بقلم: فيفيان فورسون
ترجمة: سيدي.م. ويدراوغو
تستجيب النساء الإفريقيات من الخبيرات وذوات الكفاءة العالية، من خلال إنتاجهن العلمي، للاحتياجات المُلحّة للقارة. وهناك اجماع مفاده أن الباحثات والخبيرات من النساء الإفريقيات يشرعن في العمل، أكثر فأكثر، وبالتالي يَستفِدْن من البرامج التعليمية والمِنَح الدراسية المخصَّصة، وإنهن لا يترددن في أداء دور نسائي متميز على أكمل وجه.
بالإضافة إلى الحصول على الدعم والتمويل، تهدف هؤلاء النساء قبل كل شيء إلى تغيير الوضع للأفضل، وتلقّي الأفكار حول الأبحاث الإفريقية, بما يكفي لبدء زخم قادر على تمكين إفريقيا لتأخذ مكانها الصحيح في البحوث العالمية.
ورغم ذلك، هناك ثمة سؤال يطرح نفسه:
ما الثمن الذي يتعين عليهن دفعه علمًا بأن 2% فقط من الباحثين في جميع أنحاء العالم هم من يأتون من إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وهي نسبة تُمثِّل النساء فيها الثلث؟ لكن يمكننا تكوين فكرة عن الوضع من خلال مسار العالمات اللاتي سنُسلط عليهن الضوء هنا.
أوليفيا جولاديس فادي: الاستجابة للاحتياجات المجتمعية الملحة
البحوث التي يتم تطبيقها بشكل مباشر على أرض الواقع استجابةً للاحتياجات الملموسة للسكان هي المهمة التي أوْكلتها أوليفيا جولاديس فاديي لنفسها. علمًا بأنها طالبة نجيبة في مرحلة الدكتوراه في العلوم الهندسية والتكنولوجيا في كلية الهندسة الزراعية بجامعة باراكو، في شمال بنين، وتدرس الفطريات بهدف إنشاء سلسلة قيّمة لاستغلالها في مجالات متنوعة؛ مثل الصحة أو مستحضرات التجميل، أو بعبارة أخرى هي طبيبة فطريات. وبالإضافة إلى شَغفها بهذا المجال المعقَّد، ترى الباحثة في زراعة الفطريات وسيلة لتوسيع المعرفة الذاتية لسكان هذه المنطقة من شمال غرب بنين، وعلى نطاق أوسع في غرب إفريقيا، على الرغم من استهلاكها واستخدامها في دستور الأدوية التقليدي لآلاف السنين.
وتسعى الباحثة المتحمّسة أيضًا إلى دعم النساء على سلوك طريق الاستقلال المالي في هذا المجال؛ بالإضافة إلى القدرة على مواجهة العديد من الصعوبات؛ مثل تغير المناخ، والمخاطر الأمنية، وتعزيز تكافؤ الفرص بين الجنسين.
لا تستطيع أوليفيا جولاديس فادي وصف مدى الإثارة والشغف في عملها واكتشافاتها؛ “إنه لأمر رائع أن تعمل على الفطريات، إنه عالم مثير حقًّا”، مضيفةً “تحتوي الفطريات على خصائص مذهلة يمكن استخدامها في العديد من المناطق. هناك 40 نوعًا من الفطريات الصالحة للأكل في دولة بنين، ولكن يتم استغلال جزء ضئيل بالفعل. والفطريات بمثابة مناجم ذهب، وعليه فإن هذا المورد جدير بتقدير أفضل، ومن مقدور السلطات تحويله إلى مسار جديد للتنمية”؛ على حد تعبيرها.
وعلاوة على سجل حافل من هذا الطراز، بالإضافة إلى الطموحات؛ فليس من المستغرَب أن يتم اختيارها من بين عشرين باحثًا إفريقيًّا تمَّت مكافأتهم في عام 2022م على تميّز إنتاجهم العلمي مِن قِبَل جائزة المواهب الشابة لإفريقيا جنوب الصحراء (خارج جنوب إفريقيا) للنساء والعلوم من مؤسسة لوريال واليونسكو. وقالت: «إن الاعتراف الدولي ومنحة بقيمة 10,000 يورو سيسمح للشابة بسلوك طرق معينة للبحث، مثل إيجاد مركبات جديدة للأغراض الصيدلانية أو مستحضرات التجميل… سيكون تركيزي على البحث والتطوير لإظهار أن تطوير الفطريات يمكن أن يصبح قطاعًا كاملاً من الاقتصاد»؛ وهي لا تزال متفاجئة بالحصول على هذه الجائزة.
الفطريات في خدمة تحسين ظروف المرأة:
مُحفّز الفطريات لدى هذه الشخصية النشطة في جامعة باراكو كان بفضل مدير أطروحتها، البروفيسور نورو سوليماني يورو. وبدعم من الأخير، وضعت أوليفيا فاديي استراتيجية متعددة الخطوات تمثلت المرحلة الأولى منها في تقديم التوجيه لحوالي 180 امرأة. وبمجرد التدريب على أساليب إنتاج وتسويق الفطريات سيكون بمقدور السيدات المعنيات المشاركة في هذا النشاط، وبالتالي انشاء مصدر للدخل في سياق ضغط اجتماعي قويّ.
وقالت ألكسندرا بالت، المديرة التنفيذية لمؤسسة لوريال: “هناك جيل شاب يريد تحريك الأوضاع… تسعى الباحثات إلى كتابة صفحة جديدة في التاريخ، وقبل كل شيء، تقديم الحلول المناسبة لقارتهن. أشعر بهذه الطاقة حاليًا، لكن هل ستكون كافية لتغيير الوضع؟ من السابق لأوانه معرفة ذلك”؛ حسب ما ورد في تحليلها في مقابلة أجرتْها مع مجلة لوبونيي أفريك.
أنجي- سينتيا أوموهيري: الاستجابة لتحديات العالم
ووفقًا لتقرير صادر عن اليونسكو، فإن العالمات لا يزلن قليلات للغاية فحسب، بل إنهن أيضًا يتقاضين أجورًا منخفضة، عطفًا على ضآلة أبحاثهن العلمية في المجلات العلمية؛ فضلاً عن كونهن لا يُنتجن في حياتهن المهنية بقدر إنتاج نُظرائهن من الرجال.
على سبيل المثال لا الحصر؛ فإن إنجي سينثيا أوموهيري هي إحدى الفائزات بجائزة هذا العام هي طالبة دكتوراه في علم الفلك وعلوم الفضاء، وحقَّقت حياة مهنية بامتياز، مما أحدث تغييرًا في هذا المجال. حصلت على درجة الماجستير في الفيزياء من جامعة مبارارا للعلوم والتكنولوجيا، في أوغندا، ودرجة البكالوريوس في الفيزياء والكيمياء والرياضيات في رواندا، وقد تسارع كل شيء بعد تدريبها لمدة ثلاثة أشهر في وكالة ناسا، في الولايات المتحدة، داخل قسم علوم الفيزياء الشمسية. إنها نقطة انطلاق حقيقية للشخصية التي تعمل حاليًا محللًا في وكالة الفضاء الرواندية التي تم إنشاؤها قبل عام واحد فقط.
وتوضّح قائلة: “نحن مسؤولون عن حل المشكلات المتعلقة بتنبؤات الطقس والمناخ، وأيضًا عن العمل على التنبؤ بالكوارث… في قسم علوم الأرض والفضاء، يحلل فريقنا أيضًا كيفية تحسين المحاصيل الزراعية من أجل الأمن الغذائي والتنبؤ بالأوبئة والعديد من الموضوعات الأخرى”؛ تستكشف إنجي سينثيا أوموهيري مجالًا واسعًا من الأبحاث الواعدة التي نشرت من أجلها بالفعل العديد من المقالات في المجلات العلمية المعترف بها. ومثلها، يشعر المزيد والمزيد من الباحثات بالقلق إزاء التحديات التي يفرضها الاحترار العالمي في إفريقيا. والواقع أن الجفاف والفيضانات المدمّرة تضر بالمجتمعات والاقتصادات والنظم الإيكولوجية الإفريقية بشدة.
وينيفريد أيينبوجبيلا اتِيَه: علم المناخ في الصميم
ومن جانبها طورت وينيفريد أيينبوجبيلا اتِيَاه، باحث ما بعد الدكتوراه في KNUST (قسم الفيزياء في جامعة كوامي نكروما للعلوم والتكنولوجيا)، ومقرها في كوماسي (غانا) اهتمامًا شديدًا بعلوم المناخ في سنّ مبكرة. وقد أسهمت الشابة، بشكل ملموس، في العديد من المشاريع مثل Africa Rising West Africa (إفريقيا الصاعدة، غرب إفريقيا)، وهو برنامج يقوم بتحليل بيانات هطول الأمطار والذي يُعتَبر حيويًّا للمزارعين الغانيين “لقد عشقت العلم منذ طفولتي، ونشأت بروح تنافسية بامتياز مع الآباء المدرسين الذين دفعوني مبكرًا إلى تبنّي مهنة علمية، لكن الواقع دفعني أن أتخصص في الطب”، بالإضافة إلى اهتمامها الكبير بترميز الكمبيوتر “قد انتابتني الشجاعة لاختيار علم الأرصاد الجوية باعتباره المجال الذي شعرت فيه أنني سأكون أكثر إفادة”؛ على حد تعبير الحاصلة على درجة الماجستير في العلوم الرياضية من المعهد الإفريقي للعلوم الرياضية، معهد أينشتاين القادم، من داكار.
جدير بالذكر أن نتائج بحثها -بالإضافة إلى نشرها بانتظام- تُستخدم بالفعل من قبل وكالة الأرصاد الجوية بدولة غانا لا سيما في تخطيط الإنتاج الزراعي في بلد ومنطقة فرعية ابتُليت بالفيضانات التاريخية، وحيث لا تزال بيانات الطقس غير كافية. وفي هذا الصدد، حذَّرت وكالة التنمية الفرنسية (AFD) مؤخرًا في تقريرها “الاقتصاد الإفريقي 2023م” من “مخاطر احتمال أن تصبح بعض المناطق غير صالحة للإسكان خلال القرن بالنسبة للبلدان الساحلية في غرب إفريقيا، من السنغال إلى نيجيريا”.
كما أشار البنك الدولي في تقريرٍ نُشر في نوفمبر إلى أن غانا، ذات معدل انبعاث الكربون المنخفض مقارنةً بالمتوسط العالمي، على غرار العديد من البلدان الإفريقية، تأتي في طليعة المتأثرين بالأزمة المناخية. و”تمثل لزراعة 22% من الناتج المحلي الإجمالي الغاني و29.7% من الوظائف؛ ومن هنا تأتي أهمية التنبؤ بهطول الأمطار ومعرفة حالة التربة”؛ وفقًا لوينيفريد أيينبوجبيلا اتِيَاه، التي ترغب في بلورة أبحاثها أيضًا في دول إفريقية أخرى. وفقًا للباحثة، فإن بدايتها المبكرة في دراسة العلوم تشكَّلت كحافز لديها وأحدثت الفرق؛ وأضافت: “التغييرات قادمة، ومع ذلك، أعتقد أن العمل التعليمي يجب أن يتم بشكل أكبر… وكلما أسرعت الفتيات الصغيرات في الاهتمام بالعلوم بنفس الطريقة التي يهتم بها الأولاد، وجدوها أمرًا طبيعيًّا في وقت مبكر ولا يواجهن عقبات بالطريقة نفسها. وسوف يكسِبن المزيد من الثقة بالنفس ويمكنهن المشاركة في مجالات علمية مختلفة”؛ على حد تعبيرها.
المناخ مصدر قلق كبير وفقًا أولواتوسين أوجوندولي:
في نيجيريا المجاورة، تشعر أولواتوسين أوجوندول، طالبة الدكتوراه في علوم الكمبيوتر، بالقلق أيضًا بشأن هذه الظواهر المناخية القاسية. ويركِّز بحثها على تطوير نموذج تم إدراج التحسينات فيه مع الاعتماد على خوارزمية مخصَّصة للتنبؤ بالفيضانات. وفقًا لـ WWA (المرصد العالمي للطقس)؛ فإن تغيّر المناخ أدى إلى زيادة بمقدار 80 مرة من احتمال هطول أمطار غزيرة التي تسببت في فيضانات تاريخية في نيجيريا، وأودت بحياة أكثر من 600 شخص، ودمَّرت الأراضي الزراعية في البلاد بحلول نهاية عام 2022م.
وبصفتها رائدة، فرضت هذه الشبكة العالمية من الخبراء نفسها في السنوات الأخيرة، من خلال قدرتها على التقييم السريع للصلة بين الظواهر الجوية العنيدة وتغيّر المناخ، وتوصّلت إلى نتيجةٍ مفادها عدم الارتباط الآلي بين الظواهر.
ووفقًا لأولواتوسين أوجوندول؛ فـ”إن المساواة في التحصيل العلمي للنساء والفتيات من شأنه أن يُتيح استجابة أكثر فعالية لأعظم التحديات في إفريقيا؛ لأن العلم والتكنولوجيا والابتكارات يمكن أن تقلّل من عدم المساواة وتُدرّ الدخل لإفريقيا وتدعم التنمية المستدامة والشاملة عبر القارة”.
إنها تصريحات من إمكانها أن تلهم العالمات الأخريات مع فتح عملية التقديم للنسخة الرابعة عشرة من جائزة المواهب الشَّابَّة في إفريقيا جنوب الصحراء للمرأة في العلوم من مؤسسة لوريال واليونسكو.
____________________________
رابط المقال: