الحمد لله ربّ العالمين, والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين, وعلى آله وأصحابه أجمعين.
يُعتبر الإمام محمد بن عبد الكريم بن محمد المغيلي التلمساني من أعلام القرن التاسع والعاشر الهجري الموافق الخامس عشر الميلادي، وأحد المصلحين البارزين الذين قاموا بإصلاح ما اعوجَّ من أمور الناس والمجتمع في الغرب الإسلامي, وبخاصة أهل الذمة من اليهود وغيرهم.
ثم رحل إلى بلدان السودان الغربي لإصلاح ما فسد فيها من أمور الدين والسياسة, وإقامة المجتمع المسلم, بنشر الإسلام على أُسُس وقواعد سليمة, ونَشْر اللغة العربية التي لا يُفْهَم الإسلام فهمًا صحيحًا بدونها, وأدَّت زيارته إلى تغيير ملموس في حياة المجتمع الإسلامي علميًّا ودينيًّا وثقافيًّا وسياسيًّا.
واتّسمت حركته بالأصالة والاجتهاد في القضايا الدينية والدنيوية مع الاهتمام بالجانب التعليمي والسياسي, ويقال: هو أول مَن أنشأ مدارس قرآنية وحلقات علمية في شمال النيجر, وتخرَّج على يديه علماء أجلّاء حملوا لواء العلم من بعده, وهو كذلك أوّل مَن كتب لحُكَّام المنطقة رسائل في السياسة الشرعية والآداب السلطانية.
وهذا مقال: بعنوان “الشيخ محمد بن عبد الكريم المغيلي ودوره في السودان الغربي” (التي تشمل شمال النيجر ونيجيريا ومالي)، والهدف منه إبراز دور هذا العالِم الجليل في نشر العلم والإسلام الصحيح وعلم السياسة الشرعية في السودان الغربيّ.
وقسَّمناه إلى مبحثين وخاتمة:
المبحث الأول: نبذة عن حياة الشيخ المغيلي.
المبحث الثاني: دوره في السودان الغربي.
وفي الخاتمة أهم النتائج.
المبحث الأول: نبذة عن حياة الشيخ المغيلي
مولده ودراسته:
وُلِدَ الإمام محمد بن عبد الكريم المغيلي في مدينة مغيلة بتلمسان, لكنَّ المصادر التي ترجمت لحياته أغفلت تحديد تاريخ مولده بالضبط, غير أن وفاته كانت سنة 909هـ، و”لعل المغيلي لم يعتنِ كما اعتنَى غيره بترجمة تاريخ حياته, أو لعلَّ جهاده المتواصل ونِضاله المستمرّ في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وتحمُّله في سبيل ذلك المشاقّ والصِّعاب، ورحلاته في قلب القارة الإفريقية لنشر الإسلام ومحاربة المنكرات والبدع والأباطيل الوثنية”([1])؛ كل هذا لم يُتِحْ له فرصةَ تدوين ذلك, وهذا مبرّرٌ معقولٌ, بالإضافة إلى أنه من المعلوم أن الكثيرين في تلك الفترة لم يعتنوا بتدوين تواريخ الميلاد, مثل ما هو عليه الحال في هذا العصر.
ونشأ بين أحضان عائلته المشهورة بالعلم والتقوى, وبخاصة والده الشيخ عبد الكريم, وشيخ مغيلة محمد بن أحمد بن عيسى المغيلي الشهير بالجلاب، الذي حفظ عليه القرآن الكريم، كما أخذ عنه مبادئ الفقه وأمهات الكتب الفقهية للمذهب المالكي؛ كالرسالة، ومختصر خليل وابن الحاجب وابن يونس([2]), ورحل إلى بجاية والجزائر وغيرها من الحواضر لطلب العلم.
أشهر شيوخه:
ليس من السهل حصر شيوخ الإمام المغيلي؛ لكثرة رحلاته لطلب العلم, ومع ذلك فقد حفظ لنا التاريخ أشهرهم، وهم:
1- الإمام عبد الرحمن بن مخلوف الثعالبي الجزائري المتوفى سنة 875هـ([3])؛ إمام عصره علّامة مصنّف مشهور, صاحب التفسير المشهور “الجواهر الحسان” توجَّه المغيلي بعد دراسته في تلمسان وبجاية إلى الجزائر عند الشيخ المفسّر الثعالبي, ولازَمه ملازمةً لصيقةً, وقد أعجب الشيخ الثعالبي بذكاء طالبه فزوّجه ابنته؛ اعترافًا منه بعلمه وفقهه وأدبه.
2- أبو عبد الله محمد بن يوسف السنوسي المتوفى سنة 895هـ، وقد وُصِفَ بالعلم والتقوى والزهد، واعتُبِرَ ممَّن جدَّد لهذه الأمة أمر دينها([4]) في القرن التاسع الهجري.
3- الشيخ يحيى بن بدير التدلسي الذي وصفه أحمد بابا في نيل الابتهاج بقوله: “الفقيه العالم العلامة قاضي توات”([5]), وغيرهم من العلماء.
تلاميذه:
انتقل المغيلي بعد إتمام دراسته بالشمال إلى الصحراء في الجنوب, فسكن مدينة “توات” التي كانت بمثابة القنطرة التي تعبر عليها وتجهّز فيها وتنطلق منها أكبر القوافل التي تقصد السودان الغربي من جهة بلدان المغرب، “وكان التواتيون في ذلك العهد يتوافدون بكثرة على السودان”([6]). قدم الشيخ المغيلي مدينة “توات” واستوطنها سنة 840هـ، ودرَّس فيها العلم، وكذلك لما انتقل إلى السودان الغربي, ولذلك تعدَّد تلاميذه، ولم يصلنا عن تلاميذه شيء، ما عدا بعضهم، وهم:
1- محمد بن أحمد بن أبي محمد، التازختي والمشهور بلقب أيد أحمد. كان شيخًا فقيهًا عالمًا علّامةً، محقّقًا فهَّامة، رحّالة، شهيرًا محصّلاً لكثير من العلوم, رحل إلى تغدا، فلقي فيها المغيلي، وحضر دروسه.
2- العاقب بن عبد الله الأنسمني، الإمام، الفقيه، الذكي، واحد الزمان وفريد العصر والأوان. أخذ عن المغيلي, كان بالحياة قريبًا من سنة 950هـ/1543م.
3- محمد بن عبد الجبار، أبو عبد الله، الفجيجي, كان فقيهًا عارفًا أديبًا شاعرًا ماجدًا فاضلاً نزيهًا خيّرًا.
4- عمر بن محمد بن علي، الكنتي، الحافظ لكثير من فنون العلم, رحل إلى بعض بلدان المغرب وأخذ العلم منها، توفي في حدود سنة 960هـ/1553م.
مؤلفاته:
خلّف الإمام المغيلي العديد من المؤلفات زادت عن عشرين مؤلَّفًا، منها:
1- البدر المنير في علوم التفسير.
2- تفسير سورة الفاتحة.
3- حاشية على مختصر خليل.
4ـ- مصباح الأرواح في أصول الفلاح.
5- أجوبة أسئلة الأمير أسكيا.
المبحث الثاني دوره في بلاد السودان الغربي
وجد الشيخ المغيلي اليهود يشاركون بنشاطٍ كبيرٍ في حركة اقتصاد “توات”, وبخاصة حركة القوافل التجارية السودانية, ويتصرفون بحُرّيّةٍ تامَّةٍ, وبنوا معابد لهم في ديار المسلمين, بل تطاولوا على الإسلام والمسلمين, وتمتعوا -إلى جنب الحرية الاقتصادية والتجارية- بحرية دينية جعلتهم يقيمون شعائرهم وطقوسهم بأمانٍ داخل البلاد, ويتّصلون بأبناء ملّتهم المقيمين بالخارج, وحملتْ إليهم مرَّة باخرةٌ إنجليزية -في جملة ما حملت من بضائع- ستة وعشرين صندوقًا ممتلئة بنُسَخ التوراة([7]).
وقد أنكر الإمام المغيلي سيطرة اليهود على الاقتصاد في مدينة “توات”, مع استخفافهم بالأحكام الشرعية، واحتقارهم لفقراء المسلمين, ورأى أن اليهود نقضوا بذلك عهد الذمة المبني على خضوعهم لسلطة المسلمين مقابل حمايتهم، والسماح لهم بالعيش بين أظهرهم، وألَّف في ذلك رسالة سماها “مصباح الأرواح في أصول الفلاح” جوابًا عن سؤال مَن سأله عمَّا يجب على المسلمين مِن اجتناب الكُفَّار, وبيَّن فيها ما يلزم أهل الذّمة, وما عليه أكثر اليهود في “توات” من التعدّي والطغيان والتمرُّد على الحُكّام, وبنائهم للمعابد, ووجوب هدمها وجهادهم لتصرفاتهم الفعلية والقولية في ديار الإسلام المنافية لأحكام الشريعة الإسلامية التي تُلْزِم المسلمين بالوفاء لهم بعَقْد الذّمّة([8]).
لكنْ عارَض معظم الفقهاء في أقطار المغرب رأي المغيلي في وجوب هدم كنائس اليهود, وردُّوا على كتابه بردودٍ مختلفة اتَّسم بعضها بالعنف وبعضها بالاعتدال, وحدثت مواجهة بينه وبين اليهود حين قام عليهم عند استحداثهم بناء كنيسة لهم في “توات”, فقام بتحريض أهالي تمنطيط وتوات على هدم كنائسهم, وبِيَعهم وقتلهم, وإلزامهم الذّلّ والصَّغَار.
وقد عارضه في ذلك قاضي “توات” الفقيه عبد الله العصنوني، وتوقف أتباعه عن هدم الكنائس والبِيَع الخاصة باليهود؛ لمعارضة بعض ذوي الأهواء لذلك, فقام كلّ من المغيلي والعصنوني بمراسلة علماء فاس وتونس وتلمسان للفتيا، وأخذ رأيهم في المسألة, واختلف العلماء والفقهاء في ردودهم, فمنهم مَن وافقه ومنهم مَن عارضه بشدة, ومنهم مَن وقف معه في البعض وعارضه في البعض الآخر, وكان ممن وافقه في هدم الكنائس شيخه محمد بن يوسف السنوسي, والشيخ محمد بن عبد الجليل التنسي, وما أن وصله جواب التنسي والسنوسي حتى أمر جماعته فشمروا عن سواعدهم ولبسوا آلات الحرب، وقصدوا كنائس اليهود فهدموها ولم يعارضهم فيها أحدٌ, ثم قال لهم: “مَن قتل يهوديًّا فله عليَّ سبع مثاقيل”([9]).
ورأى أنْ يُناظر علماء فاس المعارضين له في مسألة اليهود؛ ليُقنعهم برأيه مشافهةً، وذهب إلى فاس لذلك، وتلقَّاه العلماء بكلّ مظاهر الإكرام والإجلال, غير أنه بادَرهم بفتح المناظرة والمناقشة طالبًا من أحد مماليكه الفقيه ميمون أن يُكلّمهم في نازلة اليهود، فأنف العلماء من الكلام مع المملوك، ورجعوا غاضبين, ولم تتمّ المناظرة، فلما كان الغد ركب العلماء إلى السلطان ودخلوا عليه, ووشوا بالمغيلي عنده، وحذروه منه، وأنه يريد الملك, وليس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وحين دخل على السلطان, وتكلم معه على نصرة الدين, وفي مسألة اليهود، فأجابه السلطان بأنه يتعدَّى على هذه الديار، وعليه قصد غيرها, فخرج المغيلي من عنده غضبان أسفًا([10])، وترك البلد مهاجرًا إلى السودان الغربي, لما دَبَّ اليأس في نفسه من إصلاح الأوضاع في بلاده, ففضَّل أن يهاجر إلى بلاد السودان؛ للدعوة إلى الإسلام.
غادر الشيخ المغيلي “توات” قاصدًا بلاد السودان الغربي بعد فشله في إقناع الحُكَّام بخطورة يهود “توات” على تجارة المسلمين, فدخل بلاد “آير”، وبالأخص بلدة تغدا (في شمال شرق النيجر) ومكث فيها مدة من الزمن, ونشر العلم بين أهلها, وأقرأ أهلها وانتفعوا به, وكان يمارس فيها التدريس والوعظ, وأفاد أهل تلك البلاد كثيرًا([11]).
وبنى في قرية من قرى “أغاد يس” مسجدًا لتدريس أهلها الدين الإسلامي واللغة العربية, ثم توجَّه إلى مدينة كانو (في شمال نيجيريا)، والتقى بحاكمها محمد رمفا, وكتب له المغيلي رسالة في أمور السلطنة, ويحضّه على اتّباع الشرع, والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وعلَّم أهل المدينة أمور الدين الإسلامي الصحيحة, وعلاوةً على ذلك فقد اتخذه السلطان مستشارًا وولَّاه القضاء والإفتاء بمدينة “كانو” في الفترة التي قضاها في بلاده.
وأخذ عنه العلم علماؤها، واستفادوا منه الكثير؛ حيث أحضر معه كتب الفقه المالكي، مثل: الموطأ للإمام مالك، والمختصر للخليل بن إسحاق, ورسالة ابن أبي زيد القيرواني ودرّسها لهم.
وبعد أن أرسى قواعد الشريعة الإسلامية, وتوجيه الحكام إلى العمل بها وطبع المجتمع عليها ونشر لغة الإسلام فيها, وكوّن طلابًا من أهل “كانو” الذين يؤمنون بمنهجه في الدعوة إلى الإسلام ونشره, بعد ذلك كله رحل الإمام المغيلي, واتجه إلى مدينة كتشنا (في شمال نيجيريا) وظل بها مدة يدرّس أهلها, وعقد لهم حلقات للدراسات الفقهية والقرآنية, وتأثَّر به السلطان إبراهيم ماجي الثاني([12]) سلطان كتشنا, ونصحه الإمام المغيلي إلى ما فيه صلاح الأُمَّة وحِفْظ الدِّين من كلّ الشوائب.
ثم اتَّجه إلى بلاد سنغي, ووصل إلى عاصمتها مدينة غاو عام 1498م في عهد سلطانها الحاج أسكيا محمد, ورحَّب به، وجرَى على طريقته من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, واتخذه أسكيا محمد مستشارًا له, ووجَّه إليه أسئلة عديدة متعلقة بالمشاكل الاجتماعية والسياسية والدينية التي كانت تُواجهه في بلاد السودان الغربي([13])؛ فأجابه المغيلي عليها في رسالة أوضح له فيها حكم الله ورسوله في الموضوعات التي أثارها السلطان في أسئلته إجابةً شافيةً كافيةً.
وفي أثناء إقامة المغيلي عند الحاج أسكيا محمد في عاصمة سنغي غاو, بلغه نبأ قتل ولده من قبل اليهود بـ”توات”, وقد انزعج المغيلي لهذا النبأ حتى طلب من سلطان سنغي القبض على اليهود من أهل “توات” المقيمين في غاو فقبض عليهم, وأنكر ذلك القاضي محمود بن عمر؛ مؤكدًا أنهم لم يفعلوا شيئًا. وحُجَّة المغيلي في ذلك أن أهل القرية تمالؤوا على قتل ابنه, ولكنَّ السلطان رجَع عن القبض عليهم بعد إنكار القاضي ذلك، وأمَر بإطلاقهم, عندئذ غضب المغيلي ورجع إلى “توات”؛ حيث توفي هناك سنة 909ه- الموافق 1503م، وقيل 910ه- الموافق 1504م([14]).
ويظهر دوره في بلاد السودان بفتحه مدرسة قرآنية للصغار، وحلقة علمية للكبار؛ لتعليمهم علوم الدين واللغة العربية، وذلك في مدينة تغدا، التي بقي فيها فترة قبل مواصلة رحلته إلى كتشنا وكانو، وتتلمذ على يديه كثيرون، وكذلك من الطلاب الذين كوّنهم (كما ذكرنا سابقًا)، ومن أشهر طلابه الذين برزوا وساهموا في نشر الثقافة الإسلامية: الشيخ العاقب بن عبد الله الأنسمني الأغدسي، وقد ترجم له الشيخ أحمد بابا التمبكتي في “نيل الابتهاج”؛ فقال: “فقيهٌ نبيهٌ، زكيّ الفهم حادّ الذهن، وقّاد الخاطر مشتغل بالعلم في لسانه حدَّة، له تعاليق من أحسنها تعليقه على قول خليل: “وخصصت نية الحالف”([15])، واختصر الشيخ أحمد بابا هذا التعليق وسماه “تنبيه الواقف على تحرير “وخصصت نية الحالف”، وله جزء بعنوان “وجوب الجمعة بقرية أنوسامان”([16])، وألَّفه في الرد على الذين يرون أن قرية أنوماسان لا يصح إقامة الجمعة فيها؛ لأن تعداد سكانها لا يسمح بذلك، والشيخ يرى أنه يجب إقامة الجمعة فيها مع العدد الموجود في القرية.
قال الشيخ أحمد بابا: “فأرسلوه -أي الكتاب- إلى علماء مصر فصوَّبُوه”([17])؛ أي: صوَّبُوا الشيخ العاقب فيما ذهب إليه في جواز إقامة الجمعة في قرية أنو سامان, ومن إنتاجاته العلمية أيضًا: “الجواب المحدود عن أسئلة القاضي محمود”، وله أيضًا “أجوبة الفقير عن أسئلة الأمير”، وقد أجاب فيها عن أسئلة السلطان الحاج أسكيا محمد, وهذه المعلومات القليلة عن شخص العاقب تشهد له بالمكانة التي كانت له لدى العلماء, ورجال السياسة في عصره.
ومن طلاب المغيلي الذين ساهموا مساهمةً فعَّالةً في دَفْع عجلة النهضة العلمية بنشر الثقافة الإسلامية الشيخ شمس الدين النجيب بن محمد التغداوي الأنوسماني، الذي وصفه الشيخ أحمد بابا بقوله: “أحد شيوخ عصره معه فِقْهٌ وصلاح شرَح مختصر خليل بشرحين؛ كبير في أربعة أسفار، وصغير في سفرين، وله أيضًا تعليق على المعجزات الكبرى للسيوطي”([18]).
استقر الشيخ شمس الدين في أغاد يس إلى أن تُوفِّي فيها, ولشمس الدين تأثيرٌ كبيرٌ بعد المغيلي في منطقة (آير) وما جاورها؛ وذلك بمؤلفاته, والطلاب الذين تخرَّجوا على يديه, ومنهم الشيخ محمد بن أحمد التراخي له مساهمات علمية في نشر الثقافة الإسلامية في المنطقة بدروسه العلمية وخُطَبه المنبرية.
ويظهر دور الإمام المغيلي في السودان الغربي بصورة أخرى, في أنه ارتبط بحُكَّام البلدان التي زارها لرفع راية الإسلام والتعليم, مثل: أسكيا محمد كما مرَّ معنا. وسلطان مملكة سنغي الذي استشار الإمام المغيلي في أمر العادات والتقاليد التي تمارسها شعوب بلاده ومدى مطابقتها للإسلام أو مخالفتها له؛ فبيَّن له حكم ذلك في رسالة كتبها له, واستشاره كذلك في أمر الأمم المجاورة له من الوثنيين والكفار, وحُكم جهادهم؛ فبيَّن له فَضْل ذلك في الإسلام, فقام أسكيا محمد حينذاك بفتحها ونَشْر الإسلام فيها, وفتح مراكز لتعليم القرآن والدين واللغة العربية في بعض المدن والقرى النائية.
وكذلك سلطان كانو محمد رمفا, وسلطان كتشنا؛ حيث كتب لهما فتاوى في أمور الدين والسياسة وغيرهما؛ مما جعلهما يهتمّان بنشر العلم والدين، والعناية بطلاب العلم أكثر من ذي قبل، وزادوا في فتح مدارس في المدن الكبيرة والقرى.
ثم إنَّ دور المغيلي في السودان الغربي لم يقتصر على زمنه ووقته، بل امتد أثره واضحًا جليًّا بعد ثلاثة قرون من رحلته إلى السودان الغربي في تفكير وجهاد الشيخ عثمان بن فوديو وأتباعه وقوّاده, وقد أخذ الشيخ عثمان برأي الإمام المغيلي في تصنيف مَن يجب على المسلمين جهادهم وقتالهم وهم: الكافر، والمرتد عن الدين الإسلامي، ومن يدّعي الإسلام ويخلط بينه وبين الوثنية([19]).
وفي الحقيقة فإنَّ لهذا العالم الجليل أثرًا كبيرًا في النهضة العلمية في بلدان السودان الغربي في تلك الفترة, وما صاحَب هذا الأثر من تغيير ثقافيّ واجتماعيّ وسياسيّ, ونشر الإسلام والدعوة الإسلامية ونَبْذ الكفر, مع الاهتمام بالعلم والعلماء.
ويجب علينا أن نستفيد من دوره دروسًا لنشر العلم الصحيح في غرب إفريقية؛ لتتقدم بلداننا، وتلحق بركب الدول المتقدّمة, كما كانت قبل الاستعمار الغربي لها.
وهنا تبدو الحاجة إلى العلم والعلماء الربانيين؛ الذين يربّون الأمة بالقدوة الحسنة، ويحرصون على التعليم والنصيحة.
الخاتمة:
وفي الختام نستنتج النتائج الآتية:
1- إن الشيخ المغيلي من أوائل العلماء الذين وفدوا على السودان الغربي للدعوة والتعليم.
2- له أثر كبير في تصحيح المفاهيم الخاطئة في أذهان العامة والسلاطين عن الإسلام في السودان الغربي.
3- له آثار بارزة في الممالك الإسلامية في بلاد السودان الغربي.
4- أول مَن فتح مدرسة لتدريس اللغة العربية والثقافة الإسلامية في شمال شرق النيجر.
5- له دور كبير في النهضة العلمية في السودان الغربي؛ من خلال تدريسه ومدارسه وطلابه ومؤلفاته.
…………………………….
فهرس المصادر والمراجع
1- أبو بكر إسماعيل ميغا (دكتور) الحركة العلمية والثقافية في السودان الغربي من 400 إلى 1100ه مكتبة التوبة, الرياض, السعودية, ط1، 1417ه/1997م.
2- أبو بكر ميغا (دكتور)، دعوة الإمام المغيلي العلمية والإصلاحية في السودان الغربي, مجلة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، العدد السابع، أكتوبر 1992م.
3- أحمد بابا التنبكتي, نيل الابتهاج بتطريز الديباج, طبعة دار الكتب العلمية, بيروت، لبنان.
4- فراج عطا سالم، محمد بن عبد الكريم المغيلي, دراسة تاريخية، مجلة عالم الكتب، العدد الثالث، أوت 1990م.
5- محمد حجي, الحركة الفكرية بالمغرب في عهد السعديين, دار الغرب, بيروت 1976م.
6- مصطفى محمد سعد, الإسلام وحركة الفلان الإصلاحية في غرب إفريقية, مجلة جامعة أم درمان الإسلامية، العدد الأول 1968م.
[1]– فراج عطا سالم, محمد بن عبد الكريم المغيلي، دراسة تاريخية، مجلة عالم الكتب، العدد الثالث أوت 1990م ص341.
[2]– انظر: د. أبوبكر إسماعيل ميغا، الحركة العلمية والثقافية في السودان الغربي، من 400 إلى 1100ه, مكتبة التوبة، الرياض، السعودية ط1, 1417ه- 1997م (ص 101- 103).
[3]– أحمد بابا التنبكتي، نيل الابتهاج بتطريز الديباج، طبعة دار الكتب العلمية، بيروت، ص330.
[4]– المصدر السابق, (ص 359).
[5]– المصدر السابق, (ص 325).
[6]– المصدر السابق، (ص 341).
[7]– د. أبوبكر ميغا, دعوة الإمام المغيلي العلمية والإصلاحية في السودان الغربي، مجلة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، العدد السابع، أكتوبر 1992م، ص196 بتصرف.
[8]– المصدر السابق, ص197.
[9]– فراج عطا سالم، المصدر السابق، (ص 344).
[10]– محمد حجي، الحركة الفكرية بالمغرب في عهد السعديين، دار الغرب بيروت 1976م، (1/269).
[11]– أحمد بابا، المصدر السابق، (ص331).
[12]– هناك اختلاف بين المؤرخين حول السلطان الذي كان على رأس كنتشنا لما زارها المغيلي؛ فهناك من يقول: هو محمد كورا، ومنهم مَن يقول: إبراهيم ماجي، والراجح هو إبراهيم ماجي؛ لأنه حكم كنتشنا في نهايات القرن الخامس عشر الميلادي (1494م)، بينما حكَم محمد كورا في القرن الرابع عشر الميلادي. انظر: حركة التجارة والإسلام والتعليم في غرب إفريقية قبل الاستعمار, د. مهدي رزق الله (ص411).
[13]– انظر دكتور أبوبكر ميغا، المصدر السابق (ص 218).
[14]– انظر أحمد بابا, المصدر السابق (ص 331).
[15]– انظر نيل الابتهاج (ص 217).
[16]– وهي قرية تقع بقرب من مدينة تغدا في شمالي غرب مدينة أغاد يس بجمهورية النيجر.
[17]– أحمد بابا، المصدر السابق (ص218).
[18]– أحمد بابا، نيل الابتهاج، (ص 348).
[19]– انظر مصطفى محمد سعد, الإسلام وحركة الفلان الإصلاحية في غرب إفريقية. مجلة جامعة أم درمان الإسلامية، العدد الأول 1968م ص131 بتصرف.