بقلم: فيليب راندريانريم نانا
ترجمة: سيدي.م. ويدراوغو
على الرغم من الغموض السائد حول وجود المقاتلين الأفارقة في الحرب في أوكرانيا؛ سواء الذين سقطوا في الخطوط الأمامية، أو غيرهم؛ إلا أن وجودهم على الأرض لم يَعُد موضع شكّ. فهناك أفارقة منخرطون في الحرب في أوكرانيا؛ فمن هم؟ وكم عددهم؟ ولصالح مَن يعملون؟
من الصعب الإجابة عن كل هذه الأسئلة بدقة. إذ من الواضح أنه منذ البداية كان يُنظَر إلى الأفارقة على أنهم مُجنَّدون مُحتمَلون على كلا الجانبين.
هل يوجد مجنّدون أفارقة في صفوف الجيش الأوكراني؟
تابَع الأفارقة في أرجاء القارة الحرب الروسية الأوكرانية منذ اندلاعها، وعقب انطلاق قصف المدن الأوكرانية والغزو الروسي؛ تدفَّق المدنيون المشرَّدون باتجاه الغرب؛ حيث كان الطلاب من جميع أنحاء البلاد يُشكّلون الجزء الأكبر من المجموعة. ورغم ذلك تعرَّض العديد من الأفارقة لمعاملة مغايرة عن بقية اللاجئين الأوكرانيين فور وصولهم إلى حدود دول الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي اعتبره بعض الخبراء تمييزًا عنصريًّا.
بالإضافة إلى ذلك، فقد روى بعض الأفارقة أنه تم تقديم عرض الانضمام إلى الجيش الأوكراني عليهم على غرار الرجال الأوكرانيين الأصحاء الذين كان من المتوقع بقاؤهم للقتال.
لا تتردد أوكرانيا، في مواجهة روسيا، عن دعوة متطوعين أجانب. وعليه، فقد تم تأسيس فيلق دولي للدفاع عن أراضي أوكرانيا عقب إعلان وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا، بعد أسبوعين من هجوم القوات الروسية، عن تسجيل 20 ألف متطوع أجنبي من 52 دولة مختلفة، دون مزيد من التفاصيل.
لكنَّ حملة تجنيد المتطوعين مِن قِبَل أوكرانيا عبر سفاراتها لا تجد قبولاً في العديد من البلدان الإفريقية؛ حيث طالبت الحكومة السنغالية السفير الأوكراني بدكار بسحب إعلانٍ نُشِرَ على فيسبوك. وفي نيجيريا وجنوب إفريقيا والجزائر تحظر السلطات أيّ تجنيد، ربما تحاشيًا عن عدم إدراج موسكو اسمها في القائمة السوداء.
ولم يصدر أي بيان رسمي من الجانب الأوكراني يشهد على وجود أفارقة في صفوفه. ولكن تداولت وسائل إعلام موالية لأوكرانيا فيديو باللغة الإنجليزية يحتوي على صورة فريدة لسوداني درس في بولتافا، وبقي في أوكرانيا بعد الزواج من هناك، ومِن ثَم تمَّ تجنيده في الجيش الأوكراني.
من جانبها؛ ذكرت روسيا أن من بين إجمالي 7000 مرتزق أجنبي من 64 دولة حول العالم من الذين يعملون لصالح الجيش الأوكراني؛ هناك 85 نيجيريًّا من بينهم 38 قتيلًا، و35 عادوا إلى البلاد، وعشرات لا يزالون موجودين في أوكرانيا حتى يونيو الماضي.
من هم “الرؤوس السوداء” من جمهورية إفريقيا الوسطى؟
“إخواني الروس، انتظروا! نحن الأفارقة قادمون قريبًا. تحلّوا بالشجاعة! تحلّوا بالشجاعة! هذا هو الوعد الذي تفوَّه به الرجل الإفريقي باللغة الفرنسية، والذي كان يرتدي الزي العسكري، نيابةً عن مجموعة من حوالي عشرة من نظرائه المدججين بالسلاح والذين كانوا ملثَّمين. ويبدو أن الحدث وقع في جمهورية إفريقيا الوسطى مثل مقاطع فيديو أخرى مماثلة يتم تداولها في نفس الوقت وعرضها بكل وضوح.
والغرض هو نفسه إثبات وجود مقاتلين أفارقة متطوعين للقتال لدعم روسيا في حربها على أوكرانيا؛ حتى إن أحدهم أعلن عن ذلك صراحةً باللغة الروسية في الفيديو المشار إليه.
لكن هل هذه التصريحات عن النوايا تتبعها أفعال؟ وفقًا للصحفي النيجيري فيليب أوباجي جونيور -من صحيفة ديلي بيست-؛ فإن المقاتلين الذين ظهروا في أحد مقاطع الفيديو أمام تمثال هم في الواقع بالقرب من معسكر بيرنغو بالقرب من بانغي؛ حيث يقوم مدربون من مجموعة فاغنر بتدريب جنود من إفريقيا الوسطى.
ووفقًا لمصادر عسكرية رفيعة المستوى من جمهورية إفريقيا الوسطى، فقد كشفت صحيفة ديلي بيست أن ما يقرب من 200 مقاتل من جمهورية إفريقيا الوسطى أرسلتهم مجموعة فاغنر للتدريب العسكريّ في روسيا منذ شهر فبراير 2022م.
أما أولئك الذين يُطلَق عليهم الآن “الرؤوس السوداء” فهم من المتمردين السابقين في اتحاد الوطنيين الكونغوليين، والاتحاد من أجل السلام، الذين استسلموا بالموافقة على التعاون مع بانغي وحلفائها الروس. وقد عاد مائة منهم فقط إلى جمهورية إفريقيا الوسطى منذ بداية مارس الماضي، بينما تم إرسال مئات آخرين للقتال في أوكرانيا.
لكن وفقًا لفيليب أوباجي جونيور، فقد تم إطلاق سراح مجندين آخرين من إفريقيا الوسطى، بعد عدة أشهر، وإرسالهم إلى أوكرانيا مباشرة من السجن مِن قِبَل مجموعة فاغنر. وعلى الرغم من صعوبة إعطاء أرقام دقيقة عن عددهم؛ إلا أن بعض هؤلاء المعتقلين من مرتكبي الجرائم الخطيرة وأصحاب السوابق، وهي طريقة التوظيف المعمول بها من مجموعة فاغنر في روسيا، والتي طبّقها رئيس المجموعة، يفغيني بريغزين، شخصيًّا.
مصير مرتزقة فاغنر الأفارقة:
وإذا لم يكن إرسال هؤلاء “الرؤوس السوداء” من إفريقيا الوسطى إلى أوكرانيا مجرد دعاية إعلامية؛ إلا أن ذلك لا ينطبق على حالة بعض الأفراد الأفارقة المقاتلين والموالين لروسيا الذين تم تداول شهادتهم عبر شبكات التواصل الاجتماعي.
وتُعدّ حالة الكونغولي جان كلود سانغوا -الذي قابله مُدوِّن مُؤيِّد لروسيا والذي فُوجئ بمقابلة رجل أسمر في ميليشيا لوغانسك- هي أولى الحالات المعروفة. والطالب الإفريقي المذكور الذي غادر بلاده لمواصلة دراسته في روسيا التحق بجامعة عاصمة هذه الجمهورية الانفصالية الموالية لروسيا في شرق أوكرانيا. وفقاً لروايته الخاصة، قرّر طالبان إفريقيان آخران مثله -عقب انطلاق “العملية العسكرية الخاصة”- الدفاع عن روسيا “وطنهم الثاني”.
في فيديو دعائي آخر، إلى جانب يفغيني بريغزين نفسه؛ نلتقي بمرتزق من كوت ديفوار وأحد الطلاب الأفارقة في روسيا، ولكن تم تجنيده في السجن. وعلى الرغم من التزامه الصمت بشأن الأسباب التي دفعت به إلى السجن؛ إلا أن الأسباب التي دفعت السجناء إلى التجنيد لفاغنر معروفة. بالإضافة إلى الوعود بالرواتب والتدريب الأساسي، فإن الخدمة لمدة ستة أشهر كافية لاستعادة الحرية؛ لكنَّ التّحدّي الأكبر هو البقاء على قيد الحياة.
لم يحالف الحظ الزامبي ليميكاني ناثان نيرندا، والتنزاني نيميس تاريمو، الطالبان الإفريقيان في موسكو، واللذين كانا محتجزين في السجن، ثم تم تجنيدهما مِن قِبَل فاجنر، فالطالب الزامبي، لم يكن أقاربه على علم بوجوده في أوكرانيا حتى يوم العثور على جثته.
توفي ليميكاني ناثان نيرندا البالغ من العمر 23 عامًا في 22 سبتمبر 2022م على الخطوط الأمامية في أوكرانيا قبل مطالبة بلده زامبيا بتوضيحات رسمية من وزارة الخارجية الروسية. كتب بريغوزين فيما بعد عن هذا الطالب بأنه سقط “بطلاً” وأنه كان من بين الأوائل الذين اقتحموا صفوف العدو.
وتوفي نيميس تاريمو، 33 عامًا، في نهاية أكتوبر في باخموت، وهي مدينة مُدمَّرة تمامًا في دونباس، والتي كانت مسرحًا لقتال عنيف منذ شهور. ووفقًا لوسائل الإعلام الروسية الرسمية، فقد تم الاحتفال بطقوس جنازة ومنحته مجموعة فاغنر ميدالية بعد وفاته “لشجاعته”.
لا يُخفي مجتمع فاغنر أن خطر الموت بالنسبة للسجناء السابقين المجندين مرتفع للغاية. ولسبب وجيه، يعمل العديد من المجندين حرفيًّا كوقود للمدافع، تم إرسالهم إلى الجبهة تحت رحمة النار؛ بهدف وحيد هو الكشف عن مواقع العدو، وفقًا للجنود الأوكرانيين. في مقابلة مع بي بي سي، أعلن الصحفي النيجيري فيليب أوباجي جونيور عن وجود عشرات الأفارقة الذين جندتهم مجموعة فاغنر في السجون الروسية.
ووفقًا للشهادات التي جمعتها صحيفة ديلي بيست، فإن “الرؤوس السوداء” في إفريقيا الوسطى يجدون أنفسهم في وضع يائس؛ فقد تم التخلي عنهم مِن قِبَل قيادتهم بدون ذخيرة وبدون غذاء؛ إنهم مرتزقة بلا موارد. كما أن مجموعة فاغنر لا تفي بالتزاماتها المتعلقة برعاية أقارب المرتزق المقتول؛ إذا لم يتم العثور على جثته رسميًّا.
ورغم ذلك، فإن الهروب محفوف بالمخاطر بالنسبة لهؤلاء المرتزقة، وقد نقل فيليب أوباجي جونيور شهادات “الرؤوس السوداء” الذين اختُطِفَ أقاربهم في البلاد لإجبارهم على الانضمام إلى المجموعة.
ووفقًا للعديد من مرتزقة فاغنر الأفارقة في أوكرانيا، سواء تم تجنيدهم في السجن أم لا، يتحول الاشتباك على الجبهة إلى كابوس يؤدّي إلى موت مُؤكَّد مع استثناءات قليلة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رابط المقال: