ينتمي “بوكر واشنطن” Booker T. Washington (1856-1915م) إلى الجيل الأخير من القادة الأمريكيين السود الذين وُلِدُوا في العبوديَّة. وترقَّى حتى وصل إلى مصافّ المثقفين الأمريكيين من أصل إفريقيّ ليصبح أحد روّاد الفكر السياسيّ الإفريقي خلال القرن التاسع عشر؛ حيث أسَّس “معهد توسكيجي العادي والصناعي” Tuskegee Normal and Industrial Institute (الآن جامعة توسكيجي) في سنة 1881م، كما أسَّس بعد عقدين “رابطة أصحاب الأعمال الزنوج الوطنيَّة” National Negro Business League. وهو كذلك أوّل أمريكي من أصل إفريقي يحصل على درجة الدكتوراه الفخريَّة من “جامعة هارفارد”.
عمل “واشنطن” على حَشْد ائتلاف وطنيّ من أفراد الطبقة الوسطى من السود، وقادة الكنيسة، والمتعاطفين من البيض مع السود والسياسيين؛ بهدف تأسيس قوة اقتصاديَّة للمجتمع، وتنمية الفخر والارتقاء العِرْقِيّ عبر التركيز على المساعدة الذاتيَّة والتعليم. ومن ناحية أخرى قام بدعم -بشكل سري- الطعن بقوانين التمييز العنصري والقيود المفروضة على تسجيل الناخبين.
عمل كذلك مستشارًا للرئيسين الأمريكيين “ثيودور روزفلت” (1858-1919م) Theodore Roosevelt و”ويليام هوارد تافت” (1857-1930م) William Howard Taft. وتسبَّبت صراعاته مع القادة السود مثل “وليام دوبوا” (1868-1963م) W. E. B. Du Bois حول الفصل العنصري في إثارة صراع فكري في بداية القرن العشرين، وبالرغم من ذلك يتردد اسم “واشنطن” اليوم باعتباره المتحدث الأمريكي الإفريقي الأكثر تأثيرًا في عصره.
أولًا: النشأة والسمات والخبرات الشخصيَّة لـ”واشنطن”:
وُلِدَ “بوكر تاليافيرو واشنطن” Booker Taliaferro Washington في 5 أبريل سنة 1856م في كوخ صغير بمقاطعة “فرانكلين” Franklin، بجنوب ولاية “فيرجينيا” Virginia لأم سوداء وأب أبيض لم يعرفه قط. ليُصبح –فيما بعد- الزعيم الأمريكي الإفريقي الأبرز في عصره. وهو ما جعل البعض يقول بريادته كأقوى زعيم أسود عاش داخل أمريكا على الإطلاق.
جاء “واشنطن” من بدايات متواضعة؛ حيث عمل خادمًا في طفولته، وعايش العبوديَّة قبل وأثناء الحرب الأهليَّة الأمريكيَّة. وبعد حصوله على حريته عمل بوظائف متواضعة مختلفة؛ بما في ذلك العمل في مناجم الفحم بولاية “فرجينيا الغربيَّة” West Virginia، وهو عملٌ خطير للغاية. وأثناء عمله في مناجم الفحم، علم بوجود مدرسة مُكرَّسَة لتعليم الأمريكيين الأفارقة والأمريكيين الأصليين، والتي كانت تسمى: “معهد هامبتون” Hampton Institute بمقاطعة “هامبتون”، بولاية “فيرجينيا”. كان مؤسِّس المعهد ومديره هو “صموئيل تشابمان أرمسترونج” (1839-1893م) Samuel Chapman Armstrong. والذي أولى “واشنطن” عنايةً خاصةً، عندما وصل الأخير إلى المدرسة، وهو لا يحمل شيئًا سوى حقيبة ملابسه على ظهره.
وعلى الرغم من كون “ارمسترونج” مؤمنًا بالآراء العنصريَّة مثله مثل الديماجوجيين والعنصريين الجنوبيين؛ من حيث تبنّيه لوجهة النظر القائلة بأن الأسود أدنى من الأبيض في العقل والجسد، إلا أنه نظر إلى “واشنطن” باعتباره استثناءً. كان بإمكانه أن يُرجع عبقريَّة “واشنطن” ومواهبه إلى “الدم الأبيض” في عروقه. ومع ذلك تبنَّى “واشنطن” العديد من آراء معلمه، وهو ما ظهر من خلال استراتيجيته الخاصة بالارتقاء العِرْقِيّ لسنوات تالية. فعلى سبيل المثال؛ كان “أرمسترونج” يُشجّع على شراء الأراضي، والتعليم الصناعي للسود، وهو ما أصبح جزءًا رئيسيًا من فلسفة “واشنطن” فيما بعد.
في سنة 1881م، أوصى “أرمسترونج” “واشنطن” ببناء وقيادة مدرسة في “توسكيجي” Tuskegee، بولاية “ألاباما” Alabama، لتكون نموذجًا آخر يشبه “معهد هامبتون للتعليم الصناعي”، وهو ما وجد قبولًا لدى “واشنطن”. وعندما وصل “واشنطن” إلى مدرسته الجديدة، لم يكن في انتظاره سوى قطعة أرض فضاء، والقليل من المال للبدء في إنشاء المدرسة. لكنه سرعان ما بدأ هو وطلابه بتصنيع الطوب الخاص بهم، وتصميم المباني، وزراعة وطهي طعامهم، وما إلى ذلك.
وأخيرًا قام “واشنطن” ببناء “معهد توسكيجي” Tuskegee Institute ليصبح واحدًا من أرقى مدارس السود في ذلك الوقت، والذي كانت فيه معظم الكليات السوداء لا تزال تُدار مِن قِبَل المُبشّرين البيض، وعلى النقيض من ذلك كانت هيئة التدريس والهيكل الطلابي بالكامل في “معهد توسكيجي” من السود. وليس من قبيل المصادفة أن ينتهي الأمر ببعض كبار العلماء السود في البلاد للعمل بالتدريس في “توسكيجي”. ولعل أشهرهم: عالم النباتات الأسود “جورج واشنطن كارفر” (1864-1943م) George Washington Carver. كما تضمنت هيئة التدريس الأكاديميَّة أيضًا أشخاصًا سودًا حازوا على درجات علميَّة من جامعات مثل: “فيسك” Fisk و”أتلانتا” Atlanta و”هارفارد” Harvard و”أوبرلين” Oberlin. ومن المفارقات أن “وليم دوبوا” نفسه كان سيحصل على وظيفة داخل المعهد، لو لم يلتزم بوظيفة في “جامعة ويلبرفورس” Wilberforce University قبل ذلك بثمانية أيام.
في 18 سبتمبر سنة 1895م، تمت دعوة “واشنطن” للتحدُّث في “معرض القطن”؛ وهو تجمُّع كبير من المزارعين ورجال الأعمال الجنوبيين البيض. وأثناء الاجتماع الذي عُقِدَ في “أتلانتا” Atlanta، بولاية “جورجيا”، ألقى “واشنطن” حديثًا قصيرًا تناول من خلاله تجاربه وأفكاره، وتحدّث عن اعتقاده بأن “الطريق لا يزال طويلًا أمام الأمريكيين السود لتحقيق المساواة مع الأمريكيين البيض، ويحتاج إلى التدرج والوقت الكافي”. كان يرى أن “على السود أن يبذلوا المزيد من الجهد لتجاوز أيام العبوديَّة”.
قام الرئيس “ويليام ماكينلي” (1843-1901م) William McKinley شخصيًّا بزيارة “معهد توسكيجي” سنة 1898م. وأشاد الرئيس بما تم إنجازه بالمعهد. وهو ما ساعد “واشنطن” بجمع المزيد من الأموال لمعهده.
وفي سنة 1901م أصبح “واشنطن” أول أمريكي من أصل إفريقي يُدْعَى إلى البيت الأبيض؛ عندما دعاه الرئيس “ثيودور روزفلت” لتناول العشاء معه. وهو الحدث الذي تسبَّب في ضجة كبيرة بين الأمريكيين البيض والصحافة الأمريكيَّة، وذلك في أعقاب نشر “واشنطن” لسيرته الذاتيَّة بعنوان “النهوض من العبوديَّة” Up From Slavery. لكن “روزفلت” رأى أن يجعل “واشنطن” مستشارًا له في المسائل العِرْقيَّة، وهي تجربة تَابَعَهُ فيها خَلَفُهُ الرئيس “ويليام هوارد تافت”.
وفي 14 نوفمبر سنة 1915م، تُوفِّي “واشنطن” بسبب مرضه بالفشل الكلوي، منهيًا حياته في سريره داخل “معهد توسكيجي”؛ حيث المكان الذي كان يحبّه أكثر من غيره. موته المفاجئ أدَّى إلى حزن الملايين من الشعب الأسود والأبيض على حدٍّ سواء. كما تمت الإشادة به في جميع أنحاء البلاد؛ لما قدّمه من إنجازات وخدمات للأمريكيين الأفارقة.
ربما كان إرث “واشنطن” الأعظم هو “جامعة توسكيجي”، لكنه ترك كذلك إرثًا فكريًّا تمثل في خمسة مؤلفات: “قصة حياتي وعملي” (1900م) The Story of My Life and Work، “النهوض من العبوديَّة” (1901م) Up From Slavery، “قصة الزنجي: صعود العرق من العبوديَّة” (1909م) The Story of the Negro: The Rise of the Race from Slavery، “تعليمي الأكبر” (1911م) My Larger Education، “الرجل الأبعد” (1912م) The Man Farthest Down. وغيرها من الخُطَب والمقالات.
ثانيًا: السياق الفكريّ والسياسيّ والتاريخيّ المعاصر لـ”واشنطن”:
كان القرن التاسع عشر حافلًا بالتطوُّرات السياسيَّة داخل أمريكا؛ احتلت فيه قضيَّة العبوديَّة مساحة كبيرة؛ ففي سنة 1808م، دخل القانون الذي بموجبه يحظر جلب العبيد إلى البلاد حيّز التنفيذ. في الوقت نفسه استمرت الولايات الجنوبيَّة في ممارسة الرقّ لأكثر من نصف قرن.
وفي سنة 1861م دارت الحرب الأهليَّة الأمريكيَّة بين الشمال والجنوب، والتي كان من أهم أسبابها: إنهاء “العبوديَّة” في الجنوب؛ نظرًا لأن معظم الولايات الشماليَّة كانت تعارض “العبوديَّة”. في الوقت الذي كانت فيه معظم الولايات الجنوبيَّة تُضْفِي على العبوديَّة شكلًا قانونيًّا؛ نظرًا لاعتماد المزارع الجنوبيَّة على العبيد للقيام بالعمل الميداني الصعب بدون مقابل. وهو ما يعني المزيد من الأرباح لأصحاب الأراضي؛ حيث يعتقد الكثير من الجنوبيين أن السود ليسوا بشرًا. وهو الأمر الذي جعل الولايات الجنوبيَّة ترفض إملاءات الولايات الشماليَّة؛ حيث إن الولايات الشماليَّة لم تكن تعتمد على الزراعة بنفس القدر.
ومع إعلان الرئيس الأمريكي “أبراهام لينكولن” (1809-1865م) Abraham Lincoln عن وثيقة “إعلان التحرر” Emancipation Proclamation في 22 سبتمبر 1862م، والتي جاء فيها: “أنه اعتبارًا من الأول من يناير عام 1863م، سيكون جميع العبيد في الولايات الجنوبيَّة أحرارًا إلى الأبد”. وهو ما اعتُبر إعلانًا جريئًا؛ حيث إنها المرة الأولى التي يكتب فيها رئيس أمريكي بيانًا رسميًّا مناهضًا للعبوديَّة. وبالرغم من أنه لم يكن قانونًا، لكنه بالطبع كان حدثًا مُلْهِمًا.
وبعد انتهاء الحرب والتصديق على الإعلان في ديسمبر 1865م، وبموجب التعديل الثالث عشر في دستور الولايات المتحدة، أصبحت العبوديَّة والاستعباد القسري غير قانونيَيْنِ في جميع الأماكن الخاضعة للسلطة القضائيَّة الأمريكيَّة. وهو ما جعل الحياة في حقبة إعادة الإعمار وما بعدها في الجنوب تمثل تحدّيًا للسود. حيث كان التمييز منتشرًا في ظل “قوانين جيم كرو” Jim Crow Laws. وكذلك كانت ممارسة الحق في التصويت بموجب التعديل الخامس عشر بالنسبة للسود مَهمَّة محفوفة بالمخاطر، كما كان الوصول إلى الوظائف والتعليم للسود محدودًا للغاية. ومع بروز جماعة “كو كلوكس كلان” Ku Klux Klan، كان التهديد بالعنف الانتقامي بسبب الدفاع عن الحقوق المدنيَّة حقيقيًّا.
في ظل هذه الحالة من الترقُّب جاء خطاب “واشنطن” للجمهور من الأغلبيَّة البيضاء في “أتلانتا” واضعًا خريطة طريق للسود الأمريكيين، وذلك من خلال دعوته إلى تحسين الذات بهدف العمل المشترك مع البيض. هذه الدعوة التي لاقت قبولاً كبيرًا؛ من حيث تكريسها لفكرة الانفصال عن البيض بدلاً من محاولة إلغاء الفصل العنصري، هذه الدعوة التي كانت مشروطة بمنح البيض المواطنين السود رجالًا ونساءً الفرصة للوصول إلى التعليم، وإفساح المجال لتقدُّمهم الاقتصاديّ، والعدالة أمام المحاكم الأمريكيَّة، وهو ما عبَّر عنه “واشنطن” بقوله: “يُدرك الحكماء من عرقي أن إثارة قضايا المساواة الاجتماعيَّة خلال الفترة الحاليَّة هي أقصى درجات الحماقة، وأن التقدُّم نحو التمتُّع بجميع الامتيازات التي ستأتي إلينا؛ يجب أن تكون نتيجة نضال عظيم ودائم وليس نتيجة تأثير مصطنع”.
ثالثًا: منطلقات “واشنطن” الفكريَّة:
يستطيع الباحث في حقل الفكر السياسي أن يتلمَّس منطلقات “واشنطن” الفكريَّة من خلال خطابه الذي عُرف على نطاق واسع بـ”تسوية أتلانتا”، والذي كتب “واشنطن” عنه لاحقًا: “لو كنتُ في هذا المكان قبل بضع سنوات مرَّت، لكان بإمكان أيّ رجل أبيض من بين الجماهير التي تستمع إلى خطابي الادعاء بأنني عبدٌ له… كنت أعرف أيضًا أن هذه هي المرة الأولى التي يُطْلَب فيها من أحد أفراد عرقي التحدُّث في هكذا مناسبة إلى رجال ونساء من البيض الجنوبيين”.
كان “واشنطن” يُدرك أن الحريَّة التي جاءت نتيجة حرب أهليَّة؛ لا يزال أمامها الكثير من الوقت والجهد لكي تُصبح واقعًا ملموسًا في حياة السود؛ لذا حث “واشنطن” السود الجنوبيين على بذل كل جهد ممكن للتوافق مع شركائهم البيض؛ اقتصاديًّا وسياسيًّا -حسبما قال- من أجل الصالح العام للجنوب.
قدَّم “واشنطن” نصيحته للبيض كذلك؛ حيث ذكّرهم بضرورة مساعدة السود في الجنوب، وحثّهم على إتاحة الفرصة لهم بقوله: “السود هم الأشخاص الأكثر صبرًا وإخلاصًا والتزامًا بالقانون.. فكما أثبتنا ولاءنا لك في الماضي، من خلال رعاية أطفالك، والسهر على رعاية كبار السن والمرضى من أقاربك، وغالبًا ما كنا نتبعهم بعيون دامعة إلى قبورهم. لذلك فإن المستقبل، على طريقتنا المتواضعة، سيكون بالوقوف إلى جانبك.. فنحن على استعداد للتضحية بحياتنا، إذا لزم الأمر، للدفاع عن حياتك، وربط حياتنا الصناعيَّة والتجاريَّة والمدنيَّة والدينيَّة بحياتك بطريقة تجعل مصالح كلا العرقين واحدة”.
ومضى “واشنطن” في حديثه: “إن أي جهد يبذله البيض لدفع العرق الأسود نحو النهوض سيُكافأ على نحو وافر”. وحذَّر قائلاً: “إما أن نُشكّل ثلثًا أو أكثر من جهل الجنوب وجرائمه، أو ثلثًا من ذكائه وتقدّمه. وإما أن تساهم جهودنا في الازدهار التجاري والصناعي للجنوب، أو نكون بمثابة جسد موات، طاله الركود، والاكتئاب، ما من شأنه تأخير كلّ جهد للنهوض بالجسد السياسي”.
كان خطابه من حيث الجوهر يطالب السود الجنوبيين بالتحلّي بالصبر، وتنحية مسألة الحقوق المدنيَّة جانبًا بشكلٍ مؤقَّت، والتركيز بدلاً من ذلك على التعليم وأشكال أخرى من تطوير وتحسين الذات للنهوض. فكان بمثابة برنامج عمليّ للتقدُّم العرقيّ، لكنه يحتاج لتحقيقه إلى دَعْم البيض الجنوبيين.
ولأجل أن يكون هذا البرنامج ناجحًا ينبغي أن ينطلق من عدة منطلقات، يمكن إجمال أهمها فيما يلي:
1- التعليم بوصفه وسيلة للارتقاء العرقي:
وُلِد “واشنطن” عبدًا، وبالتبعيَّة كان واحدًا من بين ملايين الأشخاص المنحدرين من أصل إفريقي الذين أُجْبِرُوا على العمل في الحقول والمزارع الكبيرة بدون أجرٍ. وخلال فترة العبوديَّة تم حرمانه من التعليم كغيره من العبيد، وحكى أنه “كان يسير بالقرب من مبنى المدرسة عدة مرات، ويُحَدِّث نفسه بأن شيئًا رائعًا كان يحدث في الداخل، وكم تمنَّى بشدة أن يكون جزءًا منه”.
وفي بعض الأحيان، كان يُطلب منه حمل كتب إحدى بنات سيد المزرعة، ليقودها إلى باب المدرسة، لكن ليس أبعد من ذلك. وهناك كان يسترق النظر إلى الداخل قبل أن يُغلق الباب في وجهه. كتب لاحقًا أن: “صورة العشرات من الأولاد والبنات في المدرسة تركت انطباعًا عميقًا لديه، وأن شعورًا تَمَلَّكَهُ بأنَّ الدخول إلى مدرسةٍ والدراسة بها هو بمثابة الولوج إلى الجنَّة”. كان يحلم بعالم الكتب والقراءة والتعليم. لكن حُلْمُه كان محفوفًا بالمخاطر.
في أمريكا لم يكن يُسمح للأطفال المستعبدين بالذهاب إلى المدرسة. حتى إنه كان من غير القانوني أن يتعلم العبد القراءة! كان أحد أهم الأسباب الرئيسيَّة لعدم رغبة المُلّاك البيض في تعليم عبيدهم؛ هو عدم اكتشافهم للعالم خارج مزارعهم. وهو ما عبَّر عنه “واشنطن” بأنه: “منذ اللحظة التي [قيل لي فيها]: إن تعلُّم القراءة أمر خطير بالنسبة لي.. عقدت العزم على أن أستكشف هذه الممارسة الخطيرة”. كان “واشنطن” يعلم أن مجرد حصوله على كِتَاب، قد يُعرّضه ذلك للجَلْد. لكنه ظل يحلُم ولم يتوقف عن الحلم؛ حتى قضى حياته في التعليم والتعلم، ودرَس بجدٍّ حتى أصبح مُعلِّمًا في النهاية، وقام بمساعدة الآلاف من الأمريكيين الأفارقة والعبيد السابقين في الحصول على التعليم. وأصبح مُلْهِمًا كذلك لغيره لإنشاء المزيد من المدارس والجامعات للسود داخل أمريكا.
عمل “واشنطن” طوال حياته على منح الآخرين فرصة للتعلم؛ حيث كانت حياته نموذجًا للكفاح من أجل التعليم. جعله تفانيه في تعليم الأمريكيين من أصل إفريقي مشهورًا في جميع أنحاء العالم. لقد أظهر أنه بالتركيز والتصميم والعزيمة، يمكن للإنسان أن “يرتقي من العبوديَّة” إلى حياة أفضل.
لقد كانت حياة العبد حياة عمل متواصلة؛ نظرًا لأن البيض مُلاك العبيد لم يسمحوا يومًا “لممتلكاتهم” أن يتعلموا القراءة أو الكتابة، أو أن ينعموا بالذهاب إلى المدرسة، أو يساورهم الأمل في مستقبل أفضل. كما لم يَرَ أسياد المزارع ثمة قيمة أو فائدة من تعليم العبيد.
شكَّلت جولات “واشنطن” التعليميَّة في الجنوب الأمريكي في أوائل القرن العشرين، جهودًا تنظيميَّة ومُلْهِمَة ورائعة في مواجهة ما بدا أحيانًا أنه بمثابة تحديات لا يمكن التغلُّب عليها تقريبًا.
ومن المهم أيضًا أن نفهم أن “واشنطن” استخدم هذه الجولات التعليميَّة ليس فقط للترويج لنفسه وأجندته الشخصيَّة. لكنه بمعنى أوسع، استخدمها لمعالجة “مشكلة الزنوج”، ولمواجهة المفاهيم العنصريَّة البيضاء والتي كانت تدّعي انحطاط السود وتراجعهم إلى الهمجيَّة إذا تحرّروا من العبوديَّة.
وكان السناتور “بنيامين تيلمان” (1847-1918م) Benjamin Tillman، وهو ديماجوجي عنصري أبيض من “كارولينا الجنوبيَّة”، أحد أولئك الذين جادلوا بأن العِرْق الأسود “قد تراجع” منذ الحريَّة. قال “تيلمان”: “في ظل العبوديَّة، كان الزنجي حَسَن التصرُّف للغاية. كما كان التأثير الحضاري للمؤسَّسة ملحوظًا لا سيما وأن عددًا كبيرًا من الرجال والنساء والسيدات من العبيد في الجنوب أضحوا من المسيحيين الجيدين مقارنة بجميع إفريقيا. أما الآن بسبب تحرُّرهم أصبحوا [محصنين بفيروس المساواة]، فتحولوا إلى وحوش بريَّة تبحث عمن قد تلتهمه”.
وفي محاولة لتفسير “جنون العظمة الذي يعاني منه السود” على حد تعبيره؛ فإن السود “يسيئون معاملة البيض بسبب تعرُّضهم لسوء المعاملة في السابق”، وجادل “تيلمان” بأن الأمريكيين من أصل إفريقي “خططوا لقتل جميع الرجال البيض، والزواج من نسائهم، واستخدام الأطفال البيض خُدامًا لهم”. علاوة على ذلك، اعتقد السناتور” تيلمان” أنه عندما يتلقى السود “القليل من التعليم”، فإن النتائج كانت “مُثبطة ومدمِّرة للفضائل الأصليَّة للعِرْق”.
وعلى الرغم من هذه المفاهيم السائدة والصُّور النمطيَّة السخيفة عن الأمريكيين من أصل إفريقي؛ فإن عميد “توسكيجي” استطاع تقويضها من خلال جولاته التي بدأها بكتابة سيرته الذاتيَّة “النهوض من العبوديَّة” خلال كتابه المنشور سنة 1901م، والذي كان بمثابة إنجيل للمساعدة الذاتيَّة والارتقاء بالعرق. قدّم من خلاله العديد من البيانات الإحصائيَّة عن التطورات التي حققها الأمريكيون الأفارقة، وما حازوا عليه من ممتلكات، وتعليم ومحو أميَّة العديد. كما سلط كذلك الضوء على آخرين من النساء والرجال السود الذين حققوا إنجازات مهمة في جميع أنحاء البلاد.
كان لديه اعتقاد راسخ بأن التعليم هو المسار الأكثر أمانًا وحكمة بالنسبة للسود. ورأى أن “الزنجي بات أقوى وأكثر حكمة مما كان عليه” خلال فترة العبوديَّة، لكنه لا يزال في حاجة إلى التعليم ليرتقي ويزدهر، فعلى حد تعبير “واشنطن”: “لا يمكن لأيّ عرق أن يزدهر حتى يتعلم.. ولكي يتعلم يجب أن نبدأ من قاع الحياة، وليس في الجزء العلوي، ولا ينبغي أن نسمح لمظالمنا أن تُلقي بظلالها على فرصنا”.
2- مناهضة العنصريَّة الأمريكيَّة ضد الملونين
عاش العبيد في الولايات الجنوبيَّة حياة بؤس وشقاء، كان يتم تفكيك العائلات عمدًا وبيع أفرادها إلى مزارعٍ بعيدة. وإذا تجرَّأ أحد العبيد على عصيان سيّده، فقد يُعاقب بالجَلْد أو ما هو أسوأ. وحول حياته كعبد في الجنوب، كتب “واشنطن” لاحقًا: “كانت بداياتي بين أكثر المناطق بؤسًا، وخرابًا، وإحباطًا”.
كان “واشنطن” يتذكر اليوم الذي زار فيه ضابط جيش الاتحاد مزرعة “بوروز”؛ حيث قام بجمع العبيد معًا وتلا عليهم إعلان التحرر. وقتها أدرك “واشنطن” وجميع العبيد وعائلتهم –بدهشة- أنهم لم يعودوا عبيدًا. وصف “واشنطن” هذا الشعور لاحقًا: “كان هناك ابتهاج عظيم وشكر وامتنان”.
أصبح “واشنطن” ابن التسع سنين يُدرك أن كلمة الحريَّة ليست مُجرد إعلان يُتْلَى، أو منحة تُعْطَى، أو وعدٍ ريثما يتحقق، وأن الحريَّة أكبر من ذلك كله. وبأن العنصريَّة هي الوجه الآخر للعبوديَّة. وبأنها الجدار الذي اصطدم به منذ بدايات ممارسته للحريَّة المزعومة؛ فأثناء رحلته إلى “معهد هامبتون”؛ واجه العنصريَّة لمجرد أنه أسود اللون. كان يعلم بالطبع أن العبوديَّة قد انتهت بموجب إعلان التحرُّر، إلا أن العنصريَّة كانت لا تزال تعمل على تهميش واضطهاد السود، وحرمانهم من أن يمارسوا الحريَّة بمعناها الحقيقي.
في سنة 1895م، ألقى “واشنطن” خطابه الأشهر خلال “معرض الولايات القطينة بأتلانتا” Atlanta Cotton States Exposition، والذي كان سببًا كبيرًا في شهرته على المستوى الوطني. ومن المفارقات؛ وفاة “فريدريك دوجلاس” (1817-1895م) Frederick Douglass في نفس العام، مما تسبَّب بفراغ كبير في القيادة السوداء داخل الولايات المتحدة. ويرجع السبب الرئيسي وراء مشاركة “واشنطن” والسود في هذا الحدث؛ هو الرغبة في ظهور للأمريكيين الأفارقة؛ حيث إن “المعرض كان فرصة للتعبير عن التقدم الذي أحرزه السود منذ التحرُّر”.
كانت كلمات “واشنطن” في خطابه ذات دلالة واقعيَّة لما يعايشه المجتمع الأسود بعد التحرُّر؛ وهو ما عبّر عنه بقوله: “على المستوى الاجتماعي، يمكننا أن نكون منفصلين مثل أصابع اليد الواحدة، لكننا في الوقت نفسه مترابطين فيما بيننا كقبضة اليد لعمل كل الأشياء الضروريَّة التي تدفعنا للتقدم المتبادل”. كان يقصد بالانفصال في الممارسات الحياتيَّة واليوميَّة، والتي كان بإمكان البيض أن يكونوا منفصلين عن السود فيها، لكنهم في المجالات المهنيَّة والعمليَّة؛ فلا أقل من أن تتضافر جهود الجميع.
كلمات “واشنطن” وجدت صدًى لدى مستمعيه البيض؛ فهو ما كان يصبو إليه الجنوب من فصل السود عن حياتهم اليوميَّة وأمورهم الحياتيَّة؛ وذلك مع استمرار الاستفادة من أعمالهم. وهو ما رسَّخته الولايات الجنوبيَّة من خلال سَنّ العديد من القوانين التي تجعل الفصل بين الأعراق أمرًا قانونيًّا. فلا يستطيع الأطفال البيض والسود الذهاب إلى المدرسة معًا. كما لا يمكن للسود ارتياد المكتبات العامة، أو حضور المناسبات العامة مع البيض. وعلى الرغم من أن الحرب الأهليَّة قد حررت جميع العبيد، إلا أنها لم تستطع تغيير المعتقدات أو الممارسات العنصريَّة للعديد من البيض الجنوبيين.
حتى إن بعض القادة البيض من الشمال أشادوا بخطاب “واشنطن”. كان أهمها إشادة الرئيس “جروفر كليفلاند” (1837-1908م) Grover Cleveland بأفكار “واشنطن”. ولم يقتصر الأمر على القادة البيض؛ فقد أشاد بعض القادة السود كذلك بالخطاب؛ حيث كتبت صحيفة “ريتشموند بلانت” Richmond Planet، وهي صحيفة سوداء: “كان خطاب البروفيسور [واشنطن] خطابًا مُوفَّقًا، ومجهودًا رائعًا يضعه في طليعة ممثلي عرقنا”.
وعلى الجانب الآخر اعتبرت غالبيَّة الجماهير السوداء الخطاب بمثابة دعوة لتكريس الفصل العنصري، وأن المسار الذي اقترحه “واشنطن” كان بطيئًا للغاية. ويصطدم كذلك مع رغبتهم في تحقيق المساواة التي كفلها لهم دستور الولايات المتحدة بشكل آنيّ. كتب “وليام كالفن تشيس” (1854-1921م) William Calvin Chase، رئيس تحرير صحيفة سوداء واصفًا خطاب “واشنطن”: “خطابه كان بمثابة موتًا للأفرو-أمريكيين وترقية للشعب الأبيض”.
حاول “واشنطن” بشكل خاص مساعدة القضيَّة السوداء بطرق أخرى. ففي ولاية “ألاباما”، تم رفع العديد من الدعاوى القضائيَّة مِن قِبَل مواطنين سود في محاولة منهم للحصول على حقوقهم القانونيَّة. قام “واشنطن” في بعض الأحيان بدفع أتعاب المحاماة، وفي أحيان أخرى تكفَّل برسوم المحكمة لهؤلاء المواطنين السود. لكنه لم يكن يستخدم اسمه الحقيقي مطلقًا عندما قام بذلك. فقد خشي “واشنطن” من معاقبة البيض له بالامتناع عن دعم “معهد توسكيجي”.
وفي سنة 1896م، جاء القرار التاريخي للمحكمة العليا الأمريكيَّة بتكريس التفرقة العنصريَّة في المرافق العامة؛ حيث جاء قرار المحكمة العليا الصادر في قضيَّة “بليسي ضد فيرجسون” Plessy v. Ferguson يؤكد على فكرة الانفصال بين السود والبيض؛ ذهبت المحكمة إلى الإقرار بأن الأماكن العامة هي أماكن “منفصلة ولكنها متساوية” Separate But Equal. وهو ما أعطى مظلة قانونيَّة للولايات الجنوبيَّة استطاعوا من خلالها تكريس الفصل العنصري بين المواطنين البيض والسود. وكأن قرار المحكمة جاء تلبية لدعوة “واشنطن” في خطابه بـ”أتلانتا”.
وفي سنة 1901م، كانت دعوة الرئيس “ثيودور روزفلت” لـ”واشنطن” لزيارة البيت الأبيض وتناول العشاء معه بمثابة حدثٍ مُهمّ في حياة “واشنطن”؛ حيث إن “روزفلت” كان زعيمًا محبوبًا للجميع. اعترف “روزفلت” لـ”واشنطن” بأنه تردَّد كثيرًا قبل إقدامه على دعوة رجل أسود لتناول العشاء داخل البيت الأبيض؛ لكنَّه في النهايَّة خجل من نفسه، ومِن ثَمَّ قام بإرسال الدعوة. وبعد يومين من زيارة “واشنطن”، تناولت الصحافة الأمريكيَّة للقصة بشكل احتجاجيّ واعتراض شعبيّ؛ حيث صُدم معظم البيض، وخاصة الجنوب، من فكرة تناول الرئيس الطعام مع رجل أسود في البيت الأبيض. حتى الليبراليون البيض بدا لهم أن من المذهل أن “روزفلت” كان يستشير رجلًا أسود في مسائل ذات أهميَّة وطنيَّة.
في آخر حياته أصبحت فكرة تكريس الفصل العنصري تؤرقه، ففي سنة 1912م، كتب “واشنطن” مقالاً جريئًا بعنوان “هل يتمتع الزنجي بفرصة عادلة؟” Is the Negro Having a Fair Chance?، وبعد فحص السؤال من عدة زوايا مختلفة، خلُص إلى أن الأمريكيين السود ليس لديهم أسباب كافية للشعور بالرضا، خاصة في مجال النقل بالسكك الحديديَّة. وكتب يقول: “إنَّ ما يُزعج الملونين فيما يتعلق بالسفر عبر السكك الحديديَّة ليس الفصل؛ بل عدم كفاية أماكن الإقامة.. ففي معظم الحالات؛ يكون الجزء الزنجي من السيارة سيئ التهويَّة، وسيئ الإضاءة، والأهم من ذلك كله، نادرًا ما يتم الحفاظ عليه نظيفًا”. بالإضافة إلى بؤس السفر بالسكك الحديديَّة، تناول “واشنطن” قضايا مثل: الإعدام خارج نطاق القانون، والحرمان من الحقوق، وأوجه القصور في تعليم السود.
كانت محاولاته لفضح قُبْح العنصريَّة شحيحة ونادرة، ولا تكفي لإحداث تأثير كبير. فبوصفه مناصرًا للتكيف والاندماج؛ كان حريصًا على عدم مهاجمة نظام التفوق الأبيض بأيّ قوة حقيقيَّة. ولسنوات عديدة، كانت تصريحاته العامة بشأن الإعدام خارج نطاق القانون وغيرها من أشكال الظلم الواقع على السود غامضة بشكل محبط، وقد قوَّض هذا إلى حدّ كبير فعاليته كمتحدّث مناهض للعنصريَّة.
3- التعليم الصناعي للملونين
عمل “واشنطن” في منجم فحم بولاية “فرجينيا” في بداية حياته. كان عملاً شاقًّا وخطيرًا. وقد حكى “واشنطن” عنه بقوله: “لا أعتقد أن أحدًا رأى ظلامًا بمثل الظلام الذي وجدته في منجم الفحم”، وعمل كذلك بإحدى مصانع الملح، والذي وصف العمل به بالصعب والقذر.
هذه التجربة بجانب التحاقه بـ”معهد هامبتون” الصناعي؛ شكَّلت تصوُّر “واشنطن” ووعيه حول التعليم الصناعي للسود؛ فقد تأثر كذلك بآراء الجنرال “أرمسترونج” مدير ومؤسّس “معهد هامبتون”، والذي قاد القوات السوداء خلال الحرب الأهليَّة الأمريكيَّة. والذي وصفه “واشنطن” فيما بعد بأنه “أكثر من مجرد أب”.
يعتقد الجنرال “أرمسترونج” أن السود يجب أن يحصلوا على تعليم صناعيّ، وعليهم كذلك تعلُّم كيفيَّة القيام بالأعمال الماهرة التي تعتمد على المجهود البدني، مثل الزراعة والنجارة والبناء. وبالرغم من أن “واشنطن” والطلاب في “هامبتون” تلقوا دروسًا في الكتابة والرياضيات والعلوم، لكنهم في الوقت نفسه أمضوا جُلّ وقتهم في تعلُّم مهن ومهارات محدَّدة اختارها لهم الجنرال “أرمسترونج”؛ حيث كان جميع معلمي المعهد في ذلك الوقت من البيض.
عمل “واشنطن” بعد تخرُّجه من المعهد في سنة 1875م كاتبًا في “كنيسة صهيون المعمدانيَّة الإفريقيَّة المحليَّة” local African Zion Baptist Church. لكنه في سنة 1878م قرَّر الالتحاق بمدرسة “وايلاند اللاهوتيَّة” Wayland Seminary School في “العاصمة واشنطن”؛ فقد كانت المدرسة تقوم على تدريب القساوسة والوعاظ”. لكنه لم يستطع البقاء هناك طويلا؛ حيث أعرب عن توجُّسه من الطريقة التي يتم بها تعليم القساوسة والوعاظ المستقبليين؛ حيث رأى أنها لن تُجدي نفعًا في العالم الحقيقي. وعبَّر عن ذلك بقوله: “لقد عرفوا المزيد عن اللاتينيَّة واليونانيَّة، لكن بدا وكأنهم يعرفون القليل عن الحياة التي سيواجهونها، والظروف التي ستعترضهم”. كان “واشنطن” لا يرى جدوى من التعليم النظري والفلسفي، ويؤمن بأن السود في أمسّ الحاجة لتعلم دروس تساعدهم على النجاح في حياتهم اليوميَّة.
في سنة 1879م، طلب الجنرال “أرمسترونج” من “واشنطن” التحدّث في حفل تخرج “هامبتون”؛ حيث ألقى خطابًا بعنوان “القوة التي تنتصر” The Force that Wins. والذي لخَّص فيه تصوُّره حول أهميَّة ذهابه إلى المدرسة، واتخاذه للخيارات الصحيحة. وخاطب جمع الخريجيين بأن “القوة التي تنتصر” تتطلب أكثر من الكتب.
وفي كلمته خلال “معرض أتلانتا لولايات القطن”، تحدث “واشنطن” عن اعتقاده بأن الطريق إلى الأمام بالنسبة للأمريكيين السود لم يكن السعي لتحقيق المساواة الفوريَّة مع الأمريكيين البيض، ولكن البحث عن مسار أكثر تدرُّجًا. كان يعتقد أن السود يجب أن يعملوا بجد أكبر لتجاوز أيام العبوديَّة.
دعا “واشنطن” السود إلى التحلّي بالصبر ودعم المجتمع الأبيض؛ فوفقًا لرؤيته لن يكون السود جميعًا رجال أعمال أو سياسيين، لذا يجب عليهم التركيز على العمل اليدوي والصناعي مثل الزراعة، والميكانيكا.. أو الخدمة المنزليَّة. كان هذا يعني تولّي السود لوظائف مدفوعة الأجر، وهو نفس العمل الذي كان يقوم العبيد به من قبل أثناء فترة العبوديَّة، ولكن بشكل مجاني. وأضاف: “لا يمكن لأيّ عِرْق أن يزدهر حتى يتعلم أن هناك قدرًا من الكرامة في حراثة الحقل تمامًا مثل كتابة القصيدة”.
4- فلسفة ريادة الأعمال Entrepreneurial Philosophy
تم تشكيل وصياغة فلسفة “ريادة الأعمال” في فكر “واشنطن” مِن قِبَل القوى السياسيَّة والاقتصاديَّة والاجتماعيَّة التي هيمنت خلال فترة إعادة الإعمار، وهي فترة شكَّلت انعطافًا تاريخيًّا في حياة الأمريكيين من أصول إفريقيَّة، وكذلك الأحداث الرئيسيَّة والأفراد الفاعلين الذين عملوا إمَّا على تعزيز فلسفته التجاريَّة الناشئة أو توسيعها.
علاوةً على ذلك، تشكَّلت فلسفة “ريادة الأعمال” لدى “واشنطن”؛ من خلال ملاحظته لتأثيرات العلاقة الاقتصاديَّة بين “معهد توسكيجي” ومقاطعة “ماكون” Macon، و”ألاباما” Alabama، والمنطقة المحيطة ككل. ومن خلال السِّلع والخدمات التي كان يقدّمها المعهد في محيطه الإقليمي. واستنتج أخيرًا أنه إذا كان بإمكان الأمريكيين الأفارقة في كل مكان أن يكونوا قيمة مضافة لا غِنَى عنها للمجتمعات المحيطة بهم؛ فإن مشكلة العرق ستحل نفسها في النهاية بطريقة طبيعيَّة وغير قسريَّة. وهو ما جعل “واشنطن” يدعو باستمرار إلى هذه الاستراتيجيَّة علنًا وسرًّا؛ مع التركيز على الواجبات والحقوق.
ولتصنيف فلسفة “ريادة الأعمال” عند “واشنطن”، ومفهومه للواجبات Conception Of Duties، يتضح أن فلسفة “ريادة الأعمال” لدى واشنطن كانت هجينة؛ فهي لم تكن رأسماليَّة بحتة ولا اشتراكيَّة خالصة، لكنها احتوت على عناصر من كلا الأيديولوجيتين؛ حيث دعا “واشنطن” إلى الأفكار الرأسماليَّة مثل المشاريع الخاصة، والمخاطرة، واحتكار السوق الإفريقيَّة الأمريكيَّة، والمنافسة والاستحواذ على حصص كبيرة من السوق المفتوحة، وتطوير المنافذ الاقتصاديَّة، وكلها تزامنت مع آراء رائدي الصناعة في عصره. في الوقت نفسه، دعا إلى برنامج يعمل على رفع مستوى المجموعة؛ حيث تبنَّى أفكارًا مثل دعم المشاريع الأمريكيَّة الإفريقيَّة الجديرة، وخلق قادة للمجال الصناعي، والمساهمة كذلك في تنمية المجتمع، وتطوير الشخصيَّة والارتقاء بها -التي اعتبرها أكثر أهميَّة من الثروة الماديَّة-، ومساعدة أولئك الأقل حظًّا. وبوصفه فنيًّا ماهرًا؛ استخدم “واشنطن” مهاراته للتكيُّف والعمل في البيئة السياسيَّة والاقتصاديَّة والاجتماعيَّة التي وجد نفسه وشعبه فيها، مع إعطاء أفضليَّة للمجموعة على العمل الفردي.
بالإضافة إلى الحجة أعلاه، يظهر “واشنطن” كرائد في مجال الأعمال، وذلك من خلال الطريقة التي بدأ بها ونسّق بيع “معهد توسكيجي” للسلع والخدمات إلى السوق المحليَّة، وكذلك مهارته في جمع الأموال من أجل وصيانة وتشغيل المدرسة. وبرزت كذلك فلسفة “ريادة الأعمال” عند “واشنطن” في خطاباته وكتاباته، وعمليًّا من خلال تقدُّمه الاقتصادي وتطوُّره وصعوده المتنامي.
ولسوء الحظ، لم تُؤدِّ فلسفة “واشنطن” الرياديَّة إلى النتائج التي كان يصبو إليها، وذلك لعدة أسباب: أولاً، مثله مثل الأمريكيين بشكل عامّ تأثر بالظروف الاقتصاديَّة الصعبة التي أعقبت الحرب الأهليَّة، وأثناء فترة إعادة الإعمار، بالإضافة إلى هجرة الأمريكيين من أصول إفريقيَّة إلى الشمال بعد إنهاء مؤسَّسة العبوديَّة، الأمر الذي عطَّل جزئيًّا برنامج الريادة لـ”واشنطن” من التقدُّم. ثانيًا: لم يسعَ الأمريكيون من أصل إفريقي إلى أن يصبحوا رُوّاد أعمال على المستوى الذي كان يأمله “واشنطن”. فقد ظل معظمهم ينتمي إلى الطبقة العاملة، حيث مارسوا أعمالاً مقابل أجور متدنية داخل المجتمع. هذه العنصريَّة البنيويَّة لم تتأثر بالنداءات التي طرحها “واشنطن” في خطابه بمعرض “أتلانتا”.
ومع تعزيز الفصل بحكم الواقع وبحكم القانون وتغلغل تأثيراته في جميع مجالات المجتمع، لا سيما بعد الهجرة الكبرى الأولى، أصبحت فلسفة “ريادة الأعمال” التي دعا إليها “واشنطن” أكثر صعوبة من حيث الممارسة؛ حيث تمايزت المجتمعات السوداء عن المجتمعات البيضاء، مما أدَّى إلى تناقص التفاعل بسرعة كبيرة فيما بينهما.
في الوقت نفسه استندت فلسفة “ريادة الأعمال” عند واشنطن إلى فرضيَّة أن الأمريكيين الأفارقة والبيض – إذا لزم الأمر- يمكن أن يكونوا منفصلين مثل أصابع اليد باستثناء الأمور المتعلقة بالتقدم المتبادل؛ حيث إن “واشنطن” لم يكن يُروّج للمساواة الاجتماعيَّة مع البيض. ومع ذلك، من أجل التقدُّم المتبادل، كان يروّج لعلاقة بين روّاد الأعمال والمستهلكين، وفي الوقت نفسه يُصبح الأمريكيون الأفارقة رجال أعمال جنبًا إلى جنب مع البيض، مما يعني أن بإمكانهم التواصل والتشارك والقيام بأنشطة مفيدة لكلا العِرْقَيْن. علاوة على ذلك، كان واشنطن يُروّج للاعتماد المتبادل بين الأعراق حتى لا يعتمد الأمريكيون الأفارقة على البيض في الكثير من احتياجاتهم ورغباتهم.
رابعًا: دلالات “واشنطن” الفكريَّة
إنَّ حوادث التاريخ لا تُنْسَى. فهي تتوارى بين فجوات وظلال عقولنا؛ حيث يتم طبعها وحفظها بشكل لا يُمْحَى في قَبْو ذاكرتنا الضخم. بالنسبة للكثيرين، فهناك تاريخ يجب تذكُّره وتاريخ يجب نسيانه. وبالنسبة للأمريكيين السود؛ فإن هناك الكثير والكثير عليهم نسيانه وتجاوزه، مثل العبوديَّة والعنصريَّة والتمييز، في الماضي والحاضر.
وبالنسبة لنا؛ حملت هذه الحقبة من التاريخ أفكارًا لأشخاصٍ لا يجب نسيانهم ولا تجاهلهم. أحد هؤلاء الأشخاص هو “بوكر واشنطن”؛ فقد مثَّلَ “واشنطن” قوة هائلة داخل الحياة الأمريكيَّة، وخاصة حياة الأمريكيين السود، بحيث لا يمكن تجاهله أو تجنُّبه أو نسيانه. رجلٌ أثار مسارُه الفكري والحركي جدلاً واسعًا، فقد حاول معالجة موضوعات مركزيَّة. رفضه الكثيرون، وعلى رأسهم: “مونرو تروتر” (1872-1934م) William Monroe Trotter و”وليام دو بوا” في البدايَّة، واحتضنه آخرون بكل إخلاص مثل: “ماركوس جارفي” (1887-1940م) Marcus Garvey، و”حركة أمة الإسلام” (1930م) Nation of Islam، و”مالكولم إكس” (1925-1965م) Malcolm X في بداياته المبكرة، بينما اختار آخرون بعض سمات أفكاره ورفضوا أخرى، مثل “دوبوا” في ثلاثينيات القرن الماضي.
لكن في النهايَّة تسطيع أن تجد تقاربًا في وجهات النظر التي تشكَّلت حول “واشنطن” كمفكر سياسي واجتماعي رائد؛ حيث اعتمدت تكتيكاته على أُسُس جيدة من حيث الجوانب العمليَّة للحياة السوداء: كالاحتياجات الأساسيَّة للسود، ونقاط قوتهم وضعفهم الجماعيَّة، وما هي حدود إمكانياتهم لتقديم تضحيات من أجل حريتهم. لقد كان عالمه هو عالم “الممكن”، و”هنا”، و”الآن”. كما كانت كلماته موجَّهة للسود والبيض على حد سواء.
لم يترك “واشنطن” شيئًا للصدفة، وعندما كانت لديه القوة للقيام بشيء، سعى إلى تحريك الأحداث في الاتجاهات التي كان يرغب فيها. كانت “إرادته الذاتيَّة” هي المُحرّك الرئيسي لأفكاره، هذه الإرادة أعطته الدافع لإثبات ذاته، والتحكم في الأحداث والأشخاص من حوله. ولا يعرف المرء أيهما ينشأ أولاً، لكنَّ الجمع بين “الإرادة الذاتيَّة” الداخليَّة القويَّة وثقته بنفسه الهائلة توحدا لتشكيل توجُّهه نحو العالم، ووضعه مباشرة في مكانةٍ نتج عنها مسار لا مفرّ منه لحياته وعمله.
كوّن إرادته الذاتيَّة من خلال الانضباط والعمل الجاد وتطوير رؤيته وتصوره للسلوك البشري، ومِن ثَمَّ حاول بعد ذلك السيطرة على الأشخاص والأحداث من حوله والتحكُّم في مجرى الأحداث. كانت القيمة الإضافيَّة التي ساعدته في إعادة بنائه الشخصي، ومن ثم إعادة تشكيل وعي الأشخاص من حوله هي إيمانه بضرورة التعليم، جنبًا إلى جنبٍ مع العمل الدؤوب في مناجم الفحم ومصانع الملح، هذا التفكير المتفرّد والمصحوب بالصبر شكَّل وعيه من خلال سعيه لتأسيس “معهد توسكيجي” و”رابطة أصحاب الأعمال الزنوج الوطنيَّة”.
ميزة أخرى مهمة في حياة “واشنطن”؛ والتي تُعَدّ جزءًا لا يتجزأ من نظريته العمليَّة، والتي ارتبطت بدوره كمفكر، وهو استخدامه للماضي لصياغة مناهج جديدة للمستقبل.
على عكس “دوبوا” الذي كانت كتاباته ومقالاته تُسلّط الضوء على مؤسسة العبوديَّة والعنصريَّة والقمع، ليصبّ جامّ غضبه على النظام ومؤسساته، والذي جعله دائمًا قريبًا من السطح، استخدم “واشنطن” العبوديَّة والعنصريَّة والقمع كدروس من الماضي يجب الاستفادة منها؛ حيث كانت خطاباته للجماهير السوداء تُذكّرهم بهذا الماضي المهين، وأن سعيه من خلال برامجه التعليميَّة كان يهدف إلى ضمان ريادة السود وسيطرتهم على حياتهم المستقبليَّة. فبالنسبة لواشنطن، العبوديَّة أصبحت من الماضي، وليس هناك ما يدعو إلى الغضب؛ لأن الغضب قد يُخيّم على الرؤية، مما يمنع وضوح الاتجاهات والأهداف المستقبليَّة للمواطنين السود.
نظر “واشنطن” إلى دوره باعتباره مُوجِّهًا للمواطنين السود خلال أوقات التوتر والقمع؛ فاستخدم حياته الشخصيَّة لإثبات أهميَّة “الإرادة الذاتيَّة” الفرديَّة القويَّة تكمن في اتّحادها لتشكيل “إرادة جماعيَّة” أقوى. وبدون هذه الإرادة الجماعيَّة القويَّة والمستمرَّة، فإنَّ مهمة تحريك السود للأمام سيكون بطيئًا أو غير موجود.
ولعل السؤال الأكثر إلحاحًا هو: ما الذي يمكن أن يتعلّمه هذا الجيل من حياة “واشنطن” وأعماله وأفكاره؟ أولاً، يمكننا أن نتعلّم من “واشنطن”، وكذلك من “فريدريك دوجلاس” و”دوبوا”، الدور المركزيّ الذي يجب أن يلعبه التعليم في حياتنا في ظل فقرنا الفرديّ والجماعيّ. هذا هو السبب في أن “واشنطن” أَوْلَى اهتمامه للديناميات الداخليَّة للحياة الجماعيَّة للسود.
وعلى الرغم من وجود اختلافات بين التعليم المهني لـ”واشنطن” والتعليم العالي الليبرالي لـ”دوبوا”، فقد اتفق كلاهما على أن أيّ تعليم للسُّكان السود يجب أن يكون مُصمَّمًا وفقًا للاحتياجات الثقافيَّة والاجتماعيَّة والتعليميَّة للمجتمعات السوداء. فيمكننا أن نتعلم من “واشنطن” أنه يمكن فعل الكثير من خلال خطة منظمة وجيدة يصاحبها قدرٌ كبير من الصبر.
دلالة أخرى في فكر “واشنطن”، وهي قيمة الحياة المنضبطة والمنظمة، المصحوبة بقيم دينيَّة وروحيَّة. فقد يكون من الصعب التأكد من عمق ادعاءات “واشنطن” الدينيَّة أو الروحيَّة، وقد لا يكون القيام بذلك مهمًّا أيضًا. لكنَّ المهم هو إيمانه وفهمه بأن التعاليم الأخلاقيَّة ذات أهميَّة في وضع إطار للمواقف والسلوك البشري، حتى لو فشل الأفراد في كثير من الأحيان في الالتزام بالعديد من المبادئ التي يدّعون أنهم يؤمنون بها. لذلك اعتبر “واشنطن” وجود المؤسسة الدينيَّة مهمَّة، وأنها المنظَّمة والمؤسَّسة الوحيدة التي لا غنى عنها لأيّ مجتمع. فهي تقوم على تشكيل وحدة وظيفيَّة بهدف تعزيز وحدة المجتمع ككل والتعاون بين أفراده. وبدون هذه الوحدة والشبكة الاجتماعيَّة، ينزلق المجتمع نحو الفوضى الاجتماعيَّة، ويسير بخطى متسارعة نحو التفكك. ومن ثَمَّ إلى انهيار النظام الاجتماعي. فقد أكد “واشنطن” كثيرًا في خطاباته على أن: “أحد الأسباب الرئيسيَّة للتعليم والتنميَّة الاجتماعيَّة والدينيَّة هو مساعدة بعضنا البعض حتى يزدهر المجتمع الأكبر”.
نقطة أخيرة؛ تعُجّ المراجع والكتب بتلخيص مواقف كلّ من واشنطن” و”دوبوا” بوصفهم معاصرين اتسعت فجوة الخلاف بينهما؛ من خلال إلقاء نظرة على العصور التي عاشوا فيها والعقبات التي واجهوها. وعلى الرغم من أن العديد من الباحثين سينحازون إلى أحدهم على حساب الآخر، إلا أنهم وصلوا في النهاية إلى استنتاج مفاده: “أن التعاون والتواصل فيما بينهما كان سيصبُّ في صالح شعبهما من السود”. لكن غالبًا ما تتفوق الأيديولوجيا على العقل. ولحُسْن الحظ، فإن “دوبوا” رأى في النهاية -ورغم فوات الأوان- أنَّ الحل لا ينبغي أن يكون رهينة للأيديولوجيا. فعندما تعاني الشعوب، يجب على القادة التخلي عن أيديولوجيتهم، وحل المشكلات والاهتمام باحتياجات الناس بغضّ النظر عن الأيديولوجيَّة وتوجهها نحو اليسار أو اليمين أو الوسط. هذا الدرس مُهِمّ لجيلنا اليوم كما كان في عهد “واشنطن” و”دوبوا”.
وختامًا:
سلَّط المقال الضوء على فلسفة “بوكر واشنطن” الخطيب والمُعلّم، الذي قاد حملة من أجل المساواة، مستخدمًا في سبيل ذلك مقاربةً معتدلة، حاول من خلالها دَفْع الأمريكيين الأفارقة إلى قبول الفصل الاجتماعي في مقابل زيادة الفرص التعليميَّة، والتقدُّم الاقتصاديّ، والعدالة المتساوية أمام القضاء.
وجدت هذه المقاربة اعتراضات بين المدافعين عن الحقوق المدنيَّة الذين طالبوا بالمساواة العرقيَّة الفوريَّة في الولايات المتحدة، رافضين التباطؤ أو التدرُّج في ذلك. وخلال السنوات التي أعقبت وفاة “واشنطن”، استمرت عشرات القوانين في تكريس الفصل بين السود والبيض في أمريكا.
وعلى الرغم من عدم وجود قانون يُرسّخ لهذا الفصل، لكنَّ المواطنين السود لا زالوا يكافحون حتى وقتنا الحاضر في مواجهة العنصريَّة داخل المجتمع الأمريكيّ، خاصةً وقد ظهرت العنصريَّة بأشكال مختلفة، وبآليَّات جديدة، جعلت منها إشكاليَّة قد تَسْتَعْصِي على الحلّ.
_________________________
أهم المراجع المستخدَمة في البحث:
Cox, Oliver C. “The Leadership of Booker T. Washington.” Social Forces, vol. 30, no. 1, 1951, pp. 91–97
Cummings, Melbourne. “Historical Setting for Booker T. Washington and the Rhetoric of Compromise, 1895.” Journal of Black Studies, vol. 8, no. 1, 1977, pp. 75–82
Cunnigen, Donald, Myrtle Gonza Glascoe, and Rutledge M. Dennis, eds. Racial Politics of Booker T. Washington. Emerald Group Publishing, 2005
Denton, Virginia Lantz. Booker T. Washington and the Adult Education Movement. University Press of Florida, 15 Northwest 15th Street, Gainesville, FL 32611, 1993
Frazier, E. Franklin. “The Booker T. Washington Papers.” Quarterly Journal of Current Acquisitions, vol. 2, no. 2, 1945, pp. 23–31
Gibson, Donald B. “Strategies and Revisions of Self-Representation in Booker T. Washington’s Autobiographies.” American Quarterly, vol. 45, no. 3, 1993, pp. 370–393
Hamilton, Kenneth M. Booker T. Washington in American Memory. University of Illinois Press, 2017
Harlan, Louis R. “Booker T. Washington and the Voice of the Negro, 1904-1907.” The Journal of Southern History, vol. 45, no. 1, 1979, pp. 45–62
Hellwig, David J. “Building a black nation: The role of immigrants in the thought and rhetoric of Booker T. Washington.” The Mississippi Quarterly 31.4 (1978): pp. 529-550
Jackson, David. Booker T. Washington and the Struggle against White Supremacy: The Southern Educational Tours, 1908–1912. Springer, 2008
Meier, August. “Negro Class Structure and Ideology in the Age of Booker T. Washington.” Phylon (1960-), vol. 23, no. 3, 1962, pp. 258–266
Moses, Wilson J., and Wilson Jeremiah Moses. Creative Conflict in African American Thought. Cambridge University Press, 2004
Norrell, Robert Jefferson, and Robert J. Norrell. Up from history: The life of Booker T. Washington. Harvard University Press, 2011
Schroeder, Alan, and Anne Beier. Booker T. Washington: Educator and Racial Spokesman. InfoBase Publishing, 2009
Shaw, Francis H. “Booker T. Washington and the Future of Black Americans.” The Georgia Historical Quarterly, vol. 56, no. 2, 1972, pp. 193–209
Stein, Judith. “‘Of Mr. Booker T. Washington and Others’: The Political Economy of Racism in the United States.” Science & Society, vol. 38, no. 4, 1974, pp. 422–463
Young, Alfred. “The Educational Philosophy of Booker T. Washington A Perspective for Black Liberation.” Phylon (1960-), vol. 37, no. 3, 1976, pp. 224–235