بقلم: مارغريت مونياني *و وريمادجي هويناثي *
ترجمة: سيدي.م.ويدراوغو
على الرغم من الأولوية التي تحظى بها الأهداف الأمنية ووقف إطلاق النار؛ إلا أن تقديم المساعدات الإنسانية إلى اللاجئين يظل أمرًا أساسيًّا لتحقيق السلام.
إن جمهورية الكونغو الديمقراطية، تشهد منذ 1990م أزمة إنسانية متعدّدة الأوجه، والتي تفاقمت على مدى العامين الماضيين، في ظل توسُّع رُقعة الصراعات وتصاعُد وتيرتها، لا سيما في شرق البلد. الأمر الذي تسبَّب في نزوح ملايين الأشخاص من ديارهم، ممَّا أدى إلى ارتفاع الطلب على المساعدات الإنسانية.
وتضم جمهورية الكونغو الديمقراطية أكبر عدد من النازحين داخليًّا في إفريقيا؛ حيث بلغ عددهم 5,7 مليون شخص اعتبارًا من فبراير 2022م. ويشير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إلى أن أكثر من 10 ملايين شخص في حاجة مُلِحَّة إلى الإغاثة.
جديرٌ بالذكر أنَّ جماعة متمردي حركة 23 مارس (M23) قد شنَّت أكثر من 12 هجومًا، في مقاطعة شمال كيفو الشرقية، ضدّ القوات المسلحة لجمهورية الكونغو الديمقراطية (FARDC) منذ نوفمبر 2021م بعد هدوءٍ دام لمدة تسع سنوات، باستثناء عدد ضئيل من المناوشات المتفرّقة، ولكنَّ عودتها إلى الظهور تُهدِّد الآن القوات المسلحة لجمهورية الكونغو الديمقراطية والمجتمعات المحلية.
ولم تُسْفِر مبادرات السلام التي تمَّ التفاوض بشأنها مؤخرًا عن نتائج ملموسة تُذْكَر، ومن المرجّح أن تستمر هجمات حركة 23 مارس، مما يضيف ضغوطًا أمنية ومالية وسياسية على حكومة جمهورية الكونغو الديمقراطية قبل الانتخابات الرئاسية في ديسمبر المقبل. وهذه المعطيات لا تُوحي بالتفاؤل بخصوص حلّ الأزمة الإنسانية هناك.
التدخلات العسكرية وتأجيج العنف والنزوح:
كشف تقرير صادر عن المجلس النرويجي للاجئين في عام 2021م أن النزوح في جمهورية الكونغو الديمقراطية كان أكثر أزمات النزوح تجاهلاً في العالم؛ بسبب عدم كفاية الدعم والتمويل، وضعف التغطية الإعلامية للأزمة، ونقص المبادرات الدبلوماسية الدولية لإنهاء المشكلة.
وأشار إلى أن وضع اللاجئين في جمهورية الكونغو الديمقراطية، في عامي 2021 و2022م، كان في طليعة الأزمات الإفريقية المماثلة. وعلى الرغم من شدتها، فقد طغت على هذه المشكلة كوارث أخرى في جميع أنحاء العالم، مما أعاق الوصول إلى الموارد والاستجابة لها.
وعلى الرغم من أن الجهود التي بذلتها كلّ من جماعة شرق إفريقيا، والمؤتمر الدولي المعني بمنطقة البحيرات الكبرى، ومنظمة الأمم المتحدة (من خلال قوة حفظ السلام التابعة لبعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في جمهورية الكونغو الديمقراطية)؛ والتي حاولت مُعالَجة المشكلة، إلا أنه لم يتغير شيء يُذْكَر. وتستند هذه المبادرات إلى آليات عسكرية على حساب الحلول السياسية والمساعدات الإنسانية.
فضلاً عن أنَّ ما أحرزته عمليات قوات الأمن وحفظ السلام من نتائج قصيرة المدى أفرزت تداعيات سلبية في المقابل، كما يعتقد بعض الخبراء أن التركيز على العمليات العسكرية فقط يغلق الباب أمام الحلول السياسية، ويقوّض مفهوم حياد الأمم المتحدة. ويزيد هذا النهج أيضًا من المخاطر التي يتعرَّض لها المدنيون ويُحوّل الموارد عن الأنشطة غير العسكرية.
وتكون العواقب ضارّة بشكلٍ خاصّ في مناطق النزاع؛ حيث يكون المدنيون أكثر عُرضة للخطر، وطالما أدَّت تدخلات قوات الأمن إلى تفاقُم العنف والنزوح وانتهاكات حقوق الإنسان.
جهود السلام الإقليمية وحماية المدنيين:
يجب الأخذ بعين الاعتبار العوامل السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تتسبب في تأجيج الصراعات مع زيادة التركيز على المبادرات الإنسانية والدبلوماسية. كما يتعين كذلك أن تُركِّز جهود السلام الإقليمية على استراتيجيات وآليات تنمية مستدامة تعطي الأولوية لحماية المدنيين وتوفير الاستقرار على المدى الطويل.
وبالإضافة إلى حماية المدنيين؛ تشرف بعثة منظمة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في جمهورية الكونغو الديمقراطية على جميع العمليات الإنسانية للأمم المتحدة والأجنبية في المنطقة؛ لكنَّ الهجمات التي تشنّها الجماعات المسلحة العنيفة على موظفي الأمم المتحدة ومركباتها تخلق عراقيل. ويظل أنَّ الوصول إلى المناطق والسكان المتضررين مقيدًا. بالإضافة إلى ذلك؛ فإن السكان المحليين مناهضون ضد بعض المنظمات الإنسانية.
وتهدف خارطة الطريق التي تبنّتها جمهورية الكونغو الديمقراطية، 2021- 2023م، إلى الحفاظ على الوحدة الوطنية واحترام حقوق الإنسان، وقد تعهَّدت الحكومة بالالتزام بتنفيذ برامج إنمائية للحدّ من الفقر وتعزيز التكامل السياسي وبناء السلام.
بَيْد أنَّ شرق البلاد لا يزال مسرحًا لعددٍ كبيرٍ من انتهاكات حقوق الإنسان والتجاوزات وانتهاك حقوق الإنسان من جانب جميع أطراف الصراع. ويؤدي العنف الطائفي، الذي يُغذِّيه خطاب الكراهية على وسائل التواصل الاجتماعي، إلى تفاقم المشكلة وخنق المبادرات الإنسانية.
التركيز على المناطق التي تستضيف معظم النازحين:
تم إدراج قضية النازحين داخل البلاد في جدول أعمال مؤتمر قمة الاتحاد الإفريقي في فبراير الماضي، وقد أعرب القادة الأفارقة عن قلقهم إزاء عرقلة وصول المساعدات الإنسانية لمناطق النزاع، والحاجة الملحة لمعالجة أزمة اللاجئين في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية. كما أتاح مؤتمر القمة المصغّر لجماعة شرق إفريقيا الذي عقد في 17 فبراير 2023م وعمليتا السلام في لواندا ونيروبي فرصة لمناقشة هذه الحالة والإشارة إلى العودة الطوعية للمشردين داخليًّا واللاجئين في دول الجوار.
لكنَّ عدم التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار وعدم وجود ضمانات أمنية حقيقية؛ يحول دون أيّ شكل من أشكال العودة الآمنة، بالإضافة إلى كون الحلول الدبلوماسية لم تُسْفِر عن شيء، عطفًا على عدم استقرار الحالة الأمنية على أرض الواقع؛ من أجل ذلك وغيره فإن الأزمة الإنسانية تزداد سوءًا.
من جهة أخرى، فإن مبادرات السلام غير فعّالة حتى الآن؛ لأنها تفتقر إلى آليات للرصد والإبلاغ وحل النزاعات والمساءلة عن الانتهاكات. وما دامت الأهداف الأمنية المطلقة لا تزال تحظى بأكبر قدر من الاهتمام؛ فإن معالجة مشكلة اللاجئين هي عنصر أساسي في إيجاد حلول دائمة.
يتطلب الحل طويل الأمد الذي يوفّر الأمن للنازحين واللاجئين جهودًا سياسية ودبلوماسية متواصلة، ويتعين على حكومة جمهورية الكونغو الديمقراطية إعطاء الأولوية لتقديم المساعدة، وضمان حماية العاملين في فرق الإغاثة، بالإضافة إلى تحسين وصول المساعدات الإنسانية إلى المتضررين والتنسيق بين الجهات المانحة.
من ناحية أخرى، يجب تفعيل قوة جماعة شرق إفريقيا بالكامل، وأن تركّز على انسحاب الجماعات المسلحة من المناطق التي يوجد بها أكبر عدد من النازحين؛ من أجل تسهيل وصول المساعدات الإنسانية إليهم، كما يجب على القوة إعطاء الأولوية لأمن قوافل المساعدات الإنسانية؛ لتمكين إيصال المساعدات إلى المحتاجين بأمان.
وعلى الرغم من أن بعثة منظمة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في جمهورية الكونغو الديمقراطية لها دور في تنسيق العمل الإنساني؛ إلا أنه يجب إشراك منظمات العمل الإنساني المحلية؛ حيث تمتلك هذه المنظمات الموارد اللازمة لتحسين الوصول إلى المناطق التي يكون فيها السكان معادين لأنشطة وكالات الأمم المتحدة، وتمتلك القدرة على تطوير حلول تتكيف مع السياق الاجتماعي.
في النهاية إن إيلاء الاهتمام والموارد الكافية للمساعدات الإنسانية في إطار مبادرات السلام الإقليمية أمر بالغ الأهمية لإحلال السلام في جمهورية الكونغو الديمقراطية.
___________________________
الهوامش:
* مارغريت مونياني، باحثة متخصصة في شؤون الهجرة.
* وريمادجي هويناثي، باحثة متخصصة في شؤون منطقة وسط إفريقيا والبحيرات العظمى، محطة الفضاء الدولية في بريتوريا.
رابط المقال: