من القادة الذين عرفتهم القترة الأفريقية بالنضال من أجل الاستقلال الزعيم الغاني كوامي نكروما الذي سعي جاهداً كي تكون بلاده غانا مهداً للوحدة الافريقية.
وسنتناول في هذا التقرير حياته الشخصية إلى جانب جهوده العلمية والسياسية في مرحلة ما قبل استقلال غانا وما بعد مرحلة الاستقلال.
الحياة الشخصية:
ولد الزعيم الغاني فرنسيس كوامي نكروما يوم السبت 21 سبتمبر 1909 – 27 أبريل 1972، في قرية نكروفول والتي تبعد 220 ميلاً عن العاصمة أكرا من قبيلة نوى.
وطبقاً للعادات الأفريقية التي تقتضى أن يطلق على المولود اسم اليوم الذى ولد فيه أطلق عليه اسم (كوامى) أي السبت وهو اليوم الذي ولد فيه، وسمى (بنكرو) باسم القرية التي ولد فيها, حيث نشأ في أسرة بسيطة كادحة حيث كان والده يعمل حداداً وأمه تمارس التجارة.
عُرف نكروما بذكائه الشديد فأصر والده على تعليمه، حيث عمل على توفير نفقات تعليمه، وبالفعل الحقه بمدارس الإرساليات الكاثوليكية حتى تخرج في دار المعلمين بأكرا عام 1930م.
واشتغل بالتعليم في مدرسة أولية حتى عام 1934م وشغفه بالعلم هو الذى جعله يسافر الى الولايات المتحدة عام 1935م، والتحق بجامعة لنكولن في بنسلفانيا فدرس الآداب واللاهوت، وبعد أن وضعت الحرب العالمية أوزارها في عام 1945م سافر الى لندن لدراسة القانون.
تزوج نكروما مرتين، المرة الأولى، وهو طالب، وله من زوجته ولد، أما المرة الثانية فمن سيدة مصرية وهى السيدة فتحية رزق وله منها ثلاثة أولاد.
وتوفي نكروما في رومانيا يوم 27 أبريل 1972 فأعلنت السلطات الغانية الحداد الرسمي، وبعد أن كان قد دفن في غينيا أعيد جثمانه إلى غانا، حيث شيع رسميا.
جهوده العلمية:
لنكروما مؤلفات عديدة منها:
-أتكلم عن الحرية.
-يجب أن تتحد أفريقيا.
-الاستعمار الجديد.
-سيرته الذاتية بعنوان “غانا”.
-كتاب الوعى بالذات.
الجوائز التي حصل عليها:
-قلادة الجمهورية من جمهورية مصر العربية .
-الدكتوراه الفخرية من جامعة القاهرة عام 1958 .
-ميدالية ذهبية في مؤتمر القمة الإفريقي ضمن إجراءات تخليد ذكرى مؤسسي منظمة الوحدة الإفريقية .
جهوده السياسية:
أولا: مرحلة ما قبل الاستقلال:
بدأ نكروما أول نشاط سياسي له في الولايات المتحدة بتكوين اتحاد للطلبة الأفارقة بأمريكا وكندا حتى انتخب رئيساً لمنظمة الطلاب الأفارقة في أمريكا، وتأثر في ذلك الوقت بكتابات “ماركوس جارفى” صاحب دعوة العودة الى إفريقيا.
وانتخب نائباً لرئيس اتحاد طلبة غرب أفريقيا، وفى خريف 1945م انتخب كأحد أمناء المؤتمر الإفريقي الخامس المنعقد في مانشستر، وقد حضر اجتماع مؤتمر الجامعة الأفريقية السادس وهناك نظم السكرتارية الوطنية لغرب أفريقيا التي اتخذت قراراً للسعى بإنشاء اتحاد غرب إفريقيا وذلك في عام 1946 .
في عام 1947م دعاه حزب مؤتمر ساحل الذهب المتحد UBCC لكى يتولى أمانته العامة وبالفعل عاد الى غانا بعد غربة استمرت اثنى عشر عاماً، لكن أهدافه كانت واضحة ، وأخذ في تنظيم الحزب وفقاً لمبادئ جديدة حتى كثر أنصاره وبدأ في العمل والنضال من أجل الاستقلال حتى ثارت الاضطرابات في عنف لم تشهده البلاد قط وانتهى الأمر بالقبض عليه عام 1948.
بعد أن خرج من المعتقل عام 1949م وجد أن اتجاه الحزب لا يتفق مع أمانيه الوطنية ولذلك
أسس حزب المؤتمر الشعبي لتحقيق الحكم الذاتي للبلاد، وتقوم ايدلوجية الحزب علي أنه حزب شعبي يضم جميع الفئات الشعبية من المزارعين والصيادين والحرفيين جنبا الي جنب مع الاغنياء والفقراء الي حد سواء, وفتح الحزب لجميع طوائف الشعب وأنشأ لجاناً في كل انحاء البلاد واستخدم اساليب جديدة للدعاية، لم يكن للبلاد عهد بها من قبل وبذلك لم يمض وقت طويل حتى اصبح الحزب هو القوة الرئيسية في البلاد.
وكانت له ثلاث شعارات:
– يجب أن نسعى أولاً لتحقيق السيادة السياسية وبعد ذلك سيتحقق كل شئ.
– نحن نفضل المخاطر في ظل الحرية على الاستقرار في ظل العبودية.
– أن تخليص أفريقيا من قيود الحكم الأجنبي هو الضمان الوحيد للاستقلال.
اعتقل نكروما مرة أخرى عام 1951م وحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات وقد أدى هذا الى تحويله لأسطورة في وجدان الشعب الغاني، حيث فاز حزبه بالانتخابات البلدية والعامة في الانتخابات، وفاز وهو بالسجن بدائرة أكرا وبأكثرية كاسحة، فأطلق سراحه وتولى رئاسة الوزراء في مارس 1952.
قام نكروما بإجراء اتصالات عديدة مع الحكومة البريطانية أسفرت عن دستور جديد تم تنفيذه اعتباراً من أبريل 1954م فأصبحت الوزارة كلها أفريقية ومن ثم انطلقت الحكومة الوطنية في طريق محدد لتحقيق استكمال السيادة الوطنية، فقد حقق انتصارات متتالية أسفرت عن حصول حزبه على 72 مقعداً بينما لم تحصل أحزاب المعارضة كلها إلا على 23 مقعداً فقط بنسبة تقل عن ربع إجمالي المقاعد .
وفي 6 مارس 1957م تحقق حلم نكروما حيث أعلن رئيس وزراء المملكة المتحدة في مجلس العموم أن جميع حكومات دول الكومنولث قد وافقوا على استقلال شاطئ الذهب تحت اسم غانا فدخلت غانا في مجموعة الدول المستقلة وتبادلت التمثيل الدبلوماسي مع غيرها من الدول.
ثانيا مرحلة ما بعد الاستقلال:
في عام 1960 أقر دستور جمهورية غانا، وانتخب نكروما أول رئيس لها، واختار النمط الاشتراكي؛ لأنه برايه هو النمط الوحيد الذى يستطيع أن يحقق الحياة الطيبة للشعب في أقرب وقت ممكن, وتوصل لمعادلة لخص بها فلسفته محصلتها أن (الاشتراكية = المادية + الوعى الذاتي + الوحدة).
وعمل على تحقيق الوحدة الوطنية بين مختلف القبائل, انطلاقا من قناعته بأن الوحدة هي القوى الديناميكية التي تساعد في نجاح أي خطة كبرى وسعى لوضع دستور جديد للبلاد, وأجرى استفتاء وافق عليه الشعب في مايو 1960.
وفى السابع من سبتمبر 1962 انتخب نكروما كأول رئيس للجمهورية الجديدة كما وافق البرلمان على أن يكون رئيساً للبلاد مدى الحياه، وبعد عامين تم إلغاء جميع الأحزاب ما عدا حزب نكروما والذى منح لنفسه سلطات استثنائية مما دفع المعارضة إلى تجميع شتاتها لمواجهته.
فقد كان نكروما يرى في المعارضة خطراً خاصة إذا ما استندت الى تأييد خارجي، ومن ثم يعتقد أن المهمة الأساسية أمام الشعوب الحديثة العهد بالاستقلال في أفريقيا هي إقامة نظام اجتماعي عادل يوفر المأكل والملبس والمسكن لمواجهة حاجات الشعب الأساسية، كما كان يرى أن حرية الفرد فكرة تجافى فكرة الجماعية والاشتراكية التي تبناها.
ونتج عن ميول نكروما في الداخل وإعلان دولة الحزب الواحد، إلى جانب خطابه المعادي للمعسكر الغربي وسياساته الودية تجاه المعسكر الشرقي في الخارج، تردى في الأوضاع الاقتصادية الغانية، مما زاد من حنق الشعب الغاني، فاستغل المعسكر الغربي وعلى رأسه الولايات المتحدة تلك الأوضاع باصطفافهم في جبهة واحدة ورفضهم لمساعدة غانا في أزمتها الاقتصادية الحادة، بل وتأليب صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بعدم مساعدته غانا بسبب سياسات نكروما.
وكان للوضع السياسي والاقتصادي دور مهم لجعل السلطة العسكرية تعلن رفضها أيضا لسياسة نكروما التي بدأت تعتمد على عناصر من السوفييت مما أثار من حنق البريطانيين والأمريكيين، فاتحد الوضع السياسي والاقتصادي والعسكري، وانتظرت الولايات المتحدة التوقيت المناسب لحين نضج الظروف للإطاحة بنكروما ووضع حكومة مناصرة للغرب.
ومن ثم تعرض نكروما لسبع محاولات لاغتياله ولكنها باءت كلها بالفشل حتى وقع انقلاب عسكري بمباركة أمريكية بقيادة الجنرال أنكرا وذلك أثناء زيارة نكروما للصين في 24فبراير 1966 مما جعله يلجأ الى غينيا لمواصلة كفاحه وليكون قريبا من غانا.
نجح في تدبير انقلاب مضاد لكنه لم يستمر أكثر من تسع ساعات، واُكتشف أن للمخابرات الأمريكية دوراً كبيراً في عدم رجوعه لحكم غانا مرة أخرى لأن له رؤية تجاوزت حدود دولة غانا وتمتد في كافة ربوع القارة الأفريقية.
ثالثا: جهوده السياسة على الصعيد الخارجي
عمل نكروما على تحقيق التضامن الإفريقي فدعا الى عقد مؤتمر للدول المستقلة في العاصمة أكرا عام 1958 ومنها: مصر، إثيوبيا، ليبيا، المغرب، تونس، السودان، ليبيريا، وكان الغرض من المؤتمر وضع سياسة مشتركة للشئون الخارجية والثقافية والاقتصادية.
واتفق مع أحمد سيكوتورى في عام 1959 على إنشاء اتحاد غانا على أمل ان يكون هذا الاتحاد نواة لوحدة أكبر غير أنه لم يحظ بتأييد لفكرته القائمة على تكوين حكومة لكل قارة فقد فضلت الدول الأفريقية صيغة منظمة الوحدة الإفريقية والتي تأسست عام 1963 في أديس أبابا .
وفى 29 أبريل 1961 كونت غانا وغينيا ومالي (اتحاد الدول الأفريقية) وهو امتداد للاتفاقيات السابقة بين تلك الدول خاصة فيما يتصل بالسياسة العسكرية والاقتصادية.
………………………………..
المراجع:
-الطيب، الطيب أبشر، قاده الاستقلال في شرق ووسط وغرب إفريقيا في القرن العشرين ودورهم في تحقيق السلام والوحدة الوطنية، بحث منشور، مجلة جامعة أفريقيا العالمية، ع19، يونيو 1998، (ص ص 158-145).
-أحمد، علي متولي، الولايات المتحدة الأمريكية والإطاحة بالرئيس الغاني كوامي نكروما، بحث منشور، مجلة جامعة قناة السويس، كية الآداب والعلوم الإنسانية،ع10، سبتمبر 2014، (ص ص 170-147).
-خالد، منصور، أفريقيا بلا ” نكروما “، هاملت بدون أمير الدنمارك, مجلة الطليعة، مؤسسة الأهرام، س2, ع7،يوليو 1966، (ص ص 83-72).
-كوامي نكروما السياسي والمناضل– الجزيرة نت، الرابط: https://www.aljazeera.net/specialfiles/pages/32f42a50-d9e4-48cd-9b46-7f883233e148