitution. لذا فإن الجمعية شرعت في استخدام المحاكم والأساليب السلمية الأخرى للمطالبة بحقوق السود.

في عام 1911م تم تأسيس منظمة أخرى ثنائية العرق؛ وهي “الرابطة الحضرية الوطنية” National Urban League، وهي منظمة حقوق مدنية تاريخية غير حزبية تتخذ من مدينة “نيويورك” مقرًّا لها، وتنادي بالعدالة الاقتصادية والاجتماعية للأمريكيين الأفارقة ومناهضة التمييز العنصري في الولايات المتحدة. وبينما عملت “الجمعيَّة الوطنيَّة للنهوض بالملوّنين” إلى حدّ كبير في الساحة السياسية والقانونية، كان لـ”الرابطة الحضرية الوطنية” مهمة اقتصادية. لذا فقد قدمت هذه المنظمات نماذج جيدة لـ”وودسون”.

هذا الحراك الأسود الداعي لتشكيل تكتلات سياسية واقتصادية واجتماعية للأمريكيين الأفارقة، هو ما دفع “وودسون” وأصدقاءه في “شيكاغو” للتحدُّث لأول مرة عن بدء “تحالف تاريخي” Historical Alliance. انتهى بهم الأمر إلى تأسيس “رابطة دراسة تاريخ وحياة الزنجي”. والتي أصبح دورها الرئيسي هو إعادة كتابة وتصحيح التاريخي الأمريكي الإفريقي.

ثالثًا: المنطلقات والإسهامات الفكرية لـ”وودسون”:

استطاع “وودسون” أن يقدم الذخيرة العلمية الضرورية لإعادة تقييم دور الزنجي في الحياة الأمريكية. فهو في مجال البحث التاريخي لا يقل أهمية عن” بوكر واشنطن” Booker T. Washington في مجال التعليم. وقد أعرب “وودسون” عن اعتقاده الراسخ بأن قضية الزنجي تقف على أرضية صلبة أساسها مزاياه الخاصة إذا ما تم تقديم حقائق عن مساهماته الرئيسية عبر القرون دون عاطفة. إذ أكد “وودسون” أنه لم يكن هناك سوى تاريخ واحد للولايات المتحدة اشتركت فيه شعوب وأعراق عدة.

وبالفعل كانت هناك محاولات عدة سبقت “وودسون” ومعاصره “وليم ديبوا” الذي ألَّف واحدًا من أوائل كتب التاريخ التنقيحيَّة لفترة إعادة الإعمار، لكنَّ معظم هذه الكتابات التي تناولت تاريخ الزنجي كانت من وجهة نظر محدودة، كما أنها كانت مِن قِبَل مؤلفين حزبيين ليس لديهم أيّ فَهْم لدور الزنجي الحضاري. هذا التيار من الكُتَّاب كان يغلب عليه أقلام المؤلفين البيض. الذين تعمدوا تقديم صور ضبابية لإسهامات الزنوج في العلوم والطب والتعليم والموسيقى. باختصار، كان الأرشيف المرجعي المتوفر عن الزنجي قاتمًا وهزيلًا.

هذه الأمور وغيرها جعلت “وودسون” يبدأ في إعداد دراسات حقيقية عن سيرة وتاريخ الزنوج، وشجع العلماء من البيض وكذلك الزنوج، في جميع التخصصات للانضمام إلى هذا المشروع. وحثَّ كذلك المؤسسات على توفير الأموال لنشر مجلدات رائدة عن حياة الزنوج. واستطاع تأسيس جمعية ومجلة لتكون بمثابة حلقات وصل بالجماهير. لم يكتفِ بهذا، لكنه استطاع أن يقدّم العديد من الكتب والدراسات والمراجعات لإيضاح حقيقة وضع الزنجي داخل أمريكا. وليس هناك أبلغ من فصوله التنقيحية حول مساهمات الزنوج في إعادة بناء دساتير الولايات الجنوبية، والتي تطلبت تحقيقات سِيَر ذاتية عديدة.

لذا فقد انطلق “وودسون من قناعة مفادها أن دور عرقه في التاريخ الأمريكي وفي تاريخ الثقافات الأخرى تم تجاهله أو تحريفه مِن قِبَل المؤرّخين؛ الأمر الذي جعل “وودسون” يدرك ضرورة الحاجة إلى البحث في الماضي المهمَل للأمريكيين من أصل إفريقي. كان هدفه الرئيسي هو “الدراسة العلمية لـلجوانب المهملة من حياة الزنوج وتاريخهم. من خلال تدريب جيل جديد من السود على منهجية البحث العلمي للتاريخ”. واعتقادًا منه بأن التاريخ ملك للجميع، وليس المؤرخين فقط، سعى “وودسون” لإشراك القادة السود ومعلمي المدارس الثانوية ورجال الدين والمجموعات النسائية والجمعيات الأخوية في مشروعه لتحسين فهم التاريخ الإفريقي الأمريكي.

ومدركًا لأهمية التعليم كوسيلة مثلى للخروج من ظلام الجهل، قدم من خلال مؤلفاته مناقشة مستفيضة حول أساليب وطرق تعليم الزنجي ومدى انعكاس ذلك على تاريخ وحياة الزنجي، وهو ما أكده من خلال مؤلفاته في مرحلة نضوجه الفكري والتي جاءت عناوينها معبرة بشكل كبير عن انشغاله بالتعليم والتاريخ، بداية من كتاب “تعليم الزنجي قبل عام 1861م” The Education Of The Negro Prior To 1861 (1915م). ثم كتاب “قرن هجرة الزنوج” A Century of Negro Migration (1918م)، وكتاب “عقل الزنجي” The Mind of the Negro As Reflected in Letters During the Crisis 1800-1860 (1926م)، وكتاب “تاريخ الكنيسة الزنجية” The History of the Negro Church (1927م)، وكتاب “الزنجي في تاريخنا” The Negro In Our History (1922م) الذي أُعيد طبعه لعدة مرات؛ حيث راجعه “تشارلز ويسلي” Charles H. Wesley بعد وفاة “وودسون” في عام 1950م. وكتاب “سوء تعليم الزنجي” The Mis-Education of the Negro (1933م).

ومن خلال نشاطه ومؤلفاته تبرز توجهات وأفكار “وودسون”، كمفكر أمريكي من أصل إفريقي رفض سياسات التعليم التي قدَّمها البيض للسود. بالإضافة إلى الإهمال المتعمد لإسهامات السود في التاريخ الأمريكي، وهو ما سيتم مناقشته من خلال النقاط التالية:

1- أهمية تدوين التاريخ الزنجي

تركَت المحصِّلة المذهلة التي تمخضت عنها سنوات العبودية الغابرة والحرب الأهلية الأمريكية عميق الأثر لدى مَن كانوا أحياء في ذلك الوقت، وامتد هذا التأثير إلى ما بعد الحرب الأهلية بسبب استمرار الممارسات العنصرية البغيضة، هذه الأحداث وغيرها دفعت “وودسون” إلى تدوين وأرشفة معلومات غنية ومهمة عن العبودية والحرب الأهلية، وعلى الرغم من انشغاله بالعمل والدراسة الجامعية فقد تلقَّى دروسًا خاصة لتعلم الإسبانية والفرنسية؛ من أجل الاطلاع على المزيد من المراجع، إلى جانب دورات مكثفة في التاريخ الأوروبي القديم والحديث.

وأثناء دراسته الجامعية واجه معضلة أخرى، وهي أن أحد أساتذته الرئيسيين في التاريخ الأمريكي بجامعة “هارفارد”، ويُدعى “إدوارد تشانينج” Edward Channing، كان يعتقد أن الأمريكيين من أصل إفريقي ليس لديهم تاريخ خاص بهم. كما قلل “تشانينج” من أهمية أيّ دور للسود في الثورة الأمريكية أو الحرب الأهلية أو التاريخ الأمريكي بشكل عام. وعندما حاول “وودسون” أن يجادل بخلاف ذلك، أعلن “تشانينج” أنه يجب على “وودسون” إجراء بحث لإثبات أن الأمريكيين الأفارقة يمتلكون تاريخًا. وهو الأمر الذي جعل “وودسون” يتحول إلى أستاذ آخر مشهور للتاريخ الأمريكي في “هارفارد” بسبب الموقف المتعصب لأستاذه السابق، وهو “ألبرت بوشنيل هارت” Albert Bushnell Hart. وعلى الرغم من أن “هارت” كان مؤيدًا للرأي السائد بأن السود يمثلون العرق الأدنى بين الأعراق الأمريكية، إلا أنه كان يؤيد أحقية الزنوج في التعليم، الأمر الي جعل “وودسون” يختار “هارت” ليكون مشرفًا على رسالته.

وظل “وودسون” يبحث عن السبب الحقيقي وراء عدم وجود تاريخ للزنوج، ومن خلال دراسته وأسفاره، توصل “وودسون” إلى الاعتقاد بأن المؤرخين لم يُعِيروا اهتمامًا كافيًا للتاريخ الإفريقي أو الأفرو-أمريكي. الشيء الذي تسبَّب في عدم تدوين هذا التاريخ. هذه الفكرة شاركها “وودسون” مع معاصره “وليم ديبوا”، أحد أبرز القادة الأمريكيين الأفارقة في ذلك الوقت. الأمر الذي جعل “وودسون” يبدأ في إعداد دراسات حقيقية عن سيرة وتاريخ الزنوج، وحث كذلك المؤسسات على توفير الأموال لنشر مجلدات رائدة في هذا المجال. واستطاع تأسيس “مجلة التاريخ الزنجي”، ولاحقًا “نشرة التاريخ الزنجي” Negro History Bulletin لتكون بمثابة منافذ نشر تتمتع بدقة علمية. لتصبح مجلته –فيما بعد- إحدى المجلات الرائدة داخل أمريكا.

وحين اختار “وودسون” دراسة التاريخ باعتباره المجال الذي كان يرغب للعمل فيه. كان يتطلع إلى هدف بعيد وطويل الأمد؛ وهو الارتقاء بمستوى التدريب للخريجين الزنوج من خلال طرق جديدة للبحث، والتي كانت لا تزال جديدة إلى حد ما في الولايات المتحدة الأمريكية، والتي شرع “وودسون” للتدريب عليها وتبنّيها بداية من عام 1907م. حيث لم تبدأ بعض الكليات الأمريكية الشهيرة في التحوّل إلى جامعات بحثية حتى الربع الأخير من القرن التاسع عشر، أي بعد عام 1875م (العام الذي وُلِدَ فيه “وودسون”).

أشار من خلال كتبه ومقالاته إلى أهمية التاريخ الزنجي؛ حيث كان لدى “وودسون” نظرية مفادها أن تفسير التاريخ الأمريكي سيكون مختلفًا تمامًا عما كان عليه إذا تم أخذ دور الزنجي -إيجابًا كان أو سلبًا، نشطًا كان أو خاملًا- في الاعتبار. “فلا يمكن فَهْم أمريكا بصورة صحيحة دون فَهْم بعض التأثير بعيد المدى الذي أحدثه الزنجي -ولسوء الحظ، ليس دائمًا للأفضل- على كل منطقة كبيرة من حياة الأمة تقريبًا”.

ولو كرَّس “وودسون” نفسه لصياغة هذه الفرضية، وإسقاطها من خلال البحث المنهجي، لربما أصبح مثل “هنري آدامز” Henry Adams (1838-1918م) في أمريكا؛ لكنه اختار خلاف ذلك. فلا شك أنه تأثر بالثقل الساحق الذي كان يمثله التحيُّز المؤيد لصبغ الثقافة الأمريكية بالبياض على حساب السود. وهو ما قلَّص طموحاته إلى مجرد تقديم أعمال تساعد قليلاً في إخبار الأمريكيين بدور الزنجي الذي تم إخفاءه. وهو الأمر الذي يتضح لي من خلال دراسة حياته وكتاباته.

2- جمعية دراسة حياة وتاريخ الزنجي

فيما يتعلق بالعبودية نفسها، كان المؤرخون البيض يقدمون صورة تختلف كثيرًا عما تعلمه “وودسون” مباشرة من والديه وأجداده المستعبدين. فلم يكن مفاجئًا أن ينظر البيض الجنوبيون إلى العبودية من خلال نظارات وردية اللون. ومن خلال الروايات والقصص القصيرة، وجد العديد من الكُتّاب الجنوبيين جمهورًا وطنيًّا كبيرًا حريصًا على ابتلاع نسخة من العبودية المُغلَّفة بالسُّكر. كان تأليف العلماء للكتب المضللة أمرًا سيئًا بدرجة كافية وهو الأمر الذي شكل إزعاجًا كبيرًا لـ”وودسون”، وبخاصة وجهة نظر المؤرخ الأبيض الرائد للعبودية “أولريش ب. فيليبس” Ulrich B. Phillips (1877-1934م)، والذي صوَّر مؤسسة العبودية على أنها مؤسسة إنسانية بالأساس؛ وهو ما جعل وجهة نظره تتماشى مع الرواية الأكثر تصديقًا للبيض في الجنوب، واقترح هذا المؤرخ البارز أن معظم الأمريكيين الأفارقة كانوا سعداء ومكتفين بالعبودية. الأمر الذي ساعد في تنامي شعور الإحباط والغضب لدى “وودسون”، مما اعتقد أنه أكاذيب وتضليل بشكل كبير وتزييف لحقائق التاريخ.

ألهم هذا الأمر “وودسون” إلى التساؤل: لماذا لا تكون هناك منظمة للأمريكيين الأفارقة تسعى للترويج لتاريخ الأمريكيين من أصل إفريقي؟ حيث كان المؤرخون البيض إما يتجاهلون الدور الأسود في بناء الأمة أو يُقدِّمون نُسَخًا غير صحيحة وعنصرية لهذا الدور. وهو الأمر الذي يتعين معه وجود مؤسسة للأمريكيين الأفارقة تتحدث بشكل علنيّ ومسموع للتعريف بتاريخهم.

وبالفعل دعا “وودسون” أصدقاءه في “شيكاغو” لأول مرة لبدء “تحالف تاريخي” Historical Alliance. وانتهى بهم الأمر بتأسيس “جمعية دراسة حياة وتاريخ الزنجي” في 9 سبتمبر 1915م. وفي الشهر التالي، عندما عاد “وودسون” إلى “واشنطن”، ذهب إلى المكتب الحكومي لتأسيس الجمعية الجديدة قانونًا.

سبق تأسيس “وودسون” لجمعيته تأسيس جمعيات أخرى، لكن “وودسون” رأى أنها نماذج جيدة يمكن الاستفادة منها والبناء عليها؛ من خلال إضافة بُعد جديد، ألا وهو البحث في جذور وتاريخ الزنوج.

وأوضح “وودسون” لأعضاء جمعيته أن أحد الأغراض الأساسية للجمعية هو “حفظ سجلات العرق الأسود”. وبهذه الطريقة سيتجنب الأمريكيون الأفارقة المصير المحزن للهنود الأمريكيين الذين غادروا ولم يتركوا خلفهم “سرد تاريخي مكتوب لأفكارهم ومشاعرهم وتطلعاتهم وإنجازاتهم”.

وبالإضافة إلى إنشاء الفروع المحلية للجمعية الجديدة، أراد “وودسون” أن ترعى الجمعية مجلة علمية، وبالفعل تأسست “مجلة التاريخ الزنجي” التي كانت تصدر أربع مرات في السنة. حوت مقالات بُذِلَ فيها عناية دقيقة حول مجموعة واسعة من الموضوعات. وتناولت مقالات السود في أمريكا الشمالية ومنطقة البحر الكاريبي وأمريكا الجنوبية. ومنذ أن أدرك “وودسون” أن الماضي الإفريقي كان مهمًّا للسود الأمريكيين، فقد تأكد أيضًا لديه ضرورة تناول إفريقيا وتاريخها في العديد من مقالات المجلة.

3- شهر تاريخ السود

انضم “وودسون” إلى رابطة للأمريكيين من أصل إفريقي في “جامعة فيسك” Fisk University في “ناشفيل” Nashville، بولاية “تينيسي” Tennessee. وبناءً على اقتراح قدمه بدأت الأخوية في عام 1920م في رعاية احتفال سنوي يستمر لمدة أسبوع للاحتفاء بالتاريخ والأدب الإفريقي الأمريكي. وعندما توقفت الأخوية عن القيام بذلك في عام 1925م، رأى “وودسون” أنها فرصة جيدة لأن تتولى “جمعية دراسة حياة وتاريخ الزنجي” مسؤولية إحياء هذه الذكرى. لتصبح الجمعية هي الراعي الوحيد للاحتفال على الصعيد الوطني بما أطلق عليه “وودسون” “أسبوع تاريخ الزنجي” Negro History Week بداية من عام 1926م.

واختار وودسون الأسبوع الثاني من فبراير للاحتفال. واختار ذلك الوقت لأن كل من “فريدريك دوجلاس”، أشهر زعيم أمريكي من أصل إفريقي في فترة الحرب الأهلية، و”إبراهام لنكولن” قد وُلِدَا في ذلك الشهر.

وأعد “وودسون” كتيبًا موجزًا ​​لأول احتفال، قدَّم من خلاله تاريخًا قصيرًا عن جمعيته. كما سرد الموضوعات التي يمكن دراستها ومناقشتها، مع قائمة بالكتب الموصى بها. وأصدر إشعارات خاصة بالحدث دعا من خلالها العديد من الأمريكيين الأفارقة البارزين، بجانب ذويهم للمشاركة في الحث العظيم.

ومع أسبوع تاريخ الزنوج، حاول “وودسون” الوصول إلى جمهور أكبر. فعلى الرغم مما حققته “مجلة تاريخ الزنجي” من نجاح وانتشار، إلا أنها وصلت إلى العلماء والمثقفين بشكل أساسي. فقام بإرسال أطقم “أسبوع تاريخ الزنجي” إلى الدعاة والمدرسين ورؤساء النوادي وناشري الصحف السوداء، وأي شخص آخر يُعتقد أنه سيساعد في الترويج للتاريخ الأسود.

ونما “أسبوع تاريخ الزنجي” ليشمل العديد من الأنشطة المختلفة. ففي المدن الكبرى، انتشرت المسيرات التي ارتدى فيها السود أزياء تصور الشخصيات السوداء الشهيرة. وانتشرت على نطاق واسع ندوات ومآدب الشعر والمعارض التي تتناول جانب معين من تاريخ الأمريكيين الأفارقة، كل هذه وأكثر أصبحت جزءًا من الحدث.

وبحلول الأربعينيات من القرن الماضي، أصبحت الاحتفالات بأسبوع تاريخ الزنجي أكثر تفصيلاً وأكبر عددًا في جميع أنحاء البلاد. وأصبحت تساهم في رعاية محاضرات المنظمات النسائية للأمريكيات من أصول إفريقية إلى جانب مجموعات الخدمة الاجتماعية. ومن خلالها يتم الدعوة إلى تأسيس المدارس والمكتبات والمتاحف والمعارض. إلى جانب حضور المعلمين معاهد أو فصولًا خاصة للتحضير للحدث، والقيام بتعيين مقالات حول موضوعات تتناول تاريخ السود في فصولهم.

وانتشر الاحتفال في المدارس بين المعلمين والطلاب؛ في مدن الشمال أولاً، ثم بعد ذلك في الجنوب، ثم تطور الأمر إلى إشراك البيض في الحدث، الأمر الذي دفَع رؤساء البلديات والمحافظين إلى إصدار بيانات رسمية تكريمًا لأسبوع تاريخ الزنجي. ليصبح “وودسون” سعيدًا برؤية الاحتفال بأسبوع تاريخ الزنجي ينتشر في بعض بلدان أمريكا اللاتينية وجزر الهند الغربية وإفريقيا.

وأعلن المؤرخ “رايفورد لوجان” Rayford Logan أن أسبوع تاريخ الزنجي كان “أفضل عمل” تم القيام به للأمريكيين الأفارقة”. ورأى أن “عشرات الآلاف من الناس قد أصبحوا أكثر تقديرًا للزنجي”، فقد ساعد من وجهة نظره في “إزالة عقدة النقص من تفكير أعداد كبيرة من الزنوج، وإعطاء الكثيرين الآخرين شعورًا بالفخر والتفاؤل”.

وأشاد “ديبوا” الذي لم يكن صديقًا مقربًا لـ”وودسون” بأسبوع تاريخ الزنجي باعتباره “الإنجاز الأبرز” لـ”وودسون”. وفقًا لـ”ديبوا”، فإن “وودسون”: “استطاع أن يضع الملونين في مكانتهم الحقيقية في بلدٍ لا يحظى فيها الملون بأيّ قدر من الاحترام، وذلك من خلال الاحتفال بتاريخ الزنجي كل عام”. واختتم “ديبوا” بتكريمه لوودسون: “لا أعرف أيّ رجل قام في حياته، دون مساعدة، ببناء مثل هذا الاحتفال الوطني”.

4- سوء تعليم الزنجي

كتب “وودسون” في مقدمة كتابه “سوء تعليم الزنجي” أن وجهة نظره التي كونها حول تعليم الزنجي كانت نابعة من خبرته الطويلة في حقل التعليم، حيث قال: “هنا لا تُسجل آراء؛ بل انعكاسات شخص شارك لمدة أربعين عامًا في تعليم الأعراق السوداء والبنية والصفراء والبيضاء في نصفي الكرة الأرضية وفي المناطق الاستوائية والمعتدلة. فقد مارست تجربتي مع الطلاب بجميع الصفوف من رياض الأطفال إلى الجامعة. علاوة على ذلك، سافرت حول العالم ليس فقط لمراقبة أنظمة المدارس الحديثة في مختلف البلدان، ولكن لدراسة الأنظمة الخاصة التي أنشأتها الوكالات الخاصة والحكومات لتثقيف السكان الأصليين في المستعمرات وتوابعها”.

وبمناقشة الأخطاء التي تم ارتكابُها في تعليم الزنجي، يعترف الكاتب بصراحة أنه ساهم في ارتكاب بعض هذه الأخطاء بنفسه. وأشار إلى هذه الأخطار في عدة فصول من كتابه. حيث رأى أن هذا الكتاب “لم يكن القصد منه أن يكون انتقاصًا ضد أيّ شخص أو فئة معينة، ولكنه بمثابة تصحيح للأساليب التي لم تُسْفِر عن نتائج مرضية”.

وعارض “وودسون” في كتابه الآراء التي كانت شائعة في السابق بأن الزنوج يخضعون بحق لإرادة الآخرين على افتراض أن هؤلاء الفقراء ليسوا من دافعي الضرائب الكبار، وعليهم أن يكتفوا بالمساهمات الخيرية للنهوض بهم. لكنه اتخذ موقفًا مفاده أن المستهلك يدفع الضريبة، وعلى هذا النحو يجب منح كل فرد من أفراد النظام الاجتماعي فرصة غير محدودة لتحقيق أقصى استفادة من نفسه. مثل هذه الفرصة، أيضًا، لا ينبغي تحديدها مِن الخارج مِن قِبَل القوى التي تم تعيينها لتوجيه العِرْق بطريقة تؤدي إلى تحقيق مصلحة الآخرين فقط، ولكن يجب تحديدها من خلال تكوين الزنجي نفسه وما تتطلب منه بيئته.

ويعتقد أن برنامج الارتقاء الجديد لا ينبغي أن يقرره أسلوب التجربة والخطأ عند تطبيق الأجهزة والذي تم تطبيقه في عصور سابقة. لكنه يجب أن يكون من خلال الدراسة الدقيقة للزنجي نفسه وحياته التي يعيشها، الأمر الذي يمكننا معه الوصول إلى الإجراء المناسب في هذه الأزمة. فإن مجرد نقل المعلومات ليس تعليمًا. “وفوق كل شيء، يجب أن يؤدي الجهد إلى جعل الإنسان يفكر ويفعل ما يتوجب عليه القيام به”.

وعند تقدير النتائج التي تم الحصول عليها مما يسمى بتعليم الزنجي، لا يذهب “وودسون” إلى أرقام التعداد لإظهار تقدُّم العرق. فقد لا يكون من المهم بالنسبة للعرق أن تكون قادرًا على التباهي اليوم بمضاعفة عدد الأعضاء “المتعلمين” كما كان في عام 1865م. وهو ما اعتبره “وودسون” خطأ كبيرًا وقع فيه السابقون، فإن “الزيادة في الأعداد ستكون عيبًا وليس ميزة”. الأمر الذي يجعلنا نتساءل “عما إذا كان هؤلاء “المثقفون” مجهَّزون بالفعل لمواجهة المحنة التي تواجههم؟ أو أنهم يساهمون دون وعي في تفككهم من خلال إدامة نظام العنصرية الظالم؟”

واعتبر أن الزنوج “ذوو التعليم العالي” أصبحوا صورًا نمطية تردّد ما اختار الأبيض أن يُلقنهم إياه، وإنهم حريصون على الحصول على كل شيء لدى الرجل الأبيض حتى لو كان ضارًّا. وبالتالي، فإن إمكانية الأصالة في الزنجي منخفضة بنسبة مائة في المائة للحفاظ على المساواة الاسمية. “فإذا قرر البيض اتباع المسيحية، يجب على الزنوج أن يحذوا حذوهم. وإذا أهمل البيض المسائل العقائدية، فيجب على الزنوج أن يفعلوا الشيء نفسه”.

وذهب “وودسون” إلى أبعد من ذلك؛ حيث اعتبر النظام التعليمي على الرغم من مراحل تطوره في كل من أوروبا وأمريكا عملية عتيقة لا تصل إلى الهدف المرجو منها حتى لاحتياجات الرجل الأبيض نفسه. وقال: “إذا أراد الرجل الأبيض التمسك بالعملية التعليمية التي ينتهجها، فليفعل ذلك؛ لكن الزنجي، بقدر ما يستطيع، يجب أن يطوّر نفسه وينفذ برنامجًا خاصًّا به”.

لكنه عاد وقال: “ومع ذلك، فإن ما يسمى بالتعليم الحديث، بكل عيوبه، يقدم للآخرين خيرًا أكثر بكثير مما يقدمه للزنجي، فقد تم إعداده وفقًا لاحتياجات أولئك الذين استعبدوا واضطهدوا من الشعوب الضعيفة. فعلى سبيل المثال، فإن الفلسفة والأخلاق التي يقدّمها نظامنا التعليمي قد برَّرت العبودية والخداع والعزل والقتل خارج نطاق القانون. وأعطت للظالم الحق في استغلال المظلوم وإعاقته وقتله”. وأضاف: “لقد قَبِلَ الزنوج المتعلمون يوميًّا في تعاليم دين الأقوياء وضع الضعيف واستعباده باعتباره كتشريع مقدس، الأمر الذي جعل من الأجيال الثلاثة الأخيرة الذين عاشوا حرية اسمية لم يفعلوا شيئًا عمليًّا لرفض هذه التعاليم”.

وأكد على أنه “لم يكن بالإمكان توفر جهد منظم نحو التغيير؛ لأنه بتعليم نفس الاقتصاد والتاريخ والفلسفة والأدب والدين التي تأسست جميعها وفقًا للأخلاق الحالية للمجتمعات البيضاء، تم وضع عقل الزنجي تحت سيطرة مضطهديه. وبذلك استطاعوا الضغط على الزنجي لقبول الدونية بسهولة”. ورأى أنه “عندما تتحكم في تفكير شخص ما، فلا داعي للقلق بشأن أفعاله. وأن ليس عليك أن تخبره أن يقف هنا أو يذهب هناك. فهو سيجد [مكانه المناسب] ويبقى فيه. ولا تحتاج إلى إرساله إلى الباب الخلفي. سوف يذهب دون إخباره. في الواقع، إذا لم يكن هناك باب خلفي، فسوف يذهب لصناعته بنفسه. فقط لأن تعليمه يجعل وجوده ضروري”.

وخلص إلى أن “نفس العملية التعليمية التي ألهمت وحفّزت الظالم بفكرة مفادها أنه الأفضل؛ حيث إنه أنجز كل شيء يستحق العناء، في الوقت الذي أحبط وقام بسحق شرارة العبقرية في الزنجي بأن جعله يشعر أن عرقه لن يرقى إلى مستوى معايير الشعوب الأخرى”. وخلص إلى نتيجة مفادها: “إن مسؤولية الزنجي المتعلم نحو العرق ميؤوس منها”.

ورأى أن “المعضلة تكمن في أن [الزنجي المتعلم] مُجبَر على العيش والتنقل بين شعبه الذي تعلم أن يحتقره. لذلك، كقاعدة عامة، فإن [الزنجي المتعلم] يُفضّل شراء طعامه من بقّال أبيض لأنه تعلم أن الزنجي ليس نظيفًا. لا يهم عدد المرات التي يغسل فيها الزنجي يديه؛ إذ لا يمكنه تنظيفهما، ولا يهم عدد المرات التي يستخدم فيها الرجل الأبيض يديه إذ لا يمكنه تلويثهما. علاوة على ذلك، فإن الزنجي المتعلم غير راغب في المشاركة في أعمال الزنوج؛ لأنه تعلم في الاقتصاد أن الزنوج لا يستطيعون العمل إلا في الوظائف الدنيا. أما عن الكنيسة الزنجية؛ فالزنجي المتعلم لا يرغب في الانتساب لها، ليس بسبب بدائيتها وفسادها المتزايد، ولكن بسبب تفضيله لمقاعد [البر] التي يسيطر عليها مضطهدوه. فهذا ما يأمره به تعليمه، ولا يمكن توقع أي شيء آخر منه”.

وانتهى “وودسون” إلى اعتقادٍ بأن “السعادة المطلقة للزنجي المتعلم ستتحقق إذا استطاع أن يغيّر لونه للبياض، لكنه يواسي نفسه أحيانًا بأن لونه الخلاسي أفضل بكثير من السواد القاتم، وهو مع ذلك يشجب البيض ويندِّد بهم؛ لأنهم يحتقرون لونه، ويؤخرونه إلى الصفوف الخلفية”.

رابعًا: الدلالات الفكرية  لـ”وودسون”:

يحتل “كارتر وودسون” مكانةً فريدةً في التاريخ الفكري الأسود. فمن خلال التطبيق المنضبط لإرادة حديدية، استطاع أن يؤسس في عام 1915م حركة وطنية لدراسة وحفظ وتفسير ونشر التاريخ الأسود تجاوزت جميع الجهود السابقة. واستطاع من خلال مجلته وجمعيته وأسبوع التاريخ الأسود أن يتغلغل إلى القرى والشوارع الضيقة على جانب الطريق، وكذلك المجتمعات الحضرية السوداء المزدهرة في “شيكاغو”، و”واشنطن”، و”نيويورك”. ولمدة خمسة وثلاثين عامًا كان هذا البرنامج الشامل للبحث والنشر والتعليم العام هو ما أطلق عليه الدكتور “وودسون” اسم “القضية”؛ واستطاع بجرأة وحماس أن يكرّس حياته لحملة شرسة كانت الوحيدة من نوعها في السعي وراء الحقيقة التاريخية، متجاوزًا العقبات الهائلة التي اعترضت طريقه.

كان التزامه معديًا؛ فقد بات تصميمه الشديد مصدر إلهام لجيل كامل من المؤرخين والمعلمين من المجتمع الأسود الذين يتوقون إلى معرفة ماضيهم، ومتعطشًا للفخر والكرامة في مواجهة الشك والإنكار.

ولحسن الحظ، أصبحت معظم إسهامات “وودسون” المتنوعة معروفة الآن بشكل كبير. وبات ما أسماه “القضية” همًّا مشتركًا للسود في كل مكان، بعد أن كانت الحقائق الصلبة لإنجازه بعيدة عن متناول الاعتراف المتعالي أو القبول على مضض. لكن الوجود الموضوعي لأعماله العلمية يتحدث عن نفسه. وتفترض مآثره التنظيمية أهمية أكبر، مع كل احتفال لشهر تاريخ الزنجي.

ومع ذلك، فإن مجمل الإنجاز، بمعناه الكامل، أكبر بكثير من مجموع أجزائه. فكل الأحداث البارزة التي كثيرًا ما تتكرر في مسيرته المهنية الرائدة والمعزولة والمتحدية بقوة تفشل بطريقة ما في الاستيلاء على القوة الكاملة للرجل.

إذًا فما هو الأساس الذي قام عليه القول بأهمية “كارتر وودسون”؟ أرى أنها تعود بشكل أساسي إلى القيم التي قامت عليها أعماله. فمن المثير للدهشة أن معظم المعجبين به تجنّبوا مناقشة هذه القِيَم التي تمثلت في أعماله بشكل صريح في كتاباتهم. ويبدو الأمر كما لو كان هناك اتفاق ضمني على حصر المناقشة في جوانب إنجازه التي يمكن أن تحظى بموافقة الرأي الأكاديمي الأكثر تشككًا والأكثر تقليدية. فَلِمَ التأكيد على تدريب “وودسون” الأكاديمي في “شيكاغو” و”هارفارد”؟ لقد كان هو نفسه أكثر منتقدي التعليم اللاذع والمرير أحيانًا للتعليم المقدَّم في مثل هذه المراكز التعليمية المهيبة، واستنكر تأثيرها على الزنجي الذي سعى إلى قبول البيض أو الفخر بمكانته بين السود نتيجة لمثل هذا التدريب.

إن القاعدة غير القابلة للاختزال لعظمة “وودسون” الحقيقية كانت إسقاط مسيرته المهنية على التقاليد السوداء. فبالنسبة للعديد من الباحثين، فإن أعمال “وودسون” لها أهمية كبيرة في توفير ذخيرة واقعية في مواجهة التهمة المنافية للعقل، والتي تم إضفاء الطابع الرسمي عليها للمهنة التاريخية من قبل المؤرخ البريطاني “أرنولد توينبي” Arnold Toynbee (1889-1975م) في عام 1934م، حيث رأى أن العرق الأسود فقط من بين جميع الأعراق البشرية “لم يقدم أيّ مساهمة مثمرة في الحضارة”. كان القرار قد صدر مِن قِبَل المؤرخين البيض بأن من المفترض أن يكون السود شعبًا “بلا تاريخ”. ليس في إفريقيا ولا في أمريكا الشمالية ولا في أمريكا اللاتينية، ولكن السود بشكل عام. وهنا تبرز أهمية “وودسون” الحقيقية.

وقد راهن “وودسون” من خلال جهوده الفردية على الثقة بأن السود يتمتعون بتقاليد شديدة المرونة، لكنها واسعة النطاق، وبالتالي يمكن أن تكون ملاذًا في أوقات الشدة، ومصدر إلهام في أوقات الشك، والأساس الضروري لإحراز تقدم جديد في أوقات عدم الثقة.

وختامًا:

فإن الظاهرة التي يعرفها التاريخ باسم “كارتر وودسون” يمكن تلخيصها في العبارة السهلة والممتعة، بأنه “أبو التاريخ الزنجي”. فمن المؤكد أن الرجال والنساء السود الذين سبقوه كانوا قد سعوا للحصول على حقيقة الماضي الزنجي، وأنشأوا في سبيل ذلك منظمات لتعزيز الاستقصاء التاريخي، وجمع الوثائق وتحفيز الفخر بالماضي كأساس للثقة في المستقبل. وهو ما نجح “وودسون” في إبرازه على نطاق أوسع، وبطاقة أكبر، وبصيرة أعمق، وفهم أكثر تطورًا للتقنية العلمية من معظم أسلافه. فإنجازاته كمؤرخ، بغض النظر عن الآثار التنظيمية أو الاجتماعية لعمله، عندما يتم الحكم عليها من خلال المعايير التقليدية لمعاصريه في المهنة، هي إنجازات هائلة. يصعب تلخيصها في تفانيه الشخصي، أو تدريسه، أو كتاباته التاريخية، أو تحريره، أو تنظيمه.

_______________________

أهم المراجع المستخدمة في البحث:

Dagbovie, Pero Gaglo. “” Among the vitalizing tools of the radical intelligentsia, of course the most crucial was words”: Carter G. Woodson’s” The Case of the Negro”(1921).” Journal for the Study of Radicalism 3.2 (2010): pp. 81-112‏

Dagbovie, Pero Gaglo. ““MOST HONORABLE MENTION… BELONGS TO WASHINGTON, DC”: THE CARTER G. WOODSON HOME AND THE EARLY BLACK HISTORY MOVEMENT IN THE NATION’S CAPITAL.” The Journal of African American History 96.3 (2011): pp. 295-324‏

Dagbovie, Pero Gaglo. Carter G. Woodson in Washington, DC: The Father of Black History. Arcadia Publishing, 2014.‏

Franklin, John Hope. “The Place of Carter G. Woodson in American Historiography.” Negro History Bulletin 13.8 (1950): pp. 174-176‏

Logan, Rayford W. “Phylon Profile VI: Carter G. Woodson.” Phylon (1940-1956) 6.4 (1945): pp. 315-321‏

Meier, August, and Elliott Rudwick. “J. Franklin Jameson, Carter G. Woodson, and the Foundations of Black Historiography.” The American Historical Review 89.4 (1984): pp. 1005-1015‏

Miles, Willie Leanna. “Dr. Carter Godwin Woodson as I Recall Him, 1943-1950.” The Journal of Negro History 76.1-4 (1991): pp. 92-100‏

Pryde, Marion J. “My Personal and Family Reminiscences of Dr. Carter Godwin Woodson.” The Journal of Negro History 76.1-4 (1991): pp. 101-105‏

Wesley, Charles H. “Carter G. Woodson—as a scholar.” The Journal of Negro History 36.1 (1951): pp. 12-24‏

Winston, Michael R. “Carter Godwin Woodson: Prophet of a Black tradition.” The Journal of Negro History 60.4 (1975): pp. 459-463‏

Woodson, Carter G. The mis-education of the Negro. Book Tree, 2006.‏

أ.ناصر كرم رمضان

أ.ناصر كرم رمضان

باحث في الفكر السياسي والثقافة الإفريقية-كلية الدراسات الإفريقية العليا-مصر

مواد ذات صلة

“ليما غبوي” ودورها في إنهاء الحرب الأهلية في ليبيريا

“ليما غبوي” ودورها في إنهاء الحرب الأهلية في ليبيريا

يونيو 26, 2025
جوزيف ناي: الإفريقانية في أَسْر وهم “القوة الناعمة”

جوزيف ناي: الإفريقانية في أَسْر وهم “القوة الناعمة”

مايو 22, 2025
آثول فوجارد..شعلة مضيئة في ظلام التمييز العنصري بجنوب إفريقيا

آثول فوجارد..شعلة مضيئة في ظلام التمييز العنصري بجنوب إفريقيا

أبريل 17, 2025
أسماء بنت فودي …  نموذج لريادة المرأة في إفريقيا

أسماء بنت فودي … نموذج لريادة المرأة في إفريقيا

ديسمبر 26, 2024
«دوس محمد علي» وريادة الصحافة الأفريقانية: قراءة في التأسيس والرؤية

«دوس محمد علي» وريادة الصحافة الأفريقانية: قراءة في التأسيس والرؤية

ديسمبر 12, 2024
حامد إدريس عواتي… مُفجّر الثورة الإريترية

حامد إدريس عواتي… مُفجّر الثورة الإريترية

نوفمبر 3, 2024

ابحث في الموقع

لا توجد نتيجة
مشاهدة جميع النتائج
يشغل حاليا

تويتر

Follow @qiraatafrican

الأكثر قراءة (أسبوع)

عين على إفريقيا (22- 27 نوفمبر 2024): تداعيات سياسة “أميركا أولًا” في إفريقيا

الزيارة المُرتَقَبة لخمسة رؤساء أفارقة إلى البيت الأبيض: دوافع اختيار ترامب لهم

يوليو 7, 2025

حظر اتحاد “فيسي” الإيفواري.. واتارا يدهس “بيادق” غباغبو على رقعة الحرم الجامعي!

أكتوبر 22, 2024

القرن الإفريقي : حان وقت الدبلوماسية الاستباقية

يوليو 8, 2025

انطلاق القمة الإفريقية – الإسبانية الثالثة

يوليو 8, 2025

الدبلوماسيَّة الموازية في إفريقيا:أداة لتعزيز التنمية ومُعالَجة التحديات السياسيَّة والاقتصاديَّة

يوليو 7, 2025

خيارات الرئيس الكيني الصعبة في مواجهة جيل Z مع (سابا سابا)

يوليو 9, 2025

فيسبوك

‎قراءات إفريقية‎
  • قراءات تاريخية
  • متابعات
  • مكتبة الملفات
  • منظمات وهيئات
  • الحالة الدينية
  • حوارات وتحقيقات
  • أخبار
  • الحالة الدينية
  • المجتمع الإفريقي
  • ترجمات
  • تقارير وتحليلات
  • تقدير موقف
  • ثقافة وأدب

الأقسام

  • المجلة
  • كتاب قراءات
  • الموسوعة الإفريقية
  • إفريقيا في المؤشرات
  • دراسات وبحوث
  • نظرة على إفريقيا
  • الصحافة الإفريقية

رئيس التحرير

د. محمد بن عبد الله أحمد

مدير التحرير

بسام المسلماني

سكرتير التحرير

عصام زيدان

© حقوق الطبع محفوظة لدي قراءات إفريقية. تطوير شركة بُنّاج ميديا.

لا توجد نتيجة
مشاهدة جميع النتائج
  • المجلة
    • العدد الحالي
    • الأعداد السابقة
  • الموسوعة الإفريقية
  • تقارير وتحليلات
  • تقدير موقف
  • دراسات وبحوث
  • ترجمات
  • المزيد
    • إفريقيا في المؤشرات
    • الأخبار
    • الحالة الدينية
    • الصحافة الإفريقية
    • المجتمع الإفريقي
    • ثقافة وأدب
    • حوارات وتحقيقات
    • شخصيات
    • قراءات تاريخية
    • متابعات
    • مكتبة الملفات
    • منظمات وهيئات
    • نظرة على إفريقيا
    • كتاب قراءات إفريقية

© حقوق الطبع محفوظة لدي قراءات إفريقية بواسطة بُنّاج ميديا.