د. عماد الدين حسين بحر الدين عبدالله
كانت الصومال أسبق من أية دولة أخرى إفريقية أو آسيوية في استقبال الدعوة الإسلامية، ويرجع ذلك إلى أن الصومال بحكم صلاتها القديمة بالعرب بها جاليات عربية على ساحلها منذ انهيار سد مأرب في عام 120م([1]).
الموقع الجغرافي الصومالي وأهميته الاستراتيجية:
الصومال الكبير، مصطلح أطلقته الحكومة البريطانية بعد الحرب العالمية الثانية, وكان يُقصَد به الأراضي التي يقطنها الصوماليون، والتي تم تقسيمها بين القوى الاستعمارية، في نهاية القرن التاسع عشر، والتي تشمل حاليًا (جمهورية الصومال الديمقراطية، وجمهورية جيبوتي والمناطق الجنوبية الشرقية لإثيوبيا –أي محافظتي هرر والإقليم الخامس المعروف أوجادين- والأجزاء الشمالية الشرقية من كينيا distric northem frontiers. وتُعرف هذه المنطقة أحيانًا بالقرن الإفريقي، وهو المكان الذي يلتقي عنده البحر الأحمر والمحيط الهندي؛ لأنه يشبه الرأس؛ حيث يشكل أكبر مثلث عند هذا المكان، وهو واقع في أراضي الصومال، ولكن استعماله توسَّع حتى شمل كل الأراضي المجاورة القريبة له، فتدخل فيه على سبيل المثال إثيوبيا وكينيا.
وتبلغ المساحة الكلية لهذه المنطقة حوالي ستمائة وثلاثين ألف ميل مربع، أو ما يزيد عن المليون ونصف كيلو متر مربع؛ حيث تبلغ مساحة جمهورية الصومال الديمقراطية 262 ألف ميل مربع (636,541)، وجمهورية جيبوتي ثمانية آلاف وأربعمائة وأربعة وتسعين ميلاً مربعًا (23 ألف كلم2) والمنطقة الجنوبية لإثيوبيا 258 ألف ميل مربع (627 ألف كلم2)، والمنطقة الشمالية الشرقية من كينيا تعادل 102 ألف ميل مربع، وهي تعادل 45٪ من مساحة كينيا، وبهذا فإن المنطقة التي يقطنها صوماليون وتقع خارج إطار جمهورية الصومال وجيبوتي تتجاوز مساحتها مساحتي جمهورية الصومال وجيبوتي.
مراحل انتشار الإسلام في الصومال الكبير:
هجرة الصحابة -رضوان الله عليهم- إلى الحبشة([2]):
هناك عدة آراء حول هذه القضية مختلفة، كل منها يحتمل الصدق بشأن دخول الإسلام إلى القرن الإفريقي.
الرأي الأول: يقول إن الإسلام دخل القرن الإفريقي عن طريق هجرة المسلمين إلى الحبشة على يد الطلائع الإسلامية الثانية من أصحاب الرسول -صلى الله عليه وسلم-، الفارين بدينهم من إيذاء قريش لهم. وأن الفوج الثاني من المهاجرين حطوا رحالهم في بلدة زيلع في ساحل الصومال الشمالي فترة يغلب على الظن أنها فترة غير طويلة، وذلك عقب عبورهم البحر الأحمر، لذا وجدوا في الجانب الإفريقي أمنًا وسلامًا خاصةً مدينة زيلع، ثم استأنفوا السير إلى الحبشة التي كانت مقصدهم الرئيسي([3]).
الرأي الثاني: يرى أن الدين الإسلامي ظهر في الجزيرة العربية ثم انبثق نوره بقوة وملأ الآفاق بفضل الشريعة الإلهية السمحاء, أصبح يعمر كل قلب نابض في جزيرة العرب، وذلك عقب فتح مكة في السنة الثامنة من الهجرة النبوية فدخل الإسلام باليمن مقدمًا كما بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفدًا من الدعاة إليها يتكون من أربعة عشر عالمًا من علماء الصحابة بقيادة علي بن أبي طالب -رضي الله عنهم- لنشر الإسلام في هذه البلاد، وليُعلّموا الناس أمور دينهم الجديد.
وسار هذا الوفد حتى وصل إلى صنعاء اليمن، وأسلم أكثر أهل اليمن على يد علي بن أبي طالب, وكتب إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- كتابًا يُبشّره بإسلام قبيلة همدان، وكانت من قبائل اليمن الكبرى التي لها شأن يُذْكَر، فخرَّ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- ساجدًا؛ شكرًا لله تعالى، ثم تتابعت وفود المسلمين إلى اليمن، ومن الثابت أن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وصل إلى مدينة (أبين) قرب عدن وخطب على منبرها.
أما الاعتقاد السائد عند كثير من الباحثين، وهو ما أرجّحه أن مجموعة من الصحابة يصل عددهم إلى أكثر من خمسين صحابيًّا من بينهم أبو موسى الأشعري قد تخلّفوا عن بعثة سيدنا عليّ في اليمن، ثم عبر بعضهم إلى الشاطئ الإفريقي المقابل لعدن. وقد ذكر الدكتور زاهر رياض في كتابه (الإسلام في إثيوبيا) أنه خرج من اليمن وفد يضم أبا موسى وأبا بردة وأبا رهم في بضعة وخمسين رجلًا، واجتمعوا بجعفر بن أبي طالب ومن معه من الصحابة في محل يسمى منكل العلامة من مقاطعة تيغراي الحالية([4]).
وقال صادق باشا المؤيد في كتابه (رحلة إلى الحبشة) ما يلي: فلما بلغهم خبر هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة قام أبو موسى الأشعري ومعه خمسون مهاجرًا، وركبوا زورقًا ليعبروا البحر إلى المدينة المنورة فصادفهم أنواء ألقت بزورقهم إلى البر الحبشي من إفريقيا؛ فالتقوا بإخوانهم المهاجرين هنالك([5]). وتشير الدلائل إلى أن اللقاء قد تم بينهم في منطقة زيلع باعتبارها المحط الطبيعي لأيّ سفينة شراعية قادمة من اليمن إلى الشاطئ الإفريقي.
هذا وقد كان لاعتقاد شعب اليمن بالعقيدة الإسلامية أثر عظيم في دخول وانتشار الإسلام في شرق إفريقيا؛ إذ لم يكن للسالك حاجز طبيعي يفصل ساحل اليمن وسواحل الصومال، كما لم يكن هنالك مانع سياسي ولا اختلاف في العادات يقف حجر عثرة بين المنطقتين، وقد أتاح ذلك للإسلام تأسيس أول دولة إسلامية قوية مزدهرة في الساحل الشرقي للقارة السمراء([6]).
أبرز الهجرات التي شهدها الساحل الصومالي وأهمها تأثيرًا في تاريخه:
توالت الهجرات العربية بصفة مستمرة ومتتالية إلى الصومال، وكانت أبرز الهجرات التي شهدها الساحل الصومالي وأهمها تأثيرًا في تاريخه:
أ- هجرة العمانيين:
وهناك أقوال تَذكر أن مدينة مقديشو ظهرت في القرن العاشر الميلادي, بعد أن تم إنشاؤها على يد مهاجرين من العرب, نزحوا من الخليج العربي, بعضهم من الأزد, هاجروا من عمان في أيام عبد الملك بن مروان؛ بسبب صراع القبائل بعضها ضد بعض, وكان هؤلاء المهاجرون بقيادة سليمان بن عباد بن عبد الجلدي وأخيه سعيد([7]).
ب- هجرة بني عقيل:
تتابعت الهجرات العربية لنشر الإسلام في الصومال منذ عهد الخلفاء الراشدين، وازدادت أيام الأمويين والعباسيين، ومن تلك الهجرات: هجرة بني عقيل الدين نزحوا من شبه الجزيرة العربية، ونزلوا في منطقة غرب الصومال([8])، وسكنوا في ناحية تسمى (جبرت) من أراضي (زيلع), وسموا بعد ذلك الجبرتية, ولا يزال هذا الاسم لشعب كبير([9]), وينتمي بنو عقيل من بني عبد الدار أو من بني هاشم, إلى عقيل بن أبي طالب, قدم أسلافهم من الحجاز واشتهر قوم منهم بالصلاح والتقوى([10])، وأصبحوا يعرفون بالجبرتية، وكان لبني عقيل فيما بعد دور كبير في نشر رسالة الإسلام في منطقة القرن الإفريقي حتى اتسعت رقعة الإسلام، واكتسبوا ودّ السكان ومن ثَمَّ تمكنوا من تأسيس دولة إسلامية عرفت بمملكة أوفات، وهي من دول الإمارات السبع المشهورة التي عرفت بدول الطراز الإسلامي السبع([11]).
جـ– هجرات النبهانيين:
وفي بداية القرن السابع الهجري قدمت هجرة عربية كبيرة من أرض عمان, وهم النبهانيون الدين كانوا حكامًا على عمان، غير أنه لما تدهورت سلطتهم نزحوا إلى منطقة شرق إفريقيا, وبالتحديد جزيرة بات الواقعة في المحيط الهندي, وبعد استقرار الأسرة النبهانية في الجزيرة استطاعوا أن يندمجوا مع المجتمع السواحلي, وقد ساعدهم على ذلك ترحيب العناصر العربية والفارسية التي سبقتهم إلى المنطقة إضافة إلى كونهم كانوا ملوكًا على عمان, لذلك استقبلهم الناس استقبالاً طيبًا رغم أن مُلْكهم في عمان قد انهار وصاروا مهاجرين, إلا أن الناس قدّروا تاريخهم الماضي ومَجْدهم السابق, ومن هنا كان من السهولة أن يختلطوا بالمجتمع الجديد, بل استطاع الملك النبهاني, سليمان بن مظفر النبهاني أن يتزوج من ابنة حاكم الجزيرة السواحلي المدعو إسحاق الذي تنازل بدوره لابنته ولصهره عن حكم الجزيرة. ومن هنا بدأت للنبهانيين حياة جديدة ودور آخر يواصلون خلاله حياتهم السياسية وريادتهم القيادة, ولكن في هذه المرة بالقارة الإفريقية([12]). وعلى الرغم من أن النبهانيين أقاموا دولة كبيرة مركزها جزيرة بات إلا أنهم استطاعوا أن يبسطوا سيطرتهم وسلطانهم على مواقع أخرى من الساحل الشرقي لإفريقيا، وذلك في أوج عزّها وعنفوانها حتى وصل حكمهم إلى بعض المناطق الجنوبية لبلاد الصومال مثل مدن كسمايو وبراوة ومقديشو, وذلك في القرن الثالث عشر الميلادي([13]).
د- هجرة الجلنديينك
ومن الهجرات العربية إلى المنطقة في العصور الوسطى هجرة قام بها آل الجلندي (وهي قبيلة أزدية قحطانية يتصل نسبها إلى الجلندي بن المستكبر بن معولة وهي قبيلة عمانية) في القرن السابع الميلاد. وكان الجلنديون يحكمون أرض عمان في فترة الخلافة الأموية؛ حيث كانوا يتمتعون بحكم ذاتي منذ صدر الإسلام, بل وكانوا يُسيّرون أمر عمان دون الرجوع إلى مقر الخلافة، رغم أن إقليم عمان كان تابعًا لولاية العراق, ولكنهم لم يقوموا بأعمال تُظْهِر معارضتهم للخلافة الأموية أو خروجهم عليها؛ لأجل هذا كانوا يتمتعون بنفوذ واسع, وفي الوقت نفسه لم يكن هؤلاء الجلنديون يُظْهِرون الولاء والطاعة لها أو يبعثون الخراج إليها, هذا وقد كان الولاة والعمال في عمان يُعيّنون مِن قِبَل الخلفاء أو نوابهم([14]).
هـ- بعوث عبد الملك بن مروان الأموي إلى الصومال:
بعث الخليفة عبد الملك إلى المنطقة جماعة من أهل الشام وذلك في سنة 77ھ /696م، وبفضل هذه الجهود دخل أهالي المنطقة في دين الله أفواجًا، والتزموا بتعاليم الدين الجديد([15]).
و– هجرة الزيديين:
هي إحدى فِرَق الشيعة الثلاث الكبرى الموجودة في العالم الإسلامي, وهم أتباع زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب -رضي الله عنهم-، الذي خرج على هشام بن عبد الملك وقُتِلَ([16]).
ز– وصول وفد بني العباس إلى الصومال:
وفي عهد بني العباس، ولا سيما أيام الخليفة أبي جعفر المنصور، وصل وفد كبير بقيادة يحيى بن عمر العنزي إلى مقديشو سنة 149ھ/766م مِن قِبَل الخليفة العباسي، وكان هدف الوفد تفقد وإرساء قواعد أركان الخلافة، وبسط سيطرتها على المنطقة، وهو ما تحقق بعد مجيء الوفد؛ حيث أصبح حُكّام الصومال يدفعون الخراج إلى الخلافة، ويَدْعُون للخليفة على المنابر. وعلى الرغم من أن هذا الوفد العباسي لم يكن هدفه الهجرة والنزوح إلى بلاد الصومال؛ إلا أنهم بعد وصولهم إلى المنطقة زاولوا نشاطهم السياسي والديني حتى تركوا بصمات إيجابية على المجتمع، وبقي أثرهم في البلاد([17]).
حـ- هجرة آل حمر:
في عهد الخلافة العباسية تدفق المهاجرون العرب والمسلمون إلى سواحل الصومال لعوامل سياسية واقتصادية ودينية واجتماعية؛ حيث وصلت طلائع المهاجرين في سنة 149ھ/766م إلى مقديشو, وهؤلاء يُطلَق عليهم قبائل بنادر أو قبائل آل حمر (reer xamar) منهم اثنتا عشرة قبيلة من القحطانيين (آل فقيه) من بلدة المقري بصنعاء واثنتا عشرة قبيلة من الجد عني (الشاشيين), وست قبائل من العقبى (الدرقية), وثلاث من العفيفي, وست من الإسماعيلي. وهذه القبائل (آل بنادر) توصلوا إلى اتفاق فحواه بأن يتولى آل الفقيه القضاء وتوثيق النكاح([18]).
ط- هجرة المخزوميين:
هناك هجرة عربية أخرى كان قائدها ودّ بن هشام المخزومي. لقد كانت الهجرات العربية الإسلامية المتواصلة إلى ساحل البحر الأحمر المجاور وساحل شرق إفريقيا من الأسباب القوية, لظهور سلطات وإمارات إسلامية لعبت دورًا كبيرًا ومؤثرًا في نشر الإسلام وسط سكان تلك السواحل، –ومن تلك الهجرات: هجرة بني مخزوم وتأسيسها المركز الإسلامي هنالك–، ولقد كان أول تلك المراكز الإسلامية, هي مملكة (شوا) الإسلامية, التي قامت في وسط الحبشة في بقعة من أخصب بقاعها([19])، كما تُعتبر من أمنع المعاقل فوق مرتفعات الهضبة، والذي تقع فيه مدينة أديس أبابا الحالية([20])؛ حيث كان الإسلام قد دخل إلى شرق تلك المنطقة, وقامت تلك السلطنة الإسلامية التي عملت على توطيد العقيدة الإسلامية في جنوب شرق الحبشة([21])، وإن سلاطين هذه المملكة كانوا من بني مخزوم أسرة سيف الإسلام خالد بن الوليد. وتعود نشأة هذه الدولة إلى عام (896م/282ھ)([22])؛ حيث ظهرت هذه الدولة بجهود قبيلة قريشية, تُنْسَب إلى بني مخزوم؛ إذ لُقِّب حاكمها باسم المخزومي؛ حيث إن بعضًا من أفراد تلك القبيلة العربية القريشية قد عرفوا طريقهم إلى الحبشة مند عهود سابقة, ذلك أن عصر الخليفة الراشد عمر بن الخطاب قد شهد هجرة أول عربي مسلم استقر بالحبشة, وهو هشام المخزومي نسبة إلى تلك القبيلة, والذي لا شك فيه أن بعضًا أو جمعًا كبيرًا من قبيلته قد هاجروا بعد ذلك، واتصلوا به, ومن هنا كان ظهور تلك السلطة باعتبارها أولى السلطنات الإسلامية في أرض الحبشة, وعلى هذا يكون المهاجرون من بني مخزوم قد استطاعوا أن ينفذوا إلى تلك الجهات في وقت مبكر, وليس بعيدًا أن يكونوا قد نزلوا أول الأمر في ضيافة إمارة محلية من إمارات الحبشة, ثم اختلطوا بحكام تلك الإمارة عن طريق المصاهرة والزواج، ومن ثَم آل إليهم في آخر الأمر مسؤولية تولّي السلطة في تلك الإمارة([23]).
ي- هجرة الإخوة السبعة:
إن هؤلاء الإخوة وأتباعهم ينتمون إلى قبيلة الحارث العربية, التي كانت تقيم بساحل الخليج العربي على مقربة من جزائر البحرين، وكانوا سنيين على مذهب الشافعي([24]).
هاجروا من منطقة الأحساء في الخليج العربي في بداية القرن الرابع الهجري، النصف الأول من القرن العاشر الميلادي وبالتحديد عام 301 هـ \913م([25])، وتعتبر هذه الهجرة أكبر الهجرات العربية والإسلامية إلى ساحل الصومال المعروف بساحل (بنادر), من (الأحساء) عاصمة دولة القرامطة والإخوة السبعة من قبيلة (الحارث) العربية، جاءوا في ثلاث سفن محملة بالرجال والعتاد الحربي.
وقد نما إلى علم هذه الجماعة العربية أخبار الجماعات العربية التي سبقتهم إلى ذلك الساحل، وربما سمعوا عنها من التجار، أو من جنود سعيد الجنَّابي، وقد كان في صفوفهم جند من الزنج والأَرِقَّاء الذين جاءوا إلى الجزيرة العربية والعراق في فترة من الفترات.
لذلك قررت هذه الجماعات العربية أن تحذُوَ حَذْوَ الهجرات العربية التي سبقتها، يراودهم الأمل العريض في تكوين وطن جديد، وقد تحقق لهم ما أرادوا بفضل جهودهم، واستولى الإخوة السبعة على كل سواحل (بنادر) بعد أن قاموا بتأسيس مدينة (مقديشو) التي جعلوها عاصمة لدولتهم الجديدة، فامتد نفوذهم حتى جنوبي (ممبسة)، وربما وصلوا إلى جزيرة (مدغشقر). وقد وصف المسعوديُّ هذه الجزيرة، وذكر أن فيها قومًا من المسلمين، غلبوا على هذه الجزيرة، وسبوا من كان بها من الزنج، كغلبة المسلمين على جزيرة (اقريطش) في البحر الرومي (البحر الأبيض المتوسط).
لم تمضِ فترة طويلة على استقرار هذه الجماعات العربية حتى أصبح كل الساحل سُنيًّا على المذهب الشافعي، وذلك بعد أن اصطدم الإخوة السبعة بالزيدية الشيعة الذين اضطروا للانسحاب إلى الداخل([26]).
وقد لعبت هذه المجموعة المهاجرة دورًا مهمًّا في نشر الإسلام، والمحافظة على الهوية الإسلامية في الصومال. ولا شك أن لهجرتهم إلى منطقة شرق إفريقيا نتائج بعيدة الأثر في تاريخ المنطقة عمومًا على مدى قرنين من الزمن. وبفضلهم تحوّل سكان المنطقة إلى المذهب الشافعي واستطاع هؤلاء المهاجرون بسط سيطرتهم على المنطقة سيطرة تامة حتى علا شأنهم وازداد نشاطهم الحضاري والاجتماعي في المنطقة؛ حيث أسسوا عدة مدن مثل: مقديشو وبراوة، أو على الأقل أنهم قاموا بتجديد هذه المدن([27]).
ولا يزال المذهب الشافعي هو السائد في بلاد شرقي إفريقيا. وقد اكتفى هؤلاء العرب لبسط نفوذهم على المنطقة الساحلية فقط؛ إذْ إنَّ الداخل لم يكن معروفًا لديهم؛ إما لأنهم يجهلونه، أو لصعوبة التوغل، فسيطروا على الساحل ريثما يتمّ لهم كشف مجاهل إفريقيا المختلفة، وكان من نتيجة هذه الهجرة الأخيرة أن بسطت (مقديشو) نفوذها، وساعدت العرب المسلمين على إنشاء مواطن استقرار على طول الساحل الممتد من (مقديشو) في الشمال إلى مدينة (سوفالا) في الجنوب([28]).
ك- هجرة الشيرازيين:
من الهجرات التي وصلت إلى الصومال هجرة الشيرازيين نسبة إلى مدينة شيراز الواقعة في غرب إيران, وعلى الرغم من أن هذه الهجرة ليست عربية إلا أنها كانت تحمل طابعًا إسلاميًّا([29])، وهذا دليل على أن هجرات المسلمين إلى شرقي إفريقيا لم تتوقف على العنصر العربي وحده، بل أسهمت العناصر الأخرى فيها بنصيب كبير([30]).
وكان قائد هذه الهجرة هو على بن الحسين الشيرازي الذي سافر في القرن الرابع الهجري مع أبنائه ومجموعة من أقاربه مستقلًا سبع سفن إلى سواحل شرق إفريقيا، وأقام دولة كبرى في هذه المناطق. وقد اختلط الشيرازيون بعد استقرارهم في شرق إفريقيا بسكان المنطقة الأصليين، وظهر نَسْل جديد يحمل اسمهم في دول مثل: كينيا وتنزانيا؛ نتيجة للاختلاط بالسكان الأصليين والزواج منهم والتأثير فيهم والتأثر بهم([31]).
الخاتمة:
مما سبق يتضح أن الموقع الاستراتيجي للصومال كان عنصرًا جاذبًا للتُّجَّار المسلمين؛ فهو مُتاخم لكل من منطقة البحر الأحمر والمحيط الهندي، كما يقع في نقطة التقاء قارتي إفريقيا من الغرب وآسيا من الشرق، ويشرف على البحر الأحمر الذي يربط البحر العربي والمحيط الهندي بالبحر الأبيض المتوسط بواسطة مضيق باب المندب. كما أن الشعب الصومالي ينتمي للمجموعات الكوشية، وهي وحدة عرقية وثقافية وقومية واحدة، وهي من أكبر القوميات المتماسكة عرقيًّا وثقافيًّا وعقديًّا في القارة الإفريقية، وتُعتبر العصبية القبلية أحد أسباب انتشار الإسلام فيها.
[1] – محمد عبد الله النقيرة، انتشار الإسلام في شرقي إفريقية، ص30.
[2] – (المقصود بالحبشة في هذا الوقت لا يقتصر على الرقعة التي تقع فيها إثيوبيا حاليًا، بل يشمل: جميع دول شرق إفريقيا بما في ذلك الصومال وإثيوبيا وإريتريا وجيبوتي وجنوب شرق السودان).
[3] – جامع عمر عيسى, جمهورية جيبوتي ودورها في حل الأزمة الصومالية 2005م، (ب: ن)، ص10.
[4] – جامع عمر عيسى, جمهورية جيبوتي ودورها في حل الأزمة الصومالية، مرجع سابق، ص12.
[5] – صادق باشا، رحلة الحبشة، مطبعة الجريدة يسراي البارودي بباب الخلق، 1908م، ص 194.
[6]– جامع عمر عيسى، جمهورية جيبوتي ودورها في حل الأزمة الصومالية، المرجع السابق، ص12-14.
[7] – عبد الفتاح مقلد الغنيمي، الإسلام والمسلمون في شرق إفريقيا، عالم الكتب، القاهرة ، ص139.
[8] – المرجع نفسه ص45.
[9] – يوسف أحمد، الإسلام في الحبشة، مطبعة حجازي القاهرة, الطبعة الأولى 1935م، ص23.
[10] – محمد عبد الله النقير، انتشار الإسلام في شرقي إفريقيا ومناهضة الغرب له، المرجع السابق ص200.
[11] – المرجع نفسه ص45.
[12] – محمد حسين معلم علي، الثقافة العربية وروّادها في الصومال، دار الفكر العربي، القاهر 2011م، ص 49.
[13] – المرجع نفسه، ص40.
[14] – المرجع السابق، ص39.
[15] – المرجع السابق, ص.42
[16]– الفتح محمد بن عبد الكريم, الشهرستاني، دار الكتب العلمية بيروت لبنان، الجزء الأول, الطبعة الثانية، 1992م, ص153.
[17]– المرجع السابق ص44.
[18]– المرجع السابق، ص44.
[19]– عبد الفتاح مقلد الغنيمي، الإسلام والمسلمون في شرق إفريقيا، المرجع السابق، ص95.
[20]– المرجع نفسه، ص95.
[21]– المرجع السابق، ص95.
[22]– فتحي غيث، الإسلام والحبشة عبر التاريخ، المرجع السابق نفسه، ص 83.
[23]– عبد الفتاح مقلد الغنيمي، ص96
[24] – محمد عبد الله النقيرة، انتشار الإسلام في شرقي إفريقية ومناهضة الغرب له، دار المريخ، الرياض للنشر 1982م, ص87
[25]– محمد حسين معلم علي, الثقافة العربية وروادها في الصومال، دار الفكر العربي القاهر، 2011م ص 46
[26]– غيثان بن علي جريس, العرب وأثرهم في الأوضاع السياسية والثقافية في مقديشو في العصور الوسطى مجلة العرب، العدد 3 السنة، 2007م – 1428ه.
[27]– محمد حسين معلم علي، الثقافة العربية وروادها في الصومال، المرجع السابق، ص46.
[28]– غيثان بن علي جريس, العرب وأثرهم في الأوضاع السياسية والثقافية، مرجع سابق.
[29]– محمد حسين معلم علي، مرجع سابق، ص47.
[30]– محمد عبد الله النقير، انتشار الإسلام في شرقي إفريقية ومناهضة الغرب له، مرجع سابق، ص90.
[31]– مقال يحيى دواد عباس، إيران وشرق إفريقيا، مصدر جريدة الأهرام، العدد، الثاني، أكتوبر 1996م.