د. حسان سيسي
جامعة الفرقان الإسلامية أبيدجان
أُصِيبَ الشعب الإيفواري بأَسْره، وخاصةً المسلمين في كوت ديفوار والأئمة الإيفواريين بحالة من الحزن الشديد بسبب وفاة شيخ الأئمة أبي بكر فوفانا رئيس المجلس الأعلى للأئمة والمساجد والشؤون الإسلامية في كوت ديفوار (كوزيم COSIM).
لقد كان الشيخ أبو بكر فوفانا رجلاً صالحًا، وهناك مؤشرات كثيرة تدلّ على ذلك، وتشير إلى حُسْن خاتمته، ولو من طرف خفي، منها: وفاته في شهر رمضان، وفي ليلة الاثنين حيث أُعلن عن وفاته في حصاد يوم الأحد في التلفزيون القومي RTI1 17 مايو 2020م الموافق 24 رمضان 1441هـــ، ونحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحدًا.
الشيخ أبو بكر فوفانا: فضائل ومميزات:
كان الشيخ شخصية موهوبة مؤثرة (كارزمتيك) وتوافقية جمَع القلوب من حوله، وتعامل بالحكمة وبالتي هي أحسن مع مختلف الجماعات الدينية، والطوائف الإسلامية الإيفوارية، وكذا مع الحكومات المعاقبة، اللهم إلا في بعض الحالات الاستثنائية النادرة، بل ذهب أبعد من ذلك حيث توفرت في شخصه أغلب فرص التوافق والقبول، منها: كبر السنّ؛ حيث وُلِدَ عام 1943م، وبهذا يكون قد تجاوز أكثر من 75 عامًا من العمر، والعُمر عامل مهم في الثقافة الإفريقية لتحديد مكانة الرجل اجتماعيًّا.
ومنها الأقدمية في العمل الإسلامي؛ حيث يُعتبر الشيخ من أقدم العاملين على الساحة في عدد غير قليل من المجالات، سواء في مجال التربية والتعليم، أو الدعوة والحركة، أو التأهيل والتكوين.. فهو ناشط منذ ستينيات القرن الماضي، ويُعتبر معلمًا وشيخًا ومربيًا لعددٍ غير قليل من الأئمة والدعاة اليوم، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر.
ومنها الصلاح والسخاء؛ فقد كان الشيخ رجلاً كريمًا سخيًّا يعطي الفقراء ويساعد المحتاجين من الطلبة والمؤسسات التعليمية.
ومنها الأكاديمية؛ فالشيخ خريج كلية التجارة جامعة القاهرة بجمهورية مصر العربية، وبهذا فهو يجيد العربية والفرنسية والإنجليزية بالإضافة إلى “جولا” لغته الأم، وكان مفكرًا استراتيجيًّا له بُعْد في النظر، وله جهود في التأليف والكتابة، وكان قِبْلَة للباحثين الإيفواريين والغربيين يأتون إليه لإجراء المقابلات والحوارات العلمية والصحفية.
ومنها القبول والتوفيق في الدعوة؛ فهناك علماء ودعاة في جيل الشيوخ اجتهدوا وأخلصوا في العمل الإسلامي لكن لم يُكْتَب لهم التوفيق في الدعوة؛ بحيث تُفتح لهم قلوب الناس، ويروا نتائج جهودهم، ولم تذع صيتهم لا محليًّا ولا إقليميًّا ناهيك دوليًّا، لكنَّ الشيخ فوفانا كان شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، فدعوته وجدت توفيقًا وقبولاً.
ومما تميز به الشيخ: الصراحة وفصل الخطاب؛ فقد عُرِفَ عنه شجاعته في قول الحق، ولعل أمثل تجربة في ذلك هو خطابه أمام الجنرال روبرت غاي رئيس كوت ديفوار الأسبق عام 2000م والأزمة الإيفوارية في طَوْر النشوء، فالشيخ أبو بكر فوفانا كان يتميز بالشجاعة والحكمة، وبالتالي جمع فرص التوافق على شخصه طوعًا.
والشيخ كان عاملاً يحب الإنجاز، فكثير من الناس يعرفونه من خلال العمل الدعوي المباشر (المحاضرات، الندوات.. خاصة في أوساط طلاب المدارس الفرنسية من المسلمين)، لكن الشيخ عمل في مجال التربية والتعليم منذ وقتٍ بعيدٍ، وأنشأ جامعة إفريقيا الإسلامية في كوت ديفوار، وهو مَن أعطى قيمة ونظرة جديدة للإمامة في كوت ديفوار LA VALORIZATION DE L’IMAMAT فأضحى منصب الإمامة (إمامة الصلاة) تهوي إليه القلوب، ويتمتع الأئمة بامتيازات عديدة لم تكن حاضرة قبل الشيخ.
خلافة الشيخ:
فيما يتعلق بشؤون خلافة الشيخ، ونقصد بها من ذا الذي سوف يتولى قيادة المجلس الأعلى للأئمة والمساجد والشؤون الإسلامية (كوزيم) أو بعبارة أخرى من ذا الذي سيكون شيخ الأئمة الجديد؟! وهل شخصيته تتمتع بتوافقية، وتتميز بالحركة وحب الإنجاز مثل الشيخ فوفونا، وهل سيكون خير خلف لخير سلف؟
التطرق إلى هذا السؤال قد يُنظر إليه على أنه سؤال أتى قبل أوانه، لكن المسؤولية الوطنية ومنطق الحرص على وحدة كلمة المسلمين جمعاء والأئمة يتطلب التبكير بالبحث عن إجابة موضوعية عن هذا السؤال، خصوصًا وأن قرارات المؤسسات القائمة على أمر الإسلام في كوت ديفوار في شأن إغلاق المساجد وافتتاحها حول جائحة كوفيد19 المستجد أثارت مواقف متباينة ومازالت صداها تفعل أفاعيلها، ومن هنا يجب على قيادات (كوزيم) العمل على وحدة الكلمة، والالتزام بالنظام الأساسي واللائحة الداخلية للمؤسسة، وعلى جميع الأئمة ضبط النفس والانضباط واحترام المؤسسة في الندوات والخلوات هذا من جهة، ومن جهة أخرى فالمجتمع المسلم في كوت ديفوار بأَسْره في هذه اللحظات التاريخية الفاصلة في امتحان عسير أمام العالم لمعرفة مدى وحدته وتماسكه، والأئمة الإيفواريون أمام خيارات صعبة ومسؤولية دينية ووطنية لمعرفة مدى ثقتها بقيادات العمل الإسلامي، فهل يجتاز الأئمة هذه المرحلة بسلام آمنين متحملين مسؤوليتهم التاريخية والوطنية ومتفقين على شيخ الأئمة الجديد دون انقسام ولا ضجيج؟ أم أن في الأمر أبعادًا أخرى لم تكتمل حلقاتها بعدُ؟
التحدي الذي يواجه مسلمين كوت ديفوار:
إن وفاة شيخ الأئمة أبي بكر فوفانا هزَّت كوت ديفوار حكومةً وشعبًا، فعلى المسلمين أن يُظْهِروا من أنفسهم خيرًا في الوحدة والتماسك، وعلى الأئمة الثبات والثقة بالقيادة وعدم الدخول في الخصومات الشخصية، ومزيد من الحوار والتشاور والمصالحة والنظر إلى المصلحة العامة للمسلمين، وأن كل واحد منهم في ثغرة فلا يُؤتينَّ (كوزيم) منه، هذا هو التحدي الذي يواجه المسلمين اليوم في كوت ديفوار.
وفي حسباننا أن قيادات (كوزيم) ناضجون فكريًّا، ومنضبطون تنظيميًّا، ومدركون طبيعة المرحلة، وسوف تضبط كل شيء ضبطَ كرامٍ بما يحفظ المصلحة العليا للمسلمين وللوطن.
نسأل الله أن يغفر للشيخ أبي بكر فوفانا، ويرحمه رحمة واسعة، ويدخله الجنة مع الأبرار والشهداء والصالحين، ويتجاوز عن سيئاته، فقد كان نعم الرجل، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
على المرء آثارُه تَدُلّ بقَدْرها يُحْقَر أو يُجَلّ