بقلم: بيرنارد كبوري
ترجمة: سيدي.م. ويدراوغو
أثَّرت جائحة كوفيد-19، والحرب في أوكرانيا، والتَّضخُّم تأثيرًا كبيرًا على القوة الشرائية للمواطن البوركيني؛ فضلاً عن تأثر الدولة على كافة الجبهات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. ورغم ذلك قرّرت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) الإبقاء على العقوبات المفروضة على البلاد بقيادة الحكومة الانتقالية بعد أيام قلائل من رفض سلطات البلاد استمرار عمليات قوة “سيبر” الفرنسية في البلاد.
ولذا فليس من قبيل المبالغة القول: إن بوركينا فاسو تجد نفسها في وضع حساس له تأثير قوي على التنمية الاقتصادية للبلاد.
وللتذكير، فقد انخرط بلد “الرجال النزيهين”، منذ عدة سنوات، في حرب بلا هوادة ومستنزفة ضد الإرهاب، والتي تستلزم موارد كبيرة، كما يتعين على البلاد التعامل مع الصدمات الخارجية على غرار جائحة كوفيد-19 أو الحرب في أوكرانيا. كما تتأثر بوركينا فاسو أيضًا بالأزمات المناخية التي ينتج عنها الفيضانات أو حالات الجفاف الشديد. هذه كلها عوامل تهدّد التوقعات طويلة المدى، وتؤثر على حياة الناس اليومية. خاصةً مع ارتفاع التضخم إلى خانة العشرات في الأشهر الأخيرة، حيث يُقدّر بنحو 14.6% في المتوسط في عام 2022م.
من هنا تثار التساؤلات: كيف تتعامل بوركينا فاسو مع الصدمات المختلفة، وهي أول مَن تتحمل العبء الأكبر من تكرار عدم الاستقرار السياسي؟ وما هي الوسائل التي تمتلكها الحكومة لتجاوز التحديات القائمة دون الأضرار الجسيمة؟
التكيُّف مع معطيات الحياة اليومية:
يبدأ المدرس آدم ترواري، المسؤول عن رعاية أسرته، يومه بتوفير الإفطار ووجبات اليوم ومصروف الجيب لأطفاله الثلاثة، مما لا يقل عن 2000 فرنك إفريقي (3,05 يورو). علمًا بأن المدرس يستخدم دراجة نارية إلى المدرسة التي يعمل فيها، وبعملية حسابية سريعة “أقطع مسافة حوالي 15 كم من المنزل إلى المدرسة، مما يُكلّفني يوميا أكثر من 500 فرنك إفريقي في الوقود”. ولتوفير الوقود، يفضل آدم عدم العودة إلى المنزل خلال استراحة منتصف النهار. لكنه خيار لا يزال ينطوي على تكاليف، خاصةً أنه ينفق ما لا يقل عن 500 فرنك إفريقي لوجبة الغداء.
ومع دخل شهري يبلغ حوالي 260 ألف فرنك إفريقي (396,41 يورو) يخصص المدرس آدم ترواري جزءًا كبيرًا من هذا المبلغ للاحتياجات الأسرية والشخصية؛ حيث يستهلك زهاء خُمس راتبه (حوالي 50000 فرنك إفريقي) في توفير الغذاء، يضاف إلى ذلك فاتورة الكهرباء (8000 إلى 10000 فرنك شهريًّا)، فاتورة المياه (5000 إلى 6000 فرنك)، والإيجار (65000 فرنك إفريقي)، ناهيك عن الحبوب والأرز والسلع الحيوية الأخرى؛ فضلاً عن “الحالات الطارئة” على غرار الرعاية الصحية لأحد أفراد الأسرة. “بالكاد نوفّر الاحتياجات الضرورية في النهاية، وأحيانًا نتصرف لضمان المصاريف اللازمة”؛ يعترف المعلم. وذلك دون اعتبار النفقات الإجبارية مثل تعليم الأطفال “أنفقت أكثر من 350,000 فرنك إفريقي (530 يورو) هذا العام على تعليم أطفالي الثلاثة”؛ لذا لا يوجد المجال للهوايات على غرار “الذهاب إلى السينما أو تسلية نفسك بالمشروبات”؛ على حد تعبيره.
ومن جانبه يقوم عثمان بانسيه، الإسكافي وملمّع الأحذية، بأداء أقل من أداء أداما. يبدأ يوم هذا الأب لستة أطفال، هناك أيضًا، بما يكفي لتوفير العَشاء في المساء، وضمان تكاليف الوجبات التي تُعدّ جزءًا من مسؤولياته لانتمائه إلى المجتمع البوركيني الذي يغلب عليه الطابع الأبوي. يقول زوج امرأتين: “أضطر كل صباح إلى إنفاق ما بين 500 و1000 فرنك إفريقي للغذاء”، وعلى الرغم من أن استخدامه الدراجة الهوائية كوسيلة النقل يُعفيه من النفقات اليومية للوقود؛ إلا أن عثمان بالكاد يغطي نفقاته اليومية نتيجة ضآلة دخله اليومي الذي يتراوح بين 2000 و2500 فرنك إفريقي فحسب.
وعليه صرّح قائلاً: “يتعين عليّ التضرّع إلى الله دائمًا أن يجنّبني حالات الطوارئ مثل المشاكل الصحية؛ لكون دخلي غير منتظم تمامًا”؛ على حد قول الإسكافي. وحتى في حال المساواة في الدخل، فإن المخاوف هي نفسها تقريبًا، الأمر الذي لا ينفيه عيسى كيري، البائع المتجول في واغادوغو، الذي يقود عربة مليئة بسلعٍ مختلفة (سجائر، حلويات، بودرة صابون،… إلخ) في أزقة المدينة، ويدفعها بين ممرات سوق العاصمة الكبيرة؛ بحثًا عن زبائن، هو عمل هذا الشاب الثلاثيني مقابل دخل يقارب 2000 فرنك إفريقي) 3 يورو وقليل) في اليوم.
انعدام الأمن، كوفيد -19، الحرب الروسية -الأوكرانية: كوكتيل متفجر:
بصرف النظر عن ضآلة تلك المبالغ؛ تظل النفقات ذات الأولوية لشعب بوركينا فاسو على أساس يومي هي نفسها تقريبًا من مستهلك إلى آخر: الغذاء والنقل والرعاية وتكاليف الاتصال… يشارك العديد (سواء على مستوى ذوي الدخل المرتفع أو المنخفض) الاستياء من ارتفاع تكاليف المعيشة بشكل متزايد نسبة إلى القوة الشرائية. تقول فانتا بيليم فوفانا، موظفة في القطاع الخاص: “كل شيء آخِذ في الازدياد يومًا بعد يوم”.
لكنَّ بائع الأحذية، محمادي كومباوري، سعيد لقدرته على كسب ما بين 5000 إلى 6000 فرنك إفريقي يوميًّا (7,6 إلى 9,12 يورو)؛ “يكفي لتغطية المصاريف الأساسية”، لكنه بعيد كل البعد عن السماح له بالاستثمار وتنفيذ المشاريع قبل وفاته؛ يقول: “أتطلع إلى تشييد منزل مريح ومناسب، لكن ذلك غير متوفر لديَّ في الوقت الحالي. علاوة على ذلك، أحلم أن أتمكن من شراء سيارة في يوم من الأيام”؛ ثم دفع به اليأس إلى القول: “للأسف! أصبح الوصول إلى كل شيء تقريبًا غير ممكن في السوق؛ بدءًا بالمواد الغذائية”؛ يأسف محمادي كومباوري.
وذهب جاره أبلاسي تاملغو، الذي يدير كشك لبيع المنتجات البسيطة، في نفس المنوال قائلاً: “لدي انطباع بأن دخلي في السنوات المنصرمة كان يتناسب فقط مع نفقاتي الأساسية، لكن المبلغ المماثل لم يَعُد كافيًا. وخاصةً أن جزءًا من دخلي اليومي، على سبيل المثال، يُنفَق في شراء البنزين، الذي شهد سعره ارتفاعًا مؤخرًا”؛ على حد تعبيره. في الواقع، شهد سعر بنزين سوبر91 ارتفاعًا نتيجة تعديل السعر في مطلع فبراير مِن قِبَل الحكومة الانتقالية. علمًا بأن سعر اللتر الواحد للبنزين الذي كان حتى ذلك الحين بسعر 750 فرنك إفريقي (1,14 يورو)، يبلغ الآن 850 فرنك إفريقي إلى (1,29 يورو).
وفقًا للعديد من المستهلكين؛ فإن أسباب ارتفاع تكلفة المعيشة ليست بعيدة؛ حيث “يرجع الانكماش في النشاط أساسًا إلى حالة عدم الاستقرار الأمني [التي تسبَّبت في مقتل عدة آلاف وتشريد ما يقرب من مليوني شخص خلال سبع سنوات]، لا سيما أن الإنتاج مستحيل في مناطق التوتر؛ مما يؤثر على توافر بعض المنتجات. بالإضافة إلى ذلك، علينا أن ندرك حقيقة أن الزيادة المتكررة في سعر البنزين لها تأثير مباشر على تكلفة المعيشة”؛ حسب وجهة نظر مارك ييجوي، بائع الأحزمة الذي التقينا به في السوق الكبير في واغادوغو. ليست الأزمة الصحية الناجمة عن جائحة كوفيد-19 فحسب، بل العديد من الصدمات الأخرى، الخارجية أو الداخلية، أفرزت تأثيرات على القوة الشرائية.
اقتصاد صامد رغم التحديات:
أشار وزير المالية البوركينابي، أبو بكر نكانابو، في استعراضه للوضع الاقتصادي والمالي لبوركينا فاسو في عام 2022م والتوقعات المستقبلية للفترة 2023-2025م في نهاية شهر يناير الماضي، إلى أن “النشاط الاقتصادي وإدارة المال العام تأثَّر بشكل كبير في عام 2022م بالأزمة الروسية الأوكرانية والتوترات الجيوستراتيجية وعودة ظهور متحوّرات جديدة لكوفيد-19″، مضيفًا أنه على المستوى الوطني “نلاحظ استمرار الهجمات الإرهابية والنزوح الداخلي الجماعي للسكان والتداعيات الإنسانية المصاحبة، عطفًا على ظهور التحولات السياسية”. وفقًا لبيانات وزارة المالية، فقد سجَّل الاقتصاد تباطؤًا في وتيرة نموّه ليقف عند 2.7% في عام 2022م مقابل 6.9%في عام 2021م، بينما بلغ معدل التضخم لعام 2022م بأكمله 14.6% مقابل 14.6% مقابل 3.9% في 2021م.
لكنَّ الشعب البوركيني يُبدي صمودًا في مواجهة هذا الوضع الاقتصادي في البلاد… قد ينحني الاقتصاد والدولة لكنهما صامدان. ومن جانبه قدَّم محافظ البنك المركزي لدول غرب إفريقيا، جان كلود كاسي برو، مؤخرًا دعمه لسلطات البلاد في مواجهة الوضع الاقتصادي. وأشار إلى أن “النمو الاقتصادي في عام 2022م جاء إيجابيًّا، وينبغي أن يستمر في التحسن في عام 2023م مع تحسين الموسم الزراعي على وجه الخصوص”، مشيرًا إلى أن “التضخم لا يزال يُمثِّل تحديًا لاقتصاد بوركينا فاسو، كما هو الحال في جميع البلدان الأخرى على مستوى أويموا”؛ على حد تعبيره خلال زيارة قام بها مؤخرًا إلى رئيس المرحلة الانتقالية في بوركينا فاسو؛ الكابتن إبراهيم تراوري.
وعليه يظل الأمل حاضرًا، والعديد منهم، على غرار أبلاسي تاملغو، متفائلون؛ حيث يأمل هذا التاجر، مثل العديد من مواطنيه، في إمكانية إزالة العقبات التي تعترض الانتعاش الاقتصادي بما في ذلك الأزمة الأمنية في أقرب وقت ممكن.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رابط المقال: