يعكس الوجود التاريخي اليهودي في السودان وإثيوبيا مستوًى من التعقيد الديني، يُضْفِي عليه البُعْد القَبَلِيّ صعوبةً إضافيةً. يتناول هذا المقال تاريخ يهود السودان، المعروفين باسم “البنيامينيون”؛ ويهود إثيوبيا المعروفين باسم “الفلاشا”؛ مع محاولة فهم الأبعاد التاريخية للتطورات الراهنة.
تاريخ اليهود في السودان:
ثمة حالة من الغموض والسرية تكتنف وتهيمن على تاريخ اليهود في السودان، بَيْدَ أنَّ حَيِّزًا مهمًّا من هذا التاريخ يمكن الكشف عن بعض ملامحه؛ ففي كتاب “قاموس السودان التاريخي” (الصادر عام 2002م، وهو من تأليف: “ريتشارد لوبان” و”روبرت كرامر” و”كارولين فلور لوبان”)([1])؛ أشار المؤلفون إلى أن أول رحَّالة يهودي نزل بأرض السودان بعد دخولها الإسلام، كان “ديفيد روبيني” في الفترة 1490-1540م، والذي قام بتسجيل رحلته إلى سنار ودنقلا، وبنهاية القرن السابع عشر كان التجار اليهود من ضمن مجموعات التجار الأجانب في سنار، وقد توسَّع نفوذهم وانتشارهم، وكان من أبرزهم “أمين باشا” الذي وصل إلى حكم إقليم الاستوائية بجنوب السودان في الفترة 1878- 1889م([2]).
وفي ظل الاختلاف بشأن تاريخ اليهود في السودان، هناك رأي يشير إلى أن أول موجة من الهجرة اليهودية للسودان كانت من العبريين اليمنيين، والذين رحلوا من اليمن تجاه إثيوبيا عبر باب المندب، وقد انصهر هؤلاء العبرانيون في إثيوبيا والسودان، وشكلوا بمرور الزمن يهود الفلاشا؛ أما الرواية الأكثر رجاحةً، فتشير إلى أن البنيامينين (وهو الاسم الذي يطلق على يهود السودان) ينحدرون من التصنيف اليهودي “السفارديم”؛ وهم اليهود الذين كانوا يعيشون في الأندلس، وبعد سقوط غرناطة في 1492م طُرِدُوا إلى شمال إفريقيا، ومِن ثَمَّ إلى السودان في فترات تالية؛ حيث استوطنوا مدينة أم درمان وبالتحديد حي المسالمة (في العاصمة السودانية الخرطوم)([3]).
لذا، فإن معظم العائلات اليهودية -وفقًا لهذه الرواية المرجّحة- وصلت السودان في وقت حديث نسبيًّا، فربما لا يعود وجودهم هناك إلى وقت سابق عن عام 1884م. وتُعتبر عائلة بن زيون كوستي (Ben Zion Kosti) من أوائل العائلات المستوطنة، فقد كان “موشى بن زيون كوستى” يهوديًّا عثمانيًّا وُلِدَ في فلسطين، ووالده يهودي من أصل إسباني روسي، وقد كان حاخامًا، لذا فقد أراد والده أن يُدْخِلَهُ مدرسةً ليتعلم الحاخامية، بَيْدَ أنَّه انخرط في سلك الوظائف الحكومية لدى الإمبراطورية العثمانية، كمُمَثِّل لشركة تجارية مصرية، وظل بين الخرطوم والمسلمية، وقد سُجِنَ إبَّان حصار الخرطوم أثناء الثورة المهدية لاتهامه بدعم الجنرال “تشارلز غوردون” أثناء حصار جيش المهدي للسودان، وقد أُجْبِرَ على تغيير اسمه إلى “موسى بسيوني”، وبعد الاحتلال البريطاني للسودان قام بتشييد أول معبد يهودي في السودان عام 1898م ومقبرة يهودية في أمدرمان، وظل قائدًا للجالية اليهودية حتى وفاته عام 1917م([4]).
وفي دراسة “صلاح محمد أحمد علي” حول تاريخ اليهود في السودان (1976م)، تناول تفاصيل تتعلق بخرائط العائلات اليهودية السودانية على غرار عائلة “دايفيد ماندل”، وهو تاجر يهودي من أصل جزائري وُلِدَ في الإسكندرية، وكان يدير مصنعًا للغزل والنسيج في كفر الزيات، واستقر في السودان، وكذلك عائلة “إسرائيل يهود بنيامين”، وهو يهودي من بغداد جاء إلى مصر، ثم هاجر إلى السودان، وعائلة “آل حكيم”، و”العيني”، و”شاؤول ألياهو”، و”خضر داوود”، و”منشي يعقوب”، و”سليمان عاني”، و”قولند بيرج”، و”آل قرنفلي”، و”آل كوهين”، و”آل قارون”، و”آل ساسون”، و”آل سلمون ملكا”.
ويُعدّ الأخير حاخامًا من يهود المغرب، بَيْدَ أنَّه كان يُقيم في مصر، وارتبط وُصُوله إلى السودان بالإعلان عن تكوين جالية يهودية في السودان بشكل رسمي عام 1908م، وقد عمل “سلمون ملكا” كبيرًا للحاخامات في السودان حتى وفاته عام 1949م([5]). وقد سكنت آل سلمون في حي المسالمة أمدرمان، وعمل على إقامة الصلوات وتعليم الصغار في هذه المنطقة التي كان يسكنها اليهود الذين أجبرهم “الخليفة عبد الله التعايشي” (خليفة الإمام المهدي) على الدخول في الإسلام، لكن سلمون نجح في إعادة العديد منهم إلى اليهودية مرة أخرى.
ويشير “صلاح محمد” إلى أنه لم يبقَ من العائلات المتمسكة باليهودية في السودان سوى عائلة “داوود بسيوني ألياهو” وعائلة “هنري داوود العيني”، وعائلة “بنيامين إسحق كوهين”، وعائلة “زكي صالح باروخ”، وبينما اكتسبت بعض الأسر اليهودية العادات والتقاليد السودانية، بحيث بات من الصعب تصنيفها، فقد ظل بعضها يحتفظ بديانته وتقاليده. وعلى الرغم من انخراط اليهود في المجتمع السوداني لفترة طويلة، لكنهم عمدوا إلى عدم إظهار الاسم اليهودي إلا في الاسم الرابع أو الخامس، ومنهم مَن كان يحمل أسماء عربية تعكس الأماكن التي أتوا منها أو عاش بها أجدادهم على غرار المغربي أو الإسطنبولي أو البغدادي[6].
وقد حوَّلت الجالية اليهودية مركزها من أمدرمان إلى الخرطوم والخرطوم بحري، وذلك بعد عام 1918م؛ حيث أكملت بناء الكنيس الجديد، وبدأت في استقبال عدد كبير من اليهود من الشرق الأوسط وأوروبا. وبمرور الوقت توغل اليهود في المجتمع السوداني بشكل كبير، وبات من الصعب التفرقة بينهم وبين أبناء السودان الأصليين، وعمدوا إلى تأسيس قاعدة اقتصادية كبيرة تقوم على التجارة والاستيراد والتصدير، فضلاً عن براعتهم في تجارة الأدوية وإدارة الفنادق والسياحة([7]). كذلك شيَّدوا ناديًا رياضيًّا ترفيهيًّا هو النادي اليهودي في الخرطوم المعروف باسم “مكابي”، كما أسَّسوا فريقًا تحت الاسم نفسه، وشيَّدوا مسرحًا خلف النادي وسينما “كلوزيوم”([8]).
وقد ألف “ألياهو سلمون ملكا” أحد أبناء آل سلمون كتابًا تحت عنوان “أطفال يعقوب في بقعة المهدي: اليهود في السودان” (Jacob’s Children in the Land of the Mehdi: Jews of the Sudan)، والذي نشره في طبعة حديثة الأستاذ “مكي حسن أبو قرجة” الصحفي بمؤسسة الإمارات للإعلام في عام 2004م، وقد تضمن هذا الكتاب الكثير عن الأنشطة الخفية التي كانت تتم تحت غطاء الطقوس والشعائر الدينية اليهودية في محفل “بناي بريث” والنادي اليهودي بشارع فكتوريا (شارع القصر حاليًا)، فضلاً عن المؤسسات ذات الصبغة الاجتماعية والدينية اليهودية، والتي كانت تتضمن جمع التبرعات والأموال وتبادل المعلومات، كما انطوى هذا الكتاب أيضًا على الاتصالات التي كانت تتم بين يهود السودان ويهود إثيوبيا ويهود مصر([9]).
يهود الفلاشا الإثيوبيون:
يهود الفلاشا، أو اليهود الإثيوبيون، أو الفلاش مورا بالعبرية، جميعها تسميات تشير إلى أقلية يهودية يرى فيها الكثير من اليهود أنها ليست يهودية بالكامل، وتنتمي هذه الأقلية إلى ما يُعرَف بـ “بيتا إسرائيل”، أو جماعة إسرائيل، وهم اليهود الذين سكنوا بلاد الحبشة. وفي أواخر القرن التاسع عشر خضعت هذه المجموعة إلى التنصير، وتحوَّل جزء منها إلى المسيحية، ومن بقي منهم من جماعة إسرائيل باتوا يعرفون بـ”الأوريتافي”؛ أي: حماة التوراة، وأما الذين عادوا لليهودية مجددًا فباتوا يُعْرَفُون بـ”الفلاش مورا”، أو “الفلاشا”؛ أي: المعروفين بيهوديتهم دون الاعتراف الكامل بتلك اليهودية([10]).
و”الفلاشا” في الأصل هي كلمة عبرية تعني المهاجرين أو المغتربين، ولقد وردت أخبار عن وجود طائفة يهودية تعيش في الحبشة (إثيوبيا) تسمى الفلاشا في أسفار الرحَّالة، بَيْدَ أنَّه لم يأتِ تفصيل عن حياتهم وأصلهم إلا في القرن السابع عشر الميلادي، وذك عن طريق كتاب الرحالة “جوب لودولفس” والذي نشره في عام 1682م، ومن بعده جاء كتاب الرحالة “جيمس بروس” تحت عنوان “رحلات لاكتشاف منابع النيل”، والذي نُشِرَ في عام 1970م، وبدأت بعد ذلك الكتابات تتوالى بشأن اليهود الموجودين في الحبشة([11]).
وتجدر الإشارة إلى أن يهود الفلاشا يعتمدون في تحديد أصولهم على الرواية الإثيوبية التي تسمى “كيبرا ناجاستا” Kebra Nagasta، والتي تعني ملحمة مجد الملوك، والتي تتضمن التاريخ الإثيوبي القديم، لكن لا يوجد اتفاق بين الباحثين حول تحديد زمن كتابة “كيبرا ناجاستا”، فضلاً عن الاختلاف بين الباحثين بشأن ما إذا كان الفلاشا ساهموا في كتابة بعض فصول هذه الرواية، أم أنهم نسجوا روايتهم حول أصولهم بناءً على ما ورد في هذه الرواية. وقد اشتملت هذه الرواية على عدة نقاط جوهرية تتمثل فيما يلي([12]):
1- إن ملكة سبأ (الملكة ماكيدا) التي قامت بزيارة الملك سليمان في أورشليم هي ملكة الحبشة.
2- تزوجت هذه الملكة من الملك سليمان، وأنجبت منه ولدًا سمته الرواية في بعض الأحيان بـ”منليك”، وفي أحيان أخرى سمته الرواية “ابن الحكيم”.
3- ذهب ابن الحكيم إلى أبيه في أورشليم ليتعلم منه الحكمة، وعند عودته مع عدد من الإسرائيليين، سرق تابوت العهد الذي يحوي الألواح التي نزلت على سيدنا موسى -عليه السلام-، والمكتوب عليها الوصايا العشرة، ووصل بها إلى الحبشة، وقد بنت أُمّه معبدًا لنشر اليهودية في كل البلاد، وقد تولَّى هذا الابن بعد ذلك مقاليد الحكم على الحبشة بعدما تنازلت أُمّه عن الحكم له.
وبناءً عليه، يعتمد الفلاشا على هذه الرواية في التدليل على أصولهم، لكن في الواقع هناك العديد من الشكوك حول صحة هذه الرواية، وقد فنَّد العديد من الباحثين الغربيين هذه القصة التي وردت في رواية “كيبرا ناجاستا” (ومنهم الرحالة “جوب لودولفس”، والبروفيسور “أدورد أليندوف”، والدكتور “جيمس فان بيك”)؛ حيث أشاروا إلى أن كثيرًا مما ورد في هذه الرواية حول قصة ملكة سبأ قد امتزج بكثير من الخرافات خاصةً فيما يتعلق بتحديد المكان الذي أتت منه ملكة سبأ واعتبار أنه من الحبشة. وقد أثبتت العديد من الدراسات الأثرية الحديثة أن ملكة سبأ قد جاءت من جنوب الجزيرة العربية بالتحديد من اليمن، والتي وجد فيها بقايا سد مأرب الذي بنته ملكة سبأ ويرجع بناؤه في القرن العاشر قبل الميلاد، وهو نفس زمن وجود سيدنا سليمان([13]).
لذا، فثمة اختلاف كبير بشأن أصول جماعة اليهود الإثيوبية، ففي حين ترى بعض الآراء أن جذورهم مصرية؛ ترجّح آراء أخرى بأن أصولهم يمنية، وأنهم هاجروا إلى الحبشة، واستقروا هناك، وانصهروا مع سكانها المحليين([14]). بينما يذهب البعض الآخر إلى أنهم جزء من السكان المحليين الذين يسمون “الأجو”، والذين تحولوا إلى اليهودية من خلال اليهود المصريين([15]).
وفي جميع الأحوال، فهم لا ينتمون إلى الكتل اليهودية الرئيسة؛ إذ يتميزون بعقائد دينية وطقوس خاصة تشكل مزيجًا من الإسلام والمسيحية، وتختلف عن طوائف اليهود الأخرى؛ حيث إنّهم لا يؤمنون بالتلمود ويؤمنون فقط بالأسفار الخمسة الأولى من العهد القديم، ولعل هذا ما يفسّر عدم اعتراف الكثير من اليهود بهم([16]).
ويتمركز اليهود الإثيوبيون في إقليم “سمين” في شمال غرب إثيوبيا، وذلك في المنطقة المحصورة بين نهر نازي في الشمال والشرق وبحيرة تانا والنيل الأزرق في الجنوب والحدود السودانية في الغرب، ويتكلمون لهجة كوشية هي “الأجاو”([17]).
المصدر: طارق عنتر، أصل بني إسرائيل هو بلاد بونت بالقرن الافريقي، سبتمبر (أيلول) 2019، على الرابط الآتي:
وفيما يتعلق ببداية اتصال يهود الفلاشا بالعالم اليهودي؛ فقد بدأ في القرن السابع عشر عندما نقل الرحالة الأوروبيون أن هناك طائفة يهودية في الحبشة، بَيْدَ أنَّ اليهود الإصلاحيين والأرثوذكس لم يبدوا اهتمامًا في البداية بقضية الفلاشا، ولكن جاء الاهتمام مِن قِبَل مسيحي أوروبا، من خلال “جمعية نشر المسيحية بين اليهود” في لندن، والتي بدأت في التخطيط في عام 1838م لإرسال بعثة للحبشة بغرض نشر المسيحية بين يهود الفلاشا، بَيْدَ أنَّ هذه المحاولة لم يُكْتَب لها النجاح، وأعقب ذلك محاولات (فردية) مِن قِبَل بعض اليهود الأوروبيين، فكان المثال الأبرز هو محاولة المستشرق “يوسف هاليفي” في عام 1867م بَيْدَ أنَّ جهوده لم تُسْفِر عن إنجازٍ حقيقيّ([18]). وبعد محاولته بأربعين عامًا، قرر الاتحاد الإسرائيلي العام أن يرسل مبعوثًا إلى الحبشة، فأرسل الحاخام “حاييم ناحوم” من تركيا، لكنَّ الأخير توصل إلى أن برامج مساعدة الفلاشا محفوفة بالمخاطر والمصاعب. وفي عام 1904م، حاول “فيتلوفيتش” ضم الفلاشا إلى العالم اليهودي، لكنَّه فشل حتى توفي عام 1955م في إسرائيل دون تحقيق هدفه([19]).
وفي إطار المحاولات لربط اليهود الفلاشا بالعالم اليهودي، كانت هناك خُطَّتان وُضِعَتَا بواسطة أعلام يهود بارزين، وتنطوي الخطتان على فكرة تحويل السودان لمستعمرة يهودية، فقد قدَّم الدكتور اليهودي “أنجلو سلمون روبوبورت” خطته إلى اللورد كرومر عام 1900م لتوطين اليهود في السودان بعد رحلة طويلة إلى إثيوبيا والسودان.
أمَّا الخُطَّة الثانية فكانت لليهودي “ابراهام جالانت”، والذي وضع خطة شاملة لتوطين اليهود في السودان في عام 1907م، وأرسل بها إلى المنظمات والهيئات اليهودية العالمية، بَيْدَ أنَّ كلا المحاولتين بائتا بالفشل أيضًا، وظل يهود الفلاشا على وَضْعهم في إثيوبيا([20]).
إسرائيل وتاريخ من العلاقات السرية في إفريقيا:
مع الإعلان عن قيام إسرائيل في 1948م، بدأ يهود السودان في الهجرة نحو إسرائيل (أو أوروبا وأمريكا، وحتى لبعض دول الجوار الإفريقي مثل عائلة عدس الذين هاجروا إلى نيجريا)، وقد تزايدت وتيرة هذه الهجرات في أعقاب 1956 و1967م، وبعدها أدَّت السياسات التي انتهجها “جعفر النميري” لتقويض الوجود اليهودي بشكل كبير في السودان، وذلك من خلال حركة التأميم والمصادرة لمتتلكاتهم، لعل أبرزها شركات “جلاتلي هانكي” المملوكة للحاخام “سلمون ملكا”، قبل أن يتم هدم المعبد اليهودي في الخرطوم عام 1987م.
وفي تقرير نشرته صحيفة هآرتس الإسرائيلية، تناول يوسي ميلمان تاريخ العلاقات السرية بين السودان وإسرائيل، والتي مهَّدت الطريق نحو تدشين العلاقات علنيًّا بين الجانبين؛ حيث ألمح الكاتب إلى أن اللقاء الذي جمع رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نيتنياهو ورئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني “عبد الفتاح البرهان” في أوغندا، في فبراير (شباط) 2020م، لم يكن سوى مرحلة من مراحل تطوير العلاقات بين البلدين([21]).
فقد بدأت العلاقات السودانية الإسرائيلية -وفقًا للتقرير- منذ مطلع الخمسينيات من القرن الماضي، عندما كان السودان يفاوض من أجل الحصول على استقلاله من الحكومة البريطانية والسيادة المصرية؛ إذ التقى ممثلو حزب الأمة المعارض في 17 يونيو (حزيران) عام 1954م (بقيادة سيد صادق المهدي الابن الأكبر للمهدي، وحضور محمد أحمد عمر نائب الأمين العام لحزب الأمة) سرًّا في لندن دبلوماسيين إسرائيليين، وذلك بغرض الحصول على مساعدات دبلوماسية واقتصادية، وفي أعقاب حصول السودان على استقلاله عام 1965م، انتقلت مهام الحفاظ على العلاقات السرية بين إسرائيل والسودان من وزارة الخارجية الإسرائيلية إلى الموساد. وقد لعب رجل الأعمال الإسرائيلي “نسيم غاون” (وهو سويسري مولود في السودان) دورًا مهمًّا في تسهيل التعاون السري بين الجانبين؛ فقد أفادت إسرائيل من استثمارات غاون وخبراته في مجالات السياحة والفنادق.
لكن، ومع نهاية الخمسينيات من القرن العشرين، بدأ الفتور يهيمن على العلاقة بين الجانبين وتوقفت الاتصالات المباشرة واللقاءات الثنائية والسرية بينهما، حتى إن السودان أرسل وحدة عسكرية صغيرة لدعم مصر في حرب يونيو (حزيران) 1967م، لذا عمدت إسرائيل إلى التغلغل من خلال قوى المعارضة السودانية، عبر عملاء الموساد بقيادة “دايفيد بن أوزيل”، وقد تسلل هؤلاء العملاء إلى السودان في 1969م لمساعدة قبائل جنوب السودان في قتالها ضد الحكومة المركزية في الخرطوم، كما استخدم طيارو القوات الجوية الإسرائيلية الممرات والقواعد الجوبية في أوغندا وكينيا لمساعدة حركة المتمردين التي تسمى “أنيانيا” بقيادة الجنرال “جوزيف لاغو”؛ من خلال إلقاء الذخيرة والأسلحة لهذه لقوات، فضلاً عن الدعم الذي قدَّمه فريق “دايفيد بن أوزيل” لقوات لاغو على الأرض. وقد كشف عن هذه العلاقة التي جمعت بين حركة المتمردين في جنوب السودان وإسرائيل الجنرال “جوزيف لاغو” في مقابلة له مع جريدة هارتس الإسرائيلية([22]).
ومع انتهاء الحرب الأهلية في السودان، بتوقيع اتفاق بين الحكومة السودانية وحركة التمرد في عام 1972م، بدأ التغلغل الإسرائيلي في البلاد يأخذ منحًى آخر من خلال آليات متباينة؛ حيث بدأت قوات الموساد في تهريب اليهود الإثيوبيين عبر الأراضي السودانية، استنادًا على الخبرات اكتسبوها أثناء مساعدتهم المعارضة فترة الحرب الأهلية، ومن بين أبرز هذه العمليات التي نفَّذتها إسرائيل لنقل يهود إثيوبيا إلى إسرائيل عبر الوسيط السوداني، كانت “عملية الإخوة” في الفترة الممتدة بين عامي 1977- 1980م، وكذلك “عملية موسى” في عام 1984م، و”عملية سبأ” في 1985م، و”عملية سولومون” في 1991م([23]).
لكن أولى عمليات نقل يهود الفلاشا عبر السودان كانت “عملية الإخوة”، والتي تمت عبر منتجع “عروس” السوداني، والتي تم التخطيط لها مِن قِبَل رئيس الموساد في هذا الوقت “إسحق هوفي” ليكون نقطة تنفيذ هذه العملية، و”عروس” هو منتجع سياحي وهمي أقامه الموساد الإسرائيلي للتغطية على عملية تهريب يهود إثيوبيا “الفلاشا” إلى إسرائيل، وقد أشار إليه عميل الموساد السابق “غاد شيمرون” (الذي لعب دورًا مهمًّا في هذه العملية) في كتابه عن هجرة اليهود الفلاشا([24]).
ويعود هذا المنتجع إلى عام 1972م عندما تم إنشاؤه عبر شركة سياحة إيطالية بغرض تحويله لمركز سياحي كبير يجذب إليه هواة الغطس من أنحاء العالم، بَيْدَ أنَّ الشركة الإيطالية اضطرت للتخلِّي عنه؛ نظرًا لصعوبات تتعلق بتوفير الخدمات اللوجستية من ماء وكهرباء. وبعد سنوات عدة من هجرة الشركة الإيطالية للمنتجع، بدأ الموساد الإسرائيلي في إعادة بعثه مرة أخرى تحت غطاء شركة سياحية “سويسرية”، تستهدف الغرض نفسه الذي فشلت فيه الشركة الإيطالية، وبالفعل تم استئجار المنتجع لمدة ثلاث سنوات، وبدأ العمل على تجهيزه ومده بالكهرباء والمياه والمستلزمات الأخرى، وبدأت عملية الترويج له عبر وكالات السفر الأوروبية، غير أن مديري الشركة الأوروبيين، وكذلك مدربي الغوص وركوب الأمواج؛ كانوا في واقع الأمر عملاء استخبارات إسرائيليين، ما لبثوا أن بدأوا في تنفيذ أهدافهم في نقل حمولاتهم من يهود الفلاشا إلى إسرائيل([25]).
المصدر: موقع العربية بتاريخ 27 سبتمبر 2018م
ومن بين أهم عمليات نقل اليهود الفلاشا عبر السودان كانت عملية “موسى” في 1984م، ففي عام 1983م بدأت عملية نقل الفلاشا تأخذ أبعادًا جديدة فرضتها الحاجة إلى نقل أعداد أكبر من هؤلاء اليهود بسبب الحجم الهائل من يهود الفلاشا الذين تجمَّعوا في المخيمات منتظرين نقلهم لإسرائل، ومن ثَمَّ لجأت إسرائيل إلى طلب دعم الولايات المتحدة والتي قامت بدورها بالضغط على السودان لتسهيل عملية نقل الفلاشا مقابل الحصول على الدعم الاقتصادي والعسكري، وبالفعل حصلت إسرائيل على اتفاق مع السودان يتضمن السماح بترحيل الفلاشا، شريطة ألا يتم تريحلهم مباشرة إلى إسرائيل، وقد لعبت شركة الخطوط الجوية البلجيكية “عبر أوروبا” (شركة مملوكة ليهودي بلجيكي هو “جروج جوتلمان”)، في نقل اليهود إلى بروكسل ومنها إلى تل أبيب. وقد استمرت عملية موسى إلى أن تم الكشف عنها، وتناولتها الصحافة العالمية، الأمر الذي أحرج الحكومة السودانية، وعمدت إلى إيقاف العملية ونفيها رسميًّا من قبل وزرارة الخارجية([26]).
ويكشف “يعقوب نمرودي” (شغل مناصب عليا في جهاز الإستخبارات الإسرائيلي الموساد) في مذكراته عن دور عدد من الشخصيات التي ساهمت في توطيد العلاقة بين السودان وإسرائيل، ولعل أبرز هذه الشخصيات كان “عدنان خاشقجي”، والذي لعب -وفقًا لنمرودي- دورًا مهمًّا في الترتيب للقاءات التي جمعت بين الرئيس السوداني “جعفر النميري”، وعدد من المسؤولين الإسرائيليين، للمساعدة في دعم الاقتصاد السوداني، وقد كانت أبرز هذه اللقاءات في كينيا والذي جمع النميري بوزير الدفاع الإسرائيلي في هذا الوقت “إيريل شارون”([27]).
وبعد توقف عملية “موسى” التي تم الكشف عنها؛ سارعت إسرائيل لطلب مساعدة الولايات المتحدة للبحث عن بديل لإعادة عملية نقل يهود الفلاشا، ومن ثَمَّ قام نائب الرئيس الأمريكي بزيارة إلى الخرطوم في مارس (آذار) عام 1985م، لبحث إعادة استكمال عملية نقل الفلاشا، وبالفعل وافق الرئيس النميري على بدء عملية “سبأ” في 1985م بشرط ألا يكون هناك دور مباشر لإسرائيل في العملية، والتي بموجبها هبطت ست طائرات أمريكية من طراس أس 130 إلى مطار العزازة وحملت بضع مئات من يهود الفلاشا ونقلتهم مباشرة إلى أحد المطارات العسكرية في صحراء النقب([28]).
شهدت الأشهر الأولي من عام 1985م تصاعد ردود الأفعال الخارجية ضد حكومة السودان بعد الكشف عن عملية “موسى” لنقل يهود الفلاشا؛ حيث أنتقدت إثيوبيا الحكومة السودانية واتهمتها بتهريب مواطنيها إلى إسرائيل، بينما أدانت العديد من الدول العربية وجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي تصرف الحكومة السودانية، ولم تتوقف هذه الانتقادات على الجانب الخارجي، بل شهدت السودان بدء انتفاضة ضد حكومة النميري انتهت بسقوط نظامه في أبريل (نيسان) عام 1985م([29]).
ومع وصول عمر البشير إلى السلطة عام 1989م، شهدت العلاقات بين السودان وإسرائيل تراجعًا ملحوظًا في بداية حكم البشير، في ظل تحول الصبغة الدينية التي هيمنت على السودان، فضلاً عن تحوُّل السودان لنقطة مرور للأسلحة إلى حماس، ومن ثَمَّ عمدت إسرائيل إلى استهداف مستودعات الأسلحة على الأراضي السودانية.
غير أن علاقة عمر البشير كانت قد شهدت خلال العقد الأخير الذي سبق سقوط نظامه عام 2019م تحولاً جوهريًّا؛ حيث حاول التقرب من إسرائيل بغية الإفادة من النفوذ السياسي للوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة؛ لتحسين علاقاته مع واشنطن ورفع العقوبات عن السودان، مقابل إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، واستمر هذا النهج بعد سقوطه عن السلطة عام 2019م.
تطور العلاقة بين إسرائيل وإثيوبيا:
لقد ساهمت السفارة الإسرائيلية في كينيا في عام 1955م بدور كبير في تعزيز العلاقات الإثيوبية- الإسرائيلية، وقد مثلت أديس أبابا بموقعها الاستراتيجي عامل جذب لأنظار صناع القرار في تل أبيب، وساعد وجود الإمبراطور “هيلاسيلاسي” في الحكم إلى تسهيل التعاون بين البلدين، فقد كان الإمبراطور كثير التباهي بجذوره اليهودية، وأنه يُعد نفسه أحد أحفاد النبي سليمان -عليه السلام-، وقد استغلت إسرائيل ذلك في توطيد علاقتها بأديس أبابا([30]).
وعندما كانت إسرائيل في مرحلة النشأة، عمدت إلى استقطاب اليهود من أنحاء العالم كافة، بيد أن يهود الفلاشا لم يكن الأمر متيسرًا أمامهم منذ البداية؛ إذ عارض كثيرٌ من المسؤولين الإسرائيليين هجرتهم إلى دولتهم، ولعل ذلك ما اتضح أيضًا في تصريحات المسؤول في الوكالة اليهودية “يعقوب وينشتاين” الذي زار إثيوبيا في 1949م، وأوصى بالتعجيل بهجرة يهود الفلاشا إلى إسرائيل، بيد أن الحكومة الإسرائيلية عارضت ذلك، فقد رفض معظم رؤساء وزراء إسرائيل (بما في ذلك ديفيد بن غوريون وموشيه ديان وليفي أشكول وجولدا مائير) هجرة الفلاشا إلى إسرائيل بحجة أنه لا ينطبق عليهم قانون العودة وأنهم مسيحيون؛ إذ لم يتم الاعتراف بهم كيهود مِن قِبَل الحاخامات الأرثوذكسية في إسرائيل([31]).
غير أن سياسة فتح باب الهجرة اليهودية بشكل حرّ قد أفرز مشكلة خطيرة، تمثلت في أن اليهود الشرقيين (السفارديم) جاءوا من خلفيات حضارية أدنى مقارنة بأقرانهم اليهود الغربيين (الاشكيناز)، مما خلق تناقضات حضارية كبيرة بدأت في الظهور بعد عام 1948م عندما بدأت نسبة اليهود السفارديم في الارتفاع، الأمر الذي أدى إلى قلق لدى قادة إسرائيل؛ لما يمثله ذلك من تهديد ليس فقط عملية الاندماج القومي اليهودي، بل تتعداه إلى تهديد القيم الحضارية الغربية التي عمدت إسرائيل على بنائها تشبيهًا بمجتمعات أوروبا الغربية وشمال أمريكا.
وبعد عام 1967م، بدت حاجة إسرائيل مُلِحَّة لجذب مزيد من اليهود الاشكيناز لاعتبارات أمنية تتعلق بحاجتها لمزيد من الجنود، واعتبارات اقتصادية تتمثل في الحاجة لمزيد من القوة البشرية التي تقود عملية النمو الاقتصادي، بيد أن استجابة اليهود الغربيين كانت محدودة للغاية، الأمر الذي دفع قادة إسرائيل لتشجيع عملية الهجرة اليهودية إليها من جميع الأقطار، خاصةً في ظل عملية الهجرة العكسية التي شهدتها إسرائيل في هذه الفترة، إضافة إلى طلب الحاخام السافاردي الأعلى في إسرائيل إلى الحكومة الإسرائيلية ضرورة الاعتراف باليهود الفلاشا، غير أنه في الواقع لم يكن الموقف الإسرائيلي تجاه الفلاشا يعبر عن منطلقات دينية بقدر ما كانت تحركه الاعتبارات العرقية واتجاهات الهجرة اليهودية إلى إسرائيل([32]).
وقد ارتبط ذلك أيضًا بالحرب الأهلية الطاحنة التي شهدتها إثيوبيا في سبعينيات القرن الماضي، والتي أفضت إلى نزوح الكثيرين إلى الأراضي السودانية بما في ذلك أعداد كبيرة من يهود الفلاشات الإثيوبيين، ومن بين هؤلاء اليهود الإثيوبيين النازيحين إلى السودان كان “فريدي أكلوم” المطلوب لدى السلطات الإثيوبية؛ نظرًا لنشاطه العدائي، وتشجيعه لليهود الإثيوبيين على الهجرة إلى إسرائيل، وقد تواصل بعد وصوله للسودان مع الوكالات الإسرائيلية وناشدها مساعدتهم للهجرة إلى إسرائيل، وقد وجدت رسائله طريقها إلى الموساد.([33])
وفي عام 1975م، وافق “إسحاق رابين” على السماح بتطبيق قانون العودة على يهود الفلاشا (لحاجة إسرائيل في هذا الوقت لمزيد من المهاجرين)، لذا فقد تواصلت عمليات نقل اليهود الإثيوبيين، لكنها ركزت بالأساس على نقل جماعة الأوريتافي، مقابل عدد قليل من الفلاشا أو فلاشا مورا، وبات يبلغ تعداد اليهود الإثيوبيين اليوم في إسرائيل قرابة 150 ألفا (منهم 50 ألف وُلِدُوا في إسرائيل)، ولم يتبقَّ في إثيوبيا سوى عدد قليل من الأوريتافي بينما لا يزال الآلاف من الفلاشا موجودين حتى اليوم([34])، حيث يوجد حوالي 13 ألفًا من اليهود ينتظرون في مخيمات تشرف عليها القنصلية الإسرائيلية في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا ومدينة “غوندرا” (المنطقة التجارية اليهودية والتي تقع على الحدود مع السودان)، وفي عام 2003م أعطت الحكومة الإسرائيلية الضوء الأخضر لهجرة حوالي 20 ألفًا من يهود الفلاشا إلى إسرائيل، غير أن هذا لم يحدث حتى الآن وتم الاكتفاء فقط بأعداد قليلة يتم السماح لهم بالهجرة، وربما يفسّر الموقف الإسرائيلي الراهن بالخوف من التغيير الديموغرافي الذي يمكن أن يحدثه اليهود الأفارقة بشكل عام عبر المدى الطويل([35]).
وتجدر الإشارة إلى أن اليهود الإثيوبيين الذين هاجروا إلى إسرائيل يعانون من معاملة قاسية وحالة من التفرقة العنصرية المتفاقمة، وهو ما يتجلَّى في تركز هؤلاء اليهود في أحياء فقيرة ومُهمَلة على أطراف المدن، ويعاني كثير منهم من الفقر والبطالة التي تصل لنسبة (65%)، فضلاً عن رفض قبولهم للعمل في وظائف النخبة، واقتصارهم على الوظائف المتدنية مثل تنظيف الشوارع، كما تحظر بعض الأماكن دخولهم([36]).
وكذلك يتزوج (88%) من الفلاشا في إسرائيل بأشخاص من العرق نفسه؛ حيث يرفض (43%) من الإسرائيليين الزواج من اليهود الإثيوبيين، كذلك يحصل (55%) فقط من الطلاب الإثيوبيين في إسرائيل على شهادة إتمام الدراسة الثانوية، ويقل متوسط رواتب اليهود الإثيوبيين بنسبة (35%) مقارنة ببقية اليهود في إسرائيل، كما أن هناك عددًا ليس بالقليل منهم لا يتحدثون العبرية، ويعجزون عن الاندماج بالمجتمع الإسرائيلي([37]).
وبين الحين والآخر تواجه إسرائيل حالة من الاضطراب بسبب التعدي على يهود الفلاشا، فقد لقي 11 يهوديًّا إثيوبيًّا مصرعهم على يد يهود بيض عنصريين خلال العقدين الماضيين. ففي عام 2012م اقتحم ثلاثة آلاف يهودي إثيوبي مبنى الكنيست احتجاجًا على العنصرية التي تُمارَس ضدهم بعدما رُفِضَ البيع أو التأجير لهم في المناطق التي تسكنها أغلبية من البيض([38]). وفي مايو (أيار) 2015م اندلعت الاحتجاجات في تل أبيب، وكذلك الحال في يوليه (تموز) 2019م؛ حيث اندلعت الاحتجاجات مرة أخرى حينما قتل شرطي إسرائيلي شابًّا يهوديًّا من أصول إثيوبية يُدعى “سالمون تيكا”، قبل أن تقضي المحكمة في حيفا بالإفراج عن الشرطي، وسبق ذلك أحداث مشابهة أقل وطأة، جميعها باختلاف تفاصيلها ترتبط باعتداءات مِن قِبَل جنود إسرائيليين على أحد اليهود الأفارقة، وقد أثارت الواقعة الأخيرة قدرًا كبيرًا من الغضب لدى الجالية اليهودية الإثيوبية ما أدَّى إلى خروج احتجاجات واسعة([39]).
وفي عام 2015م، صدر تقرير “بالمو” مِن قِبَل “إيمي بالمو”، وهي المدير العام بوزارة العدل الإسرائيلية طالبت خلاله بإجراء إصلاحات في أحوال اليهود الإثيوبيين في الداخل الإسرائيلي، وقد تم تنفيذ بعض هذه المطالب باستثناء تلك المرتبطة بالتمييز العنصري ضدهم، مثل تلك الخاصة بتصوير التحقيقات التي تجريها الشرطة مع يهود الفلاشا، لكن وبشكل عام هناك محاولات مِن قِبَل الحكومة الإسرائيلية في تبنّي بعض السياسات التي تستهدف إظهار عدم التمييز ضد يهود الفلاشا على غرار عمل دورات تدريبية لضباط الشرطة للتعامل مع الفلاشا، وغلق بعض القضايا المتهم فيها عدد من يهود الفلاشا صغار السن، بَيْد أنَّ هذه الإجراءات لا تعدو كونها مجرد محاولات تقوم بها الحكومة للتغطية على ممارسات التمميز العنصري التي يتعرض لها يهود الفلاشا، ولم تستطع هذه السياسات إنهاء العنصرية كما أن شيئًا لم يتغير في طريقة تعامل السلطات مع يهود الفلاشا([40]).
ولطالما اتَّهم قادة يهود الفلاشا في إسرائيل حكومة رئيس الوزراء السابق “بنيامين نتنياهو” بالتقصير في تنفيذ الوعود، ويعتبرون أن هذا التلكؤ هو نوع من الموقف العنصري الذي يُمارَس ضدهم.
وفي المقابل يمثل اليهود الفلاشا الذي يتجاوز عددهم 150 ألفًا قوة انتخابية، تسعى الأحزاب اليهودية لكسب تأييدها، وقد بات لديهم اليوم نائبان في الكنيست الإسرائيلية ووزيرة في الحكومة، وقد اجتمعت الأخيرة نهاية 2020م بالرئيسة الإثيوبية لجلب دفعة جديدة من اليهود الإثيوبيين الذين يرغبون في الهجرة إلى إسرائيل، بموجب قواعد لَمّ شمل الأسرة؛ حيث بات الكثير من أُسرهم مشتتة بين من يوجد في إسرائيل ومن لا يزال موجودًا في إثيوبيا ولا يستطيع الهجرة إلى إسرائيل([41]).
الاتفاق السوداني الإسرائيلي وأثره على يهود الفلاشا واللاجئين السودانيين:
في أعقاب الإعلان عن الاتفاق السوداني والإسرائيلي في 2020م، بدأ اليهود الإثيوبيون في إسرائيل في التقدم بقائمة طلبات إلى الحكومة الإسرائيلية، ويقود هذه المطالب “غادي يفركان” عضو الكنيست عن حزب الليكود، الذي أجرى اتصالاً مع رئيس الحكومة السابق “نتنياهو”، عرض فيه قائمة الطلبات التي تتضمن أن ينص الاتفاق مع السودان الحديث عن المفقودين والقتلى من أصل إثيوبي خلال رحلات هجرتهم إلى إسرائيل، وزيارة قبور الموتى منهم بعد بناء نُصُب تذكاري لهم على الأراضي السودانية، على غرار النُّصُب التذكاري التي شيَّدته إسرائيل على جبل هرتسل تخليدًا لذكرى من مات من اليهود الإثيوبيين أثناء رحلة هجرتهم إلى إسرائيل([42]).
وقد اقترح “غادي يفركان” في 28 نوفمبر (تشرين الثاني) 2020م، خلال لقائه بوزير البناء والإسكان الإسرائيلي “يعقوب ليتسمان” أن يتم بناء مستوطنة خاصة بالمهاجرين الإثيوبيين في تل أبيب؛ نظرًا لما يعاني منه هؤلاء من عنصرية ومعاملة قاسية، فضلاً عن توفير فرص عمل لهم في مجالات مثل الهندسة والبناء والبنية التحتية.
وفي 2015م، كانت الحكومة الإسرائيلية وافقت على السماح لـ9 آلاف طلب من اليهود الإثيوبيين بالهجرة إلى إسرائيل، قبل أن تتراجع الحكومة لاحقًا بحجة قيود مرتبطة بالميزانية، كذلك تعارض بعض الجماعات الإسرائيلية فكرة هجرة مزيد من اليهود الإثيوبيين؛ بدعوى أن المجتمع غير قادر على استقبال المزيد منهم بسبب صعوبات كبيرة لدمجهم.
وفي 3 ديسمبر (كانون الأول) 2020م، دخل (316) مهاجرًا جديدًا من يهود الفلاشا إلى إسرائيل، مع الإعلان عن الاستعداد لوصول حوالى (1700) مهاجر آخر بحلول يناير (كانون الثاني) 2021م، وذلك في إطار قرار الحكومة الإسرائيلي في 12 أكتوبر (تشرين الأول) 2020م بالموافقة على هجرة 2000 يهودي إثيوبي إلى إسرائيل، ويبدو أن هذا الأمر ارتبط بالأساس بمحاولة “نتينياهو” كسب تأييد يهود الفلاشا في الانتخابات التي كان يتم التحضير لها، إلا أن الحكومة الإسرائيلية لم تَفِ أيضًا بوعودها بجلب هذا العدد، واقتصر العدد الكلي حتى الآن على حوالي 300 مهاجر في مارس الماضي.
لكن، يبدو أن التأثير الأكثر وضوحًا فيما يتعلق بالاتفاقية السودانية- الإسرائيلية ترتبط باللاجئين السودانيين الموجودين في إسرائيل، فقد أعلنت إذاعة الجيش الإسرائيلي نهاية أكتوبر (تشرين الأول) 2020م عن أن الحكومة السودانية وافقت على إعادة إسرائيل للسودانيين الذين دخلوا تل أبيب خلال السنوات الماضية بطرق غير قانونية إلى بلادهم([43]).
ويعيش 6 آلاف سوداني اليوم في إسرائيل معظمهم من طالبي اللجوء، ويوجد جزء كبير منهم في تل أبيب، ويمثل هذا الملف أحد الملفات ذات الحساسية العالية بالنسبة لإسرائيل؛ نظرًا لمخاوفها من أن تبني هذه المجموعات مع الوقت ديموغرافية جديدة داخل حدودها، وعلى الرغم من مغادرة جزء منهم بعد استقلال جنوب السودان عام 2011م، غير أن تدهور الأوضاع في جوبا التي دخلت في حرب أهلية حال دون استكمال عودة كافة طالبي اللجوء السودانيين من إسرائيل إلى جنوب السودان، وبعد إعلان إتفاق التطبيع بين الخرطوم وتل أبيب بات طالبو اللجوء السودانيون في إسرائيل يخشون من إعادتهم قسرًا إلى السودان([44]).
وكان “نيتنياهو” قد تعهَّد في عام 2017م بـ” إعادة جنوب تل أبيب إلى الإسرائيليين”، وهي المنطقة التي يقطنها غالبية اللاجئين (بما في ذلك اللاجئون السودانيون)، غير أن الخلافات الداخلية حول الميزانية المقترحة، فضلاً عن ضغط الأمم المتحدة عليه للإبقاء على اللاجئين في إسرائيل -لاعتبارات تتعلق بسلامتهم- حالت دون ذلك، وقد وقَّع “نينياهو” في 2018م اتفاقًا مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين تعهدت تل أبيب بموجبه باستيعاب نصف مجموعة طالبي اللجوء الأفارقة لديها باعتبارهم مواطنين مقيمين، مع مشاركة المفوضية بتقديم تدريبات خاصة لهم لإدماجهم في المجتمع، مع منحهم وظائف داخل إسرائيل وخارجها، مع تعهد الأمم المتحدة بنقلهم خارج إسرائيل واستيعابهم في عدة دول أوروبية، بَيْدَ أنَّ “نيتنياهو” ما لبث أن تراجع عن هذا الاتفاق؛ بسبب رفض أعضاء في الائتلاف الحكومي، فضلاً عن نجاح الثورة السودانية في إسقاط نظام “البشير”، وهو ما مثَّل فرصة أمام تل أبيب لعودة التفاوض مع الخرطوم لفتح المجال أمام عودة اللاجئين السودانيين إلى بلدهم([45]).
بالتالي، ثمة قناعة باتت سائدة لدى اللاجئين السودانيين في إسرائيل بأنهم سيتم ترحيلهم إلى الخرطوم، وهو ما كشفت عنه صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية بأن الحكومة الإسرائيلية تنوي تشكيل لجنة مختصة لإعادة أكبر قدر منهم إلى السودان، ومِن ثَمَّ تكمن أحد مخرجات الاتفاق السوداني مع إسرائيل في حلحلة هذا الملف بالنسبة للحكومة الإسرائيلية([46]).
في النهاية، ثمة تطورات متسارعة باتت تهيمن على النظام الدولي والإقليمي، وربما تلعب الأبعاد التاريخية والدينية دورًا كبيرًا في فهم السياقات التي تتبلور فيها هذه التطورات الراهنة؛ لذا فعلى الرغم الطبيعة المتغيرة للمصالح الجيوسياسية للدول؛ فإنَّ البُعد التاريخي يبقي أحد أهم المحدِّدات التي قد تُشَكِّل جوانب من هذه المصالح؛ لذا فالأمر لا يتعلق بمجرد سَرْد تاريخيّ للأحداث بقَدْر ما يُمثِّل الأرضية التي تتشكَّل فوقها خريطة التطورات الحالية والمستقبلية.
[1] – بدر الدين الهاشمي، لمحة من تاريخ اليهود في السودان مقتطفات من كتاب “قاموس السودان التاريخي“، 3 فبراير (شباط) 2013م، متاح على الرابط التالي:
[2] – منى عبد الفتاح، دعوة يهود السودان بالعودة إلى مقرن النيلين، إندبندت عربية، 2 ديسمبر (كانون الأول) 2019م، على الرابط الآتي:
[3] – صلاح محمد أحمد علي، اليهود في السودان، معهد الدراسات الإفريقية الآسيوية، 1976l. على الرابط الآتي:
http://khartoumspace.uofk.edu/handle/123456789/1157
[4] – صلاح محمد أحمد علي، مرجع سابق.
[5] – بدر الدين حامد الهاشمي، مرجع سابق.
[6] – سهام صالح، اليهود في السودان: ماضٍ لن يُنْسَى، جريدة الفيصل، 27 ديسمبر (كانون الأول) 2016م، على الرابط الآتي:
-[7] رندة عطية، البنيامين: لمحة عن تاريخ اليهود في السودان، موقع نون بوست، 28 أغسطس (آب) 2020م، على الرابط الآتي:
[8] – سهام صالح، مرجع سابق.
[9] – منى عبد الفتاح، دعوة يهود السودان بالعودة إلى مقرن النيلين، مرجع سابق.
[10] – DW الألمانية، “اليهود المنسيون” في إثيوبيا: يهود “فلاش مورا”، وما يميزهم عن “حماة التوراة“، (DW) 13 أكتوبر (تشرين الأول) 2020م، على الرابط الآتي:
[11] – سفيان أحمد برزق، اليهود الإثيوبيين الفلاشا وتريحيلهم إلى إسرائيل، رسالة ماجستير في الدراسات الإفريقية والآسيوية، جامعة الخرطوم: معهد الدراسات الإفريقية والآسيوية، 1989م، ص 15، على الرابط التالي:
[12] – تغريد ذنون يونس محمد، دور السلطات السودانية في تهجير يهود الفلاشا إلى إسرائيل 1984- 1991م، مجلة جامعة كركوك للدراسات الإنسانية، 2017م، المجلد 12، العدد4، ص ص 34-52، على الرابط التالي:
[13]– سفيان أحمد برزق، المرجع السابق، ص ص 17-22.
[14] – محمد الشماع، من هم اليهود الإثيوبيون؟، موقع مبتدأ، 4 مايو (أيار) 2015م، على الرابط الآتي:
[15] – سفيان أحمد برزق، المرجع السابق، ص ص30-31.
[16] – أحمد إبراهيم الشريف، من العملية موسى إلى سليمان: كيف نقلت إسرائيل يهود الفلاشا من إثيوبيا، اليوم السابع، 3 يناير (كانون الثاني) 2020م، على الرابط الآتي:
[17] – عمر سلهم صديق، يهود الحبشة “الفلاشا”: دراسة تاريخية، مجلة كلية العلوم الإسلامية، جامعة الموصل، العدد 14/2، المجلد السابع، 2013م.
[18] – أسامة عبد الرحمن الأمين، التغلغل الإسرائيلي في إفريقيا وأثره على دول حوض النيل الشرقي: إثيوبيا نموذجًا، جامعة إفريقيا العالمية، الخرطوم، مجلة دراسات إفريقية، العدد 49، يونيو ( حزيران) 2013، على الرباط التالي:
http://dspace.iua.edu.sd/handle/123456789/703
[19] – سفيان أحمد برزق، مرجع سابق، ص33، نقلاً عن كتاب ديفيد كسلر، الفلاشا يهود إثيوبيا، الأردن، دار الكرمل، 1985م، ص22.
[20] – سفيان أحمد برزق، مرجع سابق، ص ص34-36. نقلاً عن كتاب ” Middle Eastern Themes: Papers in History and Politics” للكاتب “Jacob M. Landau”.
[21] – ياسمين عبداللطيف زرد، التاريخ السري للعلاقات الإسرائيلية السودانية، جريدة الشروق، 27 أكتوبر (تشرين الأول) 2020م، على الرابط الآتي: https://www.shorouknews.com/columns/view.aspx?cdate=27102020&id=c2684a96-4e82-4e3c-8761-4c83bc4701eb
[22] – تغريد ذنون يونس محمد، مرجع سابق.
[23] – الفاتح عبد الله عبد السلام، مسألة تهجير الإثيوبيين الفلاشا إلى إسرائيل، مجلة دراسات إفريقية، العدد العاشر، ديسمبر ( كانون الأول) 1993م، ص ص 101- 126.
[24] – عبدالعزيز إبراهيم، هوليوود تكشف أسرار عملية خطيرة لتهريب يهود إلى إسرائيل، العربية، 20مايو (أيار) 2020م.
[25] – رافي بيرغ، ما قصة “منتجع الموساد” بالسودان الذي حولته نتفليكس إلى فيلم، BBC، 4 أغسطس (آب) 2019م. على الرابط التالي:
https://www.bbc.com/arabic/art-and-culture-49219630
[26] – محمد جلاء إدريس، يهود الفلاشا: أصولهم ومعتقداتهم وعلاقتهم بإسرائيل، القاهرة: مكتبة مدبولي، 1993م.
[27] – تغريد ذنون يونس محمد، مرجع سابق، نقلاً عن: عادل الجورجي، اعترافات القادة العرب، 2012م. وأيضًا، الفاتح عبد الله عبد السلام، مرجع سابق.
[28] – الفاتح عبد الله عبد السلام، مرجع سابق، ص 119.
[29] – المرجع السابق، ص 120.
[30] – تغريد ذنون يونس محمد، مرجع سابق.
[31] – منى عوض، يهود الفلاشا: لا ملجأ من الجحيم إلا إليه، إضاءات، 21 ديسمبر (كانون الأول) 2016م. انظر أيضًا: ميسون البياتي، يهود الفلاشا، 13 مايو (أيار) 2013، على الرابط الآتي:
[32] – الفاتح عبد الله عبد السلام، مسألة تهجير الإثيوبيين الفلاشا إلى إسرائيل، مجلة دراسات إفريقية، العدد العاشر، ديسمبر ( كانون الأول) 1993، ص ص 101- 126.
[33] – رافي بيرغ، ما قصة “منتجع الموساد” بالسودان الذي حولته نتفليكس إلى فيلم، بي بي سي،4 أغسطس (آب) 2019م، على الرابط الآتي:
https://www.bbc.com/arabic/art-and-culture-49219630
[34] – إيمان عبد القادر، الفوارق الطبقية والتمييز: وضع الأقليات في إسرائيل، المركز العربي للبحوث والدراسات، يوليه (تموز) 2019م.
[35] – عشاب سعاد وشتواني كميلية، السياسة الخارجية الإسرائيلي تجاه القارة الإفريقية: دراسة حالة إثيوبيا، رسالة ماجستير، جامعة مولود معمري، الجزائر، 2017م.
[36] – احتجاجات واسعة للفلاشا في إسرائيل: فمن هم، سكاي نيوز عربية، 4 يوليه (تموز) 2019م، على الرابط الآتي:
[37] – محمد عثمان، يهود الفلاشا في إسرائيل بين العنصرية والهوية الضائعة، المركز العربي للبحوث والدراسات، 6 يوليه (تموز) 2019م، على الرابط الآتي: http://www.acrseg.org/41260
[38] – هبة شكري، انتفاضة يهود الفلاشا ضد العنصرية الإسرائيلية، المركز المصري للفكر والدارسات الاستراتيجية، 6 يوليه (تموز) 2019م، على الرابط الآتي: https://marsad.ecsstudies.com/2687/
[39] – علي نوار، هل يكرّر يهود إثيوبيا في إسرائيل تجربة جنوب إفريقيا للتخلّص من العنصرية، موقع حفريات، 27 يوليه (تموز) 2019م، على الرابط الآتي: https://www.hafryat.com/ar/blog
[40] – هبة شكري، مرجع سابق.
[41] – إسرائيل تستقبل مئات المهاجرين من يهود الفلاشا، جريدة الشرق الأوسط، 4 ديسمبر (كانون الأول) 2020م، على الرابط الآتي:
[42] – من هم “يهود الفلاشا” وما مطالبهم بعد الاتفاق على السلام بين إسرائيل السودان، سبوتنك عربي، 28 أكتوبر (تشرين الأول) 2020م، على الرابط الآتي: https://bit.ly/3nA9nWF
[43] – تل أبيب والخرطوم: اتفاق على إعادة لاجئين ومهاجرين سودانيين في إسرائيل إلى بلادهم، موقع روسيا اليوم، 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2020م، على الرابط الآتي: https://bit.ly/3nvV1GV
[44] – بعد التطبيع: “اللاجئون” السودانيون في إسرائيل يحدقون في المجهول، ( DW ) الألمانية، 28 أكتوبر (تشرين الأول) 2020م، على الرابط الآتي: https://bit.ly/38p3PI6
[45] – منى عبد الفتاح، طريق اللاجئين الطويل من إسرائيل إلى السودان، إندبندت عربية، 27 مايو (أيار) 2020م، على الرابط الآتي:
[46]– ISMA’IL KUSHKUSH, The Kafkaesque World of Sudanese Refugees in Israel, Foreign Policy, DECEMBER 10, 2020, available on: https://bit.ly/3om9WDO