بقلم: فرنسيس جورنو
ترجمة: سيدي.م.ويدراوغو
يمكن أن تشهد إفريقيا جنوب الصحراء، هي الأخرى، فترة طويلة وقوية من النمو من خلال الاستفادة من العقود الثلاثة المجيدة على غرار البلدان المتقدّمة في حال استيفاء الشروط، غير أنَّ التركيز المفرط على الفكر الاستبدادي في الاحتباس الحراري يمكن أن يَحُول دون تحقيق ذلك.
تم تحديد أهداف التنمية المستدامة (ODD) مِن قِبَل الأمم المتحدة في عام 2015م، غير أن تأثيرها على سياسات الاستثمار حاسم. وطالما تم إقصاء المجال الصناعي، الذي يُنْتِج انبعاثات ثاني أكسيد الكربون (Co₂) بشكل عام، باسم المناخ. وفي الواقع، إن هذا يُعيق التصنيع، ويَحُول دون خَلْق عشرات الملايين من فرص العمل وتنمية إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، كما أنه أيضًا، بالنظر إلى التركيبة السكانية، يدفع المنطقة بشكل أسرع نحو أزمة إنسانية غير مسبوقة.
ومع ذلك، إذا اعتبرنا أن دول المنطقة مجتمعة تُصدِر أقل من 2% من Co₂ العالمي، فيبدو أن الأوامر المناخية للمنظمات غير الحكومية والمؤسسات لا تتمتع بشرعية تُذْكَر.
إن إفريقيا تَستحق أفضل من التبعية لأهداف التنمية المستدامة، ويجب أن تتبنَّى مشروعًا واقعيًّا يأخذ في الاعتبار احتياجات سكانها وخصوصياتهم الاقتصادية.
القيود المناخية الصارمة على إفريقيا، ومحطات توليد الطاقة بالوقود الأحفوري بامتياز لغيرهم:
كيف يمكننا القبول بفكرة إمكانية تطور إفريقيا إلى التصنيع من خلال عدد قليل من السدود الهيدروليكية والألواح الشمسية وتوربينات الرياح التي يتم الترويج على أنها متينة، رغم شدة خطورتها على حياة الطيور الإفريقية، في الوقت الذي تستمر فيه الصين والهند والولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا في فتح المئات من محطات توليد الطاقة بالفحم والغاز؟!
لا يمكن لقارةٍ لا تمتلك حاليًا طاقة نووية، باستثناء جنوب إفريقيا، أن تتحوَّل إلى التصنيع دون استخدام الوقود الأحفوري أيضًا على غرار المناطق الأخرى من العالم. ومن الضروري التوصُّل إلى حلٍّ ناجعٍ؛ نظرًا لاحتمال حدوث أزمة إنسانية يمكن أن تؤدي إلى مقتل مئات الملايين من الأفارقة حال فشلت القارة في تحقيق التطور.
إغراءات الاستدامة والرقمنة في ظل غياب التنمية ومكافحة المجاعة:
إن خطاب الغربيين أو الأفارقة من الشريحة الاجتماعية الراقية، وغالبًا ما يكونون ناشطين في مجال المناخ أو ممثلين عن مؤسسات دولية وأحيانًا إفريقية، الذي يحاول إقناع سكان جنوب الصحراء الكبرى، بما في ذلك 350 مليون شخص يعانون من سوء التغذية، ويصعب عليهم الحصول على الطاقة وتحوّل الطاقة، بأن الاستهلاك المستدام والتحول الرقمي هما من الأولويات باسم المناخ؛ يبدو غير واقعي وبعيدًا عن الحقائق الإفريقية.
النظرية القائلة: إن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ستدفع إفريقيا إلى الازدهار هي فرضية خاطئة
من أجل هيكلة اقتصادها، على غرار ما قامت به جميع البلدان المتقدمة من ذي قبل، ليس من مقدور المنطقة القفز على المراحل الأولية والثانوية (الزراعة والصناعة). وعلى الرغم من ضرورة رقمنة الخدمات العامة؛ إلا أنه ليس من المؤكد أن السكان يرغبون في مجتمع رقميّ وخدمات من الجيل الثالث أو الرابع، فهذه التقنيات التي لن تفيد إلا قلة بما في ذلك الجهات الفاعلة المستدامة والمتخصصة في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والشركات الناشئة أو الشركات التي تعمل على تحويل وظائف الإنتاج النادرة إلى الأتمتة (الروبوتات)، والتي تحتكر الحصة الأكبر من التمويل والإعانات وسط بحر من البؤس والأزمات. وعليه فإن إفريقيا جنوب الصحراء في حاجةٍ بشكل أساسي إلى التصنيع والزراعة والوظائف.
احترام البيئة أمر محوري ولكن في إطار تعزيز الإنتاجية لضمان الازدهار:
يُعدّ إنشاء مشروعات البنية التحتية والإسكان وتصنيع المعدات المنزلية وإنشاء الخدمات العامة والتوظيف والحدّ من الاقتصاد غير الرسمي الذي يخنق التنمية ومكافحة المجاعة والفقر المدقع، من المشاريع الضخمة والتحديات التي تواجه إفريقيا جنوب الصحراء، ويجب إيجاد حلول لها.
وعلى الرغم من ضرورة احترام البيئة قدر الإمكان بما في ذلك الحيوانات والنباتات؛ إلا أنه من غير المقبول التفكير في جعْل إفريقيا مصنعًا جديدًا للعالم. ومع ذلك، من الضروري أن تُنتج إفريقيا على الأقل جزءًا كبيرًا من سلعها الاستهلاكية، وتُصدر قيمة مضافة من أجل تزويد نفسها بمزيد من النمو وتمويل تقدمها وتلبية احتياجات سكانها.
مأزق التنمية المحلية في إفريقيا جنوب الصحراء:
يرغب الجميع في الاستفادة من التقدم، ولم يَعُد معظم الفقراء يرضون بالعيش في التقشف مع تطور بقية العالم. لكنَّ بناء صناعة قادرة على توفير السلع الاستهلاكية الحديثة لسكانٍ يُحتمل بلوغ تعدادهم عدة مليارات في غُضون بضعة عقود، موزعة على ما يقرب من خمسين دولة، سيتطلب تريليونات الدولارات التي يستحيل توفيرها، وعشرات السنوات من أبحاث آلاف المهندسين، وإيداع أو شراء ملايين براءات الاختراع. ولو في حال تم تحقيق ذلك فإن أسعار المنتجات، نتيجة الاستثمارات والمديونية، لن تكون دائمًا تنافسية.
كما أن تفضيل العزلة كاستراتيجية في زمن العولمة يبدو ديماغوجية أكثر منه خيارًا فعالاً. ويمكن للمؤسسات الإفريقية الاستفادة من دروس فشل المشاريع المحلية بشكل أساسي، بما في ذلك خطة عمل لاغوس (PAL) وأجندة 2063 التي تم الإعلان عنها من الاتحاد الصناعي العالمي الذي يضم 50 مليون عامل “تم اعتماد العديد من استراتيجيات التصنيع في إفريقيا في إطار أجندة الاتحاد الإفريقي 2063م من المستوى القاري إلى السياسات الصناعية الوطنية، لكنه لم ينطلق بعد”. والبراغماتية فقط هي التي ستسمح للاقتصاد بالانطلاق باعتبار أن ما جعل الصين قادرة من التصنيع في 3 عقود هو انفتاحها على العولمة، وتزويد الغرب لها، بما في ذلك فرنسا، بالتقنيات والخبرات.
المسار البراغماتي:
ولتعبئة مئات المليارات من اليورو وعقود من البحث، نتطلع من خلال دعم المخططات والتوقعات لعملية الإنتاج إلى إقناع الشركات الغربية الكبيرة التي تنتج حاليًا في الصين لتضمين إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى في مراحل سلاسل القيمة العالمية (CVM) الخاصة بها، وذلك بهدف استفادة الشركات المحلية من نقل التكنولوجيا وتطوير النظم البيئية. وستُمكِّننا رؤيتنا بزاوية 360 درجة من بدء جميع الإجراءات اللازمة بالتوازي: استقطاب المستثمرين، وتكوين الصناديق المالية، وتنظيم البنى التحتية والمجمعات الصناعية والتدريب، والتواصل الذي سيُولّد ديناميكية عالمية عطفًا على احتمال إقناع آفاق السوق المستقبلية الضخمة وإقناع الشركاء المحتملين الراغبين في تقليل اعتمادهم على الصين.
ومن البديهي أن المنظمات الدولية وشركاء إفريقيا، بما في ذلك فرنسا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، تركز على سياسات الحماية المناخية. كما أن إغراء المانحين المؤثرين لن يتم تلقائيًّا دائمًا، ولكنهم سيضطرون إلى قبول السياسة الصناعية التي يطالب بها السكان في نهاية المطاف حتى لا يتم استبعادهم، لمصلحة الدول الأخرى، إنه رهان إفريقيا على صعيد الجيوسياسية والجيواستراتيجية العالمية. ويتعين على المؤسسات الإفريقية أيضًا إدراك عدم رغبة الشباب في التضحية بهم على مذبح المناخ.
وستظل منطقة إفريقيا جنوب الصحراء على المحك في حال استمرت المؤسسات الإفريقية في اتباع السياسة التي تمليها عليها العقيدة المناخية الغربية، وستشهد المنطقة تركيز 90% من الفقر العالمي المدقع عليها في عام 2030م؛ كما تشهد بذلك إحصاءات البنك الدولي.
ومع توقُّع وجود ملياري نسمة في عام 2050م و4 مليارات في عام 2100م سيُسبّب أكبر كارثة إنسانية حتمية. ولكن وفقًا للبدائل المقترحة لا تزال هناك طريقة أخرى ممكنة؛ فضلاً عن أن المؤسسات على غرار الاتحاد الإفريقي وبنك التنمية الإفريقي تحمل على عاتقها مصير إفريقيا.
_______________________
الهامش:
(*) المستشار ، فرانسيس جورنو، يُدير برنامج تصنيع إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى منذ عشرين عامًا، وواضع خطة إقليمية للإنتاج في أوروبا وإفريقيا ومحور إفريقيا الأطلسي. كما يقوم بعمل بحثي في إطار الاتفاقية الدولية للحد الأدنى العالمي للأجور.